حوار مع التيار السلفي في تونس
مصطفى زهران ونهى عثمان
استفدنا من التجربة السلفية فى مصر رغم اختلاف الواقع
- تم رفض حزبنا مرتين لعدم تمكيننا من دخول الانتخابات
- تم استيراد اللحى المصطنعة مثلما حدث فى الجزائر فالتخطيط واحد والتنفيذ بأيادٍ تونسية
- نسعى لتطبيق الشريعة بعد فترة من الزمن.. والإعلام التونسى شوَّه التيار السلفى
- الغرب أقنع حركة النهضة بعدم محاكمة رموز النظام السابق
- مرسى اتخذ قرارات جريئة لخدمة الثورة المصرية
- طالبنا بإدراج الشريعة فى مسودة الدستور الجديد وأن تكون المرجعية الوحيدة لكل القوانين
- الشيعة انتشروا فى تونس عقب الثورة والنظام الحاكم أعطاهم الفرصة لذلك
بعد أن منحته السلطات التونسية ترخيصًا قانونيًا لتأسيسه بات ’’حزب جبهة الإصلاح’’ أولَ حزب سلفى فى تونس؛ ليرتفع بذلك عدد الأحزاب فى تونس إلى أكثر من 118 حزبًا.
ويدعو ’’حزب جبهة الإصلاح’’ الذى يعرّف نفسه بأنه ’’حزب سياسى أساسه الإسلام ومرجعه فى الإصلاح القرآن والسنّة بفهم سلف الأمّة’’ إلى إقامة دولة إسلامية تُحكم وفقًا للشريعة، وذلك بعد عامين من ثورة اللوتس.
’’المصريون’’ حاولت فك شفرة الواقع التونسى فكان هذا الحوار مع رئيس حزب جبهة العمل والإصلاح الدكتور ’’محمد خوقة ’’ أحد أهم الأسماء البارزة فى الحركة الإسلامية بتونس وأبرز مؤسسى حزب جبهة العمل والإصلاح السلفى، ليروى لنا واقع التيار السلفى فى تونس، وما هى مستجداته وأهدافه لتطبيق الشريعة الإسلامية ورؤاه للواقع التونسى الآن بعد صعود حركة النهضة الإسلامية للحكم.
- بداية: متى كانت الانطلاقة الحقيقية للتيار الإسلامى فى تونس؟
كانت الانطلاقة الحقيقية للتيار الإسلامى بشكل عام فى السبعينات من الألفية السابقة، فكانت تسمى الصحوة الإسلامية، وكانت تضم جميع رموز التيار الإسلامى التى كانوا مستمدين تربيتهم الإسلامية من القرآن والسنة النبوية.
- لكن ماذا حدث بعد ذلك من انشقاقات؟
لم تحدث انشقاقات لكن البعض ابتعد عن مجال الدعوة تدريجيًا والتربية الإسلامية الصحيحة واتجه إلى السياسة وهم الأخوة اللذين عرفوا باسم الاتجاه الأسلامى أولًا ثم بعد ذلك بحركة النهضة، وبقيت جبهة الإصلاح كما هى على نفس المنهج، وأسسنا فى أواخر الثمانينات تنظيمًا سريًا يسمى الجبهة الإسلامية فى تونس.
- ولكن كيف كان واقع التيار السلفى إبان فترة حكم الرئيس السابق بورقيبة والمخلوع ’’بن على’’، وكيف كانت المنطلقات الأولى لهذا التيار؟
- فى الحقيقة فى عهد بورقيبة وعهد بن على لم نكن معروفين على الساحة إلا قليلًا لكن عندما اتضح الأمر فى 1988 تمت محاكمتنا فى العام 1990 بتهم الاحتكام لجمعية سرية غير مرخصة، وذلك حتى لا نحاكم محاكمة سياسية، فدخلنا السجون بموجب قانون تأسيس الجمعيات والأحزاب، لكنها كانت محاكمة سياسية فى بدء المحاكمات، ودخل عدد من القياديين السجون, ثم تدريجيًا عندما أصدر بن على قانون الإرهاب صرنا نحاكم بتهم الإرهاب السياسية، بسبب توزيع المنشورات واجتماعات غير مرخص فيها تجميع الأموال وغيرها من الأعمال السياسية.
