مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حزب البديل الحضاري وتجربة الفصل بين الدعوي والسياس

ما زالت إشكالية ضبط العلاقة بين الدعوي والسياسي تثير سجالات وجدالات بين الإسلاميين وبين غيرهم من القوى والاتجاهات.. لقد باتت هذه الجدلية محل اهتمام بالنظر إلى ما ينتج عنها من تداعيات وتأثيرات لا تقف عند حدود الحركات والجماعات، بل تتعداها إلى الفضاء العام؛ باعتبار أن الحركات والأحزاب الإسلامية من الفاعلين الرئيسيين الذين يؤهلهم حضورهم دوما ويرشحهم إلى الاقتراب من مقاليد الأمور وسياسة الأمور العامة.
في هذا الحوار يفكك ’’مصطفى المعتصم’’ الأمين العام لحزب البديل الحضاري الإسلامي المغربي ’’المنحل’’ التباسات هذه الجدلية، ويعرض قرائيا لتجارب الإسلاميين، وبشكل أكثر عمقا لتجربة حزب البديل الحضاري في مسألة ضبط العلاقة وحسمها بين الفضاء الدعوي والمجال السياسي، وبعد أن قرأ ’’المعتصم’’ في بعض تجارب الإسلاميين، المغاربة وغيرهم، ’’إعادة إنتاج التجارب العلمانية بعد أسلمة العناوين والشعارات والمفردات فقط’’، طالب بضرورة التمييز في الأدوار وتجنب الخلط بين الفاعلين، ’’فمن اختار العمل الجمعوي التربوي التثقيفي والاجتماعي فليعمل في مجاله باستقلال عمن اختار العمل السياسي في أبعاده الشاملة.. لنجعل حدا لازدواجية التنظيم التي تنتج عنها بالضرورة ازدواجية الخطاب’’.
وهذا الحوار الذي كنا أجريناه مع الرجل قبيل أن يتم اعتقاله على خلفية ما عرف في المغرب بخلية ’’بلعيرج’’ المتهمة بالإرهاب، وتأخر نشره لأسباب خاصة، ننشره اليوم ضمن سلسلة من الحوارات مع قيادات الحركة الإسلامية في المغرب عن علاقة الدعوي والسياسي، وما تثيره هذه العلاقة من إشكالات وتباينات في المواقف النظرية، والصيغ التنظيمية، والخطابات المرحلية.
ننشر الحوار كما تم دون تصرف يراعي التغيرات الأمنية والسياسية التي مست الرجل وحزبه؛ إذ نقدر أن الأسئلة والأجوبة ’’لم تنفد مدة صلاحيتها’’، فإلى نص الحوار:
’’البديل الحضاري’’.. من الجمعية إلى الحزب
*أوردتم في الورقة التنظيمية لحزب البديل الحضاري أن ’’الهوية التنظيمية للبديل الحضاري اليوم هي هوية حزبية سياسية تعبر عن استجابة طبيعية لمتطلبات التغيير من جهة، وتطور وضعيتنا التنظيمية من جهة أخرى، وتمثل تجاوزا واستيعابا للمراحل التنظيمية السابقة’’، فلماذا اخترتم هذه الصيغة تحديدا، أي التحول من تيار إسلامي إلى حزب سياسي؟ وما هي فلسفتكم في هذا الإطار؟ وكيف تتصورون العلاقة بين الحركة والحزب؟
- بداية لابد من تحديد المفاهيم؛ إذ إن هناك فرقا بين التيار والحركة والجمعية أو الحزب.. التيار الإسلامي أكبر وأشمل من الحركة ومن الحزب ومن الجمعية؛ لأنه يشمل كل الأحزاب، والجمعيات، والدعاة، والوعاظ، والمرشدين، والمثقفين، والمفكرين، ورجال ونساء الصحوة، أي كل من يتبنى المرجعية الإسلامية كيفما كان مجال اشتغاله.
