مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار مع رئيس الجمعية الاسلامية للإصلاح في مالي
في حوار مع مجلة قراءات
مجلة قراءات: نرحب بفضيلتكم في هذا اللقاء مع مجلة قراءات، ونود أن نقدم في البدء نبذة موجزة عنكم لقرائنا الكرام.
الشيخ أبو بكر كمارا:

الاسم أبو بكر كمارا، من مواليد عام 1952م في باماكو بجمهورية مالي، دخلت الكتَّاب وعمري ست سنوات، وختمت القرآن الكريم، ودرست كتب الفقه المالكي في بلدة يوري في إقليم (كاي)، وفيما بين 1967م - 1970م التحقت بمدرسة الاتحاد في مدينة براولي إقليم (سيكو)، حيث درست المرحلة الابتدائية وجزءاً من المرحلة الإعدادية، وفي عام 1972م حتى 1976م عملت مدرساً ونائباً للمدير في مدرسة الثقافة الإسلامية في باماكو.



وفي عام 1976م التحقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودرست المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية والدراسات العليا حتى 1986م، وكنت في هذه المدة نفسها عضواً في مكتب رابطة طلبة مالي في السعودية، وشاركت في تنظيم أعمال الحج مع البعثة الرسمية للحجاج في السعودية.



وفي المدة من عام 1987م حتى 1990م عملت مرشداً دينياً في مساجد أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، كما عملت فيها أيضاً إماماً وخطيباً بالتعاون مع آخرين لمدة سنة، وعملت في مجال التدريس في المعاهد والمدارس الإسلامية في باماكو.



وفيما بين 1991م وحتى 2002م شاركت وترأست دورات وملتقيات وندوات في دول مختلفة (توجو، موريتانيا، غانا، السعودية، السنغال، ساحل العاج، مالي، نيجيريا).



أما الآن فأمارس العديد من الأعمال، ولي كثير من المشاركات في جوانب متعددة، ومن ذلك:

♦ مؤسس ومدير عام معهد العلوم الإسلامية في باماكو.

♦ رئيس الجمعية الإسلامية للإصلاح.

♦ الأمين العام لرابطة الأئمة والعلماء للتضامن في مالي.

♦ عضو المجلس الأعلى الإسلامي في مالي، والمقرر في مكتب العلماء بالمجلس المذكور.

♦ نائب مدير مكتب المنتدى الإسلامي في مالي (سابقاً).

♦ الأمين العام لرابطة الدعاة سابقاً، وعضو لجنة الدعوة والبحوث حالياً.

♦ أمين لجنة الصحافة والإعلام للاتحاد الوطني للمدارس الإسلامية في مالي.

♦ المشرف على الإذاعة الخاصة (إذاعة دامبي) - الفضيلة - في باماكو، وأحد مؤسسيها، ورئيس مجلس الإدارة.

♦ مشرف على دروس المساجد.

♦ مشارك في دروس التلفاز والإذاعة الوطنية في باماكو.

♦ رئيس لجنة الفتوى في إذاعة دامبي - باماكو.

♦ مشارك في دروس الإذاعة الإسلامية (صوت القرآن والحديث) في باماكو.

♦ إمام وخطيب المسجد الجامع في جيليبوكو.



أما في جانب البحث والتأليف فهناك بحث التخرج في كلية الشريعة، وهو بعنوان (العموم والتخصيص عند الأصوليين)، ورسالة الماجستير في الفقه المقارن بعنوان (اللقيط وأحكامه في الشريعة الإسلامية).



وهناك أيضاً عدد من المؤلفات التي قدمتها في مجالات متنوعة؛ مثل: حكم المسبوق في الصلاة، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، الطرق المثلى للتعامل مع الصوفية، أثر التقوى في العبادات والمعاملات، الدعوة والدعاة في مالي، خواطر حول الملتقيات الماضية، سمات المجتمع في غرب إفريقيا، الإسلام في مالي، فتاوى أسبوعية في الإذاعات وعلى الهواء مباشرة.



مجلة قراءات: كيف دخل الإسلام مالي؟ وما المراحل التي مر بها حتى عصرنا الحاضر؟

الشيخ أبو بكر كمارا: يذهب كثير من الكتاب والمؤرخين إلى أن الإسلام دخل مالي مع وصول الفاتح العظيم عقبة بن نافع والياً للمرة الثانية على المغرب سنة 62ه، أي في القرن الأول الهجري، وذهب آخرون إلى القول بأنه دخل في القرن الخامس الهجري، ويمكن الجمع بين القولين بأن دخول الإسلام في القرن الأول الهجري كان في صفوف العامة، وأما الانتشار الفعلي للإسلام فكان في القرن الخامس الهجري حين أصبح الإسلام دين الدولة والسلطان، وذلك بعد أن أسقط المرابطون إمبراطورية غانا.



وهناك روايات تذكر أن الملك (تيبو تان) كان شديد الاجتهاد في نشر الإسلام بين قومه وبين الزنوج المجاورين، وقد اعتنق الإسلام عام 837 م تقريباً، ولكن الملك الذي كان لإسلامه شهرة هو (واري جابي) الذي توفي عام 432ه الموافق 1040م.



ومما يدل على أن الإسلام كان موجوداً في إمبراطورية غانا قبل إسلام ملوكها، أقصد على القول الأول، ما ذكره البكري الذي توفي عام 1094م، وهو من المؤرخين الذين زاروا الإمبراطورية، قال: (ومدينة غانا مدينتان سهليتان، إحداهما المدينة التي يسكنها المسلمون، وهي مدينة كبيرة فيها اثنا عشر مسجداً، أحدها يجمعون فيه، ولها الأئمة والمؤذنون، وفيها فقهاء وحملة علم، وحواليها آبار عذبة، منها يشربون، وعليها يسقون الخضروات.



