مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2017/05/01 09:41
مفهوم الفقه السياسي الإسلامي(حوار)

- مفهوم الفقه السياسي الإسلامي
- الفقه السياسي الإسلامي ثوابت ومتغيرات
- الإسلاميون بين تجديد الفقه وممارسة السلطة
- علاقة الفقيه بالسلطة الحاكمة
- طبيعة علاقة الدولة الإسلامية مع المحيط الدولي
- المواطنة وحقوق المواطن

 

عثمان عثمان

محمد عمارة

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام من القاهرة في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، بعد الثورات العربية تحول العديد من الإسلاميين من موقع الاحتجاج إلى موقع الحكم والممارسة العملية، الأمر الذي ربما سيفتح المجال لكثير من التغيرات في التصورات والأفكار مع ممارسة الحكم، ولعلنا سنشهد متغيرات في الفقه السياسي التراثي فتحدثها تلك التجربة الجديدة المبنية على تفاصيل وعمل  يومي في جهاز الدولة الحديث، ومن دون ذلك أيضا يبقى الفقه السياسي الإسلامي التراثي بحاجة إلى مراجعة وتقويم وتجديد نظرا وعملا لأن وقائع السلطة تغيرت كثيرا عما كانت عليه من قبل، فما مصير التصورات الخاصة بالإمامة والسلطة والسياسة؟ وهل يمكن القول إن تغيرات في بنية الفقه الإسلامي ستتم مع دخول الإسلاميين إلى جهاز الدولة؟ الفقه السياسي الإسلامي موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف، مرحباً بك دكتور.

محمد عمارة: أهلا بكم ومرحباً.

مفهوم الفقه السياسي الإسلامي

عثمان عثمان: بداية دكتور ما المقصود بالفقه السياسي الإسلامي أو السياسة الشرعية؟

محمد عمارة: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين يعني عندما نتكلم عن الفقه السياسي أو السياسة الشرعية وهو أمام مصطلحين لا بد أن نحرر مضامين المصطلحات أولاً الشريعة والسياسة، الشريعة وضع إلهي ثابت، السياسة هي الفروع أولا من الفقهيات وهي التدابير كما عرفها ابن القيم التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد يعني السياسة مطلق سياسة في النظم والأنساق الفكرية العلمانية والوضعية هي التدابير يعني تُدبر أمور المجتمع والدولة بالتجربة والعقل في الرؤية الإسلامية هي التدابير المحكومة بمقاصد الشريعة يعني ليس فقط العقل وحده وإنما العقل مع الشرع ودي الفارق الدقيق بين الرؤية الإسلامية للفقه السياسي وبين الفقه السياسي في أي نظم ووضعية وعلمانية، الشريعة وضع إلهي ثابت لكن الشريعة لا تظل جامدة تنمو يعني أنت إذا أردنا أن نصور علاقة الشريعة بالسياسة أو السياسة الشرعية عندما تكون هناك شجرة تستجد مستجدات تنبع أفرع وأوراق من هذه الشجرة تظلل المستجدات الجديدة إذا أنت أمام سياسة شرعية هي شرعية لأنها تستمد من الشريعة التي هي وضع إلهي، الشريعة عندها في الإسلام هي فلسفة تشريع أكثر منها تفاصيل تشريع هي كليات تشريع أكثر منها تفاصيل تشريع ولذلك هي كجذع الشجرة التي يخرج منها أفرع وأوراق تظلل المستجدات الجديدة فتكون السياسة شرعية بقدر ما هي مرتبطة بفلسفة التشريع بالشريعة التي هي وضع إلهي ثابت.

عثمان عثمان: هل يمكن هنا دكتور أن نتحدث عن نظام إسلامي محدد المعالم مطالب من المسلم تطبيقه في كل زمان وفي كل مكان؟

محمد عمارة: شوف برضه إحنا دائما في هذه المباحث نحتاج إلى تحليل مضامين المصطلحات، ما هو النظام؟ النظام هو المؤسسات هو الآليات هذه المؤسسات هذه الآليات بتطور دائما وأبداً ولهذا ليس لدينا نظام إسلامي ثابت، إحنا لدينا آليات ومؤسسات تكون إسلامية أي أن يكون النظام إسلامي بقدر ما يحقق مقاصد الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية خذ على سبيل المثال أنت أمام صورة معناها المشاركة في صنع القرار هذه آلية من الآليات لكن إذا استخدمت الصورة إذا اُستخدم البرلمان والمؤسسة التشريعية في تحقيق الحلال وإزالة الحرام في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية التي هي معروفة بالمقاصد الخمسة، إذا استخدمت الآليات اللي هي النظم في تحقيق المصلحة ليس مجرد المصلحة لأنه أيضاً في البراغماتية في العلمانية في مصلحة لكن هنا المصلحة الشرعية المعتبرة، يعني زي ما قلنا أنه السياسية الشرعية بنقول المصلحة الشرعية المعتبرة إذن آليات النظم هي آليات وأدوات لتحقيق المقاصد وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة.

عثمان عثمان: أن تكون هده الأدوات والوسائل منبثقة من شرع الله عز وجل.

محمد عمارة: الآليات هي يعني تنبع من المصلحة يعني أنت لك مقصد تنظر ما هي الآليات التي تحقق لك هذا المقصد، أنت عندك عايز تعمل شريعة إسلامية تطبق شريعة إسلامية فأنت تأتي بأدوات الاجتهاد تأتي بمؤسسات تشريعية أنت عندك أنظمة قضائية، هذه الأنظمة القضائية عندما تطبق القانون العلماني فهي قضاء وليس قضاء شرعيا إنما عندما تحقق الشريعة الإسلامية وتحكم الشريعة الإسلامية فهي قضاء شرعي يبقى إذن سواء سلطة تنفيذية أو سلطة تشريعية أو سلطة قضائية هذه نظم هذه مؤسسات هذه آليات تكون الشريعة الإسلامية وشرعية بقدر ما تحقق مقاصد الشريعة وتلتزم بحدود الحلال والحرام.

