أنور الجندي
(1)
لطفي السيد
وأكذوبة أستاذ الجيل
خلفت لنا الفترة مسلمات خطيرة وكلمات دخيلة وحاولت سحب كثيرة من سحب الغزو الفكري والتغريب أن ترسم صورة خادعة لبعض الشخصيات وكان أخطر ما أطلق في هذه الفترة كلمة عميد الأدب على الدكتور طه حسين وأستاذ الجيل لطفي السيد فإلى أى مدى كان هذا اللقب صحيحاً بالنبة لمنشيء حزب الأمة مترجم أرسطو والخصم الخصيم للعروبة وللوحدة الإسلامية جميعاً.
وفي الحق إن اسم لطفي السيد لمع لمعاناً شديداً وخدع به كثيرون وكان لامتداد العمر وتغير الأوضاع واقتناص بعض الفرص التي جاءت بها الظروف عاملا من عوامل القداسة إلى سنيت بها مثل هذه الشخصيات بالرغم من فساد جوهرها.
وليس علينا أن نصدر حكما جازماً على شخصية ما يسلم به الجميع ولكن علينا أن نلقى الأضواء الكاشفة على مثل هذه الشخصية من واقع التاريخ وبالوثائق الثابتة ثم ندع القارئ ليحكم هو: هل كان لطفي السيد حقيقة أستاذ الجيل وأي جيل.
أولا: الدعوة إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان باعتبار أنهم وحدهم الذين سيتولون الحكم ومقاومة تعليم سواء الأمة ومعارضة الاتجاه إلى المجانية وذلك حتى يمكن المحافظة على وجود طبقة معينة تتولى حكم البلاد دون أن يتاح ذلك لباقي أفراد الشعب.
وقد رد عليه مصطفى كامل صاحب اللواء ورئيس الحزب الوطني ولخص آراءه وكشف عن فسادها.
ثانيا: الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيداً الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمبشرون (مولار وويلكوكس) وكان أبرز ما دعا إليه إبطال الشكل وتغيره بالحروف اللينة وتسكين أواخر الكلمات وإحياء الكلمات العامية المتداولة وإدخالها في صلب اللغة الفصحى والنزول باللغة المكتوبة إلى ميدان التخاطب العامي وكانت وجهة دعوته: تمصير العربية بإحياء العامية ’’مقالاته في الجريدة خلال شهري إبرايل ومايو 1913 ) وقد رد عليه عبد الرحمن البرقوقي مصطفى صادق الرافعي بما يكشف زيف هذه الاتجاه.
ثالثا: مقاومة التضامن العربي الإسلامي وقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم فى طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911 وكتب في هذه المعنى تحت عنوان ’’سياسة المنافع : لا سياسة العواطف’’ مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى إلتزام الحياد المطلق فى هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضن بأموالهم أن تبعثر فى سبيل أمر لا يفيد بلادهم وقد أثارت هذه المقالات على لطفي السيد عاطفة بل وطعنا جارحا على حد تعبير تلميذه الدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته .
رابعا: أيد وجهة النظر البريطانية الاستعمارية في التعاون مع الجاليات المسيطرة المحتلة ودعا إلى أن تملك هذه الجاليات في الاراضى المصرية فيكون لها الحق فى التملك والسيطرة على البنوك والتجارة وغيرها.
خامسا: مجد اللورد كرومر: الحاكم البريطانى الذى أذل المصريين لمدة ربع قرن مسيطراً على سياسة البلاد وساحقاً لكرامتها ومغتصباً لثروتها وحياتها يوم خروجه من البلاد تحية الأبطال وقال عنه.
’’أمامنا الآن رجل من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا ندا له يضارعه في عظائم الأعمال: هو اللورد كرومر وقال: لو بقي اللورد كرومر عاماً واحداً فى منصبه لعيد عيده الذهبي في خدمة دولته’’ نشر هذه الجريدة فى نفس اليوم الذى ألقى فيه كرومر خطاب الوداع فسب المصريين جميعا، وقال لهم أن الاحتلال البريطاني باقى إلى الأبد.
سادسا: رسم لطفي السيد خلال عمله فىالجريدية (1908 – 19149 منهجا للحياة الاجتماعية والسياسية والتوبوية والاقتصادية يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبى والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة ماكرة خادعة هى ’’مصر للمصريين’’ وقاوم بهذا الفكر ذلك الاتجاه الأصيل الذى كان يحمل لواءه دعاة الوطنية الصادقة والفكر الإسلامى النير وكون مدرسة تحقق لها بعد الحرب العالمية الأولى السيطرة على مقدرات الأمور بعد أن أقصى رجال الوطنية الحقة.
سابعا: تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو ( التى ترجمت من الفرنسية ) (السياسة الكون والفساد. الأخلاق) ، وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مرتجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة فى دار الكتب المصرية وذلك بشهادة عديد من معصري هذه الفترة.
(الاستاذ أحمد عابدين مدير دار الكتب السابق لا يزال حيا يرزق).
ثامنا: بالرغم من دعوة لطفى السيد العريضة إلى الدستور والحرية فإن الوزارات التي قبل الاشتراك فيها كانت كلها تتسم بطابع واحد فهي جميعا وزارات انقلاب ضد الدستور والبرلمان الحريات العامة يقول الاستاذ فاروق عبد القادر: أن الباحث في حياة لطفي السيد ليس بوسعه أن يتجاهل هذا التناقض كيف للرجل الذى كتب مطالبا بالدستور مدافعا عن الحرية أن يشترك في وزارات عبثت بالدستور وصادرت الحرية. كيف يشترك فى وزارات طابعها الإرهاب والسطو على الحريات.
تاسعاً: إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان ’’الذين وصفهم بأنهم’’ أصحاب المصالح الحقيقية وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى المهادنة مع الغاصب وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته لشئ.
هذه مجموعة من الخطوط العامة نضعها بين يدي القاريء العربى المثقف دون أن نقدم حكما على لطفى السيد وندعه هو أن يصدر هذا الحكم. ولقد تعددت المصادر والأبحاث التي تكشف حقيقة هذه الرجل فليرجع إليها من يشاء وكلها تجمع على أن هذه الدعوة التى حملها لطفي السيد إنما هي خطة دقيقة محكمة من خطط الاستعمار الغربي والنفوذ الأجنبي، فإن اللورد كرومر أراد في إطار عمل مرسوم أن ينشئ فى مصر جيلا جديداً يسير فى ركب الاستعمار معجبا به مقدراً له ومحبا ولذلك عمل خلال عشرين سنة أو يزيد على صياغة هذا الجيل عن طريق المدرسة وعن طريق الثقافة وكانت دعوته الملحة الحارة أن بريطانيا ستسلم مصر لأبنائها متى ظهر هذا الجيل الذى يعمل بالتعاون مع الاستعمار ولفت نظر الشباب المتعلم وهم جميعا من أبناء الطبقة التي أنشأها النفوذ الاستعماري وسودها وجعلها مركز القيادة السياسية إلى أنهم هم حكام مصر فى المستقبل القريب .. وكان حريصا على أن تتشكل هذه القوة أو هذا الحزب فى نفس الوقت الذي كان الاحتلال يضرب القوى الوطنية وأصحاب الأصالة ليقضي عليهم ويفرغ البلاد منهم وسلمها لهذا الجيل الذى كان من قيادته: لطفي السيد وسعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وقد تشكل حرب الأمة من مجموعة من أصحاب النفوذ وكبار الباشوات والملاك مثال محمود سليمان وحسن عبد الرازق وحمد الباسل وفخري عبد النور وسليمان أباظة وعبدالرحيم الدمرداش والطرزى وغيرهم وكان رأي هؤلاء أن السلطة الفعلية قد آلت كلها إلى كرومر الذى يمثل سلطة الاحتلال وأن مصالحهم الشخصية تقضي عليهم أن يكونوا على وفاق معهم فألفوا حزبهم بصفة رسمية في 21 سبتمبر 1907 برئاسة محمود سليمان باشا وتولى لطفي السيد قيادة فكرهم وصحيفتهم التى جمعوا لاه فى ذلك الوقت مبلغ 30 ألف جنيه: وقد ظهرت الجريدة فى 9 مارس 1907 تصور الاحتلال على أنه حقيقة واقعة وترى أن عدم الاعتراف بشريعته لا تعني عدم وجوده ولا يقلل من سلطته أو نفوذه وكانت ترى أن هؤلاء المحتلين ماضون في طريقهم مستقلون بتصريف الأمور رضي المصريون بذلك أم كرهوا وأن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة لم تتوفر للمصريين وأن دعاة الحركة الوطنية خياليون ينفقون الوقت فيما لا طائل تحته وأنهم أصحاب خيال وتهايج.
وبذلك استطاع لطفي السيد أن يرسي مفاهيم الإقليمية المصرية الضيقة التي تكره العرب وتكره المسلمين وتعارض كل تقارب وكل صلة بل وتكره الاتصال بالفكر الإسلامي الذي هو أساس الثقافة والتعليم وقد صور هذا المعنى مستشرق غربي هو ألبرت حوراني حين قال عن لطفي السيد ما يلى: كان يرى أن بريطانيا قوية وأن لها مصالح جوهرية في مصر وأنها هي نفسها قد أعلنت عن بقائها فى مصر إلى أن تصبح هذه قادرة على حماية المصالح وإذن لا يمكن إخراجها بالقوة.
وقد أعلنت بريطانيا تحديد احتلالها وخلقت الشعور بأنها باقية إلى الأبد وأن مصلحة مصر تقضي التعاون معها في أي تدبير تتخذه في سبيل إنماء قوة البلاد وهكذا كان ينفث لطفي السيد سموم التثبيط والدعة في وجه دعاة الوطنية ولا يقف عند هذا الحد بل يهمهم بأنهم خياليون مغالون فى الخيال ويتهم خطتهم بأنها ولاء لتركيا بينما لم يكن مصطفى كامل ومحمد فريد إلا دعاة إلى الحرية والاستقلال والجلاء دون أن يلينوا أي لين لتقبل وعود بريطانيا وكانوا في دعوتهم لا يستهدفون العودة إلى النفوذ التركي العثماني وإنما كانوا يؤمنون بأن حركة الحرية يجب أن تتم داخل إطار أوسع من الإقليمية ويجب أن تكون فىيإطار الجامعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الأصلية التي كانت بريطانيا عن طريق حزب الأمة تهدف إلى تجريد المصريين منها ودفعهم إلى التعبية فى التشريع والتعليم والاقتصاد لتكون مصر خاضعة تمام الخضوع للقانون الوضعي ولمفاهيم العرب فى التعليم والثقافة ولتنقطع الصلة تماما بين مصر وبين جيرانها عرباً ومسلمين وبين الفكر والثقافة فى مصر وبين الفكرالإسلامي الأصيل المستمد من القرآن والسنة.
ولقد كان لطفي السيد فى دعوته هذه ينتقض أهمية الأرضية الإسلامية للفكر والثقافة والتعليم ويغالي فى التبعية للفكر الليبرالي الغربي الذى كان فى هذه الفترة خصيصا الدين والأخلاق.
يقول ألبرت حوراني: ’’ إن الانطباع القوي الذى نتركه قراءة مقالات لطفي السيد التى نشرها في الجريدة ’’وهي كل ثروته للفكرية’’ هو الاندهاش من الدور الصغير الذى لعبه الإسلام فى تفكير رجل تتلمذ على ’’محمد عبده’’ لا شك أنه كان يشعر بأنه هو ومعظم مواطنيه مسلمون بالوراثة، وأنهم جزء من الأمة، لكن الإسلام لم يكن المبدأ المسيطر على تفكيره فلم يهتم بالدفاع عن الإسلام كالأفغاني، ولا يهتم كمحمد عبده بإعادة الشريعة الإسلامية إلى مركزها كأساس خلقى للمجتمع. وفى هذا يقول لست مما يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية بعينها، ولكنى أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ تتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر.
وهكذا نرى أن مفهومه للأخلاق والدين مستمد من الفكر الغربي ويعلق حوراني فيقول : وهكذا نرى أنه تخلى عن أول مبدأ من مبادئ محمد عبده واستعاض عنه بمبادئ جديدة. ويقول: لقد أخذ يطرح أسئلة جديدة لا تدور حول الشروط التى تؤدى إلى ازدهار المجتمع الإسلامي أو انحلاله، بقدر ما تدور حول الشروط التى تؤدي إلى ازدهار أي مجتمع أو انحلاله، كذلك لم تكن للمفاهيم التى أجاب بها على هذه الأسئلة هي مفاهيم الفكر الإسلامي، بل مفاهيم الفكر الأوربي حول التقدم والمجتمع الأفضل.
ويقرر حوراني أن لطفي السيد ورفاقه تأثروا بنمطين من التفكير الأوربي:
أولا: تفكير كونت ، ورينان ، وبلى ، وسبنسر ، ودور كايم الذين ذهبوا إلى أن المجتمع البشري متجه بحكم سنة التقدم نحو طور مثالي يتميز بسيطرة العقل واتساع أفق الحرية الفردية وحلول التعاقد الحر والمصلحة الفردية محل العادات والأوضاع الراهنة.
ثانيا: تفكير جوستاف لوبرن الذي يقول بفكره الطبع القومي، وأن كل شعب له بنية ذهنية ثابتة بثبوت بنيته الجسدية.
ويقول الحورانى: إن لطفي السيد يحدد فكرة الأئمة على أساس الأرض، لا على أساس اللغة والدين، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية بل بأمة مصرية: أمة القاطنين أرض مصر، وكان شعوره بوجود مصر شديد بحيث أهمل الأحرار على عناصر الوحدة الأخرى. فمعظم القاطنين في مصر يشتركون فى الأصل واللغة والدين.
سعد زغلول
دعوة صريحة إلى الكتاب المؤرخين:
انشروا مذكرات سعد زغلول المخطوطة لتشكفوا حقيقة هذه الشخصية الخادعة ولتضعوه فى مكانه الصحيح من تاريخ مصر.
إن الحقائق تكشف عن دور سعد زغلول فى:
أولا: تجميد اللغة العربية وإتاحة الفرصة للغة الانجليزية بوزارة المعارف.
ثانيا:- بعث قانون كرومر للمطبوعات لمحاكمة الصحفيين والكتاب الوطنيين.
ثالثا:- التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر العربية.
سعد زغلول
كان من أهم الأسئلة فى ندوة الاعتصام ما قدمه عدد من الشباب استفساراً عن صحة ما نشر عن تاريخ سعد زغلول من فصول في إحدى الصحف اليومية ومدى تطابق هذا مع واقع التاريخ ومن خلال نظرة إسلامية صحيحة.
ولا ريب أن شخصية سعد زغلول هي واحدة من أكثر الشخصيات العمل الوطنى فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنه لا يمكن دراستها، ألا يفهم الاطار السياسى الذي يدأ منذ أن احتلت بريطانيا مصر وواجهت الحركة الوطنية التى قاومت النفوذ الاجنبي بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد وعدد من المجاهدين الذين عملت القوة البريطانية على تصفيتهم وإقصائهم وتقديم جيل جديد من أصحاب الولاء للنفوذ البريطاني وفي مقدمة هؤلاء أحمد لطفي السيد وسعد زغلول وعبد العزيز فهمي.
هذه المرحلة السابقة لظهور هيئة الوفد المصري التي قادها سعد زغلول لها أهميتها في الكشف عن الدور الذي قام به سعد زغلول في معارضة الحركة الوطنية وكبح جماحها، وتقديم رجالها للمحاكمة كما فعل فى محاكمة فريد وهو وكبير الحقانية، وكذلك دوره في تجميد اللغة العربية وهو وزير المعارف واتاحة الفرصة للغة الانجليزية، وكذلك دوره فى إعادة بعث قانون المطبوعات القديم الذي كان كرومر قد أجاره ثم أوقفه وذلك لمحاكمة الكتاب والصحفيين الوطنيين بأقصي العقوبات، هذه الصفحة لسعد زغلول يجب أن تدرس قبل أن يقدم على المسرح كزعيم وطني بعد الحرب العالمية الأولى.
ولقد اختلفت حول سعد زغلول كتابات المؤرخين والباحثين، فوضعه كتاب الوفد وأصحاب الولاء لحزبه موضع لقداسة ’’وفى مقدمة هؤلاء الأستاذ العقاد’’. وشف عن حقيقته مؤرخو الحزب الوطني ’’ وفي مقدمة هؤلاء الأستاذ عبد الرحمن الرافعي’’، وجاءت كتابات كثيرة بعد ذلك فتضح سعد فى حجمه الصحيح، وكان فى مقدمة ذلك تلك الدعوة الصريحة الموجهة إلى المؤرخين والكتاب والباحثين أن ينشروا مذكرات سعد زغلول التى كتبها بخط يده فإنها هي وحدها القادرة على أن تقدم للناس بغير ولاء ولا خصومة حقائق هذه الشخصية ودورها وعملها وحقيقتها من خلال كتابات صاحب المذكرات نفسه، تلك التي كتبها بكل حريته وإرادته خلال فترة تزيد على ثلاثين عاما من أكتوبر 1897 إلى 1926، وتضم مراحل عضوية الجمعية التشريعية وتولية الوزارة وفترة المنفي وفترة رئاسة الوزارة وتضم ثلاثاً وخمسين كراسة فقد كان يسجل الأحداث يوما بعد يوم عقب وقوعها مباشرة.
تكشف هذه المذكرات عن أشياء كثيرة:
أولا: علاقة سعد بالإنجليز:
يقول عن اللورد كرومر: كان يجلس معى الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أنور منها فى حياتي السياسية (مذكرات سعد زغلول كراس 28، ص1516)ن والمعروف أن كرومر في تقاريره السنوية كان حريصاً على أن يذكر أنه يعد جيلا جديداً من الشباب المصرى المتفرنج الذى يعجب بالغرب ويحرص على التفاهم مع الاستعمار البريطاني وقبول العمل معهم.
ومن هنا كانت صلة كروم بسعد زغلول عن طريق صهره ’’مصطفى فهمى’’ الذى كان أول رئيس وزراء بعد الاحتلال، والذى قضى في الحكم ثلاثة عشر عاماً، وكان أثير الإنجليز محبوباً عندهم، وقد أصهر إليه سعد زغلول فأعد نفسه ليكون أول وزير مصري. ولعل من الحقائق العجيبة أن اللورد كرومر عام 1907م أعلن أنه يترك مصر مستريحاً لأنه أقام فعلا القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال، وكان فى هذا العام قد ألف حزب الأمة، وأصبح لطفي السيد هو حامل لواء ’’الجريدة’’ وسعد ناظر المعارف ، وقد سخر كرومر فى خطبة الوداع الذى أقامها له رجال حزب الأمة من أولياء النفوذ الأجنبي من المصريين جميعاً، ولم يمدح فى خطابه إلا رجلا واحداً، هو سعد زغلول.
ومن هنا نجد سعد زغلول يكتب فى مذكراته أثر استعفاء كرومر من منصبه في 11/4/1907 وكان يجلس في منزله مع كل من حسن باشا عاصم ومحمود باشا شكرى عندما تلقوا خبر الاستعفاء فقال: أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هو لها ( كراس 6 ص 240) وكتب في موضع آخر يقول: ’’قد امتلأت رأسي أوهاماً وقلب خفقاناً وصدري ضيقاً’’ (كراس 6/246).
ويقول لورد كرومر في تقريره السنوي عن تعيين سعد زغلول ناظراً للمعارف ’’ لم يكن السبب الرئيسي في تعيينه كما يظن أحياناً أنه استياء من الحالة التى كانت تسير عليها مصلحة المعارف العمومية فلا زالت قاصرة في أن توفر أية بادرة لتغير جذري في السياسية التعليمية، إنه يرجع أساساً إلى الرغبة في ضم رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالاصلاح في مصر’’.
وقال كرومر:’’ كما أن سعد من تلاميذ محمد عبده وأتباعه الذين أطلق عليهم ’’جيروند’’ الحركة الوطنية المصرية، والذي كان برنامجهم تشجيع التعاون مع الأجانب لادخال الحضارة الغربية إلى مصر، الأمل الذى جعل كرومر يحصر فيهم أمله الوحيد في قيام الوطنية المصرية.
وكان سعد في مقدمة الداعين لإقامة حفل لتوديع اللورد كرومر وكتب في مذكراته يعلن ضيقه بالذين انتقدوا كرومر عقب استعفائه، وقال: إن صفاته قد اتفق الكل على كمالها ’’كراس6/245’’، وأشار إلى علاقة غورست خليفة كرومر به وأنه لما زاره قام فأوصله إلى باب حديقة دار الوكالة البريطانية.
ثانيا: أخلاقيات سعد
وتكشف المذكرات أخلاقيات سعد ومواقفه المتعددة من الحياة الاجتماعية: وأبرز هذه الجوانب علاقته بالقمار وقد كتب فيها طويلا فقال في ’’كراس 26 – ض1390’’، ’’ كنت أتردد بعد عودتي من أوربا على الكلوب ’’أي نادى محمد على’’ فملت إلى لعب الورق، ويظهر أن هذا الميل كان بداية المرض فإني لم أقدر بعد ذلك أن أمنع نفسي من التردد على النادي ومن اللعب وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود وخسرت فيه مبلغا طائلا.
وقد بدأ ذلك حوالى 1901، فقد كتب في إبريل 1913، يقول: كنت قبل 12 سنة أكره القمار واحتقر المقامرين وأرى أن اللهو من سفه الأحلام واللاعبين من المجانين ثم رأيت نفسى لعبت وتهورت في اللعب وأتى عليّ زمان لم أشتغل إلا به ولم أفتكر إلا فيه ولم أعلم إلا له ولم أعاشر إلا أهله حتى خسرت فيه صحة وقوة ومالا وثروة ’’مذكرات سعد كراس 3/129’’.
