مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار مع الاستاذ محمد طه توكل (مدير مركز الخليج للد
الإفريقي، وهو غني عن التعريف لمتابعي الشأن الإفريقي ذلك من خلال التغطيات والمقابلات الصحفية والتحليلات التي يقدمها عبر مختلف المحطات االفضائية ، تنَقَل في مجال عمله كثيرا بين مدن وبلدان عدة ، وكان العام 2008م بالنسبة له عام حافل بالنشاط حيث شارك في منتديات عالمية من ضمنها منتدى حوار الأديان الذي عقد بمكة المكرمة في شهر يونيو 2008م ثم منتدى حوار الأديان الذي تبعه لاحقا في العاصمة الاسبانية مدريد وأتبع ذلك بجولات لعواصم ومدن عدة آخرها مدينة ملبورن الاسترالية التي يقضي بها حاليا إجازته السنوية، وقد أجرت معه مجلة (الرابطة) لسان حال رابطة العالم الإسلامي التي تصدر في مكة المكرمة لقاء مطولا في عددها الصادر في سبتمبر من العام 2008م عن مستقبل حوار الأديان، ونحن نودع العام 2008م ، رأيت من الأهمية أن أجري معه هذا الحوار الذي يتناول مجمل الأوضاع والمتغيرات التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي . فالى مضابط الحوار.

هناك محور ايراني ارتري سوري ، والعلاقة الارترية الايرانية سلاح ذو حدين

تحتاج ارتريا لسنوات طوال حتى تغير الصورة التي رسمت عنها في مخيلة المجتمع الغربي والعالم العربي وغيره ممن يعانون من ممارساتها

بعض الاطراف الارترية المعارضة تسوق النظام الأرتري وكأنه واجهة اسلامية
الرئيس يوسف اعتبر الإتفاقية مصالحة داخل قبيلة (الهوية) الصومالي
جبهة الشرق لم تعد مسمار جحا لارتريا ، وأفورقي لم يجد من يقابله منها في زيارته الأخيرة للخرطومالمصالحة الصومالية عارضها الشيخ عويس بشدة ومعه بالطبع الحكومة الارترية
انتهى دور كل من عبدالله يوسف وعويس ، ومعهما ينتهي عمليا الدور الارتري والأثيوبي في الصومال

حاوره عبر الهاتف من الولايات المتحدة: كرار هيابـو




* أستاذ توكل، حفل العام المنصرم بتطورات عدة على كل الأصعدة، لكننا سوف نركز في هذا الحوار على الصعيد الإقليمي ، وتحديدا منطقة القرن الأفريقي ، ولتكن البداية بالصومال الذي يشهد الآن هدنة بعد توقيع اتفاقية المصالحة التي تمت مؤخرا في جيبوتي ، كيف تقرأ أحداث الصومال على ضوء هذه الإتفاقية؟

توكل: من أهم ملامح الأحداث التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي في العام المنصرم إنهاء الأزمة الصومالية باتفاق اطراف النزاع ، وطلب اصدار مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوداني من قبل مدعي عام المحكمة الدولية وغيرها من الأحداث ، ويمكننا القول بان العام 2008م كان عام الصومال بامتياز حيث تصدرته الأزمة الصومالية بأجندتها الإقليمية والدولية وتعقيداتها ، الا انه ومع نهايته بدأت بوادر للإنفراج من خلال الحوار الذي بدأ في جيبوتي برعاية الأمم المتحدة بين أطراف الصراع ممثلا في الحكومة الصومالية الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف والمدعومة أثيوبياً وبين قوى التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال ممثلا في الجناح الذي قاده الشيخ شريف شيخ أحمد بعد أن تخلى عن حليفه في التحالف الشيخ طاهر عويس ، وقد كسب الشيخ شريف شيخ أحمد الرهان بدخوله المفاوضات حيث توجت بتوقيع اتفاقية المصالحة بينه وبين رئيس الوزراء الصومالي السيد حسين نور على الرغم من العراقيل التي وضعها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف حيث لم يكن راضيا عن الإتفاقية لأنها بالنسبة له تمثل مصالحة داخل قبيلة (الهوية) التي ينتمي اليها كل من الشيخ شريف شيخ أحمد ورئيس الوزراء السيد حسين نور ، فضلا عن ان الإتفاقية بحد ذاتها تقضي بإنسحاب القوات الاثيوبية التي كان يعتمد عليها الرئيس عبد الله يوسف ولهذا ، ومن اجل حفظ ماء وجهه ، قدم الرئيس عبد الله يوسف استقالته ليصبح رئيس البرلمان الشيخ ادم رئيسا للجمهورية لحين إنتخاب رئيس جديد خلال فترة لا تتجاوز الستين يوما

