تمت الإضافة بتاريخ : 15/10/2011م
الموافق : 18/11/1432 هـ
حاوره: محمد حسين
منح الداعية الإسلامي الدكتور منير الغضبان الصحوة الإسلامية أكثر من خمسين عاما من سنوات عمره التي قاربت على السبعين، تربى خلالها داخل صفوف حركة الإخوان المسلمين، وكان أحد الزعماء البارزين لحركة الإخوان في سوريا قبل أن يتفرغ للدعوة والتأليف، حيث يبرز في هذا المجال كتابه الرائد ’’المنهج الحركي في السيرة النبوية’’، والذي شكل رافدا هاما من روافد التكوين والتأهيل الحركي الإسلامي.
وفي هذا الحوار سعت شبكة ’’الإسلام اليوم’’ لتقليب صفحات العمر مع الدكتور الغضبان، في محاولة لاستخلاص العبر والدروس من تجربته الدعوية والحركية الثرية.
د. الغضبان ورغم تأكيده على أن الحركة الإسلامية في صعود مستمر، إلا أنه لم كان صريحا وحادا عندما أشار للعديد من المعوقات الداخلية التي تعيق الحركة عن العمل، ومن بينها عدم قدرة الحركات الإسلامية على صناعة قيادات تحمل الدعوة على غرار ما أنتجته مدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
د. الغضبان أشار كذلك إلى أن طاقات الحركة الإسلامية مبعثرة وتحتاج إلى توحيد جهودها والبناء على ما وضعه السابقون، على أمل أن تواصل الطريق، ولن يقف المد الإسلامي. هذا بالإضافة للعديد من القضايا والموضوعات التي أثارها الحوار مع الدكتور منير الغضبان. فإلى نص الحوار.
- بداية.. قضيتم نحو 50 عامًا داخل الحركة الإسلامية، كيف تقيمون واقع الحركة الآن؟
* الحركة الإسلامية جزء من حركة الإسلام في هذا العالم، وفى هذه القرون قد تكون هناك عوائق أمام الحركة وقد تتعثر أحيانًا لكن حركة الإسلام ماضية والحركة الإسلامية جزء من حركة الإسلام التي تمضي في الطريق رغم العوائق, وأذكر كلمة للأستاذ حسن البنا قال فيها: ’’إذا رأيتم السجون قد فُتحت لكم والمشانق قد عُلقت لقتلكم فاعلموا أن دعوتكم بدأت تنتصر’’. فطبيعة الحركة هي الصراع بين الخير والشر والأصل فيها أن المواجهة بين الخير والشر لا تنتهي، ورغم المعوقات إلا أن الحركة الإسلامية هي الآن حركة عالمية وتشهد تمددًا، كما أنها بدأت تراجع مواقفها السابقة؛ لتلافى العثرات التي تواجهها على أمل أن تواصل الطريق، ولن يقف المد الإسلامي.
أخطاء فادحة
- إذا كان الواقع قد سجل تمدداً للحركة الإسلامية، إلا أنه بعد هجمات 11 سبتمبر تعرضت الحركة لهجوم عنيف، فهل تعتقدون أن هذا الهجوم أثر عليها؟
* علينا أن ننظر للأمر من زاويتين؛ الأولى: أن الهجوم على الحركة الإسلامية دليلٌ على حياة الحركة؛ فقبل أربعين عامًا كنت تسمع نشرة الأخبار فلا تجد خلال عام أو عامين كلمةً عن الحركة الإسلامية، والآن عندما تفتح وسائل الإعلام المختلفة تجد أن معظم الأخبار عن الحركة الإسلامية، فضلاً عن ذلك فإنّ الحركة انتقلتْ من المرحلة القُطْرِية إلى العالمية, كما أنها استفادت من الهجوم عليها، فقد كان هناك مخططٌ عالمي ضد الإسلام، لكنه غير معلن، إلا أننا الآن بصدد عداء ومخطط عالمي معلن، فهم يعلنون مواجهتهم للحركات الإسلامية؛ لأنهم يدركون أن هذه التيارات هي البديل لهم.
