مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار ناقد مع الدكتور عبد الحميد الحسامي
الإثنين, 14-إبريل-2014
لقاء/ محمد صالح الجرادي -
يقول الناقد الدكتور عبد الحميد الحسامي ..إن عمله الأكاديمي خارج الوطن مكنه من انجاز العديد من الدراسات النقدية التي تشير الى اليمن والى مشهده الأدبي والإبداعي .. ويضيف: ’’لقد تمكنت من تحويل الهجرة إلى مكون إيجابي في حياتي العلمية والشخصية، فعرَّفت بالأدب اليمني، والمشهد الإبداعي في عدد من المؤتمرات والندوات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها’’
وينفي الناقد الحسامي في هذا اللقاء مع (ثقافي الثورة) أن تكون وجهة نظره تجاه اعتمالات النقد الأدبي وكذلك النقاد في اليمن تحاملية أو تجنيا منه..
*بداية .. ما الذي دفع الدكتور الحسامي الى مغادرة التدريس في الجامعات اليمنية بالرغم من حاجتها الأكاديمية وخصوصاً في المجال الأدبي والنقدي ؟
-الهجرة مُرةٌ، وبعد المرء عن موطنه المألوف قاسٍ على النفس، لكن هناك عددًا من المسوغات التي قد تكون مقبولة - على الأقل لدي شخصيًا- دفعتني للتفكير بالعمل خارج اليمن؛ يأتي في مقدمتها دافع تحسين الوضع المادي، فليس من المنطقي ولا من الواقعي أن يجد المرء فرصة عمل تمكنه من تحسين وضعه ولا يستغلها. طالما أن اللوائح تسمح له، والوضع الحياتي تستدعي ضروراته البحث عن فرصة عمل أفضل.
كما أن فرصة العمل في مؤسسة علمية أخرى من شانها أن تخصب تجربة الأستاذ الجامعي بخبرات جديدة تطور أداءه وترتقي بمستواه المعرفي.
ولا أخفيك أن بعض التصرفات الإدارية في مؤسساتنا تعد عاملاً مهما من عوامل الهجرة أو الفرار، فحين لا تجد بيئة تحتضن مشاريعك العلمية، وطموحاتك المعرفية، وربما أحيانًا تعمل على عرقلتك فماذا تنتظر؟! هل تنتظر أن تحترق أحلامك وأنت تنثر دموع البكاء عليها؟ إذا كانت الجامعة التي تعمل فيها وتبذل حياتك في سبيل نجاحها تعرقل منحك تذكرة سفر لقضاء إجازة تفرغك العلمي وإنجاز بحث يرتقي بمستواك العلمي فماذا تنتظر..
*لكن الهجرة تبدو شكلاً من أشكال الهروب من المقاومة او محاولة فعل التغيير؟
-هذا صحيح ، فقد تبدو الهجرة نوعاً من التعامل الانهزامي الذي نفر إليه أو نلوذ به، لكنه ليس بالضرورة فعلاً سلبيًا فلقد قدمتُ شخصيًا للأدب اليمني عددًا من الدراسات النقدية التي ربما لم يتمكن من تقديمها من يعملون في المؤسسات داخل الوطن، لقد تمكنت من تحويل الهجرة إلى مكون إيجابي في حياتي العلمية والشخصية، فعرَّفت بالأدب اليمني، والمشهد الإبداعي في عدد من المؤتمرات والندوات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، واكتسبت خبرات جديدة، تمكنني من أداء أفضل حين عودتي قريبا إن شاء الله تعالى.
عن أي نقد نتحدث
*بالنظر الى دور المؤسسات الأكاديمية في الاشتغال على جبهة النقد الأدبي وكذلك طبيعة أدائها ومخرجاتها في الواقع ..كيف تنظرون الى هذا الدور ؟
-المؤسسات الأكاديمية بلا مشروع، ومن أضاع نقطة الضوء سيظل يتخبط في الظلام، ما ينجز من أعمال نقدية يعد جهدًا فرديًا، وقليل منه يلامس القضايا النقدية الحية، وكثير منه يشتغل خارج الزمان خارج المكان، إن أرادت المؤسسات الجامعية أن تنهض بجهد علمي حقيقي فلن يتأتى لها ذلك ما لم تمتلك رؤية لـــ: ماذا تريد؟ ولماذا تريد ما تريد؟ وكيف تحقق ما تريد..
ذات مرة أشرفت على بحوث تخرج لطلاب المستوى الرابع، وحصل بحثان على القبول من ملتقى الشباب العربي بعمان، ولم يحصل الطالبان على تذاكر سفر.
بحوث الأساتذة ورسائل الماجستير والدكتوراه معظمها لم يطبع، على الرغم من امتلاك عدد من الجامعات اليمنية لمطابع خاصة، اشتريت بمئات الملايين. فعن أي نقد نتحدث؟
*هناك من يرى أن رصيدها يتحدد في القدر الهائل من دراسات الماجستير والدكتوارة في المجال النقدي؟
-رسائل الماجستير والدكتوراه لن تجد فيها ما يشكل إضافة للمشهد النقدي إلا نادرًا، الكثير منها نمطي، جامعة صنعاء مثلا تأسست قبل أربعين عاما ونيف ، فكم عدد الدراسات النقدية الجديرة بالتقدير التي قدمتها خلال ما يقرب من نصف قرن؟
أرجو أن يجيبني (البعض) إجابة علمية شافية.. حينها سندرك حجم الكارثة.