الفقه السياسي الإسلامي ثوابت ومتغيرات

عثمان عثمان: أنقل لكم سؤال للسيد فداء الجندي يسأل عن مرونة الفقه الإسلامي وكيف يمكن أن يتلاءم مع الأوضاع السياسية في القرن الحادي والعشرين دون أن يتخلى عن ثوابته وقيمه؟

محمد عمارة: هو نفس الكلام اللي إحنا قلناه، الفقه الإسلامي شديد المرونة يعني يكفي أن تعلم أن اجتهاد المجتهد غير ملزم للمجتهد الآخر وغير ملزم إلا للمجتهد نفسه ولمن يقتنع به، يكفي أن تعلم أن الفتوى رأي غير ملزم تستطيع أن تترك هذه الفتوى وتأخذ بفتوى أخرى، الفقه الإسلامي يتطور مع تطور الزمان شوف الإمام الشافعي كان في العراق له مذهب وعندما جاء إلى مصر أصبح له مذهب آخر، يبقى الشريعة اللي هي وضع الله الثابت لم تتغير في مصر عنها في العراق ولكن الذي يتغير هو الواقع فأنت تبقى في هذا الحال مطالب أن تفقه الحكم وتفقه الواقع بل أولا تفقه الواقع، يعني الأولوية هي لفقه الواقع ثم البحث لهذا الواقع ولعلامات استفهام الواقع ولمشكلات الواقع عن حكم في الأحكام فأنت تنزل الحكم عن الواقع إذن الفقه الإسلامي فقه متطور وخصوصا إن الفقه هو علم الفروع أصل التطور لا يأتي في الثوابت لا يأتي في العقيدة لا يأتي في فلسفة التشريع وفي قواعد الشريعة الإسلامية لكن يأتي في الفروع فكما أن  الفقه هو علم الفروع فالسياسة هي جزء من الفقه لذلك هي من الفروع ومن ثم هي مرنة هي متطورة دائما وأبدا.

عثمان عثمان: لكن بطبيعة الحال يعني مسائل الدولة مسائل الحكم رعاية شؤون الناس تقوم على أن تحقق للناس مصالحهم في الحياة؟

محمد عمارة: نعم تحقق المصالح الشرعية المعتبرة أنت عندك لو واحد بتاجر بالخمرة في مصلحة لو واحد بيعمل دعارة في مصلحة بجيب أموال يعني لو واحد بشتغل بالربا في هنا مصلحة، لكن هي ليست مصلحة شرعية معتبرة لابد أن تكون المصلحة مضبوطة بأنها مصلحة شرعية معتبرة حتى تكون المصلحة، ومن هنا الآليات النظم الفقه، الفقه بمعنى الوعي والفهم لابد أن يكون مضبوطاً بكليات الشريعة بفلسفة الشريعة في التشريع وفي التقنين.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور كتابات النظام السياسي الإسلامي ربما اعتمدت على تحليل السلوك الفردي للصحابة عموماً وللخلفاء الراشدين بشكل خاص في حين يتم تجاهل المبادئ العامة والتي وجهت أفعالهم يعني هذه الصور لماذا تكون بهذا الشكل؟

محمد عمارة: شوف لأنه حدث خطأ في كتابة تاريخ الفقه السياسي والدولة الإسلامية إحنا كل الذين كتبوا عن دولة الخلفاء الراشدين قالوا كل خليفة قد تولى بصورة مختلفة عن الخليفة الآخر، ونظروا للفقه السياسي في عصر الخلافة الراشدة باعتبار هو سلوك الخلفاء يعني سلوك الصحابة وسلوك الخلفاء هنا حدث تجاهل وإغفال للمؤسسية والمؤسسات التي قامت عليها الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية الأولى قامت على ثلاث مؤسسات يعني كان عندنا المهاجرين الأولين، اختزل دور المهاجرين الأولين بدل ما ينظر إليهم كمؤسسة دستورية قيل العشرة المبشرين بالجنة، والمبشرون بالجنة بنص القرآن كل المؤمنين مبشرين بالجنة التبشير بالجنة ليس وظيفة هو صحيح في مقدمة المبشرين بالجنة لكن هؤلاء العشرة كانوا قادة بطون قريش وهم يسمون المهاجرين الأولين، المهاجرون لأنهم قرشيون هاجروا وأولون لأنهم أول الناس إسلاما، ودول كانوا بالمدينة كأنهم حكومة الدولة  لذلك عندما أقام الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد وهو دار الحكومة كان العشرة بيوتهم تحيط بالمسجد ولها أبواب تفتح داخل المسجد دونما عن يعني بيت الرسول وبيوت العشرة لها حول المسجد تفتح في المسجد، أنا قرأت نص لابن الأثير في أُسد الغابة يقول أن هؤلاء العشرة كانوا في الصلاة يقفون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحرب يقفون أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، أنت أمام مؤسسة ومؤسسة ثانية بُنيت ونشأت في بيعة العقبة عندما أراد الأنصار خمسة وسبعين،  ثلاث وسبعين رجل وامرأتين بيعة رسول الله على إقامة الدولة قد اختاروا منكم اثني عشر نقيبا، بالانتخاب ولدت مؤسسة الوزراء بقى في مؤسسة الأمراء ومؤسسة الوزراء، مؤسسات دستورية، في السقيفة عندما اختلف المهاجرون والأنصار من يكون خليفة بعد رسول الله أبو بكر يجزع اختصاصات الدولة  بين المؤسستين قال منا الأمراء ومنكم الوزراء، كان في مؤسسة ثالثة مؤسسة من سبعين مجلس الشورى من سبعين يجتمع في مسجد النبوة في مكان محدد في أوقات محددة تعرض عليه شؤون الولايات والأقاليم وشؤون الدولة إذن الدولة الإسلامية قامت على ثلاث مؤسسات، في عصور الاستبداد عمي على فكرة المؤسسات والمؤسسية لأنها غابت عن الدولة المستبدة وأصبح هناك الكلام عن السلوك الفردي سلوك الخلفاء سلوك الأمراء سلوك الولاة ولم يعد هناك حديث عن ضوابط  المؤسسية التي قامت عليها الدولة الإسلامية ولهذا  بحاجة إلى إحياء..

