مرحبا بكم فضيلة الدكتور الرحموني.
يسود الاعتقاد في أوساط الباحثين والطلاب كون المؤتمرات والملتقيات هي أفضل الوسائل لتبادل الخبرات والمعارف المساعدة على تطوير البحث العلمي. ما رأيكم في قيمة هذه الفعاليات في المجال الأكاديمي العربي والإسلامي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحقيقة للمؤتمرات والملتقيات العلمية أكثر من قيمة، لعل أسماها كما ذكرتم تبادل الخبرات والمعارف عن قرب بين ذوي التخصص، وخاصة حينما تكون هذه اللقاءات دولية، حيث يجتمع الباحثون من جامعات ومراكز بحث متعددة ليناقشوا موضوعا محددا معينا ومعروفا من قبل. كما أن هذه المناقشات التي تكون محصورة حول هذا الموضوع المعين تنطلق من بحوث بذل فيها أصحابها جهدا كبيرا من أجل إنجازها، كما أنها تكون في الغالب مرّت عبر لجنة تحكيم علمية لإجازتها. بالإضافة إلى هذا أحسب أن من بين إيجابيات هذه المؤتمرات العلمية ما يصدر عنها من توصيات، حيث لو أن الجهات المعنية تلتفت إلى تفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع، باعتبارها صادرة عن علماء أو باحثين مختصين لأرينا فضل العديد من الندوات متجلية على أرض الواقع، في جميع المجالات والتخصصات التي تعود بالنفع على بني البشر. ولكن المشكلة هي أن كثيرا من هذه التوصيات تبقى رهينة الأوراق وخاصة في محيطنا العربي الإسلامي، بل إن بعض أعمال هذه الندوات لا ترى النور أصلا بسبب عدم طباعتها. ولذلك فإن جدوى هذه المؤتمرات أو فائدتها من حيث تبادل الخبرات ربما تكون في كثير من الأحيان مقصورة على المشاركين فيها، ومع ذلك فهي فائدة ليست هينة، لأن تبادل الخبرات يساعد بالتأكيد على تطوير البحث العلمي ودفعه نحو الازدهار.
إذا كان من الثابت أن المؤتمرات والندوات العلمية هي ركن من أركان استراتيجية تطوير البحث العلمي، فإن عقد هذا المؤتمر انبنى على أساس فكرة مخصوصة وأهداف مرصودة. هلا بينتم للسادة الباحثين هذه الأفكار والمقاصد.
في الحقيقة أن فكرة المؤتمر ولدت منذ حوالي عشرين سنة، لكن مشيئة الله تعالى قدرت أن يؤجل إلى هذا الوقت، وطوال هذه الفترة الزمنية كانت الفكرة هي هي تقريبا، حيث انطلقت من أن شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب – ظهر المهراز بفاس هي أم شعب اللغة العربية وآدابها بالجامعات المغربية، إذ أنها تأسست في بداية الستينات من القرن الماضي، رغم أن جامعة فاس كانت حينذاك فرعا لجامعة محمد الخامس بالرباط، ولم تستقل عنها إلا في السبعينات. وبما أنها أول شعبة عرفتها الجامعة المغربية الحديثة في اللغة العربية وآدابها، فقد تخرج منها العديد من الأطر المغربية وغير المغربية طوال العقود الخمسة الماضية، سواء على مستوى الإجازة أو على مستوى الدراسات العليا، ولا بد من الإشارة إلى أن الطلبة الوافدين عليها كانوا من مختلف الجنسيات؛ فبالإضافة إلى طلبة العديد من الدول العربية كان هناك طلبة من الدول الإفريقية والأسيوية بل وحتى الأوروبية.
وإذا أضفنا إلى هذا أنه بعد اعتماد الدراسات العليا بمختلف مستوياتها وأنظمتها عرفت شعبة اللغة العربية وآدابها عدة تخصصات، ويكفي أن أشير إلى أنه قبل سنتين من الآن كان عندنا ستة مسالك على مستوى الماستر، شملت اللغة والأدب قديمهما وحديثهما. ومن الأكيد أن الإقبال على هذه التخصصات سيجعل من أعداد الطلبة بالشعبة وخاصة في الدراسات العليا تزداد بشكل كبير.
