أولًا: القضية المقاصدية كما يتداولها الخطاب العلماني:
1- كلمات حق يراد بها باطل:
يتداول العلمانيون في خطابهم مفاهيم متعددة مثل: المقاصد[1] والمصالح[2] والمغزى والجوهر والروح[3] والضمير الحديث[4] والضمير الإسلامي والوجدان الحديث[5] والمنهج[6] والرحمة[7].
وهي كلمات حق يراد بها باطل لأن بينها مفاهيم إسلامية يراد بها ذر الرماد في العيون، مثلها مثل الكلمات التبجيلية التي يتداولها العلمانيون أثناء الحديث عن القرآن تمهيدًا لإقصائه عن الحياة والتشريع، وموقع القيادة كقولهم:
– (القرآن كتاب هداية وبشرى، يقول كل شيء ولا يقول شيئًا)[8].
– (القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه إنه ليس كتابًا في الطب والفيزياء)[9]
– (والخطاب القرآني خطاب تثقيفي تربوي من أوله إلى آخره)[10].
– (القرآن كتاب هداية وبشرى ورحمة، وليس كتاب قانون تعليمي)[11].
– (القرآن ليس كتاب علم، وإنما خطاب ديني وروحي أخلاقي كوني)[12].
– (القرآن كتاب دين وإيمان وليس كتاب تقنين وتشريع بعكس التوراة)[13].
– (شريعة موسى الحق، وعيسى الحب، ومحمد هي الرحمة)[14].
– (القرآن الكريم كتاب عظيم، وليس كتابًا في الجغرافيا والجيولوجيا والتاريخ والذرة)[15].
وعلى هذا السبيل تستخدم المقاصد والمصالح والتأويل وعلوم القرآن كما سنرى.
2- إبراز الشاطبي وتصفية الشافعي (والدوافع الفكرانية):
لقد رأينا كيف أخذ الجابري على الأصوليين اهتمامهم الشديد بالمباحث اللغوية والمسائل النحوية، واعتبرهم غفلوا عن المقاصد الشرعية، وصنع من ذلك إشكالية جعلها محور دراسته هي إشكالية اللفظ والمعنى[16] فقال: (إن أول ما يلفت الانتباه في الدراسات والأبحاث البيانية سواء في اللغة، أو النحو، أو الفقه، أو الكلام، أو البلاغة، أو النقد الأدبي هو ميلها العام الواضح إلى النظر إلى اللفظ والمعنى ككيانين منفصلين، أو على الأقل كطرفين يتمتع كل منهما بنسبة واسعة من الاستقلال عن الآخر)[17].
وحكم على علم الأصول منذ الشافعي إلى الغزالي بأنه كان يطلب المعاني من الألفاظ[18] (فجعلوا من الاجتهاد اجتهادًا في اللغة التي نزل بها القرآن، فكانت النتيجة أن شغلتهم المسائل اللغوية عن المقاصد الشرعية، فعمقوا في العقل البياني وفي النظام المعرفي الذي يؤسسه خاصيتين لازمتاه منذ البداية، الأولى هي الانطلاق من الألفاظ إلى المعاني ومن هنا أهمية اللفظ ووزنه في التفكير البياني، والثانية هي الاهتمام بالجزئيات على حساب الكليات – الاهتمام باللفظ وأصنافه.. إلخ على حساب مقاصد الشريعة)[19]، وهو ما سبب مشاكل من التأويلات المتعارضة والمتناقضة التي وظفت حسب المذاهب المختلفة[20].
والبديل – كما قلنا سالفًا لديه – هو مقاصد الشريعة كما مهد لها ابن حزم، ثم ابن رشد، ثم ابن خلدون[21] ثم الشاطبي الذي دشن إبستمولوجية (معرفية) في علم المقاصد[22].
وهكذا حظي الشاطبي بكثير من الإطراء والثناء على حساب الشافعي وغيره من الأصوليين[23]، واعتبر مؤسس علم المقاصد وقواعده الكلية[24]، واعتبرت نظريته في المقاصد (جديدة كل الجدة)[25]، وقيل بأن الجديد فيها أنها تجعل المقاصد حاكمة على الوسائل[26]، وأن العبرة – على ذلك – ليست بخصوص السبب ولا بعموم اللفظ وإنما بالمقاصد[27]، بل وصل الأمر إلى حد القول بأن مقاصد الشريعة الشاطبية تقدم المصلحة على النص[28].
كانت هذه الإشادة بالشاطبي تتوازى مع هجمة شرسة على الإمام الشافعي الذي وُصِم بأنه مكرس (الإيديولوجية العربية)[29] (إن الشافعي وهو يؤسس عروبة الكتاب.. كان يفعل ذلك من منظور أيديولوجي ضمني في سياق الصراع الشعوبي الفكري والثقافي.. لقد انحاز إلى العروبة فقط، بل إلى القرشية تحديدًا)[30].
ولأن الشافعي رفض الاستحسان اعتُبِر يناضل (للقضاء على التعددية الفكرية والفقهية وهو نضال لا يخلو من مغزى اجتماعي فكري سياسي واضح)[31] و(استطاع الشافعي عن طريق هذا الأسلوب البسيط في تركيب الحقائق أن يُعمم الصيغ والقوالب التيولوجية الشعبوية العنيدة والرازحة ويجعلها فاعلة ومؤثرة حتى يومنا هذا)[32]، وهو الذي ابتدأ في احتكار الوظيفة القانونية والتشريعية ومن بعده أجيال العلماء التقليديين[33]، وأصَّل بذلك لهيمنة الدين والعقيدة على كل مجالات الحياة[34]؛ لأن بمنهجه الأصولي كان محكومًا بهاجس (توسيع مجال النصوص لتضييق مجال الاجتهاد العقلي)[35]، وهو ما أدى إلى (إغلاق باب العقل والرأي والاجتهاد بذرائع شرعية ومقولات إسلامية، وبهذا يكون العقل الإسلامي فيما يتعلق بالفقه والتشريع قد ضُرِب تمامًا، وأُغلق بصورة شبه نهائية، فشروط الشافعي أغلقت باب الاجتهاد فعليًا منذ عهده[36]، وليست رسالته إلا (الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهى)[37] فكان منظّر المنهجية التقليدية بقوله (جهة العلم الخبر)[38] وكان يستخدم طريقة ملتوية في فهم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}[39][40].
ذلك (مَن تسميه التقاليد إمامًا مجتهدًا)[41]!! كان هو (المشرع الأكبر للعقل العربي)[42]، لأنه جعل (النص هو السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي وفاعليته، وواضح أن عقلًا في مثل هذه الحالة لا يمكن أن ينتج إلا من خلال إنتاج آخر)[43].
ولذلك فمن غير المقبول اليوم أن نتمسك بمنهج الشافعي الأصولي؛ إذ فهم الكتاب والسنة على نحو فهم الشافعي وتأويله لا يؤديان إلا إلى مأزق منهجي لا عهد للأسلاف به[44].
هذه بعض النماذج لموقف الخطاب العلماني من الإمام الشافعي، وهناك نماذج أخرى[45].
3- الطوفي ومصلحته:
كما أبرز العلمانيون الشاطبي ومقاصده إبرازًا فكرانيًّا، كذلك يبرز الطوفي ومصلحته، ويتم التأكيد على أن الطوفي من القائلين بتقديم المصلحة على النص في حال تعارضهما[46]، وأنه يتصور إمكانية التعارض بين النص والمصلحة فيقترح التوفيق بينهما ولكن (على وجه لا يخل بالمصلحة ولا يفضي إلى التلاعب بالأدلة أو بعضها)[47]، كما يرى تقديم المصلحة المقطوعة على النص القطعي إن تعذر ذلك التوفيق[48]؛ لأنه يعتبر المصلحة أصلًا مستقرًّا يحكم على الأصول الأخرى برمتها بما فيها الكتاب والسنة[49]، وإن كان يفرق بين جانبين فيرى التعويل على النصوص والإجماع في العبادات والمقدرات، وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام[50].
وخلاصة رأي الطوفي – كما يرى الخطاب العلماني – أنه يقول بنسخ النصوص وتخصيصها بالمصلحة؛ لأنه يعتبر المصلحة أقوى وأخص أدلة الشرع[51].
يقول الطوفي (قد قررنا أن المصلحة من أدلة الشرع، وهي أقواها وأخصها، فلنقدمها في تحصيل المصالح)[52].