* سؤال: وماذا عن الشيخ طاهر عويس؟


توكل: الشيخ طاهر عويس ينطلق من العاصمة الأرترية اسمرا ، وهو يمثل التيار السلفي المتشدد ، الشيخ لا يملك سوى ان يكون في معسكر المعارضة لأسباب من بينها ان الخلاف بينه وبين عبد الله يوسف كان يأخذ أبعادا شخصية وهما من مؤسستين متناقضتين رغم انهما ابناء مدينة واحدة هي (قلكعيو) على الشمال الشرقي للصومال بالقرب من الحدود الاثيوبية ، وعبد الله يوسف ينتمي الى قبيلة (الداروت) بينما ينتمي طاهر عويس الى قبيلة (هوية) مثل الشيخ شريف وحسين نور . فالشيخ طاهر عويس ينتمي ، من الناحية الجغرافية ، الى ولاية بونت لاند مع عبد الله يوسف أما قبليا فينتمي الى جنوب الصومال . وظل الشيخ على مدار الاربعين عاما تتنازعه الانتماءات القبلية حينا والجغرافية حينا آخر حتى وجد ضالته في مشروع الاممية الاسلامية الذي أراد من خلاله تجاوز حقول الالغام القبلية والجغرافية التي أشرتٌ اليها وذلك بغية الوصول الى السلطة ، ولاحقا أنشأ الإتحاد الإاسلامي الذي إنقضت عليه قوات عبد الله يوسف بمساعدة اثيوبيا فاختفى لسنوات ثم ظهر من جديد مع المحاكم الإسلامية.




* سؤال: قلت أن الشيخ عويس اختفى بعد أن تلقى الإتحاد الإسلامي الهزيمة على يد قوات عبد الله يوسف بالتعاون مع أثيوبيا ، ماذا كان برأيك سبب الإختفاء ، وكيف ظهر من جديد مع المحاكم الإسلامية؟

توكل: سبب الإختفاء كما تردد حينه هو ان واشنطن قامت بإدراجه ضمن قائمة المطلوبين بعد تفجير سفارتي امريكا في نيروبي ودار السلام ، وفيما بعد اتهم مباشرة من قبل الإدارة الأمريكية بانه زعيم تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي ، ودخل الرجل في حرب ضروس مع اديس ابابا وواشنطن في آن واحد ، وحين ضاقت به الأرض والسماء فاجأ المعنيين بالشأن الصومالي بظهوره في مؤتمر التحالف الصومالي المعارض باسمرا الذي انشئ في سبتمبر 2007 وعقد مؤتمره التأسيسي في اسمرا ، وشُكلت منه قيادة جديدة بزعامة الشيخ شريف شيخ أحمد، وفي ابريل 2008 م تمكن مبعوث الامم المتحدة الى الصومال السيد احمد ولد عبد الله من ترتيب لقاء بين الحكومة والمعارضة . عارضها الشيخ عويس بشدة ومعه بالطبع الحكومة الارترية ونتج عن هذه المعارضة انشقاق بين الشيخين شريف وعويس، وقد لاقى الشيخ شريف في هذا الإنشقاق مساندة ما يربو على 56 عضو من مجموع أعضاء السلطة التشريعية البالغ عددهم 75 عضوا وهي خطوة وجدت إستحسانا ودعما دوليين من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الاوربي وكذلك الإتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد ، حتى توجت بإتفاقية جيبوتي لينتهي بها دور كل من الشيخ طاهر عويس حليف أسمرا والمطلوب من قبل واشنطن ، وعبد الله يوسف حليف اثيوبيا ، وبإنتهاء دور الرجلين أيضا ينتهي عمليا الدور الارتري والأثيوبي في الصومال


** سؤال: في معرض إيضاحك السابق ورد إسمي ارتريا واثيوبيا، وبما ان الجميع تابع الادوار التي لعبتها الدولتان في الساحة الصومالية من أجل تصفية حساباتهما، هلا حدثتنا عن دور كل منهما، وما حققته من مكاسب او اخفاقات ضمن ذلك الصراع؟