عثمان عثمان: بالضبط هذا ما أقول، الآن الإسلاميون وصلوا إلى الحكم في تونس في مصر في ليبيا حتى في المغرب هناك لهم دور كبير في إدارة حكم المغرب، هل يمكن لهذه المؤسسات أن يتم إحياؤها من جديد وكيف يمكن أن تتمظهر الآن في ظل الدولة الجديدة؟

محمد عمارة: نعم، المؤسسية والمؤسسات الشورية الملزمة لأن شفت تعريف الشورى أنا قرأت للمفسر العظيم ابن عطية ونقل كلامه هذا القرطبي في جامع الأحكام للقرآن يتكلم عن الشورى كأنك ترى نصاً دستورياً مصاغاً صياغة دستورية، الشورى من قواعد الشريعة، قواعد مش فروع، وعزائم الأحكام عزائم وليس تُرخص، الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين مش أهل الدين فقط مش الفقهاء مش المعممين وإنما أهل الخبرة وأهل الدين فعزله  واجب وهذا مما لا خلاف فيه، فإذن هذا فكر قاعد لإلزامية للشورى يستند إلى انه ربنا سبحانه وتعالى عندما يقول للرسول عليه الصلاة والسلام {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:159] بفعل الأمر فهو وجوب، عندما الأسرة تقوم على الشورى والتراضي عن تشاور وتراضي عندما صفة من صفات المؤمنين في المجتمع والأمة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:38] ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يقول لأبي بكر وعمر: ((لو  اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)) اثنين لواحد بالأغلبية، وإحنا عارفين انه قصص الشورى أنه في غزوة احد خضع للأغلبية في غزوة الأحزاب خضع لشورى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، في موضع الحرب في بدر خضع للشورى، إذن الشورى ملزمة والمؤسسات الشورية هي أساس الدولة الإسلامية يعني كما بدأت بها الدولة قبل أربعة عشر قرنا من باب أولى النهارده لأن الأمة مصدر السلطات، الأمة مصدر السلطات زي ما هي في الديمقراطية مصدر السلطات بس الفارق بين الأمة مصدر السلطات في الإسلام والفقه الإسلامي وبين الفقه العلماني أن الأمة مصدر السلطات شرط أن لا تحل حراماً أو تحرم حلالاً، لكن في المنظومة  الديمقراطية الغربية فلسفة الديمقراطية وليس آلياتها تستطيع الأمة أن تحل الحرام وتحرم الحلال إذن أنا أقول للإسلاميين اليوم لابد من أن يكون التركيز على المؤسسات الحكم المؤسسي أنت النهاردة الرئاسة، السلطة التنفيذية، ليست فردا مؤسسة، القضاء لم يعد فردا كما كان مؤسسة، ودرجات في التقاضي أنت النهاردة في التشريع أصبح مؤسسة ولذلك عندما تتحول نظم الحكم ونظام الحكم الإسلامي إلى مؤسسات ممكن أن يشترك فيها غير مسلم يمكن أن يشترك فيها المرأة  والرجل ليه؟ لأنه لم يعد المرأة هي التي تشرع أو المرأة هي التي تحكم أو المرأة هي التي تقضي أو دين المسلم هو الذي يقضي أو يحكم، لكنه أصبح جزء من المؤسسة مأسسة مؤسسات والاعتماد على الشورى الملزمة لهذه المؤسسات هو الفريضة الأولى لكي تصبح لدينا دولة فيها ميزات الديمقراطية وفيها فلسفة الشورى، زي ما إحنا في الدستور الجديد في مصر لأول مرة أضفنا كلمة الشورى إلى كلمة الديمقراطية أنه الديمقراطية والشورى هي الأساس اللي يقوم عليها النظام السياسي، إذن أنا أقول أنه المأسسة أو المؤسسات وأنا كتبت محاضرة ونشرتها حول المؤسسية والمؤسسات في الحضارة الإسلامية بقسمة غائبة عن الذين كتبوا في النظام السياسي الإسلامي والفكر الإسلامي وذلك كما تفضلت أنهم جعلوا المرجعية هي تصرفات الخلفاء أو تصرفات الولاة.

عثمان عثمان: إذن هناك نتحدث عن كليات العامة وقواعد عامة أسسها النبي عليه الصلاة والسلام أو وضعها والآن نتحرك فقط في الآليات بما  يتوافق مع الشرائع وبما يخدم مصالح الناس، دكتور الآن عندما نتحدث عن وصول الإسلاميين للحكم وهذا يمثل تحدي كبير لهم في ممارسة الحكم وخاصة وأن التجربة العصرية لممارسة الحكم هذا لم تكن موجودة قريبا، هل يؤثر هذا على تغيير في مفهوم الفقه الإسلامي التراثي؟

محمد عمارة: نعم، لأنها هي أولا في حاجة لانتقاء من تراثنا الفقهي ننتقي ما يصلح لواقعنا المعاصر، لأنه هذا كما قلت وأنا أعجبني ابن القيم عليه رحمة الله عندما يتكلم على أن الأولية أو الأولوية لفقه الواقع لأنه الأول مدرك فقه الواقع ثم نبحث لهذا الواقع عن إجابة في الأحكام إذن نحن  بحاجة إلى دراسة الواقع الذي نعيش فيه ونختار من تراثنا الفقهي وننتقي ما يصلح للإجابة على استفهامات وعلامات استفهام الواقع الذي نعيش فيه أيضاً نحن نحتاج إلى فقه جديد، نحتاج إلى إبداع فقهي جديد، خذ على سبيل المثال الإسلاميون عندما يصلون إلى الحكم القضية ليست قضية فكر وأنا قاعد أقرأ في الفقه وفي الموردي وأقرأ في كل هذه الأمور دا أنا عايز أطور وأبدل الواقع الذي أعيش فيه، إحنا عندنا الحضارة لها جناحين مدنية وثقافة، المدنية هي عمران الواقع المادي والثقافة عمران النفس الإنسانية أنت بالواقع المادي تستطيع أن تستفيد بالحكمة في كل بلاد الدنيا، عندما تطور الواقع زراعة صناعة تجارة كل هذه العلوم الجديدة، أنا عملت الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي وجدت فيه أنه تفرد أنه كتب كتابا فيه مناهج الألباب المصرية في المناهج العصرية، هذا الكتاب عبارة عن تمدن يكلم كيف نطور الواقع بعد الحالة العثمانية والحالة المملوكية التي كانت شديدة التخلف قبل القرن التاسع عشر إذن أنت محتاج إلى فقه الواقع فقه التمدن، تمدين الواقع وأيضاً أنت نحتاج إلى أن تضبط معايير الثقافة الإسلامية عمران النفس الإسلامية بمنظومة القيم، تنزل منظومة القيم اللي هي ثوابت إسلامية على الواقع الذي تعيش فيه إذن نحن ننفتح على كل بلاد الدنيا في فقه الواقع في المدنية اللي هي  عمران الواقع المدني ونحتفظ بالبصمة الإسلامية  في الثقافة الإسلامية اللي هي عمران النفس الإنسانية اللي هي مربوطة بضوابط ومنظومة القيم والأخلاق الإسلامية.

