د.حسين حامد: لا فكاك من القروض والديون إلا بتطبيق الفكر الاقتصادي الإسلامي
د. حسين حامد
حوار/ أحمد عبد العزيز
- ليس صحيحًا أن الصكوك تُعرِّض أصول الدولة المصرية وحقوق الأجيال القادمة للخطر.
- نظام مبارك مسئول عن انهيار الاقتصاد المصري.
- مصر لديها الإمكانيات التي تؤهلها للنجاح الاقتصادي، ولكن نحتاج للإرادة.
- من الغريب أن يُطبِّق غير المسلمين الفكر الاقتصادي الإسلامي ونحن نرفضه.
الدكتور حسين حامد حسان هو واحد من خبراء الاقتصاد في العالم، وقد جعل همه كله وشغله الشاغل هو تقديم الفكر الاقتصادي الإسلامي لخبراء الاقتصاد والعالم كتجربة اقتصادية ناجحة وقادرة على تقديم حلول عملية. ولم يكن هذا من خلال الفكر والتنظير فقط، ولكن من خلال تجارب عملية حقيقية في العديد من الدول والمؤسسات الاقتصادية؛ حيث أشرف بنفسه على تنفيذ هذا الفكر في هذه المؤسسات، واستطاع أن يقدم تجارب ناجحة على الأرض، سواء من خلال إدارته للعديد من مشروعات الصكوك، أو من حيث عضويته في العديد من البنوك والمؤسسات العلمية، وذلك من خلال عمله كمستشار اقتصادي للعديد من الدول والهيئات.
وفي حواره مع ’’الإسلام اليوم’’ كشف الدكتور حسين حامد عن مدى قدرة مشروع الصكوك للتصدي للأزمات الاقتصادية في مصر والعالم الإسلامي، بل والعالم أجمع، مدللاً على ذلك بتجارب أشرف بنفسه عليها، سواء في دبي أو في بعض التجارب الأخرى؛ حيث أشرف على أسهم بحوالي 240 مليار دولار في مشروعات صكوك مختلفة، كما أكد على أن الاقتصاد المصري من الصعب أن ينهار، وأنه لديه مؤهلات وقدرات تجعله من أقوى الاقتصادات في العالم، ولكن يحتاج إلى أجواء مناسبة، وإدارة جيدة. ولكونه عضوًا بمجلس الشورى المصري، وكان عضوًا بالجمعية التأسيسية للدستور المصري فإنه يشير إلى ضرورة الاهتمام بالتشريعات الاقتصادية؛ حيث تسهم هذه التشريعات في حل العديد من المشاكل الاقتصادية، سواء المتعلقة بالعدالة الاجتماعية أو بالتنمية بشكل عام.
نبدأ بموضوع الصكوك، والذي يفرض نفسه على الساحة الآن في مصر؛ فما هي مميزات الصكوك؟ وما هو الدعم الذي يمكن أن تقدمه للاقتصاد المصري والإسلامي؟
الصكوك سوف تساهم في إحداث تنمية شاملة في مصر والعالم، وإحداث إنعاش للاقتصاد المصري والإسلامي، وتثبيت أركانه دون الحاجة إلى أية قروض أو ديون أجنبية تكرس التبعية وتقضي على مبدأ الاستقلال الوطني؛ لأنها توفر التمويل اللازم لأي مشروع من خلال طرح صكوك للمشاركة في هذه المشروعات، سواء للمصريين، أو للأجانب بشروط وقيود تضمن عدة أشياء منها: عدم التعامل بالنظام الربوي الذي يُعد محاربة لله ورسوله، وكذلك عدم الاقتراض والتمويل من الأجانب، كل ذلك من خلال تطبيق أعظم نظام اقتصادي عرفه العالم، وهو النظام الإسلامي، والذي يُعد معجزة بكل المقاييس؛ حيث يتم اقتسام التكاليف والأرباح في آن واحد؛ أي أنه يختلف تمامًا عن النظام الرأسمالي الذي يقوم على الربح دون أي جهد، وكذلك التعامل بالربا المرفوض شرعًا، والقائم على نظام الاستغلال والابتزاز، واستغلال حاجة الغير وفرض مزيد من الديون عليه من خلال نظام الفوائد، وهو ما يرفضه الإسلام الذي يقوم نظامه الاقتصادي علي المضاربة والمشاركة والمرابحة.
