مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار مع:أنور مالك
أنور مالك .. شاهد على مؤامرة الجامعة العربية في سورية
أجرى الحوار: أ. أحمد أبو دقة
أرسلت جامعة الدول العربية بعثة مكونة من 67 مراقبا برئاسة الفريق (السوداني) محمد أحمد الدابي، وكان ذلك وفق خطة وضعتها الجامعة العربية وقبلها النظام السوري تقضي بسحب الجيش من المدن تمهيدا لعودة الأمور إلى طبيعتها. بدأت البعثة مهمتها في 26 ديسمبر 2011، و بدأت تلك المهمة تظهر علامات الفشل بعد انسحاب المراقب الجزائري أنور المالك من البعثة على خلفية تزوير التقارير الصادرة من قبل الجامعة العربية بشأن الأحداث الواقعة على الأرض، وفي 28 يناير من العام 2012 علقت الجامعة العربية مهمة البعثة، ولم يكشف النقاب عن أي تفاصيل حقيقية حول أسباب فشل البعثة في مهمتها، و كذلك لم تنشر الجامعة الأسباب الحقيقية وراء انسحاب أنور مالك ثم بعدها مراقبي دول الخليج من البعثة. عن هذا الموضوع حاور موقع مجلة ’’البيان’’ المراقب العربي السابق ’’أنور مالك’’ و دار الحوار التالي:

البيان/ كيف تم اختيارك في عضوية البعثة العربية التابعة لجامعة الدول العربية؟

أنور مالك: بالنسبة لسورية كانت عندي نظرة أتابع أخبار سورية ولكن أحيانا أشك بأن هناك مبالغة، حينما أشاهد الجزيرة والعربية و أبحث في القنوات السورية أجد فارقا كبيرا، لست متعاطفا مع أي جهة، لكن شخصيا أنا ضد الاستبداد، أعرف أن هناك استبدادا كبيرا في سورية منذ الأسد الأول و الثاني، هناك دولة استخباراتية بمعنى الكلمة، حتى اتصلت بي اللجنة العربية لحقوق الإنسان، سألوني حول إمكانية الذهاب كمراقب ضمن بعثة جامعة الدول العربية إلى سورية، وأبلغوني أيضا بأنهم اتصلوا بأشخاص لكنهم ترددوا وخافوا لأن الوضع سيئ جدا، مباشرة وافقت على هذا الأمر وكان في مطلع شهر ديسمبر، بعد أيام قليلة في يوم 19 قالوا إن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وقع مع أحمد بني حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية على البروتوكول، في ذلك اليوم أرسلوا إيميلا طلبوا مني أن أرسل جواز سفري إلى الجامعة العربية، يوم 24 ديسمبر سافرت لإسطنبول ومن إسطنبول إلى القاهرة، وقلت لنفسي دور المراقب أن تنسى قناعاتك و توثق ما تراه، وصلنا إلى الجامعة العربية واجتمعنا مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي وأحمد بن حلي نائبه وقالوا لنا أنتم في مهمة إنسانية و من أجل الحق و الحقيقة و لا نريد أحدا أن يحل لنا نحن العرب مشاكلنا ، ولا نريد أن تأتينا حلول من الخارج، التقى معنا صحفيون من كل الوكالات وقلنا نحن ذاهبون من أجل الحق و الحقيقة ولسنا مع الأسد أو ضد الأسد.



البيان/ كيف كانت الأمور حينما وصلتم إلى دمشق؟

أنور مالك: وصلنا إلى مطار دمشق، فتشونا كاللصوص، تم تفتش أجهزة التصوير و الهواتف، و رئيس البعثة الجنرال الدابي لم يستقبلنا، كنا 54 مراقبا و عملوا لنا طابورا، و استغرقت عملية تفتيشنا أكثر من ساعة، ثم أخذونا إلى القاعة الشرفية، قلت للمراقبين الجزائريين و التونسيين هذا غير لائق أول بعثة في تاريخ الجامعة العربية ولا يستقبلنا رئيس البعثة، سألت أحد موظفي الجامعة العربية في دمشق عن عدم استقبال الدابي لنا، قال الدابي مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري. وصلنا إلى الفندق بحراسة مشددة حوالي 20 سيارة ، هناك اجتمعنا مع الدابي، وقال لنا نفس كلام نبيل العربي ’’نحن مع الحق والحقيقة ولسنا مع أي طرف’’ .. جاب لنا قسما من قام بصياغته صاغه بإبداع بحيث كل من أقسم عليه لا يستطيع أن يتكلم، سواء في البعثة أو بعدها، فقلت له هذا غير لائق سيادة الجنرال، أنا كاتب حقوقي و يمكن أكتب ذكرياتي بعد البعثة، ثم قام بتحرير ذلك القسم و تغييره وكتب أثناء المهمة، ثم قال من يمشي معي بكرة سأزور حمص، الحقيقة أول من وقف فتاة كانت مديرة حقوق الإنسان في الجامعة العربية، بعد ذلك وقفت أنا و شخص آخر كان بجانبي و البقية مترددين، لأن الأخبار العاجلة أمامنا تتحدث عن قصف في حي بابا عمرو، وفي هذه المهمات التي يخرج في البداية يتعرض للمفاجأة. أنهينا الاجتماع حتى الواحدة صباحا، و في الخامسة صباحا توجهنا إلى فندق الشام حيث كان يقيم به الدابي، انطلقنا إلى مهمتنا وكانت معنا حراسة، تحدث لنا الدابي خلال الطريق إلى حمص عن اتهامات المحكمة الدولية له بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وقال كنت أدافع عن بلدي أنا قمت بمهمة في دار فور لصالح بلدي من أجل استتباب الأمن وهذه اتهامات باطلة.