الإسلاميون بين تجديد الفقه وممارسة السلطة

عثمان عثمان: إذن هناك علاقة مباشرة ومفترضة بين ممارسة الإسلاميين للسلطة وتجديد الفقه الإسلامي السياسي.

محمد عمارة: نعم، لأنه أنت بدون.. شوف التجديد عندنا ليس مجرد حق من حقوق الإنسان وحقوق العقل المسلم التجديد عندنا سنة، سنة من سنن التي لا تجديد لها ولا تغيير، يبعث الله على هذه الأمة رأس كل 100 سنة من يجدد لها أمر دينها، وإحنا عندنا النظرة الإسلامية للتاريخ لفلسفة التاريخ للتقدم لفلسفة التقدم مختلفة عن النظرة الغربية، إحنا عندنا فكرة الدورات يعني إحنا حضارتنا مرت بدورة ازدهار ومرت بدورة تراجع ثم مرت بدور إحياء، النهاردة الإسلاميين عندما يصلون إلى السلطة المفروض أنهم يمثلوا دورة جديدة في النهوض وفي أسلمة المؤسسات وأسلمة النظم وأسلمة المجتمعات التي يعيشون فيها، والرسول صلى الله عليه وسلم  له حديث وأنا دائما أركز على أحاديث المنهج يعني دائما عندك حديث التجديد دا من أحاديث المنهج الرسول صلى الله عليه وسلم له حديث معناه ((لا يلبس الجور بعدي إلا قليل حتى يظهر فكلما ظهر من الجور شيء توارى من العدل مثله حتى يولد بالجور من لم ير العدل ثم يأذن الله سبحانه وتعالى بالعدل فكلما طلع من العدل شيء توارى من الجور مثله حتى يولد في العدل ما لم ير الجور)) إذن إحنا عندنا فكرة التداول فكرة الدوران النهاردة عندما تنتشر ثورات الربيع العربي ويصل الإسلاميون إلى الحكم في كثير من البلاد الإسلامية تفتح نافذة لمرحلة جديدة في الفقه الإسلامي في تطوير المؤسسات الإسلامية في العمران الإسلامي في كل هذه الأمور ومن ذلك التجديد ثم لا بد أن يتم تركيز فكري على هذه القضايا لأنها هي التي تستجيب للواقع الجديد الذي نعيش فيه.

عثمان عثمان: دكتور يعني تجديد الفقه الإسلامي وتطوير المؤسسات، من المعني مباشرة بمثل هذا الفعل؟

محمد عمارة: شوف أنا رأيي أن المعني بها ليس مجرد الفقيه بالمعنى التقليدي إنما المعني بها الفقيه في مختلف ميادين الفقه أنت عارف انه الفقه النهارده لم يعد كالفقه قديما أنت عندك مفتي بطلع فتاوى أو فقه العبادات، فقه العبادات موجود وكامل بل ومتضخم أكثر لكن عندك فقه المعاملات يعني كما قلنا وأشرنا إلى أن فقه المدنية والتمدن وفقه العمران ابن خلدون يسمي الحضارة "العمران"، أنت عندك لا بد انه العلماء في مختلف التخصصات يشاركون في فقه لهذا الواقع يعني كيف أنت تتعامل مع الطب الحديث ومع مستجدات علوم الوراثة و و وكل هذه الأمور إذا يشترك أهل الاختصاص مع أهل الشريعة، الاقتصاد إحنا النهارده بمصر  مثلا نحاول أن نعمل صكوك إسلامية، صكوك إسلامية دي عايزة علماء اقتصاد مع علماء الشريعة والاقتصاد الإسلامي، يبقى إذن تجديد الفقه الإسلامي في مختلف ميادين الحياة وبالذات أنا أركز على فقه الواقع ومدنية الواقع يحتاج إلى مختلف التخصصات لذلك إحنا عايزين إيه ألوان من الفقه المتعددة بتعدد التخصصات يعني أنت عايز فقهي للأسرة في الواقع الذي تعيش تواجه التحديات الموجودة أمام الأسرة فقه للاقتصاد فقه للاجتماع، ولذلك لما بنتكلم عن إسلامية المعرفة يعني علاقة الإسلام بالمعارف وبالعلوم معنى ذلك انك تحتاج إلى ألوان من الفقهاء ومش فقيه فردي لأنه زمان كان الموسوعي ممكن يلم بكل حاجة..

عثمان عثمان: تتحدث الآن عن مجامع فقهية...

محمد عمارة: مجامع فقهية ويشترك فيها من مختلف التخصصات من العلوم المدنية مع العلوم الشرعية.

عثمان عثمان: دكتور، الفقيه كان له دور مركزي في بناء الحضارة الإسلامية سابقا جاءت الدولة القائمة على الاستبداد ربما بشكل أو بآخر همشت دور هذا الفقيه، كيف ترون الآن في مصر في تونس مع صعود الإسلاميين، كيف ترون دور الفقيه الذي هو ضروري في  تجديد الفقه الإسلامي وتحديث المؤسسات، أسمع الإجابة أن شاء الله ولكن بعد أن نذهب إلى فاصل قصير فأبقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

علاقة الفقيه بالسلطة الحاكمة

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان الفقه السياسي الإسلامي مع الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف، دكتور كيف ترون العلاقة الآن بين الفقيه الذي هو حاجة ملحة لتقويم الوضع وتجديد الفقه، كيف ترون علاقته بالسلطة الحاكمة أو بالدولة في ظل وصول الإسلاميين إلى الحكم؟

محمد عمارة: شوف في غيبة وصول الإسلاميين في النظم الوضعية والعلمانية أو شبه العلمانية اللي كانت موجودة في تاريخنا في القرون الأخيرة كان الدولة ترضى بفقيه دورة المياه يعني فقيه الحيض والنفاس والأمور والعبادات يعني اللي هي موجودة في الفقه كما قلت متضخمة وليس فيها جديدا لأنها إتباع وليس فيها تجديد واجتهاد وإبداع.

