الإعلامي البارز, الأستاذ عادل الماجد بصدد إصدار كتابه ( القنوات المحافظة .. الأولويات والاحتياجات) , عالج فيه جملة من القضايا منها : ( التلفزيون الحكومي العربي) , (انطلاق البث الفضائي العربي) , (الإعلام المرئي من الترفيه إلى التنويع) , (ميلاد فضاء جديد ) .
موقع المثقف الجديد أجرى هذا الحوار مع المؤلف حول سلبية استخدام وصف ( محافظة) و( الإعلام البديل) وسر نفوذ المارون في الإعلام وأسئلة أخرى .
• الغلاف أعلاه افتراضي .
س1 : هل قلل وصف ( المحافظة ) أو ( الهادفة ) من جاذبية وإثارية القنوات المحافظة , وإقبال الشريحة الاجتماعي عليها ؟
جـ 1: بالتأكيد لها أثر سلبي وهي تعطي انطباعاً تحيزياً جماهيرياً , وإن كان لها أثر إيجابياً جزئياً في ولاء الجمهور لها ، ولكنه ولاء فكري وليس إعلاميا، لأن الجماهيرية والولاء الإعلامي ينبغي أن تأتي تلبيةً لحاجات الجمهور , وفق تصور إعلامي ناضج يسعد به صاحب الولاء ويحترمه غيره , وكذلك لفظ ( المحافظة ) ليس وصفا دقيقا , ولا لفظا إعلاميا وكل إعلام يمكن أن يكون ( محافظا ) نسبيا لغيره. ولفظ ( هادف ) غير معبّر , إذ لا يمكن لإعلام أن ينطلق ويستمر دون أن تكون له أهداف محددة , لذا هو إعلام أو اتصال له ملاك وفريق تنفيذي , يملكون رسالة يريدون أن يؤثروا في الجمهور , وهذا الوصف مهني ينطبق على كل إعلام , كأي مهنة أخرى , لها أصول وقواعد وأدوات نجاحها , وفشلها ليس بالمسميات , لكن بالمهنية في تنفيذها.
س2 : هل القنوات الإسلامية ردة فعل إزاء قنوات اختلفت معها فكرياً وسبقتها زماناً وحضوراً وخبرة , أم أنها تجاوزت هذه الخانة إلى الفعل والمبادرة , لا الاستجابة وردّة الفعل ؟
جـ 2: اتحفظ بشدة على كلمة “إسلامي” , فهي قنوات تعكس رؤية واجتهاد أصحابها ويعتريها النقص والضعف. ولكن من ناحية التأثير أرى أنه رغم تأخرها الزمني في الانطلاق إلا أنها حققت في مجملها نجاحاً جماهيرياً وتأثيرياً منافساً , ولولا العوائق النظامية والانحياز الإعلاني والسياسي من بعض الدول ضدها لكان نجاحها أكبر, وهي في بدايتها تلبية حاجة مجتمعية أكثر منها ردة فعل , وقد تأخرت كثيراً بسبب ارتفاع التكاليف الباهظة قبل دخول الإعلام الرقمي “الديجتال” , وبسبب الموقف من جمع من أهل العلم من الإعلام المرئي بناءً على سنوات من البث المرئي في قنوات كثيرة , فيها مخالفات للشرع والآداب العامة والأخلاق المرغوبة , وهذا الاستياء لم يختص به أهل العلم , بل شمل طبقات كثيرة من نخب وجماهير المجتمع . وهذه القنوات بفضل الله تجاوزت ردة الفعل بكثير وهي فاعلة ومؤثرة , ولكن تسارع الإعلام والاتصال وتسابقه جعل هذا التأثير أقل ظهوراً.
س3 : هل شعار ( الإعلام البديل ) حضر لملء الفراغ والاستجابة لإلحاحات الشريحة المحافظة . وما مدى التأثير السالب أو الموجب لهذا الشعار على أداء الإعلام المحافظ إبداعياً وفكرياً .
جـ : البديل دوماً تابع و تسمية ( بديل ) هو اعتراف مسبق بعدم القدرة على المنافسة, والبعض يقول هذه ألفاظ غير مؤثرة ومصطلحات لا تغير من حقيقة الأشياء , وهذا غير صحيح , فاللفظ والمصطلح لغة حياة , تؤدي دوراً سلبياً أو إيجابياً , لذا وضع اللفظ , ونحت المصطلح يجب أن يتم بعناية ودقة فهل ( البديل ) يمكن أن يتفوق ويتجاوز على (الأصيل) , ومن يعمل في مشروع بديل هل لديه دافعية للدقة والاحترافية والإبداع..؟ ولا أجد مبرراً للحرص على إضافة مصطلح مميز لعمل مهني كالإعلام يؤثر سلبا على دور الوسيلة في الجماهير المخاطبة.
س4 : ما تقييمك لمستوى تناول الفضائيات المحافظة للشأن السياسي إخبارياً وتحليلاً ؟
جـ : الشأن السياسي في الإعلام شاق جدا , فهو شديد الحساسية وعالي التكاليف وبحاجة لجيوش من أهل الخبرة وبحاجة لعلاقات وطنية ودولية مميزة , لذا فالإعلام السياسي العربي كله خلفه دولة تنفق عليه وتحميه , وتبث من خلاله سياستها وتغيره وتبدله بحسب موقف الدولة , وسياستها وتهاجم عن طريقه أحباب الأمس , وتغدق المدائح لعدو سابق تغيرت السياسة تجاهه. فكيف يتفوق إعلام محافظ – كما قلت – همه المالي أن يدفع ديونه المتراكمة , وهمه القانوني أن يبقى حياً , فهو يُوبَخ مع كل زلة ويُهدَد عند كل غلطة , ويُحذَر قبل أن ينطق.