*في حديث سابق انتقدت اداء النقاد اليمنيين ووصفتهم بالثرثارين والمشغولين بالساسة .. البعض اعتبرها وجهة نظر تحاملية ؟
-لم أتجن على زملائي النقاد والأكاديميين، فأنا أكن لهم كل الاحترام والتقدير لكني قلت إنهم مشغولون بالمناكفات السياسية على حساب النقد والمشاريع النقدية، قلت ذلك وأنا أعي ما أقول، وأنا حين أقول ذلك أحاول أن أستفز فيهم روح المثابرة، والعمل الجاد، إذا كان بعضهم قد أحيل على التقاعد ولم ينجز بحوث الترقية إلى أستاذ مشارك فماذا نقول عنه؟ كم عدد النقاد المنشغلين المهمومين بالنقد على امتداد اليمن من المهرة إلى صعدة؟ كم عدد المؤلفات النقدية التي قدمها المتخصصون في النقد في كل الجامعات اليمنية؟ التهمت السياسة كل الشرائح وكل إمكانات الوطن، وأكلت المبدعين بدلاً من أن تقوم بتطويرهم، استهلكتهم تروسا في ماكينتها الطاحنة...إن النقاد والمبدعين يتعرضون للتلاشي.. وهنا لا بد أن أشير إلى نموذج رائع للأستاذ الأكاديمي وهو أ د عبد الواسع الحميري الذي تعد شهادتي فيه مجروحة لكن مؤلفاته ستشفع لشهادتي، فهو مهجوس بمشروع نقدي متواصل، يضيف إليه جديدًا كل آن .
أزمة شعراء وسرديين !!
*ليس هناك نص نقدي في اليمن ، ربما هذا ماتؤكده تماماً ، لكن مقابل ذلك يتوافر المشهد على انتاج أدبي (شعري وسردي)مضطرد وزاخر؟
- هذا بلا شك، انما مع ذلك كله ،المبدعون اليمنيون في أغلبهم شعراء وسرديون يعيشون أزمة حقيقية تتمثل لدى الشعراء في استنساخ النموذج المحلي اليمني فهم إما (متمقلحون) أو (متبردنون) هناك شباب لديهم طاقات إبداعية لكنهم بدلا من أن يشقوا طريقهم بأنفسهم يذعنون لسلوك طريق التقليد، والاستنساخ، فإذا بك تجد طائفة في جبة المقالح وأخرى في جبة البردوني، فضاعت خصوصيتهم ولم يدروا أن نجاح أحد أولئك أو سواهم لم ولن يكون إلا بالإصغاء لصوت الذات.
أما السرديون (الروائيون) فإشكاليتهم أكثر عمقًا، فمع وفرة المنتج الروائي في العشرية الأخيرة إلا أن التأمل في اليمني يلحظ استعجال المبدع اليمني على الظهور، يريد السبق والشهرة وذلك حق مشروع لهم لكن ينبغي لهم أن يأتوا الشهرة من أبوابها ، لقد وقعت الرواية اليمنية في فخ التقليد للروايات العربية من ناحية، وهو تقليد ممسوخ لأن المقلِّد لا يملك إمكانيات المقلَّد، ووقعت من ناحية ثانية في فخ الإثارة ، الإثارة في المبالغة في الجنس وانتهاك الخصوصية الثقافية والدينية، والاجتماعية، ويبدو أنهم يرون طريق العبور من بوابة الانتهاك، فنجد روايات ذات كم من الورق تستنسخ نفسها وتكرر إثارتها، ولا تتعمق في مساءلة حقيقية للثقافة والمجتمع، تنطلق الروايات دون رؤية ولا مشروع، قد تجد لها بعض الصدى المجاملاتي محليا وعربيا لكنها تتقزم أمام الفعل النقدي الجاد، وأمام القارئ الحصيف.
*إجمالا .. هل نستطيع ان تبين الفوارق التي تفصل مشهد النقد الأدبي والحركة الادبية عموما في اليمن عن المشهد في الوطن العربي؟
المشهد النقدي في الوطن العربي مشهد مؤلم ومشتت لكنه في اليمن أكثر إيلامًا، وغيابا، على الأقل هناك حراك ما في الوطن العربي : ندوات ، مؤتمرات، طباعة ، أندية، اتحادات، صحافة أدبية، لكننا في اليمن في وضع بائس : اتحاد أدباء كسيح يعيش وضعا مزريا، مراكز بحوث معطلة، مجلات لا تستطيع أن تستمر في الصدور إلا لماما، صحافة نقدية وأدبية تتقزم يوما بعد يوم، دراسات علمية أكاديمية تقع في فخ التكرار والنمطية، إن الفضاء الذي نعيشه في اليمن لا يشجع على نمو حركة نقدية.
فعلى سبيل المثال منذ سبع سنوات تقريبا – إن لم يكن أكثر - لم ينعقد مؤتمر أو ندوة نقدية ؟ فماذا ننتظر؟
المشهد النقدي في اليمن يحتاج لإعادة التفكير فيه، ووضع رؤى استراتيجية، وتفعيل المؤسسات، وإقامة الأنشطة، وتشغيل الطاقات الحية الفاعلة في اليمن وما أكثرها !!في سياق منظومة إجراءات مدروسة لانتشال الحياة النقدية .
*صحيفة الثورة اليمنية
أضافة تعليق