مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار "صريح" مع د. محمد الهاشمي الحامدي
حوار ’’صريح’’ مع د. محمد الهاشمي الحامدي

حاوره نورالدين الأشهب


يعتبر برنامج ’’الحوار الصريح بعد التراويح’’ الذي تبثه قناة المستقلة مباشرة من لندن والمكرس مجهوده للحوار بين الشيعة والسنة، من البرامج المهمة التي تحظى بمتابعة واسعة منقطعة النظير، إذ يتابعه جمهور واسع من العالمين العربي والإسلامي يقدر بالملايين، ونجاح البرنامج لا يعود أساسا لحساسية الموضوع ما بين مذهبي الشيعة والسنة والتي عمرت قرونا طويلة ولا زالت إلى حدود هذي الساعة، بل يعود نجاحه إلى معده ومديره المفكر التونسي الدكتور محمد الحامدي الهاشمي وخلفيته الثقافية المؤمنة بالحوار والاجتهاد والتجديد من داخل المجال التداولي الإسلامي.

كثير من من المثقفين والسياسيين وقادة الرأي يبدؤون أولى خطواتهم في التعبير عن أفكارهم ومواقفهم من داخل مؤسسات نقابية وسياسية وحزبية.. حتى إذا ما خرجوا منها ،أو تمردوا عليها انتهوا كأن لم يغنوا بالأمس، غير أن هذا المعيار أو المقياس غير منطقي دائما مع بعض المثقفين والمفكرين المجدين والمخلصين، والدكتور محمد الهاشمي الحامدي واحد من هؤلاء، فلما خرج من ’’ضيق’’ الحركة الإسلامية لم ينته، بل انفتح أكثر على رحابة وسعة الإسلام، وعمل في الصحافة المكتوبة في مجلات ثقافية وجرائد من أهمها جريدة المستقلة الأسبوعية التي كانت توزع في المغرب في التسعينات، وبعدها انتقل إلى الصحافة المرئية مطلا علينا غرة كل رمضان في برنامج ’’الحوار الصريح بعد التراويح’’، أكثر من هذا، وهذا هو المهم، أن الدكتور الهاشمي يجمع بين العمل الصحفي والبحث الأكاديمي العميق، وهي ميزة تحسب لمحاورنا، إذ قلما نجد من يجمع بين الحسنيين، العمل الإعلامي المهني والبحث العلمي الأكاديمي.

حوارنا مع الدكتور الهاشمي تطرقنا فيه إلى برنامجه الشهير الحوار’’الصريح بعد التراويح’’، وعن أبعاد الصراع ما بين السنة والشيعة وتداعياته، وعن أساليب وسبل تلافي هذا الصراع، وعن رؤيته للحركات الإسلامية وقادة الرأي بشكل عام ، وكذا عن افتخاره بمنطقتنا في الغرب الإسلامي وما تزخر به من طاقات علمية ثقافية تجديدية عبر التاريخ...

ليست مواقف سياسية كما سنطالع، بل رؤى مسددة بنظرة ثقافية وتجربة غنية من واقع الحياة مسكونة بهاجس الحوار والتواصل، وسبل التجديد الثقافي والفكري عموما.

1 ـ نرحب بكم دكتور محمد الهاشمي ضيفا على موقع جريدة هسبريس.

الجواب:

ـ أقدر دعوتكم الكريمة، وأرحب بها وبكم، وأرجو أن أوضح منذ البداية أن أجوبتي على أسئلتكم هي اجتهادي الشخصي الذي لا يلزم أحدا غيري، ولا يلزم قناة المستقلة كجهة إعلامية حرة مستقلة. أرجو منك ومن جميع القراء الكرام النظر إلى أجوبتي كاجتهاد شخصي من ثمرات مناقشات ’’الحوار الصريح’’، وكنوع من التساؤل والتفكير الحر بصوت عال، في موضوعات ثقافية وفكرية وتاريخية مهمة، وكمحاولة لتعميق النقاش واستثارة همم أهل العلم والإختصاص لمزيد البحث والتجديد والإجتهاد.

2 ـ نسألكم أولا كيف جاءت فكرة عقد حوارات ما بين الشيعة والسنة على الهواء مباشرة مع العلم أن هناك حوارات كانت تجري في الصالونات بين علماء المذهبين؟

الجواب:

منذ أيام دراستي الجامعية وأنا مهتم بالفكر الإسلامي وسبل تجديده. في الفترة ما بين 1988 و1992 أشرفت على تحرير الصفحة الدينية اليومية في جريدة ’’الشرق الأوسط’’ اللندنية، وبوسع من يعود إليها أن يطلع على الجهود التي بذلتها لتشجيع الحوار بين المفكرين والعلماء المسلمين، بمدارسهم المختلفة.

في 1993 أسست جريدة ’’المستقلة’’، شهرية في عامها الأول ثم أسبوعية بعد ذلك. وبوسعي القول انها كانت امتدادا للجهد الذي بدأته في جريدة ’’الشرق الأوسط’’، مع زيادة كبيرة في مساحة البحث والتفكير.

أما قناة المستقلة، فقد حصلت على رخصتها في جوان ـ يونيو 1996، وبدأ بثها التجريبي في جانفي ـ يناير 1999، وقد واصلت الإهتمام بملفات التجديد الفكري والحضاري في البلدان العربية والإسلامية، وخدمة فكرة الحوار بين الثقافات والحضارات، وهي فكرة تحمست لها وأنشأت لها مجلة متخصصة باللغتين العربية والانجليزية اسمها ’’الديبلوماسي’’ منذ عام 1996. كما اهتمت القناة أيضا بخدمة مبادئ حقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي.

