د.محمد حبيب: إيران تستغل مشروعها السياسي لترويج المذهب الشيعي..فأين المشروع السني؟!
الاربعاء 21 ربيع الأول 1430 الموافق 18 مارس 2009
د.محمد حبيب: إيران تستغل مشروعها السياسي لترويج المذهب الشيعي..فأين المشروع السني؟!
القاهرة/ محمد حسين
كشف اللقاء مع الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، عن توجهات الجماعة ، وأهدافها في مصر خلال الفترة الآنية والمرحلية، فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي والخارجي.
ففي حواره مع شبكة ’’الإسلام اليوم’’، استبعد الدكتور محمد حبيب؛ النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين، أنْ ينافس الإخوانُ على السلطة أو الرئاسة، مُصَرِّحًا أنه ليس في أجندة جماعة الإخوان المسلمين المنافسة على السلطة؛ قائلا: فنحن نَرْفُضُ المنافسة على السلطة الآن؛ لأن لدينا أولوياتنا ورؤيتنا، التي تَرَى أن قضيتنا الأولى الآن هي الوصول إلى قوة الرأي العام، وامتلاك الإرادة الحرة؛ لأن هناك حزمةً من الإصلاحات لابد أن تتم، ونحن لا نتحرك في فراغ، ولا نسير في صحراء؛ فهناك مراحل وتحديات ومسار.
وأبان الدكتور حبيب أن الإخوان مع مَنْ يَأْخُذُ شرعيته الحقيقةَ من الشعب وَفْقَ مُنَاخٍ ديمقراطي صحيحٍ خالٍ من القيود
وأشار حبيب في حواره إلى أن المنافسة على وزارة أو رئاسة، لا بد أن تكون مرهونةً بامتلاك الشعب لإرادته، وساعتها سيكون هناك تنافس السلطة.
ونفى حبيب تنفيذ الإخوان للأجندة الإيرانية، مؤكداً أن إيران دولة لها مشروعها، فأين المشروع العربي؟ وطالب حبيب أن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران.
وإلى تفاصيل الحوار :
بدايةً.. هل أنت راض عن موقف الإخوان من الحرب على غزة ؟
لاشك أن موقف الإخوان تفاوت تفاوتًا كبيرًا على مستوى البلدان العربية، فكان في بعض البلدان على المستوى المأمول منه، وفي البعض الآخر كان تحت المستوى، والبعض الثالث كان الموقف تحت المستوى بكثير!
لكن مسألة التقييم لا بد أن تتناول محاور عدة، تشمل ’’المحور الإعلامي، والسياسي، والإغاثي، والتعبوي، والحشد الجماهيري، والمحور البرلماني’’. فإذا كان ثمة تفوُّقٌ لبلد ما في محور أو اثنين، فربما لحق القصور بعض المحاور الأخرى. لكن ينبغي النظر إلى الغاية التي كنا نسعى إليها، ونسبة ما تحقق منها على كافة المحاور.
ويدخل في عملية التقييم مشكلاتٌ ومُعَوِّقات، كالتحديات التي تواجه الجماعة، وظروف وسياق العمل، وبالتالي ما هو مسموحٌ به في مكان قد لا يكون مسموحًا به في مكان آخر.
فالوضع الإجمالي في مصر على سبيل المثال يشهد بتحركات الإخوان على مستوى القرى والمحافظات المختلفة, ولكن الوضع كان مختلفا في القاهرة، بدافعٍ من الخصوصية، والتحديات التي كانت تواجهها من قبل الأجهزة الأمنية، مما جعلها بلا شك دون المستوى، مما انعكس على نسبة التجاوب الجماهيري، وبخاصة في الفعاليات، وجعلها تتفاوت تفاوُتًا بَيِّنًا، لكنها لم ترقَ إلى الحدِّ الأدنى من المطلوب. وأتصور أنه لو كان هناك حراك سياسي لكان يمكن أن يكون له أثره على موقف النظام المصري تجاه العدوان على غزة، ولكننا نستطيع القول أن العمل في الجانب الإغاثي كان مستوى متميزًا جِدًّا، مما عَوَّض التفاوُتَ في الفَعَالِيّات الأخرى.
هل معنى هذا وقوع تقصير من جانبكم ؟
كان هناك معوقات في أماكن دون أماكن أخرى، لكنها كانت قليلة التفاعل مع الحدث والتجاوب معه, والقدرة على الحركة والانطلاق في بعض المواقع لم تكن على النحو المطلوب، نتيجةً للارتباك في الإدارة.
لكننا لا زلنا الآن نقوم بعمليةِ رَصْدٍ لما حدث؛ لمعرفة أوجه القصور والثغرات التي كانت موجودةً، والأسباب التي أدتْ إليها، كنوعٍ من التقييم والمراجعة لأخذ الدروس والعِبَر.
ألم يكن في جعبتكم آليات جديدة ترتقي إلى مستوى العدوان, وهل كان التظاهر وحده كافيًا ؟
كان هناك آليات كثيرة، إلا أن ما كان يهمنا بالدرجة الأولى هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين في مصر، فكان هناك حملات طرق الأبواب، ورسائل قصيرة ومطويات، والزيارات التي كانت تتم بهدف تجاوز المعوقات الأمنية، وأتصور أن الإخوان حققوا فيها إنجازًا ظاهرًا.
هناك من قال: إن الإخوة في حماس قد استاءوا من موقفكم من الحرب على غزة، فما صحة ذلك ؟
إذا كان ثمة عتب فالعتب مصدره أن مصر بثقلها وتاريخها وريادتها كان متوقعًا منها الكثير.
هل تقصد هنا مصر الرسمية، أم مصر الإخوان ؟
أعني الاثنين مصر؛ الرسمية والإخوان، لكن لا بُدَّ من الفصل بين مجموعة أطراف النظام المصري وأجهزته، ثم الشعب، ثم الإخوان، ثم النخبة، ثم الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. وقد حاول الإخوان قدر إمكاناتهم وطاقاتهم، والمساحات التي استطاعوا أن يشغلوها كانت جيدة؛ لأن النظام المصري بأداته الإعلامية الجبارة، وأجهزته الإدارية كان ضد هذا التفاعل، فضلًا عن وجود قانون الطوارئ، وما ينتج عنه من تعاملات فظة وغليظة أثناء التظاهرات ضد الإخوان، إلى الحد الذي تم فيه اعتقال ألف متظاهر، ولا زال هناك أكثر من 700 معتقل في السجون المصرية. يضاف إلى ذلك أنّ هناك تفاوتًا لدى حماس حسب الفهم، والرؤية، والتقدير لمواقف الأطراف المختلفة، والسياق الذي يعمل فيه الإخوان. نعم صحيح أن البعض لام، والبعض قدَّر موقفنا، وذلك بدافع ’’العشم’’ في الجماعة، وقد وصلتني شخصيا معلوماتٌ تُؤَكِّدُ تقدير حماس الداخل والخارج للإخوان.
