السلفية في الصومال.. من مزاحمة الصوفية إلى المشاركة السياسية
محمد أحمد عبدالله / 22-03-2009
السلفية الجهادية حاضرة بقوة في الصومالالصومال كغيره من بلدان العالم الإسلامي التي شهدت في منتصف القرن الماضي صحوة إسلامية، تركت بصمات واضحة على جميع مجالات الحياة في البلاد، وصاحب هذه الصحوة تيارات فكرية متقاربة في بعض الأشياء، ومتفاوتة في البعض الآخر، وعلى رأس هذه التيارات كان التيار السلفي الذي كان يبحث عن موطئ قدم له في الأراضي الصومالية، والتي كانت مرتعا مفتوحا للطرق الصوفية بمختلف أطيافها.
يعد الشيخ نور الدين علي علو الأب الروحي للدعوة السلفية في الصومال؛ حيث وصل إلى الصومال في الخمسينيات من القرن الماضي قادما من مصر، ومتخرجا من الأزهر الشريف، ومبشرا بدعوة سلفية جديدة على الصوماليين. ونزل في أول الأمر في مدينة جالكعيو، والتي كانت معقلا لطريقة الزيلعية الصوفية (أحد فروع القادرية)، والتي واجهت بكل تحد وإصرار وجود الشيخ نور الدين داخل معقلها؛ مما اضطره أن يغادر إلى العاصمة مقديشو، وبدأ حلقات التدريس في مسجد ’’مقام الشيخ عبد القادر الجيلاني’’.
منذ وصول الشيخ نور الدين علي علو إلى الصومال حتى أواخر الستينيات من القرن الماضي وحتى عام 1967م كانت السلفية وجميع التيارات الفكرية في الساحة لم تتطور إلى مستوى تنظيم -ما عدا حركة وحدة الشباب الصومالي التي تأسست عام 1960م في المناطق الشمالية للصومال- حتى ظهرت إلى الساحة جماعة النهضة وهي تنظيم لا يعبر عن انتماء فكري معين وإنما تشكيلة من الشباب المتأثر بموجات الصحوة الإسلامية في الأقطار الإسلامية، ودرس معظمهم في كل من مصر والسعودية، وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن الشيخ عبد الغني الشيخ أحمد أحد رواد فكر الإخوان في الصومال كان وراء فكرة تأسيس هذا التنظيم.
وعلى أي حال كانت بداية النواة الأولى للمجموعات الإسلامية، ثم تتابع ظهور التنظيمات الإسلامية على هذه الشاكلة، حتى ظهرت جماعة الأهلي في عام 1971م، وهي بمثابة بالون اختبار للحكومة العسكرية والتي منعت جميع الأحزاب السياسية بما فيها الجماعات الدينية، لكن كغيرها من الجماعات التي سبقتها عصف بجماعة الأهلي، وانقسم الإسلاميون المنضوون تحت لوائها إلى مجموعة يقودها رئيس الجماعة عبد القادر الشيخ محمود باسم ’’جماعة المؤمنين’’، وتبنت الأطروحات الفكرية لجماعة التكفير والهجرة، بينما مجموعة أخرى غالبيتهم من مريدي وأتباع فضيلة الشيخ محمد معلم حسن، الأب الروحي لدعوة الإخوان في الصومال، أسسوا الجماعة الإسلامية كوريث طبيعي للأهلي.
وهذه التنظيمات أو المسميات المتعاقبة لا تعبر عن توجه فكري بعينه، وإنما هي خليط من السلفية والإخوان، بغض النظر عمن يميل ميزان الترجيح إلى جانبه، وإنما كانت وعاء يضم مجموعة من الشباب المتحمسين للعمل الإسلامي، لكن الجماعة الإسلامية كانت آخر محطة للتنظيمات المزدوجة الفكر والهوية؛ حيث تمخض منها ثلاث مجموعات رئيسية كانت ولا تزال الحصيلة النهائية لمارثون التيارات الإسلامية الوافدة على المجتمع الصومالي، والذي كان ولمدة طويلة يدين بالولاء للطرق الصوفية التقليدية مثل الصالحية، والأحمدية، والقادرية، وغيرها من الطرق المنتشرة في ربوع الصومال، وهذه المجموعات الثلاثة هي:
1- حركة الإصلاح: تنظيم إخواني تأسس عام 1978م.. انتشر وتوسع في غضون عقدين من الزمن حتى كاد يصبح أقوى تنظيم إسلامي في القرن الإفريقي، قبل أن يتجرّع بدوره طعم الخلافات والانقسامات.
2- الجماعة الإسلامية والتي بدورها انقسمت إلى:
- حركة الإخوان: وهي مجموعة تمثل الجناح الإخواني في الجماعة الإسلامية، ولديها بعض التحفظات من التوجه السلفي، وكانت تتمحور حول الشيخ محمد معلم حسن، وهي ما يعرف اليوم بحركة التجمع الإسلامي (آل الشيخ).
