فرحات الشرشاري: قانون العزل السياسي يكرس الاحتقان والصراع السياسي في ليبيا
السبت 10 جمادى الآخرة 1434 الموافق 20 إبريل 2013
حوار/ عبد الرحمن أبو عوف
حذر فرحات الشرشاري السياسي الليبي البارز والقيادي السابق في ’’المجلس الوطني الانتقالي’’ من التداعيات السلبية لإقرار قانون العزل بشكل انتقائي أو إقصائي، لافتًا إلى أن القانون -حسب الصيغة المعروضة- يُقصي ملايين الليبيين؛ باعتبار أن أغلب المواطنين الليبيين عملوا مع القذافي، مشددًا على ضرورة قصر العزل على مَن ارتكب جريمة قتل أو اغتصاب أو نهب المال العام أو التآمر على ثورة السابع عشر من فبراير.
وتابع الشرشاري في حواره مع ’’الإسلام اليوم’’: إن هذا القانون -وطبقًا للضغوط التي يمارسها الإسلاميون- يهدد باستمرار أجواء الاحتقان والخلافات السياسية، لاسيما أن الصيغة المطروحة يبدو أن هدفها إقصاء الدكتور محمود جبريل، وكأنه يعيد للأذهان سعي قانون العزل في مصر لعزل شفيق وسليمان مما فتح الباب للطعن أمام دستوريته وإلغائه.
ولم يُخفِ الشرشاري ضيقه الشديد من أداء المؤتمر الوطني الليبي، لافتًا لإخفاقه في الوفاء بالملفين المهمين اللذَينِ كان يجب إنجازهما، وهما: الانتهاء من صياغة الدستور، وإعداد البلاد لانتخابات، لافتًا إلى أن التأخر في تحقيق هذين الإنجازين كانت له تأثيرات سلبية على الأوضاع الأمنية والخلافات السياسية.
وبدا الشرشاري حريصًا على التأكيد على سعي ليبيا لتطوير علاقاتها مع جميع دول الجوار -وعلى رأسهما مصر والجزائر- في ظل تعقيد المشهد الإقليمي والدولي بشكل يفرض ضرورة التنسيق بين هذه البلدان؛ لقطع الطريق على تدخلات دولية لا تصب بالضرورة في خدمة مصالح الدولة الليبية ولا دول الجوار.
الحوار مع القيادي السابق في ’’المجلس الوطني الانتقالي’’ تطرق لقضايا عديدة نوردها بالتفصيل في السطور التالية:
مضت أشهر على انتخاب المؤتمر الوطني الليبي دون أن تلوح في الأفق أية بوادر على نجاحه في الخروج بالبلاد من أزمتها الأمنية والسياسية. فماذا ترون؟
لا أخفي ضيقي من أداء ’’المؤتمر الوطني الليبي’’؛ فهذا المؤتمر الذي انتُخِب من قِبل الشعب كان مطالبًا بتنفيذ مهمتين أساسيتين، هما: صياغة دستور حديث لليبيا يكرس المواطنة ويفتح الباب أمام بناء دولة حديثة، وإعداد البلاد لانتخابات حرة. ولكني لا أعتقد أن المجلس الوطني حقق اختراقات مهمة على هذا الصعيد، لاسيما من جهة صياغة الدستور؛ حيث حدد الإعلان الدستوري المؤقت مدة 6 أشهر كحد أقصى لصياغة الدستور، وهو ما لم يتم حتى الآن، ولا أتوقع أن يسارع البرلمان لاتخاذ هذه الخطوة في ظل غياب التوافق السياسي بين الفرقاء الليبيين، وهو ما كانت له تداعيات سلبية أخرت انتخابات مجلس الشعب القادمة، لاسيما أن الدستور لم يُصَغْ ولم يُستفتَ عليه حتى الآن، باعتبار أن هذا الاستفتاء سيحل المؤتمر الليبي تلقائيًّا، وبعدها سيتم انتخاب رئيس الدولة وتسليمه السلطة، ومن ثَم فأنا أستغرب كثيرًا حالة التباطؤ في حسم عدد من القضايا الحيوية في الدستور، لاسيما فيما يتعلق بهوية ليبيا كدولة عربية وإسلامية لها امتداد إفريقي، أو فيما يتعلق باسمها سواء الجمهورية العربية الليبية أو الجماهيرية أو دولة ليبيا.