خلال العدوان، هل وصلتكم تحذيرات أو رسائل من النظام المصري تُحَذِّرُكم من دعم حماس أو التظاهر من أجل غزة؟
كان النظام المصري حريصًا على تحجيم الفعاليات على مستوى الشارع، وعلى مستوى القاهرة على وجه الخصوص، وكان هناك بعض الرسائل بالكف عن التظاهر من قبيل تحديد سقف الإعداد، وكان يقال ذلك لنا في التظاهرات.
وأما الأمر الثاني، فيما يتعلق بالمشكلات التي ارتبطت بالقوافل الإغاثية، ومنعها من الوصول لمعبر رفح، فحدث عنها ولا حرج, ففي فترة من الفترات كان هناك نحو 55 ألفَ طُنٍّ ممنوعة في رفح!
تحدثت بعض الصحف عن دعمكم غزة بالمال، فما صحة ذلك ؟
لم يكن الإخوان بدعًا في هذا الجانب، فنحن جُزْءٌ من الشعب المصري، ساهمنا بقدر طاقتنا كأفراد، كما ساهم أفراد من الشعب المصري، لكن الدور الأهم الذي قام به الإخوان هو تحفيز وتشجيع المواطنين على التبرعات، وقد كانت المظاهر التي واكبت العدوان والقصف كافيةً ، دون الحاجة إلى تحميس أو تحفيز أو تشجيع، وكان الشعب غاضبًا أشَدَّ الغضب، ويريد تقديم روحه لإخوانه، كواجب أخلاقي وإنساني وشرعي أيضًا.
وأما التبرعات، فكانت كلها تصب في مسارات معروفة، مثل لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، أو لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء، أو من خلال اللجان الشعبية والجمعية الشرعية، وكانت تنثال التبرعات على هذه الجهات من كل حَدْبٍ وصوبٍ بمبالغَ هائلة.
هل لعبت الجماعة دورًا للضغط على حماس من أجل التصالح مع فتح ؟
نحن مع التصالح بطبيعة الحال، ومع وحدة التراب الفلسطيني، وهذا يُمَثِّلُ بالتأكيد آليةً لحل الكثير من المشكلات، ولا يمكن أن يكون هناك تحريرٌ، أو قوة على الأرض لفرض واقع على الكيان الصهيوني، ما لم يكن هناك وَحْدَةٌ، ولكننا في الواقع كنا معزولين تمامًا عن المشاركة بأي شكل.
يدفعنا ذلك إلى الحديث عن حدود العلاقة بين حماس والإخوان، وهل هناك نوع من الرأي الإلزامي لحماس؟
حماس، شأنها في ذلك شأن أي كيان آخر في أيِّ قُطْرٍ من الأقطار، يَهُمُّنَا الاطمئنان على الفكر والوسائل والأدوات والأهداف العامة، لكنّ كل قُطْرٍ أو كيان يعمل وفق ظروفه المتاحة له، والسياقات والتحديات والمشكلات التي يعيشها, وكل كيانٍ لديه تفاصيل كثيرة على الأرض، ولذا يكونون هم أصحاب القرار؛ لأنهم هم الذين يستطيعون تقدير الموقف.
وفي الوقت نفسه، هناك حساسيةٌ على المستوى الإقليمي والدولي أن يكون لنا أي إسهام في هذا الإطار، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن القضية الفلسطينية لا تخص حماس وحدها، ولا تخص الشعب الفلسطيني وحده، ولا تخص العرب والمسلمين وحدهم، أو تخص هذا الجيل فقط، ولا الإخوان وحدهم، وإنما تَخُصُّ الجميع؛ لأنها قضية مركزية ومصيرية، تخص العرب والمسلمين في هذا الجيل، والأجيال المقبلة، وبالتالي نتمنى أن يكون للإخوان رأي ووجهة نظر في هذه القضية، وهم بالتأكيد يملكون هذا التصور. وبالتالي فنحن نتعامل مع حماس من منطلق النصيحة والشورى، لا أكثر.
ننتقل إلى الملف الداخلي؛ حيث كثر الحديث عن مستقبل مصر، فهل لدى الإخوان تصور، باعتبارهم أكبر فصيل سياسي، لهذا المستقبل؟
ما نشهد الآن لا يعبر إلا عن وجود أفق سياسي مسدود، والنظام المصري ليس لديه أي نية حقيقية، ولا رغبة جادة في فَكِّ حالة الانسداد الموجودة، بل على العكس نرى أن كل التوجهات- كما حدث من خلال التعديلات الدستورية التي حصلت عام 2007 في 34 مادة منه- تَصُبُّ في صالح إعطاء الأجهزة الأمنية ’’الصلاحية الكاملة’’ بالإمساك بتلابيب الوطن والمواطنين، وإهدار مبدأ المواطنة، من حيث وضع قيود للتَّرَشُّح لمنصب رئيس الجمهورية، وجعلها محصورةً في شخص بعينه.
ويلحق بذلك: مصادرة الحريات العامة والخاصة، وتزوير إرادة الأمة، باستبعاد القضاة عن الإشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات التشريعية، وجعل الوطن كله في دائرة الاشتباه، بحيث صار كل مواطن إرهابيًّا حتى تثبت براءته، هذا عدا عن الضياع الكامل للطبقة الوسطى في مصر؛ حيث تتحول التشريعات والتدابير إلى خدمة رجال المال والأعمال المتحالفين مع السلطة التنفيذية، والمتواجدين بشكل مؤثر داخل السلطة التشريعية، وهو ما سينعكس على ازدياد اتساع الهوة بين الطبقة العليا المتمثلة في رجال الأعمال والنخبة، وبين الطبقة الدنيا والْمُعْدِمة، التي تمثل الغالبية العظمى.
