العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك لـ (( البيان ) ):
مقاطعة العدو وأعوانه اقتصادياً من أقوى وسائل الضغط
مدخل:
العلَّامة فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك من أعلام العلماء وكبار الفقهاء، عُرِفَ برسوخه العلمي، وقوته في الحق، إمامٌ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نذر نفسه للعلم وأهله، وللتدريس والفتيا، وأصبح مرجع العلماء وطلبة العلم والدعاة والمصلحين؛ يستفيدون من علمه، ويقتدون بسمته، ويستشيرونه في النوازل. ويسرنا في مجلة «( البيان ) » أن نجري مع فضيلته الحوار التالي:
( البيان ) : ما واجب المسلمين العقدي تجاه اليهود ودولتهم؟
▪ الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإن أمة اليهود من شرِّ أمم أهل الأرض في القديم والحديث، والله - تعالى - قد فضح اليهود وبيَّن مخازيهم، وفصَّل ذلك - سبحانه وتعالى - تفصيلاً لا يتسع المقام لذكره، لكنه واضـح لمــن تدبَّر سورة البقــرة وآل عمران والنساء والمائدة. وكما ذكر أحوال أسـلافهم ذكــر أحوالهم في عهد النبوة، وبيَّن - سبحــانه وتعالى - شدة عداوتهم للمؤمنين كالمشركين وسعيهــم في الأرض بالفساد وإيقادهم للحروب، قال - تعالى -: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُفْسِدِينَ} [المائدة: ٤٦].
ومنذ بعث الله المسيح - عليــه السلام - رسولاً للنــاس كـان الذين كذبوه من بنــي إســرائيل هـم اليهــود وكفــروا بــذلك، وقد أخبر الله - تعالى - عن مواقفهم مع عبده ورسوله عيسى ابن مريم وأمه، ثم كفــروا ثـانياً بتكذيبهم نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - {فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: ٠٩]. وكثيراً ما يُذكَر الغضب في القرآن في الخبـــر عنهــم، وأول ذلك قوله - تعالى -: {غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] في أمِّ القرآن، ولهذا تسمَّى أمةُ اليهود عند أهل العلم (الأمةَ الغضبــية) و (قتــلة الأنبيــاء) و (إخوان القردة والخنازير) ونحو ذلك مما وصفهم الله به في القرآن، فيجب لذلك بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم واعتقاد أنهم كفار وإن زعموا الانتساب لشريعة التوراة، ومن اعتقد من المسلمين أنهم لذلك على دين صحيح فهو كافر مرتد وإن زعم أنه مسلم. وأما دولتهم القائمة فهي دولة الظلم والاحتلال لبلاد المسلمين، والواجب على المسلمين - كلما قدروا - أن يجاهدوهــم ويخرجوهــم من فلسطين؛ لكفرهم وظلمهم، قال - تعالى -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْـحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْـجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٩٢]. وقــال - تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: ٠٩١ - ١٩١].
( البيان ) : ما الحكم الشرعي في نصرة المسلمين في غزة، وصورها؟
▪ إذا كان جهاد دولة اليهود واجباً فإنه يجب على جميع المسلمين نصرة من جاهدهم؛ كل بحســب حاله؛ لأن الله - تعالى - يقول: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ١٧]، ويقول - أيضاً -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: ٠١]، وقال - تعالى -: {وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [الأنفال: ٢٧]. وكما يكون الجهاد بالنفس والمال واللسان يكون النصر بذلك، فيجب نصر المجاهدين بكل ما أمكن من وسائل النصرة، ومن ذلك: العمل على فكِّ الحصار عنهم بفتح المعابر التي يصلون منها إلى ما يأمنون به على أنفسهم ويجلبون ضرورياتهم، وضد ذلك هو إعانة للعدو عليهم، ومن وسائل النصرة أيضاً: مقاطعة العدو وأعوانه اقتصادياً؛ فإن ذلك من أقوى وسائل الضغط في هذا العصر؛ تصديراً واستيراداً؛ كما فعل ثمامة بن آثال مع قريش حيث آلى ألا يصل إليهم شيء من بُرِّ اليمامة حتى يأذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
( البيان ) : هل تسوِّغ أخطاءُ المجاهدين في غزة أو غيرها تركَ نصرتهم؟
▪ إذا تقرَّر وجوب نصرة المجاهدين في سبيل الله - عز وجل - فمن المعلوم أن الأخوة الإسلامية لا يبطلها ما يكون من ذنوب وأخطاء، بل من الواجب فيما بين المسلمين التناصح والإرشاد والتنبيه على الخطأ وإنكار المنكر بالطرق المحققة لمقاصد الشريعة؛ فما يأخذه بعض الناس على المجاهدين في غزة وغيرها من أخطاء حقيقية أو محتملة لا يجوز أن يكون ذلك مانعاً من نصرتهم وموجباً لخذلانهم؛ فإن ذلك مكسب للعدو، ومع نصرتهم يجب ردُّ محلِّ التنازع إلى ما أمر الله به - سبحانه -: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٩٥].