وكتب خلال زيارته لأوربا صيف 1908 ’’ أفطر مع الست والباشا ’’أي مصطفى فهمي’’ وحسين ’’ابن محمود صدقي’’ في الساعة تسعة وبعد أن نتمشى مع الباشا قليلا نعود إلى البيت لتلعب البوكر مع الست وحسين إلى الساعة ثمانية ونتمشى قليلا ثم نعود لنلعب البوكر إلى الساعة 11 مساء وقد انفعل أثناء اللعب عند الخسارة وصادف أن الزهر كان يعاكس وكان زهر حسين سعيد ولكن مع ذلك كسبت ولم أخسر غير أن حارق كانت من طريقين: طريقي وطريق الست ’’كراس 24 ص1300 – 1301’’.
ويتساءل سعد عن الأسباب التى دفعته إلى المقامرة فيكتب ما يلى:
أريد أن أعرف ما أريد حتى أتمكن من معالجة نفسي من هذا الداء، هل أريد بسطة في الرزق، أنه يقبضه في الكثير الغالب، هل أريد سعة في الجاه، أنه يضيقه بما يحط من القدر في نفوس الناس، هل أريد تناسي آلام تتردد على النفس عند خلوها من الشغل وهو كثير، لا أشعر بهذه الآلام، ويقول: ما كنت أصغى لنصائح زوجتي ولا أرق لتألمها من حالتى ولا أرعوى عن نفسى، وأشار إلى توباته المتعددة، وعودته عنها فيقول: وقد بخيل لي أن كتابة هذه الخواطر وتسجيل هذه الواردات مما يساعد على الاستمرار في ارتكاب هذا الإثم، كأن النفس تجد في هذه الاعترافات المكتوبة والاشمئزازات المرسومة، فضيلة تكفها عن الإنصاف بها وعن الإقلاع عن نفس الرذيلة أو أن الاعتراف كفارة عن الذنب المقترف والجريمة المرتكبة ترجيحا.
ويقول: إلى أوصى كل من يعيش بعدي من لهم شأن في شاني أني إذا مت من غير أن أترك اللعب أن لا يحتفلوا بجنازتي ولا يحدوا على ولا يجلسوا لقبول تعزية ولا يدفنوني بين أهلي وأقاربي وأصهاري، بل بعيداً عنهم وأن ينشروا على الناس ما كتبته في اللعب حتى يروا حالة من تمكنت في نفسه هذه الرذيلة وبئست العاقبة. الكراسة 28 ص 1571’’:
وتفيض مذكرات سعد زغلول بالتفاصيل المسهبة التى تبين هدى سيطرة هذه الغواية عليه ومحاولة الإقلاع عنها وللتخلص منها وعودته إليها المرة بعد المرة فقد وردت تفاصيل ضافية في الكراسات 3 و 28 و 29 و 30 في اثنى عشر موضعا من هذه الكراسات.
وقد أشارت المذكرات بوضوح إلى أثر القمار في حياة سعد وخاصة حياته الاقتصادية كما يشير إلى ذلك الدكتور ’’ عبد لخالق لا شين’’، فقد وقع سعد الذي يقتني الضياع الواسعة تحت طائلة ديون كثيرة مما دفعه عام 1910م إلى أن يبيع الضيعة التي اشتراها بناحية قرطسا ’’بحيرة’’ لقاء اثنى عشرة ألف جنيه: يقول : ’’ بعت هذه الأطيان وذهب كل ثمنها أدراج الرياح فلم استفد منه فائدة’’ كما باع الضيعة الأخرى بدسونس ومطوبس عام 1918 بمبلغ 16 ألف جنيه وصاع كل إيرادات سعد في مدى عامين وكانت 3000 جنيه مرتب النار ’’ الوزير’’ و 1500 جنيه إيجارات باقي أطيانه وأصبح مدينا بمبلغ 6550 جنيها وبذلك بدد سعد الكثير من ممتلكاته يقول في مذكراته ’’25 مارس 1912’’:
أصبحت منقبض الصدر، ضائق الذرع، ولم أنم ليلى بل بت وله تساورني الهموم والأحزان وأتنفس الصعداء على فرط منى من اللعب وضياع الأموال التى جمعتها بكد العمل وعرق الجبين وصيرورتي إلى حال سيئة’’.
وهكذا أجهر القمار على ثروته التى كونها من المحاماة وكانت لا تقل عن 400 فدان و 18 ألف جنيه فضلا عما ورثه من صهره مصطفى فهمي: الذى كان يملك 648 فدانا، و 8600 جنيه وألف أردب قمح وألقي جنيه مواشى وكانت صفية زغلول الى أطلق عليها ’’أم المصريين’’ واحدة من ثلاث بنات خلفها مصطفى فهمي جلاد شعب مصر ثلاثة عشر عاما.
وبعد فهل هذا وحده ما تكشفه مذكرات سعد زغلول التى تطالب بطبعها وإذاعتها لترسم صورة حقيقية لهذه الزعامة التى اختلف فيها الرأى فرفعها بالهوى والصداقة والولاء السياسي لبعض الناس إلى قداسة وبطوله وخفضها آخرون بالخلاف السياسي إلى مكان آخر، وما نريد أن نظلم أحداً ولكنا تطالب بالكشف عن الحقائق عن طريق الوثائق وما يمكن أن توجد وثيقة أشد صدقا من مذكرات كتبها الرجل عن نفسه.
ومن خلال المذكرات تتكشف أشياء كثيرة خطيرة ومثيرة.
3
قاسم أمين
كانت حركة تحرير المرأة قادها قاسم أمين مؤامرة استعمارية تستهدف تدمير الأسرة المسلمة وتحطيم اليت المسلم حتى قال محمد فريد: إن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعا في الآداب العامة وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة وأصبحت ساحات المحاكم غاصة بقضايا هتك الأعراض وعرب الشابات من دور أهلهن.
لقد تراجع قاسم أمين بعد قليل من دعوته إلى تحرير المرأة وجاءت هدى شعراوي فاحتضنها دوائر الماسونية والتغريب واليهودية العالمية.
في محاولة لتقويم حركة قاسم أمين لتحرير المرأة بعد أن قربت وثائق عدة تكشف عن خطة أشبه بالمؤامرة وراء هذه الدعوة، وتطرقت الأسئلة إلى أم المصريين ’’صفية زغلول’’ وإلى زعيمة النهضة النسائية في مصر ’’ هدى شعراوي’’ التى دعت بعض الأقلام التى تجهل الحقيقة أو تخدع كتابها إلى إقامة تمثال لها والحقيقة أنه لكي نعرف خلفيات هذه القضية يجب أن نذكر شيئا مهما هو أن كتابا ظهر في مصر عام 1894 ’’ أي بعد الاحتلال البريطاني بعام واحد لمحام مصري موال لكرومر والنفوذ الأجنبي يدعى ’’مرقص فهمي’’ تحت عنوان ’’المرأة في الشرق’’ صور فيها خطة الاستعمار في المطالبة بتحقيق أربعة أغراض:
أولا: القضاء على الحجاب الإسلامي.
ثانيا: إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها.
ثالثا: تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي.
رابعا: منع الزواج بأكثر من واحدة.
خامسا: إباحة الزواج بين المسلمات وغير المسلمين.
وكان هذا المخطط هو النواة الأساسية للنفوذ الأجنبي الذى تدرس على ضوئه حركة قاسم أمين وهدى شعراوي. ذلك أنه لما تمض سنوات خمس حتى ظهر كتاب ’’ تحرير المرأة’’ فكان ذلك خطوة على الطريق ظن البعض وما يزال يظن سلامتها ونقاءها وبعدها عن الهوى وتحررها من أي خلفية موحية.
فما هي هذه الخلفيات لذلك الحدث الخطير؟!
أولا: كتب داود بركات رئيس تحرير الأهرام بجريدته الصادرة في 4 مايو 1927 مقالا:
فقال فيه: إن قاسم أمين قرأ كتاب الدوق داركير ’’المصريين’’ ورد عليه بكتاب باللغة الفرنسية وفند اتهاماته .. قلما ظهر هذا الكتاب وصف بأنه لم يكن في صف النهضة النسائية .. فقد رفع الكتاب من شأن الحجاب وعده دليلا على كمال المرأة، كما ندد بالداعيات إلى السفور وقد رأت فيه الأميرة نازلي فاضل تعريضا بها .. ثم استطرد يقول ’’ وكانت الأميرة نازلي فاضل ولها صالون يحضره سعد زغلول ومحمد عبده وجماعة من الطامعين إلى تولي السلطة في مصر تحت قيادة النفوذ البريطاني وبرعاية اللورد كرومر’’.
ويقول داود بركات متابعا:
وقد أشير على جريدة المقطم – وهي لسان الانجليز في مصر في ذلك الوقت – أن تكتب ست مقالات عن الكتاب تفند أخطاء فاسم في هذا الاتجاه، ودفاعه عن الحجاب. واستنكاره اختلاط الجنسين .. ثم أوقفت الحملة بعد اتفاق الشيخ محمد عبده وسعد زغلول مع قاسم أمين على تصحيح رأيه .. وقد حمل الشيخ محمد عبده الدعوة إلى تحرير المرأة في دروسه في ’’ الرواق العباسي ’’ بالأزهر حين أعلن أن الرجل والمرأة متساويان عند الله . وقد ترددت آراء كثيرة بأن الشيخ محمد عبده كتب بعض فصول الكتاب أو كان له دور في مراجعتها ومما أورده لطفي السيد أنه اجتمع في جنيف عام 1897 بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وأن قاسم أمين أخذ يتلو عليه فقرات من كتاب تحرير المرأة وصفت بأنها تنم عن أسلوب الشيخ محمد عبده نفسه.
* * *
ثانيا: كتب فارس نمر صاحب المقطم مقالا في مجلة الحديث ’’الحلبية’’ عام 1939 وأشار إلى هذا الحادث فقال:
’’أنه ظهر كتاب للدوق دار كير يطعن فيه على المصريين طعنا مراً، ويخص النساء بأكبر قسط منه .. إذ رماهن بالجهل وضعف مكانتهن في المجتمع .. فاهتاج الشباب وتطوع قاسم أمين للرد على كتابه.
ويستطرد فارس نمر يقول:
وهنا أشير لحقيقة لا يكاد يعلمها إلا ندرة في مصر. هذه الحقيقة أن كتاب قاسم أمين الذى رد فيه على ’’دوق دار كير’’ لم يكن في صف النهضة النسائية التى كانت تمثلها الأميرة نازلى .. بل كان الكتاب يتناول الرد على مطاعن المؤلف الفرنسي، ويرفع من شأن الحجاب، ويعده دليلا على كمال المرأة، ويندد بالداعيات إلى السفور، واشتراك المرأة في الأعمال العامة.. ولما ظهر كتابه هذا ساء ما به إخوانه من أمثال محمد المويلحي، ومحمد بيرم، وسعد زغلول. ورأوا فيه تعريضا جارحاً بالأميرة نازلي، وتشاوروا فيما بينهم في الرد، واتفقوا أخيراً أن أتولي الكتابة عن هذا الموقف وعرض فصوله وانتقاد ما جاء به خاصا بالمرأة وبدأت في كتابة سلسلة مقالات عنه. ولكن ذلك النقد لم يرق في نظرة قضاة محكمة الاستئناف؛ ورأوا فيه مساسا بهم. لأن قاسم أفندي كان أحدهم ورأوا أن أفضل وسيلة يبذلونها لكي أكف عن الكتابة أن مؤلفه يرجوا الأميرة نازلي فاضل لكي تطلب إلى ذلك.. وتطوع الشيخ محمد عبده للقيام بهذه المهمة.. وذات مساء حضرت إلى صالون الأميرة كما حضر الشيخ محمد عبده ومحمد بيرم والمويلحي .. وبعد قليل تحدث الشيخ محمد عبده مع الأميرة في هذا الشأن.. فالتفتت إلى سموها وقالت لي: أنها لا تجد بأسا في أن أكف عن الكتابة في الموضوع .. وكانت هي لم تقرأ الكتاب ولم تعرف أنه يشمل الطعن فيما تدعو إليه .. فلما رأي ذلك محمد المويلحي قال لسموها: أنه يدهش من طلب الأميرة وخاصة لأن الكتاب تعرض لها .. فبنت الدهشة عليها، وكانت إحدى نسخ الكتاب موجودة عندها. وعبثا حاولت أن أقفل باب الحديث في هذه الشأن وخاصة بعد أن لمحت عليها معالم الاضطراب والجد والعنف .. فلما اطلعت على ما جاء به ثارت ثورة شديدة ووجهت القول بعنف إلى الشيخ محمد عبده .. لأنه توسط في هذا الموضوع .. ومرت الأيام بعد ذلك واتفق محمد عبده وسعد زغلول والمويلحي وغيرهم على أن يتقدم قاسم أمين بالاعتذار إلى سمو الأميرة .. فقبلت اعتباره ثم أخذت يتردد على صالونها .. وكلما مرت الأيام ازدادت في عينه، وارتفع مقامها لديه .. وإذا به يضع كتابه الأول عن المرأة الذى كان الفضل فيه للأمير نازلي والذي أقام الدنيا وأقعدها بعد أن كان أكثر الناس دعوة إلى الحجاب’’.
انتهى كلام فارس نمر.
ثالثا: أشارت هدى شعراوي في محاضرة لها إلى هذا المعنى، وكشفت هذا السر الذي ظل خافيا زمنا طويلا ولم يكشف إلا بعد وفاة قاسم أمين بعشرين سنة:
غير أن الذي يلفت النظر أن قاسم أمين عدل عن رأيه هذا من بعده، وتبين له أنه أخطأ الطريق .. وقد تبين هذا حين صرح قاسم أمين في حديث له إلى صحيفة ’’الظاهر’’ التى كان يصدرها المحامي محمد أبو شادي حيث أعلن رجوعه عن رأيه، وأعلن أنه كان مخطئا في ’’توقيت’’ الدعوة إلى تحرير المرأة.. هذا التصريح نشرته جريدة ’’الظاهر’’ في أكتوبر 1906.
قال قاسم أمين:
’’لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الافرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزق ذلك الحجاب .. وإلى إشراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولاتهم . ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختيرته من أخلاق الناس.. فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن، وماذا يكون شأنهم معنهن إذا خرجن حاصرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتى .. رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تطاولوا إليها بألسنة البذاء، ثم ما وجدت زحاما في طريق فمرت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسن جميعا .. أنني أرى أن الوقت ليس مناسبا للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذى قصدته من قبل’’.
ومعنى كلام قاسم أمين أمير هذا الذي نشره قبل وفاته بعام ونصف عام أن قاسم قد اكتشف بعد سبع سنوات من دعوته ’’التى جاءت استدراجا ومرضاة لنفوذ وليست خالصة لوجه الله تعالى:’’ أنها لم تكن قائمة على أسسها الصحيحة وهي الدعوة إلى تربية الخلق والإيمان بالله، وأنها لم تكن على طريق الحق.. أو ربما أن قاسم رأى بعد أن تغيرت الظروف بزوال كرومر ووفاة محمد عبده وانطفاء نفوذ نازلي فاضل ’’رتيبة كروم’’ أن يتخفف من هذه التبعة.. وربما كان لبعض التجارب أثرها في نفسه .. ومما يروى أن صديقا عزيزاً زاره ذات مرة فلما فتح له الباب قال: جئت هذه المرة من أجل التحدث مع زوجك !! فدهش قاسم .. كيف يطلب مقابلة زوجته .. فقال له صديقه : ألست تدعو إلى ذلك؟! إذن لماذا لا تقبل التجربة مع نفسك .. فأطرق قاسم أمين صامتا .. ومما يذكر أن السيدة زوجة قاسم أمين كتبت منذ سنوات تعلن أن دعوة قاسم أمين كانت خطيرة وأنها لم تكن قائمة على أساس صحيح.
وقال محمد فريد وجدى:
أن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعاً في الآداب العامة، وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة، وأصبحت ساحات المحاكم خاصة بقضايا هتك الأعراض وهرب الشابات من دور أهلهن.
ونعت الدكتورة بنت الشاطش ما تكشف من حركة تحرير المرأة مما أسمته مهزلة أليمة موجعة. تقول بنت الشاطئ:
’’إن الرجال ساقونا لنعمل لحسابهم.. وهم يوهموننا أننا نعمل ويعملون معنا لحسابنا.. ذلك أن الرجال وثبوا لنا الخروج زاعمين أنهم يؤثروننا على أنفسهم.. ولكنهم كذبوا في هذا المزاعم فما أخرجونا إلا ليحاربوا بنا السآمة والضجر في دنياهم’’.
ثم قالت بنت الشاطئ:
’’إن المرأة دفعت ضريبة فادحة ثمنا للتطور ويكفي أن أشير في إيجاز إلى الخطأ الأكبر الذي شوه نهضتنا.. وأعني به إنحراف المرأة الجديدة عن طريقها الطبيعي وترفعها عن التفرغ لما تسميه: خدمة البيوت وتربية الأولاد .. ونحن نرى البيوت أصبحت مقفرة منهن .. أما الأبناء فتركوا لخدم .. وقد نشأ هذا الإنحراف الضال نتيجة لخطأ كبير في فهم روح النهضة .. وبلغ من سواء ما وصلت إليه أن نادت مناديا بحذف نون النسوة في اللغة كأنما لأنوثة نقص ومذلة وعار .. وأهدر الاعتراف بالأمومة كعمل من الأعمال الأصيلة لنا حتى سمعنا عن يسأل كيف تعيش أمة برئة معطلة .. يقصد بالرئة المعطلة هؤلاء الباقيات في بيوتهن يرعين الأولاد .. وزعموا أن المرأة تستطيع أن تجمع بين عملها في البيت ووظيفتها في الخارج’’.
انتهى كلام الدكتورة بنت الشاطئ.
***
أما ما هي ملابسات زعامة هدي شعرواي للحركة النسوية فالواقع أن هناك عدة ملابسات لا يفسرها إلا فهم تاريخ الحركة الوطنية في مصر لرجلين.. أحدهما والدها محمد باشا سلطان والآخر زوجها على باشا شعراوي.
أما والدها محمد سلطان فيقول الدكتور عبد العزيز رفاعي في كتابه ’’محمد سلطان أمام التاريخ’’:
إنه كان من أعلام الثورة العرابية. ولكنه تنكر لها في أحلك أوقاتها، ومشى في ركاب أعدائها: الخديو والانجليز، حتى نال حظوته من الخديوي بالإحسان، ومن الإنجليز بالتقدير، وقد أثبت ما أورده السيد محمد رشيد رضا في كتابه: ’’الأستاذ الإمام محمد عبده’’، جـ1 ص 258، 259، عن الدور الذي لعبته محمد سلطان في خدمة مخابرات الانجليز في سبيل الوصل إلى معسكر العرابيين في التل الكبير وهكذا حمل لواء الخيانة للثورة العرابية، وطاف ببورسعيد والإسماعيلية لمعاونة الجيش الإنجليزي الزاحف والإيقاع بجيش عرابي معلناً الثقة في الجيش الغازي ومطمئنا الأهالي على حياتهم، وقد أفهمهم حسن نيات الإنجليز إزاء المصريين، وأبان لهم أنهم لا يستهدفون غزو البلاد، بل يستهدفون تأديب العصاة.
وتابع سلطان نشاطه فأخذ يفرق الناس عن عرابي، ويجمعهم لمعاونة الإنجليز فأرسل إلى شيخ بدو الهنادي المقيم في الصالحية ويدعى سعود الطماوي والآخر إلى محمد صالح الحوت ليتفق معهما على استمالة العربان ولم يكتف محمد سلطان بنشاطه في الجاسوسية وبث الدسائس في منطقة القناة وفي ميدان المعركة، بل مد نشاطه إلى داخل البلاد ليقضى على كل معاونة شعبية لحركة عرابي، ورافق ’’ولسلي’’ قائد القوات البريطانية للتفاوض مع مشايخ العربان.
كما كانت الأموال التى أعدها الخديو لرشوة شيوخ البدو في عهدة سلطان ’’راجع بلنت: التاريخ السري ومذكرة سلطان إلى الخديو في الإسماعيلية بدار المحفوظات التاريخية دوسية رقم 2’’.
وكان سلطان هو الذي أبلغ الخديو هزيمة عرابي، ودخل سلطان القاهرة مزهوا يتطلع لفجر جديد في حياته بعد أن سجل خيانته، وكتب تاريخها بنفسه، وقلده الخديو النيشان المجيدي الأول رفيع الشأن ووضعه على صدره بيده، وأعطاه عشرة آلاف جنيه تعويضا للأضرار التي لحقت به ثم عينه رئيسا لمجلس شورى القوانين.
ولكن ضربة القدر لم تمهله ليتمتع بما اشترى من أطيان فداهمه مرض السرطان واشتد به المرض وتوفي في أوربا سنة 1884 ، وقد أنعم الإنجليز عليه بنيشان سان ميشيل وسان جورج الذي يخول صاحبه لقب ’’سير’’.
هذه هي خلفية الحياة الإجتماعية لقائدة النهضة النسوية والتى تزوجت وهي في الرابعة عشر من رجل غني موسر صديق لوالدها يبلغ الخمسين من العمر هو على شعراوي باشا أحد الثلاثة الكبار الذين قابلوا المندوب البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي ’’سعد زغلول و عبد العزيز فهمى’’ بوصفهم من رجال حزب الأمة الموالى للاستعمار البريطاني لعرض مطالب البلاد.
ولم يلبث شعرواي باشا أن توفي وقد كان الثلاثة هم دعاة الولاء البريطاني والتعامل مع الإنجليز والشاجبين لمفاهيم الحزب الوطني في المفاوضة قبل الجلاء.
وقد وجدت السيدة هدى شعرواي الفرصة سانحة للتبريز خاصة وأن السيدة صفية زغلول ابنة مصطفى فهمى الذى حكم مصر بالحديد والنار خلال أول الاستعمار البريطاني ثلاثة عشر عاماً وزوج سعد زغلول والمساماة بأسماء الاضداد ’’ أم المصرين’’ تستأثر بالزعامة السياسية فأرادت تفتح مجالا جديداً تنفرد فيه بالزعامة فكان ذلك هو مجال المرأة خاصة وأنها نزعت نقابها في ثورة 1919.
