كتاب ( تحولات الإسلاميين) للدكتور وليد الهويريني من أبرز الكتب التي عالجت المحور الأكثر حساسية في حراك ومرحلة الصحوة , وهو التحولات التي طرأت على مواقف الإسلاميين الذين كانوا داخل الحركة الدعوية . وهو موضوع شغل اهتمام الراصد والداعية نفسه عمّا حدث , وما المقدمة والتداعيات .
موقع (المثقف الجديد) يستضيف الدكتور وليد , ويزجي إليه جملة من علامات الاستفهام بشأن ما طرحه كتابه المتميز .
س _ هل كتابك محاولة حيادية لكتابة تاريخ الصحوة بعد أن برزت كتابات متجنية ضدها؟
ج _ هو ليس كذلك ، إنما هو محاولة لتناول ظاهرة تحولات الإسلاميين في السعودية بموضوعية ، والتحولات ليست تاريخاً للصحوة إنما هي ورقة في تاريخ الصحوة الحافل بشتى الظواهر والأحداث.
س _ هل ترى أن كلمة (تحولات) ذات إيحاء ناعم ومرادف ل(انقلاب) و(انتكاسة) و(تبدل) بوصفها ألفاظاً حادة , لكنها ربما واقعية .. ؟.
ج _ هذا غير دقيق ، فليس كل تحول يُعد مذموماً , وهذا ما حرصت عليه في الكتاب فقد جعلت " التحولات الإيجابية" أحد أقسام التحولات للتأكيد على أن المشكلة والخلل ليست في مطلق التحول , وإنما في بعض تجلياته ونماذجه ومع أن هذا التقسيم ظاهر من خلال عرض مباحث الكتاب في الفهرس فضلاً عن تفاصيله إلا أني تفاجأت أن أحد مشايخنا الكرام تناول الكتاب مشكوراً بوصفه إدانة أو نقداً لأي تحول , مما يوحي للمتلقي بأن الكتاب جاء لترسيخ كل ما كان موجوداً في الصحوة قبل التحولات مع أن مواطن النقد للصحوة في الكتاب وتطرقي للتحولات الايجابية تدحض هذا كله .
س _ الكتاب ربط التحولات بغياب رموز الصحوة . هل كان غياباً علمياً أو رمزياً لأن الرمز إذا زال لا يزول مؤثره العلمي , وبالتالي يكون المتحولون معنيين بالنشاط الحركي لا الشرعي؟
ج _ لكي يبقى التأثير العلمي والفكري الذي تذكره هذا يتطلب زمناً , وهذا مالم يحدث لرموز الصحوة أو لم يُسمح لهم بأن يحدثوه فلك أن تتخيل أن فترة التوهج الجماهيري لرموز الصحوة الذي تجاوز فيه خطابهم الشريحة المتدينة لشرائح المجتمع المختلفة لم تتجاوز أربع سنوات , وهذه الفترة القصيرة الحافلة بالأحداث السياسية والاجتماعية لم تكن تسمح بإحداث التأثير الذي تتحدث عنه مع الأخذ بالاعتبار بأن خطاب رموز الصحوة لم يكن قد نضج في تناوله للمتغيرات لعوامل عديدة , ولكنه في كل أحواله ظل خطاباً معتدلاً وسطياً بعيداً عن تيارات الغلو التكفيري والانحراف الليبرالي ، كما أحدث خطاب رموز الصحوة نقلة هائلة في وعي وثقافة جيل كامل , وعندما تستعرض سيرة العديد من المؤثرين في مختلف القطاعات والتيارات بما في ذلك المنظومة الليبرالية الإعلامية سوف تجد للصحوة بصمتها الإيجابية في بنائهم المعرفي والثقافي .