البيان/ ماذا رأيتم في حمص وبابا عمرو؟

أنور مالك: وصلنا بعد العاشرة و النصف صباحا ، المسافة بين حمص ودمشق 160 كيلومترا، كل منطقة تخضع لكتيبة أمنية و من يستلمنا يسلمنا لمن يليه، استقبلنا المحافظ و كان معه جنرال و معه عقيد، وضع شاشة كبيرة و رحب بنا وقال حمص مفتوحة تحت أمركم، وضعنا خريطة حمص و بدأ يشرح لنا بعد ثلاث دقائق أشار إلى أسباب التصعيد في المنطقة وقال ’’ الوهابية والعرعور و العريفي’’ لم أشعر بطمأنينة هذه بداية غير موفقة، هذه التصنيفات لا يعنيني فيها شيء، سأله الدابي أين هؤلاء؟ هل يمكن أن نلتقي بهم؟ قالوا له هؤلاء في السعودية يفتون ويحرضون الجماعات الإرهابية(...) وبدأ يتحدث وكأنه يتحدث عن جبال توره بورا، ’’ والجماعات الإرهابية و تنسيق مع أفغانستان و مع القاعدة في العراق و القاعدة في اليمن’’ ... المهم بعد ذلك انقسمنا إلى فوجين كنا 10 مراقبين معنا واحد سعودي اسمه خالد الربيعان مقدم سابق في المخابرات، ومدير مكتبه (محافظ حمص) هو عقيد اسمه أكرم، أخذونا إلى حي عكرمة قتل فيه الصحفي الفرنسي جل جاكيه، أدخلوهم هناك وحرضوا عليهم خرجت مظاهرات مؤيدة وحاصرو السيارات و السيارات محتجزة بين الجماهير والله سمعت بإذني يهتفون ’’لا إله إلا بشار’’، دخلنا بابا عمرو أول صدمة كانت مخالفة البروتوكول، رفضوا إدخال حراسة معنا إلى بابا عمرو ونحن أردنا الدخول إلى الحي، و البروتوكول ينص على وجود حراسة، وهذا يفرحهم أن البعثة تخالف البروتوكول. و الفوج الثاني أخذه إلى حي السباع. البروتوكول يقول’’ أمن المراقبين تتحمله الدولة ’’ وهم قالوا ’’بابا عمرو الدولة لا تدخله لأن به جماعات إرهابية’’. هم يريدون تحميل البعثة أي مكروه قد يحصل للمراقبين أثناء وجودهم في الحي و غايتهم من ذلك إبعادنا عن الأحياء المنكوبة و إجبارنا على الذهاب لأحياء الموالاة.

في شارع البرازيل يوجد حاجز عسكري عليه علم الجامعة العربية و السلاح موجه إلينا، وصلنا إلى مدخل الحي وجدنا البيوت مهدمة والرصاص في كل مكان حتى آثار الدماء على الجدران أحيانا تجد قطع لحم من بشر، بدأ الناس يخرجون من بيوتهم في الشوارع كأنهم ’’موتى خرجوا من القبور’’، تقدموا باتجاهنا يشكون لنا ’’أنقذونا من 25 يوما ما أكلنا القناصة ما يخلونا نخرج أول مرة نرى الشمس، تشتتنا، افترقنا’’. لم تمر ساعة حتى تجاوز عددهم الخمسة آلاف شخص يهتفون مطالبين بإسقاط النظام ومحاكمة بشار الأسد المجرم، تجمع ناشطون و شكلوا سلسلة بشرية حولنا، أول ما وصلنا سقط عدد من الشبان في قصف، رأينا الدماء وقطعا من اللحم لاصقة في الجدران، كان والد أحد الشهداء يبكي فتقدمت منه كي أصبره و قلت له قدر الله وما شاء فعل، هو في حدود التسعين لحيته بيضاء، فقال أنا لا أبكي لأن أولادي استشهدوا أنا أبكي لأني لا أملك شيئاً أقدمه للثورة السورية.



البيان: ما المواقف التي أظهرت لكم كمراقبين وجود خداع تتعرضون له من قبل النظام؟

أنور مالك: أثناء وقوفنا في حي بابا عمرو سقطت قذائف و صورت هذه القذائف التي سقطت، الدابي تحدث معي وقال لي هذه سلاح دبابات سماها لي قال ’’ 72 ’’ أو ما شابه لا أذكر.. وقال تسقط من 15 كيلومترا،فسألته كيف عرفت، فقال لي ’’ تجربتي’’ .



مشينا إلى حاجز عسكري متمركز عند مؤسسة استهلاكية غذائية في كل زاوية قناصة و رأينا ثلاثة أو أربع دبابات وعربات نقل جنود جيش، شاهدنا آثار جيش، الدابي اقترب.. فجاء عسكري يترجى في الجنرال الدابي أنقذونا الإرهابيون يريدون قتلنا، (التقط له صورة) .. قبل ما نمشي أبلغنا الثوار بأن ثلاثة عسكريين قتلوا لأنهم أرادوا الانشقاق و الجثث بداخل الموقع، خرجنا العقيد قائد الحاجز رحب بنا و طلب منا الذهاب برفقته لرؤية ثلاثة شهداء، صعدنا الطابق العلوي وجدنه قد رمى الجثث في أقذر مكان في المؤسسة الاستهلاكية ، فقلت له والله لو عندي قط ومات لدفنته في التراب و لا أضعه في مثل هذا المكان، أول ما لمست الجثة وجدت أن الجثث مثل ’’الحجر’’ يابسة وكأنهم ماتوا قبل خمسة أيام، وجدت الضربة من الخلف بنفس المستوى وكأنهم معدومون إعدام، فسألت العقيد، قال قتلوا أثناء المواجهة، فسألته كيف قتلوا في مواجهه وهم مضروبون بنفس المستوى و في نفس الجهة؟! أجاب إجابات غير مقنعة، ثم جاء لي عسكري أثناء تفحصي للمكان، و همس في أذني: العقيد يكذب عليك هو الذي قتلهم، التزمت الصمت وظننت أنه عمل مخابرات يريدون اختبارنا.



البيان/ ذكرت فيما سبق عن محاولات للدابي لكسب ثقتكم، هل توجد شواهد على ذلك؟

أنور مالك: من تلك المواقف أنا خرجنا من شارع البرازيل إلى شارع آخر في كفر عايا، أطلق علينا الرصاص، استنجد الدابي بنبيل العربي وقال له اطلب من وزارة الخارجية أن توقف القصف، واصلوا القصف و اضطررنا للمغادرة ورجعنا للمحافظة، الدابي هناك بدأ بحوار حاد مع المحافظ، قال للمحافظ أنتم تقصفون الحي ونحن فيه، فرد عليه المحافظ قائلا: نحن نقصف أبناءنا!! هؤلاء الإرهابيون، هذه قوارير غاز يطلقها الإرهابيون، فقال له الدابي بنبرة قوية ’’ احترم نفسك أنت تتكلم مع الجنرال الدابي، أنا ابن السلاح’’.