أما الحركة الإسلامية فهي أصغر من التيار وأكبر من الحزب؛ إذ تشمل كل العاملين من أجل استئناف الحياة الإسلامية على اختلاف مقارباتهم وتأويلاتهم.. التيار يضم الحركة، والحزب جزء من الحركة.. نحن إذن جزء من التيار الإسلامي، وجزء من الحركة الإسلامية، وأكيد أنك قصدت بسؤالك لماذا تحولنا من جمعية إلى حزب؟
أحب أن أنوه إلى أننا أسسنا في البداية جمعية البديل الحضاري كجمعية سياسية تمثل إطارا أكبر من جمعية ثقافية، وأقل من حزب، ولقد حكمت ظروف مرتبطة بالذات التنظيمية وتطورها هذا الخيار، وأحب أن أنوه إلى أن قانون الحريات العامة لعام 1958 لم يكن يميز بين الأحزاب والجمعيات، واعتبرها كلها جمعيات، لكن عندما بدأ الحديث عن فصل الجمعيات عن الأحزاب، ووضع قانون لكل منهما بادرنا إلى التحول من جمعية سياسية إلى حزب سياسي.. إذن تحولنا هذا فرضه التغيير الذي نال القوانين المنظمة للعمل السياسي والحزبي بالمغرب.
إن مشروع التحرير والتنوير والنهضة الذي نعمل من أجله ونسعى إلى أن تتبناه الأمة كي يتحول إلى مشروع مجتمعي بكل أبعاده الفلسفية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يمكن إلا أن يكون مشروع حزب سياسي.. نحن قدرنا أن الإصلاح لابد أن يشمل كل جوانب الحياة، أي إنه حضاري في جملته، لكننا اعتبرنا أن جوهره سياسي.. آمنا بأن رعاية الأمانة والخلافة وعمارة الأرض لابد أن يكون منطلقها بناء نظام سياسي عادل مبني على حكومة رشيدة وعلى الديمقراطية.
* من خلال تجربتكم، ألا ترون أنكم أخليتم ساحة العمل الإسلامي لصالح العمل السياسي؟ ثم ألا تعتبرون أنكم فقدتم نقاطا مضافة عندما أسقطتم طابع ’’الحركة الإسلامية’’ عن حزبكم؟
- ربما المشكل في طبيعة تصور البعض للحزب ولمهامه.. نحن لم نخلي الساحة الإسلامية لأي سبب كان أبدا.. كل ما هنالك أننا نقارب مجالا من أخطر مجالات الحياة -المجال السياسي- من خلال برنامج متشبع بروح وقيم ديننا الحنيف، ومن خلال تقديم نماذج للإنسان الرسالي المهتم بأمور الناس.. يخالطهم ويصبر على أذاهم، ويقدم القدوة، ويتصدى للفساد والإفساد، ويقبل أن يتحمل المسئولية بقوة وأمانة، ويكون حفيظا عليها، عالما بتحدياتها.
نحن ندعو إلى التخصص.. إذن فلينفر كل واحد للاشتغال في مجال تخصصه، أي المجال الذي يتقنه.
لقد أشرتم إلى نقطة غاية في الأهمية حينما تساءلتم: ألا تعتبرون أنكم فقدتم نقاطا مضافة عندما أسقطتم طابع ’’الحركة الإسلامية’’ عن حزبكم، نحن نعي خلفية هذا السؤال.. هل فقدنا نقاطا مضافة عندما رفضنا أن نستعمل خطابا دعويا يكون في جل الأحيان غوغائيا ديماغوجيا، وحتى تحريضيا يجيش الجماهير، ويستنفر حماسها الديني؟ ربما، ولكن من المؤكد أننا ربحنا مصداقية الخطاب وتوازنه.. صحيح أننا لم نستقطب أعدادا وفيرة من الجماهير في الماضي كما فعل العديد من الذين انتهجوا النهج الذي أشرت إليه، لكن صدقني أن الغوغائية، والديماغوجية، وتجيش الجماهير، وازدواجية الخطاب قد أصبحت وبالا على من انتهجها خصوصا بعد الأحداث الإرهابية في 16 ماي (مايو) بالدار البيضاء.
