مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
ثابت:ثورات الربيع العربي أخرجت من الشعوب الأفضل !
حوار مع الباحث الاستراتيجي في الشؤون السياسية والعسكرية العميد ثابت حسين صالح

الأربعاء 23 يناير-كانون الثاني 2013

إيمان الحنظلي

فاجأت الثورات الشعبية العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا المراقبين العرب والأجانب كون هذه الثورات شكلت ظاهرة جديدة في الوطن العربي, فهذه الأحداث لم تأت على “الدبابات” بل جاءت تعبيراً عن رغبة الشعوب وفي طليعتهم الشباب في التغيير والإصلاح والتفاعل مع الحراك العربي والدولي للتحسين والتطوير, لماذا اندلعت هذه الثورات؟ ما هي مقدماتها وأسبابها ونتائجها ومن هي القوى المحركة لها وما هي آفاقها المستقبلية؟ .. هذه الأسئلة وغيرها وضعناها على الباحث الاستراتيجي في الشؤون السياسية والعسكرية العميد الركن ثابت حسين صالح، وكان لنا معه الحوار التالي:
>>.. ما حقيقة وأهمية الثورات الشعبية العربية التي شهدناها خلال العامين المنصرمين؟ وكيف حللها الباحثون الاستراتيجيون ؟
- البعض وصف هذه التحولات بأنها “ الفوضى الخلاقة “ التي بشر بها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش, فيما وصفها البعض بأنها “ زلزال تسونامي” الذي يجتاح المنطقة العربية, في حين وصفها البعض الآخر بأنها «موجة عابرة» ليس إلا , والواقع أن صناع هذه الأحداث هم وحدهم من يحق لهم أن يسموها: فالتونسيون أطلقوا على ثورتهم ثورة «الياسمين», وتلاهم المصريون فسموا ثورتهم ثورة «25 يناير», والليبيون أطلقوا على ثورتهم ثورة 17 فبراير, أما اليمنيون فسموا ثورتهم ثورة “11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية “
>>.. إذًا ما هي أهم العوامل التي ساعدت على قيام هذه الثورات؟
ـ يسعى السياسيون إما بقصد أو بدون قصد لخلق ظروف قيام الثورات، لكن الثورات ذاتها لا تُصنع وإنما تحدث فجأة, وهناك مجموعة من العوامل التي تحدد قيام الثورات وتمثل قاسماً مشتركاً فيما بينها..
>>.. ما هي الاستراتيجيات التي اعتمدتها الثورات؟
- كانت هذه الثورات عفوية في بدايتها، بدأها الشباب وانضمت إليها القوى السياسية ذات الشعبية بشكل طبيعي, ثم الفئات المهنية والاجتماعية وأروع ما فيها كان انضمام القوات المسلحة لحمايتها وهي الآن في طريقها نحو الأهداف البعيدة المنشودة، ولم نسمع في تاريخ الثورات كلها عن ثورات أخرجت هذا الكم الهائل من المتظاهرين ضد هذه الأنظمة في عدة مدن بشكل متزامن, لم تعد هذه الثورات بحاجة إلى أدلة على أنها ثورات شعبية، لكنها بحاجة إلى تصميم واستراتيجية للوصول إلى تحقيق كامل أهدافها.
>>.. هل انتصرت هذه الثورات؟
ـ يمكن القول إن الثورات الشعبية قد انتصرت كل بطريقته في مصر وتونس وليبيا واليمن.
أما في سورية فما زال النظام السوري يقاوم مصيره المحتوم بوسائل عديدة، من ضمنها ترويج الأكاذيب والتخويف من الفوضى وتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين, وادعاؤه قبول مطالب المحتجين حين يلزم، واتهامه للثوار بأنهم عملاء حين يلزم، وقمعهم حين يمكنه ذلك, ويخطئ من يعتقد أن المسألة مسألة عناد شخص، أو أنها مسألة شخصية, وأستطيع أن أخاطر بالقول إنه لم يعد يحكم سورية ، بل إنها زمرة حاكمة تحاول الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، وأن تنقذ نفسها بماء الوجه.