عثمان عثمان: المهم الابتعاد عن الحكم والسلطة وسياسة الدولة.

محمد عمارة: أنا قرأت للمرحوم سيد قطب، لما راح أميركا أواخر الأربعينات وعاد فتكلم عن الإسلام الأميركاني، أن أميركا تريد الإسلام في الحيض وفي النفاس وفي شؤون العبادات لكن لا يقترب من المال لا يقترب من الحكم لا يقترب من الشورى لا يقترب من الاستعمار لا يقترب من العلاقات الدولية لا يقترب من العلاقة بالآخر، كل هذه ألوان من الفقه مطلوب أنها تبقى موجودة في ظل حكم الإسلاميين وإلا يبقى ما فيش تغيير حصل في هذا الموضوع أنت محتاج إلى فقه يعني للحياة فقه للحياة لكل مناحي الحياة يعني الواقع المادي للمدنية ولعمران النفس الإنسانية، فقه علاقة الإنسان بذاته، علاقة الإنسان بأسرته، علاقة الإنسان بمجتمعه وعلاقة الإنسان بالدولة، علاقة الوطنية بالقومية بالإسلامية علاقة الأمة الإسلامية بالمحيط الدولي، علاقة المسلمين بالآخر الحضاري بالآخر الديني إذن كل هذه ألوان من الفقه ولذلك أنا أقول إحنا محتاجين إلى وقفة يعني بالفعل نضع خريطة احتياجات النظام الإسلامي الجديد اللي في ميادين الفقه المختلفة ومحتاجين إلى أنه المؤسسات العلم الشرعي تفرز تخرج تعلم هذه الألوان من الفقه والفقهاء، يعني لا بد أن يتسع مصطلح الفقه وميادين مصطلح الفقه لكل هذه التخصصات وبالتالي يعني مثلا إحنا كان عندنا سنيوري الباشا ده فقيه الشريعة والقانون وفقيه الدستوري وأساتذته  في باريس سنة 1926 وهو يعد الدكتوراه كانوا يسموه الإمام الخامس لأنه فقيه في الشريعة كما هو فقيه بالقوانين الوضعية وعنده مشروع إسلامي متكامل للدين والدولة وللمدنية الإسلامية وإلى آخره كما أنه هو واضع وشارح القانون المدني المشهور في بلادنا، هذا لون من الفقه فقه دستوري فقه سياسي فقه قانوني، كان عندك الشيخ شلتوت كان عنده فقه العبادات والمعاملات وفقه السياسة كتب في النظريات السياسية وكتب، إحنا عايزين الفقيه اللي تتسع مداركه وتخصصاته لهذه الأمور والفقهاء الذين يدرسون هذه الألوان من الفقه.

عثمان عثمان: هل تعتمدون دكتور الآن أن ساحتنا الإسلامية تملك مثل هذه المؤهلات، مثل هؤلاء الفقهاء الأكفاء في معالجة القضايا؟

محمد عمارة: إحنا عندنا قلة عندها أفق مفتوح أفق واسع، لكن هؤلاء عليهم واجبات كثيرة جدا وعليهم أن يعملوا يعني لا أقول من داخل جهاز الدولة وإنما بالموازاة مع جهاز الدولة لأنه إحنا لا نريد للفقه أن يكون أسيرا للسلطة حتى لو كانت السلطة إسلامية يعني نريد لأنه الفقه والفكر والوعي والاجتهاد لا يحتاج إلي سقف، السقف يقتله بينما الدولة والنظم والأوامر يراد فيها أوامر ونواهي مثل الجيوش على سبيل المثال لذلك إحنا بحاجة إلى نهضة فقهية لدينا منها قليل وهذه إحدى التحديات الكثيرة الموجودة أمام النظم الإسلامية الجديدة.

عثمان عثمان: البعض يرى أن الكثير من فتاوى اليوم هي عمل سياسي وليست عملا فقهيا، هل يمكن الحديث دكتور عن فتاوى سياسية وفتاوى فقهية؟

محمد عمارة: شوف السياسية هي جزء من الفقه يعني هي من الفروع كما قيل أن الفقه هو علم الفروع، لكن يمكن أن تكون لديك فتاوى سياسية غير شرعية يعني تمالئ حكام معينين أو نظم معينة أو طبقات معينة لكن إذا كانت الفتوى سياسية مضبوطة بمقاس الشريعة الإسلامية فهي جزء من الفقه الإسلامي وليست بعيدة عن الفقه الإسلامي.

عثمان عثمان: ألا يخشى الإسلاميون الآن لو أعطوا الفقهاء دورهم في الحياة في تجديد الفقه الإسلامي في إضفاء الصبغة الإسلامية على مجمل مؤسسات الدولة وتحديث هذه المؤسسات أن يتهموا سواء من الأقليات في الداخل أو حتى من الخارج بأنهم يذهبون إلى دولة دينية أو إلى دولة إسلامية ربما تغفل حقوق الأقليات؟