- علمًا بأن تسمية التيار بالسلفى لم تكن موجودة من قبل بل صارت موضة ظهرت بعد الثورة فكنا قبل ذلك نسمى بالإخونجية أو الرجعيين ثم مع صعود التيار الوهابى أطلقوا علينا الوهابيين، ثم جاءت ثورة إيران فأطلق علينا الخومانيين، وهكذا إلى أن انطلقت ثورة اللوتس وبعدها أطلق علينا السلفيون.
_ما هى أبرز الأسماء والقيادات فى جبهة الإصلاح؟
- هناك الموجود منها على الساحة السياسية وهناك من اعتزل والموجود منها مثل فؤاد بن صالح رفيق العودى، منصور الشاوى، وهؤلاء هم الممارسين للعمل السياسى.
_ كيف استقبلت الحركة السلفية الثورة التونسية؟
- الجبهة الإسلامية بتونس كان آخر محاكماتها فى 2006، وحكم عليهم بالسجن لمدة 5 سنوات، وخرج جميع المنتمين للجبهة الإسلامية من السجون فى أعقاب الثورة، وفتح باب الحريات على مصراعيه، وتكونت الأحزاب والجمعيات، وقررنا المشاركة فى العمل السياسى بعد أعوام من العمل التنظيمى السرى، وقلنا نعمل مراجعة ونؤسس حزبًا بحكم وجود الحرية، ولى ملاحظة أضعها بين قوسين ’’العمل السرى أسهل من العمل العلنى’’.
_ وماذا عن تأسيس حزب جبهة العمل والإصلاح؟
- فى مارس 2011 تقدمنا بطلب ترخيص لتأسيس الحزب تحت اسم حزب جبهة العمل والإصلاح، وقد رفض هذا المطلب مرتين لأسباب لم تكن قانونية أو إدارية إنما كانت سياسية، لأننا كنا نستجيب دائمًا لشروط تأسيس الأحزاب فكان الترخيص تأتى الموافقة عليه من قبل الأمن ووزارة الداخلية خاصة أن المؤسسين لهذا الحزب معروفون لديهم، وكان النظام بقيادة القائد السيبسى الذى شكل الحكومة الثانية بعد سقوط بن على يرفض لأسباب واهية، وكانت قبيل الانتخابات بقليل حتى لا نستطيع أن ندخل البرلمان، وكان السبب عدم بروز التيار الإسلامى فى الانتخابات التشريعية.
لكن مع كل ذلك استطعنا أن نخوض الانتخابات، وشاركنا عبر قوائم مستقلة حتى ندخل فى العمل السياسى العام ليس للحصول على مقاعد إنما للحصول على تجربة سياسية والانفتاح والتواصل على باقى الأحزاب، وكى نقدم مشروعنا للمجتمع التونسى.
_ كيف استقبل المجتمع التونسى التيار السلفى؟
- قبل الثورة ما كان هناك تفرقة بين إسلامى وليبرالى وعلمانى، ولم تكن هناك تسميات بهذا الشكل حتى كان من مصلحة النظام آنذاك تجميع كل التيارات الإسلامية فى سلة واحدة ثم بدأت حرب المصطلحات فسمعنا حرب الإرهاب ثم قانون الإرهاب لكن المجتمع التونسى كان يستخدم التيار ككل ثم ظهرت حرب المصطلحات من جديد بعد الثورة، وأن نسبة 99.9 ما كان يسمع كلمة ’’سلفى’’ لكن بعد الثورة بدأ الإعلام يروج لذلك عبر تقارير المخابرات الغربية التى كانت تقدم كل شىء لعملائها من الأحزاب اليسارية والعلمانية، ووجهوا الإعلام لتشويه صورة الإسلاميين لتسميتهم للمجتمع أن هذا هو الغول القادم للشعب التونسى، وكذلك التضخيم الذى وصل إلى استيراد اللحى المصطنعة مثلما حدث فى الجزائر فمن خطط هو واحد والتخطيطات تنفذ بأيادٍ تونسية.
