مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:12
حوار مع الشيخ راشد الغنوشي
الزعيم التونسي راشد الغنوشي :لسنا متخوفين من انقلاب الجيش فهو الذي حافظ على كيان الدولة بعد الثورة

أجرى الحوار: محمد سالم الراشد
الحوار مع المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي مؤسس حركة «النهضة» التونسية هذه المرة مختلف عن سوابقه من حوارات ممتدة عبر سنوات.. فقد كانت حوارات الأمس البعيد والقريب فكرية نضالية يقابلها القمع والتضييق والمطاردة من قبل السلطات الباغية.. واليوم انقلبت الحال، حيث يصبح الحوار مع من يمتلك السلطة بعد أن اختاره الشعب لتحمل مسؤولية قيادة التأسيس لتونس الجديدة.. ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران:26).. والحوار مع زعيم حركة إسلامية ألقى الشعب على عاتقها قيادته لابد أن يتطرق لكل التخوفات والتشككات التي طالما ألقيت على الإسلاميين عامة، ولابد أن يتطرق إلى مشروع «النهضة» وخطتها في التعامل مع الشعب التونسي بمختلف أطيافه، والتعامل مع أزمات تونس المزمنة التي أغرقها فيها النظام البائد.. رئيساً بعد رئيس.
< ما تحليلكم باختصار للانتخابات بين توقعات «النهضة» ونتائج الشعب؟ يقال: إن الشعب انتخب «النهضة» كمخرج مرحلي لعدم وجود بديل سياسي مناسب. - من الذي يحق له تحديد البديل المناسب للشعب التونسي؟ أعتقد أن الشعب صاحب السيادة هو المحدد الوحيد للبديل المناسب، وقد قال كلمة الفصل في هذا الشأن واختار «النهضة» معلناً أنها بديله السياسي في هذه المرحلة، وعلى من يعتقد أنها لا تمثل البديل السياسي المناسب أن يحترم إرادة الشعب. أما عن نتائج الانتخابات التي منحت النهضة تقدماً ملحوظاً، فقد كانت متوقعة لدينا، إذ أكدت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات تقدم «النهضة»، وكنا على يقين من فوز الحركة في هذه الانتخابات بالنظر إلى التضحيات التي قدمتها في مواجهة الدكتاتورية، بالإضافة إلى البرنامج الانتخابي الطموح الذي تقدمت به الحركة في حملتها الانتخابية بديلاً عن الشعارات أو الانخراط في عمليات القدح في الخصوم التي تلهت بها بعض الأطراف عن العمل الجاد وجعلت من حملتها الانتخابية مجرد تهجم مجاني على حركة «النهضة»، وحشد الاتهامات الباطلة التي زادت في كشف عدم مصداقية هذه الأطراف أمام الرأي العام الذي خبر «النهضة» طوال العقود الثلاث الماضية، كما اجتهد أعضاء «النهضة» وأنصارها في التواصل مع الناخب التونسي والانتقال إليه في الأسواق والأماكن العامة وفي المنازل، لقد كان جهداً جباراً أثمر حصاداً على قدره بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، فله الحمد وله الشكر.
< ما نتائج الخريطة السياسية في الانتخابات؟ وما تصوركم لتشكيل الحكومة القادمة؟ - لقد وضع الشعب ثقته في أحزاب لها تاريخ نضالي ضد نظام «بن علي»، وعملت بعد الثورة على تحقيق أهداف الثورة في القطع مع الماضي وإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي.. الشعب أيضاً أعطى ثقته لأحزاب إما تدافع عن الهوية العربية الإسلامية أو لم تعرف بعدائها لهذه الهوية، شعبنا أيضاً عاقب أحزاباً أرادت أن تحافظ على تراث «بن علي» في استعمال سلاح الخوف خاصة ضد الإسلاميين، وبنت حملتها الانتخابية ليس على تقديم برامجها، ولكن على التخويف من «النهضة» ونشر الأكاذيب حولها، هذه الأحزاب كانت حصيلتها الانتخابية هزيلة جداً، لم تتحقق مخاوف أو أماني بعض الأطراف بأن الانتخابات سوف تلد مجلساً مفتّتاً بين الكم الهائل من الأحزاب التي فاق عددها المائة والعديد من القائمات المستقلة. لكن شعبنا أكد وعيه بإعطائه الأغلبية لـ«النهضة» حتى تشكل العمود الفقري لحكم مستقر، وأعطى ثقته أيضاً لحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل الحريات بما يمثل رسالة للجميع أن الشعب يريد حكومة ائتلافية بين أحزاب تريد القطع مع الماضي وبناء مستقبل ديمقراطي.