- حركة الاتحاد الإسلامي: تنظيم إسلامي يضم المجموعات السلفية في كل من الجماعة الإسلامية في الجنوب، وحركة وحدة الشباب في الشمال، مع انفصال الوحدة لاحقا، وهي أقرب ما تكون متأثرة بالسلفية السرورية؛ حيث تقتبس من الإخوان في موضوع التنظيم الحركي، وتشبه بقية المجموعات السلفية فيما يخص السلوك الفردي والقضايا الفكرية.
واهتمت حركة الاتحاد بالنشاط المسلح في وقت مبكر من انهيار الدولة المركزية في الصومال، وخاضت معارك عنيفة في كل من بوصاصو ضد العقيد عبد الله يوسف، وفي جسر أرارة في جنوب الصومال ضد مقاتلي المؤتمر الصومالي الموحد بقيادة جنرال عيديد الراحل، ومع القوات الإثيوبية في كل من منطقة جدو جنوب غرب الصومال، وفي منطقة أوغادين، وبعد تعرض الحركة لهزائم متلاحقة في الميدان العسكري قررت الابتعاد عن السلاح والتوجه العسكري، وتغيير اسم الحركة إلى ’’جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة’’ في اندماج ثنائي مع التجمع الإسلامي في الشمال (الوحدة سابقا).
التيار السلفي والبحث عن دور
الشيخ بشير صلاد أمير جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة
التيار السلفي ومنذ اختياره للعمل الدعوي السلمي، والانتقال من حركة الاتحاد الإسلامي المسلحة إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة الدعوية، دخل في رحلة طويلة للبحث عن الهوية والدور المناسب لها في ظل البيئة الصومالية المعقدة، والتي تتسم بكثرة التقلبات، وتداخل العوامل الاجتماعية والسياسية؛ ففي عام 1993م ظهر في داخل التيار مجموعة اشتهرت باسم السلفية الجديدة، وهي تناهض التنظيمات الحركية، والتوجه السياسي للسلفية، وتدعو إلى اللاجماعية في العمل الدعوي، وهي مشابهة تماما للسلفية الخليجية وبصفة خاصة السعودية والتي ليس لها نصيب من الحياة السياسية إلا مساحة ضيقة جدا في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المسائل المتعلقة بالأخلاق العامة.
ثم ظهرت حركة الشباب المجاهدين من رحم حركة الاتحاد الإسلامي (الاعتصام حاليا) بتوجه سلفي جهادي يدعو إلى مواصلة حمل السلاح، متمردا على جماعة الاعتصام وقرارها القاضي بتجميد العمل المسلح، ومنذ انهيار نظام المحاكم في الصومال أواخر عام 2006م أصبحت قوة هذا التنظيم تزداد يوما بعد يوم، وتصنف كأقوى المجموعات المسلحة في الصومال، وفي عام 2008م تأسست الجبهة الإسلامية، كذراع عسكري لجماعة الاعتصام مستقلة عن قيادة قوات المحاكم الإسلامية، ثم واجهت الجبهة ضغوطا من قيادات الجماعة من أجل محاولة إعادتها إلى حظيرة المحاكم؛ مما جعلها تتصدع إلى فصيلين، أحدهما موال للمحاكم والآخر يستقل عنها، إضافة إلى وجود عدد من المعسكرات السلفية والتي تأسست في البداية على أسس قبلية مناطقية في أقصى جنوب الصومال.
وفي هذه السنة 2009م توحدت ثلاثة فصائل سلفية وهم: فصيل من الجبهة الإسلامية ومعسكري رأس كمبوني، والفاروق (عانولي)، إلى جانب تحالف المعارضة (جناح أسمرا)، باسم ’’الحزب الإسلامي’’ بقيادة الدكتور عمر إيمان أبو بكر، والشيخ حسن عبد الله حرسي ’’تركي’’، وهكذا توصلنا إلى حصيلة مفادها:
- غياب إستراتيجية سلفية موحدة تسعى إلى تحقيق أهداف تترجم عن مبادئ وطموحات التيار السلفي في الصومال وفي القرن الإفريقي، وإنما هناك تخبط وارتجالية.. تواجد في كل الأصعدة المتناقضة، في أسمرا وجيبوتي.. في الحكومة ومعارضتها.. في المحاكم وفي الشباب، والجبهة والمعسكرات الجنوبية، وفي هيئة العلماء، وجماعة الوفاق.
- أن جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة تعيش في وضع لا تحسد عليه ما بين السلفية الجديدة التي تتهمها بالانحراف عن المسار الدعوي السلفي، والتأثر بالمجموعات الإخوانية والجهادية المتلهثة للحكم والعمل المسلح، وبين المجموعات السلفية الجهادية التي تتهمها بالتقصير في الجهاد والعمل الإسلامي، من أمثال حركة الشباب، والحزب الإسلامي.