ولقد تلقفتها جماعات تحرير المرأة العالمية والمنبثة في أوربا وخاصة في باريس وبرلين وبروكسل والتابعة للمحافل الماسونية ومنظمات الصهيونية العالمية ووجدت فيها طيراً سميناً فدعتها إلى حضور المؤتمرات النسوية العالمية التى كانت الصهيونية العالمية تديرها من وراء، والتى كانت تستهدف بأحداث الضجيج حول حقوق المرأة السياسية في البرلمان والحكم خلخلة المجتمعات الإسلامية ودفعها إلى طريق الانهيار.
والمعروف أن هدى شعرواي لم تنطلق في دعوتها من أي منطلق إسلامي، بل على العكس من ذلك كانت سيدة سافرة رزة لها صالون ويتحلق حولها عدد من الرجال المجندين لكتابة الخطب والكلمات التى كانت تلقيها في الاحتفالات وكانت تنفق على ذلك أموال سلطان باشا التى دفعت ثمنها الثورة العرابية، وكان في مقدمة هؤلاء إبراهيم الهلباوي باشا محامي دنشواى والشيخ محمد الأسمر الشاعر .. وقد استطاعات أن تجند بعض الشباب، وأن ترسل بهم في بعثات تعليمية خاصة على حسابها إلى أوربا/ ومنهم من عمل في الصحافة من بعد، وحمل لواء الدعوة إلى تقديس هدى شعراوى، ودعا إلى تلك الأفكار التى تحرض المرأة على التحرر من القيود الاجتماعية، والانطلاق حتى كان أحدهم يقول لواحدة سألته:
’’ لو كنت بغير أولاد لقلت لك اتركيه ورزقك على الله، والمعروف أن السيدة هدى شعراوى لم تكن تعبأ في دعوتها بالمفهوم الإسلامي المرأة، أو تصدر عن فهم حقيقي لرسالة البيت والأسرة ولم تكن تتحرك في هذا الإطار .. وإنما كانت تضع أمامها المرأة الغربية كمثل أعلى .. وذلك فقد شجعت أسباب الزنة والأزياء والمودات المستحدثة. وكانت أجنحتها من المثقفات ثقافة فرنسية وذات الولاء الماركسى والصهيوني، ولم يكن للمفهوم الإسلامي لديهم أي أهمية.
ويقول الأستاذ حسين يوسف:
إنه لم يكن عجبا أن يعمل الاتحاد النسائي بزعامة هدى شعرواي الأهداف التي يحرص الاحتلال على الوصول إليها، وإن يردد في عام 1923 نفس المبادئ التى نادى بها مرقص فهمى من قبل، وتورط فيها قاسم أمين .. ولما كان داة تدمير مفاهيم المرأة المسلمة لا ينامون فإنهم يدعون اليوم إلى تجديد ذكرى هدى شعراوى بإقامة تمثال لها.. والهدف هو دعو هذه الأفكار المسمومة التي تستهدف تدمير الأسرة المسلمة وتحطيم البيت المسلم.
(4)
طَه حسَين
عميد الأدب العربى الذى مازالت مؤلفاته تحمل سموم الاستشراق
وتهاجم الإسلام والقرآن
عن مجلة الاعتصام – نشرت جريدة المجتمع الكويتى، بعددها رقم 177 بتاريخ 13 من ذي القعدة سنة 1393 ( 1973/ ، مقالا مطولا كشفت فيه عن كثير من الحقائق التي لابد لأبناء الجيل الإسلامي الحالي، أن يعرفوها، حتى لا ينخدعوا بالدعاوات الكاذبة التى ملأت الآفاق في رثاء طه حسين، وتمجيده في حين أنه كان صنيعة لأعداء الإسلام، وداعية للمدنية الغربية بكل مفاسدها وشرورها.
وفيما يلي بعض ما تضمنه المقال المذكور من وقائع، وفيها الكفاية لإدراك الحقيقة.
استطارت في صحف البلاد العربية كلمات عجلى ومرات سريعة خاطفة حاولت أن تسد فراغاً صحفياً على وجه العجلة فلم تتمكن من أن تراجع التاريخ أو تنثبت من الوقائع، وربما صاحب ذلك هوى من شأنه أن يتعارض مع الحق، وربما كانت كتابات بعض المتصدرين في مجال الصحافة ممن لم يحسنوا مراجعة الآثار المكتوبة حول القضايا المثارة ومنهم من شهد السنوات الأخيرة فنشأ طفلا يرى ’’طه حسين’’ رجلا كهلا تحيطه هالة، أو تدرس كتبه في الجامعات أو يشرف على بعض المؤسسات الثقافية واللغوية فظن هؤلاء – وبعض الظن إثم – أن الرجل له تاريخ مشرف جديد بأن يشاد به ويرثى ولقد حوت كتابات الكتاب الكثير من الخطأ ومن الهوى، ومن عجب أي بعض المؤمنين لحق بمن كتبوا عن الإسلام أو هاجموا بعض خصومة أمثال لويس عوض وسلامة موسى وغيرهم يسقطون في هوة الخداع إزاء طه حسين وهو أشد خطراً من هؤلاء جميعا وأبعد أثراً.
ولسنا الآن في مجال الحديث عن موقع طه حسين من الأدب العربي أو الفكر الإسلامي فذلك أمر له من بعد دراسات ومراجعات ولكننا تقف عند حد تصحيح بعض الأخطاء التى تضمنتها هذه المراثي التى أعادت الرجل حيا بعد أن مات موتا معنويا منذ عشر سنوات عندما توقف عن الكتابة وداهمه المرض الذى كان حفيا بأن يفسح له سبيل العودة إلى الله ولقد كان يتردد في هذه السنوات بل كان الدكتور نفسه يقول:
إنه لا يسمع من الإذاعة غير القرآن المرتل وكان بعض السنج من الناس يقول: لقد تاب الرجل وأناب.
وكذلك قالوها يوم اصدر كتابه ’’على هامش السيرة’’ ولكن الفهم السليم للإسلام يدعونا إلى أن تتحرز من مثل هذه المظاهر الكاذبة وأن نتعمق مفهوم التوبة في الإسلام وهو مفهوم يفترض على صاحبه أن يرجع عن كل ما خالف به أصول الإسلام أو حقائق القرآن وأن يعلن على ذلك على الملأ وأن يحجب مؤلفاته التى نشر ذلك من قبل بل وعليه أن يصحح ذلك ويوضحه وأمامنا مثلان:
مثل في القديم هو أبو الحسن الأشعرى’’ حين خرج عن فتنة الاعتزال إلى ضوء السنة الصحيحة فإنه لم يلبث أن وقف في المسجد الجامع بعد الصلاة على كرسى وأعلن توبته بل وخرج من ملابسه وقال: لقد خرجت من الأثم الذي كنت فيه كما أخرج من ثوب هذا وألقى إلى الناس بمؤلفاته الجديدة التى يعارض بها قديمه الذى خرج عنه وأمامنا الدكتور محمد حسين هيكل الذى أعن في مقدمة كتابه ’’منزل الوحى’’ أنه قد خاض في شبابه لجج النظريات وكان مخطئا حين حاول أن يختار لبني وطنه فكر الغرب أو منهج الفرعونية وأنه عاد إلى الحق حين تيقن أن الإسلام هو المنطلق الوحيد للمسلمين إلى النهضة. فهل فعل طه حسين شيئا من ذلك إذا كان حقيقة قد تحول، نحن نعتقد أن طه حسين لم يتحول حتى مات عن مفاهيمه الأولي وأنه أصر على فكره إصراراً كاملا حتى حين كتب إسلامياته المتعددة وأن المراجعة الدقيقة لهذه المؤلفات تكشف عن أنها تحول في المظهر أو كما يقول الغربيون أن طه حسين غير جلده، أو أنه حسين سقط في نظر الناس بعد كتاب ’’الشعر الجاهلي’’ إنما أراد أن يعود إليهم كاسبا ثقتهم بالكتابة عن ’’هامش’’ السيرة وكانت خدعة أخرى كشفها صديقه ورفيقه على الطريق في المرحلة الأولي الدكتور هيكل حين قال إن إحياء الأساطير في هامش السيرة خطر على السيرة نفسها لأنه يعيد إليها ما حررها منه علماء المسلمين أربعة عشر قرنا وحرصوا على حمايتها منه وقال عنها مصطفى صادق الرافعي إنه تهكم صريح.
لقد خدع طه حسين الكثيرين بكتاباته الإسلامية ولكن هذا الخداع لم يطل فقد كشفه كثيرون في مقدمتهم محمود محمد شاكر الذي كشف فصولا متعددة عن ’’الفتنة الكبرى’’.
* * *
من أبرز ما يحاول الذين رثوا طه حسين أن يثبتوه أن طه حسين في مؤلفاته وكتاباته كان خصماً سياسياً الذين هاجموه, وألبوا عليه وأن ما أورده في كتبه لم يكن على هذا النحو من الخطر في مهاجمة الإسلام.
وذلك هو أسلوب الاستشراق في مواجهة الأمور وهو نفسى أسلوب طه حسين الذي كان إذا أراد أن يهاجم الإسلام هاجم الأزهر وإذا أراد أن يرد عادية خصومه قال إنما يهاجمون حزبه السياسي ولقد حرص طه حسين حين اشتدت الحملات عليه عاما بعد عاما بعد كتابه الشعر الجاهلي أن ينفصل من معسكر الأحرار الدستوريين وأن يلجأ إلى معسكر الوفد حتى يحتمي به.
وقد أكسبه ذلك سناداً ضخماً أعانه ليس فقط على الاستمرار في الحركة – ولكن مكنه من توصيل إلى ضربة أخرى وجهها إلى الفكر الإسلامي تلك هي كتابه: ’’مستقبل الثقافة ’’ وكذلك فقد استفاد طه حسين من السياسة فهي التي حمته من العزل ومن المحاكمة ومن أشياء كثيرة، بل هى التى كانت تسهل له أن ينتقل بالرغم من مواصلة كشف أساليبه – من منصب أستاذ الجامعة إلى عميد كلية الآداب إلى مدير الجامعة إلى وزير المعارف.
وإذا كان رثاة طه حسين يريدون حقاص أن يصدقوا الناس ويقولوا لهم أن طه حسين عندما كان في حزب الأحرار الدستوريين – قد هاجم سعد زغلول بأكثر من ’’مائة مقال’’ في خلال سنوات ’’1922 – 1927’’ حتى وفاته فلما تحول طه حسين إلى الوفد بعد ذلك كتب عن سعد زغلول وخطب يرفعه فوق هامة الدهر دون أن يحس بالخزي أو الخجل ودون أن يرى ابتسامات السخرية من سامعيه وقارئيه لكذبه فى الأولى وفي الآخرة وتضليله وغشه.
وتردد مراثي طه حسين عبارات تقول أنه أضهد ككل أصحاب الرسالات فأى نوع من الاضطهاد شهده طه حسين. هل اعتقل ليلة واحدة في أي عهد هل قدم للمحاكمة مرة واحدة هل عذب؟ هل حيل بينه صيف واحد وبين السفر إلى فرنسا حتى في أشد أيام أزمة الشعر الجاهلي . لم يحدث ذلك قط وإنما كان ذلك من لغو القول وباطله.
إن طه حسين كان يعرف أنه في حماية قوى كبرى ربما ليست ظاهرة ولكنها تختفي وراء الأحزاب، وراء عدلي وثروت، وتلتمس أسلوبها إلى ذلك بالعطف على الكفيف والرحمة بالمجنون. كما قال سعد زغلول للأزهريين : هبوا أن رجلا مجنوناً قال ما قال، وماذا علينا إذا لم يفهم البقر!!
ويردد أصحاب المرائي أن لطه حسين حياة حافلة بالنضال ولكنه أي نضال، لقد بدأ طه حسين حياته في محيط حزب الأمة الذي أنشأه كرومر وفي أحضان لطفي السيد داعية الولاء للاستعمار البريطاني تحت اسم مصر للمصريين وعدو الجامعة الإسلامية والعروبة والشريعة الإسلامية واللغة العربية وتعليم أبناء الفقراء.
ولقد لقى طه حسين في حياته ’’عبد العزيز جاويش’’ وبيئة الحزب الوطني ولكنه سرعان ما أعرض عنها، لأنها ليست ممهدة الطريق ولأنها كانت تحمل مفاهيم النضال والجهاد، وكسب صلته بأصحاب البيوتات وفي مقدمتهم آل عبد الرزاق الذى كان أثيراً لدى عطفهم ومعونتهم ولما عاد من أوربا اندمج في حزب الأمة المجدد تحت اسم ’’الأحرار الدستوريين’’ ولم يدخل الوفد إلا بعد أن فقد الحزب أمانته للأمة وانصهرت فيه العناصر اليسارية والشيوعية.
أما أخلاقه التى يشيدون بها فهى تنجلى صراحة في موقفه من اساتذته الذين عاونوه في أول الحياة والذي شقوا له الطريق فلم يلبث أن هاجمهم في عنف وصلف واحتقار، بل وعارض مفاهيمهم الأصلية: وفي مقدمة هؤلاء الشيخ المهدى ومحمد الخضرى وأحمد زكي باشا وأعلن أنه يرفض المنهج الذى رسمه الشيخ محمد عبده.
وقد سجل جميع الباحثين في سيرته وفي مقدمتهم أولياء الثقافة الغربية من أمثال إسماعيل أدهم أحمد أنه لم يكن عالما ولا صاحب منهج، وأنه صاحب هو وغرض وأن ذلك الطابع يسود كل انتاجه.
أما مفاهيمه العامة فقد أثار الدنيا حين أعلن أن العرب استعمروا مصر كالرومان وحرقت مؤلفاته في ميدان عام في دمشق، وقال أن مصر جزء من حضار البحر المتوسط، وهاجم المجاهدين من أهل المغرب في رسالته وصور استعمار فرنسا خدمة عظمى تقدمها لهم فرنسا. وكان له موافقة في معارضة العروبة والرابطة الإسلامية في دعوته إلى تمصير اللغة وإلى تمصير الأدب، وكلها دعاوى زائفة مشبوهة.
وكانت دعوته إلى الحضارة الغربية فاسدة لأنه لم يأخذ فيها بأسلوب الحيطة أو أسلوب العلم بل كان حريصا على أن تنصهر مصر والبلاد العربية في هذه الحضارة على النحو الذى صوره حين قال ’’ أن نقبل من الحضارة ما يحمد منها وما يعاب وما يجب منها ما يكره’’.
كان داعية الفناء في الغرب تحت خدعة زائفة ظل يروجها وكانت موضع سخرية الناس لسذاجتها وهي قوله: أننا لن نستطيع أن نساوى الغرب إلا إذا سرنا سيرته، وكيف يمكن ذلك وقد سارت تركيا ومع ذلك سخر منها الغرب لأنها عجزت عن أن تقدم شيئا في مجال العلم وما زالت عالة عليه بعد أن فقدت شخصيتها الإسلامية.
ويكذب أو يخدع أولئك الذين يقولون أن طه استوعب ثقافة التراث أو أنه نقل ثقافة التراث أو أن وجهته في الكتابات الإسلامية كانت خالصة لوجه الله أو العلم أو الحق ذلك أن طه حسين قد أراد أن يتخذ من التراث منطلقا إلى تحقيق جانب من رسالته، تلك هي إثارة الشبهات والروايات الباطلة، والتقليل من جلال أبطال الإسلام، وتصويرهم بصورة رجال السياسة في الغرب المسيطرين على مطامع الحكم ومطالب الحياة، ولا يستطيع أن يفهم التراث أو يقدمه المسلمين في هذا العصر إلا رجال آمنوا بالإسلام دينا ونظلم حياة وعمرت قلوبهم تلك الأمانة للإسلام والغيرة على معطياته ومنجزاته. أما طه حسين فقد عاش حياته كلها يسخر بعظمة أمة الإسلام وبما في صفحاتها من بطولات ويفسرها طبقا للمذهب الاجتماعي الفرنسي، المتصل بالتفسير المادي للتاريخ القائم على الجبرية وهو مذهب ينكر عظمة النفس الإنسانية وجلال الروح ومكانة المعنويات - كان طه حسين كذلك في أول ما كتب ’’ذكرى أبي العلاء’’ وظل كذلك إلى آخر ما كتب ’’مرآة الإسلام والشيخان’’.
وكل ما يحاول الإغرار أن يجمعوه من آرائه عن القرآن أو الإسلام أو التاريخ فإنما يقدم إليه مفهومه الباطل فيجعله هباء منثوراً، فهو لا يرى في القرآن أكثر من أنه كتاب بلاغة’’ ولا يرى في البطولات إلا أنها من نتاج البيئة، ولا يرى في النبوة إلا أنها قدرة رجل عظيم استوعب فكرة عصره، فهو لا يؤمن بالنبوة، وذلك واضح من كتاباته ومن مراجعات الباحثين لآثاره وهي كثيرة ومقدمتها كتاب غازى التوبة ومحمد محمد حسين والرافعي ومحمد أحمد الغمراوي وكاتب هذه السطور.
إن طه حسين مع الأسف لم يكن يؤمن بشئ، كان ساخراً وكان مشككاً وكان متقلباً ولقد كدت أكتب عبارة ’’أولها حرف ر’’.
وآية ذلك أنه ألقى العمامة في البحر عندما ركب السفينة أول مرة إلى أوربا في مشهد درامي، تمثيلى، وأنه كان يقول القول وينقضه فقد أعلن إمارة العقاد للشعر ثم سحب ذلك في سنواته الأخيرة، أما قدره العلمى فقد كشف عنه سكرتيره البير بيزان وسكرتيره زكي مبارك وظهر ذلك واضحاً في سقطات فاضحة.
من مثال قوله:’’ وقد وقعت بين القيسية واليمانية معركة ’’مرجرات’’ ثم اتضح من بعد أنها ’’مرج راهط’’ ولكن هكذا يكتبها المستشرقين وقد أشار زكي مبارك إلى ذلك في دعاية ساخرة حين قال : أن طه حسين دخل حديقة المستشرقين بالليل ليسرق ثمرة أو ثمرتين فصادفته هذه الثمرة المعطوبة’’ ولا شئ يستطيع أن يحمى طه حسين من شبهة الاتصال بالصهيونية أو اليهودية العالمية في مجال الفكر وربما عن طريق آخر بالإضافة إليهما، ولذلك قصة طويلة لها وقائعها الثابتة والأكيدة والمتصلة طوال حياته منذ أعلن عن عدم وجود إبراهيم إسماعيل عام 1926 إلى أن صير مديراً لدار الكتاب المصري 1946 وبين ذلك تاريخ طويل يمكن أن يروى في مقال متصل ويؤيده ما قاله شارل مالك في رثاء طه حسين.
هناك سؤال لماذا انقلب إسلاميا داعيا إلى التراث؟
والإجابة السريعة قبل إيراد التفاصيل هي محاولة تمكينه من أن يكون مرجعا إسلامياً يستغله للتبشير والاستشراق في السنوات الخمسين القادمة ولذلك فقد حولوه من مغايظة الجماهير إلى إرضاء الجماهير، إرضائها بالخداع والزيف.
وكلام عن الإسلام كله بمفهوم الإسلام الغربي المسيحي: أنه علاقة بين الله والإنسان، عبادة، لاهوت وليس أكثر من ذلك ، وطه حسين يعتنق ما كان يعتنقه فولتير ورينان غيرهما من التفرقة بين الإيمان بالقلب والكفر عن طريق العقل. هذه الإزدواجية التى يعرفها الغربيون ويفخرون بها، وتعتنقها بعض الفضائل المضللة من توابع المستشرقين في البلاد العربية ممن لا قيمة لم ولا وزن وممن لن يتبقى لهم آثار ولا أعمال.
إن طه حسين بالعمل فى مجال الإسلاميات منذ أصدر هامش السيرة 1933 ونشره في الرسالة كان يفتح صفحة جديدة وأخيرة في تاريخه وتاريخ الفكر الإسلامي هي صفحة تقديم البديل من أجل القضاء على الأصيل ومع الأسف فقد شارك هيكل والعقاد وانكشف أمرهم عام 1939 حين قاله لهم إمام كبير:
’’ بيننا وبين الإسلام أن تؤمنوا بأن الإسلام نظام حكم وفهم مجتمع، فصمتوا صمت القبور. استطاع طه حسين من خلال كتاباته الإسلامية أن يصور الروابط بين الصحابة على نحو مؤسف ردئ، وكان قد أعلن من قبل في رده على العلامة: رفيق العظم احتقاره التاريخ كما اتخذ في بعض الشعراء الماجنين دلالة على فساد القرن الثاني الهجرى الحافل بأعلام المسلمين في الفقه والعلم والتصوف والأدب والفكر كله.
لقد تحول طه حسين في أساليبه يخوض معركة أشد خطراً، هي معركة تزييف مفهوم الإسلام والتاريخ الإسلامي، وقد جرى في ذلك مع منهج الاستشراق الذى تغير في أواخر الثلاثينات حين تحول من مهاجمة الإسلام علانية إلى خداعه بتقديم طعم ناعم في أوائل الابحاث ثم دس السم على مهل ومن خلال فقرات وكان هذا هو أسلوب الاستشراق اليهودي الماكر.
وقد استخدم طه حسين هذا المنهج ببراعة ونجح فيه. فلم يكن طه حسين يؤمن بالدين ولا بالتراث ولا بعظمه هذه الأمة ولا بأمجادها الإسلامية ولا بحركة اليقظة فيها، ولقد تهدمت كل أعماله قبل وفاته وخذلته كل الكتابات الجديدة والإيجابية عن الشعر الجاهلي وعن ابن خلدون، وعن مفهوم العروبة المرتبط بالإسلام وعن هزيمة الفرعونية وعن اندحار دعوته إلى الغض من شأن الأزهر.
سلامة موسى
محاولة إعادة سلامة إلى الحياة محاولة خاسرة وقد باءت بالفشل الذريع. سلامة موسى الرجل الذي لم يعرف في تاريخه الطويل موقف يدعو فيه لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني وقد سقطت جميع آرائه وكشف حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
لقد كانت كل كتابات سلامة موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره ولقد عرف أن سلامة موسى كان يلفظ الإسلام والمسيحية معاً وهو الذي أضاف إلى قائمة الرسل والأنبياء فرويد وماركس ودارون ولينين.
