ماشاهدتُه في غزة يفوق الاحتمال والوصف!
عبدالمنعم أبو الفتوح
القاهرة : محمد جمال عرفة
أكّد د.عبدالمنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب أن أطباء الاتحاد قاموا - بالتعاون مع قانونيين عرب وأجانب ومنظمة الصحة العالمية - بتوثيق العديد من الأدلة الطبية على جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة.
وأوضح في حواره لـ«المجتمع»، عقب عودته من القطاع في مهمة أشرف فيها على عمليات الإغاثة الطبية، أن هناك وثيقة صحية يجري إعدادها بالتعاون مع منظمة الصحة، وأن الاتحاد كلف قانونيين برفع قضايا ضد مجرمي الحرب الصهاينة أمام محاكم أوروبية.
وأكّد أن عدد الجرحى والمصابين فاق قدرات الأطباء، وأن هناك تخصصات نادرة كان يحتاجها القطاع للتغلب على الإصابات الغريبة للأسلحة المحرمة التي استعملها الصهاينة.
وقال د. أبو الفتوح: إن السلطات المصرية سمحت بإدخال مساعدات طبية فقط عبر معبر رفح، مثل الأدوية، وسيارات الإسعاف والأجهزة الطبية، لكنها منعت دخول الأغذية أو المعدات اللازمة لرفع الأنقاض التي يعاني منها القطاع ولا يزال عدد من الجثث تحتها، وكذا سيارات الإنقاذ والمطافي التي لا يوجد منها سوى سيارتين فقط في غزة، في حين يحتاج القطاع إلى العديد من هذه المعدات والأجهزة.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
< ماذا شاهدتَ في غزة بعد العدوان الصهيوني؟
ـ ذهبت إلى غزة للوقوف على حالة الدعم الإغاثي الذي يقدمه اتحاد الأطباء العرب واحتياجات القطاع الحقيقية.. وبالطبع فإن زملاءنا الأطباء الذين مكثوا هناك وعايشوا جرائم الاحتلال أكثر درايةً مني بطبيعة هذه الجرائم وأجواء مجزرة غزة.
وما حدث في غزة مسألة فوق الاحتمال والوصف، فالمجزرة تُعَدُّ فوق إمكانات المستوى الصحي، وفوق طاقة الكادر الطبي الفلسطيني داخل غزة، من الناحية الكمية والناحية الكيفية، فعدد الجرحى والمصابين فاق قدرات وإمكانات الأطباء والمستشفيات الفلسطينية، ومن الناحية الكيفية فاقت المجزرة الحدود من حيث نوعية الإصابات وعدد المستشفيات وكفاءة وقدرة الأطباء، فهناك إصابات لا يستطيع أن يتعامل معها مثلاً سوى الاستشاري أو الأستاذ، وعدد هؤلاء غير كافٍ هناك، وهذا ما دفعنا كاتحاد أطباء لمناشدة الاستشاريين والاختصاصيين المصريين والعرب للتوجه إلى غزة، خصوصاً في مجالات الجراحة وعلاج الحروق والعيون والإصابات الكيماوية والتخصصات الحساسة.
وقد جرى العدوان ضد مكان مغلق ومحاصر، ولم يحدث من قبل أن حارب شعب في مساحة مقفولة عليه وهو محاصَر من كل الجهات.. ففي حروب 1956م، و1967م، و1973م ضد مصر، كانت الجبهة مفتوحة، بحيث يمكن للجرحى والمرضى أن يخرجوا من منطقة العمليات للعلاج، ويمكن للأطباء أن يذهبوا لعلاج المصابين، ولكن هذه أول مرة يُقصف فيها شعب بالطائرات والمدافع، ولا يجد أفراده ميناءً أو طريقاً للخارج، وهذه مأساة حقيقية.
< ما أكثر الحالات الحرجة التي رأيتها هناك؟
ـ أكثر الحالات الحرجة كانت الإصابات الناتجة عن استعمال الأسلحة الكيماوية مثل قذائف الفوسفور الأبيض وقنابل «الدايم» والقنابل الارتجاجية، وقد سجلنا الكثير من الحالات التي تشير إلى استخدام أسلحة محرمة وفتّاكة تحوّل الإنسان إلى عظم وحصوات بلا لحم.. وفي بعض الحالات شاهدنا مكان دخول الرصاصة أو الشظية لأجساد المصابين ولكن لا يوجد مكان لخروج أيٍّ منهما، فأين ذهبت؟.. للأسف ذابت داخل جسم المصاب، لأن هناك نوعاً من الأسلحة التى استُخدِمت، بعد أن تنزل قذيفتها ترتفع إلى مستوى معين، وتتسبَّب في بتر الأقدام أو الجسد كأنها سكين حادة، وكأن هذا البتر مقطوع بأشعة الليزر، أي أنه ليس بتراً اعتيادياً.