الدعوي والسياسي.. إشكالات ازدواجية الخطاب والتنظيم
* ما هي نظرتكم للعلاقة بين الدعوي والسياسي؟ وما إسهام كل من الحركة والحزب في المشروع الإسلامي؟
- عام 1928 أسس حسن البنا -رحمه الله- حزب الإخوان المسلمين، وبالنظر إلى هذا الحزب نجد أنه استوحى كثيرا من تجارب الأحزاب الأوروبية الفاعلة آنذاك.. كان لديه حزب بفروع للمرأة، والشباب، والطلبة، والكشافة.. اهتم حزبه بالسياسة كما اهتم بالتربية والتكوين والتنشئة الاجتماعية، وبالجانب الاقتصادي والثقافي... إلخ.. كان -رحمه الله- يردد: «دعوتنا سياسة، وسياستنا دعوة» أي انتبه إلى جدلية السياسي والدعوي.. وبعد مرور نحو ثمانين عاما على انطلاق تجربة حسن البنا بكل أبعادها التي أشرت إليها سابقا نجد اليوم أبناء الحركة الإسلامية يطرحون سؤال العلاقة بين الدعوي والسياسي! فماذا يقصدون بالدعوي؟ هل المقصود بالدعوي دعوة الناس إلى الإيمان والإسلام؟ إذا كان الأمر هكذا فإننا سنكون في صلب الرؤية التكفيرية، أما إذا كان المقصود بالدعوي دعوة الناس إلى القيام بالعبادات، وإحياء مكارم الأخلاق الإسلامية، وإحياء الاجتهاد فيما جد من أمور المسلمين فهذا أمر يجب أن ينبري له طائفة من الوعاظ والعلماء والمرشدين يساعدون الناس على التفقه وفهم دينهم.. قد يكون المقصود أيضا بالدعوي العمل التربوي.
في تصوري هناك مأزق لدى بعض الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية حينما يتناولون طبيعة العلاقة بين الدعوي والسياسي، وسببه:
- إما أن بعضهم قد أصابه مس من العلمانية بحيث أصبح يفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي.. الدين بطهارته ونظافته مجاله الدعوة، أما السياسة بدسائسها فمجالها الحزب.
ولعل ما نسمعه اليوم داخل التجارب الحزبية ذات المرجعية الإسلامية من مشاكل لم نعهدها إلا في الأحزاب العلمانية دليل على الانفصام الذي يعيشه بعض الإسلاميين ويسوغون على أساسه فصل الدعوي عن السياسي.
- أو أن البعض الآخر يفتقر إلى الوضوح النظري، ويعجز عن الحسم مع المرحلة وطبيعة التعامل معها، لهذا لجأ إلى ازدواجية في التنظيم لتلائم ازدواجية الخطاب.. الحزب السياسي مجال للمناورة والمداهنة وحتى المهادنة والتكتيك، أما الجمعية الدعوية فهي مجال للمبدئية والصلابة في المواقف.
هكذا أصبحنا أمام تجارب إسلامية بوجهين وبخطابين؛ مما أفقدهم الكثير من المصداقية، وشاب مسيرتهم الكثير من الغموض والشبهات.. يجب أن نعترف اليوم أن من حق بعض شركائنا في المواطنة من أحزاب سياسية أخرى ومجتمع مدني.. الذين لا يشاطروننا نفس المرجعية أن يتهمونا بعدم الوضوح وبالازدواجية في الخطاب والتنظيم؛ لأن البعض منا هو كذلك بالفعل.