ويعتبر كلام الطوفي هذا فتحًا عقليًا عظيمًا[53] لأن المصلحة أساس التشريع والنص تابع لها لأن النص ثابت والمصلحة متغيرة[54] (وهذا هو عين الصواب وأقرب الكلام من حقيقة الأحكام القرآنية ومن روح الإسلام)[55].
4- المنهج يوازي المقاصد:
ولنفس الغاية التي طرحت من أجلها قضية المقاصد والمصالح تطرح قضية المنهج، وهي الرؤية التي صاغها أبو القاسم حاج حمد وتتمثل بولادة جديدة للإنسان العربي (وليست عودة إلى عنعنات ابن كثير وإلى ما ثبت وما لم يثبت من أحاديث الرسول الكريم)[56]. إذ (العالمية الثانية والجديدة ليست تجديدًا للأولى بأي حال من الأحوال، وإنما هي تاريخ حضاري جديد متواصل، والعالمية في نشوئها وتكوينها تستمد من القرآن -ولأول مرة- منهجه الكلي بكافة الشمولية والاتساع كما يستطيعها الإنسان)[57].
وهي – أي العالمية الثانية – لا ترث عن العالمية الإسلامية الأولى مفهومها السلفي والتطبيقي للقرآن ولا ترث عنها مفهومها التأويلي، بل تستعيض عن السلفية التطبيقية والتأويلية الباطنية بمفهوم منهجي جديد للقرآن في وحدته العضوية ودلالاته الكونية، وهذه الاستعاضة تأتي من قبيل التجاوز التاريخي للمرحلة العربية المتخلفة[58].
ومن هنا فإن (التبصر بالمنهج القرآني الكلي يدفع بنا عميقًا إلى المكنونات، ويكشف لنا عن أن الكيفية التي فُهم بها القرآن في مرحلة تاريخية معينة لا تعني أن الفهم كان خاطئًا بالقياس إلى تلك المرحلة، فذلك حظهم من القرآن ضمن خصائص واقعهم وأبعاده التاريخية، ولكن الخطأ في تطبيق مفهومية التجربة السلفية على خصائص واقع مغاير بأبعاد تاريخية مغايرة. وتحسبًا لهذه المتغيرات التاريخية في الواقع، مع بقاء القرآن كما هو مستمرًا وخالدًا، فقد جعل الله عز وجل المنهج مرادفًا للقدوة النبوية، وجعل النفاذ إلى المكنون بالمنهج هو البديل عن الفهم السلفي للقرآن)[59].
(فهي ليست رسالة ثانية[60] كما ادعى بعضهم، وإنما عالمية ثانية تأخذ محتواها الجديد لا من تطبيقات سلفية ومفهوم سلفي، ولكن من تجريد منهجي قرآني يهيمن على معاني التطبيق في المرحلة السابقة)[61] لأن هذا التجريد المنهجي يعلو على كل الخصائص المحلية، والتجربة النبوية تأتي في إطار المراعاة الكاملة لخصائص المرحلة الموضوعية، تاريخيًا واجتماعيًا وفكريًا؛ لأنه ما من مرحلة تستطيع أن تحتوي تطبيقًيا وبالوعي الكامل المنهج الإلهي؛ فإن المنهج يرقى على النبوة لأن القرآن محتوى هذا المنهج[62].
ولكن ما هو المنهج؟ إنه بنظر حاج حمد (الناظم المقنن لإنتاج الأفكار ذات النسق الواحد) أو (خروج العقل من حالة التوليد الذاتي للمفاهيم إلى اكتشاف النسق المرجعي)[63]. هذا هو منهج حاج حمد بشكل عام، أما المنهج القرآني للحاج حمد فهو تركيبة تتكون من (المعنى القرآني + المنهج + الخصائص العالمية) [64].
ومن هنا نتبين – بنظر الخطاب العلماني – نسبية التشريع المنزل تبعًا للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة، فعقوبات مثل القطع والرجم كانت سارية المفعول في ذلك العصر التاريخي بسبب ملاءمتها للأحوال الاجتماعية آنذاك[65]، حيث المجتمعات بدوية بدائية متنقلة فلا توجد سجون ولا جدران وإنما خيام، فكيف يُسجن السارق؟ وكيف تُحفظ الأموال؟ لابد من عقوبة تميز السارق وتجعل الناس يحذرون منه، أما اليوم فقد تغير الحال[66].
وما دام القرآن يوضح لنا نسبية التشريع في علاقته مع بيئته التاريخية الحاملة له بقوله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا}[67] فإن الثابت إذن هو مبدأ العقوبة أو الجزاء، أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة إلى كل عصر حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه، وبذلك تظل التشريعات تفاصيل تطبيقية مشدودة إلى كلية المنهج[68]. وبهذا يستوعب القرآن متغيرات العصور، ويبقى كما أراد الله صالحًا لكل زمان ومكان[69].
هذا المنهج الحاج حمدي هو نفسه المنهج العشماوي؛ إذ (الإسلام يُعنى بالإنسان ولا يهتم بالنظم والنظريات)[70] (وإن ما تفردت به الشريعة حقيقة ليس الأحكام التي نصت عليها، ولا القواعد التي استخلصت من هذه الأحكام، وإنما المنهج الحركي القادر على التجديد الدائم والملاءمة المستمرة)[71]. وإن الذي أفسد المسلمين هو استبدالهم للقواعد والنصوص والأحكام بالمنهج والروح، فتركوا الأصل واستبدلوه بالفرع[72].
والمنهج هو الشريعة، والشريعة هي المنهج؛ لأن معنى الشريعة في القرآن هو المنهج والمدخل والسبيل، وليست الشريعة القواعد والأحكام التفصيلية[73]، ذلك لأن المنهج قادر على الحركة الدائمة مع الواقع، أما الأحكام التفصيلية فهي نسبية مرتبطة بظروفها[74]، ولذلك يخطئ الكثيرون عندما يظنون أن تطبيق الشريعة يعني تطبيق أحكامها وتفاصيلها، والحق أنه تطبيق روحها[75] وروحها هو المنهج الذي يتقدم باستمرار[76]، أما تفاصيل المعاملات وغيرها فليست هي الشريعة، وإنما هي أحكام الشريعة[77].
إن تطبيق الشريعة يعني إعمال الرحمة في كل شيء[78]؛ لأن القرآن يقوم على منهج الرحمة أو التجديد والمعاصرة[79]، ومن هنا ما دامت الرحمة هي المنهج، والمنهج هو الرحمة، فإن القانون المصري بكل فروعه المدنية والتجارية الآن موافق لشريعة الإيمان وروح القرآن[80]. ونظام الربا في الإسلام يؤكد ذلك، فقد تغير الحال ولم يعد الأمر كما كان استغلالًا لحاجة المدين يؤدى إلى إعساره وإفلاسه[81]، ولم يعد ثمة نظام للربا وإنما نظام لحساب الفوائد على الديون في مجتمع يقوم فيه المشرع بدور الرقابة على المعاملات، ويحدد الفائدة بحيث لا تغني الدائن ولا تستغل المدين[82].
ونظام الحدود في الإسلام يؤكد ذلك أيضًا، فالشروط التي وضعها الفقهاء لإدانة السارق او الزاني وإقامة الحد عليه يصعب أن تتحقق[83]، كما أن تطبيق حد الرجم يبدو أنه من خصوصيات رسول الله[84]، وأيضًا فإن هذه العقوبات لا تتفق مع روح الإسلام وأحكامه؛ لأنها تقرنه بالعنف والتشدد والقسوة أمام الرأي العام العالمي[85]، ولذلك فتطبيق هذه العقوبات باسم القرآن خيانة له[86]، وأقوَم الطرق أن تبحث عن الجوهر[87]، إذ لا يجب التمسك بحرفية النصوص وإنما بروحها ومغزاها ومقاصدها، وهو ما يكفل لنا الحفاظ على مصداقية الإسلام[88] وصلاحه لكل زمان ومكان، ووفائه لمقتضيات الضمير الحديث[89]، والوجدان الحديث[90]، دون خوف من معارضة المسلمات بدعوى أنها من المعلوم من الدين بالضرورة، ما دام الوفاء لجوهر الرسالة المحمدية قائمًا[91]، وما دام (التشريع بروح الإسلام) حاصلًا[92].