دستور حديث
ما مخاطر هذا التأخر في صياغة الدستور أو عقد انتخابات مجلس الشعب على الوضع السياسي الليبي بشكل عام؟
المؤتمر الوطني المتعثر منذ الجلسة الأولى لانعقاده رغم قراره خلال الجلسات الأولى بتشكيل لجنة لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية واختيار شخصيات من الداخل والخارج للمشاركة في صياغة الدستور ليصير دستورًا حديثًا معبرًا عن طموحات الشعب الليبي. ويبرر أعضاء المؤتمر هذه الخطوة بحجج ضعيفة؛ تارة بالأوضاع الأمنية، وتارة بالخلافات بين الكتل البرلمانية المنضوية تحت لافتة البرلمان. وأعتقد أن هذه الخلافات هي سبب التباطؤ في صياغة الدستور، وهي خلافات مرشحة للاستمرار لمدة ليست بالقصيرة، لاسيما أنها مرشحة للاستمرار لمدة ليست بالقصيرة بشكل سينعكس على الوضع السياسي العام.
هيمنة وإقصاء
يثير كثير من الساسة الليبيين مخاوف من هيمنة التيار الإسلامي على لجنة صياغة الدستور. فما رأيكم؟
لا أشاركك هذه المخاوف؛ فالحديث عن هذه الهيمنة غير منطقي، فاللجنة الدستورية التي تتكون من 60 شخصًا تشترط موافقة 40 منهم لطرح أحد بنود الدستور على الشعب للاستفتاء فقط، وأنه لا يحق لأي تيار أن يتدخل في تعديل أو وضع الدستور منفردًا. وهذه الهيمنة غير مقبولة جملة وتفصيلاً عند صياغة دستور يشترط أن يحظى بدعم وتوافق جميع الليبيين وليس تيارًا واحدًا لا يتمتع بالقوة أو النفوذ اللذَينِ يوفران له الفرصة للهيمنة على صياغة الدستور.
في هذه الأجواء أثار قانون العزل السياسي خلافات جمة بين القوى السياسية؛ فهناك من اعتبره مسعًى فقط لإبعاد القيادي البارز في المجلس الانتقالي السابق محمود جبريل، من خصوم الإسلاميين. فما هي رؤيتكم؟
ما أشبه اليوم بالبارحة؛ فمن يتذكر الضجة التي اشتعلت في مصر خلال الأجواء المحيطة بانتخابات الرئاسة الماضية يدرك تكرار ’’سيناريو’’ قانون العزل السياسي، وأنه كان موجهًا في الأساس لعزل الفريق أحمد شفيق أو اللواء عمر سليمان. لذا أعتقد أن مصير قانون عزل سياسي انتقائي وإقصائي لن يكون بعيدًا عن ما حدث في مصر. ثم دعني أتساءل: هل محمود جبريل وحده هو المحسوب على نظام القذافي؟! ألم يعمل حوالي 6 ملايين ليبي مع العقيد الهالك طوال 42عامًا. أنا شخصيًّا عملت مع النظام لمدة 8 سنوات في بداية حكمه، ولم ترُقْ لي الأساليب الاستبدادية والقمعية التي لجأ إليها النظام الحاكم، ومن ثَم أعتقد أن قانون العزل السياسي لن يكتب له المرور إلا إذا شمل: المتورطين في قتل أو سجن أو تعذيب المواطنين الليبيين، أو مَن سرق مالاً عامًّا أو خاصًّا، أو من تبني مواقف مضادة لثورة السابع عشر من فبراير.
سحب الثقة
يمارس التيار الإسلامي ضغوطًا مكثفة؛ لتمرير قانون العزل السياسي بصيغة بعينها. فهل ترى إمكانية نجاحه في تمرير هذا المخطط؟
لا يجب أن يعتقد البعض أن للتيار الإسلامي في ليبيا نفس القدر الذي يمثله نظراؤه في مصر وتونس؛ فهذا التيار لا يتجاوز ممثلوه في المؤتمر الوطني الليبي أكثر من 17مقعدًا، ولم يحققوا انتصارات تشبه ما حدث في مصر وتونس والمغرب، ومن ثَم فهم لا يشكلون القوى الأبرز في الساحة الليبية رغم ما يبذلونه من مجهود جبار لإشاعة أجواء من الفوضى، لدرجة أنهم لجئوا إلى التلويح بسحب الثقة من رئيس الوزراء ’’على زيدان’’، ولم يتراجعوا إلا برفض الشارع لهذه الخطوة، بل إنهم يركزون على قضايا لا تشكل أولوية بالنسبة للسواد الأعظم للشعب الليبي، مثل: العزل السياسي، ويتجاهلون قضايا خطيرة، مثل: التصدي لأكثر من 40 أو 50 مليون قطعة سلاح تملأ الأراضي الليبية، وهي المشكلة التي تؤرق جميع الليبيين مهما تعددت انتماءاتهم السياسية.
