س1) بَعد الخصام الكبير بين فَتْح وحماس كيف ترى الحَل؟ وبصراحة هل بات كلُّ طرَف يبحث عن مصالِحه الشَّخصية، وكلٌّ رَضِي بدولته الصغيرة؟

ج1) حل الانقسام الحاصل بين حرَكَتَي فتْح وحَماس هو المُصالَحة الوطنيَّة المبْنيَّة على قاعدة تفاهُمَات قويَّة ومدروسة، بحيث تَأخذ بِعَين الاعْتبار كلَّ الاعتبارات والجوانب الأساسيَّة لدَى الطَّرفين، ومنها إطلاق سرَاح المعْتَقَلين مِن كِلا الطَّرَفين، ودفْعُ دِيَات من قُتِلوا أيضًا بسلاح الفريقين، وتعويض المتضرِّرين من جَرَّاء الاقتتال، وإجراءُ مصالحة عامَّة داخلية.

وهناك مَن يرى أنَّ الحلَّ فقط يَكْمن في حلِّ السُّلْطة الوطنيَّة الفلسطينية، والعودة إلى ما قَبْل معاهَدة أوسلو؛ أيْ: إلى حالة المقاومة والفَصائليَّة الشعبية كمَخْرج لهذه الأَزْمة.

أما بالنسبة للشقِّ الثاني، فيبدو أنَّه فعْلاً قد بات كلُّ طرَف راضيًا عمَّا أنْجزه؛ فحَماس ترفض التَّنازل عن السُّلْطة في غزَّة، في حين أنَّ ’’فتْح’’ تَستأثر بها في ’’رام الله’’، وبالتَّالي يَصعب عليها التنازل عنها، ويرى بعض المحلِّلين أنَّه تَسُود العلاقاتِ بين الطَّرَفين حالةٌ من التَّربُّصِ بالآخَر؛ بل وصلَتْ حدَّ التآمر، مثلما حصل إبَّان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزَّة.

س2) الهجمات على المقدسيِّين المتواصلة، إلاَم تَرمز مع ازْديادها؟

ج2) هدَفُ الممارَسات الإسرائيلية العُدْوانية ضدَّ المقْدسيِّين تهويدُ مدينة القدْس، وتفريغها من سكَّانِها الأصليِّين، ووَضْع اليد على أكبرِ قدْر مُمكن من الأراضي والعقارات العربيَّة في المدينة، إضافةً لقطع الطريق على أيَّة تسْوية قد تؤدِّي إلى إقامة دولة فلسطينية، تكون مدينةُ القدس عاصِمَتَها.
ولقد ازدادت وتِيرة الأعمال والمشاريع المذْكورة أعْلاه في ظلِّ رئيس بلديَّة القدْس الحالِيِّ المدْعو ’’بركات’’، الَّذي يبذل كلَّ ما بِوُسْعه لِتَغييب كلِّ ما يَرْمز لإِسْلاميةِ وعروبةِ مدينة القدس، وهو يسعى بذلك لتَسْجيل نقاط في مَرْمى خصومه السياسيِّين؛ ليفوز بولاية ثانية في الاِنتخابات المقْبِلة للبلدية.

س3) كيف يمكن إنقاذ القدس من التهويد الحاصل؟

ج3) لا يَملك الشعب الفلسطيني عصًا سِحْرية لإِنْقاذ القدس؛ فإنقاذ المدينة بالوسائل المتوفِّرة حاليًّا لدى الفلسطينيين شبْهُ مستحيل.
فالأساليب الحضَاريَّة؛ أيْ: بالطُّرق القانونية والقضائيَّة، أو عبْر الشَّجْب والإدانة والاستنكار - لا تحرِّر شيئًا منها أبدًا، وللشعب الفلسطينِيِّ تَجربتُه الطويلة مع الكِيان الصِّهْيوني منذ العام 1948؛ لكنَّ الأساليب الشعبيَّة والجماهيرية الرَّافضة لسياساتٍ كهذه قادرةٌ وحْدَها على لَفْت أنظار الرَّأْي العامِّ العالَمِي، وبالتالي حدوث تحرُّكات شعبية خارجية قد تَضغط على حكومات بلادها لإِرْغام إسرائيل على التَّراجع عن تطبيق مشاريعها الظالمة؛ أمَّا عربيًّا فلا فائدة من الأنظمة العربية البتَّة.