أما الزاوية الثانية: فتتمثل في كون الحقائق السابقة لا تعني أنّ الحركة الإسلامية ليس لديها أخطاء، فيجب أن ننظر إلى القضية خلال مراجعة المسيرة، واستعمال الأساليب المناسبة لطبيعة المعركة، وتحفيز الطاقات وتوجيهها، ومسابقة العصر في التمكن والتمكين في الدنيا, هذه القضية يجب أن تشغل بالنا، ولا يجب علينا أن نتعامل مع القضية على أننا جند الله، وطالما أننا جند الله فنحن على حق وهم على باطل، وإنما علينا أن نعرف أخطاءنا ونسعى لحلها, والاكتفاء بنظرة واحدة من هاتين النظريتين يُمَثِّل خللا في التصور.
- برأيك ما هي الأخطاء التي تحتاج الحركة الإسلامية إلى مراجعتها؟
* الأخطاء البارزة ألخصها في:
1- أننا لا نفقه واقعنا.. فالحركات الإسلامية تدرس الإسلام والحركة الإسلامية في عهد النبوة، وتأتي لتطبق واقع النبي وأصحابه على حاضرنا دون فقه، ودون معرفة هذا الواقع.
2- الخطأ الثاني هو فهم الإسلام نفسه.. فالإسلام جاء للبشرية في كل مراحلها، لكن لم يأتِ بالوسائل في كل هذه المراحل، ونحن أحيانًا تلتبس علينا القضية، فنظن أن الوسيلة واحدة. فعلى سبيل المثال نحن الآن تغلب علينا الحرب الإعلامية، وعندما ننظر إلى دورنا نجده بسيطًا، وقد نستطيع تجنب كثير من المِحَن إذا أحسنَّا التعامل مع الخصم، وكان لدينا آلة إعلامية فاعلة.
3- أما الثالث، فلا أستطيع أن أقول إنه خطأ بمقدار ما هو فقدان القيادة الواعية التي تستطيع استشراف المستقبل، وتتعامل مع الواقع بطريقة ملائمة، فلدينا كثير من القادة، لكن هل هذا القائد يملك المقومات التي تؤهله للقيادة، فيكون قادرًا على أن يتحرك بمن معه وفق التطور الذى نعيشه.
كما أننا نلاحظ -بكل أسف- أن الطاقات مبعثرة وأحيانًا متصارعة، وبالتالي يجب أن يكون حل هذه المشكلة على مستوى الحالة التي أنت فيها. أذكر أنني كتبت مرة مقالًا تحت عنوان: ’’حصاد قرن للمشروع الإسلامي’’، وقلت: إن العرب يعتبرون أن أعظم إنجاز يمكن تحقيقه هو أن تنسحب إسرائيل من أرض 67، وبذلك يمكن أن يكون لها اعتراف كامل، وهذا الأمر عندما عرض علينا في سنة 49 رفضه العرب، واعتبروه خيانة.. هذا هو واقعنا.
في المقابل انظر كيف استطاع سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يواجه ثلاث مِحَنٍ في وقت واحد: الرِّدَّة، والامبراطوريتين الفارسية والرومانية، ووحّد خلال سنتين فقط 14 دولة من الدول العربية الموجودة الآن، بينما عجز العرب خلال 50 عامًا أن يحلوا القضية الفلسطينية!
خلاصة الأمر أنه يجب أن يكون لدينا القدرة على تكييف تطبيق الإسلام على هذا الواقع.