وبذلك فإن وفود الطلبة على هذه الشعبة من مختلف مناطق المغرب حينما كانت الشعبةَ الوحيدة بالجامعة المغربية، ثم وفود الطلبة غير المغاربة من عدد من الدول كما سبق الذكر، على امتداد العقود الخمسة الماضية سيجعل لهذه الشعبة إشعاعا علميا ومعرفيا داخل المغرب وخارجه. ومن المعروف أن العديد من الأقلام اللامعة في مجال اللغة العربية وآدابها إبداعا ونقدا هم خريجو هذه الشعبة العتيدة.
يضاف إلى هذا الأساتذة الكبار الذين درَّسوا بهذه الشعبة، والذين يعدون بحق مؤسسين لها وبانين لدعائمها التربوية والعلمية، ومقيمين لصرحها في مجال البحث العلمي والعرف الأكاديمي، ويمكن أن أذكر على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة: الدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد الكتاني، والدكتور عبد السلام الهراس والدكتور الشاهد البوشيخي والدكتور إبراهيم السولامي والدكتور محمد المعداوي والدكتور محمد الخمار الكنوني والدكتور محمد السرغيني والدكتور حسن المنيعي والدكتور علي حمودان، وغيرهم كثير، ومن المشرق يمكن أن أذكر الدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور عبد الله الطيب والدكتور محمد نجيب البهبيتي والدكتور عبد الحميد يونس والدكتور تمام حسان والدكتور فخر الدين قباوة والدكتور صالح الأشتر والدكتور عبد الكريم الأشتر والدكتورة ابتسام مرهون الصفار وآخرين ممن إذا ذُكر البحث العلمي في مجال اللغة العربية وآدابها وذُكرت الريادة فيه لا تخطئهم العين على الإطلاق. حتى ليمكن القول إن هذه الشعبة كانت محظوظة في ما يتعلق بالتدريس والتأطير فيها، حيث إنها اجتمع فيها ما لم يجتمع في غيرها من الشعب، ربما على امتداد جميع الشعب في الجامعات العربية.
ولذلك يمكن أن أقول إنه كانت هناك أهداف عديدة من أجل عقد هذا المؤتمر، ويمكن أن أذكر من بينها:
- أولا لفت الانتباه إلى الدور التاريخي الذي قامت به هذه الشعبة في مجال خدمة اللغة العربية وآدابها، بل وفي خدمة الوطن في كثير من القطاعات، إذ أن العديد من الأطر الإدارية ببلادنا بما فيها عدد من الأطر العليا إما أنها خريجة هذه الشعبة أو أنها درَّست بها، ولا شك أن التعريف بهؤلاء الرواد، أو على الأقل ذكر أسمائهم مقرونة بهذه الشعبة يعد تنويها بجهودهم العلمية الرائدة في خدمة اللغة العربية وآدابها، وفي خدمة الوطن أيضا.
- ثانيا التعريف بجهود هذه الشعبة في مجال التدريس وفي مجال البحث والتأطير العلميين في مختلف التخصصات والمستويات ذات الصلة باللغة العربية وآدابها. إذ أنه خلال هذه العقود الخمسة تم تطبيق عدد من المقررات والبرامج على مستوى سنوات الإجازة، وتجربة عدد من الأنظمة على مستوى الدراسات العليا، نتيجة ما حصل من إصلاحات متتالية في الجامعة المغربية، وحصل في كل ذلك تراكم مهم من الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية، غطت موضوعاتها التراث الأدبي واللغوي العربيين والنتاج الأدبي واللغوي الحديث والمعاصر، سواء من حيث الدرس والتحليل والتأريخ والتحقيق، أم من حيث التنظير وتعميق المفاهيم ودراسة المصطلحات. ولقد كان هذا المؤتمر فرصة لإبراز هذه المجهودات خاصة من خلال عدد من البحوث التي قدمت في هذا المؤتمر.
- ثالثا، دراسة، أو على الأقل إثارة، أهم قضايا اللغة العربية وآدابها قديما وحديثا، التي شغلت – أو ما زالت تشغل ـ بال الباحثين في الدرس الأدبي واللغوي في الجامعات العربية.