يكفي أن تنظر إلى الأبراج والقصور، ثم تنظر إلى الآخرين من سُكَّان القبور والعلب الصفيح، مما يُشْعِرُك بأن هذا الوضع سيتَرَتَّبُ عليه حالةٌ من التوتر والغليان والفوران الموجودة في المجتمع، وهذا الظاهر في كثرة الاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية التي جاوزت الألف، نظرًا للأزمات المتفاقمة؛ كأزمة الخبز، والبطالة، والغلاء الفاحش، وتدني وتدهور الأجور، فضلًا عن مشكلات الصحة والتعليم والإسكان والمواصلات. فالأزمة المالية العالمية، وآثارها التي بدأت تفعل فعلها في مصر، وما سوف نشاهده في الفترة القادمة من تَرَاجُعٍ في عائدات السياحة، والبترول، وقناة السويس، والاستثمارات الأجنبية، والعمالة في الخارج، كل ذلك سَيُؤَدِّي إلى حالة من الركود الذي ستكون له عواقبه في كافة المستويات.
وبدلًا من تبني النظام المصري استراتيجيةً، تدعم الحريات العامة، وتُحْدِثُ إصلاحًا سياسيًّا ودستوريًّا حقيقيًّا، بما يعمل على تفجير طاقات الناس، وتعزيز الانتماء والولاء..لكنه يمضي في الاتجاه المعاكس، غير مراعٍ للبُعْدِ الاجتماعي، بل يدهسه دَهْسًا بالأقدام، مما جَعَلَنَا نستشعر بأننا نعيش حاضِرًا مُؤْلِمًا، ومقبلون على مستقبل قاتم، للأسف الشديد!
هناك مَنْ يرى أنكم تفتقدون القُدْرَة، أو التصور للتعاطي مع المستقبل، والتأثير في حركة الحياة السياسية، وكأنكم تنتظرون قوةً قَدَرِيَّةً ترسم دوركم! ما مدى صحة هذا الاتهام؟!
هذا كلام غير صحيح؛ فنحن أصحاب منهج، ولنا رؤية واضحة شاملة، مبنيةٌ على:
أولًا: ضرورة التواصل مع كافة القوى الوطنية والسياسية والفاعلة، لأننا نرى أن الإصلاح والتغيير لا يمكن أن يقوم به فصيلٌ بمفرده؛ لأن الأمر يحتاج إلى تضافُرِ كُلِّ الجهود
ثانيًا: الحراك مع المجتمع كَكُلّ، ومحاولة الرقي بالوعي العام.
ثالثًا: السَّعْيُ إلى تغليبِ القِيَمِ الإيجابية على القِيَم السلبية، والمصلحة العامة على الخاصة، والتأكيدُ على ضرورة البذل والتضحية، ونكران الذات، بحيث يمتلك المجتمع قوةَ الرأي العام التي تتحَرَّكُ بشكل سلمي وحضاري؛ للضَّغْطِ على السلطة التنفيذية؛ حتى تستجيبَ لاستحقاقات الإصلاح.
ما تعليقكم على من يقول: إن تآلف وتكاتف القوى السياسية مع الإخوان، وَفْقَ أجندة واضحة المعالم، وطبقًا لآلية محددة، سيُعَزِّزُ من ثقة الجماهير في العمل السياسي والحراك السياسي المجتمعي العام، مما يقود إلى التغيير؟
بالتأكيد.. وهذه مهمتنا هي مهمتنا التي نقوم بها في وسط الشعب؛ فالإصلاح مرهون بحركة هذا الشعب، الذي يملك من الطاقات والإمكانات الهائلة، ما يؤهله لامتلاك الإرادة، والقدرة على الفعل، وعلى فَرْضِ أجندة الإصلاح، الذي نرى أنه لا بُدَّ له من ثمن.
إننا لا نريد القفز في الهواء، ولا استبدال استبدادٍ باستبدادٍ، بل نريد السير في الطريق الصحيح، حتى لو تَطَلَّبَ ذلك منا مشقةً وجَهْدًا وتضحيةً، إلا أن النتائج مضمونة؛ فكل نظام- حتى في أعتى البلاد الديمقراطية- ينضبط وَفْقَ قوة الرأي العام، ولو أن تلك البلدان الديمقراطية أحست بضعف الرأي العام، لفعلت ما فعلته أي حكومة مستبدة، وبالتالي نحن نراهن على الأفضل والأكثر ضمانةً لتحقيق حياةٍ حُرَّةٍ وكريمةٍ.
وسط الحديث عن ’’ خليفة الرئيس مبارك ’’ تتعدد الأطروحات والتكهنات، فهناك من يرى جمال، وآخرون يرون عمر سليمان.. فمن تؤيدون؟ وهل يمكن أن يكون هناك ثالثٌ تراهنون عليه من داخل أو من خارج الجماعة ؟
نحن بالتأكيد مع من يأخذ شرعيته الحقيقة من الشعب، وَفْقَ مناخ ديمقراطيٍّ صحيحٍ، خالٍ من القيود، لكن.. من يدري؟! لعل هناك آخرين غير هؤلاء. وأما فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين، فليس في أجندة الجماعة المنافسة على السلطة الآن؛ لأن لدينا أولوياتنا، ورؤيتنا وتصورنا، وقضيتنا الأولى الآن هي الوصول إلى الرأي العام، وامتلاك الإرادة الحرة، وهناك حُزْمَةٌ من الإصلاحات التي ينبغي أن تتم، فنحن لا نتحرك في فراغ، ولا نسير في صحراء؛ فهناك مراحل وتحديات ومسار. والمنافسة على وزارةٍ، أو رئاسةٍ، لا بد وأن تكون مرهونةً بامتلاك الشعب لإرادته، وساعتها سيكون هناك تنافس حقيقيٌّ على السلطة.
طالما أننا بصدد الحديث عن الخلافة والتوريث، نتساءل: ما هو السيناريو المقترح في خلافة المرشد العام؟! لاسيما ودورته ستنتهي العام المقبل 2010، وقد أعلن عن عزمه عَدَم التَّرَشُّح لمنصب الإرشاد؟
لا أَحَدَ مِنَّا يرشح نفسه ابتداءً، ولو أراد أيُّ شخص كالمرشد العام، أو أحد أعضاء مكتب الإرشاد أنْ يَطْلُبَ إعفاءه، فله ذلك، وهذا حَقُّهُ، ولكنه بالتأكيد سينزل على رغبة إخوانه واختيارهم له. وإذا فرضنا جدلًا أن المرشد قال: إِنَّهُ لن يترشح، ورأى الإخوانُ أن المصلحة في ترشيحه، فسينزل بالتأكيد على رغبة إخوانه.