برلمان دائم
رغم الانتقادات التي وُجهت لسعي بعض الفصائل لتمرير قانون العزل إلا أن هناك مَن يعتبر أن المؤتمر الوطني الليبي هيئة انتقالية لا يحق لها إصدار قانون العزل السياسي. فما هي رؤيتكم؟
أدعم بشدة هذا الطرح؛ فهذا المؤتمر انتقالي، ولا ينبغي التصدي لتمرير قرار مصيري يتعلق بتحديد المستقبل السياسي لملايين الليبيين، فأمر خطير كهذا يستحق برلمانًا دائمًا حتى لا يكون هذا القانون عرضة للتشكيك أو الطعن في دستوريته، أو تحويله لأداة لتكريس الاحتقان السياسي بين فئات الشعب الليبي، ومن ثَم فإن قانونًا مهما كهذا يجب عرضه على الاستفتاء الشعبي، وشعبنا فقط هو مَن يحدد هوية من يعزله.
غير أن تحميل المؤتمر الوطني الليبي أو غيره هذه المسئولية يبقي أمرًا غير منصف، باعتبار أن أغلب الحكومات الليبية عجزت عن حل هذه المشكلة، بداية بالمجلس الانتقالي، ونهاية بحكومة زيدان. فما رأيكم؟
مشكلة السلاح والمسلحين لن تنتهي قريبًا؛ فبلادنا مترامية الأطراف تصل مساحتها لحوالي 2 مليون كيلو متر مربع، ولها حدود مع عدد كبير من الدول، وبالتالي فنحن نحتاج لوقت طويل حتى نطور الجيش والشرطة، وذلك في ظل حاجتنا لأعداد كبيرة من حرس الحدود قد تتجاوز 450 ألف جندي لضبط هذه الحدود المترامية.
صراعات قبلية
دول الربيع العربي لم تشهد حالات مماثلة لحالة الانفلات الأمني الذي شهدته ليبيا. فهل تفسر لنا هذا الأمر؟
لعل ما عقَّد المشهد في ليبيا هو ظهور النوازع القبلية والجهوية بعد التحرير، فضلاً عن أن ما حدث في ليبيا كان ثورة شعبية، فمن الطبيعي أن تجد فيها أعدادًا كبيرة من الثوار والسلاح أيضًا؛ فهي مختلفة عن الثورة التونسية أو المصرية، لاسيما من جهة تسليح الشعب؛ عبر أسلحة الجيش الليبي، أو من ’’الناتو’’، أو من أية مساعدات خارجية أتت إليه، بشكل أدى لانهيار المؤسسات الأمنية والحاجة لوقت لإعادة بنائها من الصفر، وهذا يستغرق وقتًا كي تعود الأوضاع لشكلها الطبيعي، وقد يستغرق هذا سنتين أو أكثر.
الحديث عن الحاجة لوقت لا يبرر اتساع رقعة الانفلات الأمني، وهو ما يظهر جليًّا في: اقتحام وزارات، واختطاف مستشار لرئيس الوزراء قبل إطلاقه لاحقًا. فما رأيكم؟
مشكلة الانفلات الأمني ظلت عصية على الحل رغم تشكيل عدد كبير من الوزارات، ولاشك أن حالة السيولة الشديدة التي شهدتها ليبيا إبان الثورة وبعدها تعد المسئول الأول عن هذا الانفلات، ناهيك أنه نتيجة ما عاناه شعبنا طوال 42 من ديكتاتورية العقيد الراحل، ومن ثَم فإن الاستخدام الخاطئ لأجواء الحرية هو من أنتج هذه الحالة من الانفلات، غير أننا نعول على أن صياغة الدستور واستكمال بناء مؤسسات الدولة ووجود نوع من الاستقرار السياسي سيؤدي إلى إنهاء مثل هذه الأجواء غير الملائمة لطبيعة الشعب الليبي.