5- أفعال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه (والتوظيف المغرض):
في مثل السياق الذي تحدثنا فيه (المقاصد – المصلحة – المنهج) يوظف العلمانيون اجتهادات سيدنا عمر -رضى الله عنه- للقول بأن المقاصد أو المصالح هي الحاكمة على النص القرآني، وأن النص يدور معها وجودًا وعدمًا، أو يُوقف أو يُعطل إذا حصل تعارض بينهما، وأن الاجتهادات الجريئة التي صدرت من عمر في القضايا المستجدة أبلغ دليل على ذلك، مثل إيقافه لحد السرقة عام الرمادة، وإيقافه لسهم المؤلفة قلوبهم وإمضائه الطلاق الثلاث في مجلس واحد ثلاثًا. ونشير هنا إلى بعض ما يقوله الخطاب العلماني في ذلك:
– لقد فعل عمر ذلك عملًا بنور العقل المنهجي[93]. -عمر ألغى بعض الفرائض، وأوقف بعض الأحكام[94]. – ألغى عمر حصة المؤلفة قلوبهم اتباعًا لمقاصد الشرع[95]. -عمر أوقف العمل بنصوص ثابتة[96]. -يمكن للاجتهاد المطلق أن يخصص العام، ويقيد مطلقه، وأن يوقف العمل بنصوص ثابتة، وقد فعل عمر ذلك[97]. – لقد أبطل عمر القطع عام المجاعة، وقطع سهم المؤلفة قلوبهم، وأبطل قول المؤذن الصلاة خير من النوم[98]. – ألغى عمر حد السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم[99]. -حكم عمر بما لا يطابق النص القرآني[100]. – أصبح عمر أكثر مرونة في التعامل مع النصوص[101]. – لقد أوقف عمر بن الخطاب حد السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم[102]. – وعمر لم ينصع للآيات في سهم المؤلفة قلوبهم، وحد السرقة[103]. – عمر أبطل مفعول آيتين من القرآن، وهو موقف مستنير[104]. – خرج عمر إلى المسلمين بتأويل في قضية الزواج بالكتابيات وأحله محل التشريع[105]. – لقد غير عمر شرائع ثابتة في القرآن والسنة مثل حد الخمر وحد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم[106]. – الخطاب الديني يتجاهل مقاصد الشريعة كما جاءت في أفعال عمر بن الخطاب عندما ألغى حد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم وهي ثابتة بالنص[107]. – أوقف عمر حد السرقة عام المجاعة، وسهم المؤلفة قلوبهم مع أن النصوص ثابتة لم تنسخ[108].
ثانيًا: تعقيب ونقد:
التعميم، التلفيق، المغالطة، المجازفة والارتجال[109] ممارسات لا يخجل الخطاب العلماني من مقارفتها غالبًا، ولا يكف عن مزاولتها في أكثر الأحوال، والمفاهيم التي نحن بصددها من أبرز الأمثلة على ذلك.
1. المقاصد
أ. الشاطبي والأصوليون قبله: هل كان الشاطبي مُبدعًا في قضية المقاصد؟ وهل كان متفردًا في ذلك؟
إن قول الجابري بأن ما جاء به الشاطبي كان جديدًا كل الجدة – كما سبق ورأينا – نوع من المجازفة والارتجال إن لم نقل التهور؛ لأن الشاطبي – لا شك – كان له إضافات مهمة في علم المقاصد، ولكنه كان يبني على أسس وقواعد أسسها وقعَدها السلف والأصوليون والعلماء قبله، وهو ما يعتز به الشاطبي نفسه لأن هذا يعنى بنظره أنه متبع وليس مبتدعًا، ولذلك فإنه يرى أن ما جاء به (أمر قررته الآيات والأخبار، وشد معاقله السلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشيد أركانه أنظار النظار)[110].
ويأتي في طليعة هؤلاء أصحاب رسول الله (الذين عرفوا مقاصد الشريعة فحصلوها وأسسوا قواعدها وأصَّلوُها)[111] ثم الأصوليون كالجويني والغزالي اللذين قسما المصالح إلى خمس ضرورية: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال[112]، ويبدو الغزالي من أكثر الأصوليين الذين يذكرهم الشاطبي في كتابه الموافقات[113]، فقد ذكره أكثر من أربعين مرة في أغلبها موافقًا ومؤيدًا ومستدلًا بآرائه، ومحيلًا إلى كتبه[114]. كما استفاد كثيرًا من الرازي والعز بن عبد السلام والقرافي[115].
ولابد أيضًا من الإشارة هنا إلى أن علم مقاصد الشريعة كان مستعملًا قبل الشاطبي بحقب طويلة[116] لفظًا ومضمونًا عند الحكيم الترمذي (أبو عبد الله محمد بن على)، والماتريدي ت: 333 هجري، وأبو بكر القفال الشاشي (القفال الكبير) ت 365 ه، وأبو بكر الأبهري ت: 375، والباقلاني ت: 403 ه، والجويني ت: 478 ه، والغزالي ت: 505 ه، والرازي ت: 606 ه، والآمدي ت:361 ه، وابن الحاجب ت:646 ه، والبيضاوي ت:685 ه، والإسنوي ت: 772 ه، وابن السبكي ت:771 ه، وعز الدين بن عبد السلام ت: 660 ه، وابن تيمية ت:728 ه[117].
والإمام الجويني هو صاحب الفضل والسبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشارع إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات، كما أنه من ذوي السبق في الإشارة إلى الضروريات الكبرى في الشريعة[118]. وقد كشف الباحثون عن أوجه الإبداع والاتباع في نظرية المقاصد الشاطبية بما فيه كفاية فلا نطيل هنا[119].
ب. الشاطبي والشافعي: ولكن السؤال: هل أحدث الشاطبي كما يزعم العلمانيون (قطيعة إبستمولوجية حقيقية مع طريقة الشافعي والأصوليون الذين جاءوا من بعده)[120].
في الواقع إن (الشاطبي لا يقوم ولا يعقد ولا يؤخر إلا بأمثال الجويني والغزالي وابن العربي وابن عبد السلام والقرافي)[121]، وكل العلماء الأصوليين والسلف الصالح كما ذكر الشاطبي نفسه[122]، فإذا كان الشافعي قال: (ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها)[123]. وقال بأن استنباط الأدلة يكون إما بنص قرآني، أو سنة نبوية، أو ما فرض الله على خلقه من الاجتهاد في طلبه[124]، فإن الشاطبي يقول: إن القرآن فيه بيان كل شيء من أمور الدين، والعالم به (على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء)[125] وعلى هذا لابد في كل مسألة يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه أن يُلتفت إلى أصلها في القرآن)[126]. وقال: (وأيضًا فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات)[127]، وقال مستشهدًا بقول ابن حزم: (كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله..)[128].
وظل الشاطبي يلح ويؤكد دائمًا على أن العقل تابع للنقل بعكس ما يريد العلمانيون، أو بعكس ما يتجاهلون فيقول: (إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا، ويتأخر العقل فيكون تابعًا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل)[129]. (والعقل إنما ينظر من وراء الشرع)[130] ويقول في الاعتصام: (فالعقل غير مستقل البتة، ولا ينبني على غير أصل، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق.. ولا أصل مسلم إلا من طريق الوحي)[131] (لأن العقل إذا لم يكن متبعًا للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة)[132] ويضيف الشاطبي (وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأن ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى فهو إذًا اتباع للهوى بعينه في تشريع الأحكام)[133].
ج. الشاطبي والأزمة البيانية: هل كان الشاطبي يشعر بأزمة بيانية أصولية تتمثل في الإشكالية التي صاغها الجابري بين اللفظ والمعنى؟ بمعنى آخر: هل تجاوز دلالات الألفاظ العربية بناء على نظريته في المقاصد؟ أو بعبارة أخرى: كيف يمكن الوصول إلى المقاصد عند الشاطبي؟ وكيف تتم معرفتها؟ أبنفس طريقة الأصوليين البيانية أم أن له منهجًا مختلفًا؟
يجيب الشاطبي نفسه فيقول: (إن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية.. والمقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلَب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة لأن الله تعالى يقول {إنا أنزلناه قرءانًا عربيًا لعلكم تعقلون}[134] وقال {بلسان عربي مبين}[135] فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يُفهم ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة)[136] إن مقارنة هذا النص مع أطروحة الجابري تبين أنه ينقضها تمامًا!!.