- رابعا، يمكن أن أقول إنه من بين الأمور التي تعد من ثمار المؤتمرات السابقة ذات الصلة باللغة العربية وآدابها الإحساس بضرورة التنسيق والتعاون فيما بين شعب اللغة العربية وآدابها سواء داخل المغرب أو حتى خارجه، وسواء أيضا في مجال التدريس أو في مجال البحث العلمي، وخاصة في غياب قاعدة معطيات أو بنك معلومات تتعلق بالمنجز في مجال البحث العلمي. ولذلك كان من بين الأهداف البحث عن التنسيق والتعاون أو على الأقل تبادل المعلومات فيما بين هذه الشعب.
- خامسا، من بين الأهداف أيضا أن المؤتمر كان يروم استخلاص الحصيلة من هذه التجربة الطويلة في التدريس والتأطير والبحث العلمي، ومحاولة استشراف الآفاق رفعا للمردودية العلمية، وتأسيسا لمستقبل علمي قادر على العطاء والإشعاع.
ما أهم الموضوعات التي قاربها الباحثون والمختصون في الجلسات العلمية للمؤتمر؟
- توزعت الجلسات العلمية للمؤتمر على الشكل التالي
أولا: عرض جهود شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب ظهر المهراز فاس في مجال التدريس والتأطير والبحث العلمي، مع عرض تجارب في مجال المشاريع العلمية.
ثانيا: عرض عدد من المنجزات العلمية للشعبة في عدد من المجالات العلمية؛ كتحقيق التراث والدراسات المصطلحية والدراسات البلاغية والشروح الشعرية والشاهد الشعري والمناهج المعاصرة والنقد الروائي والقصصي، وكذلك في الدراسات اللغوية؛ في النحو والسيميائيات والصواتة.
ثالثا: عرض عدد من تجارب التدريس والبحث العلمي وقضية التجديد فيها، إما بشكل عام أو من خلال بعض التخصصات، في عدد من الشعب بالجامعات العربية في المغرب والمشرق على حد سواء.
رابعا: إثارة عدد من قضايا البحث في الأدب وعلوم اللغة .
خامسا: محاضرتان عن اللغة العربية والتدريس، واللغة العربية والإبداع الأدبي.
بعد انتهاء أشغال المؤتمر، ما هي في نظركم المشاريع البحثية التي بات الاشتغال بها أمرا ملحا وضروريا؟
هناك أكثر من مجال، لكن يبدو أن أكثرها إلحاحا - من خلال ما اتضح من بعض البحوث، ثم من خلال التجارب لعدد من الأساتذة – ثلاثة مجالات:
- أولها ما يتعلق بمعضلة النص حيث إن جانبا من تراثنا –ولعله الأكبر- ما زال يشكو الإهمال والتهميش من ثلاثة جوانب:
* جانب التحقيق حيث هناك العديد من المخطوطات لم تر النور بعد.
* جانب إعادة التحقيق حيث إن جانبا مما هو منشور يحتاج إلى إعادة التحقيق تصحيحا لكل ما لحق به من تشويه وسوء قراءة، أدى إلى سوء الفهم والاستخلاص.
* جانب الدراسة الوجيهة لهذا التراث بهدف إغناء البحث العلمي، وربط الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي، وتجنب الانفصام الذي يبدو في دراسة القديم والحديث من علوم اللغة العربية وآدابها.
- ثانيها: تجديد الدرس اللغوي والأدبي، إذ أنه رغم الجهود القيمة التي يبذلها العديد من الأساتذة الباحثين في مجال اللغة العربية وآدابها فإن الدرس اللغوي والأدبي ما زال يشكو آفات عديدة، لعل أبرزها في نظري عدم التجديد في ما يتعلق بالمضامين، ثم بالطريقة التي تُقدَّم بها تلك المضامين، ومثل هذه الآفات لا تسمح بمواجهة آفات أخرى تتعلق بضعف المستوى وتقهقره. ومن الجدير بالذكر أنه رغم ما عرفته الجامعة المغربية من تغييرات أو ما عرف بالإصلاحات في هيكلة المقررات والبرامج التي أصبحت تتغير أو يعاد فيها النظر كل أربع سنوات، ثم ما كان أصل ذلك كله من الانتقال من نظام السنوات إلى نظام الفصول الذي انبنى على منظومة (إمد) أو (LMD) ، أقول رغم كل ذلك فإن الدرس اللغوي والأدبي ما زال يحتاج –في نظري- إلى تجديد في محتواه وطريقة أدائه وتبليغه.