- كيف تعاطى الحزب مع حزب النهضة؟
للأسف الشديد الغرب يتحكم الآن فى قواعد اللعبة، وفى تقديرى أن الغرب استطاع أن يوهم حركة النهضة بشكل أو بآخر بمجموعة من الأشياء أهمها ابتعاد حركة النهضة بشكل كبير عن محاكمة عناصر النظام السابق بدعوى عدم خلق مشكلات ضد الثورة، وبدأت النهضة تتخلى عن هذا الملف بالرغم من أن الحملة الانتخابية وعدت الشعب التونسى بمحاكمة رموز وعناصر الفساد، وعندما وصلت للحكم تخلت تحت ضغط من العلمانيين واليساريين، فى هذا الملف بالرغم من أن الأحاديث المعلنة تطالب بتتبع الفاسدين لكن ما يجرى على أرض الواقع هو العكس وبمجرد أن أعلنت الحركة أنها بصدد إقرار أو تمرير مشروع معين قانون لملاحقة الفاسدين من رموز بن على, انطلقت بجميع أنحاء البلاد الاعتصامات وقطع الطرقات حتى تدخل الحكومة فى متاهة, ما جعل حركة النهضة تتراجع شيئًا فشيئًا ثم جاء إعلان حركة تفاوض بين الشيخ راشد ليقول إننا لا نريد إقصاء أحد، ونخشى من جانبنا من تسلل رموز نظام بن على للبرلمان فى ظل عدم وجود قانون لعزلهم.
_ أين يقع حزب جبهة الإصلاح من خريطة المشهد السياسى؟
- الحزب حزب نشأ منذ عشرة أشهر تقريبًا، ونحاول أن نتابع المشهد السياسى العام، ونعمل فى صمت خلال المرحلة الانتقالية, وفى تقديرى أن المرحلة القادمة فرضت علينا الاهتمام بالعنصر البشرى وخاصة الشباب.
_ ما موقفكم من الدستور الجديد لتونس لاسيما وهو فى مراحله الأخيرة؟
- نحن نتابعه عن كثب، وهناك رائحة للإسلام فى الدستور لكن مذاقه ليس إسلاميًا بالمرة، فهو مذاق ليبرالى علمانى، والمجتمع لا يقبل هذا الدستور، فمواده لا تعبر عن الشعب المسلم، ولهذا فإن جبهة الإصلاح تقدمت بمطالب متعددة للمجلس الوطنى التأسيسى بإدراج الشريعة الإسلامية فى الفصل الأول للدستور، وإدارجها كمرجعية وحيدة لكل القوانين، فالشريعة هى صمام الأمان للمجتمع.
- وصحيح أن العلمانيين واليساريين بأيديهم وسائل الإعلام للضغط على الشارع لكن ليس لهم قاعدة شعبية بعكس مصر فهناك إلى حد ما قاعدة شعبية للعلمانيين لكننا فى تونس العلمانيون واليساريون يستخدمون الدين والشريعة كفزاعة لتخويف الشعب دون الاتكاء على ظهير شعبى قوى.
_ وماذا عن تخوفاتكم من الدستور الجديد؟
هناك كثير من الفصول التى تثير بالفعل تخوفاتنا فدستور ما بعد الثورة لابد أن يكون ملبيًا لمطالب الشعب المسلم والقضاء على سياسة تجفيف المنابع التى بدأت منذ عهد بورقيبة، والتى وصلت لحد محاربة الدين باسم التقدم والحداثة والحرية فرأينا بورقيبة يفتى بالإفطار فى نهار رمضان، فالثورة جاءت ضد ذلك، والناس بتطبيق الشريعة والرجوع إلى أصول الدين السمحة واتباع الصحابة والسلف الصالح فنحن لا نفرق بين الدين والدولة والسياسية ونرى أنه يجب أن يتم التأسيس لمنهج فى السياسة تبعًا للمنهج الإسلامى.
ولكن ليس شرطًا أن يتم كتابة مواد محددة فى الدستور لأنه كتابتها لا تمنع من عدم تطبيقها.
_ هل ممارسات السلفية الجهادية فى تونس تعوق مسيرة الإسلاميين؟
نحن لا نبرر تلك التصرفات فى استعمال القوة والعنف لكن لنقل لماذا هذه التصرفات فأغلبها ردود أفعال لممارسات النظام السابق وأيضًا هناك تشدد فى الدين وعدم قبول الفكر المخالف وعدم القبول الحوار مع الغير خاصة أن أغلبهم شباب ليس لديهم علم، وقد كانوا شبابًا لا يهتم بالدين ثم أقتنع أن الدين هو الحل لهذا المجتمع, وهم يحاولون تطبيق الدين بحذافيره دون مراعاة للواقع والآخر، ويحاول الإعلام استغلالهم لضرب الإسلام، وليس التيار السلفى فقط، فالإسلام واحد لدى اليساريين والعلمانيين والغرب.