ومدينة الملك على ستة أميال من هذه وتسمى بالغابة، والمساكن بينها مفصلة، ومبانيها من الحجارة وخشب السنط، وللملك قصر وقباب، وقد أحاط بذلك حائط كالسور، وفي مدينة الملك مسجد يصلي فيه من يفد عليه من المسلمين على مقربة من مجلس حكم الملك، وحول مدينة الملك قباب وغابات تسكن فيها السحرة، ويقيمون دينهم فيها).



وبقي الأمر كذلك حتى مجيء الاستعمار الغربي ولم يعد الإسلام دين دولة، ومن ثم استولت الصوفية على العوام وصار للإسلام بينهم شكل آخر.



أما التوجه السلفي فقد بدأ في الظهور بعد عودة مجموعة الإخوة الأربعة من الأزهر، وتوالى وصول مشايخ آخرين من بلاد الحرمين الشريفين، ومع وفود الحجاج.



وفي 1947م وقعت مصادمات دموية بين أهل السنة وغيرهم، ثم هدأت الأمور بتكوين جمعية مالي للاتحاد، وهي تضم جميع الطوائف الدينية من أهل السنة وغيرهم، ثم توالى وصول الخريجين من الجامعات الإسلامية بعد عام 1980م، ودخلت الحركة في أبعاد أخرى.



ومنذ عام 1991م حدثت تغيرات سياسية واجتماعية في البلاد، وتأسست جمعيات إسلامية عديدة، وبلغ عدد الجمعيات التي تعترف بها الحكومة 114 جمعية إسلامية، ومع اكتساب القائمين على هذه الجمعيات خبرة بالواقع والعمل الميداني والمؤسسي؛ رأوا أهمية وجود مؤسسة تجمع بينهم، فقاموا بإنشاء رابطة الأئمة والعلماء في مالي، بهدف التنسيق بين أعمال جميع الأئمة، وتسهيل الاتصال بينهم، وتهيئة الأجواء لتحقيق مبدأ التشاور في أعمالهم، والترفع على الخلافات المذهبية لتحقيق وحدة المسلمين، كما تم إنشاء المجلس الأعلى الإسلامي في مالي، وهي جمعية ذات صبغة حكومية، تهدف إلى إيجاد حلقة وصل بين الحكومة والمسلمين.



وعلى الرغم من الأحوال الجيدة للمسلمين في مالي الآن؛ فإن التغيرات السريعة والغامضة تفوق مستوى تفكير كثير منهم ومستوى إدراكهم؛ وهو ما يوقعهم في دائرة استغلال أعدائهم، والساحة هناك كالأرض الموات من أحياها فهي له، ولا تحقيق لمصلحة إلا لمن اغتنم الفرصة.



مجلة قراءات: كان لمحضن العلم (تمبكتو) دور بارز في نشر العلم وتخريج العلماء؛ فما واقعه الآن؟ وكيف يقرأ فضيلتكم مستقبل الحراك العلمي في مالي في وقتنا الراهن؟

الشيخ أبو بكر كمارا: في الماضي كانت مدينة تمبكتو محضناً للعلم ومركزاً ثقافياً ومثالاً حضارياً، واشتهرت بنشر العلم وتخريج العلماء، وآلاف المخطوطات في مركز أحمد بابا والمكتبات الخاصة دليل على ذلك، ولكن الاستعمار الغربي خاف من هذا الواقع، فوضع خططاً محكمة لتغريب المدينة ثقافياً وعلمياً، فأسسوا المدارس الفرنسية الثابتة والمتنقلة، وخصّصوا لذلك مبالغ ضخمة، وبذلوا جهوداً جبارة، وفي النهاية نجحوا في تحقيق أهدافهم، حتى لا تكاد تجد مواطناً الآن في تمبكتو إلا ويجيد اللغة الفرنسية، ومما زاد الطين بلة تحويل تمبكتو إلى مدينة سياحية، وهو ما له تأثير كبير في الأخلاق والعادات والأعراف.



ولكنّ الله غالب على أمره، ففي عام 1982م بدأ إنشاء معهد الهجرة التربوي في تمبكتو، وهو كسائر المعاهد التكوينية يهدف إلى تخريج معلمين، وتم افتتاحه في 2/2/1996م، وتُقدر مساحة هذا المعهد بنحو 10 هكتار، وهذا المعهد فريد من نوعه في عصرنا هذا، بل هو أول معهد تربوي وتكويني عربي أُسس في إفريقيا.



وأرى أن هذا المعهد من المقومات التي يجب علينا المحافظة عليها والاهتمام بها، ولكن لا بد من العناية بالمنهج حتي يحقق الغرض المنشود منه.



وفي رأيي أن الحراك العلمي في مالي في وقتنا الحاضر يدعو إلى التفاؤل، ويؤذن بمستقبل جيد، وهناك العديد من الشواهد والمظاهر التي تدل على ذلك، فهناك صحوة علمية تشهدها المساجد، حيث تُعقد حلقات علمية ودروس متواصلة، وتزايد عدد المدارس الإسلامية، والاهتمام بتعليم الكبار، وخاصة في صفوف النساء، ووجود حلقات تحفيظ القرآن، وإذاعات إسلامية خاصة، وبرامج إسلامية في الإذاعات الحرة الخاصة، وإجراء المسابقات العلمية والطلابية، وتتابع تدفق الخريجين من الجامعات، وظهور جيل من الباحثين، ووجود نادي الثقافة والأدب، وكثرة عقد الندوات الهادفة، وحلقات تفسير القرآن في كل أنحاء مالي وخاصة في رمضان، واستعمال العديد من الدعاة لشبكة المعلومات (الإنترنت) علمياً ودعوياً.