ما رؤية الجماعة لقرار اعتقال البشير، وهل لديكم تَصَوُّرٌ للتعاطي مع هذا الملف؟
هذا القرار لا يستهدف البشير، وإنما يستهدف السودان ككل، والاستراتيجية التي يعمل عليها الغرب قائمةٌ على دعم الأطراف في الشرق والشمال والغرب والجنوب؛ للانفضاض على القلب, حتى يتفتت السودان إلى دويلات؛ لأن السودان هو البوابة لإفريقيا، فإذا ما دافعنا عن استقرار السودان ووحدته، فليس ذلك دفاعًا عن الرجل، بقدر ما هو دفاع عن السودان ووحدته.
وقد بدأ السودان في الفترات الأخيرة بعمليات تنمية، ومصالحات سياسية، مما جعله مستهدفًا من أجل تفتيته. وهذا القرار في ذات الوقت رسالة غير مباشرة إلى رؤساء وملوك المنطقة؛ أن لا أحد بعيدٌ عن هذا القرار، وأن هذا قد يحدث لأي زعيم أو رئيس، من أجل الضغط عليهم، وابتزازهم لتقديم تنازُلَاتٍ لخدمة القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا.
ورؤيتنا فيما يتعلق بالحل تتمثل في:
أولًا: ضرورة وجود تحرك داخلي لِلَمِّ الشمل، وتجميع الصَّفّ، وتعزيز الجبهة الداخلية بشكل حقيقي وفاعل.
ثانيًا: إقامة محاكماتٍ من خلال قضاءٍ نزيهٍ لمن ارتكب أي خطأ أو تجاوز، وأن يكون ذلك معلومًا للدنيا كلها، بحيث لا يتم التستر على أيِّ شخصٍ مهما كان موقعه أو منزلته.
ثالثًا: التفاف الشعب السوداني حول قياداته؛ لأن الشعب هو المستهدف وليس البشير.
ولكن للأسف يبدو التحرك على مستوى العالم العربي باهتًا وفاترًا وضعيفًا، فقد كان لازمًا أن تُعْقَدَ قِمَّةٌ عربية؛ لإشعار الغرب، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية، أن هذا الأمر مرفوض، ولبيان أن القضية سياسية بامتياز، وأن هذه المحكمة- ومَنْ يقف وراءها- يكيلون بمكاييل متعددة، ولديهم معايير كثير ة في التعامل مع كل القضايا، وإلا فأين محاكمة بوش على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق مليون عراقي؟! أين محاكمة تشيني ورامسفيلد عن المخازي في العراق وأفغانستان؟! وأين قيادات العصابات الصهيونية، وعلى رأسهم أولمرت وباراك وليفني، وما صنعوه في غزة من عدوان ومجازر وجرائم إبادة ؟!!
إن المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن، لن تتحرك، ما لم تستشعر أنّ ثمة وقفةً لجامعة الدول العربية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، ولا شك أن الوفود التي تسافر إلى السودان، وعقد المؤتمرات، مظهر هام من مظاهر التضامن مع السودان، ورفض قرار المحكمة الدولية.
كَثُرَ الحديث مُؤَخَّرًا عن العلاقة بين الإخوان وإيران، بل وذهب البعض إلى أن الإخوان ينفذون أجندة إيرانية، فما قولكم في الرد على ذلك؟
هذا غير صحيح، وإيران دولة لها مشروعها، ولكن أين المشروع العربي؟ يقولون: إيران تستعمل مشروعها السياسي للترويج للمذهب الشيعي، ولكن: أين مشروعكم السني؟ لابد أن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران، وإذا اعتبرتم المشروع الإيراني مقلقًا، فأين أنتم من المشروع الأمريكي الصهيوني المفزع المخيف، الذي يستهدف الإسلام، وهوية الأمة، وخصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضاري، وتفكيك المنطقة، وإعادة تقسيمها وَفْقَ الأجندة الأمريكية والصهيونية..تعالوا نتفاهم حتى نواجه المشروع الأخطر، ويجب أن توضع هذه القصة في هذا السياق.
حتى ما يتردد عن علاقة حماس بإيران, وأمثال هذا الكلام! إن حماس تحتاج إلى كل أنواع الدعم والتأييد والمساعدة، وأنتم تتهمون إيران بدعم حماس! فادعموها أنتم يا من تزعمون ذلك..إن لحماس إرادتها وقرارها الْمُسْتَقِلَّيْن.
الأزمة الآن أَزْمَةُ حكم، متمثلة في الاستبداد والفساد، ولن نتوقف عن ملاحقة الفساد والتصدي للاستبداد، مهما كانت الملاحقات لنا، وفي نفس الوقت نعلن رفضنا القاطع للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة.
ما هي نقاط التماسّ بينكم وبين إيران؟
إذا كانت إيران واقفةً في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وتدعم حركات لمقاومة، فهذا أمر نُثَمِّنُه، لكن لدينا ملاحظات حول دورها في العراق.
في أكتوبر 2010 ستجرى انتخاباتُ مجلس الشعب، ولا يُعْقَلُ أنكم حتى الآن لم تُكَوِّنُوا موقفًا, فهل تتوقعون إقصاء النظام لكم , من خلال نظام انتخابيٍّ يبعدكم عن المشاركة في الانتخابات؟
لم يصدر قانون الانتخابات حتى الآن، ولا شك أن النظام المصري حريصٌ على أن يفاجِئَ الجميع، ويحيط هذا الأمر بتكتم شديد، ولا يعلن عنه إلا في آخر لحظة؛ حتى لا يتمكن أي فصيل من ترتيب أوراقه، وإعداد ملفاته.. وإن كان هناك كلام يتَرَدَّدُ عن إنشاء القائمة النسبية، وعددٍ محدودٍ جِدًّا للمستقلين، وهناك محاولاتٌ لتفصيل دوائر بعينها، بحيث تضمن وصول أشخاص معينين، وتحجب أشخاصًا آخرين!