_ كيف تنظرون إلى تجربة التيار السلفى فى مصر بمختلف أحزابه, خاصة بعد الثورة المصرية؟
- تعدد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لا يضر بالعكس هو فرصة طيبة لتنمية الفكر الإسلامى وزيادة للحوار حتى يتقبل الشباب المسلم الحوار, وتجربة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فى تونس.
وهناك مشكلة مهمة، وهى الانتقال من العمل الدعوى إلى العمل السياسى، وكان من الأفضل الانتظار قليلًا لنضوج الفكر والممارسة السياسية، حيث إن تلك التيارات غير مؤهلة للعمل السياسى، وكانت بعيدة عن ممارسته، وكان لابد من الانتظار حتى تتم عملية النضج وإيجاد الكوادر والكفاءات السياسية.
وهناك كثير من الأخطاء التى وقع فيها التيار الإسلامى الذى دخل السلطة حتى فى مصر فالمجتمع اختار التيار الإسلامى ليس اقتناعًا بأنه الأجدر، ولكن بحكم العاطفة حيث عانى هذا التيار من التهميش والظلم طيلة الفترات السابقة ودخل السجون ولابد من تحقيق بعض الوعود التى وعدها التيار الإسلامى وتوضيح رؤيتهم حول المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولابد من الإيمان بالتغيير التدريجى ويجب أن نتذكر دائمًا أن الشعب المسلم يريد أن يرى عديدًا من الأحلام والطموحات متحققة فى عالم الواقع.
هل استفدتم من التجربة الإسلامية فى مصر؟ -
- بالطبع رغم أن لنا واقعًا آخر غير الواقع المصرى خاصة أننا رأينا أنه لابد من التريث فى حسم قراراتنا وخطواتنا السياسية حتى نصل إلى مشروعنا فليس شرطًا أن يكون الآن، وإنما قد يكون بعد سنتين أو ثلاثة أو بعد عشر سنوات، فنحن نحاول تغيير عقلية المجتمع التونسى, فالثقافة الغربية متغلغلة ومتأصلة فيه, نعيش مثل الغرب نستهلك مثل الغرب ومع ذلك نحن مسلمون ونقيم الصلاة ونحيى بالشعائر التعبدية لكن يجب تغيير العقلية, وتطبيق الشريعة يجب أن يكون خطوة خطوة حتى لا يتخذ الشعب موقفًا مضادًا من الشريعة.
- إذن تطبيق الشريعة الإسلامية جزء لا يتجزأ من أهدافكم السياسية فى المستقبل؟
- نعم هذا ما نسعى إليه، وهو هدف لنا لكنه هدف بعيد لكن الفترة الأولى لابد من إقناع بتغيير عقلية الشعب، ولكن لا يجب أن نختزل الشريعة فى تطبيق الحدود وقطع اليد فواقع التخويف يجعلنا نتريث فى ذلك.
_ ماذا عن تقيمكم لفترة لراشد الغنوشى والرئيس محمد مرسى؟
- الغنوشى - رئيس حركة النهضة - وعلى رأسها له تأثير على الحكومة لكننا لا نعلم استراتيجية حركة النهضة، وكيف ستحقق أهدافها التى وعدت بها, أما مرسى فهو رئيس جمهورية الآن لا يمكن أن نقارن بينهما, وندعو له بالنجاح فكانت له قرارات جريئة اتخذها لخدمة الثورة المصرية .
_ وهل افتقدت تونس هذه الخطوات والقرارات الجريئة؟
- نعم فليس هناك أية قرارات جريئة, إنما هناك هروب من المسئولية ولو كانت قرارات النهضة فى أول الثورة بسن القوانين اللازمة لإبعاد فلول النظام القديم لم يكن يتجرأ الفلول على الدين أو على السلطة الشرعية، فقد استطاعوا أن يكونوا الأحزاب، ويتلفظون بأقوال وأفعال مخالفة للثورة، وهذا كله ضد الثورة.