ثم ينقل – الشاطبي – الأصول التي قررها شيخه الشافعي في الرسالة فيقول: فإن العرب (فيما فُطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يُراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمى الشيء الواحد بأسماء كثيرة والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل ذلك معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها، فإذا كان ذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب، فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب، كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة لسان العجم لاختلاف الأوضاع والأساليب. والذي نبه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام)[137].
وهو يعيد التأكيد على احترام والتزام قواعد اللغة في فهم مقاصد الشارع (لأن لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشرع)[138]. ومن هنا فإن الشريعة (لا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط.. فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا فهو متوسط في فهم الشريعة والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان ذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم)[139]. (فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولًا وفروعًا.. ألا يتكلم بشيء من ذلك حتى يكون عربيًا أو كالعربي)[140].
بل إن الشاطبي خلافًا لجمهور الأصوليين يتشدد في هذه المسألة على عكس التوظيف الجابري، فيرى أن المجتهد في الشريعة يجب عليه (أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيما كالخليل وسيبويه والأخفش والجرمي والمازني ومن سواهم)[141].
ويقول في نص كأنه يخاطب فيه الجابري وغيره من العلمانيين بأن على الناظر في القرآن أن يسلك في (الاستنباط منه والاستدلال به مسلك كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة، فإن كثيرًا من الناس يأخذون أدلة القرآن بحسب ما يعطيه العقل فيها، لا بحسب ما يفهم من طريق الوضع، وفي ذلك فساد كبير، وخروج عن مقصود الشارع)[142]. نعم إن طريقة الجابري وغيره في تحييد العربية تؤدى إلى فساد كبير، وإن نظام الخطاب الإلهي هو المقنن لنظام العقل البشرى إذا أراد أن يسلم من الأهواء.
إذن لم يخرج الشاطبي عن النظام الأصولي البياني السلفي ما دام يعتبر العربية هي الأساس الأول في معرفة المقاصد، وما دام الجابري يعتبر علم الأصول البياني قائمًا على العربية ونظام الخطاب، وليس على نظام العقل (كيف نفهم الخطاب، وليس كيف نفكر)!!.
فالشاطبي يقتدى بشيخه الشافعي حين قال: (القرآن نزل بلغة العرب ولسانهم، وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره، لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبهة التي دخلت على من جهل لسانها)[143].
ويقتدي بشيخه الرازي حين قال: (لما كان المرجع في معرفة شرعنا القرآن والأخبار وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم، كان العلم بشرعنا موقوفًا على العلم بهذه الأمور، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورًا للمكلف فهو واجب)[144].
د. ضوابط المقاصد تحول دون العبث العلماني: ولكن هل المقاصد هي بهذا الشكل العبثي الذي يطرحه الخطاب العلماني؟ هل هي مرنة بغير حدود وبغير ضوابط؟ وما هي المعايير التي تحدد المقاصد؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟ وما المرجعية في ذلك؟
إن الفارق الأساسي بين الإسلاميين والعلمانيين في البحث عن المقاصد أن الأولين يبحثون عن مقاصد الشارع سبحانه وتعالى ومراده من النص، أما الآخرون فيبحثون عن مقاصد أنفسهم، ومرادات عقولهم، ومطالب أهوائهم، هذا فارق أساسي.
إن المقاصد ليست كلمة تقال أو شعارًا يرفع إنما هي مبدأ أصولي له ضوابطه ومعاييره التي تحكمه حتى لا تصبح ذريعة يُتوسل بها إلى إلغاء النص وتمييعه، فإن تحديد مقاصد الشارع لا ينبني على ظنون وتخمينات غير مطردة[145]. إن الشاطبي الذي اعتبره العلمانيون مؤسس علم المقاصد وأشادوا به هو نفسه الذي يحدد هذه الضوابط فهل يلتزم العلمانيون بذلك؟.
ومن أبرز هذه الضوابط أن:
- الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل في أحكام العادات الالتفات إلى المعاني[146].
- المقاصد العامة للتعبد هي: الانقياد لأوامر الله عز وجل وإفراده بالخضوع والتعظيم لجلاله والتوجه إليه[147].
- المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو: إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد الله اضطرارًا[148].
- وُضعت الشريعة على أن تكون أهواء العباد تابعة لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله على العباد في شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم ولا يُفضى إلى مفسدة ولا إلى مشقة[149].
- مشقة مخالفة الهوى ليس من المشاق المعتبرة ولا رخصة فيها البتة[150].
- العزيمة أصل، والرخصة استثناء، ولهذا فالعزيمة مقصودة للشارع قصدًا أصليًا، أما الرخصة فمقصودة قصدًا تبعيًا[151].
- لم يقصد الشارع إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه[152] ولا نزاع في أن الشارع كلف بما يلزم فيه كلفة ومشقة ما، ولكنه لا يقصد نفس المشقة، بل يقصد ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف[153].
- إذا كانت المشقة خارجة عن المعتاد بحيث يحصل للمكلف فساد ديني أو دنيوي فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة[154].
- من سلك إلى مصلحة غير طريقها المشروع فهو ساع ضد تلك المصلحة[155].
تلك بعض القوانين والقواعد التي تضبط المقاصد، ولكن كيف يتم الوصول إلى المقاصد أو معرفتها؟ هذه أيضًا بعض القوانين لذلك:
1-الاحتكام إلى لغة النص وقوانين خطابه، وأصول المواضعة التي تعاهد عليها الذين نزل هذا النص بلغتهم وهم العرب، وقد رأينا التأكيد على هذا الضابط لدى كل من الشافعي والشاطبي[156].
2-أن يوافقك القرآن كله على تفسير بعضه، فإن القرآن كله كالآية الواحدة فلا يحكم ببعضه دون بعض[157].
3-الأمر بالفعل يستلزم قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل، والنهي يستلزم القصد إلى منع وقوع المنهي عنه[158].
4-الدلالة الصريحة الواضحة التي لا تحتمل وجهًا آخر في القرآن الكريم مثل قوله تعالى {يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[159] وقوله {والله لا يحب الفساد}[160] وقوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}[161].
5-السنة المتواترة ويظهر ذلك جلَيا في حالتين:
- التواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة لعمل النبي فحصل لهم بذلك علم بتشريع ذلك، وإليه يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة.
- تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرار مشاهدة أعمال رسول الله ﷺ[162].
6-علل الأحكام تدل على قصد الشارع فيها فحيثما وجدت اتبعت[163].
7-كل أصل ملائم لتصرفات الشارع، وكان معناه مأخوذًا من مجموعة أدلة حتى بلغ درجة القطع، يبنى عليه ويُرجع إليه، ولو لم يشهد له نص معين[164].
8-إذا سكت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام فيه دل سكوته على قصده إلى الوقوف عند حد
ما شرع[165].
9-الاستقراء من خلال مجموع أدلة الشريعة كتابًا وسنة، وهو يفيد القطع؛ لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد، بل إلى مجموعة أدلة تواردت على معنى واحد فأعطته صفة القطع، وتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليًا[166]. وقد اعتبر ابن عاشور الاستقراء المسلك الأول من مسالك إثبات المقاصد[167]. وهذا طريق مهم لمعرفة المقصد ولضبطه أيضًا، فإن الكتاب يجب أن يشهد لبعضه، ويجب أن يوافقك القرآن كله على بعضه، وبعضه على كله.
وفي ذلك أبلغ رد على العلمانيين الذين يريدون منا – كما قرأنا لهم – أن نتخلى عن جزئيات الشريعة وتفاصيلها ودقائقها حفاظًا على روحها أو مغزاها أو مقاصدها أو جوهرها كما يقولون، فإن الأجزاء مرتبطة بالكل، والكل يشهد للأجزاء، وهو ما يوضحه الشاطبي أجلى توضيح بقوله: (كما أنه إذا ثبت في الشريعة قاعدة كلية في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات فلا ترفعها آحاد الجزئيات، كذلك نقول: إذا ثبت في الشريعة قاعدة كلية في هذه الثلاثة أو في آحادها فلابد من المحافظة عليها بالنسبة إلى ما يقوم به الكلي، وكذلك الجزئيات، فالجزئيات مقصودة معتبرة في إقامة الكلي ألا يتخلف الكلي فتتخلف مصلحته المقصودة بالتشريع.. فلابد من صحة القصد إلى حصول الجزئيات، وليس البعض في ذلك أولى من البعض، فانحتم القصد إلى الجميع وهو المطلوب)[168]. (لابد من اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها، وبالعكس، وهو منتهى نظر المجتهدين بإطلاق وإليه ينتهي طلقهم في مرامي الاجتهاد)[169]. ويؤكد ذلك مرة أخرى – وكأنه يخشى من العبث العلماني – حين يقول: (فمن أخذ بنص مثلًا في جزئي معرضًا عن كلية فقد أخطأ، وكما أن من أخذ بالجزئي معرضًا عن كلية فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضًا عن جزئية.. وهذا كله يؤكد لنا أن المطلوب المحافظة على قصد الشارع، لأن الكلي إنما ترجع حقيقة إلى ذلك، والجزئي كذلك أيضًا فلابد من اعتبارهما في كل مسألة)[170].