توكل: يمكن القول ان الدخول في المستنقع الصومالي لم يكن سهلا وهذا يرجع الى تركيبة الشخصية الصومالية ، والمجتمع الدولي نفسه فشل في هذا الجانب بينما نجح الاثيوبيون ، وسبب هذا النجاح هو لأن الأثيوبيين حين دخلوا الصومال إنما دخلوه بناء على دعوة من الحكومة الصومالية ، وهذا أعطاهم بعض الشرعية في الوجود، والآن انسحابهم أيضا يتم بموجب إتفاقية جيبوتي الموقعة بين الحكومة الصومالية والمعارضة وبحضور ودعم دولي ، ومن بين القرارات القاسية التي اتخذها الإثيوبيون وقوفهم الى جانب الإتفاقية رغم معارضة الرئيس الصومالي لها وهو حليفهم التقليدي ، وفي هذا انهم أي الإثيوبيين ، ساووا بين حليفهم التقليدي الرئيس عبد الله يوسف وحديث العهد ، رئيس الوزراء حسين نور الذي فرض نفسه من خلال ما وجده من تأييد محلي واقليمي ودولي واسع خاصة التفاف ابناء قبيلة (الهوية) من حوله ، وكانت لاثيوبيا علاقات متوترة مع ابناء (الهوية) بسبب المطاردة الأثيوبية للجماعات الاسلامية بقيادة الشيخ طاهر عويس الذي اعلن في ديسمبر 2006م الجهاد ضد اثيوبيا من العاصمة مقديشو ، والان ومن خلال اتفاقية جيبوتي ستتكون حكومة جديدة من الاسلاميين والحكومة الصومالية الحالية ، وسوف لن تكون الحكومة الجديدة باية حال معادية لاثيوبيا ، بمعنى ان الحكومة التي ستتشكل بموجب اتفاقية جيبوتي لن تكون موالية لاسمرا ولن تكون معادية لاثويبا وهو ما يعطي اثيوبيا الان وضعا مريحا في الشأن الصومالي ، ربما تكون هناك بعض المناوشات التي ستستمر الى حين ، وهي بين بعض جيوب قبيلة (الهوية) التي قد تذهب في اتجاه الشيخ طاهر عويس ورموز حركة الشباب المجاهدين ، لكن في النهاية فان اثيوبيا تعتبر قد حققت نتائج مهمة في ما يتعلق بالصومال ، ويسجل لها انها دولة حاولت اعادة السلام في الصومال فنجحت فيما فشل فيه الآخرون ، وكونها تخرج من الصومال بهذه الطريقة يعتبر انتصارا لها من الناحية الدبلوماسية والسياسية ، ومعروف عن اثيوبيا ان لديها علاقات مع ارض الصومال وولاية بونت لاند ، ايضا لها علاقات مع اقليم (باي بيكول) وعاصمته (بيدوا) مقر البرلمان الصومالي ، والآن أصبحت لها علاقات مع القادة الجدد في مقديشو ، أصحاب اتفاقية جيبوتي


اما فيما يتعلق بالدور الارتري، فان ارتريا تعد الخاسر الأكبر في هذا الصراع خاصة ان اثيوبيا قد وظفت تماما استضافة ارتريا لما سمي بالجماعات المتطرفة وكان الشاغل الوحيد لاثيوبيا ربط ارتريا بزعزعة الاستقرار الاقليمي والدولي ، وآخرها اتهام ارتريا برعاية عمليات القرصنة التي تجري في عرض البحر الاحمر ، وتحتاج ارتريا لسنوات طوال حتى تغير الصورة التي رسمت عنها في مخيلة المجتمع الغربي والعالم العربي وغيره ممن يعانون من ممارساتها ، حتى أن بعض الاطراف الارترية المعارضة حاولت وضمن عمليات التسويق لبضاعتها ان توصف النظام الأرتري وكأنه واجهة اسلامية وبأن رموزه لا تمثل المرجعيات الدينية والعرقية التي تنتمي اليها ، وهي محاولة منهم لتبرأة هذه الرموز ، ولكن لان الخير يخص والشر يعم كما يقال ، فان النظام في ارتريا قد ربط نفسه بالشيخ طاهر عويس ومن على شاكلته ، وارتريا تلعب الدور المحوري في القرن الافريقي وخاصة في الصومال والبحر الاحمر ، والاتهامات الموجهة الى ارتريا في عمليات القرصنة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام ، وايضا مسألة التحرش الارتري بجيبوتي في منطقة رأس دوميرة هي مرتبطة بعمليات يقوم بها النظام الارتري لتهديد الملاحة الدولية بالبحر الاحمر ومن اجل التأثير على النشاط المنتعش في مينائي جيبوتي وعدن ، ويؤثر هذا العمل بطريقة واخرى على الامن القومي العربي ، ويمكن القول ان ما قامت به ارتريا من تحالفات مع الفصائل الصومالية وبعض القوى الاقليمية كان انتحارا او (عليَ وعلى اعدائي) كما يقال ، وتورط ارتريا في الازمة الصومالية وضعها وجها لوجه مع الادارة الامريكية ، والصومال كان لارتريا حربا بالوكالة ضد اثيوبيا والنتيجة النهائية انه خسر ملف الصومال تماما بعد اتفاقية جيبوتي ولم يخرج منها الا بجملة من الخسائر، ابرزها إنفصال الشيخ شريف شيخ أحمد عن تحالف الصومال المعارض الذي كان يعول عليه النظام الارتري كثيرا

