مدير مركز ’’كارنيجي’’ للشرق الأوسط
بول سالم: جمود الإسلاميين سببه غياب المجال السياسي
عبدلاوي لخلافة / 07-04-2009
بول سالم
بول سالم
يرى الدكتور بول سالم، مدير مركز ’’كارنيجي’’ للشرق الأوسط، أن أغلب الدول العربية ليست جادة في إشراك الفاعل السياسي الإسلامي في السلطة بخلاف التجربة التركية، مؤكدا أن الإشراك التدريجي للإسلاميين في السلطة هو الكفيل بتفادي منزلقات التغير السريع أو التغير الانقلابي والثوري، ويشير إلى أن كل الأحزاب تنطلق من أرضية فكرية وعقائدية، لكن تبقى أرضية التعاون ممكنة، خاصة في ما يتعلق بخدمة شئون الناس والدفاع عن المقومات السيادية للبلد في وجه الهيمنة الغربية.
ويرجع بول سالم سبب الجمود لدى بعض التيارات السياسية، والإسلامية إلى حد ما، في المنطقة العربية، إلى غياب مجال وهامش للعمل السياسي، فـ’’عندما تترك التيارات القومية أو الليبرالية أو اليسارية أو الإسلامية خارج العمل السياسي الفعلي تبقى حبيسة العقيدة والفكر والكتب والندوات والنقاشات، بينما إذا دخلت في السياسة الفعلية والمسئولية الفعلية، باعتبار السياسة إدارة شئون الناس، سيحصل التكيف والتطور وترجمة الأهداف’’.
وفي الحوار حديث عن أهداف ومرامي المراكز البحثية ومنهجيتها في مقاربة الظاهرة الإسلامية ومدى مساهمتها في تنوير صناع القرار الأنظمة الحاكمة والغرب في التعامل مع التيارات السياسية الإسلامية.
ويشغل الدكتور بول سالم منصب مدير ’’مركز كارنيجي للشرق الأوسط’’. وقبل توليه إدارة المركز شغل منصب المدير العام ’’لمؤسسة فارس’’، وفي الفترة الممتدة من العام 1989 إلى العام 1999، تولى إدارة المركز اللبناني للدراسات السياسية، الذي يشكّل أحد أبرز مجموعات العمل المعنية بالسياسات العامة في لبنان.
وفي العام 2002، عُيّن سالم عضوا في اللجنة العليا للمراجعة المعنية بتقرير التنمية البشرية في العالم العربي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ كما شغل الدكتور سالم عدة مناصب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو غالبا ما يشارك في برامج تلفزيونية ومقابلات إذاعية، وكتب سلسلة من المقالات في الصحف العربية والعالمية تناول فيها مواضيع سياسية ذات صلة بالعالم العربي.
* بداية يثار السؤال حول منهجية مركز كارنيجي في مقاربة الظاهرة الإسلامية باختلاف آليات اشتغالها، لو تفضلتم بتوضيح هذه المنهجية؟
- معهد كارنيجي للشرق الأوسط معهد أبحاث مستقل، ويضم مجموعة من الباحثين من دول عربية مختلفة، منها الجزائر ومصر ولبنان والكويت وتونس، ولكل واحد من هؤلاء الباحثين مشروع بحث مستقل، ومنهم الاقتصاديون والباحثون في العلوم السياسية.
والاهتمام الأول للمركز هو محاولة رصد النمو الاقتصادي والسياسي في البلاد العربية، لكي لا نقول الإصلاح، لما يحيل إليه المصطلح من معاني يختلف حولها البعض.
وفي الشأن السياسي، نجد اهتمام معظم الباحثين في تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان ودعم السيادة في المنطقة. وهذا بالتبع يؤدي بنا إلى الاهتمام بالأحزاب السياسية والديمقراطية والمشاركة السياسية. وبما أن الأحزاب السياسية الإسلامية هي جزء من هذه الأحزاب الناشطة في العالم العربي، فهي مثل غيرها موضع اهتمام لدى الباحثين في المركز، وربما كان الاشتغال عليها أكبر لكونها الأقوى في الساحة السياسية في عدد كثير من الدول العربية، فضلا عن العطف الشعبي المساند للتيارات الإسلامية، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات للتيارات الشيوعية أو القومية أو اليسارية.