فرحت بيني وبين نفسي حينما لمست الصدق، بعد ذلك فكرت في نفسي، هل يريد أن يسجل موقفا ليكسب ثقة المراقبين؟ أو أنه تغير بعد ما شاهده. تركنا في الفندق 4 مراقبين، ورجعنا إلى دمشق ونحن في الطريق اتصلت بالدابي وكالة أنباء، فأبلغها بأن الأمور جيدة و كل شيء على ما يرام، رجعنا ثاني يوم لنكمل المهمة في ذلك اليوم تم قنص طفل اسمه أحمد محمد الرعي، عمره خمس سنوات، كنت أقف بجنب الدبابات، و الدابي يتحدث مع عقيد في الجيش، حينما سقط الطفل رأيناه يتخبط في التراب من الضربة، فقلت له هذا الولد قتل بطلقة قناص من العمارة فقال الدابي لا تتحدث بهذا الكلام، جاء والد الطفل وهو يحمله نحونا، وكنت حاملا كاميرتي فصورته وبثته قنوات تلفزيونية، وكتبت ورقة وأعطيتها للدابي وطلبت منه الاحتفاظ بها، فاجأني برميها، استفسرت منه عن سبب رميه الورقة، فقال لي:كيف عرفت من قاتله؟ ثم أكمل حديثه قائلا: البروتوكول يعطيني صلاحيات محددة وهي أن أسجل الحادثة فقط، ولا يعطيني الحق في التحقيق و لا يعنيني من قتله، قلت له هذه العمارة دخلناها وفيها ثكنة عسكرية للجيش النظامي في الطابق الأرضي فهل يعقل أن يكون الثوار في الطابق الثاني، إذا كان الأمر كذلك فيجب أن نرحل لأن النظام السوري يتلاعب بنا.

غادرنا، ونحن في الطريق اتصلت به وكالة أنباء رويترز أو الفرنسية فقال لها الوضع مطمئن و الأمور على طبيعتها، فقلت له أوقف الاتصال أوقف.. فسألته كيف تقول أن الوضع مطمئن؟! قـُتلت امرأة وقـُنص طفل والناس تبكينا وقتلها الجوع و قصف الحي أمامنا، أين مطمئن؟! .. قالي أنت فهمت غلط هي تسألني هل تعرضتم إلى اختطاف؟ ... لأن في نفس اليوم فريق المراقبين الآخر في حي باب السباع القناصة استهدفوهم واضطر الثوار لأن يأخذوهم لبيت تحت الأرض وانقطعت الاتصالات لعدم توفر هواتف سوى الهواتف الدولية، وبثت قناة دنيا أن المراقبين تم اختطافهم في حمص، وتبين كذب الخبر حيث قام الثوار باستضافتهم في أحد الأقبية وأكرموهم، قلت للدابي يجب أن نشكل خلية إعلامية من المختصين في البعثة نقوم بإعداد بيان ونرسله للجامعة العربية وهي التي تنشره، أبلغته بأنه عسكري ولا يعرف آلاعيب الإعلام، رفض نصيحتي، و نصب نفسه ناطقا للإعلام باسم البعثة، في أول يوم للبعثة وقبل سفرنا من القاهرة خرج شخص اسمه المحجوب يدعي أنه مراقب وهو كاذب لم يكن معنا مراقب باسم المحجوب، ساءت الأمور ورجعت معه إلى حمص، في اليوم التالي، وبدأ النظام يتلاعب فينا.


البيان/ تحدثت فيما سبق عن مسرحيات للنظام، ما قصدك بذلك؟

أنور مالك: يأخذنا إلى مكان ويحضر شبيحة على أساس إنهم مواطنون، امرأة تعد مكياج إنها عجوز، في اليوم التالي نفسها تجدها طبيبة في عيادة، مرة ثانية تستقبلك في الأمن السياسي، ومرة تأتيك بصفتها زوجة إرهابي و تشتكي للحكومة تريد مساعدتها حتى يسلم نفسه.

مرة أيضا دخلنا إلى مدرسة فوجدنا رجلا يحمل صورة ولد، وعاملا يحمل خلفه علم النظام و الاخبارية السورية و قنوات النظام موجودة، فقلت له من هذا؟ قال هذا ابني قتلته السعودية و أمير قطر، فسألته، كيف قتلوه فهمني؟! فأجاب،هما يرسلان الإرهابيين ليقتلوا أبناءنا وبدأ يشتم جميع الدول العربية ويبكي ويذرف الدموع.. بعد ثلاثة أيام نفس الصورة مع أب ثان، فقال لي: القاعدة التي جاءت من العرق وقتله الزرقاوي، هو رجل عمره 45 سنة، فقلت له هذا الطفل رأيته ووالده في مكان آخر، قلي كيف عنده أب في مكان آخر؟ فأجبته، والله إني التقطت له صورة مع أب ثاني و أخبرني بأن من قتله ملك السعودية، فاختتمت حديثي معه قائلا:’’ يا أخي المسرحيات هذه لا أريدها دور على ضرتك ونحن موجودين في فندق السفير. المخابرات لما شفوني غضبوا و أخرجوه’’.

بعد ذلك ذهبنا لمستشفى عسكري لزيارة الجرحى، أحدهم لم أرتح لشكله، ويظهر على وجهه الصحة و العافية، فسألته كيف أصبت؟ قال: ضربت بالرصاص منذ أربعة أيام، فتحت مكان الجرح فوجدت ضمادة نزعتها بسرعة ولم أجد أي جرح !!.. لما كشف أمره جاء ضابط مخابرات وقال لي هذا عنده حالة نفسية لأن بيته قصف وزوجته قتلت، نحضره للعلاج النفسي في المستشفى بسبب عقدته النفسية.