- وأما ثالثها فيتعلق بالبحث العلمي الذي يحتاج إلى هيكلة وتنسيق؛ الهيكلة من حيث المشاريع التي ينبغي أن تكون مجالا للبحث، أيِّ بحث، سواء أكانت بحوثا لطلبة الدراسات العليا، أم بحوثا تشتغل بها المختبرات ومراكز البحث. صحيح أن المختبرات بشكلها الحالي تقدم مشاريع بحثية جيدة وتشتغل بها، ولكن أفقها محدود ينطلق من الاهتمامات الخاصة للأساتذة المشتغلين في تلك المختبرات، ولا ينطلق من منطلقات ذات أفق واسع تروم خدمة القضايا الكبرى للغة العربية وآدابها، هذا فضلا عن أن بعض هذه المشاريع هنا قد تتقاطع مع مشاريع أخرى هناك وربما تكررها، ولهذا قلت أيضا إن البحث يحتاج إلى تنسيق توحيداً للجهود وتجنباً للتكرار وحمايةً للإنتاج والإبداع من أن تعبث بها أيدي العابثين الذين لا تهمهم أمانة البحث العلمي.
لقد واكبت شبكة ضياء مجموعة من الفعاليات العلمية منذ كونها فكرة إلى مرحلة إصدار البيان الختامي والتوصيات. ما هو تقويمكم لرسالة "ضياء" وطبيعة اشتغالها؟
يمكن أن أقول إن شبكة "ضياء" ذات مصداقية كبيرة في متابعتها للأنشطة العلمية بكل أشكالها، داخل المغرب أولا، ثم على امتداد الساحة العربية والإسلامية بل والدولية، حتى أصبحت بحق مرجعا أساسيا لمعرفة الجديد منها وتتبع الآني منها والاطلاع على حصيلة المنجز منها، ولا يمكنني إلا أن أثمِّن عاليا هذه الجهود المتميزة، داعيا لها بالمزيد من التميز والتألق.
في نهاية هذا اللقاء العلمي، نتوجه إلى فضيلتكم بالشكر والتقدير راجين من الله تعالى أن يكون لكم عونا في جميع أعمالكم وأنشطتكم.
*شبكة الضياء
يسود الاعتقاد في أوساط الباحثين والطلاب كون المؤتمرات والملتقيات هي أفضل الوسائل لتبادل الخبرات والمعارف المساعدة على تطوير البحث العلمي. ما رأيكم في قيمة هذه الفعاليات في المجال الأكاديمي العربي والإسلامي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحقيقة للمؤتمرات والملتقيات العلمية أكثر من قيمة، لعل أسماها كما ذكرتم تبادل الخبرات والمعارف عن قرب بين ذوي التخصص، وخاصة حينما تكون هذه اللقاءات دولية، حيث يجتمع الباحثون من جامعات ومراكز بحث متعددة ليناقشوا موضوعا محددا معينا ومعروفا من قبل. كما أن هذه المناقشات التي تكون محصورة حول هذا الموضوع المعين تنطلق من بحوث بذل فيها أصحابها جهدا كبيرا من أجل إنجازها، كما أنها تكون في الغالب مرّت عبر لجنة تحكيم علمية لإجازتها. بالإضافة إلى هذا أحسب أن من بين إيجابيات هذه المؤتمرات العلمية ما يصدر عنها من توصيات، حيث لو أن الجهات المعنية تلتفت إلى تفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع، باعتبارها صادرة عن علماء أو باحثين مختصين لأرينا فضل العديد من الندوات متجلية على أرض الواقع، في جميع المجالات والتخصصات التي تعود بالنفع على بني البشر. ولكن المشكلة هي أن كثيرا من هذه التوصيات تبقى رهينة الأوراق وخاصة في محيطنا العربي الإسلامي، بل إن بعض أعمال هذه الندوات لا ترى النور أصلا بسبب عدم طباعتها. ولذلك فإن جدوى هذه المؤتمرات أو فائدتها من حيث تبادل الخبرات ربما تكون في كثير من الأحيان مقصورة على المشاركين فيها، ومع ذلك فهي فائدة ليست هينة، لأن تبادل الخبرات يساعد بالتأكيد على تطوير البحث العلمي ودفعه نحو الازدهار.