ولكن أرى أن هذه المشروعات والنشاطات تحتاج إلى دراسة واقعية وتقويمية مستمرة، لتقديم النصائح والإرشادات المنهجية؛ حتى لا تخطئ الطريق ويضيع المسار.



مجلة قراءات: يلاحظ وجود انحسار ظاهر في انتشار اللغة العربية في إفريقيا؛ فما مظاهر ذلك الانحسار؟ وما أسبابه؟ وكيف يتم تجاوزه؟

الشيخ أبو بكر كمارا: اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي أنزله الله - تعالى - لهداية البشرية وسعادتهم في الدارين، ولا يخفى على مطلع في التاريخ ما ذاقه الأفارقة من ويلات عبر تاريخهم، وبمجيء الإسلام الذي يخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس، وجد الأفارقة مبتغاهم وسعادتهم في الإسلام، ومن ثم اهتموا باللغة العربية حتى أصبحت لغة الإدارة لمعظم هذه البلاد.



ويمكن أن نلخص التغيرات التي مرت بها اللغة العربية في إفريقيا في ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة الازدهار والتطور:

وتبدأ من دخول الإسلام المنطقة إلى ما بعد دخول المحتل الغربي، وكانت اللغة العربية في معظم هذه البلاد لغة الإدارة والتعليم، وعلى الرغم من كره المحتلين الغربيين الشديد لها؛ فإنهم لم يتمكنوا من زحزحتها عن الأعمال الإدارية إلا بعد فترة طويلة من عهد الاحتلال.



المرحلة الثانية: مرحلة الركود والانحطاط:

وتبدأ من سبعينيات القرن الماضي.



المرحلة الثالثة: مرحلة الإحياء والبعث:

وتقوم هذه المرحلة الآن على جهود الأفراد في شكل مدارس خاصة، وعلى جهود حكومية تتمثل في جعل اللغة العربية لغة ثانية في المراحل الثانوية، وإنشاء قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة باماكو.



وهناك محاولات جادة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة لفتح كليات عربية في جامعة باماكو تحت إشراف حكومي.



وتتمثل مظاهر انحسار اللغة العربية في إفريقيا عموماً في تهميش خريجي اللغة العربية في بعض الدول، والتظاهر بعدم حاجة بلاد بعضهم إلى هذه الشهادات، وغياب العربية في وسائل الإعلام إلا قليلاً، وعدم التخاطب بها إلا في نطاق ضيق.



ومن أهم أسباب هذا الانحسار أن المسلمين لا يتقنون لغة الإدارة في بلدانهم، وليس لهم مشاركة عملية في حل المشكلات، وقصور المناهج عن تغطية المهارات المختلفة للمسلم، مما يؤدي إلى شعوره بالدونية، ومشكلة المستقبل التوظيفي لخريجي المدارس الإسلامية، ومشكلة تمويل المدارس (مبان، مقررات، أجور المدرسين... إلخ)، ومعظم المعلمين ليس لديهم إلمام بطرق التدريس.



وفي رأيي أنه يمكن تجاوز ذلك بتعديل المناهج الدراسية، وطرق التفكير، ودراسة اللغة الرسمية بتمكن، وشمولية المنهج، وفتح باب التخصص، وتربية روح الاجتهاد والتفكير الإبداعي في نفوس الطلاب.



مجلة قراءات: لفضيلتكم اهتمام خاص بالتعليم العربي الإسلامي في مالي، فما توصيفكم لمشكلة المناهج في المدارس العربية الإسلامية؟ وهل من مقترحات لتلافيها؟

الشيخ أبو بكر كمارا: أحمد الله - سبحانه وتعالى - أن وفقني أنا وغيري في القيام بمحاولات لنشر التعليم الإسلامي، وهذا واجب على كل مسلم ومسلمة بقدر طاقته، ولأني أرى أن خير وسيلة للدعوة الصحيحة والتربية الحسنة هي وجود مؤسسة تعليمية؛ فقد تم إنشاء مؤسسة تعليمية بلغ عدد المدرسين بها 50 مدرساً، وعدد الطلاب 1300 طالب وطالبة، وتضم الآن المراحل الدراسية الآتية:

روضة الأطفال، الابتدائية، الإعدادية، الثانوية، قسم تحفيظ القرآن الكريم، تعليم الكبار وخاصة تعليم النساء، الخياطة والتطريز للبنات، قسم الحاسوب قريباً بإذن الله، وأرجو من الله التوفيق والقبول، وأشكر في هذه المناسبة كل الذين أسهموا في دعم هذه المؤسسة.



أما المناهج؛ فالمقصود بالمنهج التربوي والتعليمي ذلك الطريق الواضح الذي يسلكه المربي أو المدرس مع من يربيهم أو يدربهم لتنمية معارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم، ولا يصح أن يهتم المنهج بنقل التراث الثقافي فقط إلى الأجيال الصاعدة، وإنما ينبغي له أن يهدف إلى إكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع المشكلات التي تعترض حياتهم، وأن يراعي تربية جوانب الإنسان كلها؛ حتى يكون المنهج مناسباً وفعالاً، فالله - سبحانه وتعالى - جعل في الإنسان العقل والروح وغرائز الجسد، وحدد معالم تربوية لإشباع هذه الجوانب والغرائز كلها، ولا تستقر حياة الإنسان إلا بهذا التوازن، وإلا أصبح الإنسان معوجاً أو معوقاً، وبناء على ذلك فالمناهج في المدارس الإسلامية ينبغي لها أن تأخذ في تقديرها الجوانب المختلفة للإنسان؛ من حيث الهدف والوسائل وحاجة البلاد واعتبار الواقع.