في رمضان 1422 ـ نوفمبر 2002 بدأت تقديم برنامج ’’الحوار الصريح بعد التراويح’’ في قناة المستقلة، وركزت على بحث حقيقة الخلافات بين السنة والشيعة، قصد فهمها، ونقدها، ثم معرفة فرص التقريب الحقيقي بين الأجيال المعاصرة من المسلمين. واستمر البرنامج بعد ذلك، سنويا في شهر رمضان المبارك، ثم في جولات أخرى في أوقات مختلفة من كل عام.

طبعا، كلما قمنا ببث جولة في غير شهر رمضان، يصبح اسم البرنامج ’’الحوار الصريح’’ فقط، من دون عبارة (بعد التراويح).
3 ـ ما هي الصعوبات التي اعترضتكم في إعداد هذا البرنامج الجريء من نوعه ؟

الجواب:

نجح البرنامج نجاحا كبيرا منذ جولته الأولى، وما يزال ناجحا بفضل الله تعالى. تواجهنا بعض الصعوبات أحيانا، في الإعداد وفي التنفيذ، لكننا تعلمنا مع الوقت والممارسة كيف نتعامل معها، وهي ليست كبيرة أو مزعجة لدرجة تستحق الذكر.

لعله من المناسب أن أؤكد لكم في هذا السياق أن كل حلقاتبرنامج ’’الحوار الصريح’’ تلتزم بما تلتزم به سائر الندوات الحوارية في قناة المستقلة، وبوجه خاص إتاحة الفرصة للباحثين والمفكرين المشاركين في هذه الندوات للاجتهاد والتجديد وممارسة النقد الموضوعي الحر، والمساهمة من خلال ذلك في نشر ثقافة التسامح والقبول بالتعددية وحق الاختلاف، وفي محاصرة ثقافة التطرف والتعصب والانغلاق، وأيضا في عزل ومحاصرة خطاب الكراهية والخطاب العنصري والخطاب المعادي للسامية.

ندواتنا منبر للحوار بين الافكار والأطروحات، ونرفض رفضا قاطعا أن تكون منبرا للسب أو الشتم أو التجريح في الاشخاص والهيئات والمذاهب والشعوب والأديان.

مهمتي في هذه الندوات هي إدارة الحوار بين ضيوفي بحياد وموضوعية، مع التأكيد على سياستنا الثابتة في هذه القناة والتي تكفل حق الرد.

وأنوه إلى أنني أطلب دائما من ضيوفي في حلقات برنامج ’’الحوار الصريح’’ ومن كل المشاهدين الذين يشاركون في الحوار عبر الهاتف أو الفاكس أو البريد الألكتروني الإلتزام التام بهذه المبادىء الواضحة.
4 ـ كنا نلاحظ في برنامجكم أن معجم السب والشتم كان يعكر صفو الحوار بالرغم من إصراركم على ضبط النقاش تارة بتلاوة آيات من القرآن الكريم بصوتك العذب، بشهادة الحضور، ومرة بتقديم هدايا ولو بسيطة... ومع ذلك كان الحوار يتعثر مما جعلكم مرات تقطعون البرنامج...كيف توفقون في إعادة حوار كهذا على درجة كبيرة من الحساسية، وكل فريق يريد أن يهزم الآخر أمام جمهور عرمرم من المشاهدين؟

الجواب:

السب والشتم ممنوعان منعا باتا في البرنامج. قطعت البرنامج مرتين فقط في رمضان الماضي حينما شعرت أن بعض الضيوف يصرون على التهرب من الحديث في صلب الموضوع الذي يجري النقاش حوله، وعلى عدم الإجابة على الأسئلة الموجهة إليهم، والتعويض عن ذلك بالدخول في موضوعات أخرى حساسة للغاية، بطريقة غير علمية وغير موضوعية، وبأسلوب استفزازي يطلق الإتهامات جزافا من غير دليل.

هذا الوضع واجهني مرتين فقط، ومع ذلك عدت واستأنفت تقديم البرنامج في اليوم التالي مباشرة.

5 ـ نلاحظ من خلال برنامجكم أعجابا من لدن جمهور أهل السنة بينما كنا نجد العكس من أهل الشيعة الى درجة اتهامك كونك سلفيا وهابيا وكثير من النعوت المعروفة في مواقعهم الالكترونية..ما السبب برأيك؟

الجواب:

اسمح لي بأن أصف تقييمك بأنه غير دقيق. هناك قطاع كبير من المشاهدين الشيعة يحبون البرنامج ويقدرون ما يبذل فيه من جهد وما يطرح فيه من موضوعات للنقاش بروح علمية وموضوعية. وهناك بعض المشاهدين السنة ينتقدون البرنامج ويتهمونني بإعطاء حرية كبيرة للعلماء الشيعة لطرح أفكارهم ومعتقداتهم.

سماحة العلامة السيد علي الأمين، مفتي صور السابق، شارك معي في حلقة الخميس 30 أبريل 2009 وأثنى على أحدث جولات برنامج ’’الحوار الصريح’’، الجولة التي ناقشت فيها موضوع ’’دعاء غير الله سبحانه والإستغاثة بغيره’’، ثم تصريحات داعية شيعي سعودي حول رفضه لظاهرة سب الصحابة.

العلامة علي الأمين أثنى على البرنامج علنا، أمام ملايين المشاهدين، وعلى جهدي فيه، وعرض آراء جريئة تثبت جدوى الإستمرار في تقديم هذا البرنامج.

الخلاصة أن المتطرفين والمتعصبين الذين يريدون الجمود على الموروث من آبائهم وأجدادهم وعلماء القرون السابقة، هؤلاء وحدهم يكرهون برنامج ’’الحوار الصريح’’ ويشنعون عليه وعلى صاحبه. هؤلاء لا مذهب لهم، أو بالأحرى مذهبهم الخوف من النقد العلمي ومن التجديد، وهم يرون في ذلك تهديدا لمكاسب وامتيازات تحققت لهم عبر الزمن بسبب الجهل والتعصب.