كان السؤال الهام في الندرة عن تلك الظاهرة الخطيرة التى حاولت بها بعض الجهات طرح كتب سلامة موسى في السوق مرة أخرى بأعداد كبيرة، ونشرت عديداً من كتبه ما عدا كتابه ’’ اليوم والغد’’ الذي قال بعض أصحاب الولاء أنهم أن يعيدوا طبعه والسر أن هذا الكتاب يكشف حقيقة سلامة موسى، ودعوته المسمومة، والشعوبية والماركسية جميعاً.
والحق إن كتابات سلامة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمثل أى عطاء ثقافي بعد أن سقطت كل هذه الدعاوى التى روجها الاستشراق والتغريب في الثلاثينات والأربعينات.. شأنه في هذه شأنه في هذا شأن طه حسين ومحمود عزمي وعلىعبد الرازق ومن تبعهم أمثال حسين فوزى وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.
والواقع أن النفوذ التغريبي لا يمهد ولا يتوقف عن غاياته وإن بدأ أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالا جديدة بتلك السموم التى قدمها على أيدى عملائه ثم تكشف زيفها.
دعا سلامة موسى إلى استعمال العامية وهدم العربية، وجدد الدعوة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية وجدد الدعوة بعده كثيرون ولم يصلوا إلى الشئ.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية، وجدد الدعوة إلى إبطال حكم من أحكام الدين وذلك بشأن ميراث المرأة، وقد لنه الباحثون دراس قاسياً مريراً.
دعا سلامة موسى إلى الماركسية وقد كشفت الأيام زيف دعوته وفساد جهته.
والحقيقة أن سلامة موسى لم يكن إلا رجلا يحمل الغرب فيذروه في وجهه الناس حقداً وكراهية لهذه الأمة أن يتحقق لها امتلاك إراداتها وخدمة لكل التيارات الحاقدة عليها والكارهة لها، ولقد كان الكاتب في هذه الفترة يعرف بأنه ماركسي أو غربي أو داعيا لفرنسا أو انجلترا ولكن سلامة موسى كان يعمل لكل هذه الجهات عن طريق الماسونية والمخطط الصهيوني الذى كان يحتضن كل فكر هدام.. فكان ينثر من كنانته كتابات عن ’’دارون’’ ومذهبه، وعن ’’فرويد’’ ومذهبه، وعن إقليمية مشوبة بالفرعونية، وعن العامية مشوبة باللاتينية ويحتضن كل كتاب هذه السموم من ’’ولكوكس’’ إلى ’’ ماركس’’ ويدعى ويناقض دعوته بمدح الخديو إسماعيل، وموالاة الاستعمار البريطاني ولا ريب فقد تخرج سلامة موسى من مدرستين:
من مدرسة تربية أبناء العرب الذين يقعون في فخاخ القوى العظمى فقد ذهب سلامة موسى إلى بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت الباكر وجند لهذه الغاية، أما الأخرى فقد كان تابعا لمدرسة شلبى شميل، وجورجي زيدان، وفرح أنطون، ويعقوب صروف هذه المدرسة التى كونها التبشير في بيروت، ثم قذف بها إلى مصر والبلاد العربية فتولت مقاليد الصحافة والثقافة وحملت حقدها الوافر على الإسلام والخلافة الإسلامية، واللغة العربية، وتاريخ الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن هناك وقائع خطيرة كاشفة لحقيقة سلامة موسى بعد أن فضحه أصحاب دار الهلال الذى كان يعمل عندهم، ويتصل من ورائهم ببعض الجهات ليشي بهم ’’ إبريل 1931 – مجلة الدنيا الجديدة’’ وقد نشرت الزنكفراف خطاباته التى يقول فيها لمسئول:
’’فإنا أكتب لسعادتكم وإرادة الهلال تهيئ عدداً خاصا من المصور لسعد زغلول تستكتب فيه عباس العقاد وغيره من كتاب الوفد ومثل هذا العمل يتفق مع التجارة ولكنه لا يتفق مع الدعوة للحكومة الحاضرة ومشروع المعاهدة .. لأن الإكبار من ذكر سعد. وتخصيص عدد له هو في الحقيقة أكبار من شأن الوفد ودعوة إليه إني مستعدة الدعوة للمعاهدة فهل لي أن انتظر معاونتكم’’.
كتب هذا أبان وزارة اليد الحديدية التى شكلها محمد محمود، وتاريخ الخطاب 22 أغسطس 1939 وهو لا يزال في دار الهلال ما يزال يتقاضى مرتبة منها، ويدخلها كل يوم يبتسم في وجه أصحابها، ويظهر لهم الود والإخلاص وفي الوقت نفسه يدس لهم، ويتجسس عليهم، ويرسل التقارير إلى وزارة الداخلية.
ثم عاد يتمسح بالوفد ’’إبريل 1931’’ فكشفت دار الهلال هذه الوثيقة وقالت:’’ أنت تتمسح اليوم بأعتاب الوفد، وتتعلق زعماء الوفد .. إن لدى دار الهلال البرهان القاطع على تلونك وغدرك’’.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. فقد أرسل خطابا ’’نشرت صحف دار الهلال’’ صورته الزنكفرافية موجها إلى الأستاذ حسين شفيق المصري في 3 نوفمبر 1930 هذا نصه’’.
عزيزي حسين:
بعد التحية: تعرف الخصومة بينى وبين السوريين ’’أي أصحاب دار الهلال’’ فأرجو أن ترسل لي خطابات على لسان سوري وقح يشتمني فيه بإمضاء اسكندر مكاريوس أو غيره من الهكسوس .. وأنا في إنتظار الخطاب.
أخوك سلامة موسى
وقد علق الأستاذ شفيق المصرى على هذا يقول:
كان يريدنى أن أزور خطابا، وأن افترى على أمة، وأن انزل إلى الدرك الأسفل من النذالة بالكيد لقوم ليس بيني وبينهم يغر الصداقة والمودة.
هذا اللعب من لعب الصبيان فعجيب أن يكون منه وهو ينادي بأنه فيلسوف من علماء النفس، أغفر له كل شئ لا أن يظن بى ما ظن من الجهل والحمق .. وهو يدعوني إلى كتابة ذلك الكتاب الذي اشتمه فيه بتوقيع رجل برئ لا ذنب له إلا أن في الدنيا رجالا لا يحاسبون ضمائرهم، ولا يرون أبعد مما بين أنوفهم وجباههم.
* * *
بل ويذهب سلامة موسى إلى أبعد من ذلك فيقول:
’’ومما يدل على أن حركتنا الوطنية بأيدي ناس غير قادرين على الاضطلاع بها أن الحركة التي قامت في العام الماضي وكانت غايتها اصطناع القبعة قاومها زعماؤنا وقتلوها في مهدها.. فأثبتوا بذلك أنهم لا يزالون أسيويين في أفكارهم، لا يرغبون في حضارة أوربا إلا مكرهين.. وقد أدرك مصطفى كمال الذى لم تنجب بعد نهضتنا رجلا مثله ولا ربعه ولا يعرف مقدار ما للقبعة من القيمة والإعلان بالإنسلاخ عن آسيا، والانضمام إلى أوربا، ولم يمنع من استعمال السيف في هذا’’.
ويقول:
’’هذا هو مذهبي الذي اعمل له طول حياتي سراً وجهراً فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التى اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق.. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية ويقول:
’’وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة الشباب، وبعثرة لقواهم .. وكيف يمكننا أن نعتمد على جامعة دينية بينما فى العالم نظرية تقول: أن الإنسان لم يكن راقيا فانحط كما تقول الأديان. بل هو كان منحطا فارتقى، تعنى بها نظرية التطور بل كيف يمكن لإنسان مستنير قرأ تاريخ السحر والعقائد أن يطلب منه أن يخدم جامعة دينية، إن الجامعة الدينية في القرن العشرين وقاحة شنيعة’’.
ويقول :
’’لا عبرة بما يقال من أن الإسلام أمر بالشورى فإن خطب جميع الخلفاء نثبت أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم نظراً بابويا بل البابا نفسه إذا قيس إليهم في بعض الاشياء يعد دستوريا’’.
ويقول:
’’إن أكبر تجربة اجتماعية رآها العالم هي الشيوعية الروسية الحديثة وظهور الشيوعية هو بمثابة حاجز بين الماضي والمستقبل فهي تفصل الاثنين فصلا واضحا وهي على ما فيها من نقائض لليوم وعلى ما ينال الناس البعيدين عنها من الرعب فإنها ستكون بذرة لجملة أنظمة اجتماعية في المستقبل’’.
وهكذا تحوى كتابات سلامة موسى كل السموم التى علموه أن يثيرها في أفق العرب والمسلمين يوما بعد يوم، علموه أن الاشتراكية هي الهدام الأكبر للمسلمين وازدراء كل ما هو عربي، والدعاية للشيوعية، وكذلك الدعاية للإباحية.
يقول سلامة موسى:
’’ليس من مصلحة الإنسان أن يعيش في قفص من الواجبات الأخلاقية، يقال له هذا حسن فاتبعه، وهذا سئ فاجتنبه’’.
وعلموه الدعوة إلى التبعية للغرب وللاستعمار.
يقول سلامة موسى أيضا:
’’أجل يجب أن نرتبط بأوربا، وأن يكون رباطنا بها قويا نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها من اكتشافات واختراعات وننظر الحياة نظرها، ونتطور معها تطورها الصناعي، ثم تطورها الاشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجرى وفق أدبها بعيدا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها.
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره. هذا الفكر الذي تجاوزه المسلمون والعرب اليوم وإن كانوا قد خدعوا به هناك يوم كان دعاة التغريب تعوى كتاباتهم بالسموم!!
إن كل ما قدمه سلامة موسى عن الماركسية والفرويدية والدارونية هي كلمات مجمعة قد جاوزها البحث العلمي الآن، وكشف زيفها فقد ظهر الآن فساد ما دعا إليه دارون وتبين أن وراء إذاعة دعوتها ونرها كانت التلمودية التى تريد أن تقول أن الإنسان حيوان لتمهد لفرويد اليهودي نظريته في الجنس وكانت الماركسية والفرودية والداروينية من أدوات الفكر الصهيوني. الذي حاول أن يؤسس مدرسة في البلاد العربية والإسلامية. كما دعا إلى البهائية التى عرفها في لندن سنة 1910 عندما اتصل بجماعة الدهريين ولم يدع كتابا لم يقرأه وكانت معظم مؤلفاتهم في نقض الأديان السماوية – على حد تعبيره – ولا بد أنه اتصل بمحافل الماسونية، وتعلم فيها فإن كل اتجاهه كان ماسونياً تلمودياً ولم تعرف حقيقته إلا بعد أن ترجمت بروتوكولات صهيون إلى اللغة العربية عام 1948، وأن كل محاولاته وخططه كان ثمرة هذه التبعية الماسونية التلمودية وقد أشار كثيرون إلى أنه لم يكن مسيحياً صادقاً وإنما كان ولاؤه لفرويد وماركس.
وقالوا الشجرة الفاسدة تثمر ثمراً رديئا وكل شجرة لا تثمر ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.
ولا ريب أن دعوة سلامة موسى إلى وحدة الأديان هي من مفهوم البهائية وأن اهتمامه بالسلطان ’’أكبر’’ الهندي الذي أجرى هذه التجربة داخل في دعوته كذلك دعوته إلى وحدة الوجود، ومذهب ’’سبينورا’’ في وحدة المادة، والقوة والروح والجسد هي من طريق خطة الواضح، وكذلك فهو يرى أن حرق جثمان الميت أطهر وأنظف !!
وقد تمنى سلامة موسى أن يحرق جسده بعد موته، وقد عمل على نشر آراء تولستوي وغاندي لأنه تحاول مواجهة مفهوم الإسلام الجامع ومفهوم الجهاد وحتى ديانته المسيحية فإنها لم تسلم من هجومه وهو يعتقد أنها حجبت عن عقول الناس نور الثقافة اليونانية وحريتها، وأن هذا الحجب والحجر ظل ألفا وخمسمائة سنة حتى بدت بشائرالنهضة الأوربية التى كان أساسها الخروج عن سلطان الكنيسة وأطباقها على النفس والعقل البشريين، والعودة إلى أسس الثقافة اليونانية وحريتها.
وقد بشر بدين جديد دعا إليه ودخل هذا الدين في عقيدته أنه دين البشرية كما يسمه وهو ما دعا إليه أوجست كونت ويرى أن دين البشرية بذرة من ديانة بوذا وهو دين لا يدعو إلى الإيمان بالله، أو الخلود في العالم الثاني، ولا ريب أن هذا الاتجاه الذي استكمله بأنبياء آخرين آمن بهم هم ماركس وفرويد يوحي بماسونيته وولائه التلمودى الصريح، كذلك فإن دعوته إلى العالمية هي دعوة الصهيونية العالمية التي تريد هدم الأمم المسلمة في مرحلة ضعفها واحتوائها للسيطرة عليها وتذيبها في أتون الأممية.
ولا ريب أن حملة سلامة موسى على اللغة العربية العظمى، والشعر والأدب العربي هي دعوة مبطنة للحملة على الإسلام والقرآن وهي الدعوة التى حمل لواءها لويس عوض من بعد وتؤكد دعوته في مجموعة موالاة الدعوة الشعوبية التى ترمى من وراء القضاء على العرب وكيانهم إلى القضاء على الإسلام باعتبار أن تلك هي قاعدته الأساسية.
قد كانت أصدق كلمة لباحث معاصر أنه لم يعرف لسلامة موسى مقال وطني واحد دعا فيه إلى تحرير مصر من الاستعمار البريطاني.
إن محاولة إعادة سلامة موسى إلى الوجود محاولة باطلة فقد سقطت آراؤه جميعا وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
ما هو رأي مصطفى صادق الرافعي في سلامة موسى؟
يقول الاستاذ مصطفى صادق الرفعي:
رأيي في سلامة موسى معروف لم أغيره يوماً، فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مراً. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر. ما زال يتعرض لي منذ خمس عشر سنة. كأنه يلقي على وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها. كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية. فأخزاه الله على يدي، ورأيته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب حائط لا قيمة له. وفي اللغة دعي لا موضع له. وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عني هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنئ من ناحية أخرى. فقام يدعو إلى ’’الأدب المكشوف’’ فأخزاه الله مرة أخرى ولم يزد بعمله على أن انكشف هو. فلما خاب فى الناحيتين. اتجه الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن. وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية. وانفتح الباب المغلق الذى حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه ’’كمبيالة’’ تحت إذن وأمر ’’سلامة موسى’’ إذا محيت العربية أو غير المسلمين دينهم أو أبطلوا قرآنهم. فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث. فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية. ليقطع المسلمين عن تاريخهم. وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم، ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، والوطنولوجيا. ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال.
ويقول الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تحت عنوان:
سلامة موسى ليس بشئ إن لم يكن دجالا !!
بضاعته بضاعة الحواة والمشعوذين وله حركاتهم وإرشادتهم وأساليبهم يزعم نفسه أديباً، وتعالى الأدب عن هذا الدجل. ويدعى العلم، وجل العلم أن يكن هذا دعاؤه، ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب، والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب، ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ، والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضه، وأن يقصو عن مجاله هؤلاء الواغلين الذين يتخذون اسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولا لهم، ويتذرعون بالتهجم على الدين –على دين واحد في الحقيقة– وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس، ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم’’.
على عبدالرازق
كتاب الإسلام وأصول الحكم
ليس من تأليفه وإنما هو من تأليف المستشرق اليهودي مرجلبوت كان هدف الكتاب ضرب الإسلام في عقيدة من أكبر عقائده، وفريضة من أعظم فرائضه وهو أنه دين ودولة ونظام مجتمع. ومن ثم فقد عبر الكتاب عن وجه نظر الاستشراق اليهودي التلمودي الهدام.
وكان الكتاب لعنة على علي عبد الرازق فقد أصاب حياته بالظلام والغربة، فمات الكتاب قبل أن يموت وانطوت صفحته وهو حي، ومازالت قوى التغريب تعيد طبع الكتاب ونشره مع مقدمات ضافية يكتبها كتاب شعوبيون أو شيوعيون يضللون الناس ويخدعونهم بأسمائهم وألقابهم لإحياء فكرة مسمومة.
صادر القضاء الكتاب وأصدرت هيئة كبار العلماء قرارات بإدانة المؤلف بعد زعم أن نظام الحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان موضع غموض وإبهام وموجب للحيرة.
كان السؤال في الندوة عن دعوى على عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم’’ التى ما تزال قوى التغريب والغزو الثقافي والماركسيون والشعوبيون تجدد نشرها والحديث عنها بوصفها أسلوباً من أساليب العمل لخداع جماهير المسلمين عن حقيقة دينهم، وإذاعة مفهوم الدين العبادي القائم على الروحيات والمساجد وإنكار حقيقة الإٍسلام بوصفه دينا ومنهج حياة، ونظام ومجتمع.
ويتقول الادعاء الخبيث الذي يثيره الاستشراق والشعوبيون على أن في الإسلام مذهبين أحدهما يقول بأن الإسلام دين ودولة والآخر يقول: بأن الإسلام دين روحى ويضعون على عبدالرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول.
والواقع أن الإسلام ليس فيه غير رأي واحد. وهو الرأي الأول وأن ما ذهب إليه على عبد الرزق عام 1925 لم يكن من الإسلام في شئ ولم يكن على عبد الرازق نفسه إماما مجتهداً وإنما كان قاضيا شرعياً تلقفته قوى التغريب فاصطنعته تحت اسم ’’التجديد’’ ودعى على عبد الرازق إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وعدم مقوماته وأهدى هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجما إلى اللغة العربية وطلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص العربية التى يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فان من تأليف قزم من أقزام الاستشراق وداهية من رجال الصهيونية واليهودية العالمية هو المستشرق ’’مرجليوث’’ الذي تقضى الصدف أن يكون صاحب الأصل الذى نقل عنه طه حسين بحثه عن ’’الشعر الجاهلي’’ والذى أطلق عليه محمود محمد شاكر ’’حاشية طه حسين على بحث مرجليوث’’ ويمكن أن نطلق الآن اسم ’’حاشية على عبد الرازق على بحث مرجليوث’’ وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم ’’الإسلام والخلافة في العصر الحديث’’.
وهكذا نجد أن السموم المثارة في أفق الفكر الإسلامي توضع أساساً من رجال التغريب ثم تختار لها أسماء عربية لتحمل لواءها وتذيعها إيماناً بأن الاسم العربي أكثر تأثيراً وأبعد أثراً في خداع الجماهير.
ولقد طالما تحدث التغريبيون عن كتاب ’’الشعر الجاهلي’’ و’’الإسلام وأصول الحكم’’، على أنهما دعامة النهضة في الفكر الحديث ونحن نرى أنهما دعامة التغريب التى حاولت خداع جماهير المسلمين عن حقائق الإسلام العظيم.
ومع أن حركة اليقظ الإسلامية واجهت كتاب على عبد الرازق المنحول، وفندت فساد وجهته وأخطائه فإن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه. مع مقدمات ضافية يكتيبها كتاب مضللون شعوبيون يخدعون الناس بألقابهم وأسمائهم. وهم يجدون في هذه المرحلة التي يرتفع فيها صوت تطبيق الشريعة الإسلامية. والدعوة إلى الوحدة الإسلامية مناسبة لنفث هذه السموم مرة أخرى ولن يجديهم ذلك نفعا فإن كلمة الحق سوف تعلو وتنتشر وتدحض باطل المضللين مهما تجمعوا له وقموه في صفحات براقة مزخرفة وأساليب خادعة كاذبة.
أول من كشف حقيقة الكتاب
إن أول من كشف حقيقة الكتاب هو الشيخ ’’محمد بخيت’’ الذى رد على الشيخ على عبدالرازق في كتابه ’’حقيقة الإسلام وأصول الحكم’’ وهو واحد من الكتب التى صدرت في الرد عليه حيث قال:
’’لأنه علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس منه إلا وضع اسمه عليه فقط فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار، وألبسوه ثوب الخزى إلى يوم القيامة’’ وقد علق الشيخ علي عبد الرازق على هذا المعنى حين قال الماركسيين الذين اتصلوا به سنة 1964 لإعادة طبع كتابه إن هذا الكتاب كان شؤما عليه، وقد ألصق به كثيراً من المتاعب والشبهات والحقيقة أنه بعد أن طرده الأزهريون من ’’هيئة كبار العلماء’’ ظل منفياً ومهجوراً وعاش بقية حياته منقطعاً عن الحياة العامة. بالرغم من أن محاولات جرت لإعادته إلى زمرة العلماء، وإلى مجمع اللغة ، فقد كان الكتاب أشبه باللعنة على حياته كلها.
ومن هذا الخيط الرفيع بدأت محاولة الدكتور ضياء الدين الريس فاستطاع أن يصل إلى الحقيقة بأن كاتب الكتاب في الحقيقة هو مستشرق إنجليزي يهودي الأصل شن الهجوم على الخلافة لأن بلاده ’’بريطانيا’’ كانت في حرب مع تركيا وقد أعلن الخليفة العثماني الجهاد الديني ضدها والنصوص في الكتاب قاطعه بأنه كان موجها ضد الخلافة العثمانية. فإنه يذكر الاسم ’’السلطان محمد الخامس’’ الخليفة في ذلك الوقت الذى كان يسكن قصر يلدز’’ وهناك نص على جماعة الاتحاد والترقي’’ وهي التي كانت تحكم تركيا. أي دولة الخلافة طوال أعوام الحرب العالمية الأولى. ويقول أن الاتحاديين تلاميذ الماسونيين، وقد تربوا في محافلهم واعتنقوا شعارهم ومفاهيمهم، وقاموا بدور مسموم وهو فتح باب فلسطين أمام اليهود المهاجرين. وكان السلطان عبدالحميد قد رفض ذلك، وكانوا هم: أي الاتحاديون أداة الصهيونية العالمية في إسقاط هذا السلطان الشهيد ورجح الدكتور الريس أن مرجليوث اليهودي الذى كان أستاذاً للغة العربية في اكسفورد ببريطانيا هو كاتب الكتاب. لأن آراء الكتاب هي آراؤه التى كتبها من قبل عن الدولة الإسلامية، وفندها الدكتور الريس في كتابه ’’النظريات السياسية في الإسلام’’، وأثبت خطأها وبطلانها بالأدلة العلمية. وهو يكتب عن الإسلام بنزعة حقد شديد، ويتسم أسلوبه بالمغالطات والمعلومات المضللة والقدرة على التمويه. كما يتصف بالالتواء. وهذا الصفات كلها تظهر في هذا الكتاب المنسوب إلى الشيخ عبدالرازق. ومعروف أن الشيخ على عبدالرازق ذهب إلى بريطانيا وأقام فيها عامين فلابد أنه كان متصل بالمستر مرجليوث، أو تتلمذ عليه. وكذلك ’’توماس أرنولد’’ الذي يشير إليه الشيخ ويصفه بالعلامة قد ألف كتابا عن الخلافة بوجه عام، والعثمانية بوجه خاص. وقد نقدناه ’’يقول الدكتور الريس’’ في كتابنا ’’النظريات السياسية الإسلامية’’.
