مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار مع : لأستاذ محمد نزال عضو المكتب السياسي لحر
حوار مع : لأستاذ محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس

التاريخ لن يرحم المتخاذلين والمتآمرين والصامتين!
أجرى الحوار: مجلة البيان

( البيان ) : ما تقييمكم لموقف الدول العربية والإسلامية؟ وهل يختلف عن توقعاتكم؟
▪ لقد أفرز التفاعل ضدَّ العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة تبايناً واضحاً بين المواقف الشعبية والرَّسمية، فنجد أن هناك مستويين يمثلان موقفي الشعوب والحكَّام. أمَّا المواقف على المستوى الشعبي في الدول العربية والإسلامية وحتى الأجنبية فكانت مواقف رائعة وأكثر من متوقعة، عبَّرت خلالها الشعوب العربية والإسلامية من أقصاها إلى أقصاها عن تجذُّر اهتمامها بقضايا الأمة المصيرية، وعمق ارتباطها بفلسطين بوصفها قضية مركزية. وأمَّا المواقف على المستوى الرَّسمي فنرى أنها كانت هزيلة ولم ترقَ إلى المستوى المطلوب والمنتظَر منها، وقد كان بعض المواقف مستغرباً ومفاجئاً؛ لما مثَّله من انحياز فاضح للجلاَّد، ولا نريد الدخول في ذكر الأسماء، لكنَّ التاريخ لن يرحم، وسيكنس في تيَّاره مواقف المتخاذلين والمتآمرين والصامتين لتبقى وصمة عار، وسيسجِّل بأحرف من نور مواقف العزِّ والفخار التي انطلقت من شوارع الدول العربية والإسلامية وأحيائها ومدنها.
( البيان ) : كيف يمكن استثمار التفاعل الشعبي والحكومي التركي غير المتوقع وتفعيله؟
▪ إنَّ الإسلام متجذِّر في الشعب التركي على الرغم من كل المحاولات الساعية لطمس هويته وانتمائه. وخروج الشعب التركي بكل أطيافه إلى الشوارع معبِّراً عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وصادحاً بوجوب تلبية نداء النصرة؛ دليلٌ على أنَّ العروبة ليست هي اللسان فحسب، وإنما هي في تمثُّل القيم والمبادئ؛ من نصرة، وضمير، ونخوة، وكرم، وغيرها.
لذا فإنَّ الموقف التركي الشعبي والرسمي كان موقفاً متقدِّماً بكل المقاييس، وهو دليلٌ على أن تركيا تعود إلى أصالتها والقيام بدورها الريادي في المنطقة؛ لما تمثله من عمق استراتيجي لهذه الأمة، وعليه؛ فإنَّ علينا أن نستفيد من هذا التناغم بين التفاعل الشعبي والموقف الرسمي في كــل ما يخدم قضيــة الشعب الفلسطيني؛ ســواء كــان سياسيــاً أو اقتصادياً أو إغاثياً...
ولا بدَّ من الإشادة بتصريحات رئيس الوزراء (رجب طيب أردوغان) ومواقفه التي فضحت زيف مواقف بعضهم، وأنَّ بالإمكان فعل الكثير لوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة وصدِّه.
( البيان ) : ما تطلعاتكم إلى ما يمكن أن يقوم به كلٌّ من: العلماء، والشعوب، والهيئات الإغاثية، والحركات الإسلامية؟
▪ لا شكَّ أن شرائح المجتمع كافة في أصقاع العالم العربي والإسلامي قامت وانتفضت وعبَّرت عن عمق ارتباطها بقضية المسلمين الأولى، وأنها مستعدة لبذل الغالي والنفيس من أجل دحر العدوان وفك الحصار. ولكنَّ الأحداث عندما تتسارع وتتشابك خيوطها يلجأ النَّاس إلى العلماء ورثة الأنبياء، فكان أن تبنَّى (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) برئاسة العلَّامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هذا النداء، وكوَّن لجنة زارت دولاً عــربية وإسلامية وطالبت قادة تلك الدول بممارسة ضغوطاتهــم وتكثيف حملتهم بكــل الوسائل المتــاحة عـبر ما يمتلكون من رصيدٍ من العلاقات الدولية والملفات الحية لإيقاف العدوان، وطالبت اللجنة أيضاً تلك الدول بموقف موحَّد وفعَّال وقرارات عملية تتجاوز حالة الشجب والإدانة. ونأمل أن تكلل جهود هذه اللجنة بما تقرُّ به عينُ كل عربي ومسلم في العالم؛ نصرةً لغزة التي تعيش الموت بين الحصار والنَّار.
أما الشعوب في العالمين العربي والإسلامي فاستمرارها في حشد المظاهرات والمسيرات والفعاليات الداعمة لغزة وصمود المقاومة كفيلٌ بتشكيل رأي عام ضاغط على القادة والزعماء؛ لعلَّهم يستفيدون من صحوة ضمير الأمة ويقفون عند القول المأثور: (إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). ورسالة إلى الرأي العام العالمي أنَّ الشعوب العربية والإسلامية لن تموت، وقضية فلسطين التي يُراد لها التصفية حيَّة في وجدان كل عربي ومسلم وقلبه.
وأما دور الهيئات الإغاثية، وما تقدِّمه من مختلف المساعدات الغذائية والطبية والمالية والعينية، في خضمِّ هذا العدوان؛ فإنه دور جوهري وبارز، على الرغم من الصعوبات التي تواجهها في إيصالها عبر معبر رفح. وعليها أن تكثِّف هذه العمليات ليس أثناء الحصار والعدوان فقط، بل عليها أن تستمر في ذلك.
