ما العيب في التگشّف والتعرّي وليس في الجسد ذاته
العدد 2203 | 1 شعبان 1430 هـ
فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة
هل جسد الإنسان، والمرأة خاصة، معيب بذاته؟
ثمة نصوص كثيرة، في الكتاب والسنة ؛ تأمر بالستر والتصوّن والعفاف، وتعدّ التعرّي من إلقاء الشيطان، وفتنته للجنسين معاً: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا (27)} [الأعراف]. وقد خاطب الذكور نصاً: {يّا بّنٌي آدّمّ} مما يقتضي دخولهم دخولاً أوّليّاً في الخطاب، والمرأة داخلة فيه لعموم التكليف، ولقوله: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم }.
وجاءت نصوص خاصّة في ستر المرأة {قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ(59)} [الأحزاب ]، وفي الصحيحين حديث أم عطية وفيه: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؛ قَالَ ’’لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا’’.
ومع الحديث المستفيض المتكرر، عن هذا المعنى الشريف، التبس الأمر عند بعض الناس؛ فظنوا أن السّتر معناه إخفاء شيء معيب عن عيون الآخرين، ودَاخَلَهُم شيءٌ من الازدراء أو التحقير أو الاستخفاف، حتى صارت بيئات إسلامية تتوارث تسمية العورة بـ ’’العيب’’، ويلقنونها للصغار، فيصرخون بالطفل ’’غط عيبك’’! والذي يظهر أن هذا مما ينبغي استدراكه وتصحيحه، فالعيب ليس في أصل الخلقة الربانية {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين ]، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(7)} [السجدة].
وإنما العيب في التكشّف ذاته، وفي التعرّي حيث أمر الله بالستر، وفي التنصل والتفصّي من حدود الله، وليس في ذات الأعضاء الإنسانية.
إن النصوص الشرعية صريحة في الإشادة بخلق الإنسان، الذكر والأنثى سواء، وإن حكمة الخالق تتجلَّى في جمال الخلق وإبداعه وتناسقه وحسن قوامه وكمال اعتداله.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ(8)} [الانفطار: 6 - 8]. قال ابن عباس :جعلك معتدل القامة. وقال بعض المفسرين: فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد، ولا رجل على رجل. وقيل: سواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً.
فهذه الخلقة الجميلة الحسنة المبدعة، فيها الإعجاز والإتقان، ويكفي ثناء الخالق عليها؛ لنعلم كم هي حسنة وبديعة، وحين يقع في نفوسنا سوى ذلك؛ فهو راجع إلى مفهوم ثقافي موروث، يستهجن ويستقبح؛ فيعكس ذلك على شعور الإنسان وذوقه تجاه الخلقة .
وقال عزَّ وجلَّ: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (64)} [غافر]. قال مقاتل: خلقكم فأحسن خلقكم.
وكل إنسان هو جميل من وجه ما، والمرأة خاصة فيها الجمال والجاذبية والإغراء، وهذا سرّ صونها وحفظها وسترها عن العيون المتطفلة، وعن فضول النظر أو الاستمتاع. إن هذا المعنى على ظهوره وعفويته يحتاج إلى تذكير، لأن الحديث المجرد عن أحكام العورة، والتفصيل في بيانها كما يفعله الفقيه، وكما صنف فيه تآليف خاصة قديمة وجديدة، منها (النظر في أحكام النظر) لابن القطان، إلى رسائل علمية عديدة ومفيدة، معنية بجانب الأحكام والحلال والحرام، وهو معنى حسن، بيد أنه يحتاج إلى تتميم وتكميل في بيان الأسرار والمعاني والإرشادات الربانية، فذلك يصنع الفهم الصحيح للجسد، والتوافق بين الجانب المادي فيه والجانب النفسي والشعوري، بل العقلي، وهو الذي ينتج اليقين الصادق بالخالق العظيم البديع البارئ المصوّر الحكيم.
لقد جربت في ذات نفسي، وأدركت فيمن حولي، أن الإيمان بالله واستحضار حكمته وعظمته في خلق الأنثى (والذكر كذلك) على هذه الصفة والهيئة في الأعضاء الظاهرة والباطنة، هو الذي يحقق الانسجام والاقتناع، والثقة والتسليم، وتفهّم الخلقة ومقاصدها، دون امتعاض أو انزعاج، وإذا انفصل الإنسان عن هذا المعنى الرباني؛ فلربما تسلل إلى نفسه قدر من الاستقباح أو الكره، أو التبغيض، أو الشك في الحكمة، وهو ما يفضي إلى مضاهاة الجاهلية الأولى في النفور من الأنثى، والتبرّم بميلادها، كونها عندهم رمزاً للعيب والعار.
لقد ذكر الله تعالى مريم العذراء في التنزيل قرابة 30 مرّة. بينما اسم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر إلا (4 مرات)! على أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر باسم النبي والرسول ونحوها. والعجب أن يأتي القرآن بالمثل المضروب بمريم {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا (12)} [التحريم].
فيذكر الله تعالى مريم باسمها، متحدثاً عن إحصانها لفرجها، وهو ما يعني حفظها لجسدها كله، ولعقلها وقلبها، مما لا يرضي الله، ومكافأتها بأن يبعث جبريل، لينفخ في جيب درعها (وهي فتحة الصدر) فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى ابن مريم-عليه السلام-، الرسول الكريم والسيد العظيم. كما جاء عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج.
وقال تعالى: {َيا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51)} [المؤمنون] إن استقذار الفطرة أو الجسد أو الدوافع الغريزية؛ هو نوع من المرض النفسي والإحساس بالكبت، فتبارك الله العلي الأعلى، {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)$ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)$ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى (5)} [الأعلى].