محمد عمارة: شوف نحن في حاجة إلى شجاعة فكرية في تحديد مضامين المصطلحات، الدولة الدينية كما عرفها الغرب هي الدولة الثيوقراطية، أما الدولة الإسلامية هي دولة مدنية مرجعيتها إسلامية هي دولة مدنية، الدولة في الإسلام ليست واجبا عقديا دينيا هي واجب مدني لا يقوم الواجب الديني إلا به يعني ده العلاقة بين الدولة كواجب مدني ومؤسسة مدنية وبين الفرائض الشرعية والدينية لا بد أن نكون صرحاء ولدينا الشجاعة أن نقول دولتنا إسلامية بهذا المعنى، الإسلام فيه عقيدة وفيه حضارة جمع المسلمين وحدهم على العقيدة لكن جمع الأمة بدياناتها المختلفة على الحضارة، ولذلك عندما تكون دولتنا إسلامية هي إسلامية عقيدة وحضارة بالنسبة للمسلم وهي إسلامية حضارة بالنسبة لغير المسلم وغير المسلم بني مع المسلم بهذه الحضارة يعني هذه الحضارة ملك وثمرة وجهد لغير المسلمين وللمسلمين على مر التاريخ الإسلامي، ولذلك إسلامية الدولة دي قضية يجب أن لا نستحي من الإعلان عنها إحنا النهارده مثلا في الدستور الجديد لم نكتف فقط بأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع وإنما فسرنا وفسر الأزهر وهيئة كبار العلماء بأن هي دي قواعد الكلية والأصولية والمذاهب المعتبرة عند أهل السنة والجماعة لنفتح خيارات متعددة أمام المشرع كي لا يكون يعني محصور في الآيات والأحاديث قطعية الدلالة والثبوت، إذن إسلامية الدولة دي قضية يجب أن لا نخجل منها وهي لا علاقة لها بالدولة الدينية والدولة الثيوقراطية، إحنا بإسلامنا الدين مدني حتى الزواج عندنا زواج مدني وليس زواج كهنوتي زي ما هو يعني إحنا محتاجين نحرر مضامين المصطلحات لأنه الناس يعني إحنا عندنا بمصر التيارات العلمانية يسمون نفسهم التيارات المدنية أمال إحنا إيه؟ عسكر؟ شوشية؟

عثمان عثمان: لكن البعض دكتور خاصة ممن ساهم في الحضارة الإسلامية عبر التاريخ يرى أن هذا البعض الذي هو من غير المسلمين ساهم في بناء ما يسميها الحضارة العربية أو الحضارة الوطنية ولا يحبذ أن يطلق عليها اسم الحضارة الإسلامية؟

محمد عمارة: دي أفكار جاءتنا مع العلمانية يعني محاولة انك أنت تعزل الإسلام عن العروبة هذا وهم، العرب هم مادة الإسلام العرب هم مادة الإسلام، أنت عندك العربية هي لغة القرآن بدون العربية هي قومية عبارة عن إيه عندنا؟ القومية ممكن تكون عنصرية كالتي جاءتنا من الغرب دي كما عصبية الجاهلية لكن القومية دائرة ثقافية عربية دائرة لغوية فأنت عندك حضارة إسلامية جامعة إسلامية في داخلها جزء من القومية، قومية عربية قومية كردية قومية فارسية قومية أزمازيغية قومية أردية قومية ألبانية كل اللي دي جزر تحضنها الإسلام وتعدد اللغات أي القوميات آية من آيات الله سبحانه وتعالى ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم، إذن إحنا النمط الإسلامي نمط متميز ولذلك يعني أنا عايز أضرب لك مثلا بعض الموارنة لما جُم إلى مصر في القاهرة التاسع عشر مثلا عملوا دار للمعارف،  فدار المعارف عملت تراث ذخائر العرب ما قالش ذخائر الإسلام وعملت دراسات إسلامية فصلوا التراث عن الإسلام جيه عندك قاموس الموجب اللي عملوه  الموارنة في لبنان أول قاموس في التاريخ العربية يعزل العربية عن القرآن، إحنا تاريخنا لما تيجي تدرس المصطلح معنى مصطلح تجيب أولا معناه في القران معناه في السنة النبوية معناه في الشعر..

عثمان عثمان: اعتبارها المصادر الأساسية في اللغة العربية.

محمد عمارة: إذن أنت لما تيجي تعزل الإسلام عن العربية وعن العروبة بينما العربية هي لغة القران ولغة الشريعة ده وهم لعلمنة الدولة ولعلمنة الثقافة ولإبعاد الإسلام عن العروبة.

طبيعة علاقة الدولة الإسلامية مع المحيط الدولي

عثمان عثمان: دكتور الآن يعني ممارسة الإسلاميين للحكم والسلطة ربما كما ذكرتم أو بشكل مؤكد سيؤثر على الفقه السياسي الإسلامي التراثي لنقل يعني ما مستقبل الآن أو ما التصورات التي تقوم عليها علاقة الدولة الإسلامية مع المحيط الدولي اللي كان يراها الإسلاميون؟

محمد عمارة: شوف الرؤية الإسلامية للعالم وللمجتمع الدولي هي رؤية تعتمد على أن هذا العالم منتدى حضارات ودي معنى العالمية اللي هي ضد العولمة، العولمة هي صب العالم في قالب واحد هو قالب الحضارة القوية وهي الحضارة الغربية أو أمركة العالم ده معنى العولمة، إنما العالمية أن يصبح العالم منتدى حضارات فيه أعضاء في عندك حضارة إسلامية في عندك حضارة غربية في عندك حضارة صينية في عندك حضارة يابانية في عندك حضارة هندية يتفاعلون في المشترك الإنساني العام مع احتفاظ كل حضارة بثقافتها وببصمتها الحضارية المتميزة يعني مثلما أنت تكون عضو في نادي بتصافح كل أعضاء النادي دون أن تتنازل عن بصمتك عن هويتك ولذلك هي زي الهوية إحنا بنتكلم عن الهوية اللي هي هو هو ده تعريفها عند القواميس الإسلامية بمعنى جوهر الشيء الشامل والعام والمستمر يعني الثوابت التي لا تتغير هي دي الهوية نحتفظ بهذه الهوية ثم ننفتح على العالم، أنت عندك دائرة وطنية لأنه إحنا عندنا النظام القطري والدول القطرية لا يمكن أن تتجاهله، فعندك دائرة وطنية وعندك دائرة قومية، القومية بالمعنى اللغوي مش بالمعنى العرقي يعني كل لغة لها دائرة قومية ثقافية وعندك دائرة في الجامعة الإسلامية التي تحتضن الوطنيات وتحتضن القوميات وبعدين عندك دائرة إنسانية اللي هي فيها العلاقات الدولية وأنت جزء منها شوف الإمام علي كتب عهد للأشتر النخعي عندما ولاه على مصر يقول له: ((الناس صنفان أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق)) يعني شوف دي بقى الدائرة الذاتية والدائرة الإنسانية، ولذلك إحنا الإسلاميون المفروض ينظروا إلى العالم باعتباره دار إجابة وأمة إجابة وأمة دعوة يعني فكرة تقسيم العالم إلى دار حرب ودار سلم كما كان قديما عند الفقهاء، دا كان اثر للواقع اللي كان موجود، الآخر كان يحاربنا فكنا نسميه باسمه أنه يحارب فدي دار حرب إنما النهارده مع فتح الفضائيات والفضاءات أمام الدعوة وأمام وجود جاليات إسلامية في مختلف البلاد والدول إذن أنت أمام عالم إسلامي هو دار إجابة، هذه الأمة أجابت دعوة الله سبحانه وتعالى ودعوة رسوله أمام دائرة إنسانية هي دائرة الدعوة أنت تدعو فيها إلى الإسلام، إذن العلاقة كما قلت في دائرة وطنية في دائرة قومية في دائرة إسلامية في دائرة إنسانية ودولية اللي هي فيها العلاقات الدولية.