بعض المعترضين على البرنامج، المشنعين عليه، من العوام الذين يكرهون الاسئلة والمراجعات ودعوة التجديد. وبعضهم، من المحسوبين على العلم والعلماء. وهؤلاء يتصرفون تصرف الخائف من النقد، والخائف من الحوار الصريح، والخائف من الإجتهاد. يتصرفون تصرف الإنسان غير الواثق من علمه، لأن من يثق بنفسه وعلمه ومبادئه لا يخاف من الحوار الحر الصريح.

بالنسبة لي شخصيا، أؤكد لك أنني لست سلفيا ولا وهابيا. إنني إنسان مسلم، عربي، عالمي النزعة. أعتز بديني الذي وجدت فيه الحرية والسعادة ومكارم الأخلاق، وبعروبتي التي تمنحني وأمتي مكانا مرموقا بين أمم العالم، وبالقرية العالمية التي ننتمي إليها جميعا نحن البشر، والتي تعتبر لندن حاضرة رئيسة من حواضرها وعواصمها بما فيها من حرية وسماحة وتنوع.

وأنا أرجو أن أكون أيضا من دعاة التجديد، والحرية، وكرامة الإنسان، والسلام، والتواصل والحوار والتعاون المثمر بين شعوب المعمورة. أحاول أن أجعل حياتي كلها، وجهودي كلها، لخدمة هذه المبادئ والقيم ونشرها في الدول العربية والإسلامية، وفي كل ربوع العالم.

6 ـ ما موقفك من المذهبية إذن؟

الجواب:

ـ أعتبر نفسي متحررا من المذاهب والمذهبية، مع عظيم اعتزازي بأشهر علماء الإسلام واعترافي بفضلهم، وفي مقدمتهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه. جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وأضيف: قبل أن أصل العشرين من العمر، وقبل أن أزور المملكة العربية السعودية أو أي بلد آخر في العالم، تبنيت فكرة الإحياء الإسلامي، وفكرة إصلاح الأوضاع العربية بالمنهج الإسلامي. منذ ذلك الوقت وأنا ثابت على هذا المنهج بفضل الله وتوفيقه وكرمه. تعلمت بعد ذلك الكثير في جامعة تونس وجامعة لندن، وتعلمت من دروس الحياة، ومن تجاربي في العمل، وفهمت أمورا كثيرة بشكل أفضل، وزادت قناعتي بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالفعل الرحمة المهداة لكل الناس في كل عصر. تعلمت ومازلت إلى اليوم طالب علم، لا أدعي لنفسي عصمة ولا كمالا.

من أهم ما تعلمته أيضا أن التجارة بالدين خسران مبين. ماذا ينفعك أن ترضي هذه الحكومة أو تلك، وتخسر ضميرك واحترامك لنفسك وتغضب ربك الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟

أنا أحب المسلمين السنة والشيعة. وأتبنى منهج الإمام علي رضي الله عنه في النظر إلى الناس: فهم إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. ومن الإسلام وسير الصالحين تعلمت أن أسعى للمساهمة، ولو بنسبة واحد في الألف من الجهد، في تجديد الفكر الإسلامي المعاصر، وتوحيد صفوف المسلمين، وإسعاد البشرية كلها بنور الإسلام وعدله ورحمته، وبما فيه من قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

7 ـ برأيك دكتور لماذا تسكت الحركات الإسلامية في طبعتها السنية عن ملف التشيع، باستثناء كتابات نادرة مثل كتابات الشيخ سعيد حوى ود.مصطفى السباعي في أطروحته الجامعية حول السنة النبوية وبعض الكتاب الصحفيين مثل أحمد زيدان مدير مكتب الجزيرة في باكستان المقرب من تيار الإخوان السوريين، هل الأمر يعود إلى مسألة الإحراج أم ماذا؟؟

الجواب:

لست طرفا في أي تنافس سني شيعي. الشيعة أهلي وأنا محب لهم. والسنة أهلي وأنا محب لهم. ولهم جميعا، ولكل من يسأل أقول: إنني مسلم على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ودين الخلفاء الراشدين وجيلهم. هؤلاء جميعا لم يكونوا سنة ولا شيعة. كانوا على الإسلام الذي نزل به القرآن الكريم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للناس.

إذا سألتني عن موقف الحركات الإسلامية السياسية، ذات التوجه الإخواني بشكل خاص، من السجال الجاري حول ما يوصف بأنه جهود ايرانية لنشر مذهب الحكومة الإيرانية في الدول العربية، فإنه يبدو لي أن تغليب هذه الحركات للبعد السياسي على غيره، هو السبب في ما تتحدث عنه.

هذه الحركات تتبنى الشعار الإسلامي، وتمثل شرائح معتبرة من الشارع العربي، وتحظى بثقته. يجب تسجيل هذا المعطى بموضوعية. لكنها بالنظر إلى ممارساتها وأولوياتها وتجاربها أحزاب سياسية أكثر منها هيئات دعوية إسلامية. وأخشى أن الحسابات السياسية لأكثر هذه الحركات أيضا، في كثير من الحالات، وعلى امتداد العقود الماضية، ليست دقيقة ولا موفقة.

الدارس للقرآن الكريم، يجد أن العقيدة الصحيحة هي موضوعه الأول والأهم، ورأسها وسنامها الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له، والتوكل عليه، والتوجه له بالدعاء، وإخلاص العبادة له، وذكره وتسبيحه وحمده وشكره وتعظيمه. في الإسلام: العقيدة الصحيحة هي الأساس المتين لسياسة إسلامية راشدة وناجحة. ومن دونها، غالبا ما تصبح السياسة عند الإسلاميين عبئا على الإسلام لأنها ترفع شعاراته من دون أن تقوم على أساسه الراسخ المتين.