_ كيف تنظرون فى جبهة الإصلاح لمخططات إيران فى المنطقة ومحاولات التمدد الشيعى لاسيما تونس؟
- بعد الثورة أصبح الشيعة ينتشرون فى عدد من محافظات تونس، ولدينا تخوفات من ذلك لكن النظام هو من أعطاه الفرصة، لذلك فبروز هذا المذهب لم يكن فى السر والنظام لديه علم بما يتم ولا يمانع فيه بدعوى الحرية والديمقراطية التى أنعشتها الثورة>
*المصريون
مصطفى زهران ونهى عثمان
استفدنا من التجربة السلفية فى مصر رغم اختلاف الواقع
- تم رفض حزبنا مرتين لعدم تمكيننا من دخول الانتخابات
- تم استيراد اللحى المصطنعة مثلما حدث فى الجزائر فالتخطيط واحد والتنفيذ بأيادٍ تونسية
- نسعى لتطبيق الشريعة بعد فترة من الزمن.. والإعلام التونسى شوَّه التيار السلفى
- الغرب أقنع حركة النهضة بعدم محاكمة رموز النظام السابق
- مرسى اتخذ قرارات جريئة لخدمة الثورة المصرية
- طالبنا بإدراج الشريعة فى مسودة الدستور الجديد وأن تكون المرجعية الوحيدة لكل القوانين
- الشيعة انتشروا فى تونس عقب الثورة والنظام الحاكم أعطاهم الفرصة لذلك
بعد أن منحته السلطات التونسية ترخيصًا قانونيًا لتأسيسه بات ’’حزب جبهة الإصلاح’’ أولَ حزب سلفى فى تونس؛ ليرتفع بذلك عدد الأحزاب فى تونس إلى أكثر من 118 حزبًا.
ويدعو ’’حزب جبهة الإصلاح’’ الذى يعرّف نفسه بأنه ’’حزب سياسى أساسه الإسلام ومرجعه فى الإصلاح القرآن والسنّة بفهم سلف الأمّة’’ إلى إقامة دولة إسلامية تُحكم وفقًا للشريعة، وذلك بعد عامين من ثورة اللوتس.
’’المصريون’’ حاولت فك شفرة الواقع التونسى فكان هذا الحوار مع رئيس حزب جبهة العمل والإصلاح الدكتور ’’محمد خوقة ’’ أحد أهم الأسماء البارزة فى الحركة الإسلامية بتونس وأبرز مؤسسى حزب جبهة العمل والإصلاح السلفى، ليروى لنا واقع التيار السلفى فى تونس، وما هى مستجداته وأهدافه لتطبيق الشريعة الإسلامية ورؤاه للواقع التونسى الآن بعد صعود حركة النهضة الإسلامية للحكم.
- بداية: متى كانت الانطلاقة الحقيقية للتيار الإسلامى فى تونس؟
كانت الانطلاقة الحقيقية للتيار الإسلامى بشكل عام فى السبعينات من الألفية السابقة، فكانت تسمى الصحوة الإسلامية، وكانت تضم جميع رموز التيار الإسلامى التى كانوا مستمدين تربيتهم الإسلامية من القرآن والسنة النبوية.
- لكن ماذا حدث بعد ذلك من انشقاقات؟
لم تحدث انشقاقات لكن البعض ابتعد عن مجال الدعوة تدريجيًا والتربية الإسلامية الصحيحة واتجه إلى السياسة وهم الأخوة اللذين عرفوا باسم الاتجاه الأسلامى أولًا ثم بعد ذلك بحركة النهضة، وبقيت جبهة الإصلاح كما هى على نفس المنهج، وأسسنا فى أواخر الثمانينات تنظيمًا سريًا يسمى الجبهة الإسلامية فى تونس.
- ولكن كيف كان واقع التيار السلفى إبان فترة حكم الرئيس السابق بورقيبة والمخلوع ’’بن على’’، وكيف كانت المنطلقات الأولى لهذا التيار؟
- فى الحقيقة فى عهد بورقيبة وعهد بن على لم نكن معروفين على الساحة إلا قليلًا لكن عندما اتضح الأمر فى 1988 تمت محاكمتنا فى العام 1990 بتهم الاحتكام لجمعية سرية غير مرخصة، وذلك حتى لا نحاكم محاكمة سياسية، فدخلنا السجون بموجب قانون تأسيس الجمعيات والأحزاب، لكنها كانت محاكمة سياسية فى بدء المحاكمات، ودخل عدد من القياديين السجون, ثم تدريجيًا عندما أصدر بن على قانون الإرهاب صرنا نحاكم بتهم الإرهاب السياسية، بسبب توزيع المنشورات واجتماعات غير مرخص فيها تجميع الأموال وغيرها من الأعمال السياسية.