الإسلام اليوم
الاربعاء 21 ربيع الأول 1430 الموافق 18 مارس 2009
د.محمد حبيب: إيران تستغل مشروعها السياسي لترويج المذهب الشيعي..فأين المشروع السني؟!
القاهرة/ محمد حسين
كشف اللقاء مع الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، عن توجهات الجماعة ، وأهدافها في مصر خلال الفترة الآنية والمرحلية، فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي والخارجي.
ففي حواره مع شبكة ’’الإسلام اليوم’’، استبعد الدكتور محمد حبيب؛ النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين، أنْ ينافس الإخوانُ على السلطة أو الرئاسة، مُصَرِّحًا أنه ليس في أجندة جماعة الإخوان المسلمين المنافسة على السلطة؛ قائلا: فنحن نَرْفُضُ المنافسة على السلطة الآن؛ لأن لدينا أولوياتنا ورؤيتنا، التي تَرَى أن قضيتنا الأولى الآن هي الوصول إلى قوة الرأي العام، وامتلاك الإرادة الحرة؛ لأن هناك حزمةً من الإصلاحات لابد أن تتم، ونحن لا نتحرك في فراغ، ولا نسير في صحراء؛ فهناك مراحل وتحديات ومسار.
وأبان الدكتور حبيب أن الإخوان مع مَنْ يَأْخُذُ شرعيته الحقيقةَ من الشعب وَفْقَ مُنَاخٍ ديمقراطي صحيحٍ خالٍ من القيود
وأشار حبيب في حواره إلى أن المنافسة على وزارة أو رئاسة، لا بد أن تكون مرهونةً بامتلاك الشعب لإرادته، وساعتها سيكون هناك تنافس السلطة.
ونفى حبيب تنفيذ الإخوان للأجندة الإيرانية، مؤكداً أن إيران دولة لها مشروعها، فأين المشروع العربي؟ وطالب حبيب أن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران.
وإلى تفاصيل الحوار :
بدايةً.. هل أنت راض عن موقف الإخوان من الحرب على غزة ؟
لاشك أن موقف الإخوان تفاوت تفاوتًا كبيرًا على مستوى البلدان العربية، فكان في بعض البلدان على المستوى المأمول منه، وفي البعض الآخر كان تحت المستوى، والبعض الثالث كان الموقف تحت المستوى بكثير!
لكن مسألة التقييم لا بد أن تتناول محاور عدة، تشمل ’’المحور الإعلامي، والسياسي، والإغاثي، والتعبوي، والحشد الجماهيري، والمحور البرلماني’’. فإذا كان ثمة تفوُّقٌ لبلد ما في محور أو اثنين، فربما لحق القصور بعض المحاور الأخرى. لكن ينبغي النظر إلى الغاية التي كنا نسعى إليها، ونسبة ما تحقق منها على كافة المحاور.
ويدخل في عملية التقييم مشكلاتٌ ومُعَوِّقات، كالتحديات التي تواجه الجماعة، وظروف وسياق العمل، وبالتالي ما هو مسموحٌ به في مكان قد لا يكون مسموحًا به في مكان آخر.
فالوضع الإجمالي في مصر على سبيل المثال يشهد بتحركات الإخوان على مستوى القرى والمحافظات المختلفة, ولكن الوضع كان مختلفا في القاهرة، بدافعٍ من الخصوصية، والتحديات التي كانت تواجهها من قبل الأجهزة الأمنية، مما جعلها بلا شك دون المستوى، مما انعكس على نسبة التجاوب الجماهيري، وبخاصة في الفعاليات، وجعلها تتفاوت تفاوُتًا بَيِّنًا، لكنها لم ترقَ إلى الحدِّ الأدنى من المطلوب. وأتصور أنه لو كان هناك حراك سياسي لكان يمكن أن يكون له أثره على موقف النظام المصري تجاه العدوان على غزة، ولكننا نستطيع القول أن العمل في الجانب الإغاثي كان مستوى متميزًا جِدًّا، مما عَوَّض التفاوُتَ في الفَعَالِيّات الأخرى.
هل معنى هذا وقوع تقصير من جانبكم ؟
كان هناك معوقات في أماكن دون أماكن أخرى، لكنها كانت قليلة التفاعل مع الحدث والتجاوب معه, والقدرة على الحركة والانطلاق في بعض المواقع لم تكن على النحو المطلوب، نتيجةً للارتباك في الإدارة.
لكننا لا زلنا الآن نقوم بعمليةِ رَصْدٍ لما حدث؛ لمعرفة أوجه القصور والثغرات التي كانت موجودةً، والأسباب التي أدتْ إليها، كنوعٍ من التقييم والمراجعة لأخذ الدروس والعِبَر.
ألم يكن في جعبتكم آليات جديدة ترتقي إلى مستوى العدوان, وهل كان التظاهر وحده كافيًا ؟
كان هناك آليات كثيرة، إلا أن ما كان يهمنا بالدرجة الأولى هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين في مصر، فكان هناك حملات طرق الأبواب، ورسائل قصيرة ومطويات، والزيارات التي كانت تتم بهدف تجاوز المعوقات الأمنية، وأتصور أن الإخوان حققوا فيها إنجازًا ظاهرًا.
هناك من قال: إن الإخوة في حماس قد استاءوا من موقفكم من الحرب على غزة، فما صحة ذلك ؟
إذا كان ثمة عتب فالعتب مصدره أن مصر بثقلها وتاريخها وريادتها كان متوقعًا منها الكثير.
هل تقصد هنا مصر الرسمية، أم مصر الإخوان ؟
أعني الاثنين مصر؛ الرسمية والإخوان، لكن لا بُدَّ من الفصل بين مجموعة أطراف النظام المصري وأجهزته، ثم الشعب، ثم الإخوان، ثم النخبة، ثم الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. وقد حاول الإخوان قدر إمكاناتهم وطاقاتهم، والمساحات التي استطاعوا أن يشغلوها كانت جيدة؛ لأن النظام المصري بأداته الإعلامية الجبارة، وأجهزته الإدارية كان ضد هذا التفاعل، فضلًا عن وجود قانون الطوارئ، وما ينتج عنه من تعاملات فظة وغليظة أثناء التظاهرات ضد الإخوان، إلى الحد الذي تم فيه اعتقال ألف متظاهر، ولا زال هناك أكثر من 700 معتقل في السجون المصرية. يضاف إلى ذلك أنّ هناك تفاوتًا لدى حماس حسب الفهم، والرؤية، والتقدير لمواقف الأطراف المختلفة، والسياق الذي يعمل فيه الإخوان. نعم صحيح أن البعض لام، والبعض قدَّر موقفنا، وذلك بدافع ’’العشم’’ في الجماعة، وقد وصلتني شخصيا معلوماتٌ تُؤَكِّدُ تقدير حماس الداخل والخارج للإخوان.
