مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2018/02/16 18:45
في حوارٍ مع الشاعر إبراهيم القيسي يُبشر بثورة شعرية ويفتح النار على الاتحادات الأدبية اليمنية!

الاتحادات الأدبية مجموعات مغلقة على نفسها لم تفد المبدع ولا الإبداع

مواقع التواصل الإجتماعي أخرجت الشاعر اليمني من “محبسه”

هناك ثورة شعرية وانفجار إبداعي ضخم ملأ الساحة الأدبية اليمنية

وجهت لـ”العمود الشعري” سهام  مسمومة يشوبها الحقد والعدوانية

الأديبة اليمنية.. شاعرة محلقة وناثرة بديعة وروائية رائدة وناقدة من طراز فريد

جمهوري يبدأ من القارئ الكلاسيكي إلى الرومانسي حتى يصل إلى الرمزي

الساحة الشعرية تعاني الإستقطاب نتيجة عدوى التشرذم

القصيدة هي مملكتي وموال عشقي وثورتي المتمردة

هناك تضخم في قطب الإبداع وخفوت مريب في قطب النقد باليمن

وهبت للشعر كل طاقتي وأهل حروفي غيثا في سهول وجبال المثقف العربي

يُعرف القصيدة بانها مملكته الخالدة وقاربه المجدف في البحار وسيفه الضارب وكاسه البارد وهي ثورته المتمردة وربابة شجنه وموال عشقه. تجربته تجسد الشعر العربي الحديث بكل تجلياته.انه الشاعر والناقد اليمني إبراهيم القيسي الذي يبشر في حوار طويل ومميز مع وكالة الشعر، بثورة شعرية وانفجار ابداعي تعيشه اليمن، رغم ظروف الإحباط والمعاناة.

ويشير القيسي إلى أن الاتحادات الأدبية مجموعات مغلقة على نفسها لم تفد المبدع ولا الإبداع في البلاد.لافتاً بأن المرأة اليمنية تحترف الأدب شعرا ونثرا وتجيد العزف على بحور الخليل.

وانتقد السهام المسمومة التي وجهت إلى العمود الشعري، منوها بأن الساحة الشعرية في اليمن تعاني الاستقطاب.
قضايا كثيرة ناقشناها في حوار غني وثري مع الشاعر والناقد إبراهيم القيسي، وهاكم التفاصيل.

* متى تشكلت علاقتك مع القصيدة؟

– كان حب الشعر يلازمني منذ الطفولة وزاد شغفا في الإعدادية وتجذر في الثانوية وبدأت ملامح القصيدة الناضجة تتشكل بعد تخرجي من الثانوية في بداية التسعينيات فتجربتي الشعرية تمتد من منتصف الثمانينيات وإلى اليوم وعمرها الناضج ما يقارب الثلاثين عاما ظليت أكتب الشعر بأسلوب متقطع من فترة التسعينيات حتى 2008م في هذه الفترة كنت بين الاتصال والانقطاع بالشعر أتركه زمنا ثم أعاوده لكن بعد انفتاحي على العالم الافتراضي وهبت للشعر كل طاقتي الإبداعية وخاصة من بعد عام 2010م إلى اليوم فهذه الفترة الذهبية تعد أخصب فترة زمنية لإنتاج تجربتي الشعرية وذلك يعود إلى الانطلاق في الفضاء الإكتروني ثم التفاعل الإيجابي مع الأصدقاء في الصفحة الخاصة بي وفي المجموعات الأدبية في الفيس بوك والوتس والصحف والمجلات الإكترونية في قوقل فكانت نقلة أدبية من المحلية إلى عموم الوطن ومنه إلى الوطن العربي نتج عن هذه الفترة الذهبية أكثر من عشرة دواوين شعرية إضافة إلى مئات المقالات وبعض البحوث في الفكر وفي النقد واللغة .

*ظهورك الاعلامي متواضع رغم قوة قصيدتك؟

– تواضع ظهوري الإعلامي يرجع إلى أسباب متعددة : السبب الأول : الخجل والانطوائية الناتجان عن ظروفي الخاصة بسبب نشأتي الطفولية وتركيبتي النفسية وبيئتي المحيطة وظروف اليتم التي مريت بها في طفولتي الأمر الذي جعلني أبتعد عن الأختلاط بالآخرين فكبرت وكبر ذلك الخلق معي زاده ما حصل لي من ظروف مرض زوجتي بالفشل الكلوي أثناء دراستي في الجامعة حيث كان زملائي وخاصة الشعراء منهم مثل علوان الجيلاني يحظونني على الذهاب معهم إلى المنتديات الأدبية والشعرية وزيارة الدكتور المقالح وأديب اليمن البردوني إلا أنني كنت أعتذر عن ذلك وأكتفي بمناشدتي الشعر معهم وذلك يرجع لانشغالي بمرض زوجتي ذهابا وإيابا إلى قسم الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة العام والقيام بطباخة الأكل لأطفالها الأربعة فلم يبق لدي وقت إضافي ولا روح طموحة تسعى للظهور الإعلامي .

أما السبب الثاني هو سكني في القرية الأمر الذي باعدني عن وسائل الاتصال من صحافة ومنتديات أدبية حيث لم تتح لي الفرصة بالتواصل مع تلك المنتديات أثناء دراستي في صنعاء نتيجة ما ذكرته آنفا من مرض زوجتي العضال وبعد تخرجي من الكلية ما لبثت أن توفت زوجتي وعدت من صنعاء إلى القرية حيث عشت مغمورا بعيدا عن أي ظهور إعلامي .

أما السبب الثالث : فهو شخصيتي المستقلة عن أي أدلجة فكرية أو انتماء حزبي أو فئوي أو سياسي حيث أحب الاستقلال بتجربتي بعيدا عن الذوبان في الكاينات القائمة فكل وسائل الإعلام مؤطرة تحت اتجهات مأدلجة في وضع مغلق على كل من يستقل بتجربته ولا تنفتح إلا لمن يجسد أهدافها فكرا وروحا ويشيد بمرموزها ومبادئها بأسلوب تبعي محقون .