ليس معبراً!
< هل تم رفع كل الجثث من تحت الأنقاض؟
ـ لا تزال هناك جثث حتى الآن تحت الأنقاض، ومن غير الممكن رفع الأنقاض عنها لأن كمية الهدم والردم التي نتجت من العدوان والتفجيرات تحتاج إلى عدد مناسب من المعدات الثقيلة، وهذه المعدات غير موجودة في غزة، وليس مسموحاً لها الدخول لا من المعابر الصهيونية ولا من نقطة الحدود المصرية.. والإخوة الفلسطينيون يصرخون مطالبين بسرعة إرسال هذه المعدات لرفع هذه الأنقاض، وبعثوا للاتحاد رسائل كثيرة تقول: «نحن في حاجة ملحّة لأدوات ثقيلة لرفع الهدم والأنقاض».
وقطاع غزة يحتاج أيضاً إلى سيارات إطفاء الحرائق، لأنها غير متوافرة بالعدد الكافي، والموجود منها غير قادر على إطفاء كل الحرائق التي نتجت عن استخدام آلاف الأطنان من القنابل الصهيونية، فلا يوجد في مدينة غزة إلا سيارتان من هذا النوع، وغير مسموح بدخول مثل هذه السيارات لا من المعابر الصهيونية ولا من معبر رفح الذي يسمح فقط بعبور الأدوية وسيارات الإسعاف.. فما يُسمَّي «معبر رفح» هو «نقطة حدود» وليست معبراً، لأن المعبر يكون بين منطقتين كلاهما أرض فلسطينية، لكن هذه نقطة حدود مصرية، ومن حقنا في مصر أن نسمح أو لا نسمح؛ بدون أن يفرض علينا أحد شيئاً.
أدلة إثبات
< هل أعددتم وثيقة طبية عن جرائم الحرب الصهيونية في غزة؟
ـ هذه مسألة علمية، وهناك فريق من أطباء الاتحاد يسعي لعمل هذه الوثيقة وتوثيق جرائم الاحتلال لتقديمها إلى محاكم جرائم الحرب، واتفقنا مع منظمة الصحة العالمية على هذا، وهناك أطباء من الطب الشرعي يأخذون عينات من الأرض ومن الجثث، ومن مخارج عوادم السيارات وغيرها، لإثبات وجود مواد كيماوية محرَّمة ضُرِبت ضد الناس، ورصد الغازات السامة أو الأسلحة المستخدمة من قبل الصهاينة ضد المدنيين، وذلك حتى نستفيد به على المستوى الإعلامي بعرض هذه الوثيقة الصحية الطبية.
أما على المستوى القانوني فقد كلفنا د. هيثم منّاع، الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومقرها «باريس»، وهو طبيب ممثل لرئيس اتحاد الأطباء العرب، كلفناه برفع عدد من القضايا ضد مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحكمة الجنائية الأوروبية، ومحاكم أخرى تختص بإثبات هذه الجرائم ضد الاحتلال، وسنستفيد في هذه القضايا بشهادة الأطباء كأدلة إثبات.
< وهل لديكم أدلة طبية موثَّقة؟
ـ نعم، فالأطباء أنفسهم شاهدوا حالات كثيرة وكتبوا شهادات طبية بهذا، كما قاموا بتحليل عينات من الجثث، أو من الجروح، أو من التربة في غزة، وقام فريق الطب الشرعي مع د. هيثم مناع بتوثيقها.