( البيان ) : ما حكم السلام والتطبيع مع اليهود؟ وما شرعية الاتفاقيات المؤدية إلى ذلك؟
▪ العهد مع الكفار في الشريعة يكون على وجهين:
الأول: عهد ذمة، وهو العهد الذي يكون مشروطاً ببذل الجزية، فهذا العهد يعتبر فيه الدوام ما التزموا بشرطه ولم يأتوا بما ينقضه.
الثاني: العهد الذي مقصوده الكف عن القتل والقتال، وهذا أيضاً على وجهين:
الوجه الأول: العهد مع الكفار وهم في أرضهم وليسوا في دار الإسلام، وهذا هو الصلح، ويكون مطلقاً، أي: ليس مقيداً بمدة، وليس معنى هذا دوام هذا العهد، لكن لا يجوز للمسلمين نقضه إلا بعد إبلاغ الطرف الآخر، ويكون مقيداً بمدة؛ كما صالح الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريشاً على وقف القتال عشر سنين وعلى شروط معروفة، وهذا العهد لا يجوز للمسلمين نقضه بل يجب الوفاء به، إلا أن يكون النقض من الكفار، ولهذا غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشاً لما نقضوا العهد بمعاونة بكر على خزاعة.
والوجه الثاني: العهد مع الكفار الذين يدخلون ديار المسلمين بإذنهم ويسمون المستأمَنين، وهؤلاء يجب الوفاء لهم بعهدهم حتــى يتم الغرض من دخولهــم، ومن ذلك: قوله - تعالى -: {وَإنْ أَحَدٌ مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦]، فلا يجوز لأحد من المسلمين التعرُّض له حتى يبلغ مأمنه.
وأما المعاهدات الدولية المعاصرة فلم تُبْنَ شروطها على موجب الأحكام الإسلامية، بل إن كثيراً من شروطها مخالف للشريعة الإسلامية، ومن أبرز ذلك: ما تتضمنه المعاهدة الدائمة، وهو ما يعبَّر عنه بالاعتراف والتطبيع.
وأما إذا احتلَّ الكفار شيئاً من بلدان المسلمين فلا يُتَصوَّر معهم شيء إلا الجهاد أو الهدنة حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين.
نسأل الله - عز وجل - أن ينصر دينه ويُعلي كلمته، وأن يجعل للمسلمين في غزة مِنْ كلِّ همٍّ فرجاً ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً ومن كلِّ بلاءٍ عافية، والحمد لله رب العالمين.
*مجلة البيان
مقاطعة العدو وأعوانه اقتصادياً من أقوى وسائل الضغط
مدخل:
العلَّامة فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك من أعلام العلماء وكبار الفقهاء، عُرِفَ برسوخه العلمي، وقوته في الحق، إمامٌ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نذر نفسه للعلم وأهله، وللتدريس والفتيا، وأصبح مرجع العلماء وطلبة العلم والدعاة والمصلحين؛ يستفيدون من علمه، ويقتدون بسمته، ويستشيرونه في النوازل. ويسرنا في مجلة «( البيان ) » أن نجري مع فضيلته الحوار التالي:
( البيان ) : ما واجب المسلمين العقدي تجاه اليهود ودولتهم؟
▪ الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإن أمة اليهود من شرِّ أمم أهل الأرض في القديم والحديث، والله - تعالى - قد فضح اليهود وبيَّن مخازيهم، وفصَّل ذلك - سبحانه وتعالى - تفصيلاً لا يتسع المقام لذكره، لكنه واضـح لمــن تدبَّر سورة البقــرة وآل عمران والنساء والمائدة. وكما ذكر أحوال أسـلافهم ذكــر أحوالهم في عهد النبوة، وبيَّن - سبحــانه وتعالى - شدة عداوتهم للمؤمنين كالمشركين وسعيهــم في الأرض بالفساد وإيقادهم للحروب، قال - تعالى -: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُفْسِدِينَ} [المائدة: ٤٦].
ومنذ بعث الله المسيح - عليــه السلام - رسولاً للنــاس كـان الذين كذبوه من بنــي إســرائيل هـم اليهــود وكفــروا بــذلك، وقد أخبر الله - تعالى - عن مواقفهم مع عبده ورسوله عيسى ابن مريم وأمه، ثم كفــروا ثـانياً بتكذيبهم نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - {فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: ٠٩]. وكثيراً ما يُذكَر الغضب في القرآن في الخبـــر عنهــم، وأول ذلك قوله - تعالى -: {غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] في أمِّ القرآن، ولهذا تسمَّى أمةُ اليهود عند أهل العلم (الأمةَ الغضبــية) و (قتــلة الأنبيــاء) و (إخوان القردة والخنازير) ونحو ذلك مما وصفهم الله به في القرآن، فيجب لذلك بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم واعتقاد أنهم كفار وإن زعموا الانتساب لشريعة التوراة، ومن اعتقد من المسلمين أنهم لذلك على دين صحيح فهو كافر مرتد وإن زعم أنه مسلم. وأما دولتهم القائمة فهي دولة الظلم والاحتلال لبلاد المسلمين، والواجب على المسلمين - كلما قدروا - أن يجاهدوهــم ويخرجوهــم من فلسطين؛ لكفرهم وظلمهم، قال - تعالى -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْـحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْـجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٩٢]. وقــال - تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: ٠٩١ - ١٩١].