امتيازات نفطية
رغم تعقيدات المشهد الداخلي إلا أن المخاطر لا تتوقف بحكم ما تمتلكه البلاد من ثروات جعلتها مطمعًا للقوى الغربية. فما تقولون في هذا؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أن ليبيا تعد بحكم ما تمتلكه من ثروات محط أنظار عدد من القوى الدولية الراغبة في الحفاظ على مصالحها، وهو ما يدركه الليبيون بشدة، بل إننا مستعدون للتعاون بأقصى قدر للحفاظ على هذه المصالح؛ كأن تحصل فرنسا على امتيازات نفطية لشركاتها، أو إقامة مشاريع في البنية الأساسية، وهو ما ينطبق على عدد من القوى الدولية أيضًا، ولكن من غير المقبول تمامًا تقديم أية تسهيلات على الأراضي الليبية، أو إنشاء قواعد عسكرية، وهذا أمر يحظى بدعم وتوافق من جميع القوى الوطنية الليبية.
شهدت مدن الجنوب الليبي -وفي مقدمتها ’’سبها’’- اشتعال مواجهات بين القبائل العربية و’’التبو’’ الإفريقية بشكل كان مثار انتقادات دولية. فكيف تفسرون هذا؟
’’التبو’’ لا يمثلون مشكلة إطلاقًا في ليبيا؛ فعددهم في كل الأراضي الليبية لا يتجاوز 25 ألفًا، ولا من المواطنين حاملي الجنسية الليبية ويشكلون 4:3٪، ومن ثَم فإن الأحداث المتوترة التي شهدتها مدن الجنوب تعود إلى لعبة ’’مصالح شخصية’’ تدار لصالح بعض ’’يتامى النظام السابق’’ الذي لم يُخفوا رغبتهم في إشعال الأوضاع وتفجير الأجواء، لاسيما أن أعدادًا كبيرة منهم لا تحمل جنسية ليبيا، بل إن الحكومة ترفض أن يتمتع بعضهم بحقوق المواطنة الكاملة، فضلاً عن وجود مصالح شخصية وراء تحريك هذه النزعات.
تأثيرات سلبية
لا يمكن -ونحن نتحدث عن مشاكل القبائل الإفريقية- أن نتجاهل تأثير الأحداث الدائرة في شمال مالي على مجمل الأوضاع في ليبيا. فما قولكم؟
تأثير الأحداث في مالي لا يتوقف على مالي ودول جوارها فقط، بل يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على جميع دول شمال وغرب إفريقيا، وذلك للوجود الملحوظ لـ’’القاعدة’’ في شمال مالي، وبالتالي فهذا التواجد في مالي وفي غيرها سيفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل دولي غير مسبوق، بشكل يهدد بإثارة قلاقل سيكون لها تأثيرها السلبي على جميع دول الجوار، وبالتالي فلابد من وجود مراحل للتنسيق للقضاء على هذا الخطر الذي يهدد بالانتشار في جميع هذه البلدان، وقطع الطريق على تدويل القضية، بشكل يفتح الباب أمام ترتيبات دولية لا تصب في صالح دول المنطقة.
طفرة مهمة
ومن مالي ننتقل إلى علاقات ليبيا العربية والتي شهدت موجات شد وجذب مع مصر، وأحاديث عن قيود على دخول المصريين، ثم حديث عن انفراجة بعد تسليم بعض المحسوبين على النظام الليبي السابق، وزيارة رئيس الأركان الليبي لمصر. فماذا تقولون؟
بعيدًا عن التفاصيل، فأنا أرى أن العلاقات المصرية الليبية علاقات إستراتيجية لن يضرها يومًا إجراءات هنا، أو بعض التعقيدات هناك، باعتبارها تأتي في إطار سيادة كل دولة، ومن ثَم فإن أي خلاف في علاقات البلدين يمكن تسويته في إطار العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، ولا أتوقع أن تشهد علاقاتنا أي توتر، بل إلى المزيد من النجاحات، وهو ما ظهر جليًّا خلال زيارة رئيس الوزراء ’’على زيدان’’ للقاهرة، وما تلاها من زيارة رئيس الأركان الليبي، وما يتردد عن عقد قمة ثلاثية بين مصر وليبيا والسودان، وبالتالي فنحن على مقربة من انفراجة تاريخية في علاقات البلدين تستطيع تجاوز أية عثرات قليلة.
هل التطور الذي تشهده العلاقات مع مصر يمكن تَكراره فيما يخص الوضع مع الجزائر التي شهدت علاقاتها بليبيا أزمات متتالية؟
العلاقات الليبية الجزائرية تجاوزت مرحلة التوتر، وعادت أجواء الهدوء والاستقرار لتسيطر عليها؛ بحكم الصلات التاريخية التي تربط بين البلدين، والحرص المتبادل بين الدولتين على تطوير العلاقات بينهما، باعتبار أن تطوير هذه العلاقات يصب في مصالح الشعبين والحكومتين، ويفتح الباب أمام تطور نوعي لهذه العلاقات.