* ما هي مرامي مقاربة الظاهرة الإسلامية، هل هي لتقديم خدمة لصناع القرار في الغرب، خاصة أمريكا وأوروبا، أم هناك أهداف مستقلة للمركز؟
- هدف المركز مستقل ونابع من هم المنطقة، وما دام معظم المثقفين من المنطقة فهم يهتمون بالتنمية السياسية في منطقتنا العربية، ورصد المواجهة الأساسية بين أنظمة المنطقة مع التيارات الإسلامية في هذه المرحلة، بعدما كانت المواجهة في السابق مع التيارات اليسارية، وهو الأمر الذي أنتج أجواء وظروفا شديدة التوتر في عدد كبير من الدول العربية، وربما أدت إلى انحسار مجال الحراك السياسي من قبل الأنظمة الحاكمة، التي حورت دوافع ظهور هذه التيارات لتبرر انغلاقا وانكماشا سياسيا إضافيا.
وحاليا يوجد اهتمام كبير لدى المثقفين العرب لتناول أطروحات التيارات الإسلامية ورصد تطورها من بدايات دينية عقائدية إلى تجارب سياسية، الناجحة منها والأقل نجاحا، والوقوف على تطور الفكر السياسي لدى هذه الأحزاب السياسية الإسلامية باتجاهات المختلفة، وتناول نقاط الاتفاق والاختلاف بينها وبين باقي التيارات اليسارية والقومية والليبرالية.
من العقدي إلى الاجتماعي
* كيف ترون التحول الذي عرفته الاتجاهات السياسية الإسلامية من حركات تستمد رؤيتها من منطلق عقدي إلى حركة اجتماعية ومدنية؟
- أرى أن بعض منطلقاتها عقدية، ولكنها ليست بالمطلق وبالمعنى العملي حركات عقائدية، ولكل باحث في المركز قراءته للموضوع، ولا يوجد موقف موحد في النظر للموضوع نظرا لطبيعة البحث العلمي الحر.
وأظن -إن أردت التعبير عن بعض نقاط الاتفاق في مقاربة القضية لدى الباحثين في المركز- أن كل حزب سياسي ينطلق من عقيدة معينة: يسارية أو دينية أو ليبرالية أو قومية، وإذا قرأت في الكتب لمست أقوالا تقول إن هذه عقيدة جامدة ولا تقبل التطور والتكيف مع الظروف السياسية، لكن واقع وتاريخ الممارسة السياسية يؤكد أن كل شيء قابل للتكيف والتطور والتفاعل، وكل تيار يتطور حسب طريقته الخاصة وخبرات قياداته وقاعدته الشعبية.
لكن اللافت بالنسبة للمنطقة العربية أن سبب الجمود لدى بعض التيارات السياسية -والإسلامية إلى حد ما- وضعف القدرة على التوفيق بين الجانب العقدي والسياسي، مرده غياب مجال وهامش للعمل السياسي، فعندما تترك التيارات القومية أو الليبرالية أو اليسارية أو الإسلامية خارج العمل السياسي الفعلي تبقى حبيسة العقيدة والفكر والكتب والندوات والنقاشات، بينما إذا دخلت في السياسة العملية والمسؤولية الفعلية، فسيحصل لها التكيف والتطور وترجمة الأهداف، خاصة مع وجود حيز واسع لمقاربة هموم وقضايا لا علاقة لها بالعقيدة أصلا، مثل قضايا التجارة العالمية والإدارة والفساد، فهذه ليست أسئلة عقائدية أصلا ليجاب عنها سلبا أو إيجابا، بل هي قضايا تهم إدارة شئون الناس، ويصبح الحزب الذي انطلق من دوافع عقدية يطور نفسه، ويوضح أن له شقا عقائديا أو دينيا وجانبا آخر تدبيريا، مما يدفعه إلى توسيع الخبرة وتطوير المواقف لتجيب عن تحديات البلد.