< تشكل الوزارتان الأمنيتان هاجساً للشعوب (الدفاع والداخلية)، وخصوصاً أن الشعب التونسي عانى من الظلم والقهر.. هل لديكم رؤية أمنية لهذين الجهازين في الحكومة الجديدة؟ - ليس لقوات الجيش التونسي علاقة بالظلم والقهر، فهذه القوات كان لها شرف حماية الثورة عند هروب الرئيس المخلوع، كما أمَّنت البلاد من الانفلات الأمني عند انهيار الأمن في البلاد، كما كان لها شرف حماية صناديق الاقتراع.. أما جهاز الأمن ممثلاً في وزارة الداخلية، فهو جهاز مركب ومتعدد الأجهزة والقيادات ولا شك أن هناك تحسناً بعد الثورة في أداء قوات الأمن التي كانت لها مشاركة في تأمين الانتخابات الديمقراطية التي شهدتها بلادنا، كما قامت بمقاومة عصابات النهب والترويع في البلاد التي عملت على إرباك الساحة الوطنية بزعزعة الاستقرار. ولا شك أن هذا الجهاز يحتاج إلى إعادة هيكلة تعيد الاعتبار لرجل الأمن كساهر على حماية المواطنين وفي خدمتهم، وليس أداة لقمعهم وفي خدمة نظام بعينه، كما يحتاج هذا الجهاز إلى ترسيخ قيم حقوق الإنسان واحترام القانون لتطوير أداء الأجهزة الأمنية في خدمة الوطن والمواطن بعيداً عن التوظيف السياسي.
< في ظل نقص الموارد الطبيعية لتونس، واعتمادها على السياحة بشكل مباشر، هذا التحدي في إيجاد اقتصاد قوي لتونس يعالج مشكلات المجتمع التونسي المزمنة، فكيف ستواجهونه؟ - لقد تحدد منوال التنمية للحركة في برنامجها الاقتصادي الذي تقدمت به في حملتها الانتخابية وعلى أساسه رشحها الشعب لقيادة المرحلة القادمة، وقد بين البرنامج أهمية القطاع السياحي بالنسبة للاقتصاد الوطني وضرورة تطويره بما يرفع من مردوديته على مستوى الدخل الوطني، بتوسيع دائرة نشاطه ليشمل المناطق الداخلية، وبعث السياحة الثقافية والتركيز على نوعية السياح ومردوديتهم بدلاً من العدد الكبير ذي المردودية المحدودة. كما بين البرنامج الاقتصادي ضرورة دعم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي مع تنويع هذه الشراكة لتشمل القوى الاقتصادية الدولية في آسيا وأمريكا مع توسيع المجال التجاري لبلادنا ليضم أشقاءنا في المغرب العربي كخطوة في اتجاه بناء السوق العربية المشتركة، مع تشجيع الاستثمارات الخارجية والداخلية، وخاصة تلك القائمة على رؤوس أموال عربية شقيقة مثل إخواننا في الخليج العربي.
< عندما تتصدر «النهضة» المشهد السياسي، هل تعتقدون أن حصاراً ما سيكون للاقتصاد التونسي عربياً ودولياً؟ - أولاً نحن حريصون على تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع القوى الفاعلة في الساحة، ولا أعتقد أن أحداً من دعاة الديمقراطية في العالم يفكر في محاصرة اختيار الشعب التونسي؛ لأنه يكون بذلك لا ديمقراطياً ومعادياً لإرادة الشعب، وعلى جميع القوى الدولية المساعدة في إنجاح هذه التجربة الديمقراطية الأولى في العالم العربي.