وقد كانت المدارس الإسلامية في مالي على كثرة عددها وانتشارها مختلفة المناهج، ولهذا تم وضع منهج موحد للمدارس الإسلامية العربية من قبل وزارة التربية والتعليم في عام 1985م، وذلك بالتعاون مع مديري المدارس العربية الإسلامية في مختلف الأقاليم للمرحلة الابتدائية والإعدادية.



وفي عام 1991م تم وضع منهج مقترح للمرحلة الثانوية في مالي، وفي عام 1999م أقامت الحكومة ندوة وطنية حول المدارس العربية الإسلامية في مالي، وكان الهدف الرئيس لهذه الندوة هو الوصول إلى أفضل صورة لدخول المدارس الإسلامية في نطاق التعليم الرسمي للبلد.



وفي عام 2002م بدأ تنفيذ المنهج الجديد في معظم هذه المدارس، حيث تقوم الحكومة بإجراء امتحان الشهادة الابتدائية والشهادة الإعدادية للمدارس، علماً بأنه قد تم وضع مقررات دراسية وطبعتها الحكومة للمدارس العربية الإسلامية.



وسيتم - إن شاء الله - إجراء امتحان الشهادة الثانوية للمدارس العربية الإسلامية في العام القادم لكي يتسنى لهؤلاء الطلاب الالتحاق ببعض كليات جامعة مالي الحكومية، كما يتسنى لهم الالتحاق بالجامعات العربية الإسلامية بإذن الله.



ولكن يبقى على القائمين على هذه المدارس مسؤولية المحافظة على الهدف الذي من أجله أُنشئت هذه المدارس.



مجلة قراءات: ما أبرز مجالات العمل الدعوي المعاصر في مالي؟

الشيخ أبو بكر كمارا: هناك نشاطات دعوية كثيرة بارزة في العديد من مجالات الدعوة المعاصرة في مالي، تستهدف جميع الفئات، وخصوصاً الشباب والمرأة والمثقفين، ومنها على سبيل المثال: إنشاء المؤسسات التعليمية، وبناء المساجد، وتنظيم الدروس والحلقات العلمية والمحاضرات والندوات والخطب، وحلقات تحفيظ القرآن، والقوافل الدعوية والإغاثية والطبية، وتوزيع الكتب العلمية (العربية والمترجمة)، والدعوة في الحج، والدعوة عبر الوسائل الحديثة مثل شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، والتلفاز، والإذاعة، والشريط الإسلامي.



مجلة قراءات: كيف ترون مستقبل الدعوة في مالي في ظل انحسار نشاطات المؤسسات الخيرية الإسلامية القادمة من خارج الحدود؟

الشيخ أبو بكر كمارا: أسهمت المؤسسات الخيرية الإسلامية القادمة من الخارج بدور كبير في تطور الدعوة وتطويرها في مالي، وهو ما يجب شكر الله عليه والإشادة به، فقد قامت بإنشاء المساجد والمراكز والمدارس، وبتكوين الدعاة علمياً وإدارياً، وذلك بإقامة الدورات والملتقيات وغيرها، حتى أصبح الدعاة العاملون في تلك المؤسسات يحظون بقبول العامة والخاصة واحترامهم.



وقد بدأ انحسار نشاط هذه المؤسسات وفاعليتها له في ظل الظروف السائدة منذ 11 / 9، حيث ظهرت صعوبات أدت إلى إعاقة عمل هذه المؤسسات ونشاطاتها، ومن ذلك صعوبة تحويل الأموال، وصعوبة استخراج التأشيرات، وتحركات الأشخاص، ومطالبة بعض الجهات بتقارير محرجة تجعل بعض النشاطات أو الأشخاص محل إدانة.



ولهذا أرى أنه إذا لم توضع خطط مرنة وعاجلة عبر مراحل انتقالية؛ فسوف تحدث مشكلات بل نكسات تعترض سبيل الدعوة، نسأل الله - تعالى- العافية، مثل: توقف النشاطات كلياً، وتدني المستوى المعيشي والاجتماعي للداعية، وانشغال الداعية بكسب العيش من طرق لا خبرة له فيها، وفقد ثقة المجتمع.



ولا شك أن الدعوة قد تأثرت بانحسار نشاط المؤسسات الخيرية الإسلامية، ولكن بما أن الدعوة مهمة الرسل عليهم السلام، والعلماء ورثة الأنبياء، وينبغي لكل داعية أن يرى نفسه مسؤولاً عن هذا الدين ويبذل قصارى جهده لنشره ونصرته، ويعلم أن الله سبحانه لم يوكل دينه بشخص بعينه، ومع وجود العناصر المتدربة من الدعاة إدارياً وعلمياً؛ فأرى أنه يمكن استثمار هذا الموقف في عدد من النواحي الايجابية؛ مثل: توطين الدعوة، وتحفيز الدعاة هنا نحو القيام بواجبهم، وتدريبهم على التخطيط والاختيار، ورفع قدراتهم في مجال التأصيل الشرعي الذي يحقق لهم الرؤية الواضحة للأمور، والرؤية المستقبلية، وتنشيط دوافعهم لتحقيق العمل الجماعي دون عوامل خارجية.