ثم إنَّه بالإمْكان التوجُّه للمؤسَّسات الدولية الفاعلة؛ لِشَرْح قضية القدس والمخاطر المُحْدِقة بها، من باب فَضْح الممارسات الإسرائيلية، لكنَّ مرْدود ذلك لن يكون مُجْديًا للمدينة، وإنَّما الحل معروف للجميع ما دامَتْ إسرائيل ترفض الانصياع للقانون الدولي، ولا تحسب حسابًا لأحد، حتَّى للولايات المتحدة الأمريكية.
س4) يقول كثير من المراقبين الفلسطينيِّين: إنَّ المقدسيين لم يَعُودوا يهتَمُّون بقضيتهم؛ فَهمُّ كثيرٍ مِنهم التِّجارة والعمل والأسفار، مع قلَّة التدَيُّن، وتأثير الوجود الإسرائيلي عليهم، فما رأيُكم؟

ج4) لا شكَّ أنَّ إسرائيل قد تمكَّنَت من المقدسيِّين من خلال سياسة التَّجْويع وفَرْض الضرائب الباهظة على سكَّان المدينة من الفلسطينيين، الأمر الذي جعَلَهم ينشغلون بالدُّنيا وبالتِّجارة، وإهمال موضوع القدس، لكنَّه لا يمكن تَعْميم ذلك أبدًا؛ فسكَّان القدس اليومَ ليسوا الأمْس، فهُم الآن يُشارِكون في التَّظاهرات والاعْتصامات، ويشاركون الآخَرِين في التصدِّي للأخطبوط الصهيوني المتمدِّد.

ومن ناحية أخرى فالمقْدسيون مراقَبُون جدًّا من قِبَل كلِّ الأجهزة الإسرائيلية، الأمْنيَّة منها أو المدَنِية، وبالتَّالي يَخْشى المقادِسة من اتِّباع السلطات الإسرائيلية أسلوبَ قطْع مخصَّصات بعْض مَن يتلقَّى ذلك لمشاركته في تَظاهرَة أو اعتصام.

س5) الحرب على النِّقاب ومناقشته في الكنيست بات أمْرًا لائحًا، ويتخوَّف منه الكثير من الفلسطينيين المحافِظين، هل تتوقَّعون نجاح ذلك؟

ج5) في ظلِّ حكومة يَمَينيَّة متطرِّفة لا يُستبعد أيُّ شيء، وبالتَّالي لا أسْتبعد إقرار الحكومة قرارًا كهذا، يَحْظر النِّقاب، مع الإشارة إلى أنَّ هناك فرقًا كبيرًا ما بين النِّقاب والحجاب.

إسرائيل بالطَّبْع من خلال طَرْحها هذا تُحَاول تقليد بعْضِ الدول الأوربية التي سنَّتْ قوانين لِحَظر ارتداء النقاب، وعَجز العالَم الإسلامي في التصدِّي لمثل هذه القوانين الجائرة، ثم لا نَنسى موقف الأزهر ’’مشيخة الأزْهر’’ الضَّعيف من هذه السياسات الأوربية.

أمَّا إسرائيل فإنَّها ترى في أوربا وما أقْدَمَت عليه في حقِّ المنتقبات سابقةً؛ يَبقى الاعتماد عليها لِتَبرير ما تَرمي إلى القيام به.

