يمثل الشيخ عيسى أحمد حالة فريدة داخل المنظومة الفكرية لحركة الإصلاح في الصومال، فهو من ناحية يُعد من الرعيل الأول لجماعة الإخوان في منطقة القرن الأفريقي، ومن ناحية أخرى عاصر الشيخ جميع أحداثها التي خلفت في ذاكرته تاريخا طويلاً من الإنجازات والإخفاقات على حد سواء.
ويستعرض الشيخ عيسى أحمد – خلال هذه المقابلة النادرة والتاريخية – عن محطات تاريخية منسية، وأخرى لم تتناولها الأقلام بسبب أو بآخر، ويغوص كذلك في أعماق أحداث لها دلالاتها العميقة.. لكنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي اللازم.
ضمن سلسلة حوارات الإصلاح من الداخل التي يقوم بإعدادها مركز جامعة بوصاصو للدراسات والبحوث، يتحدث الشيخ عيسى أحمد – أحد أبرز شيوخ حركة الإصلاح في منطقة القرن الأفريقي، وأستاذ اللغة العربية وآدابها سابقاً بالجامعة الوطنية الصومالية- عن فترة من أهم فترات تاريخ الإخوان في منطقة القرن الأفريقي، ويجيب عن أسئلة جريئة كانت ضمن المسكوت عنها في الفترة السابقة.
بداية، نود أن تحدثنا عن سيرتك الذاتية بإيجاز؟
ولدت عام 1955 م في منطقة جكجكا، وحفظت القرآن الكريم وأنا في التاسعة من عمري ثم بعدها بدأتُ مشواري العلمي في حلقات المساجد على أيدي علماء أجلاء.
والتحقت بعد ذلك، وأنهيت دراستي الثانوية في مدرسة البعثة التعليمية المصرية عام 1974م،
وأنا خريج من كلية اللغة العربية من الجامعة الوطنة الصومالية، وعملت مدرسا في بعض المدارس، ومحاضرا في الجامعة الوطنية الصومالية.اشتركت في تأسيس بعض الجمعيات الخيرية والمدارس الإسلامية. وأنا ما زلت منخرطا في سلك الدعوة – والحمد لله- منذ أن التحقت بالمدرسة الابتدائية.
تشهد الحركة الإسلامية بمنطقة القرن الأفريقي واقعاً مريراً بعد موجة انشقاقات متتالية، ما رؤيتك فيما يجري داخل “الإصلاح”؟
إن ما يجري في الحركة الإسلامية حاليا لا نعتبره انشقاقا؛ وإنما هو شيء طبيعي بجميع المقاييس؛ لأن الإدارة التي أسندت إليها قيادة الحركة قد انحرفت عن الأهداف المرسومة، واتخذت تحقيق المصلحة الخاصة هدفا لها، وجعلت الاستبداد والمحسوبية وتكميم الأفواه شيئاً مألوفا لديها، مما أجبر الكوادر من أبناء الحركة سواء كانوا من المؤسسين أو من الرعيل الأول أو من شباب الحركة المخلصين، على أن يهبوا لإنقاذ الحركة ويهرولوا إلى تصحيحها وتسديد مسارها وإعادتها الى أصالتها ومجدها السابق.
أما الانشقاقات التي تكررت في صفوف الحركة في العقود الماضية فهي متعددة الأسباب والدوافع، ولكن الانشقاقات التي حدثت في السنوات الأخيرة فان القيادة هي التي تحمل وزرها حيث إنها قابلت كل الجهود الرامية إلى التصحيح بالرفض؛ بل بالتجريح والإقصاء، مما أدى إلى اتخاذ كثير من رجال الحركة المخلصين قرار الانسحاب وتأسيس حركة إخوانية مستقلة (الدم الجديد).
ولماذا التصحيح في هذا التوقيت بالذات؟
إن مراجعة الأخطاء وتصحيحها واجب شرعي في ديننا الحنيف، وهو من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله سبحانه وتعالى:” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدِّع منهم”. (رواه الحاكم في المستدرك). وليس هناك توقيت خاص لتغيير المنكر؛ وإنما نحن مأمورون بذلك في كل وقت، مع أن الحاجة تكون ملحة عند تفاقم الانحرافات ومجاوزتها للحد، وفي هذا الوقت بالذات تحتاج الأمة الصومالية إلى لمّ الشمل، وجمع الكلمة أكثر من ذي قبل، والغريب أن المجموعة التي استولت على الحركة لم تتعظ بالربيع العربي ولم تعتبر بما حدث للمستبدين الذين صادروا حريات شعوبهم فما لبث أن جاء عليهم الربيع الحركي بجحافله؛ هادفاً إلى تصحيح المسار وتحرير العقول.