س _ يردد البعض أن (ضعف الصحوة أبرز تيار العنف). هل هذه المقولة ورطت المرحلة الليبرالية أو ما بعد الصحوة بتوفير مناخات العنف . وهل كانت المقولة دقيقة ؟ , وهل أحرجت الليبراليين والتنويريين؟
ج _ تلك المقولة أثبت الأحداث صحتها فخلال عقود مضت كان هناك تناسباً طردياً بين ضعف وتراجع الصحوة والتدين عموماً وبروز ظاهرة العنف ، ولست أزعم قط بأن هذا هو السبب الوحيد , فهذه الظواهر المعقدة أسبابها مركبة ومتعددة , ولكن يظهر جلياً عند الدراس والمتأمل بأن إضعاف الصحوة كان أحد أسبابها . والبعض هنا يقع في خطأ ظاهر , فيخلط بين تفسير الظاهرة وتبريرها ، والحقيقة أنه لا يوجد عاقل لا من داخل الصحوة ولا من خارجها يبرر سلوك جماعات العنف التي تسفك الدماء المعصومة , وتدمر مقدرات الأوطان , ولكن تبرير الظاهرة شيء ، وتفسير أسباب ظهورها وتحليل بواعثها تمهيداً لعلاجها والوقاية من تكرارها شيء آخر .
س _ الكتاب رصد تفاصيل التحول البرزخي من السلفية إلى التنويرية , لكنه لم يتناول التحول من التنويرية إلى الليبرالية , وهو تحول مفصلي , يهتم به القارئ ويطرح أسئلة حوله؟.
الحقيقة أني أشرت لهذا التحول في سطور قليلة ، وملحوظتك في مكانها , ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن الكتاب مر بمخاض عسير قبل فسحه من وزارة الإعلام فقد أعيد الكتاب لي ثلاث مرات لحذف بعض مواضعه , واستجبت لبعضها , وأعدت صياغة مواضع أخرى ، وهذا السقف الرقابي يعيق الكاتب عن تناول العديد من القضايا بشكل مباشر وشفاف .
س _ بعض المبررات المطروحة في الكتاب لهذه التحولات لا تبدو مقنعة على وجه التمام ك(التلقين التربوي) لأن الأكثرية الساحقة بقيت في حضن السلفية , ولم يطرأ عليها تحوّل , رغم أنها ذات عقول متسائلة؟
ج _ الخروج من السلفية والتحول عنها كان يمثل أقصى حالات التمرد لدى هذه الفئة من الشباب ، ولكن البقاء في داخل الإطار السلفي ومحاضنه وفعالياته لا يعني التسليم بكل بنود المنهجية التربوية السائدة مع الشباب في تلك الفترة , فهناك فئة كانت تنتقد وتصحح كوجهة نظر أخرى مع بقائها في الإطار السلفي وهذه ظاهرة صحية ، وهناك حالات أخرى دون ذلك ، والمقصود بأن منهجية التلقين وضعف لغة الحوار شكلت أحد الدوافع , وهي مشكلة ليست مقتصرة على المحاضن والمؤسسات الشرعية , بل هي مشكلة عامة في المجتمع لم تنجح المحاضن في تلك الفترة في التخلص منها ، ومما يؤكد ما ذكرت أن هناك تطوراً إيجابياً نعايشه اليوم نحو التقليل من منهجية التلقين وفتح آفاق أرحب للحوار .
س _ إثارة النعرة الإقليمية والمناطقية استمالت متحولين , وحركت فيها نوازع بشرية وردود فعل . لماذا استجابت هذه الشريحة دون غيرها من السلفيين لهذه المستفزات ؟ وأين تمتد خيوط التآمر الإقليمي؟.
ج _ وجود العصبية العشائرية و المناطقية لا يكاد يخلو منها مجتمع بشري , وهذا وجد حتى في الجيل الإسلامي الأول وشواهده معروفة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن لم تكن المشكلة في وجود العصبية في المجتمع السعودي عند توصيفي لظاهرة التحولات الفكرية بعد 11 سبتمبر 2001م وإنما كانت المعضلة أحد أسباب التحول نتيجة لأمرين :
الأول : وجود فجوات تنموية واقتصادية واجتماعية بين مكونات المجتمع لاعتبارات عديدة ومن هذه الاعتبارات البعد القبلي والمناطقي والإقليمي .
وهذه الفجوة موجودة فعلاً , وهي معضلة تعانيها المجتمعات العربية المعاصرة بشكل عام .