* ميلاد القصيدة لديك..هل لها طقوس معينة؟

– لو نظرنا إلى طقوس التجربة الشعرية عبر التاريخ نجد التصاقها بفلسفات ملونة وغموض أيدلوجي يتصل بتفسيرات ميتافيزيقية تتكئ على البعد الأسطوري نتيجة إسناد الموهبة الشعرية لقوى غيبية تتصل بالآلهة والشياطين ومانتج بعد ذلك من أفكار ورؤى في العصور الحديثة ترتبط بتفسيرات منطقية حول التجربة وأبعادها ويمكن تلخيص تلك الأفكار في النقاط التالية :

-إلهام الآلهة عند أفلاطون .
– البحث والتجريب عند أرسطو .
– إلهام الشياطين عند العرب .
– التأثر بالكهان عند بعض العرب .
-التأييد الملائكي في تاريخ صدر الإسلام .
– الإلهام والجهد عند بعض كتاب العصور الحديثة .
– كبرياء الشعراء عند إدجار ألان .
– جهد مرتبط بزمن عند سبندر .
-الاستغراق في فكرة تستولي على اللب عند كروتشيه .
– الرغبات المكبوتة في اللا الشعور عند علماء النفس .
– البعد الروحي عند الصوفي .
– الأنا الشاعرة عند الرومانسي .
– دياليكتيك التاريخ عند الاشتراكي .
– استراتيجية المتلقي عند الكلاسيكي .
– البراءة والعفوية عند الدادية .
– الاسترسال خارج العقل عند السريالي .
– تقنية النص عند البنيوي .
– ديماغوجية النص عند التفكيكي .

أما طقوس التجربة الشعرية عندي فهي تتكئ على الدلالة الشاملة التي تستوعب كل العوامل التي زاولت التأثير على الشاعر بطريقة إرادية وغير إرادية امتزجت بصهير ثقافي وتاريخي وبيئي تجسد من هدير العواطف ونزيف الأفكار وعلاقات اللغة وأساليب التعبير حيث تتشكل من تلك العوامل مضامين دلالية تخضع لإرادة الشاعر وخياله الخالق والتصوير البلاغي والتركيب المعرفي للأنساق حسب مقتضى قواعد النحو في إطار الأسلوب الذاتي المعادل للشاعر حيث تدفق الأفكار والعواطف وتتلبس الأساليب بوعي إرادي يلتقي باللا الشعور في العمق الروحي بتآزر سيكلوجي وسيميائي يعبر عبر الإرادة لتوليد المواضيع المتعامدة مع صدمة الشاعر بنصوص ناضجة تعبر عن الحياة والأحداث المحيطة بأفكار تمتزج بهدير العواطف وأبعاد الفلسفة وروافد الثقافة في نتاج الشكل العاملي والموضوعاتي بتيمات كلية وجزئية تصدر عن وعي الشاعر وإرادته وانفعالاته .
حيث تمر التجربة الشعرية بنمو وتطور حيث يرى ” سيموند ” … أن النوع الأدبي يمر بمراحل تناظر مراحل الجنين والبلوغ والنضج والتدهورية والفناء في ضروب النمو التي تعودنا أن نعتبرها فسيولوجية وذهب إلى أن مراحل التقدم هذه حتمية لا مناص منها من حيث أنها تظهر “قانونا معينا للتعاقب” . وفي رؤيتي الخاصة تمر تجربة النص الشعري لدي بالمراحل التالية .

1- الصدمة ” الحدث ” .
2- العامل المؤثر
3- معايشة الحدث ” العامل الشعوري .
4- التنامي العاطفي والفكري
5- نضوج الفكرة .
6- المخاض المعرفي .
7- الصياغة الفنية .
8- المراجعة النصية .
9- الرضا عن التجربة .
10- النشر الصحفي .

* لكل نص قارئ وفقا للدراسات الادبية..فلمن يكتب إبراهيم القيسي؟

أكتب نصوصي بنظمي الخاص وبإجراء بصمتي الشعرية التي تميز تراز تجربتي بختم أسلوبي المتعدد الأغراض حيث أهل حروفي غيثا في سهول وجبال المثقف العربي أحاول المقاربة إلى كل الأذواق المتباينة أكتب للقارئ السطحي والمتوسط والعميق ألون الأطياف وأعدد الأغراض أتناسب مع مستويات كل المثقفين أراعي الميول والأذواق والنظرات والأفكار .
فتجربتي تجسد الشعر العربي الحديث بكل تجلياته وأغراضه وبحوره ومجزوءاته متجاوزا البحر إلى التفعيلة أخوض غمار التجربة الحديثة للقصيدة النثرية أحلق في عالم الحداثة أركب قوارب كل الأشكال بدون استثناء كل الذي يهمني توظيف الفكرة النبيلة وتوصيلها إلى القارئ العربي بطراوة العبارة وغضارة المضمون وعذوبة المعجم وسلاسة اللفظ مع إضفاء العواطف الجياشة والخيال الخالق والتصوير الرشيق .
فجمهوري متعدد يبدأ من القارئ الكلاسيكي إلى الرومانسي حتى يصل إلى القارئ الرمزي والعميق كتبت لمن يحب السلاسة والعذوبة ولمن يحب الوسطية والشفافية ولمن يحب العمق والتأويل كتبت لمن يحب الوطن ولمن يبكيه ولمن يحب النسيب والغزل ولمن يحب الوصف والتحليق الكوني ولمن يحب الابتهالات والمدائح النبوية كتبت لذاتي ولتأوهاتي ولعواطفي ومشاعري غنيت كثيرا للحب والسلام كتبت المباشرة والسطحية تجاوزت المدرسة التعبيرية إلى المدرسة التجريدية،أرضيت فضول قارئي الحداثي بنصوص الغموض والتكثيف والرمزية .