لقد دخل النظام السوري في طور العزلة الدولية الكاملة, وستتعمق هذه العزلة و ستضعف هذا النظام وتضعف ارتباط أصحاب المصالح به وستنتصر الثورة هناك في النهاية لكن بعد “خراب مالطه “ بكل أسف.
>>.. هل كانت ثورة أم احتجاجات مطلبية؟
ـ يجب التمييز بين أعمال احتجاجية، يعقبها تفاوض على مطالب في إطار النظام القائم، وثورة لتغيير النظام؛ لأن الثورة لتغيير النظام ليست مجرد احتجاجات تتوقف في ظل النظام، بل هي سلسلة من الأفعال المستمرة طالما بقي النظام قائماً, واكتسبت هذه الثورات طابعها الشعبي من مشاركة كل فئات الشعب فيها, وقال القاص والروائي إبراهيم أصلان:” من الواضح أن الناس فاض بهم الكيل بعد سنوات طويلة من القهر والاستنزاف المادي والروحي، مشيرا إلى أن شعوب تلك المناطق أدركت أنها بحاجة إلى حياة أفضل.
>>.. ما الذي ميز هذه الثورات تحديداً عن الثورات العربية السابقة؟
ـ أخرجت هذه الثورات من الشعب أفضل ما فيه، وأظهرت صورة من التمدن والتنوع والحوار والتواضع غير مألوفة في الحياة السياسية العربية , فمنذ زمن بعيد لا يذكره الكثيرون لم يسمع الناس خطيبا يوم الجمعة يتحدث عن ملايين المصريين والمصريات، اليمنيين واليمنيات أو يتحدث عن أخلاق الإسلام والمسيحية، ولم يروا هذا الكم من الرجال والنساء المحجبات وغير المحجبات دون ظواهر التحرش، والملايين تُنشد سوية وتسير في مظاهرات منظمة من دون فوضى, وفي هذا الصدد قال المفكر العربي عزمي بشارة” إن ثوار اليمن في ساحات التغيير يقومون عبر ثورتهم السلمية حاليا بعملية تشكيل هوية وطنية يمنية عابرة للطوائف.. أي ما فشلت فيه الدولة من تشكيل هوية سياسية متماسكة، تفعله الثورة الآن.
>>.. كيف تعاملت الأنظمة العربية مع هذه الثورات؟
ـ هذه الأنظمة المستبدة أخرجت أسوأ ما في مجتمعات العرب من تعصب وطائفية وجريمة في ظلها, وقد رأينا عينات من “البلطجية” التي أطلقتها الأنظمة ضد المتظاهرين، وخاصة في مصر واليمن و”الشبيحة” في سورية فظهرت وجوه الأنظمة المتخلفة والبدائية في مقابل الشعوب المتحضرة، وفي هذا الصدد يقول الباحث الدكتور عمار على حسن” تحولت الثورات السلمية في اليمن والبحرين وليبيا وسورية إلى دموية لعدة أسباب أهمها أن الأنظمة الحاكمة في تلك الدول قمعية وتتشبث بالحكم والسلطة إلى أبعد مدى”.
>>.. ما تأثير هذه الثورات على القضية الفلسطينية؟
ـ الانتفاضات والثورات الشعبية العربية أعادت للشعوب حريتها وأعادت لها العودة للإمساك بالقرارات في الداخل والخارج، ما يعني ان الأمة العربية كلها بكل أقطارها، ستعود لتحديد عدوها الحقيقي من الصديق ، وتتعامل مع الخارج وفقا لمعايير الكرامة والإرادة المستقلة الأبية لا التبعية وتبادل المنافع وبالتالي ستصبح في موقف واضح من (إسرائيل).