تربية قاصرة
- كما ذكرتم: نجح سيدنا أبو بكر في أن ينجز في عامين ما لا يمكن إنجازه الآن، أو إنجاز بعض منه، هل السبب في ذلك أن هناك قصورًا في منهج التربية لدى الحركة الإسلامية..لماذا لم تفلح الحركة في تخريج جيل مماثل؟
* بنظرة عامة من خلال معيشة نصف قرن في الحركة الإسلامية أستطيع أن أقول: إن التربية في الحركة الإسلامية كانت قاصرةً في تحقيق الأهداف المطلوبة، وكانت كذلك غير شاملة، بحيث تستوعب الإنسان في كل جوانبه، فضلًا عن أنها كانت متخلفةً عن عصرها، فهذه السمات انعكست بصورةٍ أو بأخرى على فرز تفكير متخلف، ونماذج متخلفة في التعامل مع الواقع، ومحاولة تغييره، ولو قدَّم كل داعيةٍ تجربته ولم يَقُمْ بمحاربة التجارب الأخرى لاختلف الوضع عمَّا نحن فيه الآن, فنحن الآن بصدد غياب مرجعية عُلْيا، أو جهة علمية يرجع إليها الجميع.
شيء طبيعي أن يكون هناك خلاف. لكن بكل أسف انشغلنا كثيرًا بالآخرين بدلًا من أن ننشغل بأنفسنا، وكل من جاء ليضع منهج تربية جديد يقول: إنه سيضع حلاً للمشكلة من جذورها. وهذه هي النتيجة!
لو نظرت الآن لحصيلة شباب الحركات الإسلامية من التربية والثقافة ستجده لا يتناسب مع مستواه كداعية للتغيير, لكن يتناسب مع إنسان يحافظ على الصلوات ’’الحد الأدنى’’.
إضافةً إلى ذلك فإن التربية في الحركة الإسلامية كانت عبارة عن حفظ نصوص معينة، والذي ظهر من إبداع كان نتيجة الجهد الشخصي، وبالتالي إذا أمكننا أن نقول: إن أزمتنا ’’أزمة تربية’’ فلا نكون مخطئين.
ولذلك وعندما تكلمت عن التربية في ’’السيرة النبوية ’’ كان تصوري أننا في حاجة إلى اتباع هذا المنهج لتربية هذا الجيل، كنت أقول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بَنَى جيلاً كاملاً من القيادات لذلك، هذا الجيل- رغم عدده القليل- عندما تُوُفِّي الرسول استطاع أن يقود المجتمع، ويمضى بالإسلام إلى ما وصل إليه من فتح ثلثى الأرض خلال 30 عامًا.
روشتة العلاج
- ولماذا في رأيك لم تنجح الحركة الإسلامية في بناء عنصر القيادة؟
* أول الأسباب: الاستعجال في السعي للثمرة، ثُمّ محاولة الأعداء الحيلولة دون وصولنا إلى ما نريد من التربية. كما أنني أختلف مع الرأي القائل: إننا نربي، ثم ننزل إلى الساحة. فأنا أرى أن التربية مستمرة، وهى التي تعطي التصرف المناسب في الوقت الذي نحن فيه, وأردّ على الرأي القائل: إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظلّ يربي الصحابة 13 عامًا، ثم دعا إلى الدين، وأقول: إن هذا صحيح، لكنها ليست صورة مفروضةً علينا؛ فدولة الإسلام التي قامت في المدينة المنورة كانتْ من أناسٍ لم يمضِ على إسلامهم سنوات، وعندما أقيمتْ في بيعة العقبة كان المهاجرون الذين مرّ عليهم 13 عامًا لا يدرون أن هذه الدولة قد قامت, إذن ليست القضية قضيةَ زمن، وإنما التحرك بأساليب جديدة. كما أقول: نريد تربيةً تُرَاعَى فيها جوانب البناء الصحيح للإنسان، وتتعامل مع الواقع حسب مفرزاته.
- وما هي روشتة العلاج في نظر فضيلتك ؟
* العمل التربوي ليس به روشتات, هناك معاناة وتصور للواقع، فعلى سبيل المثال: هل الحركة الإسلامية في العالم لديها مدرسة إعداد قيادة؟ أذكر أن سورية توجد بها مدرسة إعداد حزبي للعالم العربي، يأتي إليها الناس من كل العالم العربي، ويتم تخريجهم، ثم يرجعون مرة أخرى إلى بلادهم, ومن ثم لابدَّ أن يكون لدينا مدرسة لإعداد القادة، أملًا في إخراج جيلٍ قياديٍّ يقدر المسئولية الملقاة على كاهله.