الثاني : سعي خصوم السلفية بعد 11 سبتمبر على اختلاف توجهاتهم لتحميل الصحوة والدعوة السلفية مسؤولية هذا الخلل وربط علاج هذه الفجوة وتجلياتها السيئة بالتخلص من السلفية وتصفية وجودها في الفضاء العام ، و هذا التناول في تلك الحقبة وسّع شروخاً عميقة في نسيج المجتمع الداخلي لم يتعافى منها إلى اليوم , بل تم تغذيتها بشكل مستمر عبر شبكات التواصل الاجتماعي بشكل ظاهر.
والحقيقة أن المدخل الفكري مدخل مفتعل في توصيف تلك المعضلة فضلاً عن علاجها ، والمدخل الصحيح الذي جربته العديد من المجتمعات المعاصرة اليوم هو مدخل الإصلاح الوطني بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية , ولكن هذا مالم تفعله عامة التيارات الفكرية السعودية بعد 11 سبتمبر 2001م , حيث اختارت مدخلاً خاطئاً في توصيف المعضلة ومعالجتها , ومع طغيان روح الانتقام والتشفي من الصحوة وتحقيق نقاط ضدها عبر استعداء السلطة والمجتمع ضدها فاقمت المعضلة وعمّقت الفجوة وهي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم .
س _ بقيت الصحوة في موقع الدفاع منذ 11سبتمبر . هل استردت الصحوة عافيتها , وتحولت إلى الهجوم في بعض الفترات , أو أنها لا زالت في خانة الدفاع؟
ج _ يعيش المسلمون وخاصة في المشرق العربي زلزالاً سياسياً بعد الثورات العربية نتج عنها سقوط دول وانهيار مجتمعات و, كان لهذا آثاره الفكرية والثقافية على مجتمعنا , ومن أبرز تلك الآثار حالة التشظي والتفتت , وأعتقد أن كافة التيارات الفكرية الإسلامية والعلمانية على اختلاف أطيافها تعاني من هذه الحالة ، والصحوة بوصفها الوعاء الأكبر للحالة الإسلامية لم تسلم من هذا إلا أنها تعيد تموضعها وتجديد أدواتها بصورة تتناسب مع التحولات التي تمر بها المنطقة , ومن ذلك تحولها من حالة الدفاع إلى الهجوم أحياناً عبر شبكات التواصل الاجتماعي , وهذا بسبب أن حجم الانكشاف الفكري للخطاب الليبرالي لم يصبح مستفزاً لشريحة المحسوبين على الصحوة , بل مستفزاً لعامة المجتمع فمن السخرية بالمقدسات إلى حملات إعلامية تغيب عنها المهنية والموضوعية , مروراً بتلميع شخصيات مشبوهة , وانتهاء بدعوة فجة للتطبيع مع الصهاينة واستعداء السلطة والمجتمع ضد شريحة من المجتمع بما يهدد وحدة النسيج الاجتماعي الداخلي للمجتمع في وقت تخوض البلاد فيه حرباً على حدودها الجنوبية , ويحيط بها حزمة من التحديات الأمنية والسياسية .
س _ صحيفة (المحايد) برزت وتوارت سريعاً , لكنها استوعبت شريحة من المتحولين . هل كانت محضناً منتجاً ومهماً في مشروع التحولات؟
ج _ اطلاعي على تجربة المحايد مع الأسف إطلاع عابر لا يتيح لي إبداء رأي حول أثرها .
س _ صدر كتابك منذ أربع سنوات . هل طرأ على آرائك شيء من التغير والمراجعة , لاسيما مع بعض مآلات الربيع العربي . ولو كانت هناك طبعة جديدة , فما الإضافة التي ستقدمها في هذا الكتاب المميز؟
ج _ نعم بالتأكيد ، وهو أمر طبيعي , ولكني أعتقد بأن حجم التغير لم يمس الخطوط العريضة للكتاب ولا فكرته الأساسية , ولم يكن لمآلات الربيع العربي تأثير كبير من هذه الزاوية , لأني كنت متوقعاً لبعضها , وهذا ألمحت له في خاتمة الكتاب .
*المثقف الجديد