عهد بن علي الذي قتل في عهده العديد من قادة المقاومة الفلسطينية في تونس بتآمر واضح وربما تعاون مع الكوماندوز الصهاينة، والصمت عن رد فعل قوي على هذه العربدة الصهيونية، انتهى ولن نستغرب أي رد فعل عربي صادم للدولة الصهيونية, لقد لاحظنا كيف تعاملت مصر بحزم مع الاستفزازات الإسرائيلية ومع العدوان الأخير على غزة .. كيف تغير الموقف المصري الرسمي والشعبي تأييداً للشعب الفلسطيني ورعت مصر المصالحة الوطنية الفلسطينية. وهو ما يؤكد عودة مصر للإمساك بقرارها السيادي المستقل، وابتعادها بالكامل عن كل مواقف النظام السابق وتحالفاته المشبوهة وضغوط أمريكا و(إسرائيل) التي لم يعبأ بها الجيش المصري هذه المرة بعد انهيار النظام السابق.
>>.. هذا يقودنا إلى أن نسألكم سيادة العميد عن موقف إسرائيل من الثورات العربية؟
أدركت إسرائيل أن ذهاب الديكتاتوريات في الوطن العربي التي أقامت صفقات مع الولايات المتحدة تتعارض مع الوحدة والأمن القومي العربي مقابل الصمت على ديكتاتوريتهم وفسادهم، يشكل خطرا على الدولة العبرية, وقد كشفت وسائل إعلام ومصادر إسرائيلية عن توجه الحكومة الإسرائيلية إلى وضع خطة لتسوية مؤقتة مع السلطة الفلسطينية كجزء من استراتيجية جديدة يحاول الاحتلال رسمها للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي تماشيا مع ما أحدثته الثورات الشعبية العربية من تغيرات على الأرض , وهو ما أشار له الأكاديمي المتخصص في الشؤون العربية، إيلي فودة الذي كتب في «هآرتس» يقول: إن المحللين أكثروا في السنوات الأخيرة من الحديث عن أن العالم العربي والأيديولوجيا العربية اختفيا مع وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر العام 1970، ولكن الثورات في تونس ومصر، والتظاهرات العاصفة في عواصم أخرى من الدول العربية تثبت أن العالم العربي والوحدة العربية لم تختف أبداً.
>>.. وكيف تعامل الغرب مع الثورات الشعبية العربية؟
- يعتقد البعض أن الغرب بزعامة أمريكا قد شجعت أو دعمت هذه الثورات, بيد أن الحقائق تقول عكس ذلك, ففي الحالة التونسية, حدثت الثورة والغرب في غفلة من زمنه, أما في الحالة المصرية فقد ظلت الولايات المتحدة تقف إلى جانب مبارك حتى اللحظات الأخيرة التي رجحت كفة الثورة المصرية, وفي الحالة الليبية فقد بدا التلكؤ واضحاً في الاستجابة لطلب جامعة الدول العربية لفرض حظر جوي لحماية الشعب الليبي من القتل والتدمير بمختلف الأسلحة الثقيلة لكتائب القذافي, ثم تلكأ الغرب بعد ذلك في تطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن ولم ينفذ إلا بعد مساومات وصفقات ..
الثورة اليمنية هي الأخرى عانت وتعاني من المواقف الغربية المتأرجحة وخاصة الأمريكية تجاه النظام الحاكم في صنعاء, وإن كانت هذه المواقف قد تغيرت تدريجياً, ففرنسا دعت الرئيس علي صالح إلى الرحيل والولايات المتحدة “ ليس لديها مانع “ , لكن ازدواجية التعامل مع الثورة والنظام كانت وما زالت سيدة الموقف الغربي, مثلما كانت حيال الثورات العربية الأخرى, وكانت تتعامل مع المثل الشعبي المصري “ اللي تعرفه أفضل من اللي ما تعرفوش” .