*نطمع في اطلاع القارئ على بعض من هذه النماذج؟

– النموذج الأول، غزل:

ضَعيْ صباحَكِ
في أشواقِ إسرائِيْ
وهَرِّقِيْ بذراعِ الحُبِّ أشذَائِيْ
من خمرِ فيكِ
رضابُ هلَّ في شفتِيْ
ومن دجونِكِ
غيثٌ رشَّ أجوَائِيْ
يا زهرةَ الفُلِّ هلْ للفلِّ من وطَرٍ ؟
يَبلُّ طوقَكِ في أحداقِ أندائِيْ
جِسِّيْ فؤادِيْ
وآسيْ القلبَ من مرضٍ
كم زادَ كحلُ سجَا عينَيكِ أدوَائِيْ
من لحنِ لفظِكِ إيقاعُ الهوَى ثَمِلٌ
ظِلِّيْ بسُحبِكِ وارويْ جدبَ أنحَائِيْ
لا لا تَشيحِيْ
بوجهِ الصُّبحِ عن كثبٍ
هذا أوَانُ مَدَى قُربِيْ وإيوَائِيْ

أما النموذج الثاني، فاجسده بالوطن:

حافياً راحَ يكتسِي أرجوانَهْ
كم يهادِي من المآقِي جمانَهْ
كيفَ في الحَجرِ ؟ يا جحيمَ الوصايَا
عادَ كالطِّفلِ في زوايَا الحضانَةْ
لاعبٌ في الشَّفيرِ يهتزُّ رعباً
زوبعاتُ البخورِ ضلَّتْ مكانَهْ
مزَّقَ الحقدُ روحَهُ في مزادٍ
ثورةُ البردِ أحرقتْ طيلسَانَهْ
ضلَّ يخطُو إلى الهبَا مستبدًّا
ساقطُ الفخِّ في محيطِ الكهانَةْ
ضربةُ الخطبِ جرَّعتُهُ المآسِي
أحرقتْ في شراعِهِ بهلوانَهْ
كانَ بالجدبِ مثلَ كهفٍ رجيم ٍ
مثلَ لصٍّ على رصيفِ المهانَةْ
ثاملٌ من شَبا الرَّدى في ازدرادٍ
عبَّ كأسَ المنونِ من كلِّ حانَة

-النموذج الثالث”عَنكَبٌ”:

كانَ …
في جدارِنا عنكبٌ
صغيرٌ …
في لسانِه فصاحةُ سحبانَ
وفي أرجلِهِ ركضُ حصانٍ
من حوريَّاتِ البحرِ …
غمسَ ذاتَهُ في ماءِ الحياةِ
كأنَّهُ “أخيليسْ”
في أثينا الحديثةِ
يبصقُ الحبرَ أساليباً
من فنونِ الخطابِ
يؤطِّرُ الزَّمانَ
محاقاً …
في شططِ الشُّهورِ
والمكانَ خسوفاً
في جرابِ المسافةِ
يحبُّ هرطقةَ الذَّاتِ
في زوايَا الجحوظِ
مازالَ …
يظهرُ كقدِّيسٍ
في صومعةِ الانحطاطِ
يساقطُ المواعظَ
ركاماً …
في حوايَا الخريفِ
كان أطفالُ مدينتِنا
ينظرونَ إليه
من شروخِ الشَّفقِ
يبتلعُهم واحداً
واحداً …
يظهرُ كحرباءٍ مجوسِيْ
له مليونُ لونٍ …
في أظفارهِ مخالبُ
الأساطيرِ …
يحقنُ فرائسَهُ
بنعاسٍ مجنونٍ
فوقَ رأسِهِ إنجيلٌ
مقدَّسٌ …
وفي صدرهِ صليبٌ
من رموز الأبابيلِ
يتشكَّلُ غولاً …
في صحراءِ الهواجسِ
وسراباً …
فوق تلالِ الخفايَا
له قفزةُ الفأرِ …
وضربةُ الحيَّةِ …
وانقضاضُ الذِّئبِ …
والتفافُ الأخطبوطِ
وصبرُ القدِّيسِ …
وشرهُ القردِ …
مازالَ يخطفُنا
واحداً …
واحداً …
في يومٍ أسودٍ
همجيٍّ …
تضخَّمَ كأسطورةٍ
في كهوفِ الهملايَا
يتمتمُ بطقوسِ
الإلياذةِ …
فرزَ عصارتَهُ السِّحريةِ
فوقَ شبكتهِ الشَّرهةِ
لفَّ على مدينتِنا
نسيجَهُ الأسطوري
أصبحنا داخلَ الفخِّ
كحشرةٍ في كبسولةِ
الانتقامِ
امتصَّ رحيقَ زهورِنا
وصلبنَا أشباحاً
على قارعةِ …
خيوطِهِ …
نحشرجُ ….
بحركاتِ النَّزعِ
بين الموتِ والحياةِ

*هل ترى أن الشاعرية المفرطة والاحساس المرهف لدى الشاعر تجعله يختلف عن الشخص العادي ؟