ويساعدنا في هذا منظمة الصحة العالمية وخبراء قادمون من أوروبا، وخبراء دوليون، مثل رئيس جمعية الطب الشرعي في أوروبا (إيطالى)، وكان يتابع قضية الأسلحة المحرمة في حرب البوسنة، وهو متعاون ومشارك معنا.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
< ما نوع المساعدات التي سُمِح لكم بتمريرها إلى غزة عبر معبر رفح؟ وما الذي مُنِع؟
ـ بشكلٍ عام، سُمِح لنا بكل ما له علاقة بالمجال الطبي، مثل: الدواء، والأجهزة الطبية، وسيارات الإسعاف، والأطباء فقط، أما ما عدا ذلك من المساعدات مثل المواد الغذائية والدعم العلمي (أي استقدام وتدريب فريق أطباء فلسطيني في مصر) فلم يُسمح به، ولكن سُمح لنا نحن بأن نذهب إلى قطاع غزة لتدريبهم، ولكن أي طبيب مصرى ذهب لمدة أسبوع أو أسبوعين ثم عاد، وهذا لا يكفي، علماً بأننا كنا قد بدأنا في تنظيم برامج تدريبية للأطباء الفلسطينيين في مصر قبل العدوان الذي تسبَّب في تأجيلها.
وأود أن أنبّه لأمر مهم، وهو أن المسؤولين عندما يتحدثون يتجاهلون أن الفلسطينيين يريدون أن يعيشوا مثل أي إنسان يحلم بتربية أبنائه، وتعليمهم، والخروج والتنزه، وتوافر الخدمات الأساسية للحياة الكريمة.. أي أن المطلوب تنمية اقتصادية كاملة للشعب الفلسطيني، وليس فقط السعي للحفاظ على حياتهم طبياً.. فأهالي غزة يريدون الخبز والدواء وكل شيء مثل غيرهم، والمعونات التي تدخل إلى القطاع لا تكفيهم.
وكمثال بالأرقام، نجد أن كمية الدقيق التي تدخل إلى القطاع تتراوح بين 70 و100 طن يومياً، وإذا قسمنا هذه الكمية على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، سنجد أن نصيب الفرد لا يتعدّى 70 جراماً من الدقيق يومياً، أي أقل من وزن رغيف واحد من الخبز يومياً.. كما أن الأدوية الطبية غير كافية، رغم ما دخل منها إلى القطاع، عن طريق اتحاد الأطباء العرب، ونقابة الأطباء المصرية، والهلال الأحمر المصرى، والجمعية الشرعية.. فنحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه ليس كافياً!
*عن المجتمع
عبدالمنعم أبو الفتوح
القاهرة : محمد جمال عرفة
أكّد د.عبدالمنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب أن أطباء الاتحاد قاموا - بالتعاون مع قانونيين عرب وأجانب ومنظمة الصحة العالمية - بتوثيق العديد من الأدلة الطبية على جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة.
وأوضح في حواره لـ«المجتمع»، عقب عودته من القطاع في مهمة أشرف فيها على عمليات الإغاثة الطبية، أن هناك وثيقة صحية يجري إعدادها بالتعاون مع منظمة الصحة، وأن الاتحاد كلف قانونيين برفع قضايا ضد مجرمي الحرب الصهاينة أمام محاكم أوروبية.
وأكّد أن عدد الجرحى والمصابين فاق قدرات الأطباء، وأن هناك تخصصات نادرة كان يحتاجها القطاع للتغلب على الإصابات الغريبة للأسلحة المحرمة التي استعملها الصهاينة.
وقال د. أبو الفتوح: إن السلطات المصرية سمحت بإدخال مساعدات طبية فقط عبر معبر رفح، مثل الأدوية، وسيارات الإسعاف والأجهزة الطبية، لكنها منعت دخول الأغذية أو المعدات اللازمة لرفع الأنقاض التي يعاني منها القطاع ولا يزال عدد من الجثث تحتها، وكذا سيارات الإنقاذ والمطافي التي لا يوجد منها سوى سيارتين فقط في غزة، في حين يحتاج القطاع إلى العديد من هذه المعدات والأجهزة.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
< ماذا شاهدتَ في غزة بعد العدوان الصهيوني؟
ـ ذهبت إلى غزة للوقوف على حالة الدعم الإغاثي الذي يقدمه اتحاد الأطباء العرب واحتياجات القطاع الحقيقية.. وبالطبع فإن زملاءنا الأطباء الذين مكثوا هناك وعايشوا جرائم الاحتلال أكثر درايةً مني بطبيعة هذه الجرائم وأجواء مجزرة غزة.
