مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
مبديا عدم رغبته الترشح لأي منصب رئاسي علي الصلابي:
حوار/ زياد الركادي

- لا توجد مقارنة بين ليبيا اليوم وليبيا العهد السابق
- الأزمة المالية طبيعية، ولا بد للشباب من دور قيادي
- اعتماد الإسلام كدستور للبلاد أشعرني بالارتياح

أبدى الداعية والعالم الليبي الشيخ د. علي الصلابي عدم رغبته في خوض المعترك السياسي الليبي في فترة ما بعد القذافي، مشددا على وقوفه مع الشعب الليبي بكل ما يملك لتحقيق أهدافه.

وشدد الصلابي على أن قضية مرجعية الدستور الليبي قد حسمت من خلال الاتفاق على الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية كمرجعية للدستور الليبي، مشيرا إلى أن ليبيا تعيش مخاضا سياسيا طبيعيا تشهد فيه حراكا سياسيا وفكريا وثقافيا بفعل مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول سد الفجوة التي خلفها النظام السابق بعد امتداد فترة حكمه لأكثر من أربعين عاما سيطر فيها على مفاصل الحياة الليبية.

الصلابي تطرق لجزئيات أخرى نتعرف عليها من خلال هذا الحوار:

بعد رحيل نظام القذافي، كيف تصف الأوضاع الراهنة في ليبيا؟

نحن الآن في طور إعداد برامج سياسية تقود ليبيا في المستقبل، من خلال المشروع الذي بدأنا به والمتمثل في المشروع الوطني السياسي الذي راعى في اعتماد مرجعيته عقيدة الشعب، الأمر الذي ترجمته بعض الأحزاب السياسية على أرض الواقع عندما أعلنت عن مرجعيتها الإسلامية وهذه ظاهرة صحية من وجهة نظري ويتبناها الليبيون في أحزابهم المتعددة، صحيح أنه هناك جدل سياسي كبير على قانون الانتخابات إلا أنه لم يمنعني من الارتياح والعودة لأعمالي الفكرية والعلمية نظرا لحسم المرجعية والهوية في ليبيا من خلال إعلان الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، صحيح أن هناك عدة مطالبات قد تتضاد في ظاهرها مع بعضها البعض، إلا أن هذه المطالبات طبيعية نظرا لاتفاق الجميع على المرجعية الإسلامية كدستور للبلاد كما أن هناك حراكا سياسيا وفكريا وثقافيا تشهده البلاد ، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي بدأت في الانتشار في أنحاء البلاد، التي من الممكن أن تسد جوانب النقص في التجربة السياسية الليبية نظرا لأن الخبرة في المجال السياسي مازالت بدائية، لكن الإنسان ينطلق ويتعلم من الأحداث، فبالتالي ما وصلنا إليه يعتبر إنجازا متقدما، بعد نجاحنا في تحررنا من الاستبداد والظلم، مع سعينا المستمر في موضوع مهم جداً وهو موضوع المصالحة الوطنية الذي قطعنا فيه شوطا كبيرا جداً، إلا أن المصالحة الحقيقية لن تتم إلا بتفعيل الدولة لسلطة القضاء إذ أن هناك بعض المعتقلين لدى الثوار في انتظار تقديمهم للمحاكمة، كما أن على الدولة واجب التدخل لرفع الضرر عن ضحايا الحرب من أبناء الشعب، سوءا كانوا مع القذافي أم ضده، ؛لأنه لا بد من المساواة بين الجميع حتى تتم الانطلاقة المرجوة لدولة تحترم حقوق المواطنين وبذا تتحقق الحرية والعدالة التي سيسعد بها الناس بحول الله تعالى.

لكن ألا تشعر د.علي أن فترة ما بعد القذافي، والتحضير لبناء الدولة قد طال أمدها؟

لا أبداً، هي لم تطل، فانتخابات المؤتمر الوطني العام قد حدد ميعادها، والعمل جار على تقسيم دوائر الانتخابات والأصوات الانتخابية، وأيضاً تم اختيار الحكومة المؤقتة بقيادة الدكتور عبدالرحيم الكيب لتيسير وتسهيل الأعمال في هذه المرحلة، الزمن جزء من وصول الناس إلى أهدافهم فبالتالي الوضع إيجابي ومتفائلون جداً بمستقبل ليبيا الذي بدون شك لا يوجد مجال للمقارنة بينه وبين عهد الظلم والديكتاتورية والنظام الشمولي في العهد السابق.
وماذا عن الأصوات المؤكدة على استفادة حلف الناتو من الوضع الحالي في ليبيا الذي يفرض شروطه على الحكومة الانتقالية والشعب الليبي في بعض القضايا، كالنفط مثلا؟

الأمل بالله كبير سبحانه وتعالى بقوة وطنية ذات مرجعية إسلامية تدخل في ائتلاف موحد من خلال الأحداث المقبلة، هذه القوة ستمكن الشعب من الالتفاف حولها، الأمر الذي يتيح لها المجال للمفاوضات الواضحة التي تجعل مصالح الشعب الليبي تقدم على أي شيء آخر، كما أن جهود الساسة والمفكرين والوعي والثقافة الجديدة التي يهتم بها الليبي ستمكنه من اختيار الكفاءات والقيادات الوطنية التي لا تبيع بلادها.