إذا كان من الثابت أن المؤتمرات والندوات العلمية هي ركن من أركان استراتيجية تطوير البحث العلمي، فإن عقد هذا المؤتمر انبنى على أساس فكرة مخصوصة وأهداف مرصودة. هلا بينتم للسادة الباحثين هذه الأفكار والمقاصد.
في الحقيقة أن فكرة المؤتمر ولدت منذ حوالي عشرين سنة، لكن مشيئة الله تعالى قدرت أن يؤجل إلى هذا الوقت، وطوال هذه الفترة الزمنية كانت الفكرة هي هي تقريبا، حيث انطلقت من أن شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب – ظهر المهراز بفاس هي أم شعب اللغة العربية وآدابها بالجامعات المغربية، إذ أنها تأسست في بداية الستينات من القرن الماضي، رغم أن جامعة فاس كانت حينذاك فرعا لجامعة محمد الخامس بالرباط، ولم تستقل عنها إلا في السبعينات. وبما أنها أول شعبة عرفتها الجامعة المغربية الحديثة في اللغة العربية وآدابها، فقد تخرج منها العديد من الأطر المغربية وغير المغربية طوال العقود الخمسة الماضية، سواء على مستوى الإجازة أو على مستوى الدراسات العليا، ولا بد من الإشارة إلى أن الطلبة الوافدين عليها كانوا من مختلف الجنسيات؛ فبالإضافة إلى طلبة العديد من الدول العربية كان هناك طلبة من الدول الإفريقية والأسيوية بل وحتى الأوروبية.
وإذا أضفنا إلى هذا أنه بعد اعتماد الدراسات العليا بمختلف مستوياتها وأنظمتها عرفت شعبة اللغة العربية وآدابها عدة تخصصات، ويكفي أن أشير إلى أنه قبل سنتين من الآن كان عندنا ستة مسالك على مستوى الماستر، شملت اللغة والأدب قديمهما وحديثهما. ومن الأكيد أن الإقبال على هذه التخصصات سيجعل من أعداد الطلبة بالشعبة وخاصة في الدراسات العليا تزداد بشكل كبير.
وبذلك فإن وفود الطلبة على هذه الشعبة من مختلف مناطق المغرب حينما كانت الشعبةَ الوحيدة بالجامعة المغربية، ثم وفود الطلبة غير المغاربة من عدد من الدول كما سبق الذكر، على امتداد العقود الخمسة الماضية سيجعل لهذه الشعبة إشعاعا علميا ومعرفيا داخل المغرب وخارجه. ومن المعروف أن العديد من الأقلام اللامعة في مجال اللغة العربية وآدابها إبداعا ونقدا هم خريجو هذه الشعبة العتيدة.
يضاف إلى هذا الأساتذة الكبار الذين درَّسوا بهذه الشعبة، والذين يعدون بحق مؤسسين لها وبانين لدعائمها التربوية والعلمية، ومقيمين لصرحها في مجال البحث العلمي والعرف الأكاديمي، ويمكن أن أذكر على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة: الدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد الكتاني، والدكتور عبد السلام الهراس والدكتور الشاهد البوشيخي والدكتور إبراهيم السولامي والدكتور محمد المعداوي والدكتور محمد الخمار الكنوني والدكتور محمد السرغيني والدكتور حسن المنيعي والدكتور علي حمودان، وغيرهم كثير، ومن المشرق يمكن أن أذكر الدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور عبد الله الطيب والدكتور محمد نجيب البهبيتي والدكتور عبد الحميد يونس والدكتور تمام حسان والدكتور فخر الدين قباوة والدكتور صالح الأشتر والدكتور عبد الكريم الأشتر والدكتورة ابتسام مرهون الصفار وآخرين ممن إذا ذُكر البحث العلمي في مجال اللغة العربية وآدابها وذُكرت الريادة فيه لا تخطئهم العين على الإطلاق. حتى ليمكن القول إن هذه الشعبة كانت محظوظة في ما يتعلق بالتدريس والتأطير فيها، حيث إنها اجتمع فيها ما لم يجتمع في غيرها من الشعب، ربما على امتداد جميع الشعب في الجامعات العربية.