وأرجو مع وجود المؤسسات التعليمية والمساجد والمظاهر المحلية الأخرى التي ذكرت، ومع وجود أفراد مخلصين متعاونين في الخارج أيضاً، وربما يكون أحدهم كأمّة، أن تستمر الدعوة إن شاء الله في طريقها ولكن بشكل وطني وليس بشكل خارجي.



مجلة قراءات: تعمل قوى دولية وإقليمية على إحياء التصوف، وبخاصة في إفريقيا، فلماذا يحدث ذلك؟ وما مظاهر تلك الجهود؟ وكيف يقرأ فضيلتكم مستقبل التصوف في ظل تلك المؤازرة الخارجية؟

الشيخ أبو بكر كمارا: الممارسات الصوفية يعود أصلها إلى عقائد فلسفية قديمة نشأت قبل الإسلام، كفلسفة أفلاطون وغيره، غايتها كما يزعمون فتح القلب على العلوم الغيبية، والتي لا تتلقى عن الرسل، بطريقة الكشف من الله.



وقد انتشرت في العالم الإسلامي عقب الفتوحات، حين ازداد الرخاء والاقتصاد، كردة فعل مضاد للانغماس في الترف المادي؛ مما حمل بعضهم على الزهد بتهذيب النفس بالعزلة، وترديد أذكار معينة.



ومرت الصوفية بمراحل مختلفة حتى صارت مذاهب شتى لها أهداف مختلفة، ومن أبرز أهدافهم المشتركة: العزلة عن الساحة، وتفريقهم بين الشريعة والحقيقة، ورفع التكاليف عن بعض الأولياء.



لكن لماذا تعمل القوى الدولية والإقليمية المعادية للإسلام على إحياء التصوف؟ السبب يرجع إلى أن وجود الصوفية في الساحة لا يتعارض مع مطامع الغرب، ولهذا يتظاهر أعداء الإسلام في الغرب أمام العالم أنه لا يعارض الإسلام كلية وإنما يخشى صنفاً منهم، وهم المتدينون من غير الصوفية.



ولهذا يقدّمون الدعم للتيارات الصوفية بصور عديدة؛ مثل: إنشاء مساجدهم وترميمها، وتيسير عقد الاجتماعات والندوات والملتقيات الخاصة بهم، وإجراء البحوث التي تخدم أهدافهم، وإقامة المشاريع الاقتصادية لهم، وتوفير المساعدات لإعانتهم، والإشادة بهم في وسائل الإعلام والحفلات والمناسبات، والتأثير في مناهج التعليم وقيم المجتمع وثقافته بإدخال المفهومات الصوفية فيها، ولتأكيد هذا الدعم يتم الترحيب بأئمتهم في زيارات للولايات المتحدة الأمريكية سنوياً؛ لإطلاعهم على أوضاعها عامة وأوضاع المسلمين في تلك الديار على وجه الخصوص.



وبمقارنة بسيطة ترى أن محاصرة نشاط المؤسسات الخيرية يواكبه في الوقت نفسه بذل هذه القوى الدولية والإقليمية المعادية للإسلام جهوداً كبيرة لإحياء التصوف، والنتائج معروفة وفق حساب البشر، وعلى الرغم من انكشاف عقائد الصوفية وأهدافهم أمام أهل البصائر؛ فإن المصالح الدنيوية وأطماع أهل السياسة هي التي تسيطر على الأمور، ولكن الأمور كلها لله، والله غالب على أمره، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.



ولهذا أنصح الدعاة بألا يقفوا مكتوفي الأيدي ويتركوا الساحة للتيارات المنحرفة، وليكن المؤمن كيّساً فطناً، ولكن أين الواعون! تلك هي المشكلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



مجلة قراءات: الضعف التربوي، وتشرذم الدعاة، وتفرقهم في البلدان الإفريقية، من أبرز أسباب ضعف الدعوة الإسلامية في الوقت الحاضر، فهل من سبيل إلى معالجة ذلك؟

الشيخ أبو بكر كمارا: أريد أن أضيف إلى ما قلتم من أسباب ضعف الدعوة الإسلامية في الوقت الحاضر سوء التربية، وفقدان الوعي الكافي، وقتل روح الاجتهاد عند المسلمين، حتى أصبح المسلمون مقلدين في كل شيء، لا أقول في المسائل الدينية فقط، بل في الأمور الدنيوية أيضاً، تقليد في اللباس، السكن، المركب، طريقة التفكير، وأعداؤنا في الغرب سعوا بكل جدٍّ إلى نزع الخلافة الإسلامية، ولا يقبلون حتى الآن بوجود قيادة فعالة، حتى فقد كثير من المسلمين الثقة بأنفسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.



والسبيل إلى معالجة ذلك من وجهة نظري؛ يبدأ من إدراك أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فلا بد من الرجوع إلى التربية الجادة والشاملة، وإحياء روح الاجتهاد الشامل لا مجرد التفكير الإبداعي، والسعي إلى إيجاد قيادات شاملة وسياسية واجتماعية وعلمية وتجارية وصناعية، والجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب، والوعي بالسنن الربانية الكونية.



مجلة قراءات: يزعم بعض المراقبين وجود ما يشبه الردة عن منهج أهل السنّة والجماعة تقف وراءهاجهات غربية وأتباعها من بني جلدتنا، فنرجو من فضيلتكم إلقاء الضوء على حقيقة هذا الأمر.