*نوافذ
السبت 10 جمادى الآخرة 1434 الموافق 20 إبريل 2013
حوار/ عبد الرحمن أبو عوف
حذر فرحات الشرشاري السياسي الليبي البارز والقيادي السابق في ’’المجلس الوطني الانتقالي’’ من التداعيات السلبية لإقرار قانون العزل بشكل انتقائي أو إقصائي، لافتًا إلى أن القانون -حسب الصيغة المعروضة- يُقصي ملايين الليبيين؛ باعتبار أن أغلب المواطنين الليبيين عملوا مع القذافي، مشددًا على ضرورة قصر العزل على مَن ارتكب جريمة قتل أو اغتصاب أو نهب المال العام أو التآمر على ثورة السابع عشر من فبراير.
وتابع الشرشاري في حواره مع ’’الإسلام اليوم’’: إن هذا القانون -وطبقًا للضغوط التي يمارسها الإسلاميون- يهدد باستمرار أجواء الاحتقان والخلافات السياسية، لاسيما أن الصيغة المطروحة يبدو أن هدفها إقصاء الدكتور محمود جبريل، وكأنه يعيد للأذهان سعي قانون العزل في مصر لعزل شفيق وسليمان مما فتح الباب للطعن أمام دستوريته وإلغائه.
ولم يُخفِ الشرشاري ضيقه الشديد من أداء المؤتمر الوطني الليبي، لافتًا لإخفاقه في الوفاء بالملفين المهمين اللذَينِ كان يجب إنجازهما، وهما: الانتهاء من صياغة الدستور، وإعداد البلاد لانتخابات، لافتًا إلى أن التأخر في تحقيق هذين الإنجازين كانت له تأثيرات سلبية على الأوضاع الأمنية والخلافات السياسية.
وبدا الشرشاري حريصًا على التأكيد على سعي ليبيا لتطوير علاقاتها مع جميع دول الجوار -وعلى رأسهما مصر والجزائر- في ظل تعقيد المشهد الإقليمي والدولي بشكل يفرض ضرورة التنسيق بين هذه البلدان؛ لقطع الطريق على تدخلات دولية لا تصب بالضرورة في خدمة مصالح الدولة الليبية ولا دول الجوار.
الحوار مع القيادي السابق في ’’المجلس الوطني الانتقالي’’ تطرق لقضايا عديدة نوردها بالتفصيل في السطور التالية:
مضت أشهر على انتخاب المؤتمر الوطني الليبي دون أن تلوح في الأفق أية بوادر على نجاحه في الخروج بالبلاد من أزمتها الأمنية والسياسية. فماذا ترون؟
لا أخفي ضيقي من أداء ’’المؤتمر الوطني الليبي’’؛ فهذا المؤتمر الذي انتُخِب من قِبل الشعب كان مطالبًا بتنفيذ مهمتين أساسيتين، هما: صياغة دستور حديث لليبيا يكرس المواطنة ويفتح الباب أمام بناء دولة حديثة، وإعداد البلاد لانتخابات حرة. ولكني لا أعتقد أن المجلس الوطني حقق اختراقات مهمة على هذا الصعيد، لاسيما من جهة صياغة الدستور؛ حيث حدد الإعلان الدستوري المؤقت مدة 6 أشهر كحد أقصى لصياغة الدستور، وهو ما لم يتم حتى الآن، ولا أتوقع أن يسارع البرلمان لاتخاذ هذه الخطوة في ظل غياب التوافق السياسي بين الفرقاء الليبيين، وهو ما كانت له تداعيات سلبية أخرت انتخابات مجلس الشعب القادمة، لاسيما أن الدستور لم يُصَغْ ولم يُستفتَ عليه حتى الآن، باعتبار أن هذا الاستفتاء سيحل المؤتمر الليبي تلقائيًّا، وبعدها سيتم انتخاب رئيس الدولة وتسليمه السلطة، ومن ثَم فأنا أستغرب كثيرًا حالة التباطؤ في حسم عدد من القضايا الحيوية في الدستور، لاسيما فيما يتعلق بهوية ليبيا كدولة عربية وإسلامية لها امتداد إفريقي، أو فيما يتعلق باسمها سواء الجمهورية العربية الليبية أو الجماهيرية أو دولة ليبيا.