ما هي فكرة الصكوك ببساطة؛ فالكثير لا يعرف عنها سوى اسمها؟
ببساطة تقوم فكرة الصكوك على المشاركة بين رأس المال من جهة، والخبرة والإدارة من جهة أخرى؛ أي: أن مَن معه أموال وليس لديه القدرة والخبرة على توظيفها يتشارك مع مَن لديه الخبرة في الإدارة والتجارة والاستثمار. هذا ببساطة شديدة، ولكن كل هذا يتم من خلال عدة أمور: تبدأ بدراسة جدوى توضح كافة التفاصيل الخاصة بالمشروع المراد تنفيذه، وتوقعات الربح والخسارة والانتشار، والنسبة بين كافة الأطراف، وتقوم بهذه الدراسة جهات مشهود لها بالكفاءة سواء داخليًّا أو خارجيًّا. وفي المقابل يتم طرح فكرة التمويل والمشاركة، سواء من جانب أفراد أو شركات في صورة ’’صكوك’’ تُطرح، ويمكن للمصريين والأجانب شراءها والمساهمة في المشروع، ولكن كل هذا يتم وَفقَ آليات وشروط ولوائح ينظمها القانون الخاص بالصكوك، وهو ما تضمنه القانون الأخير الذي تنظره هيئة كبار العلماء الآن من حيث مطابقته للشريعة الإسلامية، وتصويبه وتحصينه سواء من الناحية الشرعية أو من ناحية الحفاظ على الممتلكات العامة وعلي حقوق الأجيال القادمة عن طريق الحفاظ على أصول وأملاك الدولة.
لكنْ هناك تخوف من هذه النقطة تحديدًا؛ بزعم الحرص على مستقبل الأجيال وممتلكات الدولة؟
حول هذه النقطة تحديدًا -وهي مثار جدل كبير من جانب الرافضين للقانون؛ بزعم تخوفهم على أصول الدولة وحقوق الأجيال القادمة- أقول لهم: إن قانون الصكوك حصَّن هذه الحقوق تمامًا، ونص في المادة (18) منه على الحفاظ على هذه الأصول والحقوق، وذلك بوجوب عودة الأصول إلى الشركات والمشروعات التي هي الأصول هنا إلى المالك وهو الدولة هنا، واسترداد الصكوك من أصحابها بعد حصولهم على الأرباح المستحقة لهم في سقف زمني يتراوح ما بين خمس سنوات وسبع سنوات، وأجاز المشرِّع أن تُسترد الصكوك خلال عامين. كذلك هناك المادة (2) من قانون الصكوك، والتي تنص على ضرورة الالتزام بكافة القوانين التي تحافظ على أملاك وحقوق الدولة، وهي قوانين عديدة وموجودة حاليًّا ويُعمل بها، وهناك أيضًا ضمانة أخرى، وهي أنه يمكن النص في القانون على أن تكون الصكوك مِلك للمصريين فقط أو تحديد نسبة للأجانب لا تزيد عن 25 في المائة على سبيل المثال، وأنه مع مزيد من الضمانات في هذا السياق، علمًا بأنه يوجد 36 قانونًا بخصوص تملك الأجانب تحتاج إلى مراجعة.
وما هي أنواع الصكوك؟
تنقسم الصكوك إلى عدة أنواع، منها:
النوع الأول: وهو صكوك التمويل، وتشمل: صكوك المرابحة، والاستصناع، والسَّلَم.
والنوع الثاني: وهو صكوك الإجارة، وتشمل: صكوك ملكية الأصول القابلة للتأجير، وصكوك ملكية منافع الأصول، وصكوك إجارة الخدمات.
والنوع الثالث: ويشمل صكوك الاستثمار، ومنها: صكوك المضاربة، والوكالة بالاستثمار، والمشاركة في الربح.
والنوع الرابع: وهو صكوك المشاركة في الإنتاج، ويشمل: صكوك المزارعة، والمساقاة، والمغارسة.