خلال العدوان، هل وصلتكم تحذيرات أو رسائل من النظام المصري تُحَذِّرُكم من دعم حماس أو التظاهر من أجل غزة؟
كان النظام المصري حريصًا على تحجيم الفعاليات على مستوى الشارع، وعلى مستوى القاهرة على وجه الخصوص، وكان هناك بعض الرسائل بالكف عن التظاهر من قبيل تحديد سقف الإعداد، وكان يقال ذلك لنا في التظاهرات.
وأما الأمر الثاني، فيما يتعلق بالمشكلات التي ارتبطت بالقوافل الإغاثية، ومنعها من الوصول لمعبر رفح، فحدث عنها ولا حرج, ففي فترة من الفترات كان هناك نحو 55 ألفَ طُنٍّ ممنوعة في رفح!
تحدثت بعض الصحف عن دعمكم غزة بالمال، فما صحة ذلك ؟
لم يكن الإخوان بدعًا في هذا الجانب، فنحن جُزْءٌ من الشعب المصري، ساهمنا بقدر طاقتنا كأفراد، كما ساهم أفراد من الشعب المصري، لكن الدور الأهم الذي قام به الإخوان هو تحفيز وتشجيع المواطنين على التبرعات، وقد كانت المظاهر التي واكبت العدوان والقصف كافيةً ، دون الحاجة إلى تحميس أو تحفيز أو تشجيع، وكان الشعب غاضبًا أشَدَّ الغضب، ويريد تقديم روحه لإخوانه، كواجب أخلاقي وإنساني وشرعي أيضًا.
وأما التبرعات، فكانت كلها تصب في مسارات معروفة، مثل لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، أو لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء، أو من خلال اللجان الشعبية والجمعية الشرعية، وكانت تنثال التبرعات على هذه الجهات من كل حَدْبٍ وصوبٍ بمبالغَ هائلة.
هل لعبت الجماعة دورًا للضغط على حماس من أجل التصالح مع فتح ؟
نحن مع التصالح بطبيعة الحال، ومع وحدة التراب الفلسطيني، وهذا يُمَثِّلُ بالتأكيد آليةً لحل الكثير من المشكلات، ولا يمكن أن يكون هناك تحريرٌ، أو قوة على الأرض لفرض واقع على الكيان الصهيوني، ما لم يكن هناك وَحْدَةٌ، ولكننا في الواقع كنا معزولين تمامًا عن المشاركة بأي شكل.
يدفعنا ذلك إلى الحديث عن حدود العلاقة بين حماس والإخوان، وهل هناك نوع من الرأي الإلزامي لحماس؟
حماس، شأنها في ذلك شأن أي كيان آخر في أيِّ قُطْرٍ من الأقطار، يَهُمُّنَا الاطمئنان على الفكر والوسائل والأدوات والأهداف العامة، لكنّ كل قُطْرٍ أو كيان يعمل وفق ظروفه المتاحة له، والسياقات والتحديات والمشكلات التي يعيشها, وكل كيانٍ لديه تفاصيل كثيرة على الأرض، ولذا يكونون هم أصحاب القرار؛ لأنهم هم الذين يستطيعون تقدير الموقف.
وفي الوقت نفسه، هناك حساسيةٌ على المستوى الإقليمي والدولي أن يكون لنا أي إسهام في هذا الإطار، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن القضية الفلسطينية لا تخص حماس وحدها، ولا تخص الشعب الفلسطيني وحده، ولا تخص العرب والمسلمين وحدهم، أو تخص هذا الجيل فقط، ولا الإخوان وحدهم، وإنما تَخُصُّ الجميع؛ لأنها قضية مركزية ومصيرية، تخص العرب والمسلمين في هذا الجيل، والأجيال المقبلة، وبالتالي نتمنى أن يكون للإخوان رأي ووجهة نظر في هذه القضية، وهم بالتأكيد يملكون هذا التصور. وبالتالي فنحن نتعامل مع حماس من منطلق النصيحة والشورى، لا أكثر.
ننتقل إلى الملف الداخلي؛ حيث كثر الحديث عن مستقبل مصر، فهل لدى الإخوان تصور، باعتبارهم أكبر فصيل سياسي، لهذا المستقبل؟
ما نشهد الآن لا يعبر إلا عن وجود أفق سياسي مسدود، والنظام المصري ليس لديه أي نية حقيقية، ولا رغبة جادة في فَكِّ حالة الانسداد الموجودة، بل على العكس نرى أن كل التوجهات- كما حدث من خلال التعديلات الدستورية التي حصلت عام 2007 في 34 مادة منه- تَصُبُّ في صالح إعطاء الأجهزة الأمنية ’’الصلاحية الكاملة’’ بالإمساك بتلابيب الوطن والمواطنين، وإهدار مبدأ المواطنة، من حيث وضع قيود للتَّرَشُّح لمنصب رئيس الجمهورية، وجعلها محصورةً في شخص بعينه.
ويلحق بذلك: مصادرة الحريات العامة والخاصة، وتزوير إرادة الأمة، باستبعاد القضاة عن الإشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات التشريعية، وجعل الوطن كله في دائرة الاشتباه، بحيث صار كل مواطن إرهابيًّا حتى تثبت براءته، هذا عدا عن الضياع الكامل للطبقة الوسطى في مصر؛ حيث تتحول التشريعات والتدابير إلى خدمة رجال المال والأعمال المتحالفين مع السلطة التنفيذية، والمتواجدين بشكل مؤثر داخل السلطة التشريعية، وهو ما سينعكس على ازدياد اتساع الهوة بين الطبقة العليا المتمثلة في رجال الأعمال والنخبة، وبين الطبقة الدنيا والْمُعْدِمة، التي تمثل الغالبية العظمى.