الوجه الاجتماعي للسلفية
يتمتع التيار السلفي بتواجد كبير في أوساط المجتمع الصومالي، فقلما يوجد مجال من مجالات الحياة ليس فيه للتيار السلفي تواجد ملحوظ، فمن البيت والأسرة إلى السوق مرورا بالشارع والحافلات العامة، والمساجد، وخلاوي تحفيظ القرآن، تظهر تأثيرات الحالة السلفية في المجتمع، كما أن معظم الرموز الدينية في الصومال تنتمي للتيار السلفي بمختلف مسمياته وتكويناته من أمثال الشيخ شريف عبد النور العالم الأزهري ومفتي الصومال، والشيخ محمد نور القوي، والشيخ عمر الفاروق الحاج عبد السلطان، والشيخ عبد القادر نور فارح ’’جعمي’’، والشيخ علي ورسمي ’’علي برعو’’، والشيخ محمود عيسى، والشيخ حسن طاهر أويس، والشيخ عبد الله ديرية أبتدون، والدكتور أحمد حاج عبد الرحمن، والدكتور عثمان معلم محمود، والدكتور عمر إيمان أبو بكر، والشيخ محمد حاج يوسف، وغيرهم من علماء السلفية في الصومال.
كما أن للسلفية هيمنة شبه احتكارية لمجالات التجارة والاستثمارات المحلية في البلاد؛ حيث يسيطر هذا التيار على معظم الشركات المصرفية، والاتصالات، ومواد البناء، والأغذية، والأدوية، وبالنسبة للتغلغل في شرائح المجتمع والتأثير عليه فإن التيار السلفي من أكثر التيارات التصاقا بالمجتمع، وبمقدوره حشد وتحريك الجماهير.
سلفيو الصومال والسياسة
السلفية في الصومال كغيرها من التيارات الإسلامية الصومالية لم تشارك في أنظمة الحكم المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى سقوط آخر دولة مركزية في الصومال عام 1991م، كما أن مؤتمرات المصالحة لم يكن فيها للإسلاميين دور، وفي مؤتمر عرتا أصبح لمسيرة المصالحة الصومالية توجه جديد، ودخل الإسلاميون الخط كلاعب جديد في الساحة السياسية الصومالية، وأصبحوا أعضاء ووزراء في حكومة عرتا بقيادة عبد القاسم صلاة حسن، وإن كانت المشاركة السلفية في هذه الحكومة متواضعة مقارنة بالتيار الإخواني، لكن الحكومة الحالية بقيادة الشيخ شريف تعتبر مسرحا للمشاركة السياسية الواسعة للإسلاميين، ومختبرا لهم، وللسلفية في هذه الحكومة مشاركة وتواجد ملحوظ، بل هم شريك رئيسي للرئيس شريف الشيخ أحمد، ولهم عدد لا بأس به من النواب في البرلمان، وأربع حقائب وزارية، من بينها العدالة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والعون الإنساني.
السلفيون وباقي القوى السياسية
تتباين علاقة التيار السلفي بالتيارات الفكرية الأخرى في الساحة الصومالية؛ فعلاقة السلفيين بالصوفية تتسم على الدوام بالتوتر الذي يصل أحيانا إلى حد الاحتراب، ورغم أن علاقة السلفيين بباقي مكونات الحالة الإسلامية في الصومال لا تتسم بالاستقرار والتواصل، وتشهد نوعا من الاحتقان إلا أنها وبالقياس للعلاقة مع الصوفية تبدو أخف حدة.
أصبحت الصومال مسرحا لصراع مرير، وحلبة مصارعة بين الفكر السلفي الوافد من قبل الدول الخليجية النفطية والتي كانت تنفق بكل سخاء لصالح انتشار الفكر السلفي في الدول الإسلامية، وبين الفكر الصوفي المتخندق في مجتمع كان يعيش بين مطرقة الجهل والأمية وسندان الخزعبلات والخرافات الصوفية، إضافة إلى وجود حكومة شيوعية تساند الطرق الصوفية في مواجهتها مع السلفيين، فأصبحت العلاقة بين الطرفين تتسم بالتوتر والتعامل عبر العنف والعنف المضاد.
أما فيما يخص العلاقة السلفية مع المجموعات الإسلامية المعاصرة، فإنها بدورها لم تخل من التوتر والتنافس السلبي، لكنها لم تصل إلى مستوى العلاقة الدموية بين الصوفية والسلفية، لكن كان هناك اتهامات متبادلة، منها على سبيل المثال ما يعتقده السلفيون من أن الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ يعانون من خلل في العقيدة، وأنهم صوفية معاصرة، إضافة إلى إثارة مسائل تتشدد بها السلفية والمتعلقة بالظواهر السلوكية للشخصية المسلمة، مثل الإسبال، والحجاب، ومسألة اللحية، وغيرها، في الوقت الذي يشوب فيه نظرة السلفية إلى نظام الحكم ومهام الدولة قصور كبير؛ حيث تمحور حول الحدود، وحفظ النظام العام وفق التصور الفئوي لها؛ مما يعني أن التصور العملي للدولة الإسلامية لدى هذا الاتجاه لا يعدو كونه القيام بوظيفة جهاز الشرطة في حفظ الأمن والسلوكيات العامة، أو بمعنى أدق وظائف هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع فرضهم على المواطنين نمط حياة معين، دون التعرض للمشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية بحلول جذرية واقعية.
