إسماعيل عبد السلام أحمد هنية أبو العبد، من مواليد 1962م، هو رئيس وزراء السلطة الفلسطينية. ولد في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، وشغل منصب رئيس وزراء فلسطين بعد فوز حماس بأغلبية مطلقة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م، أقاله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في 14 يونيو 2007م في خطوة مثيرة للجدل بعد أحداث الحسم العسكري في حزيران 2007م، ويلقب حالياً من قبل أغلب أجهزة الإعلام والسلطة الوطنية الفلسطينية برئيس الحكومة المقالة القائمة بتصريف الأعمال حسب الدستور الفلسطيني، إلى أن يتم منح الحكومة التي كُلف بتشكيلها د.سلام فياض الثقة من المجلس التشريعي الفلسطيني.
ويمكن لرئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية أن يسجل براءات اختراع عديدة في دنيا السياسة العربية، فهو أول رئيس وزراء يخطب في المسجد ويؤم المصلين ويحفظ القرآن عن ظهر قلب ويجلس على رصيف المعبر مع العابرين بانتظار أن يفتح لهم ليمر حيث مقر سلطته المهددة منذ يومها الأول.
يعد «هنية» كذلك أول فلسطيني من الداخل، بل أول فلسطيني ولد وترعرع في أحد مخيمات غزة، ولا يزال يعيش فيه حتى الآن، ويتولى مسؤولية منصب كهذا ، إذ كانت المناصب الرئيسية في السلطة الفلسطينية تقتصر على العائدين. وهو الأصغر سناً بين من تولوا هذا المنصب.
يقول عنه «صالح زيدان» عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الذي عمل إلى جانب «هنية» ضمن «لجنة المتابعة العليا للفصائل الفلسطينية» إن: « أكثر ما يميز (أبو العبد) هو التواضع الجم والأدب الرفيع والأخلاق العالية والترفع عن صغائر الأمور والاستقامة وطيب المعاملة، وقدرته الفائقة على الاتصال بالآخرين وبناء جسور تواصل معهم.
هل رأينا رئيساً يهش للصغار ويلاعب بالكرة فإذا جاء وقت الجد شمر عن ساعده ؟ إنه أبو العبد هنية ( الشهيد الحي).
وقد أجرت معه مجلة البيان هذا الحوار:
الأخ أبو العبد بعد أن مضى على حركة حماس أربع سنوات في الحكم، كيف تقيمون هذه التجربة؟ وما أبرز إنجازات حكومتكم؟
من بداية الحكومة العاشرة ونحن على يقين أننا استلمنا موروثاً ثقيلاً ومهلهلاً، وبدأنا نسعى بكل طاقاتنا لإعادة بنائه على أسس مهنية وعلمية ووطنية.
بعد الحسم العسكري وشعورنا بأن الوقت بدا أكثر ملاءمة؛ قمنا بإعادة تشكيل لجنة الإصلاح والتطوير الإداري، وقامت اللجنة بإعادة دراسة جميع الهياكل التنظيمية للمؤسسات الحكومية، وآليات تطويرها ووضع أنظمة ولوائح لضبط هذا الأمر، وبناء على ذلك تعمل الآن المؤسسات ذات الصلة وفق هذه المعايير كوزارة التخطيط والأمانة العامة وديوان الموظفين.
وموازنة عام 2010 شكلت فارقاً مهماً في التطوير الإداري فهي الموازنة الأولى التي يقرها التشريعي منذ عام 2006، وهذا يدل على إرادة حقيقية ومشتركة بين الحكومة والتشريعي نحو تنظيم العمل الإداري والمالي للحكومة، علماً بأن الموازنة أقرت إعادة دمج بعض الوزارات والمؤسسات، وهذا ما نسعى لوضع آليات لتطبيقه في القريب العاجل، وكذلك أقرت الموازنة النظام المالي للصرف لهذا العام، والإحداثات الوظيفية، وكذلك المخصصات المالية للمشاريع المزمع تنفيذها خلال هذا العام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أقرت الحكومة المحددات العامة لخطة تقييم الأداء الحكومي للفترة ما بين عام 2006 وعام 2010 (أي: تجربتنا في الحكم)، وتعمل اللجنة الآن في المراحل الأخيرة لإخراج تقييم شامل بالاستعانة بخبراء من العمل الحكومي ومن خارجه، وسيتم دراسة التوصيات الصادرة عن اللجنة بشكل مركز والعمل وفقها خلال المرحلة القادمة، علماً بأن تجربة التقييم هي الأولى من نوعها في تاريخ السلطة.