( البيان ) : ما الحكم الشرعي في نصرة المسلمين في غزة، وصورها؟
▪ إذا كان جهاد دولة اليهود واجباً فإنه يجب على جميع المسلمين نصرة من جاهدهم؛ كل بحســب حاله؛ لأن الله - تعالى - يقول: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ١٧]، ويقول - أيضاً -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: ٠١]، وقال - تعالى -: {وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [الأنفال: ٢٧]. وكما يكون الجهاد بالنفس والمال واللسان يكون النصر بذلك، فيجب نصر المجاهدين بكل ما أمكن من وسائل النصرة، ومن ذلك: العمل على فكِّ الحصار عنهم بفتح المعابر التي يصلون منها إلى ما يأمنون به على أنفسهم ويجلبون ضرورياتهم، وضد ذلك هو إعانة للعدو عليهم، ومن وسائل النصرة أيضاً: مقاطعة العدو وأعوانه اقتصادياً؛ فإن ذلك من أقوى وسائل الضغط في هذا العصر؛ تصديراً واستيراداً؛ كما فعل ثمامة بن آثال مع قريش حيث آلى ألا يصل إليهم شيء من بُرِّ اليمامة حتى يأذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
( البيان ) : هل تسوِّغ أخطاءُ المجاهدين في غزة أو غيرها تركَ نصرتهم؟
▪ إذا تقرَّر وجوب نصرة المجاهدين في سبيل الله - عز وجل - فمن المعلوم أن الأخوة الإسلامية لا يبطلها ما يكون من ذنوب وأخطاء، بل من الواجب فيما بين المسلمين التناصح والإرشاد والتنبيه على الخطأ وإنكار المنكر بالطرق المحققة لمقاصد الشريعة؛ فما يأخذه بعض الناس على المجاهدين في غزة وغيرها من أخطاء حقيقية أو محتملة لا يجوز أن يكون ذلك مانعاً من نصرتهم وموجباً لخذلانهم؛ فإن ذلك مكسب للعدو، ومع نصرتهم يجب ردُّ محلِّ التنازع إلى ما أمر الله به - سبحانه -: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٩٥].
( البيان ) : ما حكم السلام والتطبيع مع اليهود؟ وما شرعية الاتفاقيات المؤدية إلى ذلك؟
▪ العهد مع الكفار في الشريعة يكون على وجهين:
الأول: عهد ذمة، وهو العهد الذي يكون مشروطاً ببذل الجزية، فهذا العهد يعتبر فيه الدوام ما التزموا بشرطه ولم يأتوا بما ينقضه.
الثاني: العهد الذي مقصوده الكف عن القتل والقتال، وهذا أيضاً على وجهين:
الوجه الأول: العهد مع الكفار وهم في أرضهم وليسوا في دار الإسلام، وهذا هو الصلح، ويكون مطلقاً، أي: ليس مقيداً بمدة، وليس معنى هذا دوام هذا العهد، لكن لا يجوز للمسلمين نقضه إلا بعد إبلاغ الطرف الآخر، ويكون مقيداً بمدة؛ كما صالح الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريشاً على وقف القتال عشر سنين وعلى شروط معروفة، وهذا العهد لا يجوز للمسلمين نقضه بل يجب الوفاء به، إلا أن يكون النقض من الكفار، ولهذا غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشاً لما نقضوا العهد بمعاونة بكر على خزاعة.
والوجه الثاني: العهد مع الكفار الذين يدخلون ديار المسلمين بإذنهم ويسمون المستأمَنين، وهؤلاء يجب الوفاء لهم بعهدهم حتــى يتم الغرض من دخولهــم، ومن ذلك: قوله - تعالى -: {وَإنْ أَحَدٌ مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦]، فلا يجوز لأحد من المسلمين التعرُّض له حتى يبلغ مأمنه.
وأما المعاهدات الدولية المعاصرة فلم تُبْنَ شروطها على موجب الأحكام الإسلامية، بل إن كثيراً من شروطها مخالف للشريعة الإسلامية، ومن أبرز ذلك: ما تتضمنه المعاهدة الدائمة، وهو ما يعبَّر عنه بالاعتراف والتطبيع.
وأما إذا احتلَّ الكفار شيئاً من بلدان المسلمين فلا يُتَصوَّر معهم شيء إلا الجهاد أو الهدنة حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين.
نسأل الله - عز وجل - أن ينصر دينه ويُعلي كلمته، وأن يجعل للمسلمين في غزة مِنْ كلِّ همٍّ فرجاً ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً ومن كلِّ بلاءٍ عافية، والحمد لله رب العالمين.
*مجلة البيان