ثم ذهبنا إلى الأمن السياسي، بالاتفاق مع المحافظ، من النزاهة أن ندخل على الزنزانات مباشرة لكن عميد الأمن السياسي أدخلنا في مكتبه الخاص و أحضر لنا أنواع كثيرة من الحلويات و الشاي، و من التاسعة حتى الساعة الحادية عشرة و النصف حتى سمحوا لنا بدخول الزنزانات، دخلنا إلى زنزانة كبيرة فيها 50 سجينا، قلت لهم السلام عليكم فردوا بنفس الجواب، فقلت لهم هل ينقصكم شيء؟ ، أجابوا: ’’ لا ينقصنا شيء و الحمد الله’’، و كانت ألسنتهم على نفس الجواب, أنا سجين سياسي سابق واتضح لي أن إجابتهم تم تلقينها لهم، وأعرف هذه الألاعيب، أحيانا نقرأ في الجريدة أن منظمة حقوقية زارت المساجين و لم يحصل، ذلك إدارة السجن تقوم بجلب الحراس في السجن وإلباسهم ملابس سجناء ثم يسمحوا للحقوقيين بزيارته، أنا كنت متأكد أن في وسطهم ضباط مخابرات، المساجين إذا عاشوا لفترة طويلة في زنزانة واحدة تجد عليهم نفس الرائحة، وجدت ثلاثة سجناء الدماء تجري في عروقهم وفيهم عافية، فسألت أحدهم كم يوم لك في السجن، أجابني: ستة أيام. طلبت منه ومن اثنين آخرين أحدهما كان يضع عطرا نسائيا أن يخرجوا خارج الزنزانة.!

تحدثت مع المساجين الباقين فقالوا هؤلاء الثلاثة هم الضابط الذين يشرفون على تعذيبنا، هناك جرحى ومعذبون اقتربوا من الموت لكنهم نقلوهم إلى أماكن أخرى حتى لا تشاهدوهم، كنا معهم أنا و المراقبين فقط و أغلقنا باب الزنزانة علينا.

ثم ذهبنا إلى زنزانة أخرى، ويبدو أنهم غيروا الخطة، جلسنا في الزنزانة الأولى نصف ساعة تقريبا جاءنا واحد، أخرجوا شخصا يتحدث ويقول أنا كنت مع تنظيم القاعدة وغرر بنا وقتلت شبابا و نساء و هدمت بيوتا، فسألت العميد عنه، فقال لي هذا من تنظيم القاعدة قمنا بملاحقته بالسيارات و ألقينا القبض عليه ومعه سلاح، فأمر بإحضار السلاح فجاء ثلاثة جنود معهم ثلاثة قطع سلاح و سبعة قنابل يدوية، فوجئت بأن كل جندي جاء بسلاح لوحده، صورت هذا الشاب، و بعد يوم واحد أخذونا إلى مكان فقمت بالتصوير حتى رأيت نفس الشخص في مظاهرة تهتف لبشار الأسد!

واصلوا في هذه المسرحيات، في أحد المواقف أيضا قتلوا عقيدا من عائلة روجي وابنه هاني، ونحن في الأمن السياسي طلبوا منا رؤية جثته، رأسه رأيته متفجرا، و الرصاصة أصابته برأسه، فسألت طبيب كان بجواري، بماذا قتل، برصاص متفجر؟! فقال لي صحيح برصاص متفجر، طلبت منه أن يعد لي تقريرا بذلك، ذهب الطبيب ليحضر التقرير وجلست أنتظره ثم سألت ضابطا كان بجواري أين الطبيب الذي ذهب يحضر التقرير، قال لي أنا الذي كنت تتحدث معي لم يكن هنا أي طبيب موجود، فعرفت أن المخابرات التي قتلته لتأجيج الطائفية بين المسيحيين وأهل السنة. في اليوم التالي من المفترض أن نذهب لحضور مراسم دفنه وإذا بسكرتيرة المحافظ تبلغنا بأنه تم دفنه مساء أمس، فقلت لها هل الكنائس تفتح ليلا عندكم؟! فأجابت بأن أهله يريدون دفنه بسرعة. بدا لي وأنهم يريدون دفن السر مع الرجل.



البيان: ما أبرز المشاهد التي تألمت لها؟

أنور مالك: بدأت التقارير تـُزّيف و الدابي يمشي في طريق آخر، جثة وقفت عليها صاحبها اسمه عبد الكريم الدرويش، أمه عمياء فقدت بصرها على ابنها رمضان الذي قتل في سجن سلمايا في 2008، لما دخلت وجدتها تحتضن الجثة وتصرخ، رأيتهم قد سلخوا جلده كما يسلخ الخروف وبطنه فتحوها وقاموا بتنحية الأعضاء الداخلية و قاموا بإغلاقه ’’بالكباس’’، قال لي الدابي كيف تتهم الدولة ما دليلك؟ فقلت له المستشفى العسكري أعطانا الجثة.. عبد الكريم درويش قبل ثلاثة أيام أسرته أعطتنا صورته و أبلغتنا بأنه معتقل في مدرسة البعث في جوبر وعندهم معلومات أنه هناك واعتقل حيا، قال الدابي: ما تدخلونا في متاهات و المعارضة تكذب، فأجبته: كيف تكذب و المحافظ هو الذي أعطانا الجثة؟!

في أحد المواقف أيضا: وقفت على حاجز عسكري سألت أحد القناصة كيف تقتل أبناء شعبك، قال المسلحين فقط، قلت له هل رأيت أنت سلاح ؟ قال لا، إذا كيف تقتل؟! قال القيادة شافت.



البيان/هل لمستم نزعة طائفية وسط المدنيين؟

أنور مالك: لمسنا الطائفية في الأحياء الموالية، يسير جنبك في الشارع يشتم عائشة رضي الله عنها و الصحابة بكلام سيئ جدا، ويحاولون استفزازك لكي تضطر للرد عليه، كانت قناة الدنيا تصور، يريدون منك أن تشتم حتى يتهموك بالطائفية، جاء أحدهم بجواري يشتم المقدسات فقلت له: لماذا تشتم عائشة رضي الله عنها؟ ،هذه أمي، فقال لي هي ليست أمي، فقلت له، أعرف، هي أم المؤمنين.