- علمًا بأن تسمية التيار بالسلفى لم تكن موجودة من قبل بل صارت موضة ظهرت بعد الثورة فكنا قبل ذلك نسمى بالإخونجية أو الرجعيين ثم مع صعود التيار الوهابى أطلقوا علينا الوهابيين، ثم جاءت ثورة إيران فأطلق علينا الخومانيين، وهكذا إلى أن انطلقت ثورة اللوتس وبعدها أطلق علينا السلفيون.
_ما هى أبرز الأسماء والقيادات فى جبهة الإصلاح؟
- هناك الموجود منها على الساحة السياسية وهناك من اعتزل والموجود منها مثل فؤاد بن صالح رفيق العودى، منصور الشاوى، وهؤلاء هم الممارسين للعمل السياسى.
_ كيف استقبلت الحركة السلفية الثورة التونسية؟
- الجبهة الإسلامية بتونس كان آخر محاكماتها فى 2006، وحكم عليهم بالسجن لمدة 5 سنوات، وخرج جميع المنتمين للجبهة الإسلامية من السجون فى أعقاب الثورة، وفتح باب الحريات على مصراعيه، وتكونت الأحزاب والجمعيات، وقررنا المشاركة فى العمل السياسى بعد أعوام من العمل التنظيمى السرى، وقلنا نعمل مراجعة ونؤسس حزبًا بحكم وجود الحرية، ولى ملاحظة أضعها بين قوسين ’’العمل السرى أسهل من العمل العلنى’’.
_ وماذا عن تأسيس حزب جبهة العمل والإصلاح؟
- فى مارس 2011 تقدمنا بطلب ترخيص لتأسيس الحزب تحت اسم حزب جبهة العمل والإصلاح، وقد رفض هذا المطلب مرتين لأسباب لم تكن قانونية أو إدارية إنما كانت سياسية، لأننا كنا نستجيب دائمًا لشروط تأسيس الأحزاب فكان الترخيص تأتى الموافقة عليه من قبل الأمن ووزارة الداخلية خاصة أن المؤسسين لهذا الحزب معروفون لديهم، وكان النظام بقيادة القائد السيبسى الذى شكل الحكومة الثانية بعد سقوط بن على يرفض لأسباب واهية، وكانت قبيل الانتخابات بقليل حتى لا نستطيع أن ندخل البرلمان، وكان السبب عدم بروز التيار الإسلامى فى الانتخابات التشريعية.
لكن مع كل ذلك استطعنا أن نخوض الانتخابات، وشاركنا عبر قوائم مستقلة حتى ندخل فى العمل السياسى العام ليس للحصول على مقاعد إنما للحصول على تجربة سياسية والانفتاح والتواصل على باقى الأحزاب، وكى نقدم مشروعنا للمجتمع التونسى.
_ كيف استقبل المجتمع التونسى التيار السلفى؟
- قبل الثورة ما كان هناك تفرقة بين إسلامى وليبرالى وعلمانى، ولم تكن هناك تسميات بهذا الشكل حتى كان من مصلحة النظام آنذاك تجميع كل التيارات الإسلامية فى سلة واحدة ثم بدأت حرب المصطلحات فسمعنا حرب الإرهاب ثم قانون الإرهاب لكن المجتمع التونسى كان يستخدم التيار ككل ثم ظهرت حرب المصطلحات من جديد بعد الثورة، وأن نسبة 99.9 ما كان يسمع كلمة ’’سلفى’’ لكن بعد الثورة بدأ الإعلام يروج لذلك عبر تقارير المخابرات الغربية التى كانت تقدم كل شىء لعملائها من الأحزاب اليسارية والعلمانية، ووجهوا الإعلام لتشويه صورة الإسلاميين لتسميتهم للمجتمع أن هذا هو الغول القادم للشعب التونسى، وكذلك التضخيم الذى وصل إلى استيراد اللحى المصطنعة مثلما حدث فى الجزائر فمن خطط هو واحد والتخطيطات تنفذ بأيادٍ تونسية.