وما حدث في غزة مسألة فوق الاحتمال والوصف، فالمجزرة تُعَدُّ فوق إمكانات المستوى الصحي، وفوق طاقة الكادر الطبي الفلسطيني داخل غزة، من الناحية الكمية والناحية الكيفية، فعدد الجرحى والمصابين فاق قدرات وإمكانات الأطباء والمستشفيات الفلسطينية، ومن الناحية الكيفية فاقت المجزرة الحدود من حيث نوعية الإصابات وعدد المستشفيات وكفاءة وقدرة الأطباء، فهناك إصابات لا يستطيع أن يتعامل معها مثلاً سوى الاستشاري أو الأستاذ، وعدد هؤلاء غير كافٍ هناك، وهذا ما دفعنا كاتحاد أطباء لمناشدة الاستشاريين والاختصاصيين المصريين والعرب للتوجه إلى غزة، خصوصاً في مجالات الجراحة وعلاج الحروق والعيون والإصابات الكيماوية والتخصصات الحساسة.
وقد جرى العدوان ضد مكان مغلق ومحاصر، ولم يحدث من قبل أن حارب شعب في مساحة مقفولة عليه وهو محاصَر من كل الجهات.. ففي حروب 1956م، و1967م، و1973م ضد مصر، كانت الجبهة مفتوحة، بحيث يمكن للجرحى والمرضى أن يخرجوا من منطقة العمليات للعلاج، ويمكن للأطباء أن يذهبوا لعلاج المصابين، ولكن هذه أول مرة يُقصف فيها شعب بالطائرات والمدافع، ولا يجد أفراده ميناءً أو طريقاً للخارج، وهذه مأساة حقيقية.
< ما أكثر الحالات الحرجة التي رأيتها هناك؟
ـ أكثر الحالات الحرجة كانت الإصابات الناتجة عن استعمال الأسلحة الكيماوية مثل قذائف الفوسفور الأبيض وقنابل «الدايم» والقنابل الارتجاجية، وقد سجلنا الكثير من الحالات التي تشير إلى استخدام أسلحة محرمة وفتّاكة تحوّل الإنسان إلى عظم وحصوات بلا لحم.. وفي بعض الحالات شاهدنا مكان دخول الرصاصة أو الشظية لأجساد المصابين ولكن لا يوجد مكان لخروج أيٍّ منهما، فأين ذهبت؟.. للأسف ذابت داخل جسم المصاب، لأن هناك نوعاً من الأسلحة التى استُخدِمت، بعد أن تنزل قذيفتها ترتفع إلى مستوى معين، وتتسبَّب في بتر الأقدام أو الجسد كأنها سكين حادة، وكأن هذا البتر مقطوع بأشعة الليزر، أي أنه ليس بتراً اعتيادياً.
ليس معبراً!
< هل تم رفع كل الجثث من تحت الأنقاض؟
ـ لا تزال هناك جثث حتى الآن تحت الأنقاض، ومن غير الممكن رفع الأنقاض عنها لأن كمية الهدم والردم التي نتجت من العدوان والتفجيرات تحتاج إلى عدد مناسب من المعدات الثقيلة، وهذه المعدات غير موجودة في غزة، وليس مسموحاً لها الدخول لا من المعابر الصهيونية ولا من نقطة الحدود المصرية.. والإخوة الفلسطينيون يصرخون مطالبين بسرعة إرسال هذه المعدات لرفع هذه الأنقاض، وبعثوا للاتحاد رسائل كثيرة تقول: «نحن في حاجة ملحّة لأدوات ثقيلة لرفع الهدم والأنقاض».
وقطاع غزة يحتاج أيضاً إلى سيارات إطفاء الحرائق، لأنها غير متوافرة بالعدد الكافي، والموجود منها غير قادر على إطفاء كل الحرائق التي نتجت عن استخدام آلاف الأطنان من القنابل الصهيونية، فلا يوجد في مدينة غزة إلا سيارتان من هذا النوع، وغير مسموح بدخول مثل هذه السيارات لا من المعابر الصهيونية ولا من معبر رفح الذي يسمح فقط بعبور الأدوية وسيارات الإسعاف.. فما يُسمَّي «معبر رفح» هو «نقطة حدود» وليست معبراً، لأن المعبر يكون بين منطقتين كلاهما أرض فلسطينية، لكن هذه نقطة حدود مصرية، ومن حقنا في مصر أن نسمح أو لا نسمح؛ بدون أن يفرض علينا أحد شيئاً.