س5 : ما سر قوة حضور ونفوذ العنصر الماروني في الإعلام العربي و الخليجي تحديداً , لا سيما أن البعض يصفهم بالتفوق والكفاءة ؟
جـ : غادر الاستعمار قبل ثمانين سنة المناطق التي احتلها , وترك بؤراً ساخنة وأدوات دائمة . والأقليات في المنطقة هي نقاط ساخنة وأدوات فاعلة , فبعض الأقليات هي الحاكمة في بعض الأقطار , وبعضها لها نفوذ سياسي كبير , وبعضها متمكن في الاقتصاد.. أو في التعليم والفكر والثقافة.. ولكن سيطرة الأقليات على الإعلام أظهر من هذا كله , سواءً في الغناء أو الدراما عبر المسرح والسينما , ومنذ بدايات الإعلام عربيا كان نصارى لبنان هم أسياده في شتى مجالات الإعلام على اختلاف مذاهبهم , بل هم من أدخلوا الإعلام إلى مصر , لذا كانوا هم السباقين لأدوات الإعلام واقتصادياته. لاسيما أنَّ المارون أقدر من غيرهم في تجاوز الخطوط الحمراء واللعب خارج الأطر , وكثير من رأس المال الإعلامي الخليجي ضائق من الأطر ومنزعج من الخطوط وألوانها , وغير واثق من المرجعية الأخلاقية والفكرية لغير المارون.
س6 : تذكر أن ( بث قناة الجزيرة تحول كبير في الفضاء العربي , فحوّل الفضاء من ترفيه إلى متعة ومن سذاجة إلى عمق ) … لماذا غابت الجدية والمهنية والتفوق العربي طيلة عقود , رغم توفر الإمكانات البشرية والمادية ؟
جـ : نعم (قناة الجزيرة) ظاهرة عالمية , وليست عربية أو خليجية فقط، تحول معها الإعلام النخبوي الفكري والسياسي إلى اهتمام شعبوي , واستطاعت أن تلغي قواعد كثيرة في الإعلام المرئي استمرت سنوات طويلة ، بعد قناة الجزيرة أصبحت خارطة برامج القنوات مليئة بالبرامج الجادة سياسياً وفكرياً وثقافياً . ولا شك أن هذا التحوّل الشديد حمل سلبيات عديدة لا تلغي هذا التفوق. “الناس عاوزه كدا” و “هيك بنكسب أكتر” هو شعار الإعلام العربي المرئي لسنوات , سوّقه جيل من لبنان ومصر , وبهذا الشعار كسبت هذه الشخصيات الغامضة اقتصادياً , وسوّقت أفكارها المريبة مدة طويلة دون منافس في ظل رأسمال خليجي لا يعنيه المجتمع ولا ثقافته , ولو أُتهم أحد هذا الإعلام بتنفيذ أجنده عدائية للمجتمع العربي قصداً وإصراراً لوجد لهذه التهمة أدلة كثيرة جدا ومقنعة تماما.
س7 : ( حرية الفضاء الإعلامي أوقع الضرر بالعلمانية كآيديولوجيا لكثير من الأنظمة العربية ) ما مدى قبولك لهذه الاستنتاج ؟
جـ : العلمانية هي حالة عدائية متمكيجة بالحرية والديمقراطية , لذا نخب وشعوب كثيرة غير مسلمة ترفضها , لأنها تعرفها جيداً بدون مكياج , ومنذ دخولها لعالمنا العربي , وهي تحت حراسة الحديد والنار وجيوش واستخبارات , لذا تخسر مع كل تصويت حر وتنهزم أمام أي انفتاح.
ومع انتزاع الإعلام من يدي تسلط الدول العربية العلمانية إلى القطاع الخاص , ثم إلى الشعوب انهار الانفراد واستطاع الشهود أن يدلوا بشهادتهم دون وسيط يحترف التزوير, وتكشّف للناس أن الدول العلمانية عاشت مسرحية لسنوات أظهر الانفتاح الإعلامي العربي أنها مسرحية ساذجة , هم كتبوا أحداثها ووظفوا ممثلين مستأجرين لها , لذا فهي تضررت كثيرا بلا شك , ولازال الضرر يتسارع.
س8 : هل الضوابط المحافظة هي السبب الوحيد لعدم تطور كثير من القنوات ؟
جـ : لا يوجد إعلام بلا ضوابط ولا حدود ولا قيود. وهناك إعلام بحدود ضيقة وضوابط منوعة نافس عربياً وتجاوز قنوات حدودها واسعة وحرية مطلقة ورأسمال مفتوح. ولكن للأسف يهرب بعض المفرطين والمقصرين نحو الضوابط لتبرير التراجع المستمر . الجمهور الخليجي أكثر مراعاةً للضوابط من جميع القنوات العربية , مهما كانت درجة ضوابطها.