- كيف تعاطى الحزب مع حزب النهضة؟
للأسف الشديد الغرب يتحكم الآن فى قواعد اللعبة، وفى تقديرى أن الغرب استطاع أن يوهم حركة النهضة بشكل أو بآخر بمجموعة من الأشياء أهمها ابتعاد حركة النهضة بشكل كبير عن محاكمة عناصر النظام السابق بدعوى عدم خلق مشكلات ضد الثورة، وبدأت النهضة تتخلى عن هذا الملف بالرغم من أن الحملة الانتخابية وعدت الشعب التونسى بمحاكمة رموز وعناصر الفساد، وعندما وصلت للحكم تخلت تحت ضغط من العلمانيين واليساريين، فى هذا الملف بالرغم من أن الأحاديث المعلنة تطالب بتتبع الفاسدين لكن ما يجرى على أرض الواقع هو العكس وبمجرد أن أعلنت الحركة أنها بصدد إقرار أو تمرير مشروع معين قانون لملاحقة الفاسدين من رموز بن على, انطلقت بجميع أنحاء البلاد الاعتصامات وقطع الطرقات حتى تدخل الحكومة فى متاهة, ما جعل حركة النهضة تتراجع شيئًا فشيئًا ثم جاء إعلان حركة تفاوض بين الشيخ راشد ليقول إننا لا نريد إقصاء أحد، ونخشى من جانبنا من تسلل رموز نظام بن على للبرلمان فى ظل عدم وجود قانون لعزلهم.
_ أين يقع حزب جبهة الإصلاح من خريطة المشهد السياسى؟
- الحزب حزب نشأ منذ عشرة أشهر تقريبًا، ونحاول أن نتابع المشهد السياسى العام، ونعمل فى صمت خلال المرحلة الانتقالية, وفى تقديرى أن المرحلة القادمة فرضت علينا الاهتمام بالعنصر البشرى وخاصة الشباب.
_ ما موقفكم من الدستور الجديد لتونس لاسيما وهو فى مراحله الأخيرة؟
- نحن نتابعه عن كثب، وهناك رائحة للإسلام فى الدستور لكن مذاقه ليس إسلاميًا بالمرة، فهو مذاق ليبرالى علمانى، والمجتمع لا يقبل هذا الدستور، فمواده لا تعبر عن الشعب المسلم، ولهذا فإن جبهة الإصلاح تقدمت بمطالب متعددة للمجلس الوطنى التأسيسى بإدراج الشريعة الإسلامية فى الفصل الأول للدستور، وإدارجها كمرجعية وحيدة لكل القوانين، فالشريعة هى صمام الأمان للمجتمع.
- وصحيح أن العلمانيين واليساريين بأيديهم وسائل الإعلام للضغط على الشارع لكن ليس لهم قاعدة شعبية بعكس مصر فهناك إلى حد ما قاعدة شعبية للعلمانيين لكننا فى تونس العلمانيون واليساريون يستخدمون الدين والشريعة كفزاعة لتخويف الشعب دون الاتكاء على ظهير شعبى قوى.
_ وماذا عن تخوفاتكم من الدستور الجديد؟
هناك كثير من الفصول التى تثير بالفعل تخوفاتنا فدستور ما بعد الثورة لابد أن يكون ملبيًا لمطالب الشعب المسلم والقضاء على سياسة تجفيف المنابع التى بدأت منذ عهد بورقيبة، والتى وصلت لحد محاربة الدين باسم التقدم والحداثة والحرية فرأينا بورقيبة يفتى بالإفطار فى نهار رمضان، فالثورة جاءت ضد ذلك، والناس بتطبيق الشريعة والرجوع إلى أصول الدين السمحة واتباع الصحابة والسلف الصالح فنحن لا نفرق بين الدين والدولة والسياسية ونرى أنه يجب أن يتم التأسيس لمنهج فى السياسة تبعًا للمنهج الإسلامى.
ولكن ليس شرطًا أن يتم كتابة مواد محددة فى الدستور لأنه كتابتها لا تمنع من عدم تطبيقها.
_ هل ممارسات السلفية الجهادية فى تونس تعوق مسيرة الإسلاميين؟
نحن لا نبرر تلك التصرفات فى استعمال القوة والعنف لكن لنقل لماذا هذه التصرفات فأغلبها ردود أفعال لممارسات النظام السابق وأيضًا هناك تشدد فى الدين وعدم قبول الفكر المخالف وعدم القبول الحوار مع الغير خاصة أن أغلبهم شباب ليس لديهم علم، وقد كانوا شبابًا لا يهتم بالدين ثم أقتنع أن الدين هو الحل لهذا المجتمع, وهم يحاولون تطبيق الدين بحذافيره دون مراعاة للواقع والآخر، ويحاول الإعلام استغلالهم لضرب الإسلام، وليس التيار السلفى فقط، فالإسلام واحد لدى اليساريين والعلمانيين والغرب.