البيان/ما الأسباب التي دعتك إلى الانسحاب من بعثة الجامعة العربية؟

أنور مالك:بقيت أيام في البعثة، وبدأت مرحلة التلاعب في التقارير وتزييفها، فلا يكتب الدابي فيها شيئا، كان يسجل الناشطين على أنهم صحافة، والبروتوكول ينص على أن الصحافة يجب أن تكون أجنبية مستقلة دولية، وينفي وجود قصف أو أي ملاحظات أخرى من الشواهد التي رأيناها.

وصلت لقرار بأني صرت شاهد زور، و وصل موعد التقرير وإذا التزمت بالصمت وفيه اسمي كمراقب أنا سأتحمل شهادة زور.



البيان/هل حاولت المخابرات السورية شراءكم؟

أنور مالك: كان يأتي ضابط المخابرات يعرض علينا شحن هواتفنا مجانا حينما نعطيه المال لشحنها، بعد ذلك أحضروا 13 امرأة و معهم شاب على أنهم موظفون في جمعية المرصد السوري لضحايا العنف و الإرهاب وأسكنوهم معنا في الفندق، فقلنا للمحافظ أسكنوهم في فندق آخر، فقال كل الفنادق متوقفة إلا هذا الفندق، قلنا له نرفض أن يسكنوا مع المراقبين، تحولت بعد ذلك الأمور إلى تحرش و منهم واحد عراقي مراقب اسمه الموسوي تزوج زواج ’’متعة’’ هناك، في إحدى المرات جلسنا في جلسة لكي يعطي كل واحد انطباعاته، فقلت أنا إن الأحياء السنية تتعرض لإبادة، فوقف هذا المراقب العراقي وانتفض وقال كيف تقول هذا الكلام أنت طائفي، فقلت له قل أنت إن الأحياء العلوية تتعرض للإبادة وقدم أدلة، أنا لدي أدلة على ما أقول، فقلت له أنت شيعي فقال أنا سني فاتهمته بالكذب أمام المراقبين، كان الجميع يلاحظ أن المراقبين العراقيين يذهبون للصلاة في غرف لوحدهم، ويرفضون الصلاة معنا.

بعد ذلك رأيته خارجا من غرفة بنت من بنات جمعية المرصد، وقع أمام نظري أمر لا أقبله فذهبت إليه وسألته كيف تقترف هذا الأمر ، فقال لي تزوجتها زواج متعة. وأقر بأنه شيعي. فقلت له: الله يرزق أهلك زواج متعة، فقال لي كيف تهين لي زوجتي؟!! فأجبته: إذن كيف تقبل الإهانة على نفسك ؟ دخلنا في متاهات وتركته.



البيان/ هل صحيح أنهم كانوا يضعون لكم أدوية في الطعام؟!

أنور مالك: بعض الأشخاص لم يطمئنوا لهم، كنا نشعر بأنهم في الصباح يضعون لنا أدوية في الأكل تجعلنا نعاني من حالة’’ إسهال’’ حتى إنني كنت أشرب الحليب ربع ساعة ما أستطيع أطلع من غرفتي، بقيت عشرة أشهر أُعالج من هذه الأدوية، في المساء يضعوا مواد جنسية في الأكل، كان معنا جنرال كبير في السن كاد يموت.وكان الهدف أن لا نخرج للمراقبة.

كنت أشعر دائما بصداع في الرأس ، بدأت أشك بأنهم قد يضعون مخدرات ليحولونا إلى مدمنين، كنت أذهب لما أرى آصف شوكت وأتناول طعامي معه لأن هناك مراقبة على طعامه حيث يقوم اثنان من حراسه بتناول الطعام قبله ثم يأكل هو بعد إجراء فحوصات لهم، فكان يقول لي لديك أكل خاص بكم، فكنت أجيبه بأن طعامنا تضعون فيه أدوية و ’’بلاوي’’!.



البيان/لماذا تحدثت للصحافة؟

أنور مالك: نشرت المخابرات السورية بيانا باسم ثوار حمص طالبوا فيه الثوار بعدم التعاون معي ومع مراقبين آخرين وهم ( انور مالك و إسلام أبو العنين و محمد حسين عمر )و قالوا في البيان بأن هؤلاء الثلاثة أعضاء في المخابرات السورية، فاتصل بي الثوار و أبلغوني بانهم يعلمون جيدا كذب المخابرات السورية. بعدها قررت الكتابة على الفيس بوك، في تلك الليلة كتبت عن التعذيب و عن واقع الشعب السوري، كنت موجودا في حمص، قمت في الصباح يوم الجمعة 6 يناير صليت الاستخارة و هاتفت والدي ، شعرت بفرحة و شعرت بالطمأنينة، والدتي في فرنسا قالت لي ادعوا ربي يوفقك لكن لا تعود لنا على الباطل، لم يوفر لنا إنترنت في الغرف لذلك نزلت إلى قاعة ’’ الاستقبال’’ وهي مليئة بالكاميرات لمراقبة الأعضاء، نشرت كلمتي على كل الفضائيات، و بعد ذلك سرقت صفحتي على الفيسبوك وبدأ الهاتف يرن والتهديدات تأتيني وأنا في حمص، فقلت في نفسي يجب أن أتكلم و أقوم ببصمتي هنا وإلا اتهموني بأي شيء أو حتى بسرقة أموال البعثة و الهروب إلى أوروبا، للتغطية على الموضوع.



البيان/موقف الدابي من هذا الموضع؟

أنور مالك : الدابي اتصل بي وقال لي: ماذا فعلت، حنثت بقسمك!. قلت لماذا؟ قال لماذا تحدثت مع وكالة الفيسبوك، قلت الفيسبوك ليست وكالة أنباء هذه لعبة نقوم مع بعض الأشخاص باللعب مع بعضنا البعض، فقال لي أتيت لتراقب أو تلعب، لعبتك حطموها لعبتك!! خذ بالك و انتبه.