- أرى أنكم علقتم الحل لحين إنشاء معهد لإعداد القادة، وهو أَمْرٌ قد يتأخر كثيرًا في ظل الظروف الدولية، أليس هناك حل بديل؟
* على الأقل يمكننا أن نتساءل: هل من الممكن عقد مؤتمر حقيقي لعلماء ومثقفي الحركة لمناقشة القضية؟ قد تكون هناك أجهزة للتربية تلتقي، إلا أننا بحاجة إلى مؤتمر ليس محكومًا بزمن، يتفق فيه علماء التربية على مبادئ وأسس معينة، ومن بيئات مختلفة، وهذا الأمر يعتبر من أهم القضايا المستعجلة التي يجب أن نفكر بها.
- وما الحل إذن؟
* ليس هناك حل محدد, أصعب شيء هو بناء الإنسان، لكن هذا ليس معناه أننا نعدم تحديد مسار سليم لنضع أرجلنا على الطريق الصحيح في البناء التربوي، هذه هي القضية التي أبحث عنها، ومع ذلك لست متشائمًا, على سبيل المثال اخترت موضوعًا أكتب فيه مثل ’’سيد قطب.. ضد العنف’’ وكان عليَّ أن أقدم وثائق؛ حتى أُغَيِّر النظرة السائدة بأن فكر سيد قطب مرادف للعنف. فمقصدي: علينا أن نحدد مسارنا، ونفكر في الوسائل المناسبة.
من المسئول؟
- لا يحتاج أي متابع لأن يبذل جهدًا حتى يكتشف التدهور الأخلاقي الذي ساد العالم العربي والإسلامي.. فمن المسئول؟
* الحقيقة هناك جوانب كثيرة مسئولة، فالأنظمة بالأصل ليست حريصة على أن يكون هناك أخلاقيات عالية، وبعض الدول تعتبرها من الرجعية. وكذلك هناك مسئولية يتحملها الدعاة باستخدامهم أساليب متشددة في كل الجوانب، وليس فقط في جانب قضايا المرأة، فهناك المعاملات، والوفاء بالعقود، وأعتقد أن هناك شخصيات إسلامية في حاجة إلى تربية أخلاقية.
وأقول بشكل عام: إن العودة إلى الإسلام الفطري، نتيجة ما عانوه من انفجار الجاهلية، واستغلال الأنظمة الحاكمة والمفسدين، أصبح نوعًا من الاتجاه إلى الإسلام. والصحوة الإسلامية تملأ الأرض، لكن أين القيادات التي تقودها؟!
- بعد مرور 80 عامًا على نشأة جماعة الإخوان المسلمين أُمّ الحركات الإسلامية، كيف ترى واقع الحركة الآن؟
* أن توجد دعوة الإخوان في 80 دولة، أو أن تنتشر الدعوة في كل الأرض، فهذا دليل قوتها، وأفكارها التي طرحتها دليل نجاحها، لكن في المقابل لابدَّ أيضا ألا نعيش على وهم الانتصارات، لأننا مازلنا في أول الطريق، ولابد أن يكون لدينا القدرة في كل قُطْر نعيش فيه على الريادة الحقيقية للدعوة الإسلامية هناك.
أقول: بكل أسف، لا نستفيد من تجارب بعضنا، ونقع في نفس الأخطاء، ولذلك أدعو العاملين للإسلام إلى دراسة الحركات الإسلامية والحركات المعادية للإسلام في الوصول إلى الحكم, لماذا كل خصوم الإسلام نجحوا في إقامة دولتهم، مثل اليهود الذين كانوا مغيبين منذ أكثر من 14 قرنًا، ثم أقاموا دولتهم.
وأختم كلامي بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وأرجو أن يكون الجهاد بمفهومه العام: ألا تقضي على عدوك، وإنَّما أنْ تضمه إلى صفِّك.