وإذا كان السلفيون يأخذون على غيرهم من الاتجاهات الإسلامية الكثير مما يرونه مثالب وأوجه قصور، فإن القوى الإسلامية بدورها تأخذ على السلفيين ما تعتبره نزوعا نحو التشدد والتنطع والسطحية في فهم النصوص، وعدم استخدام اللين والرفق في معاملاتها مع العامة، وغيرها من الاتهامات المتبادلة، وقد أخذت هذه الهوة في الضيق حتى أصبحت هناك عدة مجالات تعاون بها الأطراف، وقد تجلى هذا في:
- تأسيس مظلة التعليم النظامي الأهلي في الصومال: وهي مظلة تجتمع فيها جميع المؤسسات الرئيسية العاملة في مجال التعليم أسسها الإسلاميون في الصومال من أجل تطوير العملية التعليمية في البلاد، وإيجاد شهادة ثانوية موحدة ومعترف بها دوليا وهو فعلا ما حدث.
- رابطة العلماء: مجلس كان يضم أشهر العلماء في العاصمة ونواحيها بمختلف اتجاهاتهم من أجل توحيد جهودهم، وتنظيم الفتوى، وغير ذلك مما يدخل في مهام العلماء.
- المجلس الصومالي للوحدة والإنقاذ: كيان سياسي أسسته ثلاث مجموعات إسلامية سلفية وإخوانية كانت تقف وراء المحاكم الإسلامية من أجل توجيه وتذليل العقبات أمام المحاكم؛ وذلك قبل تأسيس اتحاد المحاكم الإسلامية، ثم تطور هذا الكيان إلى اتحاد المحاكم الإسلامية ومجلسيه الشورى والتنفيذ.
- المحاكم الإسلامية: جهود محلية تعاون فيها الإسلاميون مع العشائر من أجل حفظ الأمن في أحياء العاصمة، ثم تطورت إلى كيان سياسي إسلامي أصبح طرفا أساسيا في المعادلة الصومالية.
- المقاومة وتحالف المعارضة: فمنذ إطلاق تحالف ’’محاربة الإرهاب وإعادة الأمن’’ من قبل زعماء الحرب وبتمويل أمريكي، ثم الاجتياح الإثيوبي للصومال شعر الإسلاميون بضرورة التكاتف ونبذ الاختلاف في وجهات النظر كشرط أساسي للبقاء والصمود أمام الحملات الشرسة التي تستهدف وجودهم، فتمّ تنسيق وإدارة عمليات المقاومة المسلحة في الداخل والجهود السياسية التي يقوم بها تحالف المعارضة الصومالية المؤسس في أسمرا، بصفة مشتركة وبعيدة عن الأطر التنظيمية والفكرية للمجموعات الإسلامية.
- الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس الشيخ شريف شيخ أحمد: هي حصيلة ثلاث سنوات من الجهاد والمقاومة المسلحة المشتركة ضد القوات الأجنبية وزعماء الحرب وقطاع الطرق والميليشيات المهددة لأمن وحياة المجتمع.
لكن كل ذلك لا يعني أن طريق تعاون التيار السلفي مع الاتجاهات الأخرى كان مفروشا بالورود، وأن كل شيء كان يتم في جو يتسم بالتوافق والتناغم الكامل، بل كان للسلفية مواقف وتحفظات.
وعلى أي حال فإن التيار السلفي في الصومال -وكأي جهد بشري- له عدد من الإيجابيات إلى جانب بعض السلبيات، ومن أهم الإيجابيات في رصيد السلفيين بالصومال:
- انتشار المظاهر والسلوكيات الإسلامية على مستوى الفرد والمجتمع، ويعود فضلها بعد الله إلى الجهود العملية للتيار السلفي.
- يتسم التيار السلفي بالتغلغل في أوساط المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته، والمعايشة مع همومه وقضاياه عن كثب.
- يتصف التيار السلفي بالشجاعة والاعتزاز بالإسلام، وعدم الخنوع للمطالب والضغوطات الإقليمية والدولية.
أما فيما يخص الجوانب السلبية وأوجه القصور فيمكن إجمالها في الآتي:
- يعاني التيار السلفي في الوقت الحاضر من فقد البوصلة، وغياب التركيز لأهداف محددة.
- التيار السلفي يعاني من غياب التوازن في تفاعله مع مختلف مجالات الحياة، فبينما يتمتع بكثرة الرموز الدينية والكوادر الدعوية يعاني في الوقت ذاته من نقص في الكوادر السياسية.
- يعاني التيار السلفي من كثرة الانشقاقات والتشرذم نتيجة غياب التكافؤ بين طموحات الشباب المشحون بحب الإسلام والجهاد في سبيله، والخبرة المطلوبة لذلك من جهة، وبين الامتداد الأفقي الواسع والنمو الرأسي المتدني من جهة أخرى.
.........