وبذلك يظهر أن المقاصد عند الشاطبي لضبط الاستدلال وليس لتمييعه، وأن اعتبار الكليات لا يجب أن يفضي إلى إهدار الجزئيات كما يرغب بذلك الخطاب العلماني، لكأني بالشاطبي يخاطب العلمانيين والجابري تحديدًا لأنه يريد توظيفه توظيفًا مغرضًا حين يعتبره مؤسسًا لنظام العقل بدلًا من نظام الخطاب، وذلك حين يقول: (إن عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع فهو المقدم في نحلهم، بحيث لا يتهمون العقل، وقد يتهمون الأدلة إذا لم توافقهم في الظاهر.. وليس كل ما يقضي به العقل يكون حقًا)[171].
ومن هنا فإن الخطاب العلماني حين يتجاهل هذه القوانين والضوابط التي وضعها أهل المقاصد فإنه ليس من حقه أن يتكلم باسم المقاصد؛ لأن هذا لون من الهزلية أو المراوغة، إذ أن الذي ينضوي تحت شعار ليس من اختراعه عليه أن يلتزم بقوانين ذلك الشعار حتى يعد من أهله.
لو راعى العلمانيون نظام المقاصد وقواعدها وقوانينها لما خرجوا بارتجالات عبثية ينسبونها إلى دين الله عز وجل، وكمثال على ذلك: لو أن نصر حامد أبو زيد تعلم ضوابط المقاصد لما قال بتساوي المرأة مع الرجل في الميراث في هذا العصر انطلاقًا من المغزى، فالمرأة على حد قوله كانت لا تُعطَى شيئًا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأعطاها نصف الذكر وهو ما يفهم من ظاهر الآيات وهذا هو المعنى، أما المغزى فهو تعليم لنا وإشارة أن نعطيها في المستقبل مثل حظ الذكر[172].
لو قرأ ما قال الشاطبي آنفًا من (أن سكوت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام يدل على قصد إلى الوقوف عند حد ما شرع)[173] لما قال ما قال، ولوقف عند حدود الله سبحانه وتعالى؛ لأن الشارع لم يترك أي قرينة أو إشارة أو دلالة تفيد المغزى الذي يزعمه، ولو علم د. محمد شحرور أن من مقاصد الشارع الأصلية حفظ الأعراض، وصيانة الأبضاع، ومن مقاصده التبعية التي تخدم تلك تصون المرأة وتسترها لما قال بأنه يجوز للمرأة أن تخرج عارية إلا من شريط يستر سوأتها[174]. وكثير مثل هذا لدى إخوانهم.
ولذلك فإن توظيف المقاصد دون ضوابط أو معايير ما هو إلا وسيلة لهدم الشريعة، وإقصاء القرآن الكريم عن القيادة والمرجعية، وتبرير للحلول التي تمليها المناهج الحديثة، وتمرير للقيم التي تتطلبها المعقولية الحديثة[175] وهو ما يعبر عنه علي حرب بكل صراحة حين يقرر: (فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما التي تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه)[176]. وأيضًا: (القراءة الخلاقة هي التي تتجاوز المنصوص عليه والمنطوق به)[177].
وبذلك يتبين لنا أن الشاطبي لم يُحدث قطيعة أبستمولوجية مع أصول الشافعي كما قال الجابري[178] وأيده باروت[179] بل هو يترسم خطاه ويبني على قواعده وأصوله، ويعتز باقتفاء أثره.
2. المصالح:
إذا كانت المقاصد التي يُنظر فيها أصلًا إلى مراد الشارع، ويتحرى فيها رضاه سبحانه وتعالى أراد العلمانيون أن يجدوا من خلالها مدخلًا للتنصل من المرجعية القرآنية، فإن المصالح التي يُنظر فيها أصلًا إلى حال الإنسان وما يلائمه وما يصلحه أدعى لأن يبحث فيها هؤلاء الناس عن ذلك المدخل.
إن المشكلة ليست في ضرورة اعتبار المصلحة، فالكل متفق على أن المصلحة هي مناط التشريع، ولكن المشكلة أي مصلحة نعنى؟ ومتى نعد الشيء مصلحة، ومتى نعده مفسدة؟ ومتى نعده نفعًا، ومتى نعده ضررًا؟ ومتى نعده مصلحة راجحة، ومتى نعده مصلحة مرجوحة، ومتى نعده مصلحة حقيقية معتبرة، ومتى نعده مصلحة وهمية متروكة[180].
وما هو المعيار الذي يحكم المصالح؟ لأن ما يكون مصلحة لشخص قد يكون ضررًا لشخص آخر، وما يكون مصلحة لشخص في زمن قد يكون ضررًا في زمن آخر؟
ثم المصالح منها ما هو ضروري ومنها ما هو تحسيني ومنها ما هو حاجي، وقد تتعارض أو تتداخل، وقد يدق الفرق فتختلف التقديرات، فلابد من وضع هذه الاعتبارات جميعًا في مراعاة المصلحة، حتى يمكن أن نحقق هذه المصلحة[181]. ثم هل النص معيار المصلحة والحاكم عليها؟ أم المصلحة هي معيار النص والحاكمة عليه؟ وهل تتعارض المصلحة مع النص؟ وإذا تعارضت فما الحل؟
لقد زعم الطوفي أن المصلحة يمكن أن تتعارض مع النص في أمور ما سوى العبادات، وفي هذه الحالة يجب الأخذ بالمصلحة لأنها قطعية، وهي المقصودة من سياسة المكلفين[182]. ولكن الطوفي (لم يأت ولا بمثال واحد حقيقي على التعارض الذي افترضه بين النص والمصلحة فبقي رأيه مجرد افتراض نظري)[183].
ونشير هنا أن أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ذكر للمصلحة خمسة ضوابط:
الأول: اندراجها ضمن مقاصد الشرع.
الثاني: عدم معارضتها للكتاب.
الثالث: عدم معارضتها للسنة.
الرابع: عدم معارضتها للقياس.
الخامس: عدم تفويتها مصلحة أهم منها.[184].
3. الضمير:
يرى عبد المجيد الشرفي أنه كلما كان التناغم بين ضمير المسلم وواقعه قائمًا أدى الدين دورًا إيجابيًا وكلما انفصل أحدهما عن الآخر كان الدين مجرد تعبير عن الأمل والحنين[185]. ذلك لأن ضمير المسلم هو الحكم الأول في مدى الاستجابة للتوجيه الإلهي، وعلى ذلك (فلا يضير المسلم ألا يرى فيما فرض من تفاصيل العبادات والمعاملات متى وجدت وهي قليلة جدًا سوى أثرًا لمقتضيات الاجتماع في عصر الرسول ﷺ وفي البيئة الحجازية)[186].
والسؤال الذي يرد هنا هو نفس السؤال الذي ورد أثناء الحديث عن المقاصد، ما هو الضمير؟ هل هو الضمير العام؟ أم الضمير الخاص؟ أقصد هل هو الضمير الجماعي أم الضمير الفردي؟ وهل هو الضمير بالمعنى الفلسفي أو هو الضمير الشعوري النفسي الذي يتجلى في الشعور بالراحة والرضا؟ وعلى كل الأحوال فالضمير هنا ليس له مفهوم محدد متفق عليه بين الباحثين أو الفلاسفة أو الناس عمومًا فهو مفهوم غائم ملتبس مختلف من شخص إلى آخر وليس له معايير يمكن أن تضبطه أو توجهه.