بيد أن صمود الثورة اليمنية أجبر الغرب في النهاية على الاعتراف بهذه الثورة وتأييد المبادرة الخليجية. وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الغرب أن تركب موجة الاحتجاجات الشعبية في الوطن العربي لتنفيذ أجندتها الخاصة, لكن الشعوب كانت وستكون لها بالمرصاد, ومن الظلم الفادح القول بأن الولايات المتحدة وحلفاءها قد خططت لهذه الاحتجاجات ووجهتها؛ لأن في ذلك ليس فقط تجنٍ على العوامل الموضوعية والمنطقية التي أنضجت هذه الاحتجاجات فحسب, بل وفي هذه الأقوال جحود في حق صناع هذه الثورات الذين سفكت دماؤهم في ساحات التغيير وصبروا وكابدوا أصعب الظروف حتى حققوا أهداف ثوراتهم ومازالوا مستمرين في متابعة ومراقبة استكمال تنفيذ أهداف ثوراتهم العظيمة.
>>.. ما هي خلاصة ومحصلة هذه الثورات العربية؟
ـ افتتحت ثورات “الربيع العربي” عصراً عربياً جديداً يتاح فيه الجمع بين الحرية والحقوق وبين السيادة والمواطنة, لن تستهين الأنظمة بشعوبها بعد اليوم, وسوف تجد نفسها مضطرة إلى أن تختار بين الإصلاح الشامل ورحيل النظام, وعلى مستوى القوى السياسية والانقسامات الإيديولوجية سوف يتغير كل شيء, ستفقد الانقسامات السابقة معناها, فقد تضاءل وزن النقاشات الفكرية بين التيارات الإيديولوجية السابقة, لم يتمكن أي منها من خوض التحدي, وصعدت ظاهرة القوى الاجتماعية الجديدة الرافضة للظلم والمتمسكة بالقيم, وسوف تنشأ تعددية جديدة وسوف يتقدم فيها الصفوف ذلك الفكر القادر على الجمع بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والهوية العربية من دون التنكر للحضارة الإسلامية.
ستحتاج مراكز الدراسات والبحوث العربية إلى القيام بخطوات جادة وناجحة لمناقشة هذه التحولات والتطورات في إطار علمي وأكاديمي لتسليط الضوء على هذه المتغيرات الراهنة التي هي على جانب كبير من الأهمية , وهذه الثورات الشعبية السلمية تؤسس لأمة عربية ونظام عربي جديد يتعامل بسياسات جديدة ومفردات جديدة أيضاً تقوم على قاعدة الاعتراف أن الشرعية الشعبية هي أساس استقرار أنظمة الحكم وليس الصداقات مع الغرب, كما تؤسس هذه المرحلة خطوات جادة لمحاربة الفساد وتوجيه ثروات الأمة لخدمة نماء شعوبها ولدعم قضاياها واستعادة دورها الإقليمي والدولي لتكون شريكا في مستقبل العالم وسياساته تجاه منطقتنا وغيرها.
لقد كان هذا الحراك المنظم حريصاً وما زال على امتلاك مختلف سبل الصمود والمقاومة المدنية لتحقيق أهدافه وكذلك الرغبة في إعادة النظر بالسياسات القائمة حاليا في الوطن العربي والتي تمتلك الولايات المتحدة ناصيتها في كثير من الدول الأمر الذي يوجب إعادة النظر بهذه السياسات بخاصة أن وزيرة الخارجية الأمريكية قالت: “لقد فشلنا في مواكبة التطورات السياسية والإعلامية وخسرنا الكثير.
نجاح هذه الثورات مرهون بمواصلة قوى الثورة للنضال بمختلف وسائل الضغط لتحقيق كامل أهداف الثورات وإحداث التغيير الجذري المطلوب, والحيلولة دون انتكاستها أو سرقتها من الداخل أو الخارج, لكن الحقيقة الثابتة هي أن هذه الثورات قامت لتنتصر, وستمتد رياحها إلى كل البلدان العربية التي لا يمكنها إلا التعامل مع هذه التحولات، ولكن بخصوصية كل دولة عربية, هذه التحولات التي سيكون حدها الأقصى التغيير الشامل وحدها الأدنى الإصلاح الجذري الشامل..
*الجمهورية
أضافة تعليق