كاتب وصحفي صومالي
.إسلام أون لاين
محمد أحمد عبدالله / 22-03-2009
السلفية الجهادية حاضرة بقوة في الصومالالصومال كغيره من بلدان العالم الإسلامي التي شهدت في منتصف القرن الماضي صحوة إسلامية، تركت بصمات واضحة على جميع مجالات الحياة في البلاد، وصاحب هذه الصحوة تيارات فكرية متقاربة في بعض الأشياء، ومتفاوتة في البعض الآخر، وعلى رأس هذه التيارات كان التيار السلفي الذي كان يبحث عن موطئ قدم له في الأراضي الصومالية، والتي كانت مرتعا مفتوحا للطرق الصوفية بمختلف أطيافها.
يعد الشيخ نور الدين علي علو الأب الروحي للدعوة السلفية في الصومال؛ حيث وصل إلى الصومال في الخمسينيات من القرن الماضي قادما من مصر، ومتخرجا من الأزهر الشريف، ومبشرا بدعوة سلفية جديدة على الصوماليين. ونزل في أول الأمر في مدينة جالكعيو، والتي كانت معقلا لطريقة الزيلعية الصوفية (أحد فروع القادرية)، والتي واجهت بكل تحد وإصرار وجود الشيخ نور الدين داخل معقلها؛ مما اضطره أن يغادر إلى العاصمة مقديشو، وبدأ حلقات التدريس في مسجد ’’مقام الشيخ عبد القادر الجيلاني’’.
منذ وصول الشيخ نور الدين علي علو إلى الصومال حتى أواخر الستينيات من القرن الماضي وحتى عام 1967م كانت السلفية وجميع التيارات الفكرية في الساحة لم تتطور إلى مستوى تنظيم -ما عدا حركة وحدة الشباب الصومالي التي تأسست عام 1960م في المناطق الشمالية للصومال- حتى ظهرت إلى الساحة جماعة النهضة وهي تنظيم لا يعبر عن انتماء فكري معين وإنما تشكيلة من الشباب المتأثر بموجات الصحوة الإسلامية في الأقطار الإسلامية، ودرس معظمهم في كل من مصر والسعودية، وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن الشيخ عبد الغني الشيخ أحمد أحد رواد فكر الإخوان في الصومال كان وراء فكرة تأسيس هذا التنظيم.
وعلى أي حال كانت بداية النواة الأولى للمجموعات الإسلامية، ثم تتابع ظهور التنظيمات الإسلامية على هذه الشاكلة، حتى ظهرت جماعة الأهلي في عام 1971م، وهي بمثابة بالون اختبار للحكومة العسكرية والتي منعت جميع الأحزاب السياسية بما فيها الجماعات الدينية، لكن كغيرها من الجماعات التي سبقتها عصف بجماعة الأهلي، وانقسم الإسلاميون المنضوون تحت لوائها إلى مجموعة يقودها رئيس الجماعة عبد القادر الشيخ محمود باسم ’’جماعة المؤمنين’’، وتبنت الأطروحات الفكرية لجماعة التكفير والهجرة، بينما مجموعة أخرى غالبيتهم من مريدي وأتباع فضيلة الشيخ محمد معلم حسن، الأب الروحي لدعوة الإخوان في الصومال، أسسوا الجماعة الإسلامية كوريث طبيعي للأهلي.
وهذه التنظيمات أو المسميات المتعاقبة لا تعبر عن توجه فكري بعينه، وإنما هي خليط من السلفية والإخوان، بغض النظر عمن يميل ميزان الترجيح إلى جانبه، وإنما كانت وعاء يضم مجموعة من الشباب المتحمسين للعمل الإسلامي، لكن الجماعة الإسلامية كانت آخر محطة للتنظيمات المزدوجة الفكر والهوية؛ حيث تمخض منها ثلاث مجموعات رئيسية كانت ولا تزال الحصيلة النهائية لمارثون التيارات الإسلامية الوافدة على المجتمع الصومالي، والذي كان ولمدة طويلة يدين بالولاء للطرق الصوفية التقليدية مثل الصالحية، والأحمدية، والقادرية، وغيرها من الطرق المنتشرة في ربوع الصومال، وهذه المجموعات الثلاثة هي:
1- حركة الإصلاح: تنظيم إخواني تأسس عام 1978م.. انتشر وتوسع في غضون عقدين من الزمن حتى كاد يصبح أقوى تنظيم إسلامي في القرن الإفريقي، قبل أن يتجرّع بدوره طعم الخلافات والانقسامات.
2- الجماعة الإسلامية والتي بدورها انقسمت إلى:
- حركة الإخوان: وهي مجموعة تمثل الجناح الإخواني في الجماعة الإسلامية، ولديها بعض التحفظات من التوجه السلفي، وكانت تتمحور حول الشيخ محمد معلم حسن، وهي ما يعرف اليوم بحركة التجمع الإسلامي (آل الشيخ).