8 ـ هل تقصد أن الحركات الإسلامية تقدم السياسة على العقيدة؟

الجواب:

رأيي أن السياسة التي يفني بعض المؤمنين أعمارهم فيها ليست شيئا مهما جدا في القرآن الكريم. والتنظيمات الحزبية الحركية التي يتخذها البعض وسائل لخدمة الإسلام ثم تكاد تصبح هي هدفا مستقلا بذاته، ليست شيئا مهما جدا في القرآن الكريم.

الله تعالى، الحكيم العليم، يرسل للناس في كتابه الكريم رسالة واضحة لا يمكن أن تخطئها عين العاقل المنصف أبدا. إنه يبين لخلقه في كل عصر وجيل أن أول ما يهمه في مسلك كل واحد منهم أن يؤمن به الإيمان الصحيح الخالص، أن يعبده لا يشرك به شيئا. ويقول لهم: ’’إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا’’. (النساء: 48) كما يقول أيضا في نفس السورة: ’’إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا’’. (النساء: 116)

فإذا اتضح ذلك، كان على المسلمين كافة، وعلى أهل السياسية والتنظيمات الحركية وقادة الرأي بشكل خاص أن يرتبوا أولوياتهم الترتيب الصحيح. هل ترضيهم حال الملايين من إخوانهم المسلمين الذين تملأ عقولهم وقلوبهم ونفوسهم رهبة الأضرحة وساكنيها، يقصدونها حبا وخوفا وطمعا، يطوفون بها ويتمسحون بحجرها وشبابيكها وزينتها، يذبحون النذور عندها، ويأكلون من ترابها، ويدعون أصحابها يطلبون منهم جلب النفع وإبعاد الضرر. يقسم الواحد منهم بالله كذبا لا يخاف على نفسه، ويخاف أن يقسم كذبا بالولي صاحب القبر، ويظهر للقبور والمزارات والأضرحة من التعظيم ما تستنكف عنه النفوس الكريمة التي تحررت بعقيدة التوحيد من الأوهام والخرافات وكل ما يدخل في عدادها وما هو قريب منها.
أكرر السؤال: هل ترضي هذه الأحوال والممارسات والأفكار عموم المسلمين وأهل السياسة والتنظيمات الحركية وقادة الرأي بشكل خاص؟

إذا كان الجواب على السؤال أن هذه الحال لا ترضي عموم المسلمين وأهل السياسة والتنظيمات الحركية وقادة الرأي بشكل خاص، فماذا هم فاعلون؟ كم من الوقت يخصصونه لبيان التوحيد الخالص الذي يحرر البشر ويثبت كرامتهم؟ كم من الجهد؟

لا حاجة للتسرع في الإجابة. ليفكر كل منا فيها بتمهل، ثم ليحكم ضميره. لينظر كل منا كم من الوقت والمال والجهد يصرفه الإسلاميون من أجل الفوز بمقعد في انتخابات بلدية أو نقابية أو تشريعية، وكم من الوقت والمال والجهد يبذلونه لتذكير المسلمين بالتوحيد النقي الصحيح وتحرير من العبودية للخرافة والأوهام.

9 ـ في شهر رمضان الأخير طالبتم بعض العلماء الشيعة بأن يصدروا فتوى تجيز التعبد بمذاهب أهل السنة، لكنهم رفضوا.. هل تجد دكتور، وأنت باحث في الفكر الإسلامي، مبررا لهذا الرفض؟

الجواب:

من خلال مناقشات برنامج ’’الحوار الصريح’’ عرفت المبرر لهذا الرفض. علماء الشيعة يرون أن الإمامة، ويقصدون بها الإقرار بأن الله تعالى أمر المسلمين بالسمع والطاعة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم لأحد عشر إماما معصوما من ذريته، يرون أن الإمامة بهذا المعنى ’’ترتقي أكثر لأن تكون من أساسيات الدين كالتوحيد والنبوة، فكما أن من لم يؤمن بالله أو النبي (ص) لا يكون مؤمنا كذلك من لا يؤمن بالإمام’’. وأنا أنقل هذا النص من أجوبة الأسئلة العقائدية في مركز الأبحاث العقائدية، وهو مركز من مراكز آية الله السيستاني أشهر مراجع الشيعة المعاصرين.

هذا النص، ونصوص أخرى متواترة لعلماء الشيعة قديما وحديثا، كلها تنزع صفة الإيمان عن المسلمين السنة. وتنزعه عن 99 بالمائة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أو 70.000 (سبعين ألف) صحابي كما يذكر المصدر السابق، بسبب اتهامهم بترك وصية النبي صلى الله عليه وسلم بتولية سيدنا علي من بعده.

والشيخ المفيد، شيخ الطائفة كما يسمى في التراث الشيعي، ينقل إتفاق الإمامية على أن الخلفاء الراشدين المتقدمين على سيدنا علي رضي الله عنه، ويقصد بهم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ’’ضلال فاسقون، وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ عن مقام رسول الله ـ صلوات الله عليه وآله ـ عصاة ظالمون، وفي النار بظلمهم مخلدون’’. وأنا أنقل النص هنا من المكتبة العقائدية في مركز الابحاث العقائدية وهو كما بينت مركز من مراكز السيد السيستاني.

بمقتضى هذه الآراء المتواترة لدى أشهر علماء المذهب الشيعي الإثني عشري قديما وحديثا فالأغلبية الساحقة من المسلمين ليسوا بمؤمنين، وهم داخلون في هذا النص الخطير المنشور في المصدر السابق: ’’من لم يؤمن بالإمامة هو شخص جاهلي، أي على الحالة التي كانت قبل الإسلام’’.