*ينابيع
الموافق : 18/11/1432 هـ
حاوره: محمد حسين
منح الداعية الإسلامي الدكتور منير الغضبان الصحوة الإسلامية أكثر من خمسين عاما من سنوات عمره التي قاربت على السبعين، تربى خلالها داخل صفوف حركة الإخوان المسلمين، وكان أحد الزعماء البارزين لحركة الإخوان في سوريا قبل أن يتفرغ للدعوة والتأليف، حيث يبرز في هذا المجال كتابه الرائد ’’المنهج الحركي في السيرة النبوية’’، والذي شكل رافدا هاما من روافد التكوين والتأهيل الحركي الإسلامي.
وفي هذا الحوار سعت شبكة ’’الإسلام اليوم’’ لتقليب صفحات العمر مع الدكتور الغضبان، في محاولة لاستخلاص العبر والدروس من تجربته الدعوية والحركية الثرية.
د. الغضبان ورغم تأكيده على أن الحركة الإسلامية في صعود مستمر، إلا أنه لم كان صريحا وحادا عندما أشار للعديد من المعوقات الداخلية التي تعيق الحركة عن العمل، ومن بينها عدم قدرة الحركات الإسلامية على صناعة قيادات تحمل الدعوة على غرار ما أنتجته مدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
د. الغضبان أشار كذلك إلى أن طاقات الحركة الإسلامية مبعثرة وتحتاج إلى توحيد جهودها والبناء على ما وضعه السابقون، على أمل أن تواصل الطريق، ولن يقف المد الإسلامي. هذا بالإضافة للعديد من القضايا والموضوعات التي أثارها الحوار مع الدكتور منير الغضبان. فإلى نص الحوار.
- بداية.. قضيتم نحو 50 عامًا داخل الحركة الإسلامية، كيف تقيمون واقع الحركة الآن؟
* الحركة الإسلامية جزء من حركة الإسلام في هذا العالم، وفى هذه القرون قد تكون هناك عوائق أمام الحركة وقد تتعثر أحيانًا لكن حركة الإسلام ماضية والحركة الإسلامية جزء من حركة الإسلام التي تمضي في الطريق رغم العوائق, وأذكر كلمة للأستاذ حسن البنا قال فيها: ’’إذا رأيتم السجون قد فُتحت لكم والمشانق قد عُلقت لقتلكم فاعلموا أن دعوتكم بدأت تنتصر’’. فطبيعة الحركة هي الصراع بين الخير والشر والأصل فيها أن المواجهة بين الخير والشر لا تنتهي، ورغم المعوقات إلا أن الحركة الإسلامية هي الآن حركة عالمية وتشهد تمددًا، كما أنها بدأت تراجع مواقفها السابقة؛ لتلافى العثرات التي تواجهها على أمل أن تواصل الطريق، ولن يقف المد الإسلامي.
أخطاء فادحة
- إذا كان الواقع قد سجل تمدداً للحركة الإسلامية، إلا أنه بعد هجمات 11 سبتمبر تعرضت الحركة لهجوم عنيف، فهل تعتقدون أن هذا الهجوم أثر عليها؟
* علينا أن ننظر للأمر من زاويتين؛ الأولى: أن الهجوم على الحركة الإسلامية دليلٌ على حياة الحركة؛ فقبل أربعين عامًا كنت تسمع نشرة الأخبار فلا تجد خلال عام أو عامين كلمةً عن الحركة الإسلامية، والآن عندما تفتح وسائل الإعلام المختلفة تجد أن معظم الأخبار عن الحركة الإسلامية، فضلاً عن ذلك فإنّ الحركة انتقلتْ من المرحلة القُطْرِية إلى العالمية, كما أنها استفادت من الهجوم عليها، فقد كان هناك مخططٌ عالمي ضد الإسلام، لكنه غير معلن، إلا أننا الآن بصدد عداء ومخطط عالمي معلن، فهم يعلنون مواجهتهم للحركات الإسلامية؛ لأنهم يدركون أن هذه التيارات هي البديل لهم.