إن الارتياح النفسي المتمثل في القبول بما هو سائد في المجتمع من أعراف وهو ما يسميه التناغم أو التلاؤم مع العصر لا يدل على الصدق إلا على المستوى النفسي السطحي من السلوك المباشر الخالي من امتحان الضمير الذي هو شرط كل التزام خلقي، فلابد من التناسق العقلي بين المبادئ والالتزام والاستعمال العملي للعقل الذي يقتضي التحرر من الدوافع النفسية والاستناد إلى القواعد الشكلية في نقد العقل العملي كما أشار (كانط) والتي تشترط لقبول قواعد السلوك التحرر من الدوافع النفسية.
إن الضمير كما يتبادر معناه من الاستخدام العلماني يجعل السلوك أمرًا كيفيًّا ولا يبقي أي من الناس أمام مسئولية خارج عن تصوراته الشخصية، المهم أن يكون مرتاح النفس لسلوكه، وكم من المجرمين ليسوا مرتاحين فقط لارتكاب جرائمهم، بل يشعرون بالنشوة والسعادة ويفلسفون تصرفاتهم[187].
ولو افترضنا أن طرح المؤلف لقضية الضمير مقبول فهل يمكن لصدق الأمس أن يطابقه صدق الغد إذا كان علامة الصدق هي الراحة النفسية؟ وهل هناك تقلب يفوق هذا النوع من الضمير؟ وهل يمكن بناء قواعد أخلاقية ثابتة أو التزام خلقي على ذلك؟ ثم إذا كان هذا هو المعيار فإن من يعيب عليهم تصورهم للدين وآلية أدائه هم الأكثر راحة للضمير، بل لا يعيشون أي قلق تجاه رفض الواقع لهم فلهم واقعهم الخاص يتناغمون معه، إن الضمير الذي يعبر عنه المؤلف ضمير ساذج وهو حقيقته قناع للهروب من التكاليف وتبعات الأحكام[188].
4. المنهج:
لقد عرضنا الرؤية الحاج حمدية للمنهج عرضًا نقديًا وهو ما نكتفي به. أما المنهج العشماوي فينطوي في معنى المقاصد والمصالح وينسحب عليه ما قلناه فيهما.
5. أفعال سيدنا عمر:
لقد عرضت بإيجاز بعض كلمات العلمانيين فيما يخص اجتهادات الفاروق رضى الله عنه؛ لأن هناك دراسات كثيرة تعالج هذا الموضوع نكتفي بالإحالة إليها[189]. كما أن مناقشتها تنطوي في كثير من صورها تحت معنى المقاصد، وتحقيق المناط.
وأخيرًا: فإن ما يطرحه العلمانيون من مفاهيم كالمقاصد والمصالح والمغزى وغيرها ليست إلا شعارات مُفرغة من مضامينها يراد بها أن تحقق غايات فكرانية مسبقة تم الاتفاق عليها في الخطاب العلماني، ويُتوسل في تمريرها إلى العقل الإسلامي بأن تقنع بأردية إسلامية.
باختصار: إن المقاصد في ميزان الإسلام تابعة للنص وخاضعة له ولكل توابعه كالإجماع والقياس والاستحسان وغير ذلك؛ بالإضافة إلى كونها محكومة برؤية أخروية غيبية، أما في الخطاب العلماني فإن المقاصد عبارة عن الأهواء والأغراض والشهوات وكل ما يحقق للإنسان دنيويته المحضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال منشور في مجلة المسلم المعاصر. ع. 114. 2004. ص ص. 21- 52.
وهو مبحث من رسالة دكتوراه بعنوان (موقف الفكر العربي العلماني من النص القرآني) نوقشت عام 2003 بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة.
** أستاذ في جامعة دمشق كلية الشريعة سابقًا. رئيس جامعة الشام العالمية سابقًا. مدرس في جامعة حلب الحرة حاليًا.
[1] انظر: محمد عابد الجابري في مواطن كثيرة من كتابه (بنية العقل العربي) على سبيل المثال ص. 61-46، 550، 551، 564، 543، ومحمد الطالبي (أمة الوسط) ص. 137، 126 وله أيضًا (عيال الله) ص. 143، 114، ومحمد جمال باروت، الاجتهاد: النص الواقع المصلحة ص. 96 / 97، وعبد المجيد الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 80، 66، محمد أركون (تاريخية الفكر) ص. 170، وآسيا المخلبي (مبحث التأويل) في الفكر العربي المعاصر: نصر حامد أبو زيد نموذجًا) ص. 54 – جامعة نواكشوط – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الفلسفة – موريتانية، وحسن حنفي (حوار المشرق والمغرب) ص. 36. والمراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها. انظر: د. أحمد الريسونى (نظرية المقاصد عند الشاطبي) ص. 6.
[2] انظر: حسن حنفي (حوار المشرق والمغرب) ص. 195، وانظر الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 309، 30، ومحمد جمال باروت (الاجتهاد: النص الواقع المصلحة) ص. 162، 165، 138، 105، 133، ونوال السعداوي (المرأة والدين والاخلاق) ص. 52، وانظر: نصر حامد أو زيد (الخطاب والتأويل) ص. 207.
[3] انظر: الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 61، 8، وطيب تيزني (الإسلام والعصر) ص. 24، 26 وحسين أحمد أمين (دليل المسلم الحزين) ص. 146، 147، والصادق بعليد (القرآن والتشريع) ص32.
[4] انظر: الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 5 وانظر: المنصف بن عبد الجليل (في قراءة النص الديني) ص. 39.
[5] انظر: عبد المجيد الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 72، 73، 195.
[6] انظر العشماوي (أصول الشريعة) ص. 178، 117، 113، وله أيضًا (جوهر الإسلام) ص. 36، 15.
[7] انظر: العشماوي (أصول الشريعة) ص. 180، و (جوهر الإسلام) ص. 18: 21.
[8] انظر: طيب تيزينى (الإسلام والعصر) ص. 105، 148.
[9] انظر: أنور خلوف (القرآن بين التفسير والتأويل والمنطق العقلي) ص. 34.
[10] أركون (تاريخية الفكر) ص. 103.
[11] طيب تيزينى (النص القرآني) ص 184.
[12] أركون (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني) ص. 124، والنص للمترجم هاشم صالح.
[13] الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 183.
[14] العشماوي (جوهر الإسلام) ص. 17، 18.
[15] أركون (قضايا في نقد العقل الديني) ص. 284.
[16] انظر الجابري (بنية العقل) ص. 36.
[17] الجابري (بنية العقل) ص. 37، وانظر: مبروكة الشريف جبريل (الخطاب النهضوي) ص. 311.
[18] السابق ص. 547
[19] الجابري (بنية العقل) ص. 58.
[20] انظر: السابق ص. 562.
[21] انظر: الجابري (بنية العقل) ص. 539، 552، 551، 550.
[22] انظر: السابق ص. 547.
[23] انظر: الجابري (بنية العقل) ص. 538، وأركون (تاريخية الفكر) ص. 170، وطيب تيزيني (النص القرآني) ص. 422، ونصر حامد أبو زيد (الخطاب والتأويل) ص. 201، ومحمد جمال باروت (الاجتهاد والنص الواقع المصلحة) ص. 112.
[24] انظر: نصر حامد أبو زيد (الخطاب والتأويل) ص. 201.
[25] الجابري (بنية العقل) ص. 502، وانظر: أحمد الريسوني (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي) ص. 262- دار الحكمة- المنصورة- مصر- الطبعة الأولى- 1997م- 1418هـ.
[26] انظر محمد جمال باروت (الاجتهاد والنص الواقع المصلحة) ص. 112.
[27] انظر: الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 80.
[28] انظر: آسيا المخلبي (مبحث التأويل في الفكر العربي المعاصر نصر حامد نموذجًا) ص. 54.
[29] عنوان كتاب نصر حامد أبو زيد (الإمام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسيطة) دار سينا – القاهرة.
[30] أبو زيد (الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجيا الوسيطة) ص. 26، 27، 29، – طبعة القاهرة 1992، وانظر: د. عمارة (التفسير الماركسي للإسلام) ص. 91.
[31] السابق ص. 101، وانظر عمارة (التفسير الماركسي) ص. 82.
[32] أركون (تاريخية الفكر) ص. 73.
[33]السابق ص. 213.
[34]انظر: نصر حامد أبو زيد (النص السلطة، الحقيقة) ص. 212.