والمشكلة ليست مسئولية هذه التيارات الإسلامية، ولكنها نتيجة لغياب مساحة الفعل السياسي، باعتبار أن الفعل السياسي هو الوصول إلى الحكم والمسئولية أو المعارضة، وفي كلتا الحالتين: الحكم فعليا أو المعارضة فعليا، وفي غياب المشاركة السياسية ترتد التيارات إلى مجال الكتب والنقاشات النظرية.
* تثار شبهة حول مرامي اشتغال المراكز البحثية، وتصويرها أنها مجرد مراكز اختراق معرفي أو جمع معلومات لتقديمها لصناع القرار بأوروبا وأمريكا للتعامل مع الحركات الاجتماعية في الوطن العربي مستقبلا، كيف ترى هذا المعطى؟
- نحن في المركز نرى الأمر بالمنظار المعاكس تماما، فاهتماماتنا هي اهتمامات بلادنا العربية، ونحاول تقديم أفكار واقتراحات لما يسمى صانع القرار العربي أو المؤثرين في الأحزاب من خلال ندوات وكتابات، وهو ما نعتبره خطوة للتقدم وتحقيق النمو الاقتصادي والسياسي ببلادنا.
وفي ما يتعلق بالعلاقات الدولية والوضع الدولي المرتبط بمنطقتنا العربية، لا شك أن هناك مشاكل وسقفا وتدخلات وتضارب مصالح من المغرب إلى اليمن، وهي مجموعة علاقات معقدة جدا، منها السلبي والإيجابي. ومن المشاكل الأساسية التي تواجه الباحثين في العالم العربي -برأيي الشخصي- هو كوننا لا نستطيع إيصال صوتنا إلى العالم، ولدينا مراكز في الصين وأوروبا والولايات المتحدة، وبها نحاول إيصال وجهة نظر المنطقة العربية أو شرق أوسطية إلى العالم بشكل عام ’’غربه وشرقه’’، وندفع بمفاهيمنا نحن بهدف ترشيد العلاقات الدولية بين الدول النافذة عالميا وشعوب المنطقة العربية، وألا تكون شئون الشرق الأوسط رهينة تفسر مراكز إسرائيلية لها إشعاع عالمي أو مراكز صناعة محافظين جدد، وهذا أمر نحاول أن نستفيد منه في عمل معهد كارنيجي في بيروت.
الإشراك التدريجي هو الحل
* في رأيكم، هل المشاركة السياسية هي الضامن لترشيد المشاركة السياسية الإسلامية في بلدان العالم العربي؟
- المشاركة ضمن شروط معينة فقط، والتجربة التركية -في رأيي- مهمة جدا، لأنها كانت مسار وصول التيارات الإسلامية إلى زمام السلطة بشكل تدريجي مدروس ومدار.
ولكن الخطر يقع عندما يحدث تغير سياسي سريع جدا، فتنهار المؤسسات القائمة، وندخل في حالة الثورية والانقلابية كما حصل في إيران أو الاتحاد السوفييتي، وربما كان سيحدث في الجزائر.
فالأحزاب الشيوعية كانت أخطر في تجربتها الثورية، حيث شاع أن الحزب الشيوعي هو الوحيد في الحكم، كما حصل في تجربة البعث في العراق وسوريا، فالخطر ليس فقط في الحزب الإسلامي، رغم التخوف من كونه الأقوى حاليا، فكل حزب عندما تحصل له قوة ويستلم بشكل سريع السلطة ينحو نحو التسلط والهيمنة تحت أي شعار.
ويبقى الشرط الأساسي هو تدبير مسار تدريجي لإشراك الأحزاب الإسلامية وباقي الأحزاب من يسارية وقومية وليبرالية في التجربة الديمقراطية، واستلام جزء من السلطة بشكل تدريجي ضمن حماية الدولة والدستور والحقوق، أو ضمن’’علمانية الدولة’’، حتى لو جاءت بحزب إسلامي، وفي الغرب مثلا وصلت إلى الحكم أحزاب مسيحية، ولكنها لم تغير المشروع العام للدولة وهيكلية الحريات والدستور بشكل عام.