– الشاعرية المحلقة تبنى على عوامل فطرية ومكتسبة وحينما يتم المزاوجة بين هاتين الثنائيتين تتولد الموهبة الناضجة التي تتكئ على حقول الإحساس المرهف والشاعرية المحلقة من خلال تفعيل الوعي والإدراك ورسم مسار البنى اللغوية وترتيبها في إيقاعات موسيقية تتلاحم مع الأسلوب الخاص بالشاعر المنسجم مع نظرية النظم وتعقيداتها البنائية إضافة إلى إبداع الصورة وبعدها الخيالي الخالق ورفد الشكل العاملي والموضوعاتي برصيد القيم الفنية وذلك كله لايتم إلا بكارزمية شاعرية محلقة تتكئ على الإحساس المرهف والوعي بأبعاد الشاعرية المتجذرة بالفطرة والعقل .
والشاعر بطبعه الفطري وحسه المرهف يختلف عن الإنسان العادي فالشاعرية ملكة خاصة ذات أبعاد إبداعية تؤهل الشاعر للريادة والتفوق على أقرانه ممن لا يمتلكون الموهبة وهناك فرق بين من يستطيع التعبير عن تجربته الحياتية والإنسانية في نص خالد تشترك في صنعه ريشة الموهوب بكل أبعادها الفنية والروحية والخيالية وبين العاجز عن التعبير عن تجربته وهو الإنسان غير الشاعر الأمر الذي حدا برجل مثل عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” حيث تمنى لو كان شاعرا ليرثي أخاه زيد بن الخطاب مثلما رثى متتم بن ويره أخاه مالك وذلك يدل على خصوصية موهبة الشعر للشاعر التي تميزه عن غيره ممن لا يملكون الموهبة وذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء .

* برأيك هل الاتحادات الادبية خدمت الشاعر وكيف ؟

-الاتحادات الأدبية على مستوى اليمن ربما خدمت فئة خاصة هم النخبة من المثقفين ومن لهم شهرة كبيرة على مستوى الوطن ومن تحتضنهم هذه الاتحادات يتصفون بالتقارب الفئوي والنخبوية حيث ظلت الاتحادات مجموعات مغلقة على نفسها لم تفد المبدع ولا الإبداع حسب ظني بشيء .
حيث ظلت عملية الإبداع تنمو خارج نطاق هذه الاتحادات في محاضن خاصة مثل الروابط والمجموعات الشعرية على قنوات التواصل الاجتماعي وغالبا ما يتكون الشاعر في اليمن في بداية تجربته بجهد فردي يمارس عملية الإبداع في دائرة مغلقة على ذاته بعيدا عن كل المكونات نتيجة البيئة اليمنية المتشظية أدبيا غير أن قنوات التواصل الاجتماعي ساعدت كثيرا في كسر نمط الإغلاق فبدأ الشاعر يخرج من محبسه من خلال تلك القنوات ليطل بتجربته محليا وخارجيا .

*بصفتك ناقد إلى جانب أنك شاعر هل تقرأ في شعراء اليمن الشباب أعلاما أدبية قادمة ؟

اليمن باعتراف عربي وعالمي يعتبر بيئة الشعر الخصبة قديما وحديثا فحاضره الشعري لا يقل عن ماضيه ومن عجائب الدهر ازدهار الشعر في اليمن حتى في عصور الانحطاط الأدبي التي سادت منذ دخول المغول بغداد إلى غزو نابليون لمصر لكن نتيجة لعوامل ثقافية معقدة لم يلق الضوء إلا نزرا على تلك الحقبة المضيئة بكبار الشعراء كابن حمير وابن هتيمل والهبل … الخ .
ولا أكون مبالغا إذا قلت هناك ثورة شعرية كبيرة وانفجار إبداعي ضخم يتواكب مع الانفجار السكاني ملأ الساحة الأدبية اليمنية بروائع الإبداع في كل فنون الأدب من شعر وقصة ورواية وقصة قصيرة وومضة قصصية … الخ فهناك رهان مشترك حاز قصب السبق في حلبة الإبداع اليمني ومازالت عصافير اليمن وهزاراته بشبابه وشاباته يغنون بدون حدود وإن غلب على إبداعاتهم البكائية والحزن نتيجة تشظي الوطن وعبث الحرب وغياب الأمن والاستقرار وانقطاع وسيلة العيش لكنهم مازالوا في يوتوبيا الوطن يرفدون التجربة الأدبية اليمنية برصيد إبداعي يصبغ بعواطفهم المثخنة يغنون للوطن والإنسانية ويدعون للحب والسلام .
فهناك تطور رهيب ومتسارع على مستوى اليمن ينبئ عن نماذج إبداعية واعدة وشباب في بداية العقد الثالث يكتبون القصيدة بكارزمية مطلقة تفوق من يكتب القصيدة في العقد الخامس كل هذا يدل عن كثب ما يدور من عطاء غير محدود للبيئة الشعرية اليمنية الرائدة .

* هناك من يتهم النقاد باليمن..بانهم يجيدون نقد التلميع والمجاملات ماصحة ذلك؟

ثنائية الناقد والمبدع تبدو في المشهد الأدبي اليمني غير متوازنة فهناك تضخم في قطب الإبداع وخفوت مريب في قطب النقد هذه الظاهرة الغريبة تعكس تشوها في قب التوازن بين كفتي الأدب والنقد .
فالنقد الأدبي ينقسم إلى أكاديمي وصحفي وتأثري انطباعي فنجد غياب كلي للنقد الأكاديمي المتكئ على القواعد العلمية والضوابط المعرفية للاستقراء والتحليل والاستنتاج كما نجد للنقد الصحفي بعض الحضور غير أنه نقد تطوعي يقوم على التعميمات ويراوح حول النص دون السبر الموضوعي والفرز الدلالي أما النقد الانطباعي التأثري فحدث عنه ولاحرج فتجده في التعليقات على المنشور في الوتس والفيس بكثرة وهو يقوم على المجاملات بين الشعراء تحت شعار ” إن أثنيت على تجربتي أثنيت على تجربتك ” ولا يخرج عن تعليق الأصدقاء والمقربين للشاعر وهذا كثير في المنتديات الأدبية على مستوى صفحات التواصل الاجتماعي في الوتس والفيسبوك وهذا النقد يتصف بسمة المجاملات حيث يضفي كل مار على تجربة صديقه ألقابا ضخمة يرفعه بها إلى مصاف العباقرة والعظماء بجرة قلم غير مسئولة ربما لم يقرأ نص صديقه قط .