دستور حديث
ما مخاطر هذا التأخر في صياغة الدستور أو عقد انتخابات مجلس الشعب على الوضع السياسي الليبي بشكل عام؟
المؤتمر الوطني المتعثر منذ الجلسة الأولى لانعقاده رغم قراره خلال الجلسات الأولى بتشكيل لجنة لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية واختيار شخصيات من الداخل والخارج للمشاركة في صياغة الدستور ليصير دستورًا حديثًا معبرًا عن طموحات الشعب الليبي. ويبرر أعضاء المؤتمر هذه الخطوة بحجج ضعيفة؛ تارة بالأوضاع الأمنية، وتارة بالخلافات بين الكتل البرلمانية المنضوية تحت لافتة البرلمان. وأعتقد أن هذه الخلافات هي سبب التباطؤ في صياغة الدستور، وهي خلافات مرشحة للاستمرار لمدة ليست بالقصيرة، لاسيما أنها مرشحة للاستمرار لمدة ليست بالقصيرة بشكل سينعكس على الوضع السياسي العام.
هيمنة وإقصاء
يثير كثير من الساسة الليبيين مخاوف من هيمنة التيار الإسلامي على لجنة صياغة الدستور. فما رأيكم؟
لا أشاركك هذه المخاوف؛ فالحديث عن هذه الهيمنة غير منطقي، فاللجنة الدستورية التي تتكون من 60 شخصًا تشترط موافقة 40 منهم لطرح أحد بنود الدستور على الشعب للاستفتاء فقط، وأنه لا يحق لأي تيار أن يتدخل في تعديل أو وضع الدستور منفردًا. وهذه الهيمنة غير مقبولة جملة وتفصيلاً عند صياغة دستور يشترط أن يحظى بدعم وتوافق جميع الليبيين وليس تيارًا واحدًا لا يتمتع بالقوة أو النفوذ اللذَينِ يوفران له الفرصة للهيمنة على صياغة الدستور.
في هذه الأجواء أثار قانون العزل السياسي خلافات جمة بين القوى السياسية؛ فهناك من اعتبره مسعًى فقط لإبعاد القيادي البارز في المجلس الانتقالي السابق محمود جبريل، من خصوم الإسلاميين. فما هي رؤيتكم؟
ما أشبه اليوم بالبارحة؛ فمن يتذكر الضجة التي اشتعلت في مصر خلال الأجواء المحيطة بانتخابات الرئاسة الماضية يدرك تكرار ’’سيناريو’’ قانون العزل السياسي، وأنه كان موجهًا في الأساس لعزل الفريق أحمد شفيق أو اللواء عمر سليمان. لذا أعتقد أن مصير قانون عزل سياسي انتقائي وإقصائي لن يكون بعيدًا عن ما حدث في مصر. ثم دعني أتساءل: هل محمود جبريل وحده هو المحسوب على نظام القذافي؟! ألم يعمل حوالي 6 ملايين ليبي مع العقيد الهالك طوال 42عامًا. أنا شخصيًّا عملت مع النظام لمدة 8 سنوات في بداية حكمه، ولم ترُقْ لي الأساليب الاستبدادية والقمعية التي لجأ إليها النظام الحاكم، ومن ثَم أعتقد أن قانون العزل السياسي لن يكتب له المرور إلا إذا شمل: المتورطين في قتل أو سجن أو تعذيب المواطنين الليبيين، أو مَن سرق مالاً عامًّا أو خاصًّا، أو من تبني مواقف مضادة لثورة السابع عشر من فبراير.
سحب الثقة
يمارس التيار الإسلامي ضغوطًا مكثفة؛ لتمرير قانون العزل السياسي بصيغة بعينها. فهل ترى إمكانية نجاحه في تمرير هذا المخطط؟
لا يجب أن يعتقد البعض أن للتيار الإسلامي في ليبيا نفس القدر الذي يمثله نظراؤه في مصر وتونس؛ فهذا التيار لا يتجاوز ممثلوه في المؤتمر الوطني الليبي أكثر من 17مقعدًا، ولم يحققوا انتصارات تشبه ما حدث في مصر وتونس والمغرب، ومن ثَم فهم لا يشكلون القوى الأبرز في الساحة الليبية رغم ما يبذلونه من مجهود جبار لإشاعة أجواء من الفوضى، لدرجة أنهم لجئوا إلى التلويح بسحب الثقة من رئيس الوزراء ’’على زيدان’’، ولم يتراجعوا إلا برفض الشارع لهذه الخطوة، بل إنهم يركزون على قضايا لا تشكل أولوية بالنسبة للسواد الأعظم للشعب الليبي، مثل: العزل السياسي، ويتجاهلون قضايا خطيرة، مثل: التصدي لأكثر من 40 أو 50 مليون قطعة سلاح تملأ الأراضي الليبية، وهي المشكلة التي تؤرق جميع الليبيين مهما تعددت انتماءاتهم السياسية.