إذن، فعبر مسار مدروس وتدريجي لدخول الإسلاميين وغيرهم إلى تجربة السلطة وإعطائهم الوقت الكافي للتمرس والتعلم والفشل والنجاح هو الحل -في
.الإسلاميون
بول سالم: جمود الإسلاميين سببه غياب المجال السياسي
عبدلاوي لخلافة / 07-04-2009
بول سالم
بول سالم
يرى الدكتور بول سالم، مدير مركز ’’كارنيجي’’ للشرق الأوسط، أن أغلب الدول العربية ليست جادة في إشراك الفاعل السياسي الإسلامي في السلطة بخلاف التجربة التركية، مؤكدا أن الإشراك التدريجي للإسلاميين في السلطة هو الكفيل بتفادي منزلقات التغير السريع أو التغير الانقلابي والثوري، ويشير إلى أن كل الأحزاب تنطلق من أرضية فكرية وعقائدية، لكن تبقى أرضية التعاون ممكنة، خاصة في ما يتعلق بخدمة شئون الناس والدفاع عن المقومات السيادية للبلد في وجه الهيمنة الغربية.
ويرجع بول سالم سبب الجمود لدى بعض التيارات السياسية، والإسلامية إلى حد ما، في المنطقة العربية، إلى غياب مجال وهامش للعمل السياسي، فـ’’عندما تترك التيارات القومية أو الليبرالية أو اليسارية أو الإسلامية خارج العمل السياسي الفعلي تبقى حبيسة العقيدة والفكر والكتب والندوات والنقاشات، بينما إذا دخلت في السياسة الفعلية والمسئولية الفعلية، باعتبار السياسة إدارة شئون الناس، سيحصل التكيف والتطور وترجمة الأهداف’’.
وفي الحوار حديث عن أهداف ومرامي المراكز البحثية ومنهجيتها في مقاربة الظاهرة الإسلامية ومدى مساهمتها في تنوير صناع القرار الأنظمة الحاكمة والغرب في التعامل مع التيارات السياسية الإسلامية.
ويشغل الدكتور بول سالم منصب مدير ’’مركز كارنيجي للشرق الأوسط’’. وقبل توليه إدارة المركز شغل منصب المدير العام ’’لمؤسسة فارس’’، وفي الفترة الممتدة من العام 1989 إلى العام 1999، تولى إدارة المركز اللبناني للدراسات السياسية، الذي يشكّل أحد أبرز مجموعات العمل المعنية بالسياسات العامة في لبنان.
وفي العام 2002، عُيّن سالم عضوا في اللجنة العليا للمراجعة المعنية بتقرير التنمية البشرية في العالم العربي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ كما شغل الدكتور سالم عدة مناصب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو غالبا ما يشارك في برامج تلفزيونية ومقابلات إذاعية، وكتب سلسلة من المقالات في الصحف العربية والعالمية تناول فيها مواضيع سياسية ذات صلة بالعالم العربي.
* بداية يثار السؤال حول منهجية مركز كارنيجي في مقاربة الظاهرة الإسلامية باختلاف آليات اشتغالها، لو تفضلتم بتوضيح هذه المنهجية؟
- معهد كارنيجي للشرق الأوسط معهد أبحاث مستقل، ويضم مجموعة من الباحثين من دول عربية مختلفة، منها الجزائر ومصر ولبنان والكويت وتونس، ولكل واحد من هؤلاء الباحثين مشروع بحث مستقل، ومنهم الاقتصاديون والباحثون في العلوم السياسية.
والاهتمام الأول للمركز هو محاولة رصد النمو الاقتصادي والسياسي في البلاد العربية، لكي لا نقول الإصلاح، لما يحيل إليه المصطلح من معاني يختلف حولها البعض.
وفي الشأن السياسي، نجد اهتمام معظم الباحثين في تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان ودعم السيادة في المنطقة. وهذا بالتبع يؤدي بنا إلى الاهتمام بالأحزاب السياسية والديمقراطية والمشاركة السياسية. وبما أن الأحزاب السياسية الإسلامية هي جزء من هذه الأحزاب الناشطة في العالم العربي، فهي مثل غيرها موضع اهتمام لدى الباحثين في المركز، وربما كان الاشتغال عليها أكبر لكونها الأقوى في الساحة السياسية في عدد كثير من الدول العربية، فضلا عن العطف الشعبي المساند للتيارات الإسلامية، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات للتيارات الشيوعية أو القومية أو اليسارية.