[35] أبو زيد (الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجيا الوسيطة) ص. 68 نسخة دار سينا، وانظر: رفعت فوزي عبد المطلب (نقض كتاب نصر حامد ودحض شبهاته) ص. 110.
[36]العشماوي (معالم الإسلام) ص. 153، 155، 109، ود. عمارة (سقوط الغلو العلماني) ص. 105.
[37]أركون (تاريخية الفكر) ص. 297.
[38]انظر الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 11.
[39]سورة التغابن آية: 12.
[40]بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 276.
[41]أركون (نافذة على الإسلام) ص. 99.
[42]الجابري (بنية العقل) ص. 22، وله: (تكوين العقل) ص. 106.
[43]الجابري (تكوين العقل العربي) ص. 105.
[44]انظر: عبد المجيد الشرفي (لبنات) ص. 143.
[45]انظر: محمد شحرور (نحو أصول جديدة) ص. 11، وعبد الهادي عبد الرحمن (سلطة النص) ص. 184، 185، ومحمد جمال باروت (الاجتهاد الواقع المصلحة) ص. 83، 82.
[46]انظر محمد جمال باروت (الاجتهاد: النص الواقع لمصلحة) ص. 290. انظر: الطوفي (رسالة في رعاية المصلحة) ص. 23 تحقيق د. أحمد عبد الرحيم السايح – الدار المصرية اللبنانية ط1 / 1413هجرى / 1993 م.
[47]رسالة الطوفي في رعاية المصلحة ص. 45، وانظر: باروت السابق ص. 103.
[48]انظر: الطوفي السابق ص. 45، وباروت السابق ص. 103.
[49] انظر: الطوفي السابق نفسه.
[50] الطوفي السابق ص. 44- 46، وانظر: باروت (الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة) ص. 104.
[51] انظر: باروت (السابق) ص. 105.
[52] الطوفي (رسالة في رعاية المصلحة) ص. 47.
[53] انظر العشماوي (الإسلام السياسي) ص. 191.
[54] انظر نوال السعداوي (المرأة الدين الأخلاق) ص. 52.
[55] الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 310.
[56] حاج حمد (العالمية الإسلامية الثانية) 2 / 332، وانظر: (البعد الزماني والمكاني وأثرهما على التعامل مع النص الشرعي) ص. 99.
[57] حاج حمد (العالمية الثانية) 2 / 334 و (البعد الزماني) ص. 99.
[58] انظر: حاج حمد (العالمية الثانية) 258.
[59] السابق 257.
[60] يشير إلى كتاب محمود طه (الرسالة الثانية من الإسلام).
[61] حاج حمد (العالمية الثانية) ص. 257.
[62] حاج حمد (العالمية الثانية) ص. 250.
[63] حاج حمد (منهجية القرآن المعرفية) ص. 22، 23ـ و (البعد الزماني) ص. 129.
[64] انظر: العالمية الثانية ص. 291، 294.
[65] انظر: العالمية الثانية ص. 278، 279.
[66] انظر الجابري (وجهة النظر) ص. 57- 60، وانظر: حسين أحمد أمين (دليل المسلم الحزين) ص. 146، 147.
[67] سورة المائدة آية: 48.
[68] انظر: حاج حمد (العالمية الثانية) ص. 249.
[69] انظر: السابق ص. 378، 379.
[70] العشماوي (معالم الإسلام) ص. 61، 62، 279، 281.
[71] العشماوي (أصول الشريعة) ص. 108، 109، وانظر: د. عمارة (سقوط الغلو العلماني) ص. 222.
[72] انظر: العشماوي (أصول الشريعة) ص. 178.
[73] انظر: العشماوي (أصول الشريعة) ص. 117، وانظر له: (جوهر الإسلام) ص. 15، 13.
[74] انظر: العشماوي (أصول الشريعة) ص. 113، وانظر له: (جوهر الإسلام) ص. 21.
[75] انظر: العشماوي (جوهر الإسلام) ص. 39، 18، 19.
[76] انظر: السابق ص. 36.
[77] انظر: السابق ص. 18، 19، 15.
[78] انظر: السابق ص. 21.
[79] انظر: السابق نفسه.
[80] انظر: السابق ص. 42، 47.
[81] انظر: العشماوي (أصول الشريعة) ص. 117.
[82] انظر: السابق ص. 119.
[83] انظر: السابق ص. 122، 124.
[84] انظر: السابق ص. 123.
[85] انظر: الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 198.
[86] نقلًا عن عبد الرازق هوماس (القراءة الجديدة في ضوء ضوابط التفسير) ص. 86، 179، ويحيل إلى مصدر لأركون باللغة الفرنسية.
[87] انظر: بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 32.
[88] انظر: عبد المجيد الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 60، 61.
[89] انظر: السابق ص. 5.
[90] انظر: السابق ص. 195.
[91] انظر: السابق ص. 8.
[92] حسين أحمد أمين (دليل المسلم الحزين) ص. 146، 147.
[93] انظر: (العالمية الثانية) ص. 271.
[94] انظر: القمني (رب الزمان) ص. 43.
[95] انظر: حسين أحمد أمين (حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة) ص. 205، 206.
[96] انظر: القمني (رب الزمان) ص. 237.
[97] انظر: محمد جمال باروت (الاجتهاد: النص الواقع المصلحة) ص. 136، 137.
[98] انظر: فتحي القاسمي (العلمانية وانتشارها شرقًا وغربًا) ص. 193.
[99] انظر: (القمني الفاشيون والوطن) ص. 214، 215، 89.
[100] انظر: الصادق بلعيد (القرآن والتشريع) ص. 24، 47، 309.
[101] انظر عبد الهادي عبد الرحمن (سلطة النص) ص. 52.
[102] انظر: طيب تزيني (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة) ص. 219.
[103] انظر: أنور خلوف (القرآن والتفسير والتأويل والمنطق العقلي) ص. 25، 65.
[104] انظر: طيب تيزينى (النص القرآني) ص. 375.
[105] انظر: نائلة السيلني (تاريخية التفسير القرآني) ص. 80.
[106] انظر: حسين أحمد أمين (حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة) ص. 27.
[107] انظر: نصر حامد أبو زيد (مفهوم النص) ص. 117 وانظر: آسيا المخلبي (مبحث التأويل في الفكر العربي المعاصر نصر حامد أبو زيد نموذجاً ص. 55 – جامعة نواكشوط – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الفلسفة – بحث لنيل الشهادة المتريز في الفلسفة 1994، 1995 م.
[108] انظر: العشماوي (الإسلام السياسي) ص. 48، و (أصول الشريعة) ص. 139.
[109] أعنى بالمجازفة والارتجال معنى واحداً هو إطلاق الأحكام، وإكثار الكلام بدون أي أدلة أو براهين.
[110] الشاطبي (الموافقات) 1/26 دار المعرفة – بيروت ط 1 /1415 هجري – 1994م تحقيق د. عبد الله دراز، وانظر د. أحمد الريسوني (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي) ص. 235 – دار الكلمة المنصورة – مصر ط1 /1997 م، 1418 ه.
[111] الموافقات 1 /23، وانظر: د. الريسونى (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي) ص. 253.
[112] انظر: د. الريسونى (نظرية المقاصد) ص. 254.
[113] السابق نفسه.
[114] السابق نفسه. ص. 256.
[115] السابق ص. 254، 257.
[116] السابق ص. 259.
[117] انظر: د. الريسونى (السابق) ص. 24 – 46.
[118] انظر: السابق ص. 32.
[119] انظر: د. أحمد الريسونى (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي) ص. 235 فيما بعد، وانظر د: طه عبد الرحمن (تجديد في المنهج في تقويم التراث) ص. 97 فما بعد – المركز الثقافي العربي بيروت الدار البيضاء ط /د، ت. وانظر: د. عبد الرحمن إبراهيم كيلاني) (قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي) (دار الفكر – دمشق، وأيضاً: حمدي العبيدي (الشاطبي ومقاصد الشريعة) منشورات كلية الدعوة الإسلامية – طرابلس.
[120] الجابري (بنية العقل العربي) ص. 540، وانظر: باروت (الاجتهاد: النص والواقع المصلحة) ص. 107 مناظرة مع د. الريسونى.
[121] د. الريسونى (الاجتهاد النص الواقع والمصلحة) ص. 151.