فالنقد ابن الواقع الراهن حيث ينطلق الناقد من مكان وزمان وجوده يبحث في دلالة النص بواسطة الروابط الفنية مضيفا إليها التغيرات المرتبطة بنفسية الأديب وبيئته يرحل من نقطة وقوفه إلى الماضي و يسبر المستقبل من زوايا مختلفة يرسمها فرجاله في أفق النص ليؤلف من منطلقاته في ميادين الثقافة النقدية حاضرا وما ضيا برؤى جديدة تقرب التباينات المتشابكة على أصول فكرية تدفع نحو رصيد ضخم يتسم بالشفافية والصدق والإتقان المعرفي بعيدا عن الميل والتعصب المذهبي .

فالناقد الفذ من يرحل في النص متجردا من كل المؤثرات متسلحا بالثقافة النقدية يحمل الرسالة العلمية يتصف بالنزاهة يضع بصماته في رحاب النقد نقية متألقة تعمل على التوازن بين الماضي والحاضر والجديد والقديم يبحر في لجج المعارف عربيا وغربيا ليخرج لنا الدرر المفيدة ليتحلى بها نقدنا العربي في ثورة المؤمن بالتغيرات بعيدا عن الجمود والاجترار .
وعلى الصعيد الآخر يقوم بمراقبة الحدث البنائي للنص من وقت ولوج الشاعر إلى القصيدة إلى وقت تخلقها مع مراقبة قلق الشاعر من خلال كود الألفاظ وانتظامها داخل سياقات الجمل في ترتيب أبجدي جديد يتم من خلاله قياس قدرة الشاعر وكارزميته في إعطاء الألفاظ مدلولاتها الجديدة بعيدا عن المدلول الحرفي للمعجم .
يدرس من خلال ذلك الترابط العلاقات النحوية والبلاغية واستكشاف نمط الأفكار وسبر العمق الاستراتيجي للموهبة من خلال الذائقة الشعرية والخيال الخالق والقدرة على توظيف المفردة في سياقات النص من خلال الاعتماد على اللغة الشاعرية والبنى الواعدة والديباجة المخملية وتحميل النص بلغة دلالية مشحونة بمضامين جديدة تفهم من أبجديات السياق ذلك السياق الذي يؤطر الكلمات وينفخ فيها روحا جديدة ومضمونا حديثا ربما يختلف كثيرا عن المعنى الأبجدي المدون غير أن العلاقات الرابطة تحكم اللفظة في الدلالة من حيث الارتباط والابتعاد أي الحداثة المعنوية والارتباط بجذور التأصيل .

*هل يجب أن يمتلك الشاعر في نفسه رؤية ناقد حتى يكتب شعرا متفردا ؟

– الشاعر الفطحل واسع الثقافة يمتلك رصيدا كبيرا من المقومات التي تثري تجربته وتؤهلها للخلود والعالمية فالشاعر يمارس مهنة النقد بوعي أو بغير وعي فهو أول ناقد يباشر النقد على نصه الإبداعي منذ لحظة ارتعاشة القصيدة في مخيلته وانثيالها في عواطفه وتجسدها نصا شعريا على الورق فهو خدين المنهج التكويني الذي يرصد تاريخ القصيدة عبر مراحلها الابتدائية والوسطى والنهائية بإجراءات تغييرية تنسق
الجمل والإيقاع وما يزال محتفظا بملف الأرشيف التاريخي معمدا بالمدى الزمني والفضاء التكويني لنمو القصيدة حيث تجسد تلك الملفات وثائق تاريخية تحتفظ بالإجراءات التغييرية في مراحل النقد التكويني لنص الشاعر ابتداء وانتهاء .
وهذا النقد الذاتي له أبعاده الاستراتيجية في تشكيل النص الشعري حسب الثقافة النقدية التي يمتلكها الشاعر بامتدادها اللغوي والبلاغي والنحوي والموسيقي إضافة إلى عمر الخبرة الطويل والزمن التراكمي لممارسة كتابة الشعر .
فالشعراء هم المؤهلون للنقد بامتلاكهم للموهبة والحدس المعرفي في سبر عمق النص إضافة إلى الخبرة الذوقية والتفضيل الجمالي الأمر الذي يتم من خلاله معرفة بصمات الشاعرية من عدمها في النص الشعري .
فالشاعر الناقد يحمل مؤهلات كبيرة تفوق ما يحمله الناقد الأكاديمي إذا التزم بتوسيع ثقافته اللغوية واستوعب قضايا النقد وأيدلوجياته على المستويين العربي والغربي والمحلي والعالمي ومارس النقد عن كثب وباشر التطبيقات وأعد النماذج وترك التفويض السلبي ليمارس عملية النقد عن قرب بعيدا عن الاتكالية والوكالة للغير .
*هل لدينا في اليمن أصوات نسائية شعرية تشكل علامة فارقة في الشعر اليمني ؟

-المرأة اليمنية شقيقة الرجل ورفيقة دربه ظلت حاضرة في ثنائية الاستقطاب تتحرك بدينامكية مطردة في كل شئون الحياة .
تحترف الأدب شعرا ونثرا وتجيد العزف على بحور الخليل تبحر في الحداثة تمارس كل صنوف التجارب الأدبية عرفتها شاعرة محلقة وناثرة بديعة وروائية رائدة وناقدة من طراز فريد .
عرفت الكثيرات منهن من مختلف الأعمار متألقات في صفحات الأدب شكلا وموضوعا لغة وصياغة نظما وأسلوبا فكرا وعاطفة يمارسن حرفة الأدب بكل أجناسه من قصيدة الشعر إلى تقنية الومضة يتابعن ما استجد من أجناس أدبية وأساليب حديثة مثل تقنيات الهايكو والهايبون والنانو .
فالمرأة اليمنية معروفة بكارزميتها عبر التاريخ فهي وارثة بلقيس وأروى مازالت روح الحضارة اليمنية الضاربة في عمق التاريخ محمولة في جيناتها الوراثية تؤهلها لقصب السبق في كل مناحي الحياة خصوصا ما يتصل بالإبداع الأدبي .