أما الزاوية الثانية: فتتمثل في كون الحقائق السابقة لا تعني أنّ الحركة الإسلامية ليس لديها أخطاء، فيجب أن ننظر إلى القضية خلال مراجعة المسيرة، واستعمال الأساليب المناسبة لطبيعة المعركة، وتحفيز الطاقات وتوجيهها، ومسابقة العصر في التمكن والتمكين في الدنيا, هذه القضية يجب أن تشغل بالنا، ولا يجب علينا أن نتعامل مع القضية على أننا جند الله، وطالما أننا جند الله فنحن على حق وهم على باطل، وإنما علينا أن نعرف أخطاءنا ونسعى لحلها, والاكتفاء بنظرة واحدة من هاتين النظريتين يُمَثِّل خللا في التصور.
- برأيك ما هي الأخطاء التي تحتاج الحركة الإسلامية إلى مراجعتها؟
* الأخطاء البارزة ألخصها في:
1- أننا لا نفقه واقعنا.. فالحركات الإسلامية تدرس الإسلام والحركة الإسلامية في عهد النبوة، وتأتي لتطبق واقع النبي وأصحابه على حاضرنا دون فقه، ودون معرفة هذا الواقع.
2- الخطأ الثاني هو فهم الإسلام نفسه.. فالإسلام جاء للبشرية في كل مراحلها، لكن لم يأتِ بالوسائل في كل هذه المراحل، ونحن أحيانًا تلتبس علينا القضية، فنظن أن الوسيلة واحدة. فعلى سبيل المثال نحن الآن تغلب علينا الحرب الإعلامية، وعندما ننظر إلى دورنا نجده بسيطًا، وقد نستطيع تجنب كثير من المِحَن إذا أحسنَّا التعامل مع الخصم، وكان لدينا آلة إعلامية فاعلة.
3- أما الثالث، فلا أستطيع أن أقول إنه خطأ بمقدار ما هو فقدان القيادة الواعية التي تستطيع استشراف المستقبل، وتتعامل مع الواقع بطريقة ملائمة، فلدينا كثير من القادة، لكن هل هذا القائد يملك المقومات التي تؤهله للقيادة، فيكون قادرًا على أن يتحرك بمن معه وفق التطور الذى نعيشه.
كما أننا نلاحظ -بكل أسف- أن الطاقات مبعثرة وأحيانًا متصارعة، وبالتالي يجب أن يكون حل هذه المشكلة على مستوى الحالة التي أنت فيها. أذكر أنني كتبت مرة مقالًا تحت عنوان: ’’حصاد قرن للمشروع الإسلامي’’، وقلت: إن العرب يعتبرون أن أعظم إنجاز يمكن تحقيقه هو أن تنسحب إسرائيل من أرض 67، وبذلك يمكن أن يكون لها اعتراف كامل، وهذا الأمر عندما عرض علينا في سنة 49 رفضه العرب، واعتبروه خيانة.. هذا هو واقعنا.
في المقابل انظر كيف استطاع سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يواجه ثلاث مِحَنٍ في وقت واحد: الرِّدَّة، والامبراطوريتين الفارسية والرومانية، ووحّد خلال سنتين فقط 14 دولة من الدول العربية الموجودة الآن، بينما عجز العرب خلال 50 عامًا أن يحلوا القضية الفلسطينية!
خلاصة الأمر أنه يجب أن يكون لدينا القدرة على تكييف تطبيق الإسلام على هذا الواقع.