عثمان عثمان: لكن هنا نتحدث عن مجتمع دولي الآن عن منظمة أمم متحدة عن مجلس امن دولي هناك نظم وقوانين تحكم مسار هذه المؤسسات، كيف سيتعامل الإسلاميون معها؟

محمد عمارة: شوف مطلوب تعديل موازين القوى لأنه أنت أمام استكبار عالمي أمام طغيان أمام امبريالية أمام غزو وقواعد عسكرية ونهب للثروات في العالم الإسلامي كيف ستتعامل مع هذا؟ أولا ترتب بيتك الإسلامي وتعظم الأوراق التي في يدك كعالم إسلامي وتطبق نموذجك الإسلامي في داخل بلدك الإسلامي لكي تكون لديك أولا رؤية مشروع نموذج تقدمه للآخر ولكي تكون لديك قوة تضعها على مائدة المفاوضات مع الآخر، يبقى إذن أولا ترتيب البيت الوطني والقومي والإسلامي دي الفريضة الأولى تطبيق يعني خذ على سبيل المثال في كم كثير عندك في النظام الإسلامي هل تستطيع أن تطبق النظام الإسلامي في تعاملك مع العالم الرأسمالي وأنت في موقف الاستضعاف! مستحيل لا بد أن تتكامل دار الإسلام وبلاد الإسلام وحدة اقتصادية وحدة تجارية وصورة تكامل صناعي وإلى آخره وتمويل وتنمية والى آخره تطبق نموذجك في داخل بلدك فيصبح هذا النموذج براق تقدمه يعني بالضبط لما كانت الحضارة الإسلامية في عز عنفوانها عشرة قرون وهي العالم الأول على ظهر هذا الأرض كانت اللغة العربية هي لغة العلم العالمي فكان العلماء والفلاسفة الذين يريدون أن يتحضروا ويتعلموا ويتعلموا اللغة العربية إذن أنت الأول تطبق نموذجك الإسلامي في داخل بلدك ثم هذا النموذج الإسلامي عندما يثبت جدارته ليصبح هاديا ومرشدا ومستلهما من قبل العالم.

عثمان عثمان: يعني هذا احد التحديات التي تواجه الإسلاميين رسم العلاقة مع العالم بشكل عام هناك تحديات على المستوى الداخلي هناك تعدد في الديانات تعدد في الأفكار والمذاهب والتوجهات ما التصور الذي يمكن للإسلاميين أن ينطلقوا منه في إدارة هذه التعددية؟

محمد عمارة: شوف إحنا خذ على سبيل المثال في الدستور الجديد الذي وضعناه لمصر لأول مرة  إحنا عندنا في الشريعة الإسلامية انه الكتابيين النصارى واليهود يتركون ما يدينون في شؤونهم الدينية الخاصة، أول مرة في التاريخ توضع مادة في الدستور هي المادة الثالثة اللي هي انه المصريين من اليهود ومن النصارى مبادئ شرائعهم تحكمهم مع انه أنا عملت بحث في العهد القديم والعهد الجديد لقيت كلمة شريعة جاءت في العهد القديم في 69 مرة ولم ترد كلمة شريعة في العهد الجديد لأن المسيح لم يأت بشريعة ولذلك عملنا لهم شريعة وكتبنا لهم هذا، المساواة فأنت تقيم وحدة وطنية حقيقية في الداخل أنا عايز أقول البلد القطري مثله مثل اللي الشهادة الإعدادية إذا لم ينجح في الوحدة الوطنية لن يستطيع أن ينجح في الوحدة القومية العربية وإذا لم ينجح في الوحدة القومية العربية لن يستطيع أن ينجح في الوحدة الإسلامية، ولذلك لازم تيجي بالنموذج الأصلي اللي هي الوطنيات نركز عليها فننجح في وحدة كل الملل والمحل في هذا المجتمع الوطني ثم ننطلق إلى المجتمع العربي، وإحنا عندنا تراث في تعايش الديانات والملل والشرائع يعني شوف لما فتحت فارس على عهد عمر بن الخطاب فسيدنا عمر قال نحن نعرف اليهود والنصارى لكن هؤلاء مجوس يعبدون النار كيف سنتعامل معهم؟ عرض الأمر على مجلس السبعين اللي هو مجلس الشورى اللي أشرنا إليه، فوثب عبد الرحمن بن عوف وقال اشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"سنوا فيهم سنة أهل الكتاب" عوملت الديانات الوضعية معاملة أهل الكتاب الهندوس والدشت والكونفوشيوس وإلى آخره، وعاشوا مقدساتهم مقدسة عقائدهم محترمة في ظل إيه؟ فأنا عايز أقول هذا النموذج تاريخي علينا أن نسلط عليه الأضواء وعلينا أن نقدمه للواقع الذي نعيش فيه كي نقيم وحدتنا الوطنية ووحدتنا القومية ووحدة الجامعة الإسلامية كنموذج إسلامي يعتبر امتداد متطور وعصري لهذا التراث المشرق القديم.