س6) باتت بعض العوائل المقْدسية تَطلب المأوى بعد مُصَادرة دُورِهم وهَدْمِها من سلطات الاحْتلال، فكيف يُمْكن أَنْ تتوجَّه برسالة لِمَن يهمُّهم الأمْر من السُّلطة والحكومات الفلسطينيَّة حِيالَ هذا الواقع النَّكِد على الكثير من العوائل المقْدِسيَّة؟

ج6) بدايةً، فاقِدُ الشيء لا يُعطيه؛ فالسُّلطة الفلسطينية نفْسُها مهدَّدة بالحلِّ، لكن ما يمكن قوله: إنَّني أرى أنَّه من واجب السُّلطة الفلسطينية مَدُّ يد العون لِهَذه الشرائح من المُجْتَمع، وخاصَّةً توفير المأوى ومَد العون لهذه الأُسَر؛ بما تحتاج لتعيش حياةً كريمةً في ظلِّ صيف حار وشتاء بارد، كل ذلك من أجْل صمود هؤلاء النَّاس في وطنهم، والعدول عن الهجرة إنْ كانت مطروحةً لديهم.

س7) ما آخِرُ أخبارِ ومراحلِ الحفْريات تحت الأقصى واستهدافه؟ ونَقصد بذلك معلوماتٍ جديدةً وصلَتْكم في هذا الأمر.

ج7) الأقصى مستهْدَف دائمًا، ولن يَهدأ بال الطَّرَفين المتصارِعَين أبدًا، وعليه فالحفريات الإسرائيلية مستمرَّة ليْلَ نهار، ولعلَّ مشروع تهويد المنطقة الجنوبيَّة للمسجد الأقصى خيرُ دليل على ذلك، إضافةً لمواصلة الحفْر أسْفَل المسجد الأقصى، والَّذي اقترب أحدها من قبَّة الصخرة كثيرًا، ناهِيكَ عن مشاريعهم المقتَرَحة لِتَقسيم المسجد الأقصى بين المسْلِمين واليهود.

س8) يتساءل أحَدُ المقدسيين فيقول: ’’هل قضيَّة القدس أصبحت بالنسبة للعرب قضيةَ متسوِّل، يريدون أن يقدِّموا له الدَّعْم المالي؛ حتَّى يُسْقِطوا عن كاهلهم المسؤوليَّة التاريخيةَ والعقائدية تُجَاهَه؟’’ فما جوابكم عن ذلك؟

ج8) عيْنُ الحقيقة أنَّ العرب مفْلِسون إستراتيجيًّا، وليست لديهم النِّية أبدًا في فتْح جبهة مع إسرائيل؛ لارْتباطاتهم ومصالحهم المشتَرَكة معَها ومع أمريكا، وبالتَّالي فدَفْع المال أهون عليهم بكثير، وعليه يتصدَّقون بوسخ أموالهم لمدينة القدس والأقصى؛ إسْقاطًا للواجبَيْن الدِّيني والوطني عنهم.

لا، بل هناك من العرب والمسلمين مَن يَزور القدْس رغْم كونِها مدينةً محتلَّةً، وهذا يُعَدُّ اعترافًا بالاحتلال الإسرائيلي للمدينة، ولعلَّ ما يبيِّن ذلك فتاوى الكثير مِن الَّتي تحرِّم زيارة الأقصى والقدس طالما أنَّ المدينة محتلَّة.

س9) هل تتوقَّع يومًا يَصْحو فيه الفلسطينيُّون، فيرون غزَّة باتَتْ مع مصر، والضفة مع الأردن، واليهود قد سَوَّروا أنفسهم بنِطاق أمْنِي لِدَولتهم المعلومة إسرائيل؟

ج9) هذا مَطْروح على الطَّاولة منذ حين، وربَّما يَحْصل ذلك كشَرْطٍ إسرائيلي؛ للتوصُّل لِتَسوية في المنطقة، لكنَّه سيقابَل برفض فلسطيني واضح.

لكنَّ الحل هذا سيوفِّر المَطالب الأمْنية الإسرائيليَّة بأيْدٍ عربيَّة؛ لأنَّ هاتين الدَّوْلتين ستحْرِصان على الهدوء التامِّ على حدود بلدَيْهما، والضَّرْب بأيد من حديد لكلِّ من تُسَوِّل له نفسه خرْقَ ذلك.

ثم لا يَنسى القارئ أنَّ قطاع غزَّة بَقِي تحت الإدارة المصريَّة 19 عامًا، كذلك الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنِّية، وهذا يعني سهولةَ نقل الصَّلاحيات الإداريَّة في هاتين المنطقتين للدولتين المذكورتين.