* أهم إنجازات الحكومة:
- المستوى السياسي:
الصمود وإدارة القطاع رغم الحصار والحرب والفلتان الأمني السابق والمؤامرات.
- تسويق القضية بشكلها الحقيقي أمام العالم كله وإعادة الوجه المشرق لها بعد سواد أوسلو وأهله.
- شكلت الحكومة واقياً لمشروع المقاومة ونهجه وعوناً لهما.
- إدارة العلاقات الخارجية بشكل مختلف (وإن كان محدوداً)، ولكن بتوجه مختلف تماماً عمن سبقنا فالحكومة أعادت استحضار لغة العزة وثبات المواقف وهذا كان حاضراً في زيارات الوفود جميعها لغزة بدءاً من كارتر وحتى عمرو موسى.
- هناك كثير من الملفات للحكومة دور رائد فيها وبمشاركة الحركة ولكن المجال لا يتسع للحديث عنها وأعتقد أن الآخرين أشبعوها تحليلاً وتمحيصاً مثل: ملف المصالحة، وملف الأسرى، وملف الهدنة وغيرها..
- المستوى الإداري:
- إدارة العديد من الأزمات وما نجم عنها، مثل: حرب الفرقان وإدارة القطاع بعد الحسم العسكري، وكذلك استنكاف المعلمين عام 2008، وفوق ذلك كله إدارة القطاع في ظل الحصار.
- إعادة بناء المؤسسة الأمنية بمعايير وطنية ومهنية، وقد أخذ ذلك منا وقتاً وجهداً عظيماً وما زال لدينا الكثير لنقدمه في هذا المجال.
- القطاع الصحي: يمر القطاع الصحي الآن في أوضاع أفضل بكثير مما كان عليه في السابق، من خدمات أو منشآت أو غيره.
- المساعدات للشرائح الفقيرة: فقد قدمت الحكومة خلال الأعوام الأربعة الماضية ما يزيد عن 80 مليون دولار للعمال والطلبة والمرضى،...
من المعلوم أن الحصار الظالم الذي فرض على قطاع غزة قد أثر على مناحي الحياة ، فما نظرتكم لمستقبل هذا الحصار ولا سيما بعد حادث سفينة الحرية؟ وهل نجحت الحكومة في الاستثمار الإيجابي لهذه الحدث؟
كان للحصار آثار كبيرة على مناحي الحياة في قطاع غزة، وقد عانى الناس أشد المعاناة بفقدهم لاحتياجاتهم اليومية الأساسية. لكن كنا على ثقة كاملة بالله تعالى أولاً وأخيراً بأن الحصار زائل لا محالة، وكان للدور العربي والإسلامي والدولي أثر كبير في كسر هذا الحصار تدريجياً رغم أنف الاحتلال وحلفائه. وبالتأكيد فإن لحادثة سفينة الحرية آثاراً سياسية كبيرة على المنطقة وشكلت ضاغطاً لكسر هذا الحصار، ونعتقد بأن إستراتيجية الاحتلال في فرض الحصار لكسر الإرادة قد فشلت أمام صمود إرادة الشعب، وقد بدأ الحصار فعلاً بالزوال.
المتابع لعلاقة حماس بمصر يرى تراجعاً كبيراً في هذه العلاقة، فما سبب ذلك ؟ وهل ستشهد هذه العلاقة تحسناً في المستقبل القريب؟ وهل أنتم راضون عن فتح مصر للمعبر؟
علاقتنا مع مصر بوصفها دولة جوار هي علاقة إستراتيجية قائمة على التفاهم حيثما أمكن، ونعتقد أن مصر لها عمق استراتيجي عربياً وإسلامياً، وقد أكرمها الله بتحرير سيناء عام 1973م، ولكننا نأمل من القيادة المصرية أن تستمر في دورها نحو تحرير كامل الأراضي العربية.
ويشوب العلاقة الحالية بعض الفتور وسبب ذلك التباين في وجهات النظر ببعض الملفات، ونعتقد بأن هذا التباين يتم معالجته بالنقاش والتحاور.