وأمَّا الحركات الإسلامية بكامل أطيافها وأماكن وجودها فما تقوم به من حشد الطاقات وإذكاء روح التضحية والمقاومة في نفوس النَّاس، والمشاركة في تأسيس مواقف واضحة وصارمة تخدم متطلبات الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة داخل أروقة البرلمانات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية؛ كلُّ ذلك يُحسب لها وستؤجر عليه من الله سبحانه وتعالى.
( البيان ) : هل تتوقعون أن تؤدي الضغوط على الحكومة المصرية إلى تعديل مواقفها؟
▪ من المؤسف أن تصدر من ساسةٍ ومسؤولين مصريين تصريحات ومواقف تساوي بين الضحية والجلاَّد وتخدم الجانب الصهيوني والأمريكي وأهدافهما في المنطقة، وحتى الأبواق الإعلامية سعت بكل ما ينسف الموضوعية والتوازن إلى تحميل حركة حماس المسؤولية؛ محاولة منها لتشويه صورة الحركة!
وقد كنَّا نتوقع من الموقف الرَّسمي المصري أن يعلن عن فتح معبر رفح وإبقائه مفتوحاً أمام المساعدات كافة بوصف ذلك رداً عملياً على الدماء التي سالت على أرض غزة بفعل العدوان الصهيوني السافر، وهو القائل: (إن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً).
كما كنّا نتوقَّع أن يقوم النظام المصري بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ووقف تصدير الغاز الذي يُعدُّ وقوداً للعتاد العسكري الجاثم على أرض غزة والـمُمْعِن في قتل النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء.
ولا بدَّ من التنويه في الموضوع ذاته بالهبَّة الجماهيرية المصرية الداعمة لصمود غزة ومقاومتها، وهذا الموقف ليس غريباً على شعب مصر الوفي لأصالته العربية والإسلامية، والداعم على الدوام للقضية الفلسطينية، وما نأمله هو أن يكون هناك تحسُّن أو تغيُّر في الموقف الرَّسمي المصري؛ لتعود مصر إلى ريادتها وموقعها المتقدم في خارطة العمل لصالح القضية الفلسطينية.
( البيان ) : هل حان الوقت لمواقف جديدة تؤكد على تحرير كامل فلسطين؟
▪ إنَّ موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منذ تأسيسها سنة 1987م؛ موقفٌ ثابت لم يتغيَّر والمتمثِّل في عدم التفريط في أيِّ شبر من أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وهو موقف أثبتته الحركة من خلال ما تقدِّمه من شهداء، وممارسات على أرض الواقع؛ سواء كان ذلك في الداخل الفلسطيني أو في الشتات. ويذهب كثير من المشككين في هذا الموقف إلى القول: إنَّه في ظل موازين القوى الموجودة لا يمكن تحرير كامل فلسطين، ولذلك لا بدَّ لنا من الحصول على الممكن وكفانا تضييعاً للفرص التي مرَّت بنا على مسار قضيتنا الطويل. وينسى هؤلاء أن موازين القوى هذه هي التي أدَّت إلى ضياع فلسطين، وإذا رضينا بهذه الموازين فستظل فلسطين ضائعة، ولكن من واجب كل شعب احتُلت أرضه أن يسعى لتغيير موازين القوى لصالحه حتى يغيِّر من واقعه السيِّئ.
فموقف الحركة في هذا الموضوع بات واضحاً، وهو مدوَّن في ميثاقها التأسيسي، ولا يحتاج إلى تأكيد؛ لذا فهم يحاربونها ويحاصرونها.
( البيان ) : الذين لا يحملون السِّلاح هل لهم حق في عرض السَّلام على الآخرين؟
▪ بالتأكيد ليس لهم الحق؛ لأنَّ أحداً لم يفوِّضهم، وواقع الحال الذي أنتجه العدوان الغاشم على قطاع غزة يثبت بالدليل القاطع أن الشرعية الوحيدة حين تضع الحربُ أوزارَها هي شرعية من يقاوم ويحمي الأرض والعِرض، لا من يتواطأ أو يتخاذل في أن يقف موقفاً واضحاً وصريحاً لوقف العدوان وفك الحصار وفتح المعابر.
( البيان ) : في رأيكم؛ ما الأوضاع التي سيفرزها الصراع الحالي في حال فشل الصهاينة في حسم المعركة لصالحهم؟
▪ ليس لدينا شك في أنَّ فصائل المقاومة على أرض غزة وفي مقدّمتها كتائب عز الدين القسَّام تحقِّق كلَّ يوم انتصاراً جديداً لمشروعها في تحرير الأرض ودحر العدوان، بل نحن على يقين تام بالنصر بإذن الله، ونرى تباشير النَّصر ماثلة رأيَ العين، وأنَّ هزيمة الجيش الصهيوني في تحقيق أهدافه قد باتت واضحة للرأي العام، بل إن أهدافه التي بنى عليها عدوانه السَّافر قد تلاشت على وقع صواريخ المقاومة، ودقة العمليات الجهادية للمقاومين.
ويعدُّ انتصار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ودحر الاحتلال وعدم تحقيق أهدافه؛ منعطفاً كبيراً للقضية الفلسطينية، ونحن نؤمن أن المنعطفات الكبيرة كفيلة بتحقيق تحوُّلات كبيرة تقود إلى تغيير في موازين القوّة على أرض الواقع؛ سواء كانت سياسية أو عسكرية، أو في ازدياد الالتفاف الجماهيري.
وحتَّى لا نستبق الأحداث فالأيام القادمة وما تحمله في كنفها من تغيرات على الساحة الفلسطينية كفيلة في إزالة اللَّبْس عن واقع ما ستؤول إليه أحداث اليوم.
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٠٤].
*عن مجلة البيان
أضافة تعليق