** مقاطعة – ولكن النظام الارتري يبدو انه يعول الآن على حركة شباب المجاهدين التي لا تزال تعارض اتفاقية المصالحة الصومالية ، الا تعتقد انه ما يزال يؤثر في الشأن الصومالي ، أو ممسكٌ ببعض من أوراقه؟

توكل: حركة الشباب كانت تمثل الجناح العسكري للمحاكم الشرعية قبل انهيارها وكان يرأسها القائد (ادم عيرو) الذي قتل بصواريخ امريكية داخل الصومال في ابريل من العام الماضي ، وكان القائد العسكري للمحاكم قبل إنهيارها. وينتمي (عيرو) الى أحد بطون قبيلة (الهوية) وكذلك الرئيس الصومالي السابق عبدي قاسم صلاد ، وهذا الفرع من قبيلة ال (هوية) اتهم بأنه الداعم لحركة شباب المجاهدين والمقاومة الصومالية ، وهو اتهام اثيوبي صريح ، وعموما فان حركة الشباب هي تنظيم عسكري قد يقوم بعمل عسكري هنا او هناك لكنه لا يستطيع ان يشكل واجهة سياسية لجنوب الصومال خاصة وان الشيخ شريف ورئيس الوزراء ينتميان الى (ابقال) التي تشكل الاغلبية من قبيلة (الهوية) في الجنوب وهو ما يفهم في الصومال بان المقامات والمقاييس تكون دائما بالاحجام القبلية

الآن وقد خرجت القوات الاثيوبية ، وهو مطلب حركة شباب المجاهدين الذين حملوا السلاح من اجله، فاذا ما أشهروا هذا السلاح امام الشيخ شريف شيخ أحمد فانهم لا شك سيكونون وجها لوجه معه ، وسيؤدي ذلك الى حرب قبلية بين قبائل ال(هوية) نفسها وهو ماليس في مصلحة الشباب وفي هذا يرجح ميزان القوى القبلي للشيخ شريف حيث تقطن قبيلته في مناطق واسعة من جنوب الصومال اضافة الى أن الشيخ شريف شيخ أحمد يحظى الان بدعم محلي واقليمي واممي ، ولهذا فان حركة شباب المجاهدين لن تكون أداة لتنفبذ أجندة الحكومة الارترية سواء كان في الصومال او في غيره من المنطقة

** سؤال: وكيف تقيم العام المنصرم بالنسبة لجيبوتي ، وهل هناك من مكاسب قد حققتها من وراء رعايتها لإتفاقية المصالحة الصومالية؟