خلاصة الأمر أن المرأة اليمنية متصدرة للمشهد الأدبي وحاضرة بقوة حصدت الجوائز الكبرى وأصدرت الدواوين الشعرية والقصص الروائية وحررت الصحف والمجلات الأدبية ورقيا وإكترونيا فهي تقود المسيرة الأدبية بكفاءة فليس بغريب حضورها على كل المستويات والمشاهد الأدبية محليا وعربيا وعالميا .

*باعتقادك، هل يمكن أن يصل شاعر العمودي إلى العالمية كما وصل شاعر النثر كأودنيس وغيره ؟

– العمود الشعري شكل تاريخي تجسد مع اللغة العربية وترعرع مع نموها التاريخي والاجتماعي والفني وهو يعتبر أيقونتها وزهرة أفنانها الوارفة تنتظم الألفاظ في سبحته وتعتق في صهبائه يبرز جلاء رونقها وألق أناقتها ويطرب إيقاعها بحلاوة موسيقاه .

هو شكل كارزمي يتكئ على الغنائية مورق بالفن ومزهر بالإيقاع يمتد بامتداد تاريخها ويعمق بعمقها .
اكتشف الفراهيدي بعض بحوره ومجزوءاته ومازال هناك الكثير من درره المكنونة التي تتجلى لنا في لحظات الصفاء الشاعري بومضات وأطياف حال انجراف الشاعر نحو ذبذبات السريالية .
فتجديف الشاعر على البحور الخليلية لا يعيقه عن التسنم إلى العالمية والوصول إلى دالة العبقرية والخلود فالعمود الشعري مطية أصيلة وخيل أريب لمن يحسن الركوب ويحترف فروسية الشعر .
لقد وجهت إلى العمود الشعري كثيرا من السهام المسمومة عن كثب يشوبها الحقد والعدوانية نتيجة الجهل حينا والتقليد حينا آخر والإنجذاب نحو سراب التجديد بعيدا عن ثوابت اللغة وتراثها العريق .
فالسطحية والمباشرة والتلقائية تهم جاهزة موجهة إلى العمود الشعري في حال التحقيق معه ولو قرأ الخصم الشعر العربي بمختلف عصوره بعمق وأدرك سر بقائه رغم الحقب المتطاولة لاستحى كثيرا وتوارى خجلا من الناس لسوء فعلته .
ولو نظرنا بعين العقل والبصيرة وبدون احتقان إلى العمود الشعري لما أصدرنا تلك الأحكام الجاهزة وسنجد الشعر العمودي عالميا بطبعه ومتفوقا بفطرته وأصيلا بتراثه وجديدا بمضامين عصره لقد درس كثير من المستشرقين الشعر العربي بمختلف عصوره وألفوا فيه المؤلفات الضخمة وهو بهذا المحتوى صار عالميا يدرس في جامعات العالم بزخم عصوره وبروافد مستوياته الفنية .
وهناك الكثير من شعراء العمودي وصلوا إلى العالمية بسبب توفر وسائل الترجمة لتجاربهم مثل السعيد الشيرازي وعمر الخيام وفي العصر الحديث محمد إقبال وبدر شاكر السياب وغيرهم الكثير والكثير .
ولو كان لدينا مراكز للترجمة مثل ما حدث في بداية النهضة في مصر لترجم الكثير من الشعر العمودي إلى كل اللغات العالمية لكن نتيجة انعدام وسيلة الترجمة والتواصل مع الثقافات الأخرى هو من قزم الشعر العمودي وجعله في كبسولة الاجترار والتحوصل في هذه المرحلة الراهنة من تاريخ أدبنا العربي المعاصر .