_ كيف تنظرون إلى تجربة التيار السلفى فى مصر بمختلف أحزابه, خاصة بعد الثورة المصرية؟
- تعدد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لا يضر بالعكس هو فرصة طيبة لتنمية الفكر الإسلامى وزيادة للحوار حتى يتقبل الشباب المسلم الحوار, وتجربة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فى تونس.
وهناك مشكلة مهمة، وهى الانتقال من العمل الدعوى إلى العمل السياسى، وكان من الأفضل الانتظار قليلًا لنضوج الفكر والممارسة السياسية، حيث إن تلك التيارات غير مؤهلة للعمل السياسى، وكانت بعيدة عن ممارسته، وكان لابد من الانتظار حتى تتم عملية النضج وإيجاد الكوادر والكفاءات السياسية.
وهناك كثير من الأخطاء التى وقع فيها التيار الإسلامى الذى دخل السلطة حتى فى مصر فالمجتمع اختار التيار الإسلامى ليس اقتناعًا بأنه الأجدر، ولكن بحكم العاطفة حيث عانى هذا التيار من التهميش والظلم طيلة الفترات السابقة ودخل السجون ولابد من تحقيق بعض الوعود التى وعدها التيار الإسلامى وتوضيح رؤيتهم حول المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولابد من الإيمان بالتغيير التدريجى ويجب أن نتذكر دائمًا أن الشعب المسلم يريد أن يرى عديدًا من الأحلام والطموحات متحققة فى عالم الواقع.
هل استفدتم من التجربة الإسلامية فى مصر؟ -
- بالطبع رغم أن لنا واقعًا آخر غير الواقع المصرى خاصة أننا رأينا أنه لابد من التريث فى حسم قراراتنا وخطواتنا السياسية حتى نصل إلى مشروعنا فليس شرطًا أن يكون الآن، وإنما قد يكون بعد سنتين أو ثلاثة أو بعد عشر سنوات، فنحن نحاول تغيير عقلية المجتمع التونسى, فالثقافة الغربية متغلغلة ومتأصلة فيه, نعيش مثل الغرب نستهلك مثل الغرب ومع ذلك نحن مسلمون ونقيم الصلاة ونحيى بالشعائر التعبدية لكن يجب تغيير العقلية, وتطبيق الشريعة يجب أن يكون خطوة خطوة حتى لا يتخذ الشعب موقفًا مضادًا من الشريعة.
- إذن تطبيق الشريعة الإسلامية جزء لا يتجزأ من أهدافكم السياسية فى المستقبل؟
- نعم هذا ما نسعى إليه، وهو هدف لنا لكنه هدف بعيد لكن الفترة الأولى لابد من إقناع بتغيير عقلية الشعب، ولكن لا يجب أن نختزل الشريعة فى تطبيق الحدود وقطع اليد فواقع التخويف يجعلنا نتريث فى ذلك.
_ ماذا عن تقيمكم لفترة لراشد الغنوشى والرئيس محمد مرسى؟
- الغنوشى - رئيس حركة النهضة - وعلى رأسها له تأثير على الحكومة لكننا لا نعلم استراتيجية حركة النهضة، وكيف ستحقق أهدافها التى وعدت بها, أما مرسى فهو رئيس جمهورية الآن لا يمكن أن نقارن بينهما, وندعو له بالنجاح فكانت له قرارات جريئة اتخذها لخدمة الثورة المصرية .
_ وهل افتقدت تونس هذه الخطوات والقرارات الجريئة؟
- نعم فليس هناك أية قرارات جريئة, إنما هناك هروب من المسئولية ولو كانت قرارات النهضة فى أول الثورة بسن القوانين اللازمة لإبعاد فلول النظام القديم لم يكن يتجرأ الفلول على الدين أو على السلطة الشرعية، فقد استطاعوا أن يكونوا الأحزاب، ويتلفظون بأقوال وأفعال مخالفة للثورة، وهذا كله ضد الثورة.
_ كيف تنظرون فى جبهة الإصلاح لمخططات إيران فى المنطقة ومحاولات التمدد الشيعى لاسيما تونس؟
- بعد الثورة أصبح الشيعة ينتشرون فى عدد من محافظات تونس، ولدينا تخوفات من ذلك لكن النظام هو من أعطاه الفرصة، لذلك فبروز هذا المذهب لم يكن فى السر والنظام لديه علم بما يتم ولا يمانع فيه بدعوى الحرية والديمقراطية التى أنعشتها الثورة>
*المصريون