وهناك أيضًا صكوك الصناديق، والْمَحافِظ الاستثمارية.
وما هي الآثار المترتبة على تطبيق هذا القانون، سواء في مصر، أو في أية دولة إسلامية؟
مصر ينتظرها مستقبل واعد في حالة تطبيق قانون الصكوك؛ لأنها دولة كبيرة، ولديها مواردها وقدراتها الاقتصادية الكبيرة التي تشكل بنية اقتصادية ضخمة ومهمة، وذلك قياسًا إلى دول أخرى ليس لديها ربع هذه المميزات وطبقت هذه التجربة فيها ونجحت نجاحًا كبيرًا.
وقد أكد الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور حسين حامد حسان أنه رغم كل ما تشهده مصر من أحداث وتراجع في المستوي الائتماني إلا أنها مازالت جاذبة للمشروعات الاقتصادية؛ لأن خبراء الاقتصاد يعرفون تمامًا أنه بمجرد هدوء الأوضاع سوف تكون مصر بلدًا مهمًّا جدًّا في الاستثمار والنهضة الاقتصادية، وهذا ما سوف يتم حين يسود الهدوء حتى لو أخذ بعض الوقت. كما أن مصر تتمتع بغنى كبير في قدراتها وإمكانياتها ومواردها الطبيعية، ولكنها كانت فقيرة في الإدارة والرغبة والإرادة السياسية، وتجلى هذا بشكل واضح مع النظام البائد الذي كان يحاول هدم كل المؤسسات. وذكر الخبير الاقتصادي للتدليل على ذلك ما حدث معه شخصيًّا عندما اتفق مع ’’محمد بركات’’ رئيس البنك الأهلي على تحويل البنك إلى بنك إسلامي؛ تمهيدًا لتطبيق تجربة الصكوك، وذلك في أيام الرئيس المخلوع، وبعد الموافقة والذهاب للتفعيل فوجئ بالشيخ على جمعة -المفتي وقتها- الذي أكد رفضه ما تم الاتفاق عليه قائلاً: إن نظام الفوائد الحالي حلال ولا ربا فيه. وروى واقعة أخرى تتعلق بقانون للصكوك تم تقديمه لوزير المالية ’’ممتاز السعيد’’ وكان قانونًا جيدًا، ولكن تم حذف بعض الفقرات منه، والتي تخص الحفاظ على أصول الدولة وأملاكها وحق الأجيال القادمة وتملك الأجانب؛ وذلك لإظهار أن القانون يعرض ممتلكات الدولة للخطر، وعند التحقق مما حدث دارت شكوك حول امتداد بعض الأيادي خِلسة لنزع هذه المواد من القانون. وقال: آن الأوان لاتخاذ القرارات السليمة التي تؤدي إلى تنمية وطنية دون تبعية، وهذا ممكن وبقوة لو أن هناك إرادة سياسية.
وهل تم تطبيق هذه التجربة بنجاح في بلاد أخرى؟
من خلال تجربتي الشخصية أشرفتُ على العديد من تجارب الصكوك في عدد كبير من الدول.
وأشار الدكتور حسين إلى إصداره لصكوك بقيمة 240 مليار دولار، وتبنيه لعشرات التجارب في هذا السياق سواء في دول إسلامية، مثل: الإمارات العربية، وتحديدًا في دبي، وتجربة ’’جبل علي’’ التي تدر المليارات سنويًّا كأرباح، وكذلك ما حدث في باكستان والسعودية وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى.
هل صحيح أن هناك دولاً غير إسلامية طبقت تجربة الصكوك؟
وهنا فجر الخبير الاقتصادي مفاجأة؛ عندما أشار إلى عدد من الدول والأشخاص غير المسلمين الذين طلبوا منه تطبيق تجربة الصكوك الإسلامية، ومنها: إحدى الجزر الواقعة قرب أنجولا بغرب إفريقيا، ورئيسها مسيحي، وسكانها يدين 80 في المائة منهم بالمسيحية، ومع ذلك طلبوا التجربة، وتم تطبيقها بنجاح كبير؛ حيث كان هناك العديد من المشروعات المتوقفة والمتعثرة ونجحت نجاحًا باهرًا. كما أشار إلى عدد من رجال الأعمال اللبنانيين المسيحيين الموارنة الذين استعانوا به لتطبيق ذات التجربة، وبالفعل تم إنشاء 13 بنكًا إسلاميًّا في لبنان وسوريا وعدد من الدول الأخرى.