برأيك لماذا حركة “الإصلاح” تعيش – دائماً- في صراع داخلي؟
ليس صحيحا أن نقول إن حركة الإصلاح تعيش في صراع دائم.. ولكن هناك فترات تأتي عليها رياح التغيير التي تهز الكيان الحركي، وبما أننا بشر فإن القائمين على إدارة الحركة أو بعضهم يعتريهم ما يعتري البشر من الأمراض كالانحراف من الأهداف والغايات المرسومة، يقول الله سبحانه وتعالى: “منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”، ومن نعم الله علينا أن الحركة لا تعدم رجالا مخلصين يعيشون لها ويسهرون لتقويم اعوجاجها، ولولا الله ثم هؤلاء لتلاشت الحركة منذ زمن.
لماذا انشقت المجموعة التي أطلقت على نفسها بـ”التضامن” عن الحركة؟
كان هناك ظروف صعبة أيام انشقاق إخواننا في الصومال الغربي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وكان الشعب الصومالي يعيش في حالة حروب قبلية وانشقاقات على مستوى الوطن، وليست الحركات الإسلامية فحسب، وحتى أكون منصفا فإن بعض أسباب الانشقاق تعود إلى القيادة كما أن بعضها تعود إلى القاعدة.
عشت فترة طويلة في مناطق بونتلاند، هل انتشر الفكر الوسطي في هذه المنطقة، وما هي معوقات الدعوة في هذا الإقليم؟
لقد وصلت طلائع الفكر الوسطي إلى المناطق الشرقية من الصومال في بداية التسعينيات، وكان المفروض أن ينمو ويترعرع هذا الفكر.. ولكنه تقهقر إلى الوراء، وأصبح صوته خافتا وخجولا لأسباب يعود أغلبها إلى القائمين على إدارة الحركة، ونظرية (التعامل مع الواقع) التي هي في الحقيقة (استسلام للواقع) من حيث التعاطي مع القضايا الجارية في الصومال وفق ما هو سائد عند المجتمع الصومالي، وليس تغيير المجتمع وفق ما تنص عليه متطلبات الدعوة التي تسعى بمجملها إلى فرض توجه دعوي يخدم أجندة المسلمين، وهذه النظرية بمجملها هي التي قصمت ظهر الدعوة في هذا الإقليم، كما هو الحال في الأقاليم الأخرى من منطقة القرن الأفريقي.
ومن العوائق التي أصبحت حجر عثرة أمام الدعوة إلى الله في هذا الإقليم وغيره تهميش الدعاة والمخلصين وإقصائهم من قبل المسئولين؛ بل ومعاداتهم، وكذلك إقصاء كل من له رأي سديد أورؤية واضحة في تطوير العمل الدعوي والتربوي.
وبفضل الله ثم بفضل المخلصين من الدعاة والمربين، تمّ تجديد العمل الدعوي مؤخرا في تلك المنطقة عن طريق ضخ دماء دعوية جديدة، وبدأت الدعوة تستعيد عافيتها في هذا الإقليم بإذن الله.
قام بإعداد هذا الحوار مركز جامعة بوصاصو للدراسات والبحوث، الصومال
ويستعرض الشيخ عيسى أحمد – خلال هذه المقابلة النادرة والتاريخية – عن محطات تاريخية منسية، وأخرى لم تتناولها الأقلام بسبب أو بآخر، ويغوص كذلك في أعماق أحداث لها دلالاتها العميقة.. لكنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي اللازم.
ضمن سلسلة حوارات الإصلاح من الداخل التي يقوم بإعدادها مركز جامعة بوصاصو للدراسات والبحوث، يتحدث الشيخ عيسى أحمد – أحد أبرز شيوخ حركة الإصلاح في منطقة القرن الأفريقي، وأستاذ اللغة العربية وآدابها سابقاً بالجامعة الوطنية الصومالية- عن فترة من أهم فترات تاريخ الإخوان في منطقة القرن الأفريقي، ويجيب عن أسئلة جريئة كانت ضمن المسكوت عنها في الفترة السابقة.
بداية، نود أن تحدثنا عن سيرتك الذاتية بإيجاز؟
ولدت عام 1955 م في منطقة جكجكا، وحفظت القرآن الكريم وأنا في التاسعة من عمري ثم بعدها بدأتُ مشواري العلمي في حلقات المساجد على أيدي علماء أجلاء.
والتحقت بعد ذلك، وأنهيت دراستي الثانوية في مدرسة البعثة التعليمية المصرية عام 1974م،
وأنا خريج من كلية اللغة العربية من الجامعة الوطنة الصومالية، وعملت مدرسا في بعض المدارس، ومحاضرا في الجامعة الوطنية الصومالية.اشتركت في تأسيس بعض الجمعيات الخيرية والمدارس الإسلامية. وأنا ما زلت منخرطا في سلك الدعوة – والحمد لله- منذ أن التحقت بالمدرسة الابتدائية.
تشهد الحركة الإسلامية بمنطقة القرن الأفريقي واقعاً مريراً بعد موجة انشقاقات متتالية، ما رؤيتك فيما يجري داخل “الإصلاح”؟
إن ما يجري في الحركة الإسلامية حاليا لا نعتبره انشقاقا؛ وإنما هو شيء طبيعي بجميع المقاييس؛ لأن الإدارة التي أسندت إليها قيادة الحركة قد انحرفت عن الأهداف المرسومة، واتخذت تحقيق المصلحة الخاصة هدفا لها، وجعلت الاستبداد والمحسوبية وتكميم الأفواه شيئاً مألوفا لديها، مما أجبر الكوادر من أبناء الحركة سواء كانوا من المؤسسين أو من الرعيل الأول أو من شباب الحركة المخلصين، على أن يهبوا لإنقاذ الحركة ويهرولوا إلى تصحيحها وتسديد مسارها وإعادتها الى أصالتها ومجدها السابق.