الشيخ أبو بكر كمارا: إذا كان المراد تصحيح الأخطاء فلا أرى ذلك ردة عن منهج أهل السنّة والجماعة، بل أراه تصحيحاً للمسار، وإذا كان غير ذلك بأن غيروا مناهجهم، وتنكروا لمبادئهم، فأهل هذه الفئة مذمومون، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]، والابتلاءات سنّة الله في خلقه وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (محمد: 31)، ولا شك أن هناك من هم محسوبون على أهل السنّة ويسيئون استخدام منهجهم.



وينبغي لأهل الفكر والقرار القيام بمراجعات موضوعية لواقعهم وواقع المسلمين بناء على منهج أهل السنة، فأهل السنّة والجماعة ينبغي أن يكونوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ثبات الإيمان، وسلامة العقيدة، والإخلاص لله في كل شيء، وتقديم رضا الله على رضا المخلوقين، مع الالتزام السلوكي بشعائر الدين، وسعة الصدر، ومعرفة الواقع.



وكان النبي صلى الله عليه وسلم وكل من كان على سنته حقاً يحسنون التعامل مع الخلق كافة، مسلمهم وكافرهم برّهم وفاجرهم كل بحسبه، ولا يكفّرون إلا من كفّره الله، ويعون ويفقهون قواعد الاختلاف وآدابه، وخاصة الاختلاف الفقهي واختلاف الرأي، ويأخذون في الحسبان العرف والعادة، ولا يرون لأنفسهم فضلاً على غيرهم.



مجلة قراءات: ما أبرز مهددات الدعوة السلفية المعاصرة في دولة مالي؟

الشيخ أبو بكر كمارا: أبرز مهددات الدعوة السلفية المعاصرة في مالي قلة العلم الشرعي، وجهل بعض الدعاة ببيئاتهم، وبأعراف المجتمع وعاداته، وأدب الخلاف، وهو ما أدى إلى انتشار التكفير والتفسيق من غير تثبت ولا دليل، حتى أصبح أهل السنّة عندنا فرقاً شتى، وبلغ الأمر ببعضهم إلى أنهم لا يصلّون في مساجد الآخرين، وبدلاً من دعوة أهل الشرك والفساد إلى التوحيد وجّهوا سهامهم إلى نحور إخوانهم، هذا غير التهديدات الخارجية كالتنصير وسائر الأطماع الغربية وغيرها.



مجلة قراءات: يلاحظ وجود قلة في مجال التأليف في أوساط علماء الإسلام ودعاته في إفريقيا، فكيف ترون الخطوات المثلى لمعالجة ذلك؟

الشيخ أبو بكر كمارا: بالرجوع إلى تاريخ إفريقيا تجد أن العصور الذهبية شهدت نشاطاً واسعاً في مجال التأليف، وكُتبت مؤلفات عديدة في فنون مختلفة، والمخطوطات الكثيرة في مدينة تمبكتو وجيني، وغاو، ونيور، خير دليل على ذلك.



ولكن مع سقوط الإمبراطورية وارتحال العلماء بسبب الاحتلال حدث فراغ كبير في هذا المجال، وأصبح الناس ينهجون المنهج الشفوي، أضف إلى ذلك الشعور بالدونية، وهبوط الهمة، والتبعية للغير، وانتشار التصوف الذي أدى إلى الخمول الذهبي، واستيلاء الشعوذة والخرافة.



وأرى أن نبدأ معالجة هذه المشكلة باكتشاف ذوي المواهب والكفاية العلمية، وتوجيههم إلى اختيار الموضوعات المهمة والمناسبة، وتشجيع النابغين بإقامة المسابقات وطرح الدورات وطبع إنتاجا تهم، وتجنيد مجموعة لهذه المهمة، وكفالتهم، وإيجاد مشروعات مناسبة لهم.



مجلة قراءات: قام فضيلتكم بزيارة الولايات الأمريكية بدعوة من سفارتها في مالي بعد أحداث 11/9؛ فما أهداف تلك الدعوة؟ وكيف رأيتم أمريكا من خلالها؟

الشيخ أبو بكر كمارا: تمت الزيارة في المدة من 24/9 إلى 16/10/2005م، بدعوة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مالي، وكانت تهدف إلى الاطلاع على واقع الإسلام والمسلمين في أمريكا، ولذا فقد تم إعداد برامج مركزة لهذه الزيارة، شملت الزيارة خمس مدن في خمس ولايات، وهي:

1- واشنطن العاصمة، من 24 إلى 29/9/2005م.

2- سراكس - ولاية نيويورك، من 29/9 إلى 4/10/2005م SYRACUSE، NEWYORK.

3- سيساناري، من 4 إلى 6/10/2005 م CINCINNATI-OHIO.

4- دالاس - ولاية تكساس، من 6 إلى 12/10/2005 DALLAS - TOYAS.

5- ولاية يوتا SALTLAKECITY UTAH ، من 12/10 إلى 16/10/2005م.



وكانت هناك لقاءات في 7 جامعات، ومدارس إسلامية، ومدارس غير إسلامية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وجمعيات، ومساجد، وجولات حرة، ولقاءات أسرية، وفي بعض مراكز البحوث، ووبعض نقابات المحامين والقضاة، ولقاءات بعدد من الشخصيات البارزة.



ورأيت في أمريكا عدداً من الجوانب الإيجابية؛ منها اهتمامهم الكبير بالعلم وانتشار مراكز البحث أيضاً، والتزامهم بقوانينهم، وسعة صدورهم، والجد والمثابرة، واحترام الغير واحترام رأيه مهما كان مخالفاً، وتنظيم العمل الجماعي حتى أصبح ذلك سمة أو عرفاً أو قانوناً عندهم، وإحياء روح العمل الطوعي في الإفراد والمؤسسات.