كيف تتوقع إذن، وفي ضوء هذه الإعتقادات، أن يجيز أي مرجع شيعي معتبر التعبد بالمذهب المالكي أو الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي؟

لا مجال لذلك مطلقا إلا إذا حصلت ثورة حقيقة في الفكر الشيعي، العقائدي والفقهي.

10 ـ بحسب دراستكم للتراث الشيعي، والمناقشات التي أدرتموها في برنامج ’’الحوار الصريح’’، هل لهذه الآراء سند في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي أقوال سيدنا علي رضي الله عنه؟

الجواب:

القرآن الكريم لا يتحدث عن إمامة سيدنا علي أو عن إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. هدي القرآن الكريم في أمر الحكم يأمرنا بالإحتكام للشريعة الإسلامية وبالشورى، التي يسميها أكثر الناس اليوم بالديمقراطية، وتلخصه آيتان كريمتان. الأولى قوله تعالى في الآية 59 سورة النساء: ’’يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلا’’.

والثانية قوله تعالى في الآية 38 من سورة الشورى في معرض وصفه للمؤمنين: ’’وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ’’

أما السنة النبوية فتأمر هي أيضا بالشورى وطاعة الحاكم المنتخب بقطع النظر عن عرقه ولونه.

لكن المشكلة الأكبر التي تواجه الفقه الشيعي العقائدي والسياسي هي مع أقوال سيدنا علي بن أبي طالب التي توصي بالشورى، والتي تعترف بإمامة من سبقه من الخلفاء الراشدين.

في كتاب ’’نهج البلاغة’’ وهو أهم مرجع شيعي على الإطلاق، يقول الإمام علي: ’’دعوني والتمسوا غيري، فأن أكون لكم وزيرا خير لكم من أكون لكم أميرا’’. ويقول: ’’والله ما كان لي في الولاية رغبة ولا في الإمارة إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها’’. ويقول في رسالة له لمعاوية بن أبي سفيان: ’’إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى’’.

في هذه النصوص يقول الإمام علي بالشورى، ويقر بيعة من سبقه من الخلفاء الراشدين، وينسف النظريات التي تنسب إليه العصمة وأن ولايته كانت أمرا من الله له وللمسلمين، لأنها لو كانت كذلك ما صدرت منه هذه النصوص قطعا.

طرحت هذه الأسئلة على كثير من العلماء الشيعة لمدة سبع سنوات، وواضح أنه لا جواب لديهم عليها، إلا تجاهلها وتجاوزها.

بعضهم يشيرون إلى الخطبة الشقشقية المنسوبة لسيدنا علي بن أبي طالب في ’’نهج البلاغة’’ والتي يلمح فيها إلى أنه كان الأجدر بتولي منصب الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هذه الخطبة تخلو من أي عبارة يشير فيها الإمام علي رضي الله عنه إلى أنه وصي من الله والرسول صلى الله عليه وسلم. ثم، وهذا هو الأهم، إن مضمونها يتناقض مع مضمون النصوص المتواترة الأخرى في كتاب ’’نهج البلاغة’’ التي يؤكد فيها سيدنا علي رضي الله عنه عدم رغبته في الولاية، ويستدل فيها على صحة بيعته بصحة بيعة من سبقه من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

لهذا يمكن القول إن مثل هذه النصوص المتواترة عن سيدنا علي رضي الله عنه تعطي مبررا إضافيا قويا للإستمرار في برنامج ’’الحوار الصريح’’، ذلك أنها تؤكد أن باب التجديد في الفكر الشيعي قائم لكل من يعمل عقله ويحترم اللغة العربية ويحترم أقوال الإمام علي رضي الله عنه. هذه النصوص تحفظ باب التجديد وباب التقارب والوحدة بين المسلمين في المستقبل القريب إن شاء الله.
11 ـ إذا طلبنا من حضرتكم اقتراح خطوات عملية للتخفيف من حدة الخلاف الشيعي السني ماذا تقترحون؟

الجواب:

الخطوة الأولى هي العودة للقرآن الكريم باعتباره الحكم الأول في الخلافات بين المسلمين الشيعة والسنة. ألاحظ بأسف شديد أن أغلب علماء الشيعة الكرام لا يستشهدون بالقرآن الكريم إلا قليلا، وبتأويلات متعسفة لا تقبل بها اللغة العربية ولا يقبل بها سياق الآية وموضعها من السورة التي وردت فيها. كما أن هذه التأويلات غالبا ما تتجاهل أسباب نزول الآية أو الآيات التي يتم الإستشهاد بها.

يعلل علماء الشيعة هذا الأمر بالقول إن القرآن الكريم حمَّال أوجه، وأن له ظاهرا وباطنا، وفيه المحكم والمتشابه. هذا الإتجاه في إبعاد الناس عن الإحتجاج بكتاب الله ينسف معجزة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وهي القرآن الكريم. القرآن الكريم نور مبين، فيه تبيان كل شيء، ويهدي للتي هي أقوم، وهديه واضح في موضوعات الخلاف الكبرى بين السنة والشيعة.

الخطوة الثانية هي احترام الإمام علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم وعدم المزايدة عليهم. سيدنا علي ينفي إمامته وعصمته، فلماذا يفرضها بعض المتأخرين بالقوة؟ سيدنا علي يأمر المسلمين بدعاء الله وحده من دون شفيع أو وسيط، فلماذا يدعو بعض المتأخرين إلى توجيه الدعاء له هو مباشرة ولذريته؟

سيدنا علي ينفي في نص قاطع في نهج البلاغة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اختصه بعلم من دون بقية الصحابة، قال ذلك في خطاب موجه لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال له: ’’والله ما أدري ما أقول لك. ما أعرف شيئا تجهله. ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه. ولا خلونا بشيء فنبلغكه. وقد رأيت كما رأينا. وسمعت كما سمعنا. وصحبت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كما صحبنا. وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك، وأنت أقرب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا’’.