[122] انظر: الشاطبي (الموافقات) 1 /26، بل إن الشاطبي خلافاً لكثير من العلماء كان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين، ولا يرى لأحد إن ينظر في هذه الكتب المتأخرة. أنظر: الموافقات 1/86.
[123] الإمام الشافعي (الرسالة) ص20 – بيروت – دار الكتب العلمية د. ت.
[124] انظر: (الرسالة للإمام الشافعي) ص. 21، 22.
[125] الشاطبي (الموافقات) 3 /333.
[126] الشاطبي (الموافقات) 3 /339.
[127] انظر: السابق 3 / 331 – 332.
[128] السابق 3/ 335.
[129] انظر: الموافقات 1 / 78، وانظر: د. طه عبد الرحمن (تجديد المنهج في تقويم التراث) ص. 117 وانظر: عبد الإله إحسيني، ضوابط السياسة الشرعية (بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا – شعبة الدراسات الإسلامية – جامعة الحسن الثاني – المحمدية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – ابن مسيك المغرب، إشراف د. عقي النماري 1420 ه – 1999 م.
[130] الشاطبي (الموافقات) 1/ 36.
[131] الشاطبي (الاعتصام) 1 / 45 تصحيح الشيخ محمد رشيد رضا – مطبعة المنار بمصر لا توجد أي بيانات إضافية.
[132] الشاطبي (الاعتصام) 1 / 50.
[133] الشاطبي (الاعتصام) 1 / 52 – 53.
[134] سورة يوسف، آية 2.
[135] سورة الشعراء، آية: 195.
[136] الشاطبي، الموافقات 2 / 375.
[137] الشاطبي (الموافقات) 2/ 376، 377، وانظر: الرسالة للإمام الشافعي ص. 51- 52 – والريسوني (نظرية المقاصد عن الإمام الشاطبي) ص. 235، 236.
[138] الشاطبي، (الموافقات) 4 / 667.
[139] الموافقات 4 / 485، وانظر د. الريسونى (نظرية المقاصد) ص. 236.
[140] الشاطبي (الاعتصام) 2 / 239.
[141] الإمام الشاطبي (الموافقات) 4 / 485. جمهور الأصوليين على أن المجتهد لا يشترط فيه التبحر في العربية إلى درجة أئمة العربية، وإنما يشترط فيه القدر الذي يمكنه من فهم الكتاب والسنة قال الإمام الغزالي (والثاني: معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له فهم خطاب العرب وهذا يخص فائدة الكتاب والسنة.. والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة ويتعمق في النحو، بل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة) المستصفى 2 / 351 – 352. واشترط الآمدي أن يكون (عالماً باللغة والنحو، ولا يشترط أن يكون في اللغة كالأصمعي وفي النحو كسيبويه والخليل، بل أن يكون قد حصل من ذلك على ما يعرف به أوضاع العرب والجاري من عاداتهم في المخاطبات..) الإحكام في أصول الأحكام 4 / 142. واشترط أبو الحسن البصري (أن يعلم المستدل ما وضع له الخطاب في اللغة وفي العرف وفي الشرع ليحمله عليه…) المعتمد للبصرى 2 / 358، وسياق كلام البصري يبدو منه أنه لا يشترط التبحر في العربية.
[142] انظر: الموافقات 1 / 41 وانظر: د. الريسونى (السابق نفسه).
[143] الإمام الشافعي (الرسالة) ص. 50.
[144] انظر: الرازي (المحصول) 1 / 375.
[145] انظر: (الموافقات) 1 / 80، ود. الريسونى (نظرية المقاصد) ص. 277.
[146] انظر: الموافقات 2/ 585، والاعتصام 2 / 135، ونظرية المقاصد ص. 275.
[147] انظر: الموافقات 2 / 586.
[148] انظر الموافقات 2 / 469 و 455.
[149] انظر: الموافقات 1/ 299.
[150] انظر: الموافقات 1 / 300.
[151] انظر: الموافقات 1 / 266 – 268.
[152] انظر: الموافقات 2 / 427.
[153] انظر / الموافقات 2 / 429.
[154] انظر: الموافقات 2 / 457.
[155] انظر: الموافقات 1 / 310.
[156] راجع ص. 307.
[157] انظر: الزركشي (البرهان) 2 / 17 – دار المعرفة – بيروت 1972 / ط 3.
[158]الموافقات 2 / 667، 3 / 111، 112، 114، وانظر: د. الريسونى نظرية المقاصد ص. 277.
[159] سورة البقرة: آية 183.
[160] سورة البقرة: آية 205.
[161] سورة البقرة: آية 188. انظر: ابن عاشور (مقاصد الشريعة الإسلامية) ص. 21، ود. الريسونى (نظرية المقاصد) ص. 130.
[162] انظر: ابن عاشور (السابق) ص. 21 أيضاً.
[163] الموافقات 2 / 668.
[164] الموافقات 1 / 37.
[165] انظر: الموافقات 2 / 681 – 683، والاعتصام 1 / 361.
[166] انظر: الموافقات 1 / 29، 30 و 2 / 322، 362، 364 و د. الريسونى (نظرية المقاصد) ص. 245.
[167] انظر: ابن عاشور (مقاصد الشريعة الإسلامية) ص. 20 – الشركة التونسية للتوزيع والنشر – تونس – الشركة الوطنية للكتاب الجزائر د، ط / د، ت.
[168] الموافقات 2 / 371 – 373، وانظر: هراوة (البعد الزماني) ص. 60.
[169] الشاطبي (الموافقات) 3 / 12.
[170] الموافقات 3 / 7 – 9 وانظر: هرواة (البعد الزماني) ص. 60.
[171] الشاطبي: الاعصام ص. 1 / 184، 185.
[172] انظر: نصر حامد أبو زيد (نقد الخطاب الديني) ص. 223، 225.
[173] انظر الشاطبي (الموافقات) 2/ 681- 682.
[174] انظر محمد شحرور (الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة) ص. 606، 607.
[175] انظر: عبد الرحمن حللي (استخدام المناهج الحديثة في دراسة الإسلام قراءة في كتاب الإسلام بين الرسالة والتاريخ لعبد المجيد الشرفي) مجلة الحياة الثقافية- ص. 46 عدد 129 لسنة 26 نوفمبر 2001 تونس.
[176] انظر: علي حرب (نقد النص) ص. 20.
[177] السابق ص. 21.
[178] انظر: د. الجابري (بنية العقل) ص. 540.
[179] انظر: محمد جمال باروت (الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة) ص. 107.
[180] انظر: د. الريسونى (الاجتهاد: النص الواقع المصلحة) ص. 33.
[181] انظر: السابق ص. 36، 37.
[182] انظر: الطوفي (رسالة في رعاية المصلحة) ص. 44 – 45.
[183] انظر: الريسونى (الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة) ص. 38.
[184] انظر: محمد سعيد رمضان البوطي (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية) ص. 107 فما بعد. ونحيل هنا أيضاً إلى الكتب التالية التي تعالج قضية المصلحة بشكل شاف كاف: المصلحة في الشريعة الإسلامية. د. مصطفى زيد. و (أصول التشريع الإسلامي) الأستاذ على حسب الله. و (نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي) حسين حامد حسان.
[185] انظر: د. عبد المجيد الشرفي (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) ص. 47.
[186] السابق ص. 61.
[187] انظر: عبد الرحمن حللي (استخدام المناهج الحديثة في دراسة الإسلام. قراءة في كتاب (الإسلام بين الرسالة والتاريخ لعبد المجيد الشرفي) ص. 54، 55 مقال في مجلة (الحياة الثقافية العدد 129 السنة 26 نوفمبر 2001 م تونس.
[188] انظر السابق نفسه.
[189] انظر: د. محمد بلتاجي (منهج عمر بن الخطاب في التشريع) مكتبة الشباب ط 2 /1418 ه 1998 م، (عمر بن الخطاب حياته على أدبه) د. على أحمد الخطيب، عالم الكتب – بيروت ط 1 / 1406 ه – 1986، (فقه عمر موازناً بفقه أشهر المجتهدين) د. رويعي بن راجح الرحيلي. (الأصول النظرية لفقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه) عبد الفتاح برزوق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – جامعة الحسن الثاني المحمدية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – ابن مسيك، إشراف د. عقي النماري) 1420 ه – 1999 م شعبة الدراسات الإسلامية تخصص الفقه والأصول.
*نقلاً عن مركز خطوة للتوثيق والدراسات*