توكل: جيبوتي حققت نجاحات كثيرة في هذا العام ، حيث كان بالنسبة لها عام التحولات الكبرى، ومن أهم الانجازات التي تحققت فيه التوقيع على إتفاقية المصالحة الصومالية ، ولم تكن هذه اول اتفاقية صومالية يتم التوقيع عليها في جيبوتي بل سبقتها اتفاقيات من قبل ، كان اهمها اتفاقية العام 1991م التي انتخب فيها علي مهدي كأول رئيس للصومال بعد انهيار الدولة الصومالية ، ثم مؤتمر (عرتة) الذي انتخب فيه الرئيس عبدي قاسم صلاد حسن كثاني رئيس للصومال ، اذا فإن جيبوتي هي المكان الطبيعي لتكون ملتقى حل العقد الصومالي حيث تمت بها عقد المصالحات الوطنية الصومالية باستثناء مؤتمر المصالحة الصومالية الذي عقد بالعاصة الكينية نيروبي في العام 2004 م والذي انتخب فيه الرئيس عبد الله يوسف كثالث رئيس للصومال قبل أن يتحول الصومال في عهده الى ساحة للحرب الاقليمية والاستقطابات الدولية ، وكانت من نتائج استضافة جيبوتي لمؤتمر المصالحة الاخير المواجهات العسكرية بينها وبين ارتريا حيث كلفهما كثيرا ، لكن ارتريا كانت فيه الخاسر الأكبر لأنها أدينت محليا من قبل الإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد وجامعة الدول العربية ودوليا من قبل مجلس الأمن الدولي فيما حققت جيبوتي مقارنة بخصمها في النزاع مكاسب حيث أستعادت مكانتها على الصعيدين العربي والدولي، وكان عام 2008م عاما مهما بالنسبة لها من الناحية الإقتصادية ، فقد تم التوقيع على إتفاقية الجسر المعلق الذي يربط افريقيا بآسيا مع الشركة المنفذة للمشروع وهي شركة بن لادن للمقاولات ، وتم افتتاح اكبر ميناء بترولي (ميناء درولي) من قبل امريكا ودولة الامارات العربية المتحدة وهو ميناء ضخم اضافة الى تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الإسواق الحرة التابعة لإمارة دبي ومقره جيبوتي ، كما انها وقعت اتفاقيات أخرى أمنية مع كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في اطار مكافحة الإرهاب ، وبموجب هذه الإتفاقيات توجد الان على أراضيها أكبر قاعدتين امريكية وفرنسية الى جانب قواعد الإتحاد الأوروبي ، أيضا حققت انجازا اخر من خلال إنضمامها الى تعاون صنعاء في 29 ديسمبر 2008م وكانت تتحفظ في السابق للموازنة بينه وبين الموقف الارتري حيث كانت ترى بضرورة الإستماع الى الرأي الأرتري حول هذا التعاون ، لكن خلافها الاخير مع ارتريا حررها من هذه (المجاملة) ، و يعتبر إنضمامها الى تعاون صنعاء فرض مزيد من العزلة على ارتريا، ولقد شهدت القمة الاخيرة بالخرطوم انتقادات لاذعة للحكومة الارترية من قبل كل من رئيس جيبوتي ورئيس الصومال وكذلك رئيس وزراء اثيوبيا الذين أدانوا جميعهم ارتريا ، واتهموها بزعزعة الاستقرار في جيبوتي والصومال واثيوبيا وتهديد الامن الاقليمي من خلال تقديم الدعم لما اسموه تنظيمات متشددة ومتطرفة ، وطالبوا في كلماتهم المجتمع الدولي بادانة ارتريا ، وهذا يعتبر بداية متاعب أخرى حقيقية لإرتريا

** شهد السودان خلال العام المنصرم تطورات عدة كان آخرها مذكرة طلب التوقيف التي ذكرتها ، والتي تقدم بها مدعي المحكمة الدولية لجرائم الحرب (لويس أوكامبو) بحق الرئيس البشير ، ماذا شهد السودان برأيك في هذا العام؟


توكل: بالنسبة للسودان كان العام 2008م عام التحديات ، أهمها كما ذكرت صدور مذكرة طلب التوقيف من قبل مدعي المحكمة الدولية (لويس أوكامبو) ضد الرئيس البشير بقصد تهديد سيادة السودان وإحداث هزة في أركان الدولة السودانية ، لكن السودان صمد وتجاوز هذا التحدى ، أما اقتصاديا فكان هذا العام عام رخاء للسودان نتيجة للطفرة التي حدثت في اسعار البترول وكذلك الزراعة التي شهدت عودة رأس المال العربي والإسلامي الى كل من السودان وماليزيا ، ونشهد الآن حراك سوداني جاد من أجل وضع نهاية مرضية لأزمة دارفور وذلك من خلال ملتقى أهل السودان الذي تطور الى مبادرة ترعاها جامعة الدول العربية

** سؤال: وماذا بالنسبة للوضع في جنوب السودان؟

توكل: بالنسبة للوضع في جنوب السودان ، وعلى الرغم من الصورة القاتمة وظهور أصوات متطرفة هنا وهناك ، الا ان اللافت للنظر هو وجود الاستثمار الجنوبي بالشمال عامة والخرطوم على وجه الخصوص ، وقد ظهرت أرملة الراحل جون قارانق بمشاريع استثمارية كبرى وهو تحول ايجابي لما تمثله قارانق من رمزية من الناحية السياسية والإقتصادية داخل الحركة الشعبية ، كما لا يخفي على المتابع الفطن بأن الرأسمالية الجديدة من الجنوبيين أصبحت واضحة وماثلة للعيان في الخرطوم وهذا يعني أن ثمة عوامل قوة تعزز اتجاه السودان نحو الوحدة والاستقرار والتنمية