*برأيك، الانفتاح على الأدب الغربي ،خدم أدبنا العربي ؟

– قضية الاتصال بالأدب الغربي ابتدأت منذ عصر النهضة الأدبية الحديثة وقضية الانفتاح من عدمه مسألة شائكة دار حولها الخلاف قديما وحديثا وهي ثنائية مزدوجة تتكون من التراث العربي والحداثة الغربية ونتيجة للصدمة الحضارية للمثقف العربي مع الثقافة الغربية حدثت الثورة المراهقة للمثقف العربي حيث توجه نحو الحضارة الغربية على حساب التراث العربي الأمر الذي حدا ببعض الأدباء مثل مخائيل نعيمة والمازني والعقاد وعبدالعظيم أنيس ومحمد أمين العالم المجاهرة بالقطيعة للتراث العربي والسخرية منه والتوجه كليا نحو الثقافة الغربية وقد تغايرت المواقف من ثنائية التراث العربي والاتصال بالثقافة الغربية ما بين بداية القرن العشرين ووسطه ونهايته ففي منتصف القرن العشرين بدأ تراجع المتعصبين للثقافة الغربية يعلنون الاعتذار عن تهورهم بإعلان القطيعة مع التراث العربي لكن بدون تغيير لمواقفهم أما في سبعينيات القرن العشرين فقد ظهرت دعوات التوازن ومسك العصا من المنتصف بإعادة الاعتبار للتراث العربي مع الاتصال بالثقافة العربية وكان عزالدين إسماعيل وشكري عياد وجابر عصفور ومصطفى ناصف من قادة هذه الدعوة ومن منظري المزاوجة بين المنهج العربي والحداثي ومحاولة إيجاد نظرية توافقية بين التراث العربي والغربي ومع إطلالة القرن الواحد والعشرين وحدودا في عام 2000م – 2001م ميلادية بدأ الانزياح يتجه بزاوية منفرجة نحو التراث العربي بشدة حيث يطل علينا الدكتور عبدالعزيز حمودة أستاذ الأدب الانجليزي في جامعة القاهرة بنظرية نقدية جديدة في كتابين الأول المرايا المحدبة ينقد فيه الحداثة البنيوية والتفكيكية ثم تبعه بكتاب المرايا المقعرة ينزاح نحو التراث العربي مع محاولة إيجاد نظرية نقدية عربية جديدة .
واستنادا لما سبق من هذه الإطلالة التاريخية يمكن القول بشيء من الشجاعة حول هذه القضية الشائكة فهناك فرق بين المثاقفة والتبعية بين من يطلع على الثقافة الغربية بغية الاستفادة وإصابة الحكمة وبين من يقرأ متماهيا وذائبا في شلالها الهادر بين من يأتي محصنا بفكره العربي الأصيل وثقافته الأصيلة وبين من يأتي فاضي الوفاض عن دينه وعروبته وثقافته .
فالقراءة في ثقافة الآخر تعتبر نوع من التطعيم لأدبنا العربي تجعله يفرز الأجسام المضادة لتحصينه والبعد به عن الذوبان في بحر الآخر متميزا بحدوده وأسلوبه وذوقه تضفي عليه الألوان الجميلة وتبذر فيه الطعم المتفرد وترشحه للعالمية بما يستجد من طرافة الفكرة وقوة المضمون وجدة الأسلوب وكارزمية الصورة ومتانة النظم . بعكس من يتماهى مع ثقافة الآخر ويتنكر لثقافته الأصيلة ودينه ومعتقده وعروبته ومحتده فيذوب في ثقافة الآخر ملحا ثقافيا نعجز عن استرداده إلى طبيعته مع استحالة تميزه في خضم ثقافة الآخر .

*الساحة الشعرية باليمن..تعيش.. حالة تمترس واستقطابات، تعليقك؟

-الاستقطاب ليس مقتصرا على الساحة الشعرية اليمنية فقط بل هو ظاهرة عربية بارزة ورثت هذا الاستقطاب من العدوى السياسية والحزبية والمذهبية كون الأدب ينشأ في زاوية من زوايا السياسة ويتأثر بها سلبا وإيجابا فما نراه من استقطاب سلبي لبؤر التشرذم المذهبي والحزبي والقومي انعكس سلبا على كل المجالات ومنها المشهد الأدبي الذي يعيش حالة من التشرذم بسبب غياب مؤسسات الدولة المستقرة واتحاداتها المغلقة وانقسامها على نفسها في كيانات سياسية ضعيفة تولد عنها التصادم الدموي بسبب ثقافة العنف المتولدة من تباينات القوى ورؤية كل قوة أحقيتها بالحكم دون الأخرى .
إذن فالاستقطاب في الساحة الشعرية اليمنية ظاهرة ناتجة من عدوى التشرذم زادها انفراط عقد الجماعة وفوضى العالم الافتراضي والنظرة الآنية وإخضاع المشهد الأدبي لوسيلة الربحية والتكسب الأمر الذي شوه الساحة الأدبية على مستوى الوطن العربي وأسقطها في بؤر التباينات فنتج عن ذلك الدعوات التي ظاهرها الحق وباطنها الباطل وكل يدعي الحفاظ على الشعر وصيانته والارتقاء به . ” وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ” .

*ماذا تعني لك الكلمات التالية:(الوطن،المرأة،الشعر،الحب)؟

-الوطن نسيم الروح … فضاء الحرية … أرشيف الذكريات … منبت العزة … معراج الفخار . عشته جنيناً … حبوت عليه رضيعاً … لعبت على ترابه طفلاً … نموت من خيراته … غذيت من حقوله … رويت من معينه … تنزهت على جداوله .
عشقت مروجه … همت بأوديته طرت في هضابه … رحلت في رباه … جدفت بحاره … تسلقت جباله … عبرت صحراءه .
هو سمائي … روض محاسني … جناني الفيحاء … هو العزة والكرامة …التضحيةوالبسالة … المروءة والصدق … الحب والرحمة .
تفيأت ظلاله الوارفة … بذرت أرضه … حصدت زرعه …. جنيت ثماره … أجريت جداول الحرية … هصرت أفنان الأدب … غنيت مع طيوره … غردت مع عصافيره ,… بنيت جسوره … كافحت مع أبطاله فالوطن روحي الحالمة…عيني الناظرة … نبض قلبي الرءوم … أفقي الجميل … فضاء حريتي الرحب .

أًغنِيةُ وطَنٍ

صَفَا حُبِّي لِحُبِّكَ وامتِثَالِي
ْوإِخبَاتِي لِحِفظِكَ وابتِهَالِيْ

لَكَ الرُّوحُ الثَّمينَةُ فِيكَ تُهدَى
فداءً مِنْ شِقَاقٍ وانفِصَالِ

سَأَبذُلُ دَونَ أَرضِكَ كُلَّ جُهدٍ
وَأَفنَى فِي طُمُوحِكَ والكَمَالِ

تَألَّقَ فِيكَ حُبُّ القلبِ حَتَّى
غدَا بَدراً تَدَرَّجَ مِنْ هِلَال

تَطَاوَلَ فِيْ عُلَا الجَوزَاءِ نَجماً
وَغَرَّدَ في الحُقولِ وفي التِّلالِ

فَمَالِي لَا أُحِبُّك أنتَ حِصنِي
ومَأْوَى عِزَّتِي وَهَوَى اتِّصَالِ

حَبَوتُ علَى تُرَابِكَ كنتُ طفلاً
أدَاعِبُ بالمُنَى دَوحَ الخيَالِ

فُطِرتُ علَى التَّوَحُدِ لستُ أرضَى
بإطْلاقِ الجنوبِ أو الشَّمَالِ

(المرأة)

المرأة كائن لطيف … درة مكنونة … موئل الحنان … منبع الشفقة… حاضنة الطفولة … راعية الأمومة شطر الحياة … قطب التوازن … منبت ٌخصب … حقل مثمر … أرض طيبة… عطاء سخي … وفاء وارف … بذرٌ وتربة … سحاب ودجن … زرع وثمر … حب وامقٌ … حضن رءوم .