ولذلك يمكن أن أقول إنه كانت هناك أهداف عديدة من أجل عقد هذا المؤتمر، ويمكن أن أذكر من بينها:
- أولا لفت الانتباه إلى الدور التاريخي الذي قامت به هذه الشعبة في مجال خدمة اللغة العربية وآدابها، بل وفي خدمة الوطن في كثير من القطاعات، إذ أن العديد من الأطر الإدارية ببلادنا بما فيها عدد من الأطر العليا إما أنها خريجة هذه الشعبة أو أنها درَّست بها، ولا شك أن التعريف بهؤلاء الرواد، أو على الأقل ذكر أسمائهم مقرونة بهذه الشعبة يعد تنويها بجهودهم العلمية الرائدة في خدمة اللغة العربية وآدابها، وفي خدمة الوطن أيضا.
- ثانيا التعريف بجهود هذه الشعبة في مجال التدريس وفي مجال البحث والتأطير العلميين في مختلف التخصصات والمستويات ذات الصلة باللغة العربية وآدابها. إذ أنه خلال هذه العقود الخمسة تم تطبيق عدد من المقررات والبرامج على مستوى سنوات الإجازة، وتجربة عدد من الأنظمة على مستوى الدراسات العليا، نتيجة ما حصل من إصلاحات متتالية في الجامعة المغربية، وحصل في كل ذلك تراكم مهم من الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية، غطت موضوعاتها التراث الأدبي واللغوي العربيين والنتاج الأدبي واللغوي الحديث والمعاصر، سواء من حيث الدرس والتحليل والتأريخ والتحقيق، أم من حيث التنظير وتعميق المفاهيم ودراسة المصطلحات. ولقد كان هذا المؤتمر فرصة لإبراز هذه المجهودات خاصة من خلال عدد من البحوث التي قدمت في هذا المؤتمر.
- ثالثا، دراسة، أو على الأقل إثارة، أهم قضايا اللغة العربية وآدابها قديما وحديثا، التي شغلت – أو ما زالت تشغل ـ بال الباحثين في الدرس الأدبي واللغوي في الجامعات العربية.
- رابعا، يمكن أن أقول إنه من بين الأمور التي تعد من ثمار المؤتمرات السابقة ذات الصلة باللغة العربية وآدابها الإحساس بضرورة التنسيق والتعاون فيما بين شعب اللغة العربية وآدابها سواء داخل المغرب أو حتى خارجه، وسواء أيضا في مجال التدريس أو في مجال البحث العلمي، وخاصة في غياب قاعدة معطيات أو بنك معلومات تتعلق بالمنجز في مجال البحث العلمي. ولذلك كان من بين الأهداف البحث عن التنسيق والتعاون أو على الأقل تبادل المعلومات فيما بين هذه الشعب.
- خامسا، من بين الأهداف أيضا أن المؤتمر كان يروم استخلاص الحصيلة من هذه التجربة الطويلة في التدريس والتأطير والبحث العلمي، ومحاولة استشراف الآفاق رفعا للمردودية العلمية، وتأسيسا لمستقبل علمي قادر على العطاء والإشعاع.
ما أهم الموضوعات التي قاربها الباحثون والمختصون في الجلسات العلمية للمؤتمر؟
- توزعت الجلسات العلمية للمؤتمر على الشكل التالي
أولا: عرض جهود شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب ظهر المهراز فاس في مجال التدريس والتأطير والبحث العلمي، مع عرض تجارب في مجال المشاريع العلمية.
ثانيا: عرض عدد من المنجزات العلمية للشعبة في عدد من المجالات العلمية؛ كتحقيق التراث والدراسات المصطلحية والدراسات البلاغية والشروح الشعرية والشاهد الشعري والمناهج المعاصرة والنقد الروائي والقصصي، وكذلك في الدراسات اللغوية؛ في النحو والسيميائيات والصواتة.
ثالثا: عرض عدد من تجارب التدريس والبحث العلمي وقضية التجديد فيها، إما بشكل عام أو من خلال بعض التخصصات، في عدد من الشعب بالجامعات العربية في المغرب والمشرق على حد سواء.
رابعا: إثارة عدد من قضايا البحث في الأدب وعلوم اللغة .
خامسا: محاضرتان عن اللغة العربية والتدريس، واللغة العربية والإبداع الأدبي.