أما الجوانب السلبية؛ فمنها جهلهم بالعالم الآخر وخاصة بالإسلام، وحسب بعض الإحصائيات فهناك 75 % يجهلون الإسلام، واستغلال الحكومة جهل الشعب بالعالم الآخر لتنفيذ سياساتها الخارجية.



وقد تحققت أهداف هذه الزيارة على نحو جيد؛ حيث عرفت كثيراً من أحوال الإسلام والمسلمين في أمريكا، ووقفت على طبيعة الحياة الإسلامية هناك، وقد قدّمت لي هذه الزيارة بفضل الله، على المستوى الشخصي، إجابات لتساؤلات كثيرة، كنت في حاجة إلى معرفتها.



ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشكر كل من شارك في إنجاح هذه الزيارة، كما أشكرهم على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.



مجلة قراءات: تُعد القارة الإفريقية في الوقت الراهن من مناطق الصراع المحتدم بين المسلمين والنصارى، فإلى أين يتجه ذلك الصراع؟ وما مظاهر النجاح أو الإخفاق في الجانب الإسلامي؟

الشيخ أبو بكر كمارا: التنصير حركة دينية سياسية استعمارية، ظهرت إثر انهزامات الصليبين، وتهدف إلى نشر الديانة النصرانية بين الأمم والشعوب، وبخاصة المسلمون، لإحكام السيطرة عليهم.



وكانت الحملات التنصيرية مركزة في بدئها على مناطق النفوذ الإسلامي في الشرق، ثم امتدت إلى مختلف أقطار العالم، أما منطقة غرب إفريقيا بوجه عام، ومالي بوجه خاص، فقد دخلتها الحملات التنصيرية في القرن الخامس عشر الميلادي، ومن خلال استعراض تاريخ هذه الحركة يظهر ارتباط التنصير بالاستعمار الأوروبي، وكان الهدف الرئيس لهذه الحركات في جميع مراحلها هو تلويث عقيدة المسلمين وليس تنصيرهم بالدرجة الأولى.



واعتمدت حركة التنصير في أعمالها على عدة وسائل وأساليب من أجل تحقيق أهدافها، من أهمها بناء الكنائس، وإنشاء مراكز تكوينية، وإقامة مؤسسات تعليمية لإنشاء أجيال وشخصيات ممسوخة لا يربطها بالإسلام إلا أسماؤها، فترى من اسمه محمد يحمل فكر (مارك).



وتستخدم تلك الحركات التنصيرية وسائل عديدة لتحقيق أهدافها، كتقديم الخدمات الاجتماعية، حيث يستغلون الجهل والفقر والمرض والكوارث الإنسانية للقيام بالتنصير، وأيضاً يوظفون وسائل الإعلام، والقنوات الدبلوماسية وغير ذلك.



وتمكنت تلك الحركات بمثل هذه الأساليب من تحقيق بعض النتائج، حمل بعض المسلمين على اعتناق النصرانية، وهم قلة والحمد لله، وإفساد المسلمين عقدياً وخلقياً، وزعزعة القيم الإسلامية في أنفسهم، وتحقيق الربح المادي والمكسب السياسي.



أما على الجانب الإسلامي؛ فعلى الرغم مما جندته حركة التنصير من طاقات مادية وبشرية، وما تملكه من وسائل متنوعة لمحاربة الإسلام، في القارة على وجه العموم وغرب إفريقيا على وجه الخصوص؛ فإنها لم تجد الطريق أمامها سهلاً، بل ووجهت من قبل أبناء القارة الذين أدركوا منذ الوهلة الأولى أن حركة التنصير متحالفة مع حركة الاستعمار الغربي التي جاءت من أجل احتلال أرضهم وتدمير عقيدتهم وحضارتهم، ومن ثم شهدت مناطق كثير من أرض القارة ملاحم بطولية، حقق المسلمون فيها انتصارات باهرة على التنصير وجيوشه.



ويمكن رؤية ذلك في ثلاث مراحل:

1 - مرحلة المواجهة العسكرية:

وتمثل (حركة محمد الأمين درامي) أنموذجاً لهذه المرحلة.



2 - مرحلة الكلمة:

وتشمل الحركات الدعوية في القارة، منذ القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، واشتغل العمل الإسلامي غير المسلح حينها بإقامة حلقات تحفيظ القرآن، وبناء المساجد، ودعوة كثير من الناس إلى اعتناق الإسلام.



3 - مرحلة الصحوة وقيام المؤسسات:

وتبدأ من بدء النصف الثاني من القرن العشرين إلى الوقت الراهن، وتميزت هذه المرحلة بعودة طلاب العلم من الجامعات العربية بعد تأثرهم بالحركات الإسلامية المعاصرة، ورغبتهم في التفاعل مع المجتمع، وتأسيس جمعيات إسلامية، وانتشار المدارس الإسلامية والعربية، وفتح مكاتب لهيئات إسلامية عالمية، وتنصل الدولة عن دمج المثقفين بالعربية في الوظائف الحكومية.



وبناء على هذه المعطيات ذخرت دولة مالي، كغيرها من دول المنطقة، بعد فترة وجيزة من حصولها على الاستقلال، بعدد من الجمعيات والمراكز الإسلامية التي عززت وجود الإسلام فيها، غير أن تعدد هذه الجمعيات تحول بعد فترة من الزمن إلى التشرذم والتفرق بدلاً من التعاضد والتنسيق لمواجهة العدو المشترك.



وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن مظاهر الإخفاق الخطيرة، والتي تجعل الجانب الإسلامي ضعيفاً أمام أخطار التنصير، فأول مظاهر الإخفاق هذا الضعف في التنسيق بين هذه الجمعيات في ظل تضافر الجهود بين المؤسسات التنصيرية، وكذلك عدم تركيزها على الأولويات، وافتقار كثير من القائمين على العمل الإسلامي إلى ثقافة إسلامية مؤصلة وكفاية إدارية، وضعف الإمكانات المادية لكثير من المؤسسات القائمة بالعمل الإسلامي مقارنة بالإمكانات الكبيرة للمؤسسات التنصيرية، وتمتع المؤسسات التنصيرية بامتيازات كبيرة لاحتمائها وراء الهيئات الدولية والقنوات الدبلوماسية والرسمية بخلاف الجمعيات الإسلامية.



وبالإضافة إلى هذا؛ فإن النظام السياسي المتبع في دولة مالي يخدم الكنيسة في جميع المجالات، فالتعليم لا صلة له بالإسلام، والشؤون الاجتماعية تُستغل لدعم المراكز التنصيرية، والصليب الأحمر يقدم على إسعاف الهلال.



ومن المؤسف أن معظم سفارات الدول الغربية، في العاصمة المالية باماكو، لها ملحقات ومراكز تعرف باسم (المراكز ثقافية) أو (الملحقات الثقافية)، لكنها في حقيقتها تقوم بنشاطات تنصيرية خطيرة، مثل المركز الثقافي الفرنسي، والمركز الثقافي الأمريكي، علماً بأنه لا يوجد في سفارات الدول العربية والإسلامية ملحقات ثقافية أو دينية تهتم بشؤون الإسلام والمسلمين، ولا يوجد غير جهود فردية لا تقارن بمستوى جهود الدول الغربية ومؤسساتها.



وهنا تجدر الإشادة بدور (المنتدى الإسلامي) الذي قام بجهود فريدة لترشيد الجمعيات الإسلامية، وتأهيل العاملين بها، وتنسيق جهودها، وكانت جهوده تلك على رأس العوامل الخارجية التي شجعت القائمين على العمل الإسلامي في مالي لجمع الكلمة وتوحيد الجهود والعمل على خدمة المصير المشترك، فلهم الشكر الجزيل على ما قدموا.



وسبق أن أشرت إلى جهود الجمعيات الإسلامية في إنشاء رابطة الأئمة والعلماء في مالي، لتنسيق أعمال جميع الأئمة، وسهولة الاتصال والتشاور، والترفع على الخلافات المذهبية لتحقيق وحدة المسلمين، كما تم إنشاء المجلس الأعلى الإسلامي في مالي، وهي جمعية لها صبغة حكومية تهدف إلى تحقيق التواصل بين الحكومة والمسلمين.



مجلة قراءات: تعاني الأمة ضعفاً داخلياً، وتكالباً خارجياً، فما الخطوات العملية للنهوض بها؟

الشيخ أبو بكر كمارا: الحديث عن هذا الجانب وأبعاده الخطيرة يحتاج إلى مجلدات وبحوث لسنوات طويلة، ولكن تكفي الإشارة هنا إلى خطوطه العامة، فالضعف الداخلي للأمة الإسلامية سببه داء الأمم من قبلنا؛ حب الدنيا وكراهية الآخرة، وعدم الوعي بالواقع، وعدم الفصل بين الثقافة الإسلامية العامة والثقافة العربية الإسلامية؛ بمعنى عدم اعتبار أعراف الشعوب الأخرى وعاداتهم وتقاليدهم، وفقدان روح العمل الجماعي التشاوري، وفقدان روح التسامح، وفقدان الاجتهاد الفقهي، وعدم تملك روح المبادرة، وعدم فهم مسألة القضاء والقدر عند بعض الناس، فلجؤوا إلى التواكل بدلاً من التوكل على الله، واقتصار بعض طلاب العلم على التفقه في أبواب معينة في الدين دون أبواب أخرى، ولذا فإنني أقر التخصص في باب ولا أقر تخصيص الإسلام بباب دون باب آخر، وقتل روح الاجتهاد عند المسلمين.



وقد تناول هذه الجوانب وغيرها الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، ومجموعة من العلماء في مجلة الأمة القطرية تحت عنوان (أين الخلل)، والدكتور عماد الدين خليل في كتاباته عن إعادة تشكيل العقل المسلم، وغيرهم كثير.



ولم يأت التكالب الخارجي من فراغ، بل عن طول بحث ونفس طويل، وجهود الأعداء في هذا الجانب معروفة، ومنها على سبيل المثال وضع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، ومعجم ألفاظ أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودراستهم عادات المجتمعات وتقاليدهم وأعرافهم في الجامعات، وترحيبهم بأبناء الأمة الإسلامية وبناتها في ديارهم واعتنائهم بهم، ولذا يتبين لكم مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فالقصعة معروفة لدى الأكلة، ومجتمعات الأمة الإسلامية معروفة الآن لدى الأعداء، سواء في جوانب ضعفها أو قوتها.



والنهوض بالأمة يلزمه أولاً إحسان التوجه إلى الله، وتصحيح مفهوم مسألة القضاء والقدر حتى يتهيأ الناس للعمل، ويحققوا التوكل على الله والأخذ بالأسباب؛ بدلاً من التواكل والتمني، وتنبيه الوعي العام بمكانة الأمة ومسؤولياتها، وتنسيق الجهود، وبث روح الثقة المتبادلة، وتنشيط العمل الجماعي، وإحياء الاجتهاد والإبداع في أبناء الأمة.
المصدر: مجلة قراءات إفريقية - العدد الثالث - ذو الحجة 1429هـ / ديسمبر 2008م
أضافة تعليق