بعد ساعتين نشرت قناة الدنيا خبرا مفاده أن السفير أنور مالك يُكذب ما نشرته القنوات المأجورة، ولم تغلق صفحته على الفيسبوك، بعدها نشر بيان من الجامعة العربية حول الموضوع، فاتصلت بالدابي، وسألته من الذي نشر البيان؟ أجاب: لمصلحتك ويجب أن تصمت حتى تتم الأمور على خير، قلت له هل هذا تهديد؟ قال لما تصل إلى دمشق أشرح لك، هاتفت الجامعة العربية رد علي مدير مكتب نبيل العربي ، فسألته عن موضوع البيان و أظهرت رغبتي في الحديث مع نبيل العربي، رفض الأمر وقال العربي يتحدث فقط مع الدابي مسؤول البعثة.

جلست أربعة أيام في الفندق أرفض الخروج مع البعثة، وطالبت بتغيير الغرفة لأن نافذتها على الشارع، و جلست في غرفة أسفل غرفة آصف شوكت.بعد ذلك بدأت حملة تشويه في الصحف السورية حول شخصيتي واتهموني بقتل الأطفال في الجزائر و الهروب إلى فرنسا ، واتهموني بالإرهاب و غير ذلك، اتهموني بالعمالة للفرنسيين، وبعد ذلك اتهموني بسرقة أموال الجيش، وأكثر من عشر تهم اتهمتني بها الصحف المحلية، وغيرها .. آخرها قالوا بأني ضابط في المخابرات الجزائرية وأساعدهم في اختراق الجماعات الإسلامية.

بعض المراقبين وقفوا معي ورفضوا تركي وحيدا حتى الطعام أكلوه معي خوفا من اغتيالي حتى يوم 9 يناير، قررت السفر إلى دمشق لأن الدابي ذهب إلى الجامعة العربية ليسلمهم التقرير الأول، انطلقت الساعة التاسعة صباحا حتى الحادية عشر والنصف وضباط المخابرات يقولون بأن السيارة ذهبت لتعبئة الوقود، والمحطة بعيدة 20 متراً عن الفندق انطلقنا باتجاه طريق لأول مرة يأخذنا على حي باب عمرو هناك وصلنا جسر جوبر أو جسر جامعة البعث و الرصاص أطلق علينا كان سائق سياراتنا ضابط مخابرات عراقي تمكن من المناورة والهروب من الرصاص حتى تجاوزنا الجسر، أصيبت السيارة و توقفنا بعد الجسر، وجدت أن اثنين من الحراس أصيبوا أحدهما مات.

فتحت الباب وظهرت صحفية في قناة الدنيا تسألني ماذا حدث لهم، فقلت لها: عجيب لي عشرين سنة أعمل في الإعلام لأول مرة أرى الإعلام يسبق الحدث، حتى ينال السبق الصحفي، قلت لها: ماذا تفعلين هنا؟! قالت كنت مارة بالصدفة فسمعت الرصاص وتوقفت، فقلت لها: اسألي مصالح الأمن لأنهم هم من فبرك العملية، حتى بين الجسر و بين باب عمرو يوجد حاجز عسكري، ويوجد بيوت مليئة بالقناصة، مستحيل الجيش الحر يعلم بأنني متهم بتأييده ويقوم بقتلي وحاجزه بعيد لا يمكن أن يصل رصاصه إلى هنا.

فاجأني شخص كان واقفا بجواري فقال لي .. يا أيها البكريون .. يا أحفاد عائشة.. و تحدث بشتائم لا يستطيع الإنسان أن يتلفظ بها.. فقلت للصحفية شغلي الكاميرا.. وقلت له : أنا أعتز بأني حفيد الصحابة و بجميع صحابة رسول الله رضي الله عنهم، لكن أنت حفيد من؟ و قناة الدنيا تسجل لكنها لم تبثه.. قال لي أحد المراقبين هذا شبيح و معه سلاح، قلت له أكثر شيء سيفعلونه بي هو أن عمري انتهى.. ويستحيل أن يكرروا العملية في الطريق.



البيان/ما موقف اللواء الدابي من عملية الاغتيال؟

أنور مالك: تحدثت مع الدابي وقلت له تعرضت لمحاولة اغتيال، فقال لي:(فعل معزول) ، الفعل المعزول هو تصرف فردي و أن الفعل (غير المعزول) هو عمل منظم تقوم خلفه جهات معينة. مؤخرا الجيش الحر اعتقل الخلية إلي حاولت قتلي واعترفوا بمحاولة قتل ثلاثة مراقبين من بينهم أنا.

قلت للدابي هذه مهمة قذرة وهي شهادة زور،وسألته: هل كتبت الأشياء التي أرسلتها لك في التقرير؟، أجابني : أنت تكتب .. رأيت جثة .. سمعت الرصاص.. قلت له لما كتبت لك أني رأيت دبابة أو جثة يعني أن الدولة لم تلتزم بالبروتوكول الذي ينص على سحب الدبابات من الأحياء، ويعني أني سمعت الرصاصة فيعني ذلك وجود عنف.. قال لي: أنت تريد المغادرة وأقسمت على عدم التحدث لوسائل الإعلام .. واتركنا نكمل مهمتنا رجاءً.. و صباح الغد غادر.