والقصة تتلخص في أنه أبان الحرب العالمية الأولى والحرب دائرة بين الخليفة العثماني وبريطانيا أعلن الخليفة الجهاد الدينى ضد بريطاني ودعا المسلمين أن يهبوا ليحاربوها، أو يقاوموها. وكان بريطانيا تخشى غضب المسلمين الهنود بالذات أو ثورتهم عليها. في هذه الفترة كلفت المخابرات البريطانية أحد المستشرقين الإنجليز أن يضع كتابا يهاجهم فيه الخلافة وعلاقتها بالإسلام، ويشوه تاريخها ليهدم وجودها ومقامها ونفوذها بين المسلمين. وقد استخدمت السلطات البريطانية هذا الكتاب في الهند وفي غيرها. وبعد أن انتهت الحرب كان الشيخ عبد الرازق قد اطلع على هذا الكتاب أو عثر عليه. هذا إن لم يفترض أن هذا كان باتفاق بينه وبين هذا المستشرق الذى اتصل به حينما كان في انجلترا أو في بعض الجهات البريطانية التى كانت تعمل في الخفاء للقضاء على فكرة الخلافة، أو التى تحارب الإسلام فأخذ الكتاب فترجم إلى اللغة العربية. أو أصلح لغته إن كان بالعربية، وأضاف بعض الأشعار أو الآيات القرآنية التى تبدو أنها لم تكن في أصل الكتاب وبعض الهوامش والفقرات، وأخرجه للناس على أنه كتاب من تأليفه ظنا منه أنه يكسبه شهرة. ويظهره باحثاً علمياً، ومتفلسفاً ذي نظريات جديدة. غير مدرك ما في آرائه أو في ثناياه من خطورة. ولا يستغرب هذا لأنه لم يدرك أن إنكار القضاء الشرعي هو إنكار لوظيفته نفسها وعمله، وإلغاء لوجوده وكانت هذه هي البدعة السائدة في ذلك الوقت بين كتاب ’’ السياسة’’ جريدة من أسموا أنفسهم، حزب الأحرار الدستوريين’’ وهذا هو الذي فهمه ’’أمين الرافعي’’ فكتب في جريدة الأخبار أنه لم يستغرب أن يقدم الشيخ على عبد الرازق على إصدار هذا الكتاب لما عرفه عنه من الضعف في تحصيل العلوم، والإلحاد في العقيدة. ثم قال: هذا إلى أنه انغمر منذ سنين في بيئة ليس لها من أسباب الظهور سوى الافتئات على الدين، وتقمص أثواب الفلاسفة والملحدين، وصار خليقا باسم ’’ الاستاذ المحقق’’ والعلامة الكبير.
ولم يعرف الأستاذ الرافعي أن المؤلف الحقيقي ربما كان غير الشيخ عبد الرازق. ولكن كلامه يكاد يكون إثباتا لذلك. وهناك قرائن أخرى.
أولا: ذكر اسم كتاب مترجم عن التركية طبعة 1924. بينما هناك فقرة تنص على أن تاريخ التأليف قبل عام 1918. وأنها ذكرت اسم السلطان محمد الخامس وقيل في الهامش أنه كتاب في عهده. وأقرب تفسير لذلك أن الكتاب ليس من تأليف شخص واحد.
ثانيا: يتحدث المؤلف عن المسلمين كأنه أجنبي عنهم وهم منفصلون عنه. فيذكرهم بضير الغائب ولا يقول عندنا أو العرب. أو نحو ذلك كما يقول المسلم عادة.
ثالثا: يكرر الشيخ عبد الرازق ’’عيسى وقيصر مرتين’’ ويكرر هذه الجملة التى يسميها الكلمة البالغة ’’دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ’’ مع أن أي مسلم صحيح الإسلام لا يمكن أن يؤمن بهذا التعبير. وأن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
رابعا: يتعاطف مع المرتدين الذين خرجوا على الإسلام، وشنوا الحرب على المسلمين. فيدافع عنهم. في نفس الوقت الذي يحمل على رأي أبي بكر الصديق المسلم الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينكر خلافته. ويقول إن محاربته لهؤلاء المرتدين لم تكن حربا من أجل الدين. ولكن نزاعا في ملوكية ملك ولأنهم ’’رفضوا أن ينضموا لوحدة أبي بكر ’’ وما هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر والإسلام.. أليست هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر أو ليست هي وحدة المسلمين حكومة الإسلام والمسلمين. ويتكلم عن أبي بكر هكذا بغير احترام أو تبجيل كأنه رجل عادي. أو كما يتكلم عدو.
هل هذا هو أسلوب المسلم. فضلا عن الشيخ. في الكلام عن الصحابة وعن أفضل الناس وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير من دافعوا عن الإسلام، وجاهدوا في سبيل الله عز وجل.
خامسا: أن الأسلوب الذي كتب به الكتاب أسلوب غريب، ليس مألوفا في الكتب العربية. فهو أسلوب مناورات ومراوغة، ويتصف بالالتواء واللف والداو والدوران. فهو يوجه الطعنة أو يلقي بالشهبة ثم يعود فيتظاهر بأنه ينكرها ولا يوافق عليها ويفلت منها ثم ينتقل ليقذف بشبهة أو طعنة أخرى على طريقة ’’اضرب واهرب’’ رجل سياسى متمرن في المحاورة والمخادعة. وهو أشبه بالأسلوب الإفرنجي، وأسلوب الدعايات السياسية، أو الدينية التبشيرية، وليس هو أبدا الأسلوب العربي الصريح. فضلا عن أسلوب أحد الشيوخ المتعلمين فى الأزهر. وهذا مما يغلب الرأي بأنه كتاب مترجم.
سادسا: ولم يعرف عن الشيخ على عبد الرازق – من قبل – أنه كان كاتباً تمرس في الكتابة، ومرن على التأليف .. فيكتب بهذا الأسلوب، ويتعمد الطعن في الإسلام وتاريخه وعظمائه رجاله. ولم يعرف للشيخ كتاب أو مقالات قبل هذا الكتاب ’’أي في السياسة والتاريخ’’ بل كل ما كتب من قبل كان ’’كئيبا’’ في اللغة أو في علم البيان وهذا كل انتاجه في أربعة عشر عاما بعد تخرجه من الأزهر، ثم بعد أن كتب هذا الكتاب ظل أربعين عاما لم يكتب كتابا آخر في نفس موضوعه أو مثله، ولم يحاول أو لم يستطع حتى أن يدافع عن نفسه ويرد على خصومه بكتاب آخر.
سابعا: هناك من القرائن والأدلة العديدة ما يدعو العقل إلى أن يرجح صحة الخبر الذى رواه فضيلة المفتى الشيخ محمد بخيت نقلا عن كثيرين من أصحاب الشيخ على عبد الرازق المترددين عليه من أن مؤلف الكتاب شخص آخر من غير المسلمين. وقد غلبنا نحن أنه أحد المستشرقين .. ولكننا نقيد هذا الخبر بأن الشيخ قد أضاف بعض فقرات وتعليقات، وأنه هو الذي أورد الآيات من القرآن.. والظاهر أنها محشورة حشراً مجموعات في مكان واحد وأبيات الشعر التى استشهد بها. كما كتب المقدمة التى زعم فيها أنه بدأ البحث في تاريخ القضاء منذ سنة 1915، وذلك ليغطى المفارقة الظاهرة بين وضع الكتاب ووقت صدوره. فإنه من غير المعقول أن يستغرق تأليف كتيب لا يزيد عن مائة صفحة عشر سنوات.
ثامنا: كانت هناك أسباب ودوافع مختلف دفعت الشيخ إلى إصدار هذا الكتاب. ولكن كان أقواها في نهاية الأمر حب الظهور والرغبة في الشهرة، وأن يوصف بأنه باحث أو محقق أو مجدد. كما فعل غير من قبل .. ونحن نعرف أن مسألة مألوفة في الشرق .. ولا سيما في النقل من الكتب الأجنبية.
وفي مثل هذه المسائل بالذات. فإن هذه الحالة أسهل. لأن النقل أو الترجمة من كتيب مجهول. أو كانت المسألة بتصريح أو اتفاق لخدمة غرضين فالطرف الأول يريد نشر آرائه لغايات سياسية ودينية والطرف الثاني له مأرب سياسي. ولكن الدافع الذاتي إنه يريد الشهرة أو الظهور أو الغرور.
من تقرير هيئة كبار العلماء في كتاب ’’الإسلام وأصول الحكم’’
والخلاصة أنه إذا رجعنا إلى هدف الكتاب الحقيقى وجدناه يتمثل في الحقائق التالية كما فصلها تقرير هيئة كبار العلماء.
أولا: جعل المؤلف الشريعة الإسلامية روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور ال
(1)
لطفي السيد
وأكذوبة أستاذ الجيل
خلفت لنا الفترة مسلمات خطيرة وكلمات دخيلة وحاولت سحب كثيرة من سحب الغزو الفكري والتغريب أن ترسم صورة خادعة لبعض الشخصيات وكان أخطر ما أطلق في هذه الفترة كلمة عميد الأدب على الدكتور طه حسين وأستاذ الجيل لطفي السيد فإلى أى مدى كان هذا اللقب صحيحاً بالنبة لمنشيء حزب الأمة مترجم أرسطو والخصم الخصيم للعروبة وللوحدة الإسلامية جميعاً.
وفي الحق إن اسم لطفي السيد لمع لمعاناً شديداً وخدع به كثيرون وكان لامتداد العمر وتغير الأوضاع واقتناص بعض الفرص التي جاءت بها الظروف عاملا من عوامل القداسة إلى سنيت بها مثل هذه الشخصيات بالرغم من فساد جوهرها.
وليس علينا أن نصدر حكما جازماً على شخصية ما يسلم به الجميع ولكن علينا أن نلقى الأضواء الكاشفة على مثل هذه الشخصية من واقع التاريخ وبالوثائق الثابتة ثم ندع القارئ ليحكم هو: هل كان لطفي السيد حقيقة أستاذ الجيل وأي جيل.
أولا: الدعوة إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان باعتبار أنهم وحدهم الذين سيتولون الحكم ومقاومة تعليم سواء الأمة ومعارضة الاتجاه إلى المجانية وذلك حتى يمكن المحافظة على وجود طبقة معينة تتولى حكم البلاد دون أن يتاح ذلك لباقي أفراد الشعب.
وقد رد عليه مصطفى كامل صاحب اللواء ورئيس الحزب الوطني ولخص آراءه وكشف عن فسادها.
ثانيا: الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيداً الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمبشرون (مولار وويلكوكس) وكان أبرز ما دعا إليه إبطال الشكل وتغيره بالحروف اللينة وتسكين أواخر الكلمات وإحياء الكلمات العامية المتداولة وإدخالها في صلب اللغة الفصحى والنزول باللغة المكتوبة إلى ميدان التخاطب العامي وكانت وجهة دعوته: تمصير العربية بإحياء العامية ’’مقالاته في الجريدة خلال شهري إبرايل ومايو 1913 ) وقد رد عليه عبد الرحمن البرقوقي مصطفى صادق الرافعي بما يكشف زيف هذه الاتجاه.
ثالثا: مقاومة التضامن العربي الإسلامي وقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم فى طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911 وكتب في هذه المعنى تحت عنوان ’’سياسة المنافع : لا سياسة العواطف’’ مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى إلتزام الحياد المطلق فى هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضن بأموالهم أن تبعثر فى سبيل أمر لا يفيد بلادهم وقد أثارت هذه المقالات على لطفي السيد عاطفة بل وطعنا جارحا على حد تعبير تلميذه الدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته .
رابعا: أيد وجهة النظر البريطانية الاستعمارية في التعاون مع الجاليات المسيطرة المحتلة ودعا إلى أن تملك هذه الجاليات في الاراضى المصرية فيكون لها الحق فى التملك والسيطرة على البنوك والتجارة وغيرها.
خامسا: مجد اللورد كرومر: الحاكم البريطانى الذى أذل المصريين لمدة ربع قرن مسيطراً على سياسة البلاد وساحقاً لكرامتها ومغتصباً لثروتها وحياتها يوم خروجه من البلاد تحية الأبطال وقال عنه.
’’أمامنا الآن رجل من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا ندا له يضارعه في عظائم الأعمال: هو اللورد كرومر وقال: لو بقي اللورد كرومر عاماً واحداً فى منصبه لعيد عيده الذهبي في خدمة دولته’’ نشر هذه الجريدة فى نفس اليوم الذى ألقى فيه كرومر خطاب الوداع فسب المصريين جميعا، وقال لهم أن الاحتلال البريطاني باقى إلى الأبد.
سادسا: رسم لطفي السيد خلال عمله فىالجريدية (1908 – 19149 منهجا للحياة الاجتماعية والسياسية والتوبوية والاقتصادية يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبى والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة ماكرة خادعة هى ’’مصر للمصريين’’ وقاوم بهذا الفكر ذلك الاتجاه الأصيل الذى كان يحمل لواءه دعاة الوطنية الصادقة والفكر الإسلامى النير وكون مدرسة تحقق لها بعد الحرب العالمية الأولى السيطرة على مقدرات الأمور بعد أن أقصى رجال الوطنية الحقة.
سابعا: تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو ( التى ترجمت من الفرنسية ) (السياسة الكون والفساد. الأخلاق) ، وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مرتجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة فى دار الكتب المصرية وذلك بشهادة عديد من معصري هذه الفترة.
(الاستاذ أحمد عابدين مدير دار الكتب السابق لا يزال حيا يرزق).
ثامنا: بالرغم من دعوة لطفى السيد العريضة إلى الدستور والحرية فإن الوزارات التي قبل الاشتراك فيها كانت كلها تتسم بطابع واحد فهي جميعا وزارات انقلاب ضد الدستور والبرلمان الحريات العامة يقول الاستاذ فاروق عبد القادر: أن الباحث في حياة لطفي السيد ليس بوسعه أن يتجاهل هذا التناقض كيف للرجل الذى كتب مطالبا بالدستور مدافعا عن الحرية أن يشترك في وزارات عبثت بالدستور وصادرت الحرية. كيف يشترك فى وزارات طابعها الإرهاب والسطو على الحريات.
تاسعاً: إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان ’’الذين وصفهم بأنهم’’ أصحاب المصالح الحقيقية وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى المهادنة مع الغاصب وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته لشئ.
هذه مجموعة من الخطوط العامة نضعها بين يدي القاريء العربى المثقف دون أن نقدم حكما على لطفى السيد وندعه هو أن يصدر هذا الحكم. ولقد تعددت المصادر والأبحاث التي تكشف حقيقة هذه الرجل فليرجع إليها من يشاء وكلها تجمع على أن هذه الدعوة التى حملها لطفي السيد إنما هي خطة دقيقة محكمة من خطط الاستعمار الغربي والنفوذ الأجنبي، فإن اللورد كرومر أراد في إطار عمل مرسوم أن ينشئ فى مصر جيلا جديداً يسير فى ركب الاستعمار معجبا به مقدراً له ومحبا ولذلك عمل خلال عشرين سنة أو يزيد على صياغة هذا الجيل عن طريق المدرسة وعن طريق الثقافة وكانت دعوته الملحة الحارة أن بريطانيا ستسلم مصر لأبنائها متى ظهر هذا الجيل الذى يعمل بالتعاون مع الاستعمار ولفت نظر الشباب المتعلم وهم جميعا من أبناء الطبقة التي أنشأها النفوذ الاستعماري وسودها وجعلها مركز القيادة السياسية إلى أنهم هم حكام مصر فى المستقبل القريب .. وكان حريصا على أن تتشكل هذه القوة أو هذا الحزب فى نفس الوقت الذي كان الاحتلال يضرب القوى الوطنية وأصحاب الأصالة ليقضي عليهم ويفرغ البلاد منهم وسلمها لهذا الجيل الذى كان من قيادته: لطفي السيد وسعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وقد تشكل حرب الأمة من مجموعة من أصحاب النفوذ وكبار الباشوات والملاك مثال محمود سليمان وحسن عبد الرازق وحمد الباسل وفخري عبد النور وسليمان أباظة وعبدالرحيم الدمرداش والطرزى وغيرهم وكان رأي هؤلاء أن السلطة الفعلية قد آلت كلها إلى كرومر الذى يمثل سلطة الاحتلال وأن مصالحهم الشخصية تقضي عليهم أن يكونوا على وفاق معهم فألفوا حزبهم بصفة رسمية في 21 سبتمبر 1907 برئاسة محمود سليمان باشا وتولى لطفي السيد قيادة فكرهم وصحيفتهم التى جمعوا لاه فى ذلك الوقت مبلغ 30 ألف جنيه: وقد ظهرت الجريدة فى 9 مارس 1907 تصور الاحتلال على أنه حقيقة واقعة وترى أن عدم الاعتراف بشريعته لا تعني عدم وجوده ولا يقلل من سلطته أو نفوذه وكانت ترى أن هؤلاء المحتلين ماضون في طريقهم مستقلون بتصريف الأمور رضي المصريون بذلك أم كرهوا وأن التخلص من الاحتلال يحتاج إلى قوة لم تتوفر للمصريين وأن دعاة الحركة الوطنية خياليون ينفقون الوقت فيما لا طائل تحته وأنهم أصحاب خيال وتهايج.
وبذلك استطاع لطفي السيد أن يرسي مفاهيم الإقليمية المصرية الضيقة التي تكره العرب وتكره المسلمين وتعارض كل تقارب وكل صلة بل وتكره الاتصال بالفكر الإسلامي الذي هو أساس الثقافة والتعليم وقد صور هذا المعنى مستشرق غربي هو ألبرت حوراني حين قال عن لطفي السيد ما يلى: كان يرى أن بريطانيا قوية وأن لها مصالح جوهرية في مصر وأنها هي نفسها قد أعلنت عن بقائها فى مصر إلى أن تصبح هذه قادرة على حماية المصالح وإذن لا يمكن إخراجها بالقوة.
وقد أعلنت بريطانيا تحديد احتلالها وخلقت الشعور بأنها باقية إلى الأبد وأن مصلحة مصر تقضي التعاون معها في أي تدبير تتخذه في سبيل إنماء قوة البلاد وهكذا كان ينفث لطفي السيد سموم التثبيط والدعة في وجه دعاة الوطنية ولا يقف عند هذا الحد بل يهمهم بأنهم خياليون مغالون فى الخيال ويتهم خطتهم بأنها ولاء لتركيا بينما لم يكن مصطفى كامل ومحمد فريد إلا دعاة إلى الحرية والاستقلال والجلاء دون أن يلينوا أي لين لتقبل وعود بريطانيا وكانوا في دعوتهم لا يستهدفون العودة إلى النفوذ التركي العثماني وإنما كانوا يؤمنون بأن حركة الحرية يجب أن تتم داخل إطار أوسع من الإقليمية ويجب أن تكون فىيإطار الجامعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الأصلية التي كانت بريطانيا عن طريق حزب الأمة تهدف إلى تجريد المصريين منها ودفعهم إلى التعبية فى التشريع والتعليم والاقتصاد لتكون مصر خاضعة تمام الخضوع للقانون الوضعي ولمفاهيم العرب فى التعليم والثقافة ولتنقطع الصلة تماما بين مصر وبين جيرانها عرباً ومسلمين وبين الفكر والثقافة فى مصر وبين الفكرالإسلامي الأصيل المستمد من القرآن والسنة.
ولقد كان لطفي السيد فى دعوته هذه ينتقض أهمية الأرضية الإسلامية للفكر والثقافة والتعليم ويغالي فى التبعية للفكر الليبرالي الغربي الذى كان فى هذه الفترة خصيصا الدين والأخلاق.
يقول ألبرت حوراني: ’’ إن الانطباع القوي الذى نتركه قراءة مقالات لطفي السيد التى نشرها في الجريدة ’’وهي كل ثروته للفكرية’’ هو الاندهاش من الدور الصغير الذى لعبه الإسلام فى تفكير رجل تتلمذ على ’’محمد عبده’’ لا شك أنه كان يشعر بأنه هو ومعظم مواطنيه مسلمون بالوراثة، وأنهم جزء من الأمة، لكن الإسلام لم يكن المبدأ المسيطر على تفكيره فلم يهتم بالدفاع عن الإسلام كالأفغاني، ولا يهتم كمحمد عبده بإعادة الشريعة الإسلامية إلى مركزها كأساس خلقى للمجتمع. وفى هذا يقول لست مما يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية بعينها، ولكنى أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ تتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر.
وهكذا نرى أن مفهومه للأخلاق والدين مستمد من الفكر الغربي ويعلق حوراني فيقول : وهكذا نرى أنه تخلى عن أول مبدأ من مبادئ محمد عبده واستعاض عنه بمبادئ جديدة. ويقول: لقد أخذ يطرح أسئلة جديدة لا تدور حول الشروط التى تؤدى إلى ازدهار المجتمع الإسلامي أو انحلاله، بقدر ما تدور حول الشروط التى تؤدي إلى ازدهار أي مجتمع أو انحلاله، كذلك لم تكن للمفاهيم التى أجاب بها على هذه الأسئلة هي مفاهيم الفكر الإسلامي، بل مفاهيم الفكر الأوربي حول التقدم والمجتمع الأفضل.