** سؤال: والمعارضة الشمالية التي تتشكلت من التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يتخذ من العاصمة اسمرا مقرا له، وكذلك جبهة الشرق؟


توكل: تشكيلات التجمع الوطني الديمقراطي وجدت فرصتها في الحكم من خلال ما وجده رموزها من نصيب في مقاعد البرلمان والمؤسسات السيادية الأخرى ، أما جبهة الشرق التي تعتبر من أهم إنجازات الحكومة الارترية فانها تعاني من بعض الخلافات والتشرزمات والصراعات ، وما تبقى منها خسرته ارتريا لأنه عمليا شكل تحالفا مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وانه الجبهة لم تعد (كرتا) تلوح به الحكومة الارترية عند الضرورة لابتزاز السودان ، وفي زيارته الأخيرة للسودان لم يجد الرئيس افورقي أحدا من رموز جبهة الشرق حيث انصهرت الجبهة كلية في الحزب الحاكم ولم تعد مسمار جحا للحكومة الارترية كما قلنا

** سؤال: لكن الرئيس أفورقي نجح في مسعاه الرامي الى إنهاء الخلاف السوداني - التشادي من خلال الوساطة التي قام بها ، وزيارته لتشاد مؤخرا افضت الى إعادة التطبيع بين الخرطوم وأنجمينا ، كما انه يمسك كغيره من الاطراف الدولية ببعض ملفات دارفور ، كيف تفسر ما أسميته خسارة ارتريا لملف الشرق ، وإمساكها ببعض الملفات الاخرى؟

توكل: تظل ازمة دارفور بالنسبة للسودان من التحديات الكبرى في العام 2009م ، وحيث كانت كذلك في الأعوام السابقة ، وقد أخذت ابعادا دولية ، وظلت تعقيداتها مستمرة ، لكن يظل الملف ملفا للاتحاد الأفريقي على الرغم من دخول لاعبين جدد مؤخرا كجامعة الدول العربية تتويجا لدور دولة قطر التي نجحت في حل أكثر القضايا تعقيدا في الشرق الأوسط ازمة لبنان مثالا ، لكن الإستعانة بارتريا للمساعدة في جمع فرقاء دارفور وما ذكرته من زيارة أفورقي لتشاد والقيام بدور الوساطة ، كل هذا ليس في مصلحة عملية المصالحة لأن وجود الدور الارتري قد يؤلب أطراف أخرى محلية ودولية مناوئة أصلا للمبادرة العربية ، وقد يتخذون من الدور الارتري زريعة لإجهاد العملية برمتها ، فالأفارقة مثلا يعتبرون ملف دارفور من الملفات الافريقية التي يجب ان تحل في الإطار الأفريقي ، وكذلك الولايات المتحدة واسرائيل اللتان تلعبان ادوارا في هذا الشأن ، وربما يحرضان في اتجاه مزيد من التصعيد ، أيضا قد يستفذ الدور الارتري في هذا الشأن اثيوبيا والتي هي بالأساس مقر الإتحاد الإفريقي ، ليس هذا فحسب بل انها تعتبر من الدول المؤثرة إفريقيا ، ولها أكبر قوات حفظ سلام بدارفور ، وقد لا ترضى بالدور الارتري كما ان علاقاتها بدولة قطر مقطوعة منذ فترة

** سؤال: عقب فوز اوباما في انتخابات الرئاسة الامريكية سارعت الحكومة الارترية بارسال برقية تهنئة ، كيف تقرأ مستقبل العلاقات الارترية – الامريكية في ظل الادارة الجديدة في واشنطن وماذا عن الغزل الارتري الاخير للادارة الامريكية الجدبدة؟