- أو أن البعض لم يكلف نفسه عناء الإجابة على أسئلة من قبيل: ما هي مواصفات الحزب الذي يتبنى المرجعية الإسلامية؟ ما هي أدواره؟ وما هي آلياته؟ للأسف الشديد هناك إعادة إنتاج للتجارب العلمانية بعد أسلمة العناوين والشعارات والمفردات فقط.
نحن في حزب البديل الحضاري نقول إننا نريد إعادة الاعتبار للفكر في السياسة.. إذن السؤال الذي يطرح علينا هو: كيف نرفع من المستوى الفكري لإخواننا في الحزب؟ هذا يفرض علينا وجود البرنامج التكويني الفكري الذي يؤهل مناضلي الحزب إلى مستوى المطلوب.. نحن نريد أن نعيد الاعتبار لمكارم الأخلاق في السياسة حتى نقدم للمغاربة مواطنين صالحين لتدبير الشأن العام.. نقدم أناسا يخافون الله ولا يخونون أماناتهم.. نقدم أفرادا لهم عدة روحية، بحيث يستشعر الفرد منهم معية الله ومراقبته له في حركاته وسكناته؛ وهذا يتطلب منا إعداد برنامج تربوي تكويني لأعضاء الحزب.
يجب أن نميز بين الأدوار، وأن لا نخلط بين الفاعلين، فمن اختار العمل الجمعوي التربوي التثقيفي والاجتماعي فليعمل في مجاله باستقلال عمن اختار العمل السياسي في أبعاده الشاملة.. لنجعل حدا لازدواجية التنظيم التي تنتج عنها بالضرورة ازدواجية الخطاب.
الإسلاميون المغاربة والسياسة
* ما هي قراءتكم للواقع السياسي المغربي؟ وما هو حجم تأثير القراءات السياسية المختلفة للأحزاب الإسلامية على طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية؟
- نحن نعيش مرحلة انتقالية بكل المقاييس.. مرحلة تتسم بالكثير من الهشاشة، وأي مرحلة بهذه المواصفات يمكن أن تتأرجح لهذا المسار أو ذاك، وإن كان الطابع العام يذهب في اتجاه إمكانية تحقيق الانتقال الديمقراطي ولو في الحدود الدنيا، لكن على الإسلاميين خصوصا أن يتحلوا في هذه المرحلة بالوعي واليقظة؛ لأن ثمة جيوب مقاومة استئصالية موجودة متنفذة وقادرة على استغلال هفوات أو أخطاء البعض للدفع في اتجاه إيقاف مسلسل الانتقال إلى الديمقراطية، ومصادرة ما تحقق من انفتاح خصوصا في مجال التعبير والتنظيم.
وقد تشكل الأعمال الإرهابية -التي تقوم بها أطراف متطرفة- حصان طروادة الذي تركبه جيوب مقاومة لمصادرة الهوامش الديمقراطية التي نالت الحياة السياسية ببلادنا منذ 1990.
طبيعي أن يختلف الإسلاميون في قراءاتهم السياسية، خصوصا حينما تكون المرحلة بالمواصفات التي سبق أن ذكرت، وطبيعي أن تختلف مقارباتهم في الحكم عليها وتقييمها.. هذا الخلاف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى القطائع، وإلى الاحترابات بين أبناء الحركة الإسلامية، جمعيات كانوا أم أحزابا.
عليهم أن يقتنعوا بالحق في الاختلاف، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وألا يتعاونوا على الإثم والعدوان فيما اتفقوا عليه، وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا بشأنه، والأهم أن لا يوظف بعضهم ضد بعض.
ربما كان الإسلاميون في حاجة إلى ميثاق أخلاقي ينظم علاقاتهم البينية، ويضع أسس آداب الاختلاف.
________________________________________
مراسل شبكة ’’إسلام أون لاين. نت’’ بالمملكة المغربية.
*إسلام أون لاين
أضافة تعليق