وقد أكدنا دوماً على ضرورة فتح معبر رفح بشكل دائم، ونؤيد أي خطوة في سبيل رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، ونتمنى أن يستمر فتح المعبر بصورة متواصلة، وأن يتم توفير الأمان اللازم لأهل قطاع غزة في السفر ذهاباً وإياباً عبر المعبر وتأمين السلامة والراحة لهم.
لاحظنا أعداداً كبيرة من الوفود والزائرين لغزة وذلك بعد حادثة سفينة الحرية ، وكان من بينهم أمين عام جامعة الدول العربية (عمرو موسى) فهل لك أن تطلعنا على آثار هذه الزيارة؟
زيارة عمرو موسى كان لها الأثر الإيجابي في توطيد العلاقة، وكانت تهدف إلى استكشاف الأوضاع بعد الحرب. وقمنا بطرح أفكار جديدة على السيد عمرو موسى ولم يتم الرد في حينه على هذه الأفكار. كما أننا نرحب بهذه الزيارات التي تدعم صمود الشعب الفلسطيني وتؤيد مواقفه وحقوقه الشرعية.
إن حالة الانقسام في المجتمع الفلسطيني أحدثت حالة من الألم والتشاؤم في العالم الإسلامي، فهل ستشهد الساحة الفلسطينية قريباً نهاية لهذا الانقسام؟ وكيف تقيمون علاقة حركة حماس بالفصائل الفلسطينية؟
الحكومة الفلسطينية على أتم الاستعداد للتعامل مع أطياف الشعب الفلسطيني ومكوناته وفصائله كافة، وذلك في إطار الاحترام المتبادل وخدمة الصالح العام. وسياسة التعامل مع الفصائل قائمة على التواصل المباشر والدائم على مبدأ احترام الآخر واحترام أفكاره ومنهجه. وتعمل الحكومة على منح الجميع المساحة اللازمة للتعبير عن الرأي شريطة الابتعاد عن الإخلال بالنظام العام واحترام الحكومة وهيبتها وفق القوانين والأنظمة المعمول بها. بينما تعد علاقة حركة حماس بالفصائل الفلسطينية متميزة ومبنية على أسس متينة.
تشهد مدينة القدس في الآونة الأخيرة حالة من العدوان الصهيوني، وتغيير الهوية؛ فما دور حكومتكم في مواجهة ذلك؟
ملف القدس ملف صعب وشائك والعدو ينظر إليه بأهمية بالغة، ويسعى بقوته كلها لحسمه لصالحه سواء كان ذلك عبر تعزيز الاستيطان، أو سياسة الإبعاد لبعض القيادات، أو سياسة الهدم والتجريف والمضايقة لإخواننا المقدسيين، عوضاً عن الحفريات المستمرة في باحة الأقصى الشريف تحت الأرض وفوقها، وهذا كله يضعنا في تحدٍّ كبير، ونحن نؤكد دوماً أن القدس لنا ونسعى لاستثارة البعد الإسلامي للمقدسات في القدس على المستوى العربي والإسلامي، ونقدم كل الدعم الممكن لإخواننا المقدسيين وعلى رأسهم قيادات العمل الإسلامي، والحكومة هنا في غزة تعمل على تنظيم فعاليات بشكل دوري لإظهار أهمية ملف القدس إعلامياً وسياسياً.
سمعنا وقرأنا في الشهور الأخيرة أنه ربما تقوم إسرائيل بحرب جديدة في المنطقة ، هدفها إيران وسورية وحزب الله وربما غزة ؛ فما رأيكم في ذلك؟ وهل هناك جاهزية عند حركة حماس لمواجهة ذلك؟
طبيعة الاحتلال هي طبيعة إجرامية خرجت عن أي إطار قانوني وحقوقي وشرعي، ولا نستبعد قيام أي حرب جديدة، لكن لا نتمنى أن يدخل قطاع غزة في هذه الحرب ولا أي دولة أخرى؛ لأن ذلك سيؤثر سلباً على الأوضاع في المنطقة وسيزيد من تعقيد الأمور أكثر فأكثر.
وفي الأحوال جميعها فإن المقاومة ستكون جاهزة بعون الله للتصدي لأي عدوان صهيوني على القطاع وستقدم الحكومة كل ما تستطيعه لتدعم صمود أبناء شعبنا الفلسطيني.