يكفي أن تنظر إلى الأبراج والقصور، ثم تنظر إلى الآخرين من سُكَّان القبور والعلب الصفيح، مما يُشْعِرُك بأن هذا الوضع سيتَرَتَّبُ عليه حالةٌ من التوتر والغليان والفوران الموجودة في المجتمع، وهذا الظاهر في كثرة الاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية التي جاوزت الألف، نظرًا للأزمات المتفاقمة؛ كأزمة الخبز، والبطالة، والغلاء الفاحش، وتدني وتدهور الأجور، فضلًا عن مشكلات الصحة والتعليم والإسكان والمواصلات. فالأزمة المالية العالمية، وآثارها التي بدأت تفعل فعلها في مصر، وما سوف نشاهده في الفترة القادمة من تَرَاجُعٍ في عائدات السياحة، والبترول، وقناة السويس، والاستثمارات الأجنبية، والعمالة في الخارج، كل ذلك سَيُؤَدِّي إلى حالة من الركود الذي ستكون له عواقبه في كافة المستويات.
وبدلًا من تبني النظام المصري استراتيجيةً، تدعم الحريات العامة، وتُحْدِثُ إصلاحًا سياسيًّا ودستوريًّا حقيقيًّا، بما يعمل على تفجير طاقات الناس، وتعزيز الانتماء والولاء..لكنه يمضي في الاتجاه المعاكس، غير مراعٍ للبُعْدِ الاجتماعي، بل يدهسه دَهْسًا بالأقدام، مما جَعَلَنَا نستشعر بأننا نعيش حاضِرًا مُؤْلِمًا، ومقبلون على مستقبل قاتم، للأسف الشديد!
هناك مَنْ يرى أنكم تفتقدون القُدْرَة، أو التصور للتعاطي مع المستقبل، والتأثير في حركة الحياة السياسية، وكأنكم تنتظرون قوةً قَدَرِيَّةً ترسم دوركم! ما مدى صحة هذا الاتهام؟!
هذا كلام غير صحيح؛ فنحن أصحاب منهج، ولنا رؤية واضحة شاملة، مبنيةٌ على:
أولًا: ضرورة التواصل مع كافة القوى الوطنية والسياسية والفاعلة، لأننا نرى أن الإصلاح والتغيير لا يمكن أن يقوم به فصيلٌ بمفرده؛ لأن الأمر يحتاج إلى تضافُرِ كُلِّ الجهود
ثانيًا: الحراك مع المجتمع كَكُلّ، ومحاولة الرقي بالوعي العام.
ثالثًا: السَّعْيُ إلى تغليبِ القِيَمِ الإيجابية على القِيَم السلبية، والمصلحة العامة على الخاصة، والتأكيدُ على ضرورة البذل والتضحية، ونكران الذات، بحيث يمتلك المجتمع قوةَ الرأي العام التي تتحَرَّكُ بشكل سلمي وحضاري؛ للضَّغْطِ على السلطة التنفيذية؛ حتى تستجيبَ لاستحقاقات الإصلاح.
ما تعليقكم على من يقول: إن تآلف وتكاتف القوى السياسية مع الإخوان، وَفْقَ أجندة واضحة المعالم، وطبقًا لآلية محددة، سيُعَزِّزُ من ثقة الجماهير في العمل السياسي والحراك السياسي المجتمعي العام، مما يقود إلى التغيير؟
بالتأكيد.. وهذه مهمتنا هي مهمتنا التي نقوم بها في وسط الشعب؛ فالإصلاح مرهون بحركة هذا الشعب، الذي يملك من الطاقات والإمكانات الهائلة، ما يؤهله لامتلاك الإرادة، والقدرة على الفعل، وعلى فَرْضِ أجندة الإصلاح، الذي نرى أنه لا بُدَّ له من ثمن.
إننا لا نريد القفز في الهواء، ولا استبدال استبدادٍ باستبدادٍ، بل نريد السير في الطريق الصحيح، حتى لو تَطَلَّبَ ذلك منا مشقةً وجَهْدًا وتضحيةً، إلا أن النتائج مضمونة؛ فكل نظام- حتى في أعتى البلاد الديمقراطية- ينضبط وَفْقَ قوة الرأي العام، ولو أن تلك البلدان الديمقراطية أحست بضعف الرأي العام، لفعلت ما فعلته أي حكومة مستبدة، وبالتالي نحن نراهن على الأفضل والأكثر ضمانةً لتحقيق حياةٍ حُرَّةٍ وكريمةٍ.
وسط الحديث عن ’’ خليفة الرئيس مبارك ’’ تتعدد الأطروحات والتكهنات، فهناك من يرى جمال، وآخرون يرون عمر سليمان.. فمن تؤيدون؟ وهل يمكن أن يكون هناك ثالثٌ تراهنون عليه من داخل أو من خارج الجماعة ؟
نحن بالتأكيد مع من يأخذ شرعيته الحقيقة من الشعب، وَفْقَ مناخ ديمقراطيٍّ صحيحٍ، خالٍ من القيود، لكن.. من يدري؟! لعل هناك آخرين غير هؤلاء. وأما فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين، فليس في أجندة الجماعة المنافسة على السلطة الآن؛ لأن لدينا أولوياتنا، ورؤيتنا وتصورنا، وقضيتنا الأولى الآن هي الوصول إلى الرأي العام، وامتلاك الإرادة الحرة، وهناك حُزْمَةٌ من الإصلاحات التي ينبغي أن تتم، فنحن لا نتحرك في فراغ، ولا نسير في صحراء؛ فهناك مراحل وتحديات ومسار. والمنافسة على وزارةٍ، أو رئاسةٍ، لا بد وأن تكون مرهونةً بامتلاك الشعب لإرادته، وساعتها سيكون هناك تنافس حقيقيٌّ على السلطة.
طالما أننا بصدد الحديث عن الخلافة والتوريث، نتساءل: ما هو السيناريو المقترح في خلافة المرشد العام؟! لاسيما ودورته ستنتهي العام المقبل 2010، وقد أعلن عن عزمه عَدَم التَّرَشُّح لمنصب الإرشاد؟
لا أَحَدَ مِنَّا يرشح نفسه ابتداءً، ولو أراد أيُّ شخص كالمرشد العام، أو أحد أعضاء مكتب الإرشاد أنْ يَطْلُبَ إعفاءه، فله ذلك، وهذا حَقُّهُ، ولكنه بالتأكيد سينزل على رغبة إخوانه واختيارهم له. وإذا فرضنا جدلًا أن المرشد قال: إِنَّهُ لن يترشح، ورأى الإخوانُ أن المصلحة في ترشيحه، فسينزل بالتأكيد على رغبة إخوانه.