أركان العيش الكريم لأي إنسان، الرزق، الصحة، التعليم والأمن .. كيف تعيش ليبيا اليوم مع هذه الأركان؟

بالنسبة للأمن جُل المدن آمنه بحمد الله تعالى، صحيح أن الأمن يخترق بحالات تحدث؛ لكنها حالات لا تكاد تذكر وهي تحت السيطرة، إذ أن الحالة الأمنية التي تعيشها البلاد أفضل بكثير من العهد السابق، وأما بقية ما ذكرت من الأركان فالحكومة الحالية قائمة بجهود كبيرة، تشكر عليها ونرجو لها المزيد من التوفيق لخدمة شعبها.

وماذا عن الأزمة المالية التي تعيشها ليبيا حالياً؟

بحكم الحصار وتجميد الأموال من الطبيعي حدوث مثل هذه الأزمات، لكنها بدأت تضعف وهي في طريقها للحل شيئاً فشيئاً، بعودة الثوار لمزاولة أعمالهم اليومية كالأساتذة والدكاترة والطلاب.

وكم هي المدة المتوقعة التي تحتاجها ليبيا كي تستقر الأوضاع؟

لا بد أن يتذكر المتابع للوضع الليبي المحنة القاسية التي تعرضت لها في طريقها إلى الحرية، لذا هي تحتاج إلى بعض الوقت، فالمدة التي حددت لإجراء الانتخابات من بعد إعلان الدستور في المؤتمر الوطني العام هي ثمانية أشهر بحيث تنظم العميلة الانتخابية لاختيار القيادات الاجتماعية والسياسية في المؤتمر الوطني المقبل، والذي سيتم فيه اختيار الحكومة المنتخبة، والهيئة التأسيسية للدستور، ومن ثم تحدد الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، وهذه خطوات طبيعية في بناء دولة مثل ليبيا خرجت من حرب التحرير بكفاح ونضال ودماء وشهداء وأشلاء ودمار، ومن نظام أهمل البنية التحتية للبلاد من الأصل، وأهمل الصحة والتعليم في العقود الماضية، فالبناء يكون بالتدريج وفي الطريق الصحيح بحول الله تعالى.

المتوجسون من تجربة ليبيا في الحرية، يبنون توجسهم على ضعف الثقافة السياسية للشعب الليبي، بالإضافة إلى الطبيعة القبلية المتحكمة في شؤون الحياة الليبية العامة مع انعدام للأحزاب والتكتلات السياسية خلال العهد البائد عكس التجربة التونسية أو المصرية، الأمر الذي يضعف فرص النجاح في الفترة المقبلة، هذا التوجس كيف تواجهونه؟

لو نظرنا إلى هذه المسألة بتفاؤل أكثر، فأنا أرى أن شعبا استطاع بعد توفيق الله أن يسقط نظاما شموليا، قادر على بناء دولة شورية مدنية تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وبالتعددية وتؤمن بسلطة القانون واستقلالية القضاء وبالدستور وبالمرجعية الإسلامية، ولا أظن أن الشعب الليبي يعجز عن هذا البناء بهذا الروح الإيمانية.

وماذا عن الأخبار المتواترة في الفترة الأخيرة التي تفيد بحدوث اشتباكات داخل الصف الليبي مثلما حدث في طرابلس مؤخرا، بالإضافة إلى المشاكل التي تعاني منها القيادة العسكرية الميدانية، كيف يتم التعامل مع هذه الحالات؟

أولاً، بعض هذه الأخبار غير صحيحة، سيما الأخبار التي تناولت أن هناك تمردا على القيادة العسكرية، لم يكن هناك تمردا لا على القيادة العسكرية ولا على الدولة، كل ما هنالك أعمال سلبية تحدث في كل مكان وفي أي زمان وهي أعمال فردية نسمع تحدث بين الحين والآخر حتى في أكثر الدول أمانا، كلنا نسمع ونشاهد نشرات الأخبار التي تنقل عن دخول أحد المسلحين إلى إحدى المدارس في أمريكا ليقوم بقتل الطلبة أو في غيرها من الدول التي تتسم بالاستقرار وبالأمن. هذه حالات فردية ولم تتحول إلى ظاهرة، وسيتم استيعابها والقضاء عليها، وإحالة المتسببين فيها إلى القضاء .