- حركة الاتحاد الإسلامي: تنظيم إسلامي يضم المجموعات السلفية في كل من الجماعة الإسلامية في الجنوب، وحركة وحدة الشباب في الشمال، مع انفصال الوحدة لاحقا، وهي أقرب ما تكون متأثرة بالسلفية السرورية؛ حيث تقتبس من الإخوان في موضوع التنظيم الحركي، وتشبه بقية المجموعات السلفية فيما يخص السلوك الفردي والقضايا الفكرية.
واهتمت حركة الاتحاد بالنشاط المسلح في وقت مبكر من انهيار الدولة المركزية في الصومال، وخاضت معارك عنيفة في كل من بوصاصو ضد العقيد عبد الله يوسف، وفي جسر أرارة في جنوب الصومال ضد مقاتلي المؤتمر الصومالي الموحد بقيادة جنرال عيديد الراحل، ومع القوات الإثيوبية في كل من منطقة جدو جنوب غرب الصومال، وفي منطقة أوغادين، وبعد تعرض الحركة لهزائم متلاحقة في الميدان العسكري قررت الابتعاد عن السلاح والتوجه العسكري، وتغيير اسم الحركة إلى ’’جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة’’ في اندماج ثنائي مع التجمع الإسلامي في الشمال (الوحدة سابقا).
التيار السلفي والبحث عن دور
الشيخ بشير صلاد أمير جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة
التيار السلفي ومنذ اختياره للعمل الدعوي السلمي، والانتقال من حركة الاتحاد الإسلامي المسلحة إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة الدعوية، دخل في رحلة طويلة للبحث عن الهوية والدور المناسب لها في ظل البيئة الصومالية المعقدة، والتي تتسم بكثرة التقلبات، وتداخل العوامل الاجتماعية والسياسية؛ ففي عام 1993م ظهر في داخل التيار مجموعة اشتهرت باسم السلفية الجديدة، وهي تناهض التنظيمات الحركية، والتوجه السياسي للسلفية، وتدعو إلى اللاجماعية في العمل الدعوي، وهي مشابهة تماما للسلفية الخليجية وبصفة خاصة السعودية والتي ليس لها نصيب من الحياة السياسية إلا مساحة ضيقة جدا في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المسائل المتعلقة بالأخلاق العامة.
ثم ظهرت حركة الشباب المجاهدين من رحم حركة الاتحاد الإسلامي (الاعتصام حاليا) بتوجه سلفي جهادي يدعو إلى مواصلة حمل السلاح، متمردا على جماعة الاعتصام وقرارها القاضي بتجميد العمل المسلح، ومنذ انهيار نظام المحاكم في الصومال أواخر عام 2006م أصبحت قوة هذا التنظيم تزداد يوما بعد يوم، وتصنف كأقوى المجموعات المسلحة في الصومال، وفي عام 2008م تأسست الجبهة الإسلامية، كذراع عسكري لجماعة الاعتصام مستقلة عن قيادة قوات المحاكم الإسلامية، ثم واجهت الجبهة ضغوطا من قيادات الجماعة من أجل محاولة إعادتها إلى حظيرة المحاكم؛ مما جعلها تتصدع إلى فصيلين، أحدهما موال للمحاكم والآخر يستقل عنها، إضافة إلى وجود عدد من المعسكرات السلفية والتي تأسست في البداية على أسس قبلية مناطقية في أقصى جنوب الصومال.
وفي هذه السنة 2009م توحدت ثلاثة فصائل سلفية وهم: فصيل من الجبهة الإسلامية ومعسكري رأس كمبوني، والفاروق (عانولي)، إلى جانب تحالف المعارضة (جناح أسمرا)، باسم ’’الحزب الإسلامي’’ بقيادة الدكتور عمر إيمان أبو بكر، والشيخ حسن عبد الله حرسي ’’تركي’’، وهكذا توصلنا إلى حصيلة مفادها:
- غياب إستراتيجية سلفية موحدة تسعى إلى تحقيق أهداف تترجم عن مبادئ وطموحات التيار السلفي في الصومال وفي القرن الإفريقي، وإنما هناك تخبط وارتجالية.. تواجد في كل الأصعدة المتناقضة، في أسمرا وجيبوتي.. في الحكومة ومعارضتها.. في المحاكم وفي الشباب، والجبهة والمعسكرات الجنوبية، وفي هيئة العلماء، وجماعة الوفاق.
- أن جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة تعيش في وضع لا تحسد عليه ما بين السلفية الجديدة التي تتهمها بالانحراف عن المسار الدعوي السلفي، والتأثر بالمجموعات الإخوانية والجهادية المتلهثة للحكم والعمل المسلح، وبين المجموعات السلفية الجهادية التي تتهمها بالتقصير في الجهاد والعمل الإسلامي، من أمثال حركة الشباب، والحزب الإسلامي.