في مثل هذا الشهر من العام الماضي وقعت أحداث مسجد ابن تيمية في مدينة رفح ، ألا ترى أن هذه الأحداث سببت تراجعاً في شعبية حماس ولا سيما مع الإسلاميين في غزة ؟ وكيف ترون مستقبل العلاقة مع الجماعات السلفية؟
إن ما جرى في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح من تداعيات وإطلاق نار ومقتل العديد من عناصر الأمن الفلسطيني والمدنيين، وما سبق تلك الأحداث من حرق لبعض المقاهي ومحلات الحلاقة وبعض المؤسسات، وغير ذلك من الأعمال المنافية للشريعة السمحة؛ يدفع الحكومة لأن تكون في لحظة حازمة وحاسمة من أمرها لأجل شعبها وقضيتها، ولتحافظ على الفكر الوسطي للشعب الفلسطيني الذي يرفض هذه الأمور كلها. والعلاقة مع الجماعات السلفية في فلسطين علاقة طيبة ومبنية على الاحترام المتبادل.
ما تقويمكم لتفاعل الناس في العالم الإسلامي والعربي لمواجهة الحصار الجائر على قطاع غزة؟ وهل ثمة رسالة توجهونها إلى العلماء والدعاة خصوصاً؟
إن القضية الفلسطينية حية وباقية في قلوب الشعوب العربية والإسلامية كافة، وقد وجهنا البوصلة نحو خيارات الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال وتحرير المقدسات، ولا زلنا نواصل العمل نحو توعية العالم بأسره في هذا الاتجاه.
وخلال السنوات السابقة ظهر واضحاً الدعم الكبير من الشعوب العربية والإسلامية في مواجهة الحصار الظالم على قطاع غزة، وما سمعناه من حديث الوفود القادمة إلى القطاع والمتواصلة دون انقطاع من شتى بقاع الأرض دليل قاطع بأن القضية حية وأن الجهود قائمة في سبيل رفع الحصار بشكل دائم، وقد توالى الدعم المادي والمعنوي للقطاع عبر القوافل العربية والإسلامية والدولية، التي حملت مساعدات عديدة، كسرت القيد ونصرت الحق وأثبتت الدور الحقيقي والفاعل للإنسان العربي الحر. في حين أن كل أحرار العالم أصبحوا يرون في غزة ملاذهم الحقيقي نحو تحقيق رؤيتهم في صراع قوى الاستعمار والاستبداد في العالم، ونحن بدورنا ندعم الجهود كلها ونقدرها ونتعاون من أجل إنجاحها.
وللعلماء والقادة والدعاة دور عظيم في توعية الأمة وتصحيح بوصلتها وإرشاد الناس للتمسك بدينهم وعقيدتهم، وترسيخ قيم الجهاد والمقاومة وعدم التنازل عن الحقوق، وأن فلسطين والقدس والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدة الإنسان المسلم. لا بد أن يكون لهم موقف في كل شأن وحال، كلٌّ في مكانه وموقعه.
ونشهد بأن الأمة فاعلة ومتحركة ولم تتوقف أبداً، لكن هذا التفاعل مع قضايا الأمة يجب أن يترجم على أرض الواقع فعلاً حازماً يسجله التاريخ، وغزة هي قضية الأمة لأنها رأس الحربة وصمام الأمان وبوابة النصر بإذن الله.
ما رأيكم بانطلاق المفاوضات المباشرة بين السلطة في رام الله والاحتلال؟
نؤكد دوماً أن أي مشاريع تهدف إلى تقويض المشروع الفلسطيني مرفوضة، وأن المفاوضات المباشرة التي تُدشن اليوم في أروقة البيت الأبيض تعد خرقاً للإجماع الوطني وغير ملزمة للشعب الفلسطيني ومن ثم فإن مصيرها الفشل كسابقاتها؛ لأنها لا تصب في مصلحة شعبنا الفلسطيني وإنما تصب في مصلحة الاحتلال وحلفائه في المنطقة.
فنحن لا نريد أن نُخدع من الأطراف ذاتها، ونُلدغ من الجحر ذاته مرة أخرى، فقد لُدغ الشعب الفلسطيني من مدريد إلى أوسلو إلى واي ريفر وإلى غيرها من الاتفاقيات السابقة والظالمة.