البيان/كيف خرجت من دمشق؟

أنور مالك: ثاني يوم طلبت التذاكر رفض ذلك .. وقال لي أنت تبقى في فندق الشرتون تأكل وتشرب و إذا أردت أن تزور أماكن سياحية في دمشق فيوجد سيارة تقلك ولكن لا تغادر. قلت له لماذا.. قال بعد مشاورات قررنا أن لا تغادر.. قلت له أريد أن أغادر.. فقال لي أنت مجنون وتريد أن تمشي الأمور على ’’مزاجك’’، قلت له في اجتماعنا مع نبيل العربي في أول يوم للبعثة قال يحق لكل مراقب الانسحاب وهذا حقي.. انتظرت ثلاثة أيام قال الدابي : لا نملك مالا كي نحجزلك، عرفتها لعبة منه، حتى يوم 10 يناير، فقلت له إذا لم أغادر اليوم سأتصل بالأمم المتحدة لأبلغهم بأنني مراقب و تم محاصرتي وأريد النجدة، كان يوجد مراقب مصري قاموا بترتيب حجزه ثم ألغوا ذلك الحجز، أثناء قيامي بجولة أمام الفندق رأيت مكتب سياحي فذهبت له وقلت له : هل تحجزون تذاكر قال لي نعم فقلت له ما هي الرحلات لهذا اليوم، في طائرة القاهرة و الدوحة واسطنبول، القاهرة و اسطنبول وجدت صعوبة في إخراج تأشيرة اسطنبول و القاهرة أما تأشيرة الدوحة فسهلة من خلال الإيميل يرسلوها لي، اتصلت بصديق لي جزائري يعمل في قناة الجزيرة فقال لي أعملك ولكن توعدنا بأن يكون أول حوار لك مع قناة الجزيرة ..وصلتني التأشيرة عبر الايميل، و دخلت لمركز الأعمال في الفندق وطبعت التأشيرة، الآن صرت أفكر كيف أصل المطار.. سألت أحد الضباط عن الدابي، قال لي في اجتماع مع ضباط المخابرات يستغرق اجتماعهم ساعتين.. ذهبت إلى موظف الجامعة العربية في الفندق واسمه ’’فتحي’’ قلت له لدي مهمة من قبل اللواء الدابي وأريد الذهاب إلى المطار، قالي أوصلك الآن... أخذت حقائبي و توجهنا إلى المطار.. التأشيرة مكتوب فيها ’’شبكة الجزيرة’’ خشيت أن يروها وبدأت أقرأ القرآن و الدعاء..كل تقارير البعثة معي في الحقائب..أخذوني بحمد الله إلى قاعة التشريفات و أخذوا جوازي وختموه ومشي معي ضابط المخابرات ووضع الحقائب في الطائرة و هو يعتقد أن الطائرة ذاهبة للقاهرة.. ذهبت لأركب الطائرة قبل الوقت فقالت لي المضيفة لا يزال يوجد وقت.. ( كنت أعلم أن القانون الدولي يعطي الحصانة للطائرة وتكون ضمن سيادة الدولة المالكة لها) ركبت في الدرجة الأولى وكنت متخوفا جدا بسبب وجود الأمن.. كنت على الهاتف مع صديقي في قناة الجزيرة.. وقال لي إذا أغلق الهاتف سنذيع خبرا بأن مكروها حدث لك.. غادرت الطائرة دمشق ونظرت إلى دمشق من نوافذ الطائرة وذرفت دمعتي وقلت في نفسي والله سأعود يوما إليك يا دمشق.. وصلت الدوحة وبعد ساعة خرجت على الهواء مباشرة للحديث عما يجري في سورية ولم يكون القائمون على البرنامج يعلمون بماذا سوف أتحدث حتى لو أيدت النظام السوري.. بدأت وكالات العالم تتصل بي..رجعت صباحا فوجدت خبر انترنت ..ضجة كبيرة..خرج الدابي يصرح وينفي كلامي بعد الحوار مع الجزيرة بربع ساعة... فقلت المفترض أن ينتظر حتى لا ينكشف كذبه ربما لو قال سنحقق في المعلومات التي قالها أنور مالك.. كان يقول أنور مالك لم يغادر الفندق.

بعد ذلك قال أنور مالك خرج معي ليوم واحد وبقية الأيام كان مريضا و مقيم في الفندق، بعد ذلك أخرج النشطاء له فيديوهات لكل الأيام التي خرجت معه فيها موثقة بالتاريخ.. لم أخرج من الفندق لمدة أربعة أيام بسبب الاستقالة.. بعد ذلك تم اغتيال الصحفي الفرنسي جل جاكيي لتوجيه الرأي العام الدولي، بدأت تأتيني تليفونات و يتم تهديدي بنشر صوري وأنا في الحمام عاري وغيرها من الأمور.



البيان : هل الجامعة العربية متواطئة؟
أنور مالك :بعد ذلك طلعو التقرير..التقرير الذي أرسلوه لم يحرره أي مراقب .. اجزم 90 بالمئة تم تحريره في وزارة الخارجية السورية، وسُلّم للدابي وهو عمل كبريد فقط.

أعتقد أن الأمور من البعثة نفسها ولكن إصرار نبيل العربيعلى اختيار الدابي كان مساهمة في هذا الأمر، ونبيل العربي كان يرفض أن يستمع لأي مراقب، هذا أكبر دليل على التواطؤ.. التزوير كان يتم على مستوى الأفواج ثم على مستوى غرفة العمليات وبعد ذلك على مستوى البعثة ثم في القاهرة.


البيان/كيف تقيم موقف الدابي ؟

أنور مالك: اللواء الدابي يمكن أن نقول إنه إما جاء بأجندة مسبقة وقام بعمل مسرحيات حتى يكسب ثقة المراقبين.

احتمال الثاني أنه أخذ رشوة لأنه كان يسهر بشكل مستمر مع رامي مخلوف في نادي الشرق في دمشق وهذا أمر مؤكد، وسمعت بها في دمشق.

الأمر الثالث بأنه تم تصويره في وضع غير أخلاقي لأن سلوكه كان غير أخلاقي في ذلك الوقت.



البيان: كيف تعاملت مؤسسات حقوق الانسان الفرنسية مع قضية أنور مالك ؟

أنور مالك :أخذوا كلامي و طالبوا بسحب البعثة بعد شهادتي، أكثر من أربعين منظمة طالبت بسحب لجنة المراقبين العرب حتى قالوا ’’ أنور مالك أطلق رصاصة الرحمة على البعثة العربية’’، ما زادني قوة موقف السعودية حينما سحبت ممثليها في البعثة، وتبعتها دول التعاون الخليجي، وهذا قوى موقفي بعد مغادرتي 21 مراقب غادر بعدها بثلاثة أيام.



البيان: لماذا لم يتحدث مراقبون آخرون ؟

أنور مالك: عدم حديثهم لعدة أسباب، الغالبية الساحقة موظفون في المخابرات بوزارات الخارجية، ودولهم التي أرسلتهم، وكل مراقب أدى مهمته وجهز تقريرت قدمه لحكومة بلاده وهي تستفيد من التقرير، وكل دولة لديها مصالح مع الدول لذلك لا تريد الخوض في صراعات مع دول أخرى، وكذلك مجموعة من الحقوقيين في المنظمة العربية لحقوق الإنسان رئيسهم أمرهم بعدم الحديث.. وكذلك مراقبون تابعون لهيثم مناع وهو طرف أصلا في الأزمة السورية وصلتني معلومات بأن بعض المراقبين يتعرضون للابتزاز، ويطلب منهم التحدث و القول بأن سورية تتعرض لمؤامرة و فيها جماعات إسلامية مسلحة وأن أنور مالك كاذب وغير ذلك.