س10) في تصريح مُثِير ’’للسي آي إيه’’ عَبَّروا فيه عن احتمالية سقوط دولة إسرائيل في غُضون عشرين عامًا، كيف تَفهمون ذلك فضيلةَ الدكتور؟ وهل بالفعل كلامهم له وجْهٌ كبير من الصِّحة والناس ترى تَعاظُمَ قوَّة دولة إسرائيل؟

ج10) المشهور أنَّ الأيَّام دُوَل، يوم لك ويوم عليك، لكنِّي لا أَثِق، بل لا أَمِيل لمثل هذه التكَهُّنات الَّتي قد تكون أهدافها تخديرَ الأمَّتين العربية والإسلامية من ناحية، ومَنْحَ إسرائيل والغرْب مصداقيَّةً في الاعْتداء على مَن يدَّعون أنَّهم يهدِّدون أمْن وسلامة الكيان الإسرائيلي، إضافةً لزيادة تَسْليح إسرائيل بأحدث المعدَّات العسكرية المتطوِّرة عالميًّا بحجَّة الدِّفاع عن النَّفْس؛ فقولهم هذا يَبدو أنَّه مغْرِض ومسموم؛ كي يبرِّروا ما يخطِّطون له من مشاريع في المنطقة، ومنها القضاء على الحركات الإسلامية.

س11) نَقرأ في الأخبار أنَّ أوباما يحثُّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أنْ تكون هنالك مع الكِيَان الصهيوني مفاوضاتٌ مباشرة، فَبِصراحة هل حصَل تقَدُّم من المفاوَضات غير المباشرة حتَّى تكون هنالك مفاوضاتٌ مباشِرة؟ ثُمَّ على ماذا ستَكون المفاوضات؟ وهل تتوقَّع رُضوخ الرئيس الفلسطيني بعد هذه الضغوطات عليه؟

ج11) لا مبرِّر لِمَطلب أوباما هذا؛ لأنَّه حسب كلِّ المؤشِّرات لم يَحصل أيُّ تقدُّم من خلال المفاوضات غير المباشرة، وهذا ما صرَّح به الدكتور صائب عُرَيقات نفْسُه، وبالتَّالي لا يوجد ما يمكن التفاوض عليه، إلاَّ ربَّما على إبْداء تنازلات للإسرائيليين، وبالنسبة للرئيس الفلسطيني أستبعد رضوخه للضغوط الأمريكيَّة والإسرائيلية، ولَرُبَّما يفضِّل الاستقالة في حالِ اشْتدَّت هذه الضغوطات، أو تفضّل إسرائيل التخلُّصَ منه على طريقتها الخاصة.

الموضوع باختصار يَصبُّ في خانة تضييع الفرْصة على الفلسطينيِّين من ناحية، وكسْبٍ للوقت لإسرائيل؛ كي تُكْمِل مشاريعها الاستيطانيَّة، ومشوارَ مُصادَرة الأراضي في الضفَّة الغربية.

س12) كيف تَنْظر لمستقبل القضية الفلسطينية؟

ج12) المستقْبَل - إن شاء الله - للشَّعْب الفلسطيني إنْ أصرَّ على حقُوقه المشروعة، وحقِّه في إقامة دولته، واستعادة تراب وطَنِه، لكنَّ الأمر في غاية التَّعقيد؛ فإسرائيل من طرَفِها تَعمل على تعطيل ووَأْدِ المشروع الوطني الفلسطيني، وتقزيم مطالبه والحدِّ من تَطْبيق أيِّ مشروع يؤدِّي إلى ذلك، وعليه فغَير مستبْعَد ضمُّ الضفَّة الغربية مدَنيًّا لإسرائيل، وتَهويد القدس الشرقية، والاعتداء على قدسيَّة المسْجد الأقصى في حال بَقِيت الأمور على ما هي عليه الآن من انْقسام فلسطيني داخلي، وهَوان عربي وإسلامي.
*الألوكة