عندما تتهشم المشاعر
عندما يفقد المرء الإحساس الأدبي، أو يتهاوى إحساسه الخلقي في درجات الانحدار، تتهشم المشاعر وتتساقط كالورق الذي فقد ارتباطه العضوي بالساق أو الفن الذي كان يرويه ويغذيه.
وتهشم المشاعر مرحلة من مراحل عدم الاكتراث بحقوق الآخرين : الشرعية أو المادية أو المعنوية أو الأدبية ، أو مكانتهم التي وهبها لهم خالقهم، وما أكثر أنواعها ودرجاتها ومجالاتها.
وتساقط المشاعر يتلبس بالفرد عندما يرى أنه الأفضل فهما وعقلا، أو أسلوبا ومنطقا، أو مهارة وحذقاً، أو مالا وتكسبا. فيتجافى عن الحق والحقيقة، فتندلق مشاعره، وتنسلخ من الآداب والأخلاق الحافظة للمشاعر الصحيحة السليمة.
وهنا يأتي التفسير التربوي؛ والمعالجة الحكيمة، والتي خلاصتها : أن تهشم المشاعر وليد انعدام استشعار النفس لغيها، الذي قادها إلى تطاول غيرها، أو عدم قدرة صاحبها على كشف حقيقتها، وتهذيبها إن علم بحقيقة أمرها. وجهله بمواقع المكارم وفضلها.
كما أن للخبرات المؤلمة السابقة حظها في تهشم المشاعر، والتي تلقاها من بيئته الصغيرة التي أحاطت به حال نشأته وتنشئته إبان طفولته ومطلع ريعان شبابه. إضافة إلى غياب الخبرات الصالحة أو قلتها حتى توقظ لديه مشاعر الأدب التي تتفاعل مع أخلاق الإسلام وهديه، وتتعايش مع محيطه الاجتماعي، بما يربي فيه : أن الخروج عنها هو خروج عن أسورة ليس بمقدوره تسورها، أو اقتحامها، فتلازمه في شؤونه وتصرفاته.
ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى كثيرا ممن تهشمت مشاعرهم، فقد جاء في الحديث (أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم منها يعطي الناس. فقال : يا محمد ! اعدل. قال : ويلك ! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) .
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله كيف نراعي حقوق غيرنا بتربية مشاعرنا على الخير، من خلال معرفة حقوق الآخرين ومشاعرهم،حيث قال صلى الله عليه وسلم للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ ( قوموا لسيدكم) ويقول (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وغير ذلك من التوجيهات التي تربي المشاعر على اليقظة والانتباه.
وقد يتحمل الوالدان شيئا من ذلك بالتقصير في التوجيه، أو من خلال القدوة التي تحمل شيئا من ذلك، وقد يبوء الرفاق الجهال بنصيب في تهشم المشاعر، وقد يكون للمعلم حظا لتقصيره في التوجيه.
وأما معالجة ذلك فتكمن في أربعة عناصر:
الأول : التفقه في أخلاق الإسلام وهديه، فقد حوت سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم ما يتهذب به الجفاة من الناس.
الثاني : إدراك محاسن المتخلقين بمكارم الأخلاق، وما نالوه من سمعة في الدنيا، والجزاء الأكمل في الآخرة.
الثالث : التفكر في طباع الناس، وتفاوتهم في الآداب، ومحاسن الأخلاق، ومساوئ كل شائنة من المساوئ الخلقية.
الرابع : التطلع إلى رضا الرب سبحانه وتعالى، والدعاء والالتجاء إلى الله المعطي لمحاسن الأخلاق، كما كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقول: (...واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أ.د. خالد بن حامد الحازمي
عندما يفقد المرء الإحساس الأدبي، أو يتهاوى إحساسه الخلقي في درجات الانحدار، تتهشم المشاعر وتتساقط كالورق الذي فقد ارتباطه العضوي بالساق أو الفن الذي كان يرويه ويغذيه.
وتهشم المشاعر مرحلة من مراحل عدم الاكتراث بحقوق الآخرين : الشرعية أو المادية أو المعنوية أو الأدبية ، أو مكانتهم التي وهبها لهم خالقهم، وما أكثر أنواعها ودرجاتها ومجالاتها.
وتساقط المشاعر يتلبس بالفرد عندما يرى أنه الأفضل فهما وعقلا، أو أسلوبا ومنطقا، أو مهارة وحذقاً، أو مالا وتكسبا. فيتجافى عن الحق والحقيقة، فتندلق مشاعره، وتنسلخ من الآداب والأخلاق الحافظة للمشاعر الصحيحة السليمة.
وهنا يأتي التفسير التربوي؛ والمعالجة الحكيمة، والتي خلاصتها : أن تهشم المشاعر وليد انعدام استشعار النفس لغيها، الذي قادها إلى تطاول غيرها، أو عدم قدرة صاحبها على كشف حقيقتها، وتهذيبها إن علم بحقيقة أمرها. وجهله بمواقع المكارم وفضلها.
كما أن للخبرات المؤلمة السابقة حظها في تهشم المشاعر، والتي تلقاها من بيئته الصغيرة التي أحاطت به حال نشأته وتنشئته إبان طفولته ومطلع ريعان شبابه. إضافة إلى غياب الخبرات الصالحة أو قلتها حتى توقظ لديه مشاعر الأدب التي تتفاعل مع أخلاق الإسلام وهديه، وتتعايش مع محيطه الاجتماعي، بما يربي فيه : أن الخروج عنها هو خروج عن أسورة ليس بمقدوره تسورها، أو اقتحامها، فتلازمه في شؤونه وتصرفاته.
ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى كثيرا ممن تهشمت مشاعرهم، فقد جاء في الحديث (أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم منها يعطي الناس. فقال : يا محمد ! اعدل. قال : ويلك ! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) .
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله كيف نراعي حقوق غيرنا بتربية مشاعرنا على الخير، من خلال معرفة حقوق الآخرين ومشاعرهم،حيث قال صلى الله عليه وسلم للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ ( قوموا لسيدكم) ويقول (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وغير ذلك من التوجيهات التي تربي المشاعر على اليقظة والانتباه.
وقد يتحمل الوالدان شيئا من ذلك بالتقصير في التوجيه، أو من خلال القدوة التي تحمل شيئا من ذلك، وقد يبوء الرفاق الجهال بنصيب في تهشم المشاعر، وقد يكون للمعلم حظا لتقصيره في التوجيه.
وأما معالجة ذلك فتكمن في أربعة عناصر:
الأول : التفقه في أخلاق الإسلام وهديه، فقد حوت سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم ما يتهذب به الجفاة من الناس.
الثاني : إدراك محاسن المتخلقين بمكارم الأخلاق، وما نالوه من سمعة في الدنيا، والجزاء الأكمل في الآخرة.
الثالث : التفكر في طباع الناس، وتفاوتهم في الآداب، ومحاسن الأخلاق، ومساوئ كل شائنة من المساوئ الخلقية.
الرابع : التطلع إلى رضا الرب سبحانه وتعالى، والدعاء والالتجاء إلى الله المعطي لمحاسن الأخلاق، كما كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقول: (...واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أ.د. خالد بن حامد الحازمي