وقال: إنه من الغريب أن يستعين غير المسلمين بالتجربة الإسلامية ويرفضها المسلمون! وأشار إلى عمله كمستشار للزعيم السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف عندما انهار ’’الروبل’’ أمام ’’الدولار’’، واستطاعته بقدر كبير تجاوز ذلك بالفكر الاقتصادي الإسلامي.
ننتقل إلى ملف الاقتصاد المصري؛ ماذا عن الشائعات التي تروج لقرب انهياره وإعلان حالة الإفلاس؟
ما يشاع عن انهيار الاقتصاد المصري كلام غير علمي وغير دقيق رغم تآكل احتياطي البلاد وارتفاع عجز الموازنة؛ فمصر لديها إمكانات لا توجد لدى أية دولة أخرى، وهذا ليس مجرد أحلام أو تصريحات سياسية، ولكن جميع خبراء الاقتصاد في العالم يعرفون قيمة التربة الخصبة اقتصاديًّا في مصر، والدليل أنه رغم حالة انهيار الاقتصاد التي يتكلمون عنها في معظم وسائل الإعلام إلا أنه بقليل من الجهد استطاع رئيس الجمهورية ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في فترة وجيزة من دول قليلة.
وهل ساهمت سياسات النظام السابق في الوضع الحالي؟
بالفعل، فالمشكلة في مصر تكمن في الحقبة الماضية أيام النظام السابق؛ فالمشروعات التي كانت تدخل فيها البلاد في عهد حكومات ذلك النظام كانت كلها دون دراسات فنية أو دراسة جدوى، لدرجة أن النظام كان يسمح بنهب أموال البنوك لصالح حفنة من رجال الأعمال بتسهيلات في السداد وصلت لحد الإعفاء من رد هذه المبالغ، فضلاً عن آلاف الأفدنة التي حصل عليها هؤلاء لتنتفخ ثرواتهم في شراكة مع هذا النظام، وهو ما جرَّف البلاد في الفترة السابقة، ولو أن الرقم الذي بلغ أكثر من 700 مليار جنيه، و الذي نهبه هؤلاء، وتم تهريبه إلى خارج البلاد، لو أنه تم ضخه في استثمارات داخلية لكانت مصر من أقوى اقتصادات العالم.
لكنْ هناك تخوف بسبب تآكل الاحتياطي النقدي للعملات الأجنبية، وهو يؤدي إلى انهيار الاقتصاد بالفعل؟
مصر مرَّت بأصعب من هذا في فترة نكسة 1967م، وفى انتصارات أكتوبر 1973م، واستطاعت أن تخرج من هذا النفق المظلم ولم تعلن البلاد إفلاسها مطلقًا، وبرغم ما تسبب فيه حكم العسكر بقيادة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر من انهيار للاقتصاد بعد أن مصر كانت دائنة لبريطانيا العظمى عام 1952م بما يزيد عن 400 مليون جنيه إسترليني؛ ولم يؤثر ذلك أيضًا على الحالة الاقتصادية للبلاد بسبب كثرة مواردها وخيراتها.
وأنا أطمئن المصريين؛ وبكوني رئيسًا لمنظومة بنكية واسعة تضم 27 بنكًا إسلاميًّا ودوليًّا، فإننا تقدمنا بشراء صكوك إسلامية تقدر بمائتي مليار دولار ستتيح تمويل مشروعات ذات جدوى اقتصادية هائلة في البلاد في كل المجالات، إلى جانب قدرتها على سد العجز في الموازنة بحيث لا تحتاج مصر لأية قروض من الخارج أو الداخل، وقد صرحتُ بهذا في عدد من وسائل الإعلام وباستعدادنا لشراء صكوك بـ200 مليار دولار ستتدفق على مصر في المشروعات التنموية، ونحن في انتظار موافقة الحكومة والبرلمان على تشريع الصكوك الإسلامية لنبدأ فورًا.