توكل: بالنسبة للناس المتابعين للسياسة الارترية قد لا يكون هذا الغزل جديدا حيث انها غازلت ادارة بوش الابن في بداياتها واتهمت ادارة كلينتون بالميول الى اثيوبيا وقد عرضت وقتها على الادراة الامريكية ان تستخدم اراضيها كما قدمت بعض التسهيلات الاخرى الا ان ادارة بوش رأت في ارتريا نظام غير صالح لرعاية مصالحها خاصة وان لهذا النظام سجل سئ مع محيطه لذلك اتجهت امريكا الى جيبوتي وغيرها من الدول ، وان الادارة القديمة التي كان يتهكم عليها النظام الارتري الان قد عادت الى السلطة وهي تعرفه جيدا وهي ادارة كلينتون، مثلا وزارة الخارجية تتقلدها الان هيلري زوجة الرئيس كلينتون وهي تعرف ملفات ارتريا مع ادارة زوجها ايضا ان مندوبة امريكا في الامم المتحدة وهي دكتورة سوزان رايس كانت في عهد كلينتون مساعدة وزير الخارجية للشؤن الافريقية وقد تعرضت لحملة من الانتقادات من قبل اسمرا التي رفضت استقبالها وقد تحولت الحملة الى ما يشبه الشخصنة ، والان الدكتورة رايس ستكون مندوبة امريكا في الامم المتحدة وهو ما يجعل المواجهة بينها وبين ارتريا محتومة لانها تعتبر مختصة وخبيرة في الشأن الارتري

وقد بدأت ارتريا مغازلة الادارة الجديدة للعودة الى بيت الطاعة وذلك ببعث اشارات مفادها انها مستعدة للتخلي عن ملف الصومال والنأي بنفسها عن الجماعات المتطرفة ، كما أعربت عن استعدادها لاحياء اتفاقيات امنية سابقة بين البلدين ، وأبدت استعدادها أيضا للتعاون غير المشروط في حل النزاعات القائمة في منطقة القرن الافريقي مثل السودان والصومال وامن البحر الاحمر بالتنسيق مع امركيا ، وإعادة النظر في علاقاتها مع الدول التي تعتبرها امركيا من معسكر العداء

** وإسرائيليا؟


توكل: توجت ارتريا علاقاتها باسرائيل بزيارة الرئيس لأفورقي لها في العام 1992م بغرض الإستشفاء ، ثم تم التبادل الدبلوماسي بينهما في العام التالي لتكون البعثة الإسرائيلية في اسمرا الثالثة بعد البعثة السودانية والمصرية ، وادت هذه العلاقة الى تلاسنات بين أسمرا وبعض العواصم العربية خاصة القاهرة ودمشق ، واشتعلت بعدها الحرائق حين احتلت ارتريا جزر حنيش ومساندة الجامعة العربية وعموم الدول العربية لليمن التي اتهمت ارتريا بالاستعانة باسرائيل لغزو اراضيها ، تمخض عن هذه الأزمة اقامة تحالف استراتيجي بين كل من تل ابيب واسمرا التي رفضت وجود أي تمثيل للفلسطينيين بأراضيها حتى جاء العام 2007م كمفاجأة كبرى عندما تحولت ارتريا الى كل من ايران وسورية مما اغضب بالطبع اسرائيل التي ردت باستضافتها اللاجئين الارتريين بجانب لاجئين من دارفور بدعاوى تعرضهم لإنتهاكات حقوق انسان في بلدانهم مما دفع بارتريا الى اصدار بيان يندد بما اسمته التدخل الاسرائيلي في شأنها ، ثم أتبعت ذلك بفتح حوار مع حركة حماس الذي توج بلقاء الرئيس أفورقي مع خالد مشعل في احدى العواصم العربية ، وكان أن أدى ذلك الى مزيد من التدهور في علاقات ارتريا باسرائيل التي لأن تصدر ارتريا مؤخرا بيانا تندد فيه بالممارسات الاسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة ، وهو أمر غير مألوف لإرتريا التي كانت في السابق تغض الطرف عن الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين

** وما هو تفسيرك لسر العلاقات الارترية – الايرانية ، خاصة مع ماذكرته من مواقف بين الاولى واسرائيل؟

توكل: هذه العلاقة هي رد فعل لخلافات ارتريا مع واشنطن ، ومحاولة للخروج من العزلة الإقليمية التي فرضت على ارتريا ، وعلى الرغم من الخلاف التاريخي بين البلدين ، وإتهام اسمرا طهران بدعم حكومة الإنقاذ والأممية الإسلامية لإسقاط الحكومة الارترية الا ان المفاجأة كانت أن شهد العام 2008م انقلابا في العلاقات بين البلدين بل ان ما يدهش ان يعلن نظام الرئيس افورقي خطابه من طهران داعيا ايران لاقامة قواعد لها في منطقة القرن الافريقي وهو توجه جديد في بناء علاقات دبلوماسية في نفس الاتجاه كما حدث في العلاقات مع سورية ، ما يعني قيام مثلث ايراني سوري ارتري ،