< ما موقفكم من شركاء السلطة البائدة؛ مسؤولين وأحزاباً، والموقف من الأحزاب التي لم توفق في الانتخابات؟ كما يبدو في الأفق حراك سياسي مناهض لحكم النهضة، كيف ستتعاملون مع المعارضة القادمة؟ - تونس بعد الثورة تدخل مرحلة جديدة قوامها الاعتراف بجميع القوى احتراماً لمبادئ الديمقراطية، وفي كنف احترام الجميع للقانون، وبالنسبة لبقايا الحزب المنحل فقد حسم الشعب أمر هؤلاء بإسقاطهم في الانتخابات، واختيار التيارات المعارضة للنظام السابق، في رسالة واضحة إلى حرص الشعب إلى القطع نهائياً مع النظام البائد، أما قوى المعارضة الجادة فسنعمل معها من أجل مصلحة البلاد في إطار الاعتراف بحقها في ممارسة دور المعارضة.
< ستكتبون الدستور بأغلبية النهضة، وهناك التباس عند الناس والحراك المدني فيما يتعلق بمرجعية الدولة.. فهل ستكون تونس المستقبل دولة نظام سياسي إسلامي، أم دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، أم دولة علمانية تحافظ على الهوية الدينية؟ نرجو فك الالتباس في ضوء توجهاتكم لكتابة الدستور. - صحيح أن حركة «النهضة» لها تمثيلية كبيرة داخل المجلس التأسيسي، ولكن لا نمتلك الأغلبية لنحدد بمفردنا طبيعة الدستور الذي سيسهر على إنجازه المجلس التأسيسي، وإنما بالتوافق مع شركائنا في المجلس، سنجتهد في صياغة دستور يعبِّر عن تطلعات الشعب التونسي في هذه المرحلة، وأعتقد أن الخطوط العريضة للدستور شبه متفق عليها من قبل التونسيين، خاصة منها ما تعلق بهوية البلاد، ومدنية الدولة، وترسيخ الحريات العامة والخاصة، وحماية حقوق الإنسان، مع ضمان استقلالية القضاء، وسد المنافذ عن عودة الدكتاتورية تحت أي شكل أو شعار.
< هل تملك «النهضة» وحلفاؤها القدرة السياسية والأكفاء لإدارة الدولة في مرحلة النهضة السياسية القادمة؟ وكيف ستتغلب «النهضة» على هذا التحدي؟ - تونس لديها رجال دولة، والحكومة القادمة هي حكومة وحدة وطنية، وتشكيل الحكومة لا يستدعي تغييراً جذرياً في إدارة الدولة، فالدولة التونسية وإدارتها تحديداً قائمة واستمرت في العمل حتى بعد الثورة؛ لأنها إدارة راسخة ولها تاريخ، ونحن سنبني على ما هو قائم، ونجتهد في تطويره وإصلاح ما يستوجب الإصلاح، مع الحفاظ على كل الكفاءات الوطنية التي لم تتورط في الفساد أو استغلال النفوذ.
< هل تتوقعون أن هناك ما يتم تدبيره في الخفاء؟ مثلاً كانقلاب مكرر لنسـخة الجزائر عندما اختار الشعب الجزائري الإسلاميين، وهو ما فعله التونسيون، ومما يذكر أن الكثيرين متخوفون من هذا الأمر. - نحن في تونس لسنا متخوفين من هذا الأمر؛ لأن الجيش الوطني حريص على حماية أمن البلاد، وهو الذي حافظ على كيان الدولة بعد الثورة وليس لديه النية لتغيير طبيعة النظام السياسي المدني في تونس والمقارنة مع الجزائر في هذا السياق غير موفقة لطبيعة العلاقة في الجزائر الشقيقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة، الزمن أيضاً مختلف جداً.
*المجتمع
أضافة تعليق