وهذه الصكوك إذا تم تقنينها بشكل جيد -بعد عرضها على مجلس الشورى- يمكن أن تمتلك الحكومة فيها جانبًا كبيرًا، وكذلك الأفراد والبنوك المختلفة، فنحن لنا تجارب سابقة في إصدار صكوك بأكثر من 100 مليار دولار في عدة دول، ولو أصدرت مصر صكوكًا بالجنيه المصري فإن العديد من مؤسسات التمويل في العالم على استعداد لشرائها.
بوصفك عضوًا بمجلس الشورى وخبيرًا تشريعيًّا؛ ما التشريعات التي تحتاجها مصر لإصلاح الأحوال الاقتصادية في الفترة المقبلة؟
مصر تحتاج إلى مراجعة كل التشريعات القائمة، وليست التشريعات الاقتصادية فقط، فضلاً عن إعادة النظر في المنظومة القانونية بأكملها بعد إقرار الدستور الذي تم التصويت عليه بنعم، فمصر التي يوجد فيها 40٪ تحت حد الفقر، و8 ملايين عاطل، ومثلهم يسكنون المقابر؛ لا بد أن يخرج مواطنوها للحياة، وأن يسترد المصري كرامته وحياته، وهذه حقوق الإنسان التي كفلها له دين الإسلام العظيم قبل أكثر من 1400 سنة.
ومراجعة هذه التشريعات يجب أن تتم بما يتفق وضمان الحقوق الاجتماعية للمواطن المصري، والتي تم النص عليها في الدستور الجديد. وبالمناسبة هذا الدستور جاء بما لم يأتِ به أي دستور في العالم من ضمان تأمين صحي واجتماعي؛ فلأول مرة نجد العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع قسط التأمين تدفع عنه الدولة، ولكل مصري حد أدنى من المعاشات، فلا يوجد مصري في هذا الدستور ليس له معاش.
ما مدى إمكانية تطبيق ما نص عليه الدستور على أرض الواقع في ظل هذه الحالة الاقتصادية؟
تحقيق هذه الضمانة جاء في المادة الثامنة من الدستور الجديد، والتي تنص على أنه ’’تكفل الدولة وسائل تحقيق العدل والمساواة والحرية، وتلتزم بتيسير سبل التراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع، وتضمن حماية الأنفس والأعراض والأموال، وتعمل على تحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين’’.
فلا يُعقل أبدًا أن يأكل مواطن ’’جاتوه’’ ومواطن آخر لا يجد الفتات الذي يتقوَّت به، ولكن لا بد أن يقتسم الفقير مع الغني موارد الدولة وأرزاقها، وهذا لن يتحقق إلا بعدالة التوزيع بين الفقير والغني، لذلك قمنا بالنص على الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور في الدستور الجديد لنضمن بذلك تطبيق ما تم النص عليه من حقوق المواطنين من الفقراء صحيًّا واجتماعيًّا وغير ذلك، وهذا لم يكن مجرد مواد حنجرية، ولكنها مواد فاعلة وسيتم لمس نتائجها قريبًا إن شاء الله.
البعض يقول: لا استقرارَ اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا دون توافق وطني مع قوى المعارضة وإرضائها؛ فما ردكم؟
هذا كلام مرفوض؛ لأن الفقراء لا يعنيهم ما تبحث عنه النخبة السياسية وتتصارع عليه، ويجب التنبيه على اهتمام الحكومة بتشغيل العاطلين، وإطعام الفقراء، وضمان حد الكفاية الذي كفله الدستور الجديد؛ لأن الفقراء لن يأكلوا ديمقراطية، خاصة أن جزءًا من المعارضة لن يرضى بأي توافق، والبعض لا يهتم بالفقراء من الأساس.