كما أن التفاوض مع الاحتلال يعطيه الغطاء لاستمرار حصاره للقطاع واستيطانه في الضفة وتهويده للقدس المحتلة وهو ما يتطلب العمل على عزل الاحتلال سياسياً ومحاكمة قادته لجرائمهم المتعددة وليس الحوار والتفاوض معهم.
*مجلة البيان
ويمكن لرئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية أن يسجل براءات اختراع عديدة في دنيا السياسة العربية، فهو أول رئيس وزراء يخطب في المسجد ويؤم المصلين ويحفظ القرآن عن ظهر قلب ويجلس على رصيف المعبر مع العابرين بانتظار أن يفتح لهم ليمر حيث مقر سلطته المهددة منذ يومها الأول.
يعد «هنية» كذلك أول فلسطيني من الداخل، بل أول فلسطيني ولد وترعرع في أحد مخيمات غزة، ولا يزال يعيش فيه حتى الآن، ويتولى مسؤولية منصب كهذا ، إذ كانت المناصب الرئيسية في السلطة الفلسطينية تقتصر على العائدين. وهو الأصغر سناً بين من تولوا هذا المنصب.
يقول عنه «صالح زيدان» عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الذي عمل إلى جانب «هنية» ضمن «لجنة المتابعة العليا للفصائل الفلسطينية» إن: « أكثر ما يميز (أبو العبد) هو التواضع الجم والأدب الرفيع والأخلاق العالية والترفع عن صغائر الأمور والاستقامة وطيب المعاملة، وقدرته الفائقة على الاتصال بالآخرين وبناء جسور تواصل معهم.
هل رأينا رئيساً يهش للصغار ويلاعب بالكرة فإذا جاء وقت الجد شمر عن ساعده ؟ إنه أبو العبد هنية ( الشهيد الحي).
وقد أجرت معه مجلة البيان هذا الحوار:
الأخ أبو العبد بعد أن مضى على حركة حماس أربع سنوات في الحكم، كيف تقيمون هذه التجربة؟ وما أبرز إنجازات حكومتكم؟
من بداية الحكومة العاشرة ونحن على يقين أننا استلمنا موروثاً ثقيلاً ومهلهلاً، وبدأنا نسعى بكل طاقاتنا لإعادة بنائه على أسس مهنية وعلمية ووطنية.
بعد الحسم العسكري وشعورنا بأن الوقت بدا أكثر ملاءمة؛ قمنا بإعادة تشكيل لجنة الإصلاح والتطوير الإداري، وقامت اللجنة بإعادة دراسة جميع الهياكل التنظيمية للمؤسسات الحكومية، وآليات تطويرها ووضع أنظمة ولوائح لضبط هذا الأمر، وبناء على ذلك تعمل الآن المؤسسات ذات الصلة وفق هذه المعايير كوزارة التخطيط والأمانة العامة وديوان الموظفين.
وموازنة عام 2010 شكلت فارقاً مهماً في التطوير الإداري فهي الموازنة الأولى التي يقرها التشريعي منذ عام 2006، وهذا يدل على إرادة حقيقية ومشتركة بين الحكومة والتشريعي نحو تنظيم العمل الإداري والمالي للحكومة، علماً بأن الموازنة أقرت إعادة دمج بعض الوزارات والمؤسسات، وهذا ما نسعى لوضع آليات لتطبيقه في القريب العاجل، وكذلك أقرت الموازنة النظام المالي للصرف لهذا العام، والإحداثات الوظيفية، وكذلك المخصصات المالية للمشاريع المزمع تنفيذها خلال هذا العام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أقرت الحكومة المحددات العامة لخطة تقييم الأداء الحكومي للفترة ما بين عام 2006 وعام 2010 (أي: تجربتنا في الحكم)، وتعمل اللجنة الآن في المراحل الأخيرة لإخراج تقييم شامل بالاستعانة بخبراء من العمل الحكومي ومن خارجه، وسيتم دراسة التوصيات الصادرة عن اللجنة بشكل مركز والعمل وفقها خلال المرحلة القادمة، علماً بأن تجربة التقييم هي الأولى من نوعها في تاريخ السلطة.
* أهم إنجازات الحكومة:
- المستوى السياسي:
الصمود وإدارة القطاع رغم الحصار والحرب والفلتان الأمني السابق والمؤامرات.