برلمان دائم
رغم الانتقادات التي وُجهت لسعي بعض الفصائل لتمرير قانون العزل إلا أن هناك مَن يعتبر أن المؤتمر الوطني الليبي هيئة انتقالية لا يحق لها إصدار قانون العزل السياسي. فما هي رؤيتكم؟
أدعم بشدة هذا الطرح؛ فهذا المؤتمر انتقالي، ولا ينبغي التصدي لتمرير قرار مصيري يتعلق بتحديد المستقبل السياسي لملايين الليبيين، فأمر خطير كهذا يستحق برلمانًا دائمًا حتى لا يكون هذا القانون عرضة للتشكيك أو الطعن في دستوريته، أو تحويله لأداة لتكريس الاحتقان السياسي بين فئات الشعب الليبي، ومن ثَم فإن قانونًا مهما كهذا يجب عرضه على الاستفتاء الشعبي، وشعبنا فقط هو مَن يحدد هوية من يعزله.
غير أن تحميل المؤتمر الوطني الليبي أو غيره هذه المسئولية يبقي أمرًا غير منصف، باعتبار أن أغلب الحكومات الليبية عجزت عن حل هذه المشكلة، بداية بالمجلس الانتقالي، ونهاية بحكومة زيدان. فما رأيكم؟
مشكلة السلاح والمسلحين لن تنتهي قريبًا؛ فبلادنا مترامية الأطراف تصل مساحتها لحوالي 2 مليون كيلو متر مربع، ولها حدود مع عدد كبير من الدول، وبالتالي فنحن نحتاج لوقت طويل حتى نطور الجيش والشرطة، وذلك في ظل حاجتنا لأعداد كبيرة من حرس الحدود قد تتجاوز 450 ألف جندي لضبط هذه الحدود المترامية.
صراعات قبلية
دول الربيع العربي لم تشهد حالات مماثلة لحالة الانفلات الأمني الذي شهدته ليبيا. فهل تفسر لنا هذا الأمر؟
لعل ما عقَّد المشهد في ليبيا هو ظهور النوازع القبلية والجهوية بعد التحرير، فضلاً عن أن ما حدث في ليبيا كان ثورة شعبية، فمن الطبيعي أن تجد فيها أعدادًا كبيرة من الثوار والسلاح أيضًا؛ فهي مختلفة عن الثورة التونسية أو المصرية، لاسيما من جهة تسليح الشعب؛ عبر أسلحة الجيش الليبي، أو من ’’الناتو’’، أو من أية مساعدات خارجية أتت إليه، بشكل أدى لانهيار المؤسسات الأمنية والحاجة لوقت لإعادة بنائها من الصفر، وهذا يستغرق وقتًا كي تعود الأوضاع لشكلها الطبيعي، وقد يستغرق هذا سنتين أو أكثر.
الحديث عن الحاجة لوقت لا يبرر اتساع رقعة الانفلات الأمني، وهو ما يظهر جليًّا في: اقتحام وزارات، واختطاف مستشار لرئيس الوزراء قبل إطلاقه لاحقًا. فما رأيكم؟
مشكلة الانفلات الأمني ظلت عصية على الحل رغم تشكيل عدد كبير من الوزارات، ولاشك أن حالة السيولة الشديدة التي شهدتها ليبيا إبان الثورة وبعدها تعد المسئول الأول عن هذا الانفلات، ناهيك أنه نتيجة ما عاناه شعبنا طوال 42 من ديكتاتورية العقيد الراحل، ومن ثَم فإن الاستخدام الخاطئ لأجواء الحرية هو من أنتج هذه الحالة من الانفلات، غير أننا نعول على أن صياغة الدستور واستكمال بناء مؤسسات الدولة ووجود نوع من الاستقرار السياسي سيؤدي إلى إنهاء مثل هذه الأجواء غير الملائمة لطبيعة الشعب الليبي.
امتيازات نفطية
رغم تعقيدات المشهد الداخلي إلا أن المخاطر لا تتوقف بحكم ما تمتلكه البلاد من ثروات جعلتها مطمعًا للقوى الغربية. فما تقولون في هذا؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أن ليبيا تعد بحكم ما تمتلكه من ثروات محط أنظار عدد من القوى الدولية الراغبة في الحفاظ على مصالحها، وهو ما يدركه الليبيون بشدة، بل إننا مستعدون للتعاون بأقصى قدر للحفاظ على هذه المصالح؛ كأن تحصل فرنسا على امتيازات نفطية لشركاتها، أو إقامة مشاريع في البنية الأساسية، وهو ما ينطبق على عدد من القوى الدولية أيضًا، ولكن من غير المقبول تمامًا تقديم أية تسهيلات على الأراضي الليبية، أو إنشاء قواعد عسكرية، وهذا أمر يحظى بدعم وتوافق من جميع القوى الوطنية الليبية.