ومن سيقود الحملة العسكرية القادمة في الميدان من ناحية جمع السلاح أو غيره داخل ليبيا؟

وزارة الدفاع ووزارة الداخلية هما من سيتكفلان بهذه المهمة التي بدأت تنتظم في المدن الكبيرة الأمر الذي اختفت معه مظاهر التسلح، تستطيع أن تقول أن السلاح الثقيل اختفى من مدن كثيرة في ليبيا، وحالياً من خلال وزير الدفاع الحالي ورئيس الأركان الجديد بدأت الأمور تنتظم أكثر مما كانت عليه والسلاح في طريقه في الخروج من تحت سيطرة الثوار كي يعود إلى الثكنات، ومن يرى الطريقة التي تم بها تأمين العاصمة طرابلس أثناء تحريرها من نظام القذافي سيعرف أنها طريقة يضرب بها المثل في حفظ الأعراض وأموال الناس وممتلكاتهم الخاصة والممتلكات العامة، لذا من يقول أن السلاح خارج السيطرة هذا كلام غير دقيق، والثوار على تواصل حقيقي بالحكومة وبالمجلس الوطني وهم تحت السمع والطاعة لما فيه المصلحة العليا للبلاد .
وماذا عن القائد الجديد للجيش اللواء يوسف المنقوش ..هل يحظى بإجماع وبقبول سواء من الثوار أو من الشارع الليبي عموماً؟

يتفق الكثير من العسكريين على أنه يملك من الخبرة والثقافة العسكرية الشيء الكبير، كما أن رتبته السابقة هي عقيد ركن تؤهله لأن يمتلك حظوة كبيرة جداً داخل المؤسسة العسكرية، كما أنه يحظى باتفاق وشبه إجماع الكثير من الثوار، سواء من ثوار مصراته أو المنطقة الشرقية أو المجالس العسكرية في المنطقة الغربية، الكثير منهم يتفق على يوسف المنقوش وأيضاً يحظى بدعم كبير من المجلس الوطني.

وهل الليبيون يمتلكون الفكر والقدرة على النهوض من جديد؟

الليبيون مثل الشعوب الأخرى فيهم طاقات كامنة، لكنها كانت مكبوتة، هذه الطاقات بدأت تتفجر، وسيرى العالم كله الإبداع في كل المجالات بما في ذلك المجال السياسي والفكري والثقافي، ولا ننس أن من بين الشعب الليبي طبقة واسعة من الدكاترة وأساتذة الجامعات في الطب والهندسة والعلوم السياسية وفي القضاء وفي كل أصناف العلوم المتاحة والتي تبنى بها الدول في العادة، وكل هؤلاء لم تتح لهم الفرصة في العهد السابق في بناء بلادهم، وهذا ما هو متمثل في حكومة الكيب التي تتميز بكوادر تخرجت من أعظم الجامعات في العالم، بل هم أساتذة درسوا في أمريكا وبريطانيا وايرلندا وغيرها من دول العالم، ويملكون خبرات فكرية وسياسية لا يستهان بها.

هل الدكتور علي الصلابي له طموح في دخول المعترك السياسي؟

ليس لدي أي رغبة في أي منصب وزاري أو حكومي، كما أن الأفكار المتعلقة بترشيح نفسي لرئاسة الوزراء أو أي منصب رئاسي آخر حتى لو كان الأمر متعلق برئاسة حزب ما لا تطرأ علي سواء في الفترة الحالية أو في المستقبل، كل اهتمامي منصب على كيفية البقاء مع الشعب الليبي لتحقيق أهدافه، وسأدعم وبكل قوة المشاركة الشبابية في العمل السياسي المقبل الذين فعلاً هم من قاد الثورة في الميدان، الشباب ما بين الثلاثين والأربعين أتمنى أن تتاح لهم الفرصة في قيادة مرحلة ما بعد القذافي؛ لأن هذه المرحلة تحتاج أفكارا جديدة ورؤى جريئة كونها من متطلبات المرحلة المقبلة، ولعلها فرصة كي أوجه دعوتي للقيادات الليبية الخبيرة بإتاحة الفرصة للجيل القادم، وأن تكتفي بالاستشارة والدعم لهذه القيادات الشابة ولعملهم، وسأكون في الفترة المقبلة مع المشاريع والأهداف الوطنية التي تلبي طموحات وآمال الشعب الليبي ذي المرجعية الإسلامية، سأقف معها بقلمي وبلساني وبجهدي وبكل ما أملك بإذن الله تعالى، أما أن أقود حزبا أو أن أكون في الحكومة المقبلة أو التالية فليست لي في ذلك أي رغبة، وحالياً أود مواصلة مسيرتي العلمية التي لدي فيها مشاريع علمية وفكرية أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يعينني على إنجازها، وأطلب من إخواني أن يدعوا لنا بظهر الغيب وأن يرزقنا الله الإخلاص والهمة لخدمة ديننا وشعبنا لوجه الله.
د.علي ختاماً؛ بماذا تبشر الإخوة العرب والمسلمين المتابعين لوضع ليبيا حاليا، بماذا تبشرهم في المستقبل؟

بداية كل الثورات العربية تحتاج للدعاء من قبل المسلمين والعلماء حتى يعينها الله سبحانه وتعالى على تحقيق أهدافها، ولا شك أن هناك أيادٍ خفية تتمنى فشل الشعب الليبي في تحقيق أهدافه، بل وتسعى لذلك؛ لكن بإذن الله تعالى سيتحقق قوله تعالى ’’وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ’’ على يد الشعب الليبي وبقية الشعوب المستضعفة والمقهورة.

كما أطمع أن يتحقق بإذن الله تعالى في هذه الثورات قوله تعالى ’’وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ’’.
الإسلام اليوم
أضافة تعليق