ما رؤية الجماعة لقرار اعتقال البشير، وهل لديكم تَصَوُّرٌ للتعاطي مع هذا الملف؟
هذا القرار لا يستهدف البشير، وإنما يستهدف السودان ككل، والاستراتيجية التي يعمل عليها الغرب قائمةٌ على دعم الأطراف في الشرق والشمال والغرب والجنوب؛ للانفضاض على القلب, حتى يتفتت السودان إلى دويلات؛ لأن السودان هو البوابة لإفريقيا، فإذا ما دافعنا عن استقرار السودان ووحدته، فليس ذلك دفاعًا عن الرجل، بقدر ما هو دفاع عن السودان ووحدته.
وقد بدأ السودان في الفترات الأخيرة بعمليات تنمية، ومصالحات سياسية، مما جعله مستهدفًا من أجل تفتيته. وهذا القرار في ذات الوقت رسالة غير مباشرة إلى رؤساء وملوك المنطقة؛ أن لا أحد بعيدٌ عن هذا القرار، وأن هذا قد يحدث لأي زعيم أو رئيس، من أجل الضغط عليهم، وابتزازهم لتقديم تنازُلَاتٍ لخدمة القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا.
ورؤيتنا فيما يتعلق بالحل تتمثل في:
أولًا: ضرورة وجود تحرك داخلي لِلَمِّ الشمل، وتجميع الصَّفّ، وتعزيز الجبهة الداخلية بشكل حقيقي وفاعل.
ثانيًا: إقامة محاكماتٍ من خلال قضاءٍ نزيهٍ لمن ارتكب أي خطأ أو تجاوز، وأن يكون ذلك معلومًا للدنيا كلها، بحيث لا يتم التستر على أيِّ شخصٍ مهما كان موقعه أو منزلته.
ثالثًا: التفاف الشعب السوداني حول قياداته؛ لأن الشعب هو المستهدف وليس البشير.
ولكن للأسف يبدو التحرك على مستوى العالم العربي باهتًا وفاترًا وضعيفًا، فقد كان لازمًا أن تُعْقَدَ قِمَّةٌ عربية؛ لإشعار الغرب، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية، أن هذا الأمر مرفوض، ولبيان أن القضية سياسية بامتياز، وأن هذه المحكمة- ومَنْ يقف وراءها- يكيلون بمكاييل متعددة، ولديهم معايير كثير ة في التعامل مع كل القضايا، وإلا فأين محاكمة بوش على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق مليون عراقي؟! أين محاكمة تشيني ورامسفيلد عن المخازي في العراق وأفغانستان؟! وأين قيادات العصابات الصهيونية، وعلى رأسهم أولمرت وباراك وليفني، وما صنعوه في غزة من عدوان ومجازر وجرائم إبادة ؟!!
إن المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن، لن تتحرك، ما لم تستشعر أنّ ثمة وقفةً لجامعة الدول العربية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، ولا شك أن الوفود التي تسافر إلى السودان، وعقد المؤتمرات، مظهر هام من مظاهر التضامن مع السودان، ورفض قرار المحكمة الدولية.
كَثُرَ الحديث مُؤَخَّرًا عن العلاقة بين الإخوان وإيران، بل وذهب البعض إلى أن الإخوان ينفذون أجندة إيرانية، فما قولكم في الرد على ذلك؟
هذا غير صحيح، وإيران دولة لها مشروعها، ولكن أين المشروع العربي؟ يقولون: إيران تستعمل مشروعها السياسي للترويج للمذهب الشيعي، ولكن: أين مشروعكم السني؟ لابد أن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران، وإذا اعتبرتم المشروع الإيراني مقلقًا، فأين أنتم من المشروع الأمريكي الصهيوني المفزع المخيف، الذي يستهدف الإسلام، وهوية الأمة، وخصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضاري، وتفكيك المنطقة، وإعادة تقسيمها وَفْقَ الأجندة الأمريكية والصهيونية..تعالوا نتفاهم حتى نواجه المشروع الأخطر، ويجب أن توضع هذه القصة في هذا السياق.
حتى ما يتردد عن علاقة حماس بإيران, وأمثال هذا الكلام! إن حماس تحتاج إلى كل أنواع الدعم والتأييد والمساعدة، وأنتم تتهمون إيران بدعم حماس! فادعموها أنتم يا من تزعمون ذلك..إن لحماس إرادتها وقرارها الْمُسْتَقِلَّيْن.
الأزمة الآن أَزْمَةُ حكم، متمثلة في الاستبداد والفساد، ولن نتوقف عن ملاحقة الفساد والتصدي للاستبداد، مهما كانت الملاحقات لنا، وفي نفس الوقت نعلن رفضنا القاطع للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة.
ما هي نقاط التماسّ بينكم وبين إيران؟
إذا كانت إيران واقفةً في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وتدعم حركات لمقاومة، فهذا أمر نُثَمِّنُه، لكن لدينا ملاحظات حول دورها في العراق.
في أكتوبر 2010 ستجرى انتخاباتُ مجلس الشعب، ولا يُعْقَلُ أنكم حتى الآن لم تُكَوِّنُوا موقفًا, فهل تتوقعون إقصاء النظام لكم , من خلال نظام انتخابيٍّ يبعدكم عن المشاركة في الانتخابات؟
لم يصدر قانون الانتخابات حتى الآن، ولا شك أن النظام المصري حريصٌ على أن يفاجِئَ الجميع، ويحيط هذا الأمر بتكتم شديد، ولا يعلن عنه إلا في آخر لحظة؛ حتى لا يتمكن أي فصيل من ترتيب أوراقه، وإعداد ملفاته.. وإن كان هناك كلام يتَرَدَّدُ عن إنشاء القائمة النسبية، وعددٍ محدودٍ جِدًّا للمستقلين، وهناك محاولاتٌ لتفصيل دوائر بعينها، بحيث تضمن وصول أشخاص معينين، وتحجب أشخاصًا آخرين!
الإسلام اليوم