ويقرر حوراني أن لطفي السيد ورفاقه تأثروا بنمطين من التفكير الأوربي:
أولا: تفكير كونت ، ورينان ، وبلى ، وسبنسر ، ودور كايم الذين ذهبوا إلى أن المجتمع البشري متجه بحكم سنة التقدم نحو طور مثالي يتميز بسيطرة العقل واتساع أفق الحرية الفردية وحلول التعاقد الحر والمصلحة الفردية محل العادات والأوضاع الراهنة.
ثانيا: تفكير جوستاف لوبرن الذي يقول بفكره الطبع القومي، وأن كل شعب له بنية ذهنية ثابتة بثبوت بنيته الجسدية.
ويقول الحورانى: إن لطفي السيد يحدد فكرة الأئمة على أساس الأرض، لا على أساس اللغة والدين، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية بل بأمة مصرية: أمة القاطنين أرض مصر، وكان شعوره بوجود مصر شديد بحيث أهمل الأحرار على عناصر الوحدة الأخرى. فمعظم القاطنين في مصر يشتركون فى الأصل واللغة والدين.
سعد زغلول
دعوة صريحة إلى الكتاب المؤرخين:
انشروا مذكرات سعد زغلول المخطوطة لتشكفوا حقيقة هذه الشخصية الخادعة ولتضعوه فى مكانه الصحيح من تاريخ مصر.
إن الحقائق تكشف عن دور سعد زغلول فى:
أولا: تجميد اللغة العربية وإتاحة الفرصة للغة الانجليزية بوزارة المعارف.
ثانيا:- بعث قانون كرومر للمطبوعات لمحاكمة الصحفيين والكتاب الوطنيين.
ثالثا:- التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر العربية.
سعد زغلول
كان من أهم الأسئلة فى ندوة الاعتصام ما قدمه عدد من الشباب استفساراً عن صحة ما نشر عن تاريخ سعد زغلول من فصول في إحدى الصحف اليومية ومدى تطابق هذا مع واقع التاريخ ومن خلال نظرة إسلامية صحيحة.
ولا ريب أن شخصية سعد زغلول هي واحدة من أكثر الشخصيات العمل الوطنى فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنه لا يمكن دراستها، ألا يفهم الاطار السياسى الذي يدأ منذ أن احتلت بريطانيا مصر وواجهت الحركة الوطنية التى قاومت النفوذ الاجنبي بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد وعدد من المجاهدين الذين عملت القوة البريطانية على تصفيتهم وإقصائهم وتقديم جيل جديد من أصحاب الولاء للنفوذ البريطاني وفي مقدمة هؤلاء أحمد لطفي السيد وسعد زغلول وعبد العزيز فهمي.
هذه المرحلة السابقة لظهور هيئة الوفد المصري التي قادها سعد زغلول لها أهميتها في الكشف عن الدور الذي قام به سعد زغلول في معارضة الحركة الوطنية وكبح جماحها، وتقديم رجالها للمحاكمة كما فعل فى محاكمة فريد وهو وكبير الحقانية، وكذلك دوره في تجميد اللغة العربية وهو وزير المعارف واتاحة الفرصة للغة الانجليزية، وكذلك دوره فى إعادة بعث قانون المطبوعات القديم الذي كان كرومر قد أجاره ثم أوقفه وذلك لمحاكمة الكتاب والصحفيين الوطنيين بأقصي العقوبات، هذه الصفحة لسعد زغلول يجب أن تدرس قبل أن يقدم على المسرح كزعيم وطني بعد الحرب العالمية الأولى.
ولقد اختلفت حول سعد زغلول كتابات المؤرخين والباحثين، فوضعه كتاب الوفد وأصحاب الولاء لحزبه موضع لقداسة ’’وفى مقدمة هؤلاء الأستاذ العقاد’’. وشف عن حقيقته مؤرخو الحزب الوطني ’’ وفي مقدمة هؤلاء الأستاذ عبد الرحمن الرافعي’’، وجاءت كتابات كثيرة بعد ذلك فتضح سعد فى حجمه الصحيح، وكان فى مقدمة ذلك تلك الدعوة الصريحة الموجهة إلى المؤرخين والكتاب والباحثين أن ينشروا مذكرات سعد زغلول التى كتبها بخط يده فإنها هي وحدها القادرة على أن تقدم للناس بغير ولاء ولا خصومة حقائق هذه الشخصية ودورها وعملها وحقيقتها من خلال كتابات صاحب المذكرات نفسه، تلك التي كتبها بكل حريته وإرادته خلال فترة تزيد على ثلاثين عاما من أكتوبر 1897 إلى 1926، وتضم مراحل عضوية الجمعية التشريعية وتولية الوزارة وفترة المنفي وفترة رئاسة الوزارة وتضم ثلاثاً وخمسين كراسة فقد كان يسجل الأحداث يوما بعد يوم عقب وقوعها مباشرة.
تكشف هذه المذكرات عن أشياء كثيرة:
أولا: علاقة سعد بالإنجليز:
يقول عن اللورد كرومر: كان يجلس معى الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أنور منها فى حياتي السياسية (مذكرات سعد زغلول كراس 28، ص1516)ن والمعروف أن كرومر في تقاريره السنوية كان حريصاً على أن يذكر أنه يعد جيلا جديداً من الشباب المصرى المتفرنج الذى يعجب بالغرب ويحرص على التفاهم مع الاستعمار البريطاني وقبول العمل معهم.
ومن هنا كانت صلة كروم بسعد زغلول عن طريق صهره ’’مصطفى فهمى’’ الذى كان أول رئيس وزراء بعد الاحتلال، والذى قضى في الحكم ثلاثة عشر عاماً، وكان أثير الإنجليز محبوباً عندهم، وقد أصهر إليه سعد زغلول فأعد نفسه ليكون أول وزير مصري. ولعل من الحقائق العجيبة أن اللورد كرومر عام 1907م أعلن أنه يترك مصر مستريحاً لأنه أقام فعلا القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال، وكان فى هذا العام قد ألف حزب الأمة، وأصبح لطفي السيد هو حامل لواء ’’الجريدة’’ وسعد ناظر المعارف ، وقد سخر كرومر فى خطبة الوداع الذى أقامها له رجال حزب الأمة من أولياء النفوذ الأجنبي من المصريين جميعاً، ولم يمدح فى خطابه إلا رجلا واحداً، هو سعد زغلول.
ومن هنا نجد سعد زغلول يكتب فى مذكراته أثر استعفاء كرومر من منصبه في 11/4/1907 وكان يجلس في منزله مع كل من حسن باشا عاصم ومحمود باشا شكرى عندما تلقوا خبر الاستعفاء فقال: أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هو لها ( كراس 6 ص 240) وكتب في موضع آخر يقول: ’’قد امتلأت رأسي أوهاماً وقلب خفقاناً وصدري ضيقاً’’ (كراس 6/246).
ويقول لورد كرومر في تقريره السنوي عن تعيين سعد زغلول ناظراً للمعارف ’’ لم يكن السبب الرئيسي في تعيينه كما يظن أحياناً أنه استياء من الحالة التى كانت تسير عليها مصلحة المعارف العمومية فلا زالت قاصرة في أن توفر أية بادرة لتغير جذري في السياسية التعليمية، إنه يرجع أساساً إلى الرغبة في ضم رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالاصلاح في مصر’’.
وقال كرومر:’’ كما أن سعد من تلاميذ محمد عبده وأتباعه الذين أطلق عليهم ’’جيروند’’ الحركة الوطنية المصرية، والذي كان برنامجهم تشجيع التعاون مع الأجانب لادخال الحضارة الغربية إلى مصر، الأمل الذى جعل كرومر يحصر فيهم أمله الوحيد في قيام الوطنية المصرية.
وكان سعد في مقدمة الداعين لإقامة حفل لتوديع اللورد كرومر وكتب في مذكراته يعلن ضيقه بالذين انتقدوا كرومر عقب استعفائه، وقال: إن صفاته قد اتفق الكل على كمالها ’’كراس6/245’’، وأشار إلى علاقة غورست خليفة كرومر به وأنه لما زاره قام فأوصله إلى باب حديقة دار الوكالة البريطانية.
ثانيا: أخلاقيات سعد
وتكشف المذكرات أخلاقيات سعد ومواقفه المتعددة من الحياة الاجتماعية: وأبرز هذه الجوانب علاقته بالقمار وقد كتب فيها طويلا فقال في ’’كراس 26 – ض1390’’، ’’ كنت أتردد بعد عودتي من أوربا على الكلوب ’’أي نادى محمد على’’ فملت إلى لعب الورق، ويظهر أن هذا الميل كان بداية المرض فإني لم أقدر بعد ذلك أن أمنع نفسي من التردد على النادي ومن اللعب وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود وخسرت فيه مبلغا طائلا.
وقد بدأ ذلك حوالى 1901، فقد كتب في إبريل 1913، يقول: كنت قبل 12 سنة أكره القمار واحتقر المقامرين وأرى أن اللهو من سفه الأحلام واللاعبين من المجانين ثم رأيت نفسى لعبت وتهورت في اللعب وأتى عليّ زمان لم أشتغل إلا به ولم أفتكر إلا فيه ولم أعلم إلا له ولم أعاشر إلا أهله حتى خسرت فيه صحة وقوة ومالا وثروة ’’مذكرات سعد كراس 3/129’’.
وكتب خلال زيارته لأوربا صيف 1908 ’’ أفطر مع الست والباشا ’’أي مصطفى فهمي’’ وحسين ’’ابن محمود صدقي’’ في الساعة تسعة وبعد أن نتمشى مع الباشا قليلا نعود إلى البيت لتلعب البوكر مع الست وحسين إلى الساعة ثمانية ونتمشى قليلا ثم نعود لنلعب البوكر إلى الساعة 11 مساء وقد انفعل أثناء اللعب عند الخسارة وصادف أن الزهر كان يعاكس وكان زهر حسين سعيد ولكن مع ذلك كسبت ولم أخسر غير أن حارق كانت من طريقين: طريقي وطريق الست ’’كراس 24 ص1300 – 1301’’.
ويتساءل سعد عن الأسباب التى دفعته إلى المقامرة فيكتب ما يلى:
أريد أن أعرف ما أريد حتى أتمكن من معالجة نفسي من هذا الداء، هل أريد بسطة في الرزق، أنه يقبضه في الكثير الغالب، هل أريد سعة في الجاه، أنه يضيقه بما يحط من القدر في نفوس الناس، هل أريد تناسي آلام تتردد على النفس عند خلوها من الشغل وهو كثير، لا أشعر بهذه الآلام، ويقول: ما كنت أصغى لنصائح زوجتي ولا أرق لتألمها من حالتى ولا أرعوى عن نفسى، وأشار إلى توباته المتعددة، وعودته عنها فيقول: وقد بخيل لي أن كتابة هذه الخواطر وتسجيل هذه الواردات مما يساعد على الاستمرار في ارتكاب هذا الإثم، كأن النفس تجد في هذه الاعترافات المكتوبة والاشمئزازات المرسومة، فضيلة تكفها عن الإنصاف بها وعن الإقلاع عن نفس الرذيلة أو أن الاعتراف كفارة عن الذنب المقترف والجريمة المرتكبة ترجيحا.
ويقول: إلى أوصى كل من يعيش بعدي من لهم شأن في شاني أني إذا مت من غير أن أترك اللعب أن لا يحتفلوا بجنازتي ولا يحدوا على ولا يجلسوا لقبول تعزية ولا يدفنوني بين أهلي وأقاربي وأصهاري، بل بعيداً عنهم وأن ينشروا على الناس ما كتبته في اللعب حتى يروا حالة من تمكنت في نفسه هذه الرذيلة وبئست العاقبة. الكراسة 28 ص 1571’’:
وتفيض مذكرات سعد زغلول بالتفاصيل المسهبة التى تبين هدى سيطرة هذه الغواية عليه ومحاولة الإقلاع عنها وللتخلص منها وعودته إليها المرة بعد المرة فقد وردت تفاصيل ضافية في الكراسات 3 و 28 و 29 و 30 في اثنى عشر موضعا من هذه الكراسات.
وقد أشارت المذكرات بوضوح إلى أثر القمار في حياة سعد وخاصة حياته الاقتصادية كما يشير إلى ذلك الدكتور ’’ عبد لخالق لا شين’’، فقد وقع سعد الذي يقتني الضياع الواسعة تحت طائلة ديون كثيرة مما دفعه عام 1910م إلى أن يبيع الضيعة التي اشتراها بناحية قرطسا ’’بحيرة’’ لقاء اثنى عشرة ألف جنيه: يقول : ’’ بعت هذه الأطيان وذهب كل ثمنها أدراج الرياح فلم استفد منه فائدة’’ كما باع الضيعة الأخرى بدسونس ومطوبس عام 1918 بمبلغ 16 ألف جنيه وصاع كل إيرادات سعد في مدى عامين وكانت 3000 جنيه مرتب النار ’’ الوزير’’ و 1500 جنيه إيجارات باقي أطيانه وأصبح مدينا بمبلغ 6550 جنيها وبذلك بدد سعد الكثير من ممتلكاته يقول في مذكراته ’’25 مارس 1912’’:
أصبحت منقبض الصدر، ضائق الذرع، ولم أنم ليلى بل بت وله تساورني الهموم والأحزان وأتنفس الصعداء على فرط منى من اللعب وضياع الأموال التى جمعتها بكد العمل وعرق الجبين وصيرورتي إلى حال سيئة’’.
وهكذا أجهر القمار على ثروته التى كونها من المحاماة وكانت لا تقل عن 400 فدان و 18 ألف جنيه فضلا عما ورثه من صهره مصطفى فهمي: الذى كان يملك 648 فدانا، و 8600 جنيه وألف أردب قمح وألقي جنيه مواشى وكانت صفية زغلول الى أطلق عليها ’’أم المصريين’’ واحدة من ثلاث بنات خلفها مصطفى فهمي جلاد شعب مصر ثلاثة عشر عاما.
وبعد فهل هذا وحده ما تكشفه مذكرات سعد زغلول التى تطالب بطبعها وإذاعتها لترسم صورة حقيقية لهذه الزعامة التى اختلف فيها الرأى فرفعها بالهوى والصداقة والولاء السياسي لبعض الناس إلى قداسة وبطوله وخفضها آخرون بالخلاف السياسي إلى مكان آخر، وما نريد أن نظلم أحداً ولكنا تطالب بالكشف عن الحقائق عن طريق الوثائق وما يمكن أن توجد وثيقة أشد صدقا من مذكرات كتبها الرجل عن نفسه.
ومن خلال المذكرات تتكشف أشياء كثيرة خطيرة ومثيرة.
3
قاسم أمين
كانت حركة تحرير المرأة قادها قاسم أمين مؤامرة استعمارية تستهدف تدمير الأسرة المسلمة وتحطيم اليت المسلم حتى قال محمد فريد: إن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعا في الآداب العامة وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة وأصبحت ساحات المحاكم غاصة بقضايا هتك الأعراض وعرب الشابات من دور أهلهن.
لقد تراجع قاسم أمين بعد قليل من دعوته إلى تحرير المرأة وجاءت هدى شعراوي فاحتضنها دوائر الماسونية والتغريب واليهودية العالمية.
في محاولة لتقويم حركة قاسم أمين لتحرير المرأة بعد أن قربت وثائق عدة تكشف عن خطة أشبه بالمؤامرة وراء هذه الدعوة، وتطرقت الأسئلة إلى أم المصريين ’’صفية زغلول’’ وإلى زعيمة النهضة النسائية في مصر ’’ هدى شعراوي’’ التى دعت بعض الأقلام التى تجهل الحقيقة أو تخدع كتابها إلى إقامة تمثال لها والحقيقة أنه لكي نعرف خلفيات هذه القضية يجب أن نذكر شيئا مهما هو أن كتابا ظهر في مصر عام 1894 ’’ أي بعد الاحتلال البريطاني بعام واحد لمحام مصري موال لكرومر والنفوذ الأجنبي يدعى ’’مرقص فهمي’’ تحت عنوان ’’المرأة في الشرق’’ صور فيها خطة الاستعمار في المطالبة بتحقيق أربعة أغراض:
أولا: القضاء على الحجاب الإسلامي.
ثانيا: إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها.
ثالثا: تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي.
رابعا: منع الزواج بأكثر من واحدة.
خامسا: إباحة الزواج بين المسلمات وغير المسلمين.
وكان هذا المخطط هو النواة الأساسية للنفوذ الأجنبي الذى تدرس على ضوئه حركة قاسم أمين وهدى شعراوي. ذلك أنه لما تمض سنوات خمس حتى ظهر كتاب ’’ تحرير المرأة’’ فكان ذلك خطوة على الطريق ظن البعض وما يزال يظن سلامتها ونقاءها وبعدها عن الهوى وتحررها من أي خلفية موحية.
فما هي هذه الخلفيات لذلك الحدث الخطير؟!
أولا: كتب داود بركات رئيس تحرير الأهرام بجريدته الصادرة في 4 مايو 1927 مقالا:
فقال فيه: إن قاسم أمين قرأ كتاب الدوق داركير ’’المصريين’’ ورد عليه بكتاب باللغة الفرنسية وفند اتهاماته .. قلما ظهر هذا الكتاب وصف بأنه لم يكن في صف النهضة النسائية .. فقد رفع الكتاب من شأن الحجاب وعده دليلا على كمال المرأة، كما ندد بالداعيات إلى السفور وقد رأت فيه الأميرة نازلي فاضل تعريضا بها .. ثم استطرد يقول ’’ وكانت الأميرة نازلي فاضل ولها صالون يحضره سعد زغلول ومحمد عبده وجماعة من الطامعين إلى تولي السلطة في مصر تحت قيادة النفوذ البريطاني وبرعاية اللورد كرومر’’.
ويقول داود بركات متابعا:
وقد أشير على جريدة المقطم – وهي لسان الانجليز في مصر في ذلك الوقت – أن تكتب ست مقالات عن الكتاب تفند أخطاء فاسم في هذا الاتجاه، ودفاعه عن الحجاب. واستنكاره اختلاط الجنسين .. ثم أوقفت الحملة بعد اتفاق الشيخ محمد عبده وسعد زغلول مع قاسم أمين على تصحيح رأيه .. وقد حمل الشيخ محمد عبده الدعوة إلى تحرير المرأة في دروسه في ’’ الرواق العباسي ’’ بالأزهر حين أعلن أن الرجل والمرأة متساويان عند الله . وقد ترددت آراء كثيرة بأن الشيخ محمد عبده كتب بعض فصول الكتاب أو كان له دور في مراجعتها ومما أورده لطفي السيد أنه اجتمع في جنيف عام 1897 بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وأن قاسم أمين أخذ يتلو عليه فقرات من كتاب تحرير المرأة وصفت بأنها تنم عن أسلوب الشيخ محمد عبده نفسه.
* * *
ثانيا: كتب فارس نمر صاحب المقطم مقالا في مجلة الحديث ’’الحلبية’’ عام 1939 وأشار إلى هذا الحادث فقال:
’’أنه ظهر كتاب للدوق دار كير يطعن فيه على المصريين طعنا مراً، ويخص النساء بأكبر قسط منه .. إذ رماهن بالجهل وضعف مكانتهن في المجتمع .. فاهتاج الشباب وتطوع قاسم أمين للرد على كتابه.
ويستطرد فارس نمر يقول:
وهنا أشير لحقيقة لا يكاد يعلمها إلا ندرة في مصر. هذه الحقيقة أن كتاب قاسم أمين الذى رد فيه على ’’دوق دار كير’’ لم يكن في صف النهضة النسائية التى كانت تمثلها الأميرة نازلى .. بل كان الكتاب يتناول الرد على مطاعن المؤلف الفرنسي، ويرفع من شأن الحجاب، ويعده دليلا على كمال المرأة، ويندد بالداعيات إلى السفور، واشتراك المرأة في الأعمال العامة.. ولما ظهر كتابه هذا ساء ما به إخوانه من أمثال محمد المويلحي، ومحمد بيرم، وسعد زغلول. ورأوا فيه تعريضا جارحاً بالأميرة نازلي، وتشاوروا فيما بينهم في الرد، واتفقوا أخيراً أن أتولي الكتابة عن هذا الموقف وعرض فصوله وانتقاد ما جاء به خاصا بالمرأة وبدأت في كتابة سلسلة مقالات عنه. ولكن ذلك النقد لم يرق في نظرة قضاة محكمة الاستئناف؛ ورأوا فيه مساسا بهم. لأن قاسم أفندي كان أحدهم ورأوا أن أفضل وسيلة يبذلونها لكي أكف عن الكتابة أن مؤلفه يرجوا الأميرة نازلي فاضل لكي تطلب إلى ذلك.. وتطوع الشيخ محمد عبده للقيام بهذه المهمة.. وذات مساء حضرت إلى صالون الأميرة كما حضر الشيخ محمد عبده ومحمد بيرم والمويلحي .. وبعد قليل تحدث الشيخ محمد عبده مع الأميرة في هذا الشأن.. فالتفتت إلى سموها وقالت لي: أنها لا تجد بأسا في أن أكف عن الكتابة في الموضوع .. وكانت هي لم تقرأ الكتاب ولم تعرف أنه يشمل الطعن فيما تدعو إليه .. فلما رأي ذلك محمد المويلحي قال لسموها: أنه يدهش من طلب الأميرة وخاصة لأن الكتاب تعرض لها .. فبنت الدهشة عليها، وكانت إحدى نسخ الكتاب موجودة عندها. وعبثا حاولت أن أقفل باب الحديث في هذه الشأن وخاصة بعد أن لمحت عليها معالم الاضطراب والجد والعنف .. فلما اطلعت على ما جاء به ثارت ثورة شديدة ووجهت القول بعنف إلى الشيخ محمد عبده .. لأنه توسط في هذا الموضوع .. ومرت الأيام بعد ذلك واتفق محمد عبده وسعد زغلول والمويلحي وغيرهم على أن يتقدم قاسم أمين بالاعتذار إلى سمو الأميرة .. فقبلت اعتباره ثم أخذت يتردد على صالونها .. وكلما مرت الأيام ازدادت في عينه، وارتفع مقامها لديه .. وإذا به يضع كتابه الأول عن المرأة الذى كان الفضل فيه للأمير نازلي والذي أقام الدنيا وأقعدها بعد أن كان أكثر الناس دعوة إلى الحجاب’’.