- تسويق القضية بشكلها الحقيقي أمام العالم كله وإعادة الوجه المشرق لها بعد سواد أوسلو وأهله.
- شكلت الحكومة واقياً لمشروع المقاومة ونهجه وعوناً لهما.
- إدارة العلاقات الخارجية بشكل مختلف (وإن كان محدوداً)، ولكن بتوجه مختلف تماماً عمن سبقنا فالحكومة أعادت استحضار لغة العزة وثبات المواقف وهذا كان حاضراً في زيارات الوفود جميعها لغزة بدءاً من كارتر وحتى عمرو موسى.
- هناك كثير من الملفات للحكومة دور رائد فيها وبمشاركة الحركة ولكن المجال لا يتسع للحديث عنها وأعتقد أن الآخرين أشبعوها تحليلاً وتمحيصاً مثل: ملف المصالحة، وملف الأسرى، وملف الهدنة وغيرها..
- المستوى الإداري:
- إدارة العديد من الأزمات وما نجم عنها، مثل: حرب الفرقان وإدارة القطاع بعد الحسم العسكري، وكذلك استنكاف المعلمين عام 2008، وفوق ذلك كله إدارة القطاع في ظل الحصار.
- إعادة بناء المؤسسة الأمنية بمعايير وطنية ومهنية، وقد أخذ ذلك منا وقتاً وجهداً عظيماً وما زال لدينا الكثير لنقدمه في هذا المجال.
- القطاع الصحي: يمر القطاع الصحي الآن في أوضاع أفضل بكثير مما كان عليه في السابق، من خدمات أو منشآت أو غيره.
- المساعدات للشرائح الفقيرة: فقد قدمت الحكومة خلال الأعوام الأربعة الماضية ما يزيد عن 80 مليون دولار للعمال والطلبة والمرضى،...
من المعلوم أن الحصار الظالم الذي فرض على قطاع غزة قد أثر على مناحي الحياة ، فما نظرتكم لمستقبل هذا الحصار ولا سيما بعد حادث سفينة الحرية؟ وهل نجحت الحكومة في الاستثمار الإيجابي لهذه الحدث؟
كان للحصار آثار كبيرة على مناحي الحياة في قطاع غزة، وقد عانى الناس أشد المعاناة بفقدهم لاحتياجاتهم اليومية الأساسية. لكن كنا على ثقة كاملة بالله تعالى أولاً وأخيراً بأن الحصار زائل لا محالة، وكان للدور العربي والإسلامي والدولي أثر كبير في كسر هذا الحصار تدريجياً رغم أنف الاحتلال وحلفائه. وبالتأكيد فإن لحادثة سفينة الحرية آثاراً سياسية كبيرة على المنطقة وشكلت ضاغطاً لكسر هذا الحصار، ونعتقد بأن إستراتيجية الاحتلال في فرض الحصار لكسر الإرادة قد فشلت أمام صمود إرادة الشعب، وقد بدأ الحصار فعلاً بالزوال.
المتابع لعلاقة حماس بمصر يرى تراجعاً كبيراً في هذه العلاقة، فما سبب ذلك ؟ وهل ستشهد هذه العلاقة تحسناً في المستقبل القريب؟ وهل أنتم راضون عن فتح مصر للمعبر؟
علاقتنا مع مصر بوصفها دولة جوار هي علاقة إستراتيجية قائمة على التفاهم حيثما أمكن، ونعتقد أن مصر لها عمق استراتيجي عربياً وإسلامياً، وقد أكرمها الله بتحرير سيناء عام 1973م، ولكننا نأمل من القيادة المصرية أن تستمر في دورها نحو تحرير كامل الأراضي العربية.
ويشوب العلاقة الحالية بعض الفتور وسبب ذلك التباين في وجهات النظر ببعض الملفات، ونعتقد بأن هذا التباين يتم معالجته بالنقاش والتحاور.
وقد أكدنا دوماً على ضرورة فتح معبر رفح بشكل دائم، ونؤيد أي خطوة في سبيل رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، ونتمنى أن يستمر فتح المعبر بصورة متواصلة، وأن يتم توفير الأمان اللازم لأهل قطاع غزة في السفر ذهاباً وإياباً عبر المعبر وتأمين السلامة والراحة لهم.