** وماذا تحقق هذه العلاقة من مكاسب لكل طرف؟

توكل: بالنسبة لإيران فانها لا شك تعتبر مكسبا يضاف الى ما تمتلكه امكانيات من خلال وضعها المميز على مضيق (هرمز) وتهديدها للمصالح الامركية والغربية ، وتستطيع الآن فرض مزيد من التهديد من خلال التسهيلات التي ستحصل عليها من ارتريا بمجب التعاون بينهما ، وسيعزز بالتأكيد تواجدها في باب المندب وحوض البحر الاحمر ويعتقد الخبراء ان الوجود الايراني هنا في جانبه الإقتصادي يهدف الى تطوير مصفاة تكرير البترول في ميناء عصب وانشاء مستودعات وقود ايرانية بهدف تصديرها ، وهذا يعزز الاقتصاد الارتري اذا ما كتب له النجاح ، وربما يتم تسويق هذا التعاون سياسا من اجل خلق التوازن في العلاقات بين ارتريا وامريكا واسرائيل مستقبلا ، من جانب آخر هناك غضب متنام في المنطقة خاصة العربية منها بسبب هذه العلاقات وما تسميه هذه الدول بتنام النفوذ الإيراني في منطقة البحر الأحمر ، وعموما فعلاقة ارتريا بايران هي سلاح ذو حدين ، وكلاهما يستفيدان اذا ما احسنا التصرف.

** سؤال: وماذا عن ملف الخلاف بين ارتريا واثيوبيا؟

توكل: بعد ان خسرت ارتريا دور الامم المتحدة في هذا الجانب وعادت الازمة الى المربع الاول ، تعول الحكومة الارترية الان على دور الادارة الجديدة في واشنطن خاصة وان بعض موظفي هذه الادارة سبق وأن لعبوا دورا في اتفاقية الجزائر ابان عهد الرئيس السابق كلينتون ، وشخصيا استبعد ان تلعب الادارة الجديدة اي دور في هذا الشأن، وربما لن يكون لها دور في تحريك الملف الى حين واستبعد ان يكون هناك اي حوار بين اثيوبيا و ارتريا.

أثيوبيا الان في وضع مريح بعد انتهاء الازمة الصومالية كما رأينا ، والوضع بين ارتريا واثيوبيا سوف يستمر على ما هو عليه لا سلام ولا حرب حتى يضعف احد النظامين وفي هذا فان الحالة الارترية هي المرشحة ، وقد رأينا بالامس القريب انعقاد قمة تجمع صنعاء بالخرطوم حيث حضرت كل الدول ممثلة في اليمن واثيوبيا وجيبوتي والصومال فيما تخلفت عنه ارتريا لوحدها ، وهذا دليل آخر على عزلة ارتريا الاقليمية ، مقعدها شاغر في الايقاد كما هو الحال في الاتحاد الافريقي والان أيضا في تجمع صنعاء ، وعلاقاتها متوترة مع جيرانها ، خاصة اثيوبيا وجيبوتي وهي في حالة هبوط وصعود مع اليمن والسودان اضافة الى العامل الداخلي في البلاد حيث اصبح الوضع الاقتصادي والسياسي مضطربا ، وقد وصف كثير من المراقبين الحالة في ارتريا بالقول ان الشغل الشاغل للحكومة الارترية بات منع رعاياها من مغادرة البلاد حيث اصبحت المغادرة رغبة اي مواطن ارتري للخروج من جحيم الحكومة ، بالنسبة لاثيوبيا فانها في وضع اقليمي ودولي مريح ، ولها قبول واسع من المجتمع الدولي ، وهي الان قد اكملت استعداداتها للولاية الرابعة من الانتخبات البرلمانية ، وقد حققت بعضا من تطلعات شعوبها وهو ما يجد قبولا وترحيبا من الدول الداعمة للتحول الديمقراطي في افريقيا ، والدول الغربية تشترط الان لتطبيع وتحسين العلاقات مع النظام الارتري ان يسبقه اطلاق سراح القادة الاصلاحيين واطلاق الحريات الصحفية والتعددية السياسية والاصلاح الاقتصادي والكف عن مساندة التنظيمات المسلحة وعدم تهديد الامن والسلم الاقليمي ، وبالنسبة للحكومة الارتربة فانها لن تقدم على القبول باي من هذه الشروط وانها سوف تتخندق في معسكر الرفض حتى الانهيار الكلي للنظام
** أستاذ توكل ، سعدت بالحديث اليك ، هل من كلمة توجهها لمن تشاء

توكل: أشكرك كثيرا ، وكل عام وانت والقراء بخير

*عن موقعإفريقان..
أضافة تعليق