تربية قاصرة
- كما ذكرتم: نجح سيدنا أبو بكر في أن ينجز في عامين ما لا يمكن إنجازه الآن، أو إنجاز بعض منه، هل السبب في ذلك أن هناك قصورًا في منهج التربية لدى الحركة الإسلامية..لماذا لم تفلح الحركة في تخريج جيل مماثل؟
* بنظرة عامة من خلال معيشة نصف قرن في الحركة الإسلامية أستطيع أن أقول: إن التربية في الحركة الإسلامية كانت قاصرةً في تحقيق الأهداف المطلوبة، وكانت كذلك غير شاملة، بحيث تستوعب الإنسان في كل جوانبه، فضلًا عن أنها كانت متخلفةً عن عصرها، فهذه السمات انعكست بصورةٍ أو بأخرى على فرز تفكير متخلف، ونماذج متخلفة في التعامل مع الواقع، ومحاولة تغييره، ولو قدَّم كل داعيةٍ تجربته ولم يَقُمْ بمحاربة التجارب الأخرى لاختلف الوضع عمَّا نحن فيه الآن, فنحن الآن بصدد غياب مرجعية عُلْيا، أو جهة علمية يرجع إليها الجميع.
شيء طبيعي أن يكون هناك خلاف. لكن بكل أسف انشغلنا كثيرًا بالآخرين بدلًا من أن ننشغل بأنفسنا، وكل من جاء ليضع منهج تربية جديد يقول: إنه سيضع حلاً للمشكلة من جذورها. وهذه هي النتيجة!
لو نظرت الآن لحصيلة شباب الحركات الإسلامية من التربية والثقافة ستجده لا يتناسب مع مستواه كداعية للتغيير, لكن يتناسب مع إنسان يحافظ على الصلوات ’’الحد الأدنى’’.
إضافةً إلى ذلك فإن التربية في الحركة الإسلامية كانت عبارة عن حفظ نصوص معينة، والذي ظهر من إبداع كان نتيجة الجهد الشخصي، وبالتالي إذا أمكننا أن نقول: إن أزمتنا ’’أزمة تربية’’ فلا نكون مخطئين.
ولذلك وعندما تكلمت عن التربية في ’’السيرة النبوية ’’ كان تصوري أننا في حاجة إلى اتباع هذا المنهج لتربية هذا الجيل، كنت أقول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بَنَى جيلاً كاملاً من القيادات لذلك، هذا الجيل- رغم عدده القليل- عندما تُوُفِّي الرسول استطاع أن يقود المجتمع، ويمضى بالإسلام إلى ما وصل إليه من فتح ثلثى الأرض خلال 30 عامًا.
روشتة العلاج
- ولماذا في رأيك لم تنجح الحركة الإسلامية في بناء عنصر القيادة؟
* أول الأسباب: الاستعجال في السعي للثمرة، ثُمّ محاولة الأعداء الحيلولة دون وصولنا إلى ما نريد من التربية. كما أنني أختلف مع الرأي القائل: إننا نربي، ثم ننزل إلى الساحة. فأنا أرى أن التربية مستمرة، وهى التي تعطي التصرف المناسب في الوقت الذي نحن فيه, وأردّ على الرأي القائل: إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظلّ يربي الصحابة 13 عامًا، ثم دعا إلى الدين، وأقول: إن هذا صحيح، لكنها ليست صورة مفروضةً علينا؛ فدولة الإسلام التي قامت في المدينة المنورة كانتْ من أناسٍ لم يمضِ على إسلامهم سنوات، وعندما أقيمتْ في بيعة العقبة كان المهاجرون الذين مرّ عليهم 13 عامًا لا يدرون أن هذه الدولة قد قامت, إذن ليست القضية قضيةَ زمن، وإنما التحرك بأساليب جديدة. كما أقول: نريد تربيةً تُرَاعَى فيها جوانب البناء الصحيح للإنسان، وتتعامل مع الواقع حسب مفرزاته.
- وما هي روشتة العلاج في نظر فضيلتك ؟
* العمل التربوي ليس به روشتات, هناك معاناة وتصور للواقع، فعلى سبيل المثال: هل الحركة الإسلامية في العالم لديها مدرسة إعداد قيادة؟ أذكر أن سورية توجد بها مدرسة إعداد حزبي للعالم العربي، يأتي إليها الناس من كل العالم العربي، ويتم تخريجهم، ثم يرجعون مرة أخرى إلى بلادهم, ومن ثم لابدَّ أن يكون لدينا مدرسة لإعداد القادة، أملًا في إخراج جيلٍ قياديٍّ يقدر المسئولية الملقاة على كاهله.