لاحظنا أعداداً كبيرة من الوفود والزائرين لغزة وذلك بعد حادثة سفينة الحرية ، وكان من بينهم أمين عام جامعة الدول العربية (عمرو موسى) فهل لك أن تطلعنا على آثار هذه الزيارة؟
زيارة عمرو موسى كان لها الأثر الإيجابي في توطيد العلاقة، وكانت تهدف إلى استكشاف الأوضاع بعد الحرب. وقمنا بطرح أفكار جديدة على السيد عمرو موسى ولم يتم الرد في حينه على هذه الأفكار. كما أننا نرحب بهذه الزيارات التي تدعم صمود الشعب الفلسطيني وتؤيد مواقفه وحقوقه الشرعية.
إن حالة الانقسام في المجتمع الفلسطيني أحدثت حالة من الألم والتشاؤم في العالم الإسلامي، فهل ستشهد الساحة الفلسطينية قريباً نهاية لهذا الانقسام؟ وكيف تقيمون علاقة حركة حماس بالفصائل الفلسطينية؟
الحكومة الفلسطينية على أتم الاستعداد للتعامل مع أطياف الشعب الفلسطيني ومكوناته وفصائله كافة، وذلك في إطار الاحترام المتبادل وخدمة الصالح العام. وسياسة التعامل مع الفصائل قائمة على التواصل المباشر والدائم على مبدأ احترام الآخر واحترام أفكاره ومنهجه. وتعمل الحكومة على منح الجميع المساحة اللازمة للتعبير عن الرأي شريطة الابتعاد عن الإخلال بالنظام العام واحترام الحكومة وهيبتها وفق القوانين والأنظمة المعمول بها. بينما تعد علاقة حركة حماس بالفصائل الفلسطينية متميزة ومبنية على أسس متينة.
تشهد مدينة القدس في الآونة الأخيرة حالة من العدوان الصهيوني، وتغيير الهوية؛ فما دور حكومتكم في مواجهة ذلك؟
ملف القدس ملف صعب وشائك والعدو ينظر إليه بأهمية بالغة، ويسعى بقوته كلها لحسمه لصالحه سواء كان ذلك عبر تعزيز الاستيطان، أو سياسة الإبعاد لبعض القيادات، أو سياسة الهدم والتجريف والمضايقة لإخواننا المقدسيين، عوضاً عن الحفريات المستمرة في باحة الأقصى الشريف تحت الأرض وفوقها، وهذا كله يضعنا في تحدٍّ كبير، ونحن نؤكد دوماً أن القدس لنا ونسعى لاستثارة البعد الإسلامي للمقدسات في القدس على المستوى العربي والإسلامي، ونقدم كل الدعم الممكن لإخواننا المقدسيين وعلى رأسهم قيادات العمل الإسلامي، والحكومة هنا في غزة تعمل على تنظيم فعاليات بشكل دوري لإظهار أهمية ملف القدس إعلامياً وسياسياً.
سمعنا وقرأنا في الشهور الأخيرة أنه ربما تقوم إسرائيل بحرب جديدة في المنطقة ، هدفها إيران وسورية وحزب الله وربما غزة ؛ فما رأيكم في ذلك؟ وهل هناك جاهزية عند حركة حماس لمواجهة ذلك؟
طبيعة الاحتلال هي طبيعة إجرامية خرجت عن أي إطار قانوني وحقوقي وشرعي، ولا نستبعد قيام أي حرب جديدة، لكن لا نتمنى أن يدخل قطاع غزة في هذه الحرب ولا أي دولة أخرى؛ لأن ذلك سيؤثر سلباً على الأوضاع في المنطقة وسيزيد من تعقيد الأمور أكثر فأكثر.
وفي الأحوال جميعها فإن المقاومة ستكون جاهزة بعون الله للتصدي لأي عدوان صهيوني على القطاع وستقدم الحكومة كل ما تستطيعه لتدعم صمود أبناء شعبنا الفلسطيني.