هل يجوز بعد هذا القول لأحد أن يزعم أن سيدنا عليا رضي الله عنه أوتي علم الأولين وعلم الآخرين، ثم أورثه من بعده لأبنائه؟

وهل يجوز، بعد هذه الشهادة من سيدنا علي رضي الله عنه، لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بعمل الحق، هل يجوز لعلماء الشيعة الطعن فيهما، والحكم بخلودهما في النار، وتوجيه أشنع التهم لهما من قبيل التسبب في قتل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما؟

سيدنا علي رضي الله عنه لم يوجه أبدا هذه التهمة إلى الصدّيق والفاروق. سيدنا الحسن لم يذكرها أبدا. سيدنا الحسين لم يشر إليها من قريب أو من بعيد. فكيف يكون المتأخرون أحرص على الزهراء رضي الله عنها من زوجها وأبنائها وأحفادها؟

لو كانت التهمة صحيحة، هل كان سيدنا علي يثني على أبي بكر وعمر، ويزوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهم جميعا، ويقول فيه مثل هذا المدح والثناء، في نهج البلاغة، : ’’لله بلاء فلان، لقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف البدعة، وذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، واتقى شرها، أدى لله طاعته واتقاه بحقه’’.

إذا عاد علماء الإسلام إلى هذه المصادر الأصلية فسينتهي الخلاف بين السنة والشيعة. أنا واثق أن التقريب بين السنة والشيعة، بهذه الروح وهذه المنهجية، ممكن جدا، وأنا أسعى لتحقيق هذا الهدف، وأسأل الله التوفيق. بعض الناس يقولون إنني أحلم عندما أرسم لنفسي مثل هذه الأهداف. والواقع أنني لا أحلم، وإنما أسعى في تحقيق هدفي بالليل والنهار، وأرى بعض الثمار الأولية المبشرة في تصريحات ومواقف عملية من كثير من مشاهدي برنامج ’’الحوار الصريح’’.

12 ـ تتحدث دائما في برنامجك عن مواجهة ثقافة الحقد والكراهية بين المسلمين. ما علاقة ذلك بموضوعات ’’الحوار الصريح’’؟

الجواب

أريد أن يسود السلام ومشاعر الأخوة والمحبة بين المسلمين الشيعة والسنة، وأن تختفي لغة العنف ومشاعر الكراهية بينهم في كل مكان. أؤمن بالعدل واحترام حقوق الإنسان، واحترام حقوق الأقليات، حيثما وجدت أقلية شيعية في دولة ذات غالبية سنية، وحيثما وجدت أقلية سنية في دولة ذات أغلبية شيعية.

الإسلام قائم على العدل، ومن زعم الدفاع عن الإسلام بترك مبادئ العدل، سنيا كان أم شيعيا، فإنه يترك ركنا عظيما من أركان العمران والحضارة في الإسلام وفي تاريخ الإنسانية.

من جهة ثانية، أدعو إلى التخلي عن فقه الكراهية والحقد في الإسلام. لعن الصحابة من خطاب الكراهية.

التواصي بالثأر في عاشوراء من خطاب الكراهية.

النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا يوم أحد، عندما مثلت هند بنت عتبة بجثة عمه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب. وفي لحظة غضب، توعد بالمثلة، وتوعد المسلمون بالتمثيل بجثث ثلاثين من المشركين في معارك مقبلة، لكن قرآنا كريما نزل من فوق سبع سماوات يعلمهم ويعلمنا جميعا: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ. (النحل 126 – 128)

لا أفهم أبدا كيف يتواصى ملايين المسلمين بالثأر في ذكرى مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه. الذين قتلوه (بفتح القاف والتاء) قتلوا (بضم القاف وكسر التاء) جميعا تقريبا. والثأر لا يكون من موتى؟ فمن هم الذين يُطلب الثأر منهم؟

الإسلام دين الحب وليس دين الثأر. الرسول عليه الصلاة والسلام قبل بيعة هند بنت عتبة، وأعطى لزوجها أبي سفيان، أشهر قائد سياسي وعسكري لمشركي قريش، مائة ناقة بعد معركة حنين. الرسول عليه الصلاة والسلام عفا عن أهل قريش وقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهم الذين أخرجوه من مكة وحاربوه وبذلوا المستحيل لاستئصاله واستئصال دعوته.

فكيف يحتشد الملايين منا اليوم سنويا تحت راية الثأر؟ ومن أين يجد البعض تبريرا في شريعة الإسلام للقول إن المهدي سيخرج في آخر الزمان ليقتل تسعة أعشار العرب؟

ديننا دين الحب والسماحة. ومدة العزاء عندنا ثلاثة أيام فقط. وأعلام أهل البيت الذين نتقرب إلى الله بحبهم هم أشهر من يمثل تعاليم الإسلام الحقيقية، في العفو والرحمة والتسامح، وفي محبة المسلمين، والحرص على وحدتهم.