الوجه الاجتماعي للسلفية
يتمتع التيار السلفي بتواجد كبير في أوساط المجتمع الصومالي، فقلما يوجد مجال من مجالات الحياة ليس فيه للتيار السلفي تواجد ملحوظ، فمن البيت والأسرة إلى السوق مرورا بالشارع والحافلات العامة، والمساجد، وخلاوي تحفيظ القرآن، تظهر تأثيرات الحالة السلفية في المجتمع، كما أن معظم الرموز الدينية في الصومال تنتمي للتيار السلفي بمختلف مسمياته وتكويناته من أمثال الشيخ شريف عبد النور العالم الأزهري ومفتي الصومال، والشيخ محمد نور القوي، والشيخ عمر الفاروق الحاج عبد السلطان، والشيخ عبد القادر نور فارح ’’جعمي’’، والشيخ علي ورسمي ’’علي برعو’’، والشيخ محمود عيسى، والشيخ حسن طاهر أويس، والشيخ عبد الله ديرية أبتدون، والدكتور أحمد حاج عبد الرحمن، والدكتور عثمان معلم محمود، والدكتور عمر إيمان أبو بكر، والشيخ محمد حاج يوسف، وغيرهم من علماء السلفية في الصومال.
كما أن للسلفية هيمنة شبه احتكارية لمجالات التجارة والاستثمارات المحلية في البلاد؛ حيث يسيطر هذا التيار على معظم الشركات المصرفية، والاتصالات، ومواد البناء، والأغذية، والأدوية، وبالنسبة للتغلغل في شرائح المجتمع والتأثير عليه فإن التيار السلفي من أكثر التيارات التصاقا بالمجتمع، وبمقدوره حشد وتحريك الجماهير.
سلفيو الصومال والسياسة
السلفية في الصومال كغيرها من التيارات الإسلامية الصومالية لم تشارك في أنظمة الحكم المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى سقوط آخر دولة مركزية في الصومال عام 1991م، كما أن مؤتمرات المصالحة لم يكن فيها للإسلاميين دور، وفي مؤتمر عرتا أصبح لمسيرة المصالحة الصومالية توجه جديد، ودخل الإسلاميون الخط كلاعب جديد في الساحة السياسية الصومالية، وأصبحوا أعضاء ووزراء في حكومة عرتا بقيادة عبد القاسم صلاة حسن، وإن كانت المشاركة السلفية في هذه الحكومة متواضعة مقارنة بالتيار الإخواني، لكن الحكومة الحالية بقيادة الشيخ شريف تعتبر مسرحا للمشاركة السياسية الواسعة للإسلاميين، ومختبرا لهم، وللسلفية في هذه الحكومة مشاركة وتواجد ملحوظ، بل هم شريك رئيسي للرئيس شريف الشيخ أحمد، ولهم عدد لا بأس به من النواب في البرلمان، وأربع حقائب وزارية، من بينها العدالة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والعون الإنساني.
السلفيون وباقي القوى السياسية
تتباين علاقة التيار السلفي بالتيارات الفكرية الأخرى في الساحة الصومالية؛ فعلاقة السلفيين بالصوفية تتسم على الدوام بالتوتر الذي يصل أحيانا إلى حد الاحتراب، ورغم أن علاقة السلفيين بباقي مكونات الحالة الإسلامية في الصومال لا تتسم بالاستقرار والتواصل، وتشهد نوعا من الاحتقان إلا أنها وبالقياس للعلاقة مع الصوفية تبدو أخف حدة.
أصبحت الصومال مسرحا لصراع مرير، وحلبة مصارعة بين الفكر السلفي الوافد من قبل الدول الخليجية النفطية والتي كانت تنفق بكل سخاء لصالح انتشار الفكر السلفي في الدول الإسلامية، وبين الفكر الصوفي المتخندق في مجتمع كان يعيش بين مطرقة الجهل والأمية وسندان الخزعبلات والخرافات الصوفية، إضافة إلى وجود حكومة شيوعية تساند الطرق الصوفية في مواجهتها مع السلفيين، فأصبحت العلاقة بين الطرفين تتسم بالتوتر والتعامل عبر العنف والعنف المضاد.
أما فيما يخص العلاقة السلفية مع المجموعات الإسلامية المعاصرة، فإنها بدورها لم تخل من التوتر والتنافس السلبي، لكنها لم تصل إلى مستوى العلاقة الدموية بين الصوفية والسلفية، لكن كان هناك اتهامات متبادلة، منها على سبيل المثال ما يعتقده السلفيون من أن الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ يعانون من خلل في العقيدة، وأنهم صوفية معاصرة، إضافة إلى إثارة مسائل تتشدد بها السلفية والمتعلقة بالظواهر السلوكية للشخصية المسلمة، مثل الإسبال، والحجاب، ومسألة اللحية، وغيرها، في الوقت الذي يشوب فيه نظرة السلفية إلى نظام الحكم ومهام الدولة قصور كبير؛ حيث تمحور حول الحدود، وحفظ النظام العام وفق التصور الفئوي لها؛ مما يعني أن التصور العملي للدولة الإسلامية لدى هذا الاتجاه لا يعدو كونه القيام بوظيفة جهاز الشرطة في حفظ الأمن والسلوكيات العامة، أو بمعنى أدق وظائف هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع فرضهم على المواطنين نمط حياة معين، دون التعرض للمشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية بحلول جذرية واقعية.