لابد أن نقتسم مواردنا لكي نعيش جميعًا، والدستور جاء على وعي بأنه أيًّا كان الوضع الاقتصادي فلدينا حد الضرورة لكل مواطن بما يحفظ حياة كل إنسان، وهناك حد الكفاية، ثم حد الرفاهة، ويجب ألا نحيد بسبب أية مشكلة عن حقوق الفقراء حتى لا نجد عددًا كبيرًا من شبابنا العاطلين، فيتحول بعضهم إلى ما نراه من ’’بلطجة’’ من أجل الحصول على لقمة العيش. وأما التوافق الوطني فهو مهم أيضًا، ولكن تقوم عليه الأحزاب السياسية والرموز الوطنية بعيدًا عن المساس بالمشكلة الأساسية، وهي المواطن المصري.
هل الأولوية في مجلس الشورى يجب أن تتجه للمجال الاقتصادي في الفترة المقبلة؟
الأولوية يجب أن تنصرف إلى المجال الاقتصادي والمالي، وذلك بترجمة مقومات الاقتصاد التي جاءت في المادة 8 من الدستور إلى خطط وبرامج عمل حاكمة، ومن الأولويات: حقوق الفلاحين والعمال وجميع الطبقات المهمشة التي جاء الدستور ولأول مرة بحماية حقيقية لهم. كما يجب مراجعة القوانين القائمة حتى تتحول هذه الحقوق إلى واقع عملي ملموس؛ مثل: الحد الأدنى للرواتب والمعاشات، ومشاركة العمال في مجالس إدارات الشركات وشركات القطاع العام بـ50٪، ومشاركة الفلاحين بما لا يقل عن 80٪ في جمعياتهم التعاونية والزراعية.
هل ستكون مصر في المرحلة المقبلة دولة قوية تستطيع الاعتماد على مواردها البشرية في اللحاق بركب الدول المتقدمة؟
يكفى أن أضرب مثلاً بدولة مثل اليابان؛ كانت لا تمتلك سوى رمال وأنهار، وبعد الحرب العالمية تم تدمير أراضيها، واستطاعت أن تكون بالصورة التي نراها اليوم. وهناك نماذج عديدة حققت معجزات اقتصادية في فترة زمنية وجيزة ولم يكن لديها أية موارد؛ فما بالنا بمصر التي وهبها الله من كل شيء. إن مصر التي جُرِّفت اقتصاديًّا على مدار العقود الماضية تستطيع أن تلحق بركب أعظم الدول في فترة وجيزة إذا كان هناك مشروع قومي مبني على دراسات فنية.
وأؤكد أن مصر التي كانت تُطعم جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى والثانية تستطيع أن تستغني عن قرض صندوق النقد الدولي، وأؤكد أن مشروع الصكوك الذي تقدمنا به مبني على دراسات فنية عالمية على أعلى مستوى، ولن يسبب أية خسارة؛ لأن أي مشروع يُبنى على دراسات علمية يأتي بنتائج جيدة.
كيف تنظر إلى الدستور الجديد باعتبارك أحد المشاركين في وضعه بعد موافقة الشعب عليه رغم الشائعات التي لاحقته؟
الدستور الجديد جاء معبرًا عن ثورة مصر، وهناك حاجة لثورة تشريعية في جميع القوانين المطبقة حاليًّا، وإعادة النظر فيها على أساس المبادئ التي جاء بها الدستور، إضافة إلى حزمة كبيرة جدًّا من القوانين الجديدة.
وكل ما قيل عن هذا الدستور هو نوع من الكذب والتضليل، وأتحدى أن يشير البعض إلى دستور في العالم يضاهي هذا الدستور، ولكن ما أثار حفيظة بعض ’’النخبة’’ هي مادة العزل السياسي، والتي أرى أنها مادة تلقائية لحجب مَن أفسدوا الحياة السياسية طوال 30 عامًا، ولو لم ينص على هذه المادة فماذا سيكون معنى الثورة حينما تجد مَن أفسدوا حياتنا يعودون مرة أخرى ليستكملوا ما جرَّفوه، ومع ذلك مَن تم عزلهم عددٌ قليل من قيادات الحزب الوطني المنحل؛ فلم يعزل أي فرد من المحليات أو أجهزة الدولة سوى قيادات هذا الحزب ووزرائه، وهو ما يعني أننا قلنا لهم: ’’تزحزحوا عنا بعض الشيء؛ لكي نأخذ فرصة لإصلاح ما أفسدتموه’’
*الإسلام اليوم.