13 ـ ماذا تقول لأبناء المغرب العربي؟

الجواب:

ـ أقول لهم إن المغرب الإسلامي عرف عبر تاريخه بأنه منبع المصلحين الدينيين في العالم الإسلامي. فمن المغرب العربي خرج الإمام سحنون القيرواني المالكي، وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور، وهو مصلح ديني طالب بالرجوع إلى أصول الشريعة ونبذ البدع، وكذلك خرج من المغرب الإسلامي الفيلسوف والفقيه المعروف محمد بن أحمد بن رشد، وخرج الإمام ابراهيم بن موسى الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام بالسنة وكتاب الموافقات، وهما كتابان يعدهما أهل العلم نقلة نوعية في أسلوب الكتابة والإصلاح العقدي والفقهي. وخرج من المغرب الإسلامي يوسف بن تاشفين الذي أعاد للإسلام معالم دولة الخلفاء الراشدين. وخرج منه عبد الرحمن بن خلدون وعبد الحميد بن باديس وعلال الفاسي ومحمد البشير الإبراهيمي ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم من المجتهدين الأعلام.

ومن واجب الأجيال المعاصرة من أبناء المغرب الإسلامي أن تحافظ على راية الإجتهاد والتجديد التي رفعها أسلافهم.

أقول أيضا لأهلي في المغرب العربي ولعموم المسلمين في كل مكان: إن من واجبنا السعي في توحيد المسلمين، ونشر قيم الإسلام التي أنارت القلوب والبلدان على مدار القرون الماضية، وهي التوحيد الخالص النقي، والعدل، ومكارم الأخلاق. أقول لهم إن الإسلام بأركانه وسننه دستور السعادة للفرد والجماعة.

أقول لهم إن محبة آل البيت دين. والوفاء والتكريم والدعاء للجيل الذي نصر نبينا صلى الله عليه وسلم، أعني جيل الصحابة، من مقتضيات الدين ومكارم الأخلاق.

أقول لهم إن الوحدة بين المسلمين السنة والشيعة ممكنة ويجب أن نسعى لها.

أقول لهم إن القرآن الكريم بدأ بكلمة ’’إقرأ’’ فعلينا أن نطلب العلم ونجتهد للتفوق فيه، وعلينا أن نسهم في تطوير العلوم في القرية العالمية، ولا نبقى كما نحن اليوم عالة على غيرنا من علماء الأمم الأخرى.

وأقول لهم إن الإسلام دين السلام، وقوة للسلام العالمي، ومن واجبنا تجلية هذا المعنى بأفضل صورة، ومواجهة تيارات التطرف والعنف والإرهاب في المجتمعات الإسلامية، وعزلها ومنعها من اختطاف الإسلام أو زعم التحدث باسم المسلمين.

كما أن الإسلام دين للحرية والكرامة وحقوق الإنسان. وسيكون من المحزن والمؤلم أن نتحرر من العبودية للأصنام والموتى والأوهام، ثم نخضع ونتخلى عن حرياتنا وحقوقنا التي كفلها لنا الإسلام وكفلتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.

14 ـ عذرا يا دكتور. تقول ’’إن الوحدة بين المسلمين السنة والشيعة ممكنة ويجب أن نسعى لها’’. ماذا يبرر تفاؤلك هذا وأنت تتحدث عن خلاف قديم مستحكم؟

الجواب:

إن من أسباب استحكام الخلاف وديمومته في السابق غياب منابر جدية للحوار حوله في ضوء المصادر الإسلامية الكبرى وفي ضوء مقتضيات اللغة والمنطق السليم.

ما يدفعني للتفاؤل هي تجربة ’’الحوار الصريح’’. لقد وضعنا الخلاف الموروث أمام طاولة البحث. وسلطنا أضواء الإعلام على موضوعات الخلاف. ثم أشهدنا ملايين الناس على المناقشة. ولم يعد سهلا على أي عالم سني أو شيعي ترويج الوهم وتسويق الخرافة وتدليس الحقائق. لذلك أكرر الإعراب عن أملي بأن ننجح في تحقيق اختراق تاريخي كبير في هذا الموضوع خلال جيل أو جيلين من الزمن، وأن ننجح في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين السنة والشيعة، لا كره فيه ولا عداوة ولا مناداة بالثأر. إن نور الحقائق والأدلة الصادقة الصحيحة سيبدّد قريبا جدا بعون الله ظلمات التدليس والخرافة والأكاذيب، وسيزيل كثيرا من العقبات المورثة أمام الوحدة الإسلامية، وسيسمح بإعادة صياغة العلاقات بين المسلمين الشيعة والسنة.

ومما يدفعني للتفاؤل أيضا أن طبيعة مناقشات ’’الحوار الصريح’’ نجحت بفضل الله في تجنب الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها تجارب أخرى مشهورة للتقريب، يلتقي فيها الباحثون لتبادل المجاملات، والتعرف على المعالم السياحية للمدن التي يجتمعون فيها، ويتجنبون فيها طرح المسائل الكبرى التي نشأ الخلاف واستمر بسببها.

نهج ’’الحوار الصريح’’ مستمد من اسمه، نهجه مواجهة الخلافات الجوهرية في الصميم، وإذابة جليد الكراهية بأشعة البحث العلمي المتجرد.

عندي مجلدات من رسائل الناس الذين كتبوا لي عن تأثرهم بمناقشات ’’الحوار الصريح’’ واستفادتهم منه.

ثم إنني ذكرت لك سماحة العلامة علي الأمين، مفتي صور الجعفري السابق، ومشاركته في ندوة 30 أبريل 2009. أضيف هنا أن العلامة علي الأمين أعلن في هذه الندوة مخالفته للشيخ المفيد ولآية الله السيستاني فيما ذهبا إليه بحق الخلفاء الراشدين والصحابة. وقال علنا أمام المشاهدين إنه يدعو مقلدي السيد السيستاني إلى عدم تقليده في موقفه من الصحابة والخلفاء الراشدين، مشيرا إلى المواقف المنشورة في مركز الأبحاث العقائدية، وهو مركز من مراكز السيد السيستاني.