أدلة إثبات
< هل أعددتم وثيقة طبية عن جرائم الحرب الصهيونية في غزة؟
ـ هذه مسألة علمية، وهناك فريق من أطباء الاتحاد يسعي لعمل هذه الوثيقة وتوثيق جرائم الاحتلال لتقديمها إلى محاكم جرائم الحرب، واتفقنا مع منظمة الصحة العالمية على هذا، وهناك أطباء من الطب الشرعي يأخذون عينات من الأرض ومن الجثث، ومن مخارج عوادم السيارات وغيرها، لإثبات وجود مواد كيماوية محرَّمة ضُرِبت ضد الناس، ورصد الغازات السامة أو الأسلحة المستخدمة من قبل الصهاينة ضد المدنيين، وذلك حتى نستفيد به على المستوى الإعلامي بعرض هذه الوثيقة الصحية الطبية.
أما على المستوى القانوني فقد كلفنا د. هيثم منّاع، الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومقرها «باريس»، وهو طبيب ممثل لرئيس اتحاد الأطباء العرب، كلفناه برفع عدد من القضايا ضد مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحكمة الجنائية الأوروبية، ومحاكم أخرى تختص بإثبات هذه الجرائم ضد الاحتلال، وسنستفيد في هذه القضايا بشهادة الأطباء كأدلة إثبات.
< وهل لديكم أدلة طبية موثَّقة؟
ـ نعم، فالأطباء أنفسهم شاهدوا حالات كثيرة وكتبوا شهادات طبية بهذا، كما قاموا بتحليل عينات من الجثث، أو من الجروح، أو من التربة في غزة، وقام فريق الطب الشرعي مع د. هيثم مناع بتوثيقها.
ويساعدنا في هذا منظمة الصحة العالمية وخبراء قادمون من أوروبا، وخبراء دوليون، مثل رئيس جمعية الطب الشرعي في أوروبا (إيطالى)، وكان يتابع قضية الأسلحة المحرمة في حرب البوسنة، وهو متعاون ومشارك معنا.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
< ما نوع المساعدات التي سُمِح لكم بتمريرها إلى غزة عبر معبر رفح؟ وما الذي مُنِع؟
ـ بشكلٍ عام، سُمِح لنا بكل ما له علاقة بالمجال الطبي، مثل: الدواء، والأجهزة الطبية، وسيارات الإسعاف، والأطباء فقط، أما ما عدا ذلك من المساعدات مثل المواد الغذائية والدعم العلمي (أي استقدام وتدريب فريق أطباء فلسطيني في مصر) فلم يُسمح به، ولكن سُمح لنا نحن بأن نذهب إلى قطاع غزة لتدريبهم، ولكن أي طبيب مصرى ذهب لمدة أسبوع أو أسبوعين ثم عاد، وهذا لا يكفي، علماً بأننا كنا قد بدأنا في تنظيم برامج تدريبية للأطباء الفلسطينيين في مصر قبل العدوان الذي تسبَّب في تأجيلها.
وأود أن أنبّه لأمر مهم، وهو أن المسؤولين عندما يتحدثون يتجاهلون أن الفلسطينيين يريدون أن يعيشوا مثل أي إنسان يحلم بتربية أبنائه، وتعليمهم، والخروج والتنزه، وتوافر الخدمات الأساسية للحياة الكريمة.. أي أن المطلوب تنمية اقتصادية كاملة للشعب الفلسطيني، وليس فقط السعي للحفاظ على حياتهم طبياً.. فأهالي غزة يريدون الخبز والدواء وكل شيء مثل غيرهم، والمعونات التي تدخل إلى القطاع لا تكفيهم.
وكمثال بالأرقام، نجد أن كمية الدقيق التي تدخل إلى القطاع تتراوح بين 70 و100 طن يومياً، وإذا قسمنا هذه الكمية على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، سنجد أن نصيب الفرد لا يتعدّى 70 جراماً من الدقيق يومياً، أي أقل من وزن رغيف واحد من الخبز يومياً.. كما أن الأدوية الطبية غير كافية، رغم ما دخل منها إلى القطاع، عن طريق اتحاد الأطباء العرب، ونقابة الأطباء المصرية، والهلال الأحمر المصرى، والجمعية الشرعية.. فنحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه ليس كافياً!
*عن المجتمع