- أرى أنكم علقتم الحل لحين إنشاء معهد لإعداد القادة، وهو أَمْرٌ قد يتأخر كثيرًا في ظل الظروف الدولية، أليس هناك حل بديل؟
* على الأقل يمكننا أن نتساءل: هل من الممكن عقد مؤتمر حقيقي لعلماء ومثقفي الحركة لمناقشة القضية؟ قد تكون هناك أجهزة للتربية تلتقي، إلا أننا بحاجة إلى مؤتمر ليس محكومًا بزمن، يتفق فيه علماء التربية على مبادئ وأسس معينة، ومن بيئات مختلفة، وهذا الأمر يعتبر من أهم القضايا المستعجلة التي يجب أن نفكر بها.
- وما الحل إذن؟
* ليس هناك حل محدد, أصعب شيء هو بناء الإنسان، لكن هذا ليس معناه أننا نعدم تحديد مسار سليم لنضع أرجلنا على الطريق الصحيح في البناء التربوي، هذه هي القضية التي أبحث عنها، ومع ذلك لست متشائمًا, على سبيل المثال اخترت موضوعًا أكتب فيه مثل ’’سيد قطب.. ضد العنف’’ وكان عليَّ أن أقدم وثائق؛ حتى أُغَيِّر النظرة السائدة بأن فكر سيد قطب مرادف للعنف. فمقصدي: علينا أن نحدد مسارنا، ونفكر في الوسائل المناسبة.
من المسئول؟
- لا يحتاج أي متابع لأن يبذل جهدًا حتى يكتشف التدهور الأخلاقي الذي ساد العالم العربي والإسلامي.. فمن المسئول؟
* الحقيقة هناك جوانب كثيرة مسئولة، فالأنظمة بالأصل ليست حريصة على أن يكون هناك أخلاقيات عالية، وبعض الدول تعتبرها من الرجعية. وكذلك هناك مسئولية يتحملها الدعاة باستخدامهم أساليب متشددة في كل الجوانب، وليس فقط في جانب قضايا المرأة، فهناك المعاملات، والوفاء بالعقود، وأعتقد أن هناك شخصيات إسلامية في حاجة إلى تربية أخلاقية.
وأقول بشكل عام: إن العودة إلى الإسلام الفطري، نتيجة ما عانوه من انفجار الجاهلية، واستغلال الأنظمة الحاكمة والمفسدين، أصبح نوعًا من الاتجاه إلى الإسلام. والصحوة الإسلامية تملأ الأرض، لكن أين القيادات التي تقودها؟!
- بعد مرور 80 عامًا على نشأة جماعة الإخوان المسلمين أُمّ الحركات الإسلامية، كيف ترى واقع الحركة الآن؟
* أن توجد دعوة الإخوان في 80 دولة، أو أن تنتشر الدعوة في كل الأرض، فهذا دليل قوتها، وأفكارها التي طرحتها دليل نجاحها، لكن في المقابل لابدَّ أيضا ألا نعيش على وهم الانتصارات، لأننا مازلنا في أول الطريق، ولابد أن يكون لدينا القدرة في كل قُطْر نعيش فيه على الريادة الحقيقية للدعوة الإسلامية هناك.
أقول: بكل أسف، لا نستفيد من تجارب بعضنا، ونقع في نفس الأخطاء، ولذلك أدعو العاملين للإسلام إلى دراسة الحركات الإسلامية والحركات المعادية للإسلام في الوصول إلى الحكم, لماذا كل خصوم الإسلام نجحوا في إقامة دولتهم، مثل اليهود الذين كانوا مغيبين منذ أكثر من 14 قرنًا، ثم أقاموا دولتهم.
وأختم كلامي بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وأرجو أن يكون الجهاد بمفهومه العام: ألا تقضي على عدوك، وإنَّما أنْ تضمه إلى صفِّك.
*ينابيع