أما الانشقاقات التي تكررت في صفوف الحركة في العقود الماضية فهي متعددة الأسباب والدوافع، ولكن الانشقاقات التي حدثت في السنوات الأخيرة فان القيادة هي التي تحمل وزرها حيث إنها قابلت كل الجهود الرامية إلى التصحيح بالرفض؛ بل بالتجريح والإقصاء، مما أدى إلى اتخاذ كثير من رجال الحركة المخلصين قرار الانسحاب وتأسيس حركة إخوانية مستقلة (الدم الجديد).
ولماذا التصحيح في هذا التوقيت بالذات؟
إن مراجعة الأخطاء وتصحيحها واجب شرعي في ديننا الحنيف، وهو من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله سبحانه وتعالى:” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدِّع منهم”. (رواه الحاكم في المستدرك). وليس هناك توقيت خاص لتغيير المنكر؛ وإنما نحن مأمورون بذلك في كل وقت، مع أن الحاجة تكون ملحة عند تفاقم الانحرافات ومجاوزتها للحد، وفي هذا الوقت بالذات تحتاج الأمة الصومالية إلى لمّ الشمل، وجمع الكلمة أكثر من ذي قبل، والغريب أن المجموعة التي استولت على الحركة لم تتعظ بالربيع العربي ولم تعتبر بما حدث للمستبدين الذين صادروا حريات شعوبهم فما لبث أن جاء عليهم الربيع الحركي بجحافله؛ هادفاً إلى تصحيح المسار وتحرير العقول.
برأيك لماذا حركة “الإصلاح” تعيش – دائماً- في صراع داخلي؟
ليس صحيحا أن نقول إن حركة الإصلاح تعيش في صراع دائم.. ولكن هناك فترات تأتي عليها رياح التغيير التي تهز الكيان الحركي، وبما أننا بشر فإن القائمين على إدارة الحركة أو بعضهم يعتريهم ما يعتري البشر من الأمراض كالانحراف من الأهداف والغايات المرسومة، يقول الله سبحانه وتعالى: “منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”، ومن نعم الله علينا أن الحركة لا تعدم رجالا مخلصين يعيشون لها ويسهرون لتقويم اعوجاجها، ولولا الله ثم هؤلاء لتلاشت الحركة منذ زمن.
لماذا انشقت المجموعة التي أطلقت على نفسها بـ”التضامن” عن الحركة؟
كان هناك ظروف صعبة أيام انشقاق إخواننا في الصومال الغربي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وكان الشعب الصومالي يعيش في حالة حروب قبلية وانشقاقات على مستوى الوطن، وليست الحركات الإسلامية فحسب، وحتى أكون منصفا فإن بعض أسباب الانشقاق تعود إلى القيادة كما أن بعضها تعود إلى القاعدة.
عشت فترة طويلة في مناطق بونتلاند، هل انتشر الفكر الوسطي في هذه المنطقة، وما هي معوقات الدعوة في هذا الإقليم؟
لقد وصلت طلائع الفكر الوسطي إلى المناطق الشرقية من الصومال في بداية التسعينيات، وكان المفروض أن ينمو ويترعرع هذا الفكر.. ولكنه تقهقر إلى الوراء، وأصبح صوته خافتا وخجولا لأسباب يعود أغلبها إلى القائمين على إدارة الحركة، ونظرية (التعامل مع الواقع) التي هي في الحقيقة (استسلام للواقع) من حيث التعاطي مع القضايا الجارية في الصومال وفق ما هو سائد عند المجتمع الصومالي، وليس تغيير المجتمع وفق ما تنص عليه متطلبات الدعوة التي تسعى بمجملها إلى فرض توجه دعوي يخدم أجندة المسلمين، وهذه النظرية بمجملها هي التي قصمت ظهر الدعوة في هذا الإقليم، كما هو الحال في الأقاليم الأخرى من منطقة القرن الأفريقي.
ومن العوائق التي أصبحت حجر عثرة أمام الدعوة إلى الله في هذا الإقليم وغيره تهميش الدعاة والمخلصين وإقصائهم من قبل المسئولين؛ بل ومعاداتهم، وكذلك إقصاء كل من له رأي سديد أورؤية واضحة في تطوير العمل الدعوي والتربوي.
وبفضل الله ثم بفضل المخلصين من الدعاة والمربين، تمّ تجديد العمل الدعوي مؤخرا في تلك المنطقة عن طريق ضخ دماء دعوية جديدة، وبدأت الدعوة تستعيد عافيتها في هذا الإقليم بإذن الله.
قام بإعداد هذا الحوار مركز جامعة بوصاصو للدراسات والبحوث، الصومال