المواطنة وحقوق المواطن

عثمان عثمان: على مستوى الوطن هناك مظلة المواطنة التي تساوي بين الحقوق والواجبات، إلى أي مدى ممكن لغير المسلم أن يكون متساويا مع المسلم في بلد مثل مصر مثلا في موضوع الحقوق والواجبات والوصول إلى مواقع السلطة ومواقع القرار؟

محمد عمارة: شوف الكفاءة يعني هذه القضية محسومة أصله إحنا عندنا الوظائف والولايات نوعين: في ولايات دينية دي لا بد من الاشتراط فيها الدين..

عثمان عثمان: مشيخة الأزهر مثلا.

محمد عمارة: مشيخة الأزهر يعني مش ممكن واحد مسيحي يكون في شيخ الأزهر أنا مش ممكن أكون بطريرك..

عثمان عثمان: يكون رئيس جمهورية مثلا..

محمد عمارة: مثلا يعني إذا رضيت به الأمة أهلا وسهلا لكن هذا افتراض خيالي يعني أنا عايز أقول هذا افتراض يعني الناس اللي تضع افتراضات والفروض الخيالية هم  يريدون أن يشغلونا عن الواقع وعن الأولويات الموجودة يعني إحنا عايزين أولا سلطة الأمة يعني في الدستور كتبنا مادة السيادة للشعب طب الشعب ده عندما يكون شعبا مسلما يعني مثلا في مصر 94.6% مسلمين يعني كل الغير المسلمين في مصر حسب آخر إحصاء أميركي مركز بيو 4.5 مليون كل الغير المسلمين في مصر، طب هل سيختار الشعب المصري حاكما غير مسلم؟ يعني أنا عايز أقول نضع جدول أعمال للقضايا الملحة والعملية اللي مطلوب انه  إحنا نعملها، لكن المساواة في الحقوق والواجبات دي المواطنة أنا عايز أقول انه حسني مبارك لما عمل تعديلات دستورية سنة 2007 جاب المواطنة وحطها بالمادة الأولى من الدستور عشان تجُب بالمادة الثانية اللي هي مادة الشريعة وبعض الأقباط نزلوا في الاستفتاءات  وفي الانتخابات على أساس إلغاء نص المادة الثانية من الدستور وإحلال المواطنة، المواطنة بمعنى الغربي عرفها الغرب على أنقاض الدين، إحنا عرفنا المواطنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد نصارى نجران عندما قال لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما بينهم ده نص دستوري يجعل المساواة كاملة بين المسلم وغير المسلم في كل ما يتعلق بالشؤون الحياتية هذا له عبادات، شوف أنت دستور دولة المدينة اللي هو سنة 1 هـ واليهود والمؤمنون امة لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، أنت هنا أول مرة في تاريخ الإنسانية يبقي في دولة تقوم على التنوع والتعدد في الرعية السياسية ده له دينه وده له دينه قبل كده لم يكن هناك احد يعترف بالآخر ولا بحقوق الآخر ولا مقدسات الآخر يعني دولة أثينا اللي هم طلعوا فيها السماء مين اللي كان لهم حرية وديمقراطية في أثينا قلة  من الفرسان الأحرار الملاك يجتمعون في أثينا، في الدولة الرومانية من الذي كان له شرف التحاكم اللي القانون الروماني؟ الرومان ما عداهم ومن عداهم برابرة لا حقوق لهم حتى ولهم قانون للشعوب يعني قانون مختلف بتاع العبيد والبرابرة، أول مرة في تاريخ الإنسانية يكون في اعتراف بالآخر هو في النظام الإسلامي ليه؟ لأن الإسلام وحده هو الذي لا يفرق بين أحد من رسله والذي يتصور العالم كأنه منتدى حضارات وليس حضارة واحدة ولا ثقافة واحدة.

عثمان عثمان: الفكر السياسي الإسلامي دكتور اليوم تجاوز فقه الطاعة إلى فقه لنقل إلى علاقة تعاقدية بين الرئيس والشعب والمرؤوسين الذين لم يعودوا مجرد رعية للسلطان يأمرهم ويفعلوا ما يريد هذا السلطان، كيف سيتعامل الفقهاء مع مثل هذا الواقع الجديد؟

محمد عمارة: شوف أنا عايز أقول التعاقد، فقه التعاقد ليس جديدا إحنا في حاجة إلى أن نفقه تراثنا، أنا كتبت عن طه حسين وعن التطور الفكري لطه حسين، طه حسين في كتاب الفتنة الكبرى كتب عن الخلافة الإسلامية كتابة بديعة وكيف أنها كانت تعاقد بين الحاكم وبين المحكوم، إذن التعاقد اللي هو النهاردة مطلوب ومفروض النهاردة ليس جديدا لكن إحنا عايزين بقى نحيي من تراثنا ما غاب وما غيبه الفكر الاستبدادي، الأمر الثاني اللي هو المواطنين أو الرعية.

عثمان عثمان: يعني عندما نتحدث عن تراثنا نتحدث عن فترة تاريخية محددة؟

محمد عمارة: طبعا إحنا عندنا فترة النبوة والخلافة الراشدة وأيضا فترات الإحياء يعني زي عمر بن عبد العزيز وغيره من هذه الفترات حتى ولو كان في الدولة قليلة لكن في الأمة موجودة أنا عايز أقول أن التراجع والتخلف حدث في الدولة وليس في الأمة، الأمة بنت الحضارة المزدهرة والزاهرة في  ظل انحراف الدولة وده  إحنا عندنا خطأ في رؤية التاريخ، كل اللي كتبوا التاريخ سلطوا كل الأضواء على الدولة على الكرسي على السلطان فظهرت الدولة زي ما قال فرج فودة دي 99% منها ظلام، فؤاد زكريا قال دولة النطع والسفليين، لم يروا إلا سيئات الحاكم إنما الدولة الأمة فقهاء في أحضان الأمة مؤسسات الأمة الأوقاف التي بنت الأمة كل هذا الصوفية في أحضان الأمة، وكل ده لا بد أن يعاد النظر في رؤية هذا التاريخ.

عثمان عثمان: في الختام أشكركم الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف على وجودكم معنا في هذه الحلقة.

محمد عمارة: شكرا.

عثمان عثمان: كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*قناة الجزيرة

أضافة تعليق