* ما هي مرامي مقاربة الظاهرة الإسلامية، هل هي لتقديم خدمة لصناع القرار في الغرب، خاصة أمريكا وأوروبا، أم هناك أهداف مستقلة للمركز؟
- هدف المركز مستقل ونابع من هم المنطقة، وما دام معظم المثقفين من المنطقة فهم يهتمون بالتنمية السياسية في منطقتنا العربية، ورصد المواجهة الأساسية بين أنظمة المنطقة مع التيارات الإسلامية في هذه المرحلة، بعدما كانت المواجهة في السابق مع التيارات اليسارية، وهو الأمر الذي أنتج أجواء وظروفا شديدة التوتر في عدد كبير من الدول العربية، وربما أدت إلى انحسار مجال الحراك السياسي من قبل الأنظمة الحاكمة، التي حورت دوافع ظهور هذه التيارات لتبرر انغلاقا وانكماشا سياسيا إضافيا.
وحاليا يوجد اهتمام كبير لدى المثقفين العرب لتناول أطروحات التيارات الإسلامية ورصد تطورها من بدايات دينية عقائدية إلى تجارب سياسية، الناجحة منها والأقل نجاحا، والوقوف على تطور الفكر السياسي لدى هذه الأحزاب السياسية الإسلامية باتجاهات المختلفة، وتناول نقاط الاتفاق والاختلاف بينها وبين باقي التيارات اليسارية والقومية والليبرالية.
من العقدي إلى الاجتماعي
* كيف ترون التحول الذي عرفته الاتجاهات السياسية الإسلامية من حركات تستمد رؤيتها من منطلق عقدي إلى حركة اجتماعية ومدنية؟
- أرى أن بعض منطلقاتها عقدية، ولكنها ليست بالمطلق وبالمعنى العملي حركات عقائدية، ولكل باحث في المركز قراءته للموضوع، ولا يوجد موقف موحد في النظر للموضوع نظرا لطبيعة البحث العلمي الحر.
وأظن -إن أردت التعبير عن بعض نقاط الاتفاق في مقاربة القضية لدى الباحثين في المركز- أن كل حزب سياسي ينطلق من عقيدة معينة: يسارية أو دينية أو ليبرالية أو قومية، وإذا قرأت في الكتب لمست أقوالا تقول إن هذه عقيدة جامدة ولا تقبل التطور والتكيف مع الظروف السياسية، لكن واقع وتاريخ الممارسة السياسية يؤكد أن كل شيء قابل للتكيف والتطور والتفاعل، وكل تيار يتطور حسب طريقته الخاصة وخبرات قياداته وقاعدته الشعبية.
لكن اللافت بالنسبة للمنطقة العربية أن سبب الجمود لدى بعض التيارات السياسية -والإسلامية إلى حد ما- وضعف القدرة على التوفيق بين الجانب العقدي والسياسي، مرده غياب مجال وهامش للعمل السياسي، فعندما تترك التيارات القومية أو الليبرالية أو اليسارية أو الإسلامية خارج العمل السياسي الفعلي تبقى حبيسة العقيدة والفكر والكتب والندوات والنقاشات، بينما إذا دخلت في السياسة العملية والمسؤولية الفعلية، فسيحصل لها التكيف والتطور وترجمة الأهداف، خاصة مع وجود حيز واسع لمقاربة هموم وقضايا لا علاقة لها بالعقيدة أصلا، مثل قضايا التجارة العالمية والإدارة والفساد، فهذه ليست أسئلة عقائدية أصلا ليجاب عنها سلبا أو إيجابا، بل هي قضايا تهم إدارة شئون الناس، ويصبح الحزب الذي انطلق من دوافع عقدية يطور نفسه، ويوضح أن له شقا عقائديا أو دينيا وجانبا آخر تدبيريا، مما يدفعه إلى توسيع الخبرة وتطوير المواقف لتجيب عن تحديات البلد.