البيان/ ما هي خلاصة تجربة أنور مالك في سورية؟

أنور مالك: النظام لا يؤمن إلا بالنار وتصفية الطرف الآخر وهو نظام طائفي، حينما تزور الأحياء السنية تجد الصواريخ و القذائف تنزل عليهم، و في الأحياء العلوية تجدها نظيفة ومزروعة بالورود، حتى شكل البنايات تجد الاختلاف بينها، و المدارس تجدها متواضعة بسيطة و مدمرة في الأحياء السنية، لكن في الأحياء العلوية تجدها مدارس راقية مزودة بأجهزة كمبيوتر .. حتى المساجد يتم الانتقام منها ويتم إعدام ميداني للمصاحف، أطلقوا النار على المصاحف وتغوطوا عليها، سألت محافظ حمص، من فعل ذلك ؟ قال لي الجماعات الإرهابية. فقلت له ما هي مصلحتهم؟! كان يُكتب في محاريب المساجد ’’لا إله سوى بشار’’... هناك مخطط لإبادة أهل السنة في حمص جهات خارجية تريد تسليم حمص للعلويين كتخطيط لدولة علوية، حتى الذخيرة قطعت عنهم، المصادر التي كانت تدعمهم توقفت، يريدون إرسال بعثة سلام دولية وهذه البعثة دائما تفصل بين طرفين، وهذا مخطط الإبراهيمي يريد أن يقسم بين الجيش الحر والنظام و هو فصل بين كيانين مختلفين، وهذا لا ينجح لأن التوزيع السكاني مختلف فتجد علويين في مناطق سنية(...) الناس ممتزجون فيما بينهم ويصعب الفصل، وهم يريدون من الشعب أن يمل، إطالة الأزمة ضغط نفسي على الثورة لأنه كلما طالت الأزمة قبل أطرافها بأي حلول وهم لا يريدون للثورة أن تنتصر، لأن أمن ’’إسرائيل’’ خط أحمر.



البيان/ أستاذ أنور مالك أشيعت عن شخصك معلومات عدة، منها أنك ضابط مخابرات سابق، من هو أنور مالك؟

أنور مالك: أنا ضابط في مصلحة الإعلام والتوجيه، وهي هيئة صحفية تابعة للجيش الجزائري، و كنت أعمل رئيس تحرير مجلة الطالب وهي تتحدث عن الثقافة العسكرية، ولم أشتغل في المخابرات الجزائرية يوما، حاليا أنا في حكم الفار من الجيش الجزائري، والسبب في ذلك أنني كنت أكتب في السياسة في صحف جزائرية بأسماء مستعارة حتى تم كشفي عام 2001، بعد ذلك كتبت صحف أجنبية أن الجيش الجزائري فيه انقسام وكان ذلك بناءً على إحدى كتاباتي الصحفية، واعتقلت وقضيت نصف سنة في السجن، ثم عدت إلى الخدمة، وبعد ذلك كتبت عن التعذيب في السجون الجزائرية و طغيان النظام، فقاموا بنفيي إلى حدود موريتانيا، ثم بقيت في بيتي أكتب في الصحافة حتى تعرضت للسجن، بعد ذلك حصلت على جواز مزور ، كشف أمري واعتقلت وتعرضت للتعذيب و المرة الثانية سجنت بسبب وزير دولة تم ضبط ابنه بتهمة تعاطي المخدرات و كشفت أمره، بعد ذلك تم تلفيق تهمة الإرهاب لي، قضيت سنة في السجن بعدها تعرفت على شخص يزور الوثائق و أحضر لي جوازا مقابل مبلغ مالي، أثناء سفري عبر الحدود التونسية كشف أمري من قبل ضابط جزائري ولكن دفعت له مبلغا ماليا وذهبت إلى إيطاليا ثم إلى فرنسا وقدمت لجوء وتم قبوله.



البيان: انتهى الحديث مع عضو بعثة المراقبين العرب السابق أنور مالك لكنه قبل نهايته أراد أن يذكر قصة فيها تجسيد جميل للواقع السوري حول فتاة تسننت بعد أن اعتقلها الجيش السوري الحر، وإليكم القصة كما يرويها الأستاذ أنور مالك :

التقيت بفتاة علوية كانت تساهم في اختطاف بنات أهل السنة، تركب في سيارة تنتظر أمام الأسواق لاختطاف بنات أهل السنة، تقول بنفسها، مجرد ما يدخلوا البنات السيارة، تغلق السيارة و يتم اختطافهم، وجدتها محجبة و لديها طفلان فقلت لقائد المجموعة التي تحتجزها، أريدك أن تسمح لي بأخذها وإرجاعها إلى أهلها، قال لي اسمع لها ماذا تقول، فقلت لها هل تتعرضين لضغط؟ أجابـت: لا.

قلت لها ألا تريدين العودة لعائلتك و أطفالك؟! فقالت : لا أريد العودة للعلويين و النصيرين وأبنائي لهم الله أنا أسلمت ولا أريد العودة إليهم. وجدتها مكرمة معززة، قائد المجموعة أخذها إلى بيته تعيش مع والدته وزوجته، ولا يريد لها أن تجلس في السجن، فقلت له كيف موقفكم ؟! قال هي أسلمت وعصمت منا دمها، قالت لي إنها تأمل أن يختطف الجيش الحر أبناءها ويحضرهم لها.

فطرحت عليها سؤالا أخيرا، لماذا هذا الإصرار على عدم العودة هل تخافين؟ قالت العلويون يمكن أن يقبلوك وأنت عميل ’’لإسرائيل’’ إلا إن كنت من أهل السنة فقد تقتلني أمي بنفسها، و ختاما فإن قناعتي مما رأيت في سورية بأن المشروع الصفوي إذا استمر فإن ما يجري في سورية سيجري في كل البلدان العربية، لأنه مثل السرطان يستشري إذا لم نحاربه في المهد.

:: ’’البيان’’
أضافة تعليق