وإذا كان السلفيون يأخذون على غيرهم من الاتجاهات الإسلامية الكثير مما يرونه مثالب وأوجه قصور، فإن القوى الإسلامية بدورها تأخذ على السلفيين ما تعتبره نزوعا نحو التشدد والتنطع والسطحية في فهم النصوص، وعدم استخدام اللين والرفق في معاملاتها مع العامة، وغيرها من الاتهامات المتبادلة، وقد أخذت هذه الهوة في الضيق حتى أصبحت هناك عدة مجالات تعاون بها الأطراف، وقد تجلى هذا في:
- تأسيس مظلة التعليم النظامي الأهلي في الصومال: وهي مظلة تجتمع فيها جميع المؤسسات الرئيسية العاملة في مجال التعليم أسسها الإسلاميون في الصومال من أجل تطوير العملية التعليمية في البلاد، وإيجاد شهادة ثانوية موحدة ومعترف بها دوليا وهو فعلا ما حدث.
- رابطة العلماء: مجلس كان يضم أشهر العلماء في العاصمة ونواحيها بمختلف اتجاهاتهم من أجل توحيد جهودهم، وتنظيم الفتوى، وغير ذلك مما يدخل في مهام العلماء.
- المجلس الصومالي للوحدة والإنقاذ: كيان سياسي أسسته ثلاث مجموعات إسلامية سلفية وإخوانية كانت تقف وراء المحاكم الإسلامية من أجل توجيه وتذليل العقبات أمام المحاكم؛ وذلك قبل تأسيس اتحاد المحاكم الإسلامية، ثم تطور هذا الكيان إلى اتحاد المحاكم الإسلامية ومجلسيه الشورى والتنفيذ.
- المحاكم الإسلامية: جهود محلية تعاون فيها الإسلاميون مع العشائر من أجل حفظ الأمن في أحياء العاصمة، ثم تطورت إلى كيان سياسي إسلامي أصبح طرفا أساسيا في المعادلة الصومالية.
- المقاومة وتحالف المعارضة: فمنذ إطلاق تحالف ’’محاربة الإرهاب وإعادة الأمن’’ من قبل زعماء الحرب وبتمويل أمريكي، ثم الاجتياح الإثيوبي للصومال شعر الإسلاميون بضرورة التكاتف ونبذ الاختلاف في وجهات النظر كشرط أساسي للبقاء والصمود أمام الحملات الشرسة التي تستهدف وجودهم، فتمّ تنسيق وإدارة عمليات المقاومة المسلحة في الداخل والجهود السياسية التي يقوم بها تحالف المعارضة الصومالية المؤسس في أسمرا، بصفة مشتركة وبعيدة عن الأطر التنظيمية والفكرية للمجموعات الإسلامية.
- الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس الشيخ شريف شيخ أحمد: هي حصيلة ثلاث سنوات من الجهاد والمقاومة المسلحة المشتركة ضد القوات الأجنبية وزعماء الحرب وقطاع الطرق والميليشيات المهددة لأمن وحياة المجتمع.
لكن كل ذلك لا يعني أن طريق تعاون التيار السلفي مع الاتجاهات الأخرى كان مفروشا بالورود، وأن كل شيء كان يتم في جو يتسم بالتوافق والتناغم الكامل، بل كان للسلفية مواقف وتحفظات.
وعلى أي حال فإن التيار السلفي في الصومال -وكأي جهد بشري- له عدد من الإيجابيات إلى جانب بعض السلبيات، ومن أهم الإيجابيات في رصيد السلفيين بالصومال:
- انتشار المظاهر والسلوكيات الإسلامية على مستوى الفرد والمجتمع، ويعود فضلها بعد الله إلى الجهود العملية للتيار السلفي.
- يتسم التيار السلفي بالتغلغل في أوساط المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته، والمعايشة مع همومه وقضاياه عن كثب.
- يتصف التيار السلفي بالشجاعة والاعتزاز بالإسلام، وعدم الخنوع للمطالب والضغوطات الإقليمية والدولية.
أما فيما يخص الجوانب السلبية وأوجه القصور فيمكن إجمالها في الآتي:
- يعاني التيار السلفي في الوقت الحاضر من فقد البوصلة، وغياب التركيز لأهداف محددة.
- التيار السلفي يعاني من غياب التوازن في تفاعله مع مختلف مجالات الحياة، فبينما يتمتع بكثرة الرموز الدينية والكوادر الدعوية يعاني في الوقت ذاته من نقص في الكوادر السياسية.
- يعاني التيار السلفي من كثرة الانشقاقات والتشرذم نتيجة غياب التكافؤ بين طموحات الشباب المشحون بحب الإسلام والجهاد في سبيله، والخبرة المطلوبة لذلك من جهة، وبين الامتداد الأفقي الواسع والنمو الرأسي المتدني من جهة أخرى.
.........
كاتب وصحفي صومالي
.إسلام أون لاين