والمشكلة ليست مسئولية هذه التيارات الإسلامية، ولكنها نتيجة لغياب مساحة الفعل السياسي، باعتبار أن الفعل السياسي هو الوصول إلى الحكم والمسئولية أو المعارضة، وفي كلتا الحالتين: الحكم فعليا أو المعارضة فعليا، وفي غياب المشاركة السياسية ترتد التيارات إلى مجال الكتب والنقاشات النظرية.
* تثار شبهة حول مرامي اشتغال المراكز البحثية، وتصويرها أنها مجرد مراكز اختراق معرفي أو جمع معلومات لتقديمها لصناع القرار بأوروبا وأمريكا للتعامل مع الحركات الاجتماعية في الوطن العربي مستقبلا، كيف ترى هذا المعطى؟
- نحن في المركز نرى الأمر بالمنظار المعاكس تماما، فاهتماماتنا هي اهتمامات بلادنا العربية، ونحاول تقديم أفكار واقتراحات لما يسمى صانع القرار العربي أو المؤثرين في الأحزاب من خلال ندوات وكتابات، وهو ما نعتبره خطوة للتقدم وتحقيق النمو الاقتصادي والسياسي ببلادنا.
وفي ما يتعلق بالعلاقات الدولية والوضع الدولي المرتبط بمنطقتنا العربية، لا شك أن هناك مشاكل وسقفا وتدخلات وتضارب مصالح من المغرب إلى اليمن، وهي مجموعة علاقات معقدة جدا، منها السلبي والإيجابي. ومن المشاكل الأساسية التي تواجه الباحثين في العالم العربي -برأيي الشخصي- هو كوننا لا نستطيع إيصال صوتنا إلى العالم، ولدينا مراكز في الصين وأوروبا والولايات المتحدة، وبها نحاول إيصال وجهة نظر المنطقة العربية أو شرق أوسطية إلى العالم بشكل عام ’’غربه وشرقه’’، وندفع بمفاهيمنا نحن بهدف ترشيد العلاقات الدولية بين الدول النافذة عالميا وشعوب المنطقة العربية، وألا تكون شئون الشرق الأوسط رهينة تفسر مراكز إسرائيلية لها إشعاع عالمي أو مراكز صناعة محافظين جدد، وهذا أمر نحاول أن نستفيد منه في عمل معهد كارنيجي في بيروت.
الإشراك التدريجي هو الحل
* في رأيكم، هل المشاركة السياسية هي الضامن لترشيد المشاركة السياسية الإسلامية في بلدان العالم العربي؟
- المشاركة ضمن شروط معينة فقط، والتجربة التركية -في رأيي- مهمة جدا، لأنها كانت مسار وصول التيارات الإسلامية إلى زمام السلطة بشكل تدريجي مدروس ومدار.
ولكن الخطر يقع عندما يحدث تغير سياسي سريع جدا، فتنهار المؤسسات القائمة، وندخل في حالة الثورية والانقلابية كما حصل في إيران أو الاتحاد السوفييتي، وربما كان سيحدث في الجزائر.
فالأحزاب الشيوعية كانت أخطر في تجربتها الثورية، حيث شاع أن الحزب الشيوعي هو الوحيد في الحكم، كما حصل في تجربة البعث في العراق وسوريا، فالخطر ليس فقط في الحزب الإسلامي، رغم التخوف من كونه الأقوى حاليا، فكل حزب عندما تحصل له قوة ويستلم بشكل سريع السلطة ينحو نحو التسلط والهيمنة تحت أي شعار.
ويبقى الشرط الأساسي هو تدبير مسار تدريجي لإشراك الأحزاب الإسلامية وباقي الأحزاب من يسارية وقومية وليبرالية في التجربة الديمقراطية، واستلام جزء من السلطة بشكل تدريجي ضمن حماية الدولة والدستور والحقوق، أو ضمن’’علمانية الدولة’’، حتى لو جاءت بحزب إسلامي، وفي الغرب مثلا وصلت إلى الحكم أحزاب مسيحية، ولكنها لم تغير المشروع العام للدولة وهيكلية الحريات والدستور بشكل عام.
إذن، فعبر مسار مدروس وتدريجي لدخول الإسلاميين وغيرهم إلى تجربة السلطة وإعطائهم الوقت الكافي للتمرس والتعلم والفشل والنجاح هو الحل -في
.الإسلاميون