في مثل هذا الشهر من العام الماضي وقعت أحداث مسجد ابن تيمية في مدينة رفح ، ألا ترى أن هذه الأحداث سببت تراجعاً في شعبية حماس ولا سيما مع الإسلاميين في غزة ؟ وكيف ترون مستقبل العلاقة مع الجماعات السلفية؟
إن ما جرى في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح من تداعيات وإطلاق نار ومقتل العديد من عناصر الأمن الفلسطيني والمدنيين، وما سبق تلك الأحداث من حرق لبعض المقاهي ومحلات الحلاقة وبعض المؤسسات، وغير ذلك من الأعمال المنافية للشريعة السمحة؛ يدفع الحكومة لأن تكون في لحظة حازمة وحاسمة من أمرها لأجل شعبها وقضيتها، ولتحافظ على الفكر الوسطي للشعب الفلسطيني الذي يرفض هذه الأمور كلها. والعلاقة مع الجماعات السلفية في فلسطين علاقة طيبة ومبنية على الاحترام المتبادل.
ما تقويمكم لتفاعل الناس في العالم الإسلامي والعربي لمواجهة الحصار الجائر على قطاع غزة؟ وهل ثمة رسالة توجهونها إلى العلماء والدعاة خصوصاً؟
إن القضية الفلسطينية حية وباقية في قلوب الشعوب العربية والإسلامية كافة، وقد وجهنا البوصلة نحو خيارات الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال وتحرير المقدسات، ولا زلنا نواصل العمل نحو توعية العالم بأسره في هذا الاتجاه.
وخلال السنوات السابقة ظهر واضحاً الدعم الكبير من الشعوب العربية والإسلامية في مواجهة الحصار الظالم على قطاع غزة، وما سمعناه من حديث الوفود القادمة إلى القطاع والمتواصلة دون انقطاع من شتى بقاع الأرض دليل قاطع بأن القضية حية وأن الجهود قائمة في سبيل رفع الحصار بشكل دائم، وقد توالى الدعم المادي والمعنوي للقطاع عبر القوافل العربية والإسلامية والدولية، التي حملت مساعدات عديدة، كسرت القيد ونصرت الحق وأثبتت الدور الحقيقي والفاعل للإنسان العربي الحر. في حين أن كل أحرار العالم أصبحوا يرون في غزة ملاذهم الحقيقي نحو تحقيق رؤيتهم في صراع قوى الاستعمار والاستبداد في العالم، ونحن بدورنا ندعم الجهود كلها ونقدرها ونتعاون من أجل إنجاحها.
وللعلماء والقادة والدعاة دور عظيم في توعية الأمة وتصحيح بوصلتها وإرشاد الناس للتمسك بدينهم وعقيدتهم، وترسيخ قيم الجهاد والمقاومة وعدم التنازل عن الحقوق، وأن فلسطين والقدس والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدة الإنسان المسلم. لا بد أن يكون لهم موقف في كل شأن وحال، كلٌّ في مكانه وموقعه.
ونشهد بأن الأمة فاعلة ومتحركة ولم تتوقف أبداً، لكن هذا التفاعل مع قضايا الأمة يجب أن يترجم على أرض الواقع فعلاً حازماً يسجله التاريخ، وغزة هي قضية الأمة لأنها رأس الحربة وصمام الأمان وبوابة النصر بإذن الله.
ما رأيكم بانطلاق المفاوضات المباشرة بين السلطة في رام الله والاحتلال؟
نؤكد دوماً أن أي مشاريع تهدف إلى تقويض المشروع الفلسطيني مرفوضة، وأن المفاوضات المباشرة التي تُدشن اليوم في أروقة البيت الأبيض تعد خرقاً للإجماع الوطني وغير ملزمة للشعب الفلسطيني ومن ثم فإن مصيرها الفشل كسابقاتها؛ لأنها لا تصب في مصلحة شعبنا الفلسطيني وإنما تصب في مصلحة الاحتلال وحلفائه في المنطقة.
فنحن لا نريد أن نُخدع من الأطراف ذاتها، ونُلدغ من الجحر ذاته مرة أخرى، فقد لُدغ الشعب الفلسطيني من مدريد إلى أوسلو إلى واي ريفر وإلى غيرها من الاتفاقيات السابقة والظالمة.
كما أن التفاوض مع الاحتلال يعطيه الغطاء لاستمرار حصاره للقطاع واستيطانه في الضفة وتهويده للقدس المحتلة وهو ما يتطلب العمل على عزل الاحتلال سياسياً ومحاكمة قادته لجرائمهم المتعددة وليس الحوار والتفاوض معهم.
*مجلة البيان