بعد انتهاء أشغال المؤتمر، ما هي في نظركم المشاريع البحثية التي بات الاشتغال بها أمرا ملحا وضروريا؟
هناك أكثر من مجال، لكن يبدو أن أكثرها إلحاحا - من خلال ما اتضح من بعض البحوث، ثم من خلال التجارب لعدد من الأساتذة – ثلاثة مجالات:
- أولها ما يتعلق بمعضلة النص حيث إن جانبا من تراثنا –ولعله الأكبر- ما زال يشكو الإهمال والتهميش من ثلاثة جوانب:
* جانب التحقيق حيث هناك العديد من المخطوطات لم تر النور بعد.
* جانب إعادة التحقيق حيث إن جانبا مما هو منشور يحتاج إلى إعادة التحقيق تصحيحا لكل ما لحق به من تشويه وسوء قراءة، أدى إلى سوء الفهم والاستخلاص.
* جانب الدراسة الوجيهة لهذا التراث بهدف إغناء البحث العلمي، وربط الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي، وتجنب الانفصام الذي يبدو في دراسة القديم والحديث من علوم اللغة العربية وآدابها.
- ثانيها: تجديد الدرس اللغوي والأدبي، إذ أنه رغم الجهود القيمة التي يبذلها العديد من الأساتذة الباحثين في مجال اللغة العربية وآدابها فإن الدرس اللغوي والأدبي ما زال يشكو آفات عديدة، لعل أبرزها في نظري عدم التجديد في ما يتعلق بالمضامين، ثم بالطريقة التي تُقدَّم بها تلك المضامين، ومثل هذه الآفات لا تسمح بمواجهة آفات أخرى تتعلق بضعف المستوى وتقهقره. ومن الجدير بالذكر أنه رغم ما عرفته الجامعة المغربية من تغييرات أو ما عرف بالإصلاحات في هيكلة المقررات والبرامج التي أصبحت تتغير أو يعاد فيها النظر كل أربع سنوات، ثم ما كان أصل ذلك كله من الانتقال من نظام السنوات إلى نظام الفصول الذي انبنى على منظومة (إمد) أو (LMD) ، أقول رغم كل ذلك فإن الدرس اللغوي والأدبي ما زال يحتاج –في نظري- إلى تجديد في محتواه وطريقة أدائه وتبليغه.
- وأما ثالثها فيتعلق بالبحث العلمي الذي يحتاج إلى هيكلة وتنسيق؛ الهيكلة من حيث المشاريع التي ينبغي أن تكون مجالا للبحث، أيِّ بحث، سواء أكانت بحوثا لطلبة الدراسات العليا، أم بحوثا تشتغل بها المختبرات ومراكز البحث. صحيح أن المختبرات بشكلها الحالي تقدم مشاريع بحثية جيدة وتشتغل بها، ولكن أفقها محدود ينطلق من الاهتمامات الخاصة للأساتذة المشتغلين في تلك المختبرات، ولا ينطلق من منطلقات ذات أفق واسع تروم خدمة القضايا الكبرى للغة العربية وآدابها، هذا فضلا عن أن بعض هذه المشاريع هنا قد تتقاطع مع مشاريع أخرى هناك وربما تكررها، ولهذا قلت أيضا إن البحث يحتاج إلى تنسيق توحيداً للجهود وتجنباً للتكرار وحمايةً للإنتاج والإبداع من أن تعبث بها أيدي العابثين الذين لا تهمهم أمانة البحث العلمي.
لقد واكبت شبكة ضياء مجموعة من الفعاليات العلمية منذ كونها فكرة إلى مرحلة إصدار البيان الختامي والتوصيات. ما هو تقويمكم لرسالة "ضياء" وطبيعة اشتغالها؟
يمكن أن أقول إن شبكة "ضياء" ذات مصداقية كبيرة في متابعتها للأنشطة العلمية بكل أشكالها، داخل المغرب أولا، ثم على امتداد الساحة العربية والإسلامية بل والدولية، حتى أصبحت بحق مرجعا أساسيا لمعرفة الجديد منها وتتبع الآني منها والاطلاع على حصيلة المنجز منها، ولا يمكنني إلا أن أثمِّن عاليا هذه الجهود المتميزة، داعيا لها بالمزيد من التميز والتألق.
في نهاية هذا اللقاء العلمي، نتوجه إلى فضيلتكم بالشكر والتقدير راجين من الله تعالى أن يكون لكم عونا في جميع أعمالكم وأنشطتكم.
*شبكة الضياء