العدد 2203 | 1 شعبان 1430 هـ
فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة
هل جسد الإنسان، والمرأة خاصة، معيب بذاته؟
ثمة نصوص كثيرة، في الكتاب والسنة ؛ تأمر بالستر والتصوّن والعفاف، وتعدّ التعرّي من إلقاء الشيطان، وفتنته للجنسين معاً: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا (27)} [الأعراف]. وقد خاطب الذكور نصاً: {يّا بّنٌي آدّمّ} مما يقتضي دخولهم دخولاً أوّليّاً في الخطاب، والمرأة داخلة فيه لعموم التكليف، ولقوله: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم }.
وجاءت نصوص خاصّة في ستر المرأة {قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ(59)} [الأحزاب ]، وفي الصحيحين حديث أم عطية وفيه: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؛ قَالَ ’’لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا’’.
ومع الحديث المستفيض المتكرر، عن هذا المعنى الشريف، التبس الأمر عند بعض الناس؛ فظنوا أن السّتر معناه إخفاء شيء معيب عن عيون الآخرين، ودَاخَلَهُم شيءٌ من الازدراء أو التحقير أو الاستخفاف، حتى صارت بيئات إسلامية تتوارث تسمية العورة بـ ’’العيب’’، ويلقنونها للصغار، فيصرخون بالطفل ’’غط عيبك’’! والذي يظهر أن هذا مما ينبغي استدراكه وتصحيحه، فالعيب ليس في أصل الخلقة الربانية {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين ]، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(7)} [السجدة].
وإنما العيب في التكشّف ذاته، وفي التعرّي حيث أمر الله بالستر، وفي التنصل والتفصّي من حدود الله، وليس في ذات الأعضاء الإنسانية.
إن النصوص الشرعية صريحة في الإشادة بخلق الإنسان، الذكر والأنثى سواء، وإن حكمة الخالق تتجلَّى في جمال الخلق وإبداعه وتناسقه وحسن قوامه وكمال اعتداله.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ(8)} [الانفطار: 6 - 8]. قال ابن عباس :جعلك معتدل القامة. وقال بعض المفسرين: فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد، ولا رجل على رجل. وقيل: سواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً.
فهذه الخلقة الجميلة الحسنة المبدعة، فيها الإعجاز والإتقان، ويكفي ثناء الخالق عليها؛ لنعلم كم هي حسنة وبديعة، وحين يقع في نفوسنا سوى ذلك؛ فهو راجع إلى مفهوم ثقافي موروث، يستهجن ويستقبح؛ فيعكس ذلك على شعور الإنسان وذوقه تجاه الخلقة .
وقال عزَّ وجلَّ: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (64)} [غافر]. قال مقاتل: خلقكم فأحسن خلقكم.
وكل إنسان هو جميل من وجه ما، والمرأة خاصة فيها الجمال والجاذبية والإغراء، وهذا سرّ صونها وحفظها وسترها عن العيون المتطفلة، وعن فضول النظر أو الاستمتاع. إن هذا المعنى على ظهوره وعفويته يحتاج إلى تذكير، لأن الحديث المجرد عن أحكام العورة، والتفصيل في بيانها كما يفعله الفقيه، وكما صنف فيه تآليف خاصة قديمة وجديدة، منها (النظر في أحكام النظر) لابن القطان، إلى رسائل علمية عديدة ومفيدة، معنية بجانب الأحكام والحلال والحرام، وهو معنى حسن، بيد أنه يحتاج إلى تتميم وتكميل في بيان الأسرار والمعاني والإرشادات الربانية، فذلك يصنع الفهم الصحيح للجسد، والتوافق بين الجانب المادي فيه والجانب النفسي والشعوري، بل العقلي، وهو الذي ينتج اليقين الصادق بالخالق العظيم البديع البارئ المصوّر الحكيم.
لقد جربت في ذات نفسي، وأدركت فيمن حولي، أن الإيمان بالله واستحضار حكمته وعظمته في خلق الأنثى (والذكر كذلك) على هذه الصفة والهيئة في الأعضاء الظاهرة والباطنة، هو الذي يحقق الانسجام والاقتناع، والثقة والتسليم، وتفهّم الخلقة ومقاصدها، دون امتعاض أو انزعاج، وإذا انفصل الإنسان عن هذا المعنى الرباني؛ فلربما تسلل إلى نفسه قدر من الاستقباح أو الكره، أو التبغيض، أو الشك في الحكمة، وهو ما يفضي إلى مضاهاة الجاهلية الأولى في النفور من الأنثى، والتبرّم بميلادها، كونها عندهم رمزاً للعيب والعار.
لقد ذكر الله تعالى مريم العذراء في التنزيل قرابة 30 مرّة. بينما اسم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر إلا (4 مرات)! على أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر باسم النبي والرسول ونحوها. والعجب أن يأتي القرآن بالمثل المضروب بمريم {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا (12)} [التحريم].
فيذكر الله تعالى مريم باسمها، متحدثاً عن إحصانها لفرجها، وهو ما يعني حفظها لجسدها كله، ولعقلها وقلبها، مما لا يرضي الله، ومكافأتها بأن يبعث جبريل، لينفخ في جيب درعها (وهي فتحة الصدر) فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى ابن مريم-عليه السلام-، الرسول الكريم والسيد العظيم. كما جاء عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج.
وقال تعالى: {َيا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51)} [المؤمنون] إن استقذار الفطرة أو الجسد أو الدوافع الغريزية؛ هو نوع من المرض النفسي والإحساس بالكبت، فتبارك الله العلي الأعلى، {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)$ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)$ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى (5)} [الأعلى].