انتهى كلام فارس نمر.
ثالثا: أشارت هدى شعراوي في محاضرة لها إلى هذا المعنى، وكشفت هذا السر الذي ظل خافيا زمنا طويلا ولم يكشف إلا بعد وفاة قاسم أمين بعشرين سنة:
غير أن الذي يلفت النظر أن قاسم أمين عدل عن رأيه هذا من بعده، وتبين له أنه أخطأ الطريق .. وقد تبين هذا حين صرح قاسم أمين في حديث له إلى صحيفة ’’الظاهر’’ التى كان يصدرها المحامي محمد أبو شادي حيث أعلن رجوعه عن رأيه، وأعلن أنه كان مخطئا في ’’توقيت’’ الدعوة إلى تحرير المرأة.. هذا التصريح نشرته جريدة ’’الظاهر’’ في أكتوبر 1906.
قال قاسم أمين:
’’لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الافرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزق ذلك الحجاب .. وإلى إشراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولاتهم . ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختيرته من أخلاق الناس.. فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن، وماذا يكون شأنهم معنهن إذا خرجن حاصرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتى .. رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تطاولوا إليها بألسنة البذاء، ثم ما وجدت زحاما في طريق فمرت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسن جميعا .. أنني أرى أن الوقت ليس مناسبا للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذى قصدته من قبل’’.
ومعنى كلام قاسم أمين أمير هذا الذي نشره قبل وفاته بعام ونصف عام أن قاسم قد اكتشف بعد سبع سنوات من دعوته ’’التى جاءت استدراجا ومرضاة لنفوذ وليست خالصة لوجه الله تعالى:’’ أنها لم تكن قائمة على أسسها الصحيحة وهي الدعوة إلى تربية الخلق والإيمان بالله، وأنها لم تكن على طريق الحق.. أو ربما أن قاسم رأى بعد أن تغيرت الظروف بزوال كرومر ووفاة محمد عبده وانطفاء نفوذ نازلي فاضل ’’رتيبة كروم’’ أن يتخفف من هذه التبعة.. وربما كان لبعض التجارب أثرها في نفسه .. ومما يروى أن صديقا عزيزاً زاره ذات مرة فلما فتح له الباب قال: جئت هذه المرة من أجل التحدث مع زوجك !! فدهش قاسم .. كيف يطلب مقابلة زوجته .. فقال له صديقه : ألست تدعو إلى ذلك؟! إذن لماذا لا تقبل التجربة مع نفسك .. فأطرق قاسم أمين صامتا .. ومما يذكر أن السيدة زوجة قاسم أمين كتبت منذ سنوات تعلن أن دعوة قاسم أمين كانت خطيرة وأنها لم تكن قائمة على أساس صحيح.
وقال محمد فريد وجدى:
أن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعاً في الآداب العامة، وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة، وأصبحت ساحات المحاكم خاصة بقضايا هتك الأعراض وهرب الشابات من دور أهلهن.
ونعت الدكتورة بنت الشاطش ما تكشف من حركة تحرير المرأة مما أسمته مهزلة أليمة موجعة. تقول بنت الشاطئ:
’’إن الرجال ساقونا لنعمل لحسابهم.. وهم يوهموننا أننا نعمل ويعملون معنا لحسابنا.. ذلك أن الرجال وثبوا لنا الخروج زاعمين أنهم يؤثروننا على أنفسهم.. ولكنهم كذبوا في هذا المزاعم فما أخرجونا إلا ليحاربوا بنا السآمة والضجر في دنياهم’’.
ثم قالت بنت الشاطئ:
’’إن المرأة دفعت ضريبة فادحة ثمنا للتطور ويكفي أن أشير في إيجاز إلى الخطأ الأكبر الذي شوه نهضتنا.. وأعني به إنحراف المرأة الجديدة عن طريقها الطبيعي وترفعها عن التفرغ لما تسميه: خدمة البيوت وتربية الأولاد .. ونحن نرى البيوت أصبحت مقفرة منهن .. أما الأبناء فتركوا لخدم .. وقد نشأ هذا الإنحراف الضال نتيجة لخطأ كبير في فهم روح النهضة .. وبلغ من سواء ما وصلت إليه أن نادت مناديا بحذف نون النسوة في اللغة كأنما لأنوثة نقص ومذلة وعار .. وأهدر الاعتراف بالأمومة كعمل من الأعمال الأصيلة لنا حتى سمعنا عن يسأل كيف تعيش أمة برئة معطلة .. يقصد بالرئة المعطلة هؤلاء الباقيات في بيوتهن يرعين الأولاد .. وزعموا أن المرأة تستطيع أن تجمع بين عملها في البيت ووظيفتها في الخارج’’.
انتهى كلام الدكتورة بنت الشاطئ.
***
أما ما هي ملابسات زعامة هدي شعرواي للحركة النسوية فالواقع أن هناك عدة ملابسات لا يفسرها إلا فهم تاريخ الحركة الوطنية في مصر لرجلين.. أحدهما والدها محمد باشا سلطان والآخر زوجها على باشا شعراوي.
أما والدها محمد سلطان فيقول الدكتور عبد العزيز رفاعي في كتابه ’’محمد سلطان أمام التاريخ’’:
إنه كان من أعلام الثورة العرابية. ولكنه تنكر لها في أحلك أوقاتها، ومشى في ركاب أعدائها: الخديو والانجليز، حتى نال حظوته من الخديوي بالإحسان، ومن الإنجليز بالتقدير، وقد أثبت ما أورده السيد محمد رشيد رضا في كتابه: ’’الأستاذ الإمام محمد عبده’’، جـ1 ص 258، 259، عن الدور الذي لعبته محمد سلطان في خدمة مخابرات الانجليز في سبيل الوصل إلى معسكر العرابيين في التل الكبير وهكذا حمل لواء الخيانة للثورة العرابية، وطاف ببورسعيد والإسماعيلية لمعاونة الجيش الإنجليزي الزاحف والإيقاع بجيش عرابي معلناً الثقة في الجيش الغازي ومطمئنا الأهالي على حياتهم، وقد أفهمهم حسن نيات الإنجليز إزاء المصريين، وأبان لهم أنهم لا يستهدفون غزو البلاد، بل يستهدفون تأديب العصاة.
وتابع سلطان نشاطه فأخذ يفرق الناس عن عرابي، ويجمعهم لمعاونة الإنجليز فأرسل إلى شيخ بدو الهنادي المقيم في الصالحية ويدعى سعود الطماوي والآخر إلى محمد صالح الحوت ليتفق معهما على استمالة العربان ولم يكتف محمد سلطان بنشاطه في الجاسوسية وبث الدسائس في منطقة القناة وفي ميدان المعركة، بل مد نشاطه إلى داخل البلاد ليقضى على كل معاونة شعبية لحركة عرابي، ورافق ’’ولسلي’’ قائد القوات البريطانية للتفاوض مع مشايخ العربان.
كما كانت الأموال التى أعدها الخديو لرشوة شيوخ البدو في عهدة سلطان ’’راجع بلنت: التاريخ السري ومذكرة سلطان إلى الخديو في الإسماعيلية بدار المحفوظات التاريخية دوسية رقم 2’’.
وكان سلطان هو الذي أبلغ الخديو هزيمة عرابي، ودخل سلطان القاهرة مزهوا يتطلع لفجر جديد في حياته بعد أن سجل خيانته، وكتب تاريخها بنفسه، وقلده الخديو النيشان المجيدي الأول رفيع الشأن ووضعه على صدره بيده، وأعطاه عشرة آلاف جنيه تعويضا للأضرار التي لحقت به ثم عينه رئيسا لمجلس شورى القوانين.
ولكن ضربة القدر لم تمهله ليتمتع بما اشترى من أطيان فداهمه مرض السرطان واشتد به المرض وتوفي في أوربا سنة 1884 ، وقد أنعم الإنجليز عليه بنيشان سان ميشيل وسان جورج الذي يخول صاحبه لقب ’’سير’’.
هذه هي خلفية الحياة الإجتماعية لقائدة النهضة النسوية والتى تزوجت وهي في الرابعة عشر من رجل غني موسر صديق لوالدها يبلغ الخمسين من العمر هو على شعراوي باشا أحد الثلاثة الكبار الذين قابلوا المندوب البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي ’’سعد زغلول و عبد العزيز فهمى’’ بوصفهم من رجال حزب الأمة الموالى للاستعمار البريطاني لعرض مطالب البلاد.
ولم يلبث شعرواي باشا أن توفي وقد كان الثلاثة هم دعاة الولاء البريطاني والتعامل مع الإنجليز والشاجبين لمفاهيم الحزب الوطني في المفاوضة قبل الجلاء.
وقد وجدت السيدة هدى شعرواي الفرصة سانحة للتبريز خاصة وأن السيدة صفية زغلول ابنة مصطفى فهمى الذى حكم مصر بالحديد والنار خلال أول الاستعمار البريطاني ثلاثة عشر عاماً وزوج سعد زغلول والمساماة بأسماء الاضداد ’’ أم المصرين’’ تستأثر بالزعامة السياسية فأرادت تفتح مجالا جديداً تنفرد فيه بالزعامة فكان ذلك هو مجال المرأة خاصة وأنها نزعت نقابها في ثورة 1919.
ولقد تلقفتها جماعات تحرير المرأة العالمية والمنبثة في أوربا وخاصة في باريس وبرلين وبروكسل والتابعة للمحافل الماسونية ومنظمات الصهيونية العالمية ووجدت فيها طيراً سميناً فدعتها إلى حضور المؤتمرات النسوية العالمية التى كانت الصهيونية العالمية تديرها من وراء، والتى كانت تستهدف بأحداث الضجيج حول حقوق المرأة السياسية في البرلمان والحكم خلخلة المجتمعات الإسلامية ودفعها إلى طريق الانهيار.
والمعروف أن هدى شعرواي لم تنطلق في دعوتها من أي منطلق إسلامي، بل على العكس من ذلك كانت سيدة سافرة رزة لها صالون ويتحلق حولها عدد من الرجال المجندين لكتابة الخطب والكلمات التى كانت تلقيها في الاحتفالات وكانت تنفق على ذلك أموال سلطان باشا التى دفعت ثمنها الثورة العرابية، وكان في مقدمة هؤلاء إبراهيم الهلباوي باشا محامي دنشواى والشيخ محمد الأسمر الشاعر .. وقد استطاعات أن تجند بعض الشباب، وأن ترسل بهم في بعثات تعليمية خاصة على حسابها إلى أوربا/ ومنهم من عمل في الصحافة من بعد، وحمل لواء الدعوة إلى تقديس هدى شعراوى، ودعا إلى تلك الأفكار التى تحرض المرأة على التحرر من القيود الاجتماعية، والانطلاق حتى كان أحدهم يقول لواحدة سألته:
’’ لو كنت بغير أولاد لقلت لك اتركيه ورزقك على الله، والمعروف أن السيدة هدى شعراوى لم تكن تعبأ في دعوتها بالمفهوم الإسلامي المرأة، أو تصدر عن فهم حقيقي لرسالة البيت والأسرة ولم تكن تتحرك في هذا الإطار .. وإنما كانت تضع أمامها المرأة الغربية كمثل أعلى .. وذلك فقد شجعت أسباب الزنة والأزياء والمودات المستحدثة. وكانت أجنحتها من المثقفات ثقافة فرنسية وذات الولاء الماركسى والصهيوني، ولم يكن للمفهوم الإسلامي لديهم أي أهمية.
ويقول الأستاذ حسين يوسف:
إنه لم يكن عجبا أن يعمل الاتحاد النسائي بزعامة هدى شعرواي الأهداف التي يحرص الاحتلال على الوصول إليها، وإن يردد في عام 1923 نفس المبادئ التى نادى بها مرقص فهمى من قبل، وتورط فيها قاسم أمين .. ولما كان داة تدمير مفاهيم المرأة المسلمة لا ينامون فإنهم يدعون اليوم إلى تجديد ذكرى هدى شعراوى بإقامة تمثال لها.. والهدف هو دعو هذه الأفكار المسمومة التي تستهدف تدمير الأسرة المسلمة وتحطيم البيت المسلم.
(4)
طَه حسَين
عميد الأدب العربى الذى مازالت مؤلفاته تحمل سموم الاستشراق
وتهاجم الإسلام والقرآن
عن مجلة الاعتصام – نشرت جريدة المجتمع الكويتى، بعددها رقم 177 بتاريخ 13 من ذي القعدة سنة 1393 ( 1973/ ، مقالا مطولا كشفت فيه عن كثير من الحقائق التي لابد لأبناء الجيل الإسلامي الحالي، أن يعرفوها، حتى لا ينخدعوا بالدعاوات الكاذبة التى ملأت الآفاق في رثاء طه حسين، وتمجيده في حين أنه كان صنيعة لأعداء الإسلام، وداعية للمدنية الغربية بكل مفاسدها وشرورها.
وفيما يلي بعض ما تضمنه المقال المذكور من وقائع، وفيها الكفاية لإدراك الحقيقة.
استطارت في صحف البلاد العربية كلمات عجلى ومرات سريعة خاطفة حاولت أن تسد فراغاً صحفياً على وجه العجلة فلم تتمكن من أن تراجع التاريخ أو تنثبت من الوقائع، وربما صاحب ذلك هوى من شأنه أن يتعارض مع الحق، وربما كانت كتابات بعض المتصدرين في مجال الصحافة ممن لم يحسنوا مراجعة الآثار المكتوبة حول القضايا المثارة ومنهم من شهد السنوات الأخيرة فنشأ طفلا يرى ’’طه حسين’’ رجلا كهلا تحيطه هالة، أو تدرس كتبه في الجامعات أو يشرف على بعض المؤسسات الثقافية واللغوية فظن هؤلاء – وبعض الظن إثم – أن الرجل له تاريخ مشرف جديد بأن يشاد به ويرثى ولقد حوت كتابات الكتاب الكثير من الخطأ ومن الهوى، ومن عجب أي بعض المؤمنين لحق بمن كتبوا عن الإسلام أو هاجموا بعض خصومة أمثال لويس عوض وسلامة موسى وغيرهم يسقطون في هوة الخداع إزاء طه حسين وهو أشد خطراً من هؤلاء جميعا وأبعد أثراً.
ولسنا الآن في مجال الحديث عن موقع طه حسين من الأدب العربي أو الفكر الإسلامي فذلك أمر له من بعد دراسات ومراجعات ولكننا تقف عند حد تصحيح بعض الأخطاء التى تضمنتها هذه المراثي التى أعادت الرجل حيا بعد أن مات موتا معنويا منذ عشر سنوات عندما توقف عن الكتابة وداهمه المرض الذى كان حفيا بأن يفسح له سبيل العودة إلى الله ولقد كان يتردد في هذه السنوات بل كان الدكتور نفسه يقول:
إنه لا يسمع من الإذاعة غير القرآن المرتل وكان بعض السنج من الناس يقول: لقد تاب الرجل وأناب.
وكذلك قالوها يوم اصدر كتابه ’’على هامش السيرة’’ ولكن الفهم السليم للإسلام يدعونا إلى أن تتحرز من مثل هذه المظاهر الكاذبة وأن نتعمق مفهوم التوبة في الإسلام وهو مفهوم يفترض على صاحبه أن يرجع عن كل ما خالف به أصول الإسلام أو حقائق القرآن وأن يعلن على ذلك على الملأ وأن يحجب مؤلفاته التى نشر ذلك من قبل بل وعليه أن يصحح ذلك ويوضحه وأمامنا مثلان:
مثل في القديم هو أبو الحسن الأشعرى’’ حين خرج عن فتنة الاعتزال إلى ضوء السنة الصحيحة فإنه لم يلبث أن وقف في المسجد الجامع بعد الصلاة على كرسى وأعلن توبته بل وخرج من ملابسه وقال: لقد خرجت من الأثم الذي كنت فيه كما أخرج من ثوب هذا وألقى إلى الناس بمؤلفاته الجديدة التى يعارض بها قديمه الذى خرج عنه وأمامنا الدكتور محمد حسين هيكل الذى أعن في مقدمة كتابه ’’منزل الوحى’’ أنه قد خاض في شبابه لجج النظريات وكان مخطئا حين حاول أن يختار لبني وطنه فكر الغرب أو منهج الفرعونية وأنه عاد إلى الحق حين تيقن أن الإسلام هو المنطلق الوحيد للمسلمين إلى النهضة. فهل فعل طه حسين شيئا من ذلك إذا كان حقيقة قد تحول، نحن نعتقد أن طه حسين لم يتحول حتى مات عن مفاهيمه الأولي وأنه أصر على فكره إصراراً كاملا حتى حين كتب إسلامياته المتعددة وأن المراجعة الدقيقة لهذه المؤلفات تكشف عن أنها تحول في المظهر أو كما يقول الغربيون أن طه حسين غير جلده، أو أنه حسين سقط في نظر الناس بعد كتاب ’’الشعر الجاهلي’’ إنما أراد أن يعود إليهم كاسبا ثقتهم بالكتابة عن ’’هامش’’ السيرة وكانت خدعة أخرى كشفها صديقه ورفيقه على الطريق في المرحلة الأولي الدكتور هيكل حين قال إن إحياء الأساطير في هامش السيرة خطر على السيرة نفسها لأنه يعيد إليها ما حررها منه علماء المسلمين أربعة عشر قرنا وحرصوا على حمايتها منه وقال عنها مصطفى صادق الرافعي إنه تهكم صريح.
لقد خدع طه حسين الكثيرين بكتاباته الإسلامية ولكن هذا الخداع لم يطل فقد كشفه كثيرون في مقدمتهم محمود محمد شاكر الذي كشف فصولا متعددة عن ’’الفتنة الكبرى’’.
* * *
من أبرز ما يحاول الذين رثوا طه حسين أن يثبتوه أن طه حسين في مؤلفاته وكتاباته كان خصماً سياسياً الذين هاجموه, وألبوا عليه وأن ما أورده في كتبه لم يكن على هذا النحو من الخطر في مهاجمة الإسلام.
وذلك هو أسلوب الاستشراق في مواجهة الأمور وهو نفسى أسلوب طه حسين الذي كان إذا أراد أن يهاجم الإسلام هاجم الأزهر وإذا أراد أن يرد عادية خصومه قال إنما يهاجمون حزبه السياسي ولقد حرص طه حسين حين اشتدت الحملات عليه عاما بعد عاما بعد كتابه الشعر الجاهلي أن ينفصل من معسكر الأحرار الدستوريين وأن يلجأ إلى معسكر الوفد حتى يحتمي به.
وقد أكسبه ذلك سناداً ضخماً أعانه ليس فقط على الاستمرار في الحركة – ولكن مكنه من توصيل إلى ضربة أخرى وجهها إلى الفكر الإسلامي تلك هي كتابه: ’’مستقبل الثقافة ’’ وكذلك فقد استفاد طه حسين من السياسة فهي التي حمته من العزل ومن المحاكمة ومن أشياء كثيرة، بل هى التى كانت تسهل له أن ينتقل بالرغم من مواصلة كشف أساليبه – من منصب أستاذ الجامعة إلى عميد كلية الآداب إلى مدير الجامعة إلى وزير المعارف.
وإذا كان رثاة طه حسين يريدون حقاص أن يصدقوا الناس ويقولوا لهم أن طه حسين عندما كان في حزب الأحرار الدستوريين – قد هاجم سعد زغلول بأكثر من ’’مائة مقال’’ في خلال سنوات ’’1922 – 1927’’ حتى وفاته فلما تحول طه حسين إلى الوفد بعد ذلك كتب عن سعد زغلول وخطب يرفعه فوق هامة الدهر دون أن يحس بالخزي أو الخجل ودون أن يرى ابتسامات السخرية من سامعيه وقارئيه لكذبه فى الأولى وفي الآخرة وتضليله وغشه.
وتردد مراثي طه حسين عبارات تقول أنه أضهد ككل أصحاب الرسالات فأى نوع من الاضطهاد شهده طه حسين. هل اعتقل ليلة واحدة في أي عهد هل قدم للمحاكمة مرة واحدة هل عذب؟ هل حيل بينه صيف واحد وبين السفر إلى فرنسا حتى في أشد أيام أزمة الشعر الجاهلي . لم يحدث ذلك قط وإنما كان ذلك من لغو القول وباطله.
إن طه حسين كان يعرف أنه في حماية قوى كبرى ربما ليست ظاهرة ولكنها تختفي وراء الأحزاب، وراء عدلي وثروت، وتلتمس أسلوبها إلى ذلك بالعطف على الكفيف والرحمة بالمجنون. كما قال سعد زغلول للأزهريين : هبوا أن رجلا مجنوناً قال ما قال، وماذا علينا إذا لم يفهم البقر!!
ويردد أصحاب المرائي أن لطه حسين حياة حافلة بالنضال ولكنه أي نضال، لقد بدأ طه حسين حياته في محيط حزب الأمة الذي أنشأه كرومر وفي أحضان لطفي السيد داعية الولاء للاستعمار البريطاني تحت اسم مصر للمصريين وعدو الجامعة الإسلامية والعروبة والشريعة الإسلامية واللغة العربية وتعليم أبناء الفقراء.
ولقد لقى طه حسين في حياته ’’عبد العزيز جاويش’’ وبيئة الحزب الوطني ولكنه سرعان ما أعرض عنها، لأنها ليست ممهدة الطريق ولأنها كانت تحمل مفاهيم النضال والجهاد، وكسب صلته بأصحاب البيوتات وفي مقدمتهم آل عبد الرزاق الذى كان أثيراً لدى عطفهم ومعونتهم ولما عاد من أوربا اندمج في حزب الأمة المجدد تحت اسم ’’الأحرار الدستوريين’’ ولم يدخل الوفد إلا بعد أن فقد الحزب أمانته للأمة وانصهرت فيه العناصر اليسارية والشيوعية.