شهدت مدن الجنوب الليبي -وفي مقدمتها ’’سبها’’- اشتعال مواجهات بين القبائل العربية و’’التبو’’ الإفريقية بشكل كان مثار انتقادات دولية. فكيف تفسرون هذا؟
’’التبو’’ لا يمثلون مشكلة إطلاقًا في ليبيا؛ فعددهم في كل الأراضي الليبية لا يتجاوز 25 ألفًا، ولا من المواطنين حاملي الجنسية الليبية ويشكلون 4:3٪، ومن ثَم فإن الأحداث المتوترة التي شهدتها مدن الجنوب تعود إلى لعبة ’’مصالح شخصية’’ تدار لصالح بعض ’’يتامى النظام السابق’’ الذي لم يُخفوا رغبتهم في إشعال الأوضاع وتفجير الأجواء، لاسيما أن أعدادًا كبيرة منهم لا تحمل جنسية ليبيا، بل إن الحكومة ترفض أن يتمتع بعضهم بحقوق المواطنة الكاملة، فضلاً عن وجود مصالح شخصية وراء تحريك هذه النزعات.
تأثيرات سلبية
لا يمكن -ونحن نتحدث عن مشاكل القبائل الإفريقية- أن نتجاهل تأثير الأحداث الدائرة في شمال مالي على مجمل الأوضاع في ليبيا. فما قولكم؟
تأثير الأحداث في مالي لا يتوقف على مالي ودول جوارها فقط، بل يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على جميع دول شمال وغرب إفريقيا، وذلك للوجود الملحوظ لـ’’القاعدة’’ في شمال مالي، وبالتالي فهذا التواجد في مالي وفي غيرها سيفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل دولي غير مسبوق، بشكل يهدد بإثارة قلاقل سيكون لها تأثيرها السلبي على جميع دول الجوار، وبالتالي فلابد من وجود مراحل للتنسيق للقضاء على هذا الخطر الذي يهدد بالانتشار في جميع هذه البلدان، وقطع الطريق على تدويل القضية، بشكل يفتح الباب أمام ترتيبات دولية لا تصب في صالح دول المنطقة.
طفرة مهمة
ومن مالي ننتقل إلى علاقات ليبيا العربية والتي شهدت موجات شد وجذب مع مصر، وأحاديث عن قيود على دخول المصريين، ثم حديث عن انفراجة بعد تسليم بعض المحسوبين على النظام الليبي السابق، وزيارة رئيس الأركان الليبي لمصر. فماذا تقولون؟
بعيدًا عن التفاصيل، فأنا أرى أن العلاقات المصرية الليبية علاقات إستراتيجية لن يضرها يومًا إجراءات هنا، أو بعض التعقيدات هناك، باعتبارها تأتي في إطار سيادة كل دولة، ومن ثَم فإن أي خلاف في علاقات البلدين يمكن تسويته في إطار العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، ولا أتوقع أن تشهد علاقاتنا أي توتر، بل إلى المزيد من النجاحات، وهو ما ظهر جليًّا خلال زيارة رئيس الوزراء ’’على زيدان’’ للقاهرة، وما تلاها من زيارة رئيس الأركان الليبي، وما يتردد عن عقد قمة ثلاثية بين مصر وليبيا والسودان، وبالتالي فنحن على مقربة من انفراجة تاريخية في علاقات البلدين تستطيع تجاوز أية عثرات قليلة.
هل التطور الذي تشهده العلاقات مع مصر يمكن تَكراره فيما يخص الوضع مع الجزائر التي شهدت علاقاتها بليبيا أزمات متتالية؟
العلاقات الليبية الجزائرية تجاوزت مرحلة التوتر، وعادت أجواء الهدوء والاستقرار لتسيطر عليها؛ بحكم الصلات التاريخية التي تربط بين البلدين، والحرص المتبادل بين الدولتين على تطوير العلاقات بينهما، باعتبار أن تطوير هذه العلاقات يصب في مصالح الشعبين والحكومتين، ويفتح الباب أمام تطور نوعي لهذه العلاقات.
*نوافذ