في ذات الندوة، رفض العلامة علي الأمين منطق الذين يجوزون دعاء الأئمة والأولياء مباشرة، وقال إن توجيه الإسلام، وتوجيهات أئمة أهل البيت هي دعاء الله تعالى مباشرة من دون وسيط.

هذه مواقف جريئة شجاعة سمعها ملايين الناس وسيكون لها صدى آني ومستقبلي. وهذا نموذج مما يمكن أن يتحقق من خلال الحوار الصريح بين علماء السنة والشيعة.

وهناك نموذج آخر من ردود فعل عامة الناس. في هذه الندوة التي شارك فيها السيد علي الأمين، قرأت رسالة وصلتني من مشاهد يمني، أرجو أن تنتبه لما جاء فيها. يقول مرسلها:

’’عزيزي الهاشمي، أنا مجيب الرحمن الأحلسي من حراز محافظة صنعاء اليمن. منذ سنين وأنا أتابع برامجك الحوارية بشغف شديد لأني مسلم نشأت في بيئة طائفية ولكني متعطش لمعرفة الحق. وقد داومت على مناجاة الله تعالى أن يهديني للحق، والحمدلله: سخر لي الله ولأمثالي قناتكم الحرة. والحمد لله: تغيرت حياتي من متعصب طائفي الى مسلم حر، وعلمت أخيراً أن الحق هو الله وهو أعلى وأجل من أن يدعي مدع إحتكاره . وفقكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم وجزاكم الله خيراً أضعافاً مضاعفة، وهذا ماندعو لكم به في صلواتنا.

نعم أكتب اليك هذا معبرا لك عن عظيم إمتناني لجهودكم الجبارة في خدمة الانسانية وهذا ما لمسته في نفسي وأهلي وعشيرتي . سيدي محمد الهاشمي الحامدي: لولا أني قد تبت من الغلو في العباد لغلوت فيك كثيرا، ولكن حسبك أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

لازلت أكتم تحرري من الطائفية أواسط مجتمعي الطائفي، ولكن اليوم آن الأوان أن أعلن للعالم أجمع براءتي من كل جهل وتعصب واستغفر الله من سب ولعن قد اقترفته بحق المسلمين، لاسيما أصحاب رسول الله وأزواجه .

لقد آن الأوان أن أنتمي بفخر الى المجتمع الاسلامي وأحب كل من يشهد أن لا إله الا الله محمد رسول الله. أسأل الله عزوجل أن يهدي إخواننا وأهلنا جميعا الى الحق والى المحبة والى السلام .

اليوم أعلن أنا ومجموعة من المهتدين من أهلي وأصدقائي التوبة الى الله الغفار الرحيم، ونحن في الوقت نفسه مستعدون لما قد يطالنا من أذى من بعض الذين سيفاجأون بهذا.

سيدي الهاشمي: منذ زمن وأنا أتحين الفرصة لهذا اليوم . واليوم فقط أنشأت بريدي الالكتروني لأرسل هذه الرسالة وأرجوا أن أعلم فقط بوصولها عبر الفضائية أو عبر بريدي وكم سأكون فخوراً لو قرأتها على الملأ . جزاك الله خير عما تقدمه لهذه الأمة’’. (انتهت الرسالة)

وأخيرا، فإن ما يدفعني للتفاؤل هو تجربة الشعوب الأوروبية. لطالما خضع الأوروبيون لسطوة أفكار وممارسات منسوبة للدين، ثم تبين بالنقد والإجتهاد أنها ليست كذلك.

لهذه الأسباب كلها أشعر بالتفاؤل، وأتحمس لبرنامج ’’الحوار الصريح’’، وأسأل الله تعالى أن يجعلني سببا من أسباب الوحدة والتقارب والمحبة بين المسلمين كافة.

15 ـ ما مفهومك للوحدة التي تتطلع إليها؟

الجواب:

الوحدة التي أطمح إليها هي تلك التي تتحقق من خلال الإتجاه نحو الإسلام الذي كان سائدا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين. إسلام التوحيد الخالص، إسلام الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبأن الله على كل شيء قدير، إسلام الصلاة والزكاة والصوم والحج، إسلام الصدق والأمانة وبر الوالدين، إسلام الأمانة ومساعدة الفقراء والمحتاجين ومكارم الأخلاق، إسلام الشورى والديمقراطية وحقوق الإنسان، إسلام الحرية والعدالة والكرامة للرجال والنساء، إسلام العهود والمواثيق وحسن الجوار مع كل الأمم، إسلام الحوار والكلمة الطيبة والجدال بالتي هي أحسن.

سيدنا علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم جميعا لم يكن لهم دين مغاير للدين الذي حمل رايته الصديق والفاروق وعثمان ذو النورين رضي الله عنهم جميعا. وهذا ما يكتشفه كل باحث منصف متجرد للحق.

إنني أنتمي إلى قرية ’’الحوامد’’ جنوب القيروان. أهلها ينتسبون للإمام السجاد، علي زين العابدين، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فأهل البيت نسبي الذي أعتز به، وأجدادي الذين أفخر بهم. وقد وجدت في سيرهم ما يشجعني بقوة، وما يشجع كل مسلم، على بذل كل ما في وسعه لتوحيد المسلمين وإشاعة المحبة والأخوة بينهم.

اسمح لي ختاما أن أعرب مجددا عن مشاعر التقدير لك وللقراء الكرام، والإعتذار مسبقا عن أي سهو أو خطأ أو تقصير، والترحيب بأي نقد أو رد على الأفكار التي طرحتها في سياق هذا الحوار.

أما كلمتي الأخيرة فهي الصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين، سيدنا محمد بن عبد الله وخاتم النبيين: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
.لجينيات
أضافة تعليق