المرأة شقيقة الرجل … زوجته وأخته وأمه … يتقلب الرجل بين شفقة الأخت وحنان الأم وحب الزوجة… لا يكون رجل إلا بامرأة … هي محضن الرجولة … ومهد البطولة … زارعة الفضائل … المعينة على الجلائل … رافدة الحياة … ومنجبة الأجيال .

(القصيدة)

مملكتي الخالدة وهزار روحي الغاني ونورسي المحلق في الفضاء وقاربي المجدف في البحار هي همس مشاعري وروض قلبي وموال عشقي وربابة الشجن ووتر الحب وسيمفونية الحياة هي سيفي الضارب وكأسي البارد وثورتي المتمردة ومحرابي البتول هي ضراعتي القانتة وابتهالي المنيب ومدائحي الواهبة وهجائي المرير .
هي باختصار مملكتي العظمى التي عبرت عنها بهذه القصيدة .

ملكتِيْ الشِّعريَّةْ

أنتَ يا شعرُ دَولَتِي في قَصِيدِيْ
أنتَ حلمِي وروعتِي أنتَ عِيدِي

ذبتَ في الرُّوحِ
بلسماً في جُرُوحِي
وهزاراً يزيدُ شجواً نشيدِيْ

أنت شَهدِي ولذَّتِي وكُؤوسِي
و كِسَائِي وثَروَتِي و حَصِيدِي

كُلَّمَا زدتُ في مصَلَّاكَ بَتْلاً
زدتَ يا شعرُ قيمةً في رَصِيدِيْ

أنتَ مغنايَ في
الشَّجَى أنتَ رَوضِي
رحتُ أجنيكَ كلَّ شيءٍ رغيدِ

عشتَ في مقلتِي جُمَانَ المَآقِي
وعلَى القلبِ ثورةً في ورِيدِيْ

ذبتَ شهداً علَى كؤوسِ الغوانِي
وسيوفاً علَى العِدَى منْ حديدِ

كُلَّمَا غنَّتِ العصافيرُ نَظمِي
قلتَ يا شعرُ للعصافيرِ عِيدِيْ

وَحدِي خضتُ
الفتوحَ فاحتلَّ حَرفِي

حُورَكَ البيضَ منْ ظباءٍ وغيدِ
بتُّ فوقَ العروشِ في الملكِ فرداً

جئتَنِي أنتَ واحداً منْ عبيدِيْ
كلُّ أوزانِ دولتِي سالمتنِي

والقوَافي تقولُ أهلاً بسِيدِيْ
كلَّمَا غَنَّتِ الوريقاءُ شعري

قالتْ الورقُ يا وريقاءُ زِيدِيْ
لقَّبونِي أميرَ حقلِ القوَافِي

كلُّ ريمٍ تقولُ إيهٍ عَمِيدِيْ
طالعُ الفتحِ في شعورِي انتِصَارٌ

فوقَ رمضاءِ رحلتِي في جَلِيدِيْ
كم جَنَيتُ الثِّمَارَ منْ حَقلِ حَرفِي

والينابيعُ فُجِّرَتْ في صَعِيدِيْ
غزوةٌ بعدَ غزوةٍ مكنتنِيْ

فارتَوَى الشِّعرُ منْ مشاريعِ صيدِيْ
باتَ نَظمِي يطوفُ فوقَ الثُّرَيَّا

فَجَّرَ الماءَ جدولاً فوقَ بيدِيْ
عبقرُ الشِّعرِ أفردتنِي بتاجٍ

بوأتنِيْ إلى مكانٍ سديدِ
عشتُ في ملكِ دَولَتِي مستقيماً

لا ضعيفٌ ولا بفظٍّ عنيدِ
أنَا ما رمتُ في الورَى عونَ شخصٍ
لا ولا عشتُ رهنَ قيدٍ شديدِ

أشرقَ الحرفُ فوقَ شِعرِي رَغِيداً
والأزاهيرُ فوقَ حرفِي كغِيدِيْ

عاشَ نظمِي علَى العُلَا في ائتِلاقٍ
يُلقِي شِعرِي لكلِّ حرٍّ رشيدِ

(الحب)

الحب هبة إلهية ونفحة روحية ونسمة هوائية ينظم علاقات الحياة ويرفد الوجود ويربط بين الكائنات مسكنه القلوب الحية وتربته الأخلاق وشجره السلم وثماره الابتسامة .
الحب ظاهرة كونية ولمسة وجدانية وسحر هاضب وغضارة دجنة وغيمة مدرار وغادية في صباح الوجود يضخ الروابط ويدفق العواطف ويدعو إلى الوئام ويحض على الالتحام .
يربط بين مجرات الكوان فتتولد الكواكب والنجوم وبين الجبل والجبل فيتولد الوادي وبين السماء والأرض فيتولد الأفق وبين الشجرة والشجرة فتتولد الثمار وبين الرجل والمرأة فيكون الأولاد الحب روح الحياة وشريانها المتدفق وقلبها النابض وسرها الواهب يكسو الحياة بالبهجة ويضفي على القلوب السرور يروي المشاعر بالانشراح ويضيء الوجوه بالابتسامة .
الحب موال الوجود وفلسفة الحياة وسفينة الدنيا وبوابة الآخرة هو مسحة الجمال ونهر الرحمة وشلال الود وبحر الأواصر ونظام الروابط والعلاقات .


أضافة تعليق