أما أخلاقه التى يشيدون بها فهى تنجلى صراحة في موقفه من اساتذته الذين عاونوه في أول الحياة والذي شقوا له الطريق فلم يلبث أن هاجمهم في عنف وصلف واحتقار، بل وعارض مفاهيمهم الأصلية: وفي مقدمة هؤلاء الشيخ المهدى ومحمد الخضرى وأحمد زكي باشا وأعلن أنه يرفض المنهج الذى رسمه الشيخ محمد عبده.
وقد سجل جميع الباحثين في سيرته وفي مقدمتهم أولياء الثقافة الغربية من أمثال إسماعيل أدهم أحمد أنه لم يكن عالما ولا صاحب منهج، وأنه صاحب هو وغرض وأن ذلك الطابع يسود كل انتاجه.
أما مفاهيمه العامة فقد أثار الدنيا حين أعلن أن العرب استعمروا مصر كالرومان وحرقت مؤلفاته في ميدان عام في دمشق، وقال أن مصر جزء من حضار البحر المتوسط، وهاجم المجاهدين من أهل المغرب في رسالته وصور استعمار فرنسا خدمة عظمى تقدمها لهم فرنسا. وكان له موافقة في معارضة العروبة والرابطة الإسلامية في دعوته إلى تمصير اللغة وإلى تمصير الأدب، وكلها دعاوى زائفة مشبوهة.
وكانت دعوته إلى الحضارة الغربية فاسدة لأنه لم يأخذ فيها بأسلوب الحيطة أو أسلوب العلم بل كان حريصا على أن تنصهر مصر والبلاد العربية في هذه الحضارة على النحو الذى صوره حين قال ’’ أن نقبل من الحضارة ما يحمد منها وما يعاب وما يجب منها ما يكره’’.
كان داعية الفناء في الغرب تحت خدعة زائفة ظل يروجها وكانت موضع سخرية الناس لسذاجتها وهي قوله: أننا لن نستطيع أن نساوى الغرب إلا إذا سرنا سيرته، وكيف يمكن ذلك وقد سارت تركيا ومع ذلك سخر منها الغرب لأنها عجزت عن أن تقدم شيئا في مجال العلم وما زالت عالة عليه بعد أن فقدت شخصيتها الإسلامية.
ويكذب أو يخدع أولئك الذين يقولون أن طه استوعب ثقافة التراث أو أنه نقل ثقافة التراث أو أن وجهته في الكتابات الإسلامية كانت خالصة لوجه الله أو العلم أو الحق ذلك أن طه حسين قد أراد أن يتخذ من التراث منطلقا إلى تحقيق جانب من رسالته، تلك هي إثارة الشبهات والروايات الباطلة، والتقليل من جلال أبطال الإسلام، وتصويرهم بصورة رجال السياسة في الغرب المسيطرين على مطامع الحكم ومطالب الحياة، ولا يستطيع أن يفهم التراث أو يقدمه المسلمين في هذا العصر إلا رجال آمنوا بالإسلام دينا ونظلم حياة وعمرت قلوبهم تلك الأمانة للإسلام والغيرة على معطياته ومنجزاته. أما طه حسين فقد عاش حياته كلها يسخر بعظمة أمة الإسلام وبما في صفحاتها من بطولات ويفسرها طبقا للمذهب الاجتماعي الفرنسي، المتصل بالتفسير المادي للتاريخ القائم على الجبرية وهو مذهب ينكر عظمة النفس الإنسانية وجلال الروح ومكانة المعنويات - كان طه حسين كذلك في أول ما كتب ’’ذكرى أبي العلاء’’ وظل كذلك إلى آخر ما كتب ’’مرآة الإسلام والشيخان’’.
وكل ما يحاول الإغرار أن يجمعوه من آرائه عن القرآن أو الإسلام أو التاريخ فإنما يقدم إليه مفهومه الباطل فيجعله هباء منثوراً، فهو لا يرى في القرآن أكثر من أنه كتاب بلاغة’’ ولا يرى في البطولات إلا أنها من نتاج البيئة، ولا يرى في النبوة إلا أنها قدرة رجل عظيم استوعب فكرة عصره، فهو لا يؤمن بالنبوة، وذلك واضح من كتاباته ومن مراجعات الباحثين لآثاره وهي كثيرة ومقدمتها كتاب غازى التوبة ومحمد محمد حسين والرافعي ومحمد أحمد الغمراوي وكاتب هذه السطور.
إن طه حسين مع الأسف لم يكن يؤمن بشئ، كان ساخراً وكان مشككاً وكان متقلباً ولقد كدت أكتب عبارة ’’أولها حرف ر’’.
وآية ذلك أنه ألقى العمامة في البحر عندما ركب السفينة أول مرة إلى أوربا في مشهد درامي، تمثيلى، وأنه كان يقول القول وينقضه فقد أعلن إمارة العقاد للشعر ثم سحب ذلك في سنواته الأخيرة، أما قدره العلمى فقد كشف عنه سكرتيره البير بيزان وسكرتيره زكي مبارك وظهر ذلك واضحاً في سقطات فاضحة.
من مثال قوله:’’ وقد وقعت بين القيسية واليمانية معركة ’’مرجرات’’ ثم اتضح من بعد أنها ’’مرج راهط’’ ولكن هكذا يكتبها المستشرقين وقد أشار زكي مبارك إلى ذلك في دعاية ساخرة حين قال : أن طه حسين دخل حديقة المستشرقين بالليل ليسرق ثمرة أو ثمرتين فصادفته هذه الثمرة المعطوبة’’ ولا شئ يستطيع أن يحمى طه حسين من شبهة الاتصال بالصهيونية أو اليهودية العالمية في مجال الفكر وربما عن طريق آخر بالإضافة إليهما، ولذلك قصة طويلة لها وقائعها الثابتة والأكيدة والمتصلة طوال حياته منذ أعلن عن عدم وجود إبراهيم إسماعيل عام 1926 إلى أن صير مديراً لدار الكتاب المصري 1946 وبين ذلك تاريخ طويل يمكن أن يروى في مقال متصل ويؤيده ما قاله شارل مالك في رثاء طه حسين.
هناك سؤال لماذا انقلب إسلاميا داعيا إلى التراث؟
والإجابة السريعة قبل إيراد التفاصيل هي محاولة تمكينه من أن يكون مرجعا إسلامياً يستغله للتبشير والاستشراق في السنوات الخمسين القادمة ولذلك فقد حولوه من مغايظة الجماهير إلى إرضاء الجماهير، إرضائها بالخداع والزيف.
وكلام عن الإسلام كله بمفهوم الإسلام الغربي المسيحي: أنه علاقة بين الله والإنسان، عبادة، لاهوت وليس أكثر من ذلك ، وطه حسين يعتنق ما كان يعتنقه فولتير ورينان غيرهما من التفرقة بين الإيمان بالقلب والكفر عن طريق العقل. هذه الإزدواجية التى يعرفها الغربيون ويفخرون بها، وتعتنقها بعض الفضائل المضللة من توابع المستشرقين في البلاد العربية ممن لا قيمة لم ولا وزن وممن لن يتبقى لهم آثار ولا أعمال.
إن طه حسين بالعمل فى مجال الإسلاميات منذ أصدر هامش السيرة 1933 ونشره في الرسالة كان يفتح صفحة جديدة وأخيرة في تاريخه وتاريخ الفكر الإسلامي هي صفحة تقديم البديل من أجل القضاء على الأصيل ومع الأسف فقد شارك هيكل والعقاد وانكشف أمرهم عام 1939 حين قاله لهم إمام كبير:
’’ بيننا وبين الإسلام أن تؤمنوا بأن الإسلام نظام حكم وفهم مجتمع، فصمتوا صمت القبور. استطاع طه حسين من خلال كتاباته الإسلامية أن يصور الروابط بين الصحابة على نحو مؤسف ردئ، وكان قد أعلن من قبل في رده على العلامة: رفيق العظم احتقاره التاريخ كما اتخذ في بعض الشعراء الماجنين دلالة على فساد القرن الثاني الهجرى الحافل بأعلام المسلمين في الفقه والعلم والتصوف والأدب والفكر كله.
لقد تحول طه حسين في أساليبه يخوض معركة أشد خطراً، هي معركة تزييف مفهوم الإسلام والتاريخ الإسلامي، وقد جرى في ذلك مع منهج الاستشراق الذى تغير في أواخر الثلاثينات حين تحول من مهاجمة الإسلام علانية إلى خداعه بتقديم طعم ناعم في أوائل الابحاث ثم دس السم على مهل ومن خلال فقرات وكان هذا هو أسلوب الاستشراق اليهودي الماكر.
وقد استخدم طه حسين هذا المنهج ببراعة ونجح فيه. فلم يكن طه حسين يؤمن بالدين ولا بالتراث ولا بعظمه هذه الأمة ولا بأمجادها الإسلامية ولا بحركة اليقظة فيها، ولقد تهدمت كل أعماله قبل وفاته وخذلته كل الكتابات الجديدة والإيجابية عن الشعر الجاهلي وعن ابن خلدون، وعن مفهوم العروبة المرتبط بالإسلام وعن هزيمة الفرعونية وعن اندحار دعوته إلى الغض من شأن الأزهر.
سلامة موسى
محاولة إعادة سلامة إلى الحياة محاولة خاسرة وقد باءت بالفشل الذريع. سلامة موسى الرجل الذي لم يعرف في تاريخه الطويل موقف يدعو فيه لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني وقد سقطت جميع آرائه وكشف حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
لقد كانت كل كتابات سلامة موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره ولقد عرف أن سلامة موسى كان يلفظ الإسلام والمسيحية معاً وهو الذي أضاف إلى قائمة الرسل والأنبياء فرويد وماركس ودارون ولينين.
كان السؤال الهام في الندرة عن تلك الظاهرة الخطيرة التى حاولت بها بعض الجهات طرح كتب سلامة موسى في السوق مرة أخرى بأعداد كبيرة، ونشرت عديداً من كتبه ما عدا كتابه ’’ اليوم والغد’’ الذي قال بعض أصحاب الولاء أنهم أن يعيدوا طبعه والسر أن هذا الكتاب يكشف حقيقة سلامة موسى، ودعوته المسمومة، والشعوبية والماركسية جميعاً.
والحق إن كتابات سلامة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمثل أى عطاء ثقافي بعد أن سقطت كل هذه الدعاوى التى روجها الاستشراق والتغريب في الثلاثينات والأربعينات.. شأنه في هذه شأنه في هذا شأن طه حسين ومحمود عزمي وعلىعبد الرازق ومن تبعهم أمثال حسين فوزى وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.
والواقع أن النفوذ التغريبي لا يمهد ولا يتوقف عن غاياته وإن بدأ أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالا جديدة بتلك السموم التى قدمها على أيدى عملائه ثم تكشف زيفها.
دعا سلامة موسى إلى استعمال العامية وهدم العربية، وجدد الدعوة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية وجدد الدعوة بعده كثيرون ولم يصلوا إلى الشئ.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية، وجدد الدعوة إلى إبطال حكم من أحكام الدين وذلك بشأن ميراث المرأة، وقد لنه الباحثون دراس قاسياً مريراً.
دعا سلامة موسى إلى الماركسية وقد كشفت الأيام زيف دعوته وفساد جهته.
والحقيقة أن سلامة موسى لم يكن إلا رجلا يحمل الغرب فيذروه في وجهه الناس حقداً وكراهية لهذه الأمة أن يتحقق لها امتلاك إراداتها وخدمة لكل التيارات الحاقدة عليها والكارهة لها، ولقد كان الكاتب في هذه الفترة يعرف بأنه ماركسي أو غربي أو داعيا لفرنسا أو انجلترا ولكن سلامة موسى كان يعمل لكل هذه الجهات عن طريق الماسونية والمخطط الصهيوني الذى كان يحتضن كل فكر هدام.. فكان ينثر من كنانته كتابات عن ’’دارون’’ ومذهبه، وعن ’’فرويد’’ ومذهبه، وعن إقليمية مشوبة بالفرعونية، وعن العامية مشوبة باللاتينية ويحتضن كل كتاب هذه السموم من ’’ولكوكس’’ إلى ’’ ماركس’’ ويدعى ويناقض دعوته بمدح الخديو إسماعيل، وموالاة الاستعمار البريطاني ولا ريب فقد تخرج سلامة موسى من مدرستين:
من مدرسة تربية أبناء العرب الذين يقعون في فخاخ القوى العظمى فقد ذهب سلامة موسى إلى بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت الباكر وجند لهذه الغاية، أما الأخرى فقد كان تابعا لمدرسة شلبى شميل، وجورجي زيدان، وفرح أنطون، ويعقوب صروف هذه المدرسة التى كونها التبشير في بيروت، ثم قذف بها إلى مصر والبلاد العربية فتولت مقاليد الصحافة والثقافة وحملت حقدها الوافر على الإسلام والخلافة الإسلامية، واللغة العربية، وتاريخ الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن هناك وقائع خطيرة كاشفة لحقيقة سلامة موسى بعد أن فضحه أصحاب دار الهلال الذى كان يعمل عندهم، ويتصل من ورائهم ببعض الجهات ليشي بهم ’’ إبريل 1931 – مجلة الدنيا الجديدة’’ وقد نشرت الزنكفراف خطاباته التى يقول فيها لمسئول:
’’فإنا أكتب لسعادتكم وإرادة الهلال تهيئ عدداً خاصا من المصور لسعد زغلول تستكتب فيه عباس العقاد وغيره من كتاب الوفد ومثل هذا العمل يتفق مع التجارة ولكنه لا يتفق مع الدعوة للحكومة الحاضرة ومشروع المعاهدة .. لأن الإكبار من ذكر سعد. وتخصيص عدد له هو في الحقيقة أكبار من شأن الوفد ودعوة إليه إني مستعدة الدعوة للمعاهدة فهل لي أن انتظر معاونتكم’’.
كتب هذا أبان وزارة اليد الحديدية التى شكلها محمد محمود، وتاريخ الخطاب 22 أغسطس 1939 وهو لا يزال في دار الهلال ما يزال يتقاضى مرتبة منها، ويدخلها كل يوم يبتسم في وجه أصحابها، ويظهر لهم الود والإخلاص وفي الوقت نفسه يدس لهم، ويتجسس عليهم، ويرسل التقارير إلى وزارة الداخلية.
ثم عاد يتمسح بالوفد ’’إبريل 1931’’ فكشفت دار الهلال هذه الوثيقة وقالت:’’ أنت تتمسح اليوم بأعتاب الوفد، وتتعلق زعماء الوفد .. إن لدى دار الهلال البرهان القاطع على تلونك وغدرك’’.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. فقد أرسل خطابا ’’نشرت صحف دار الهلال’’ صورته الزنكفرافية موجها إلى الأستاذ حسين شفيق المصري في 3 نوفمبر 1930 هذا نصه’’.
عزيزي حسين:
بعد التحية: تعرف الخصومة بينى وبين السوريين ’’أي أصحاب دار الهلال’’ فأرجو أن ترسل لي خطابات على لسان سوري وقح يشتمني فيه بإمضاء اسكندر مكاريوس أو غيره من الهكسوس .. وأنا في إنتظار الخطاب.
أخوك سلامة موسى
وقد علق الأستاذ شفيق المصرى على هذا يقول:
كان يريدنى أن أزور خطابا، وأن افترى على أمة، وأن انزل إلى الدرك الأسفل من النذالة بالكيد لقوم ليس بيني وبينهم يغر الصداقة والمودة.
هذا اللعب من لعب الصبيان فعجيب أن يكون منه وهو ينادي بأنه فيلسوف من علماء النفس، أغفر له كل شئ لا أن يظن بى ما ظن من الجهل والحمق .. وهو يدعوني إلى كتابة ذلك الكتاب الذي اشتمه فيه بتوقيع رجل برئ لا ذنب له إلا أن في الدنيا رجالا لا يحاسبون ضمائرهم، ولا يرون أبعد مما بين أنوفهم وجباههم.
* * *
بل ويذهب سلامة موسى إلى أبعد من ذلك فيقول:
’’ومما يدل على أن حركتنا الوطنية بأيدي ناس غير قادرين على الاضطلاع بها أن الحركة التي قامت في العام الماضي وكانت غايتها اصطناع القبعة قاومها زعماؤنا وقتلوها في مهدها.. فأثبتوا بذلك أنهم لا يزالون أسيويين في أفكارهم، لا يرغبون في حضارة أوربا إلا مكرهين.. وقد أدرك مصطفى كمال الذى لم تنجب بعد نهضتنا رجلا مثله ولا ربعه ولا يعرف مقدار ما للقبعة من القيمة والإعلان بالإنسلاخ عن آسيا، والانضمام إلى أوربا، ولم يمنع من استعمال السيف في هذا’’.
ويقول:
’’هذا هو مذهبي الذي اعمل له طول حياتي سراً وجهراً فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التى اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق.. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية ويقول:
’’وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة الشباب، وبعثرة لقواهم .. وكيف يمكننا أن نعتمد على جامعة دينية بينما فى العالم نظرية تقول: أن الإنسان لم يكن راقيا فانحط كما تقول الأديان. بل هو كان منحطا فارتقى، تعنى بها نظرية التطور بل كيف يمكن لإنسان مستنير قرأ تاريخ السحر والعقائد أن يطلب منه أن يخدم جامعة دينية، إن الجامعة الدينية في القرن العشرين وقاحة شنيعة’’.
ويقول :
’’لا عبرة بما يقال من أن الإسلام أمر بالشورى فإن خطب جميع الخلفاء نثبت أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم نظراً بابويا بل البابا نفسه إذا قيس إليهم في بعض الاشياء يعد دستوريا’’.
ويقول:
’’إن أكبر تجربة اجتماعية رآها العالم هي الشيوعية الروسية الحديثة وظهور الشيوعية هو بمثابة حاجز بين الماضي والمستقبل فهي تفصل الاثنين فصلا واضحا وهي على ما فيها من نقائض لليوم وعلى ما ينال الناس البعيدين عنها من الرعب فإنها ستكون بذرة لجملة أنظمة اجتماعية في المستقبل’’.
وهكذا تحوى كتابات سلامة موسى كل السموم التى علموه أن يثيرها في أفق العرب والمسلمين يوما بعد يوم، علموه أن الاشتراكية هي الهدام الأكبر للمسلمين وازدراء كل ما هو عربي، والدعاية للشيوعية، وكذلك الدعاية للإباحية.
يقول سلامة موسى:
’’ليس من مصلحة الإنسان أن يعيش في قفص من الواجبات الأخلاقية، يقال له هذا حسن فاتبعه، وهذا سئ فاجتنبه’’.
وعلموه الدعوة إلى التبعية للغرب وللاستعمار.
يقول سلامة موسى أيضا:
’’أجل يجب أن نرتبط بأوربا، وأن يكون رباطنا بها قويا نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها من اكتشافات واختراعات وننظر الحياة نظرها، ونتطور معها تطورها الصناعي، ثم تطورها الاشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجرى وفق أدبها بعيدا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها.
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره. هذا الفكر الذي تجاوزه المسلمون والعرب اليوم وإن كانوا قد خدعوا به هناك يوم كان دعاة التغريب تعوى كتاباتهم بالسموم!!
إن كل ما قدمه سلامة موسى عن الماركسية والفرويدية والدارونية هي كلمات مجمعة قد جاوزها البحث العلمي الآن، وكشف زيفها فقد ظهر الآن فساد ما دعا إليه دارون وتبين أن وراء إذاعة دعوتها ونرها كانت التلمودية التى تريد أن تقول أن الإنسان حيوان لتمهد لفرويد اليهودي نظريته في الجنس وكانت الماركسية والفرودية والداروينية من أدوات الفكر الصهيوني. الذي حاول أن يؤسس مدرسة في البلاد العربية والإسلامية. كما دعا إلى البهائية التى عرفها في لندن سنة 1910 عندما اتصل بجماعة الدهريين ولم يدع كتابا لم يقرأه وكانت معظم مؤلفاتهم في نقض الأديان السماوية – على حد تعبيره – ولا بد أنه اتصل بمحافل الماسونية، وتعلم فيها فإن كل اتجاهه كان ماسونياً تلمودياً ولم تعرف حقيقته إلا بعد أن ترجمت بروتوكولات صهيون إلى اللغة العربية عام 1948، وأن كل محاولاته وخططه كان ثمرة هذه التبعية الماسونية التلمودية وقد أشار كثيرون إلى أنه لم يكن مسيحياً صادقاً وإنما كان ولاؤه لفرويد وماركس.
وقالوا الشجرة الفاسدة تثمر ثمراً رديئا وكل شجرة لا تثمر ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.
ولا ريب أن دعوة سلامة موسى إلى وحدة الأديان هي من مفهوم البهائية وأن اهتمامه بالسلطان ’’أكبر’’ الهندي الذي أجرى هذه التجربة داخل في دعوته كذلك دعوته إلى وحدة الوجود، ومذهب ’’سبينورا’’ في وحدة المادة، والقوة والروح والجسد هي من طريق خطة الواضح، وكذلك فهو يرى أن حرق جثمان الميت أطهر وأنظف !!
وقد تمنى سلامة موسى أن يحرق جسده بعد موته، وقد عمل على نشر آراء تولستوي وغاندي لأنه تحاول مواجهة مفهوم الإسلام الجامع ومفهوم الجهاد وحتى ديانته المسيحية فإنها لم تسلم من هجومه وهو يعتقد أنها حجبت عن عقول الناس نور الثقافة اليونانية وحريتها، وأن هذا الحجب والحجر ظل ألفا وخمسمائة سنة حتى بدت بشائرالنهضة الأوربية التى كان أساسها الخروج عن سلطان الكنيسة وأطباقها على النفس والعقل البشريين، والعودة إلى أسس الثقافة اليونانية وحريتها.
وقد بشر بدين جديد دعا إليه ودخل هذا الدين في عقيدته أنه دين البشرية كما يسمه وهو ما دعا إليه أوجست كونت ويرى أن دين البشرية بذرة من ديانة بوذا وهو دين لا يدعو إلى الإيمان بالله، أو الخلود في العالم الثاني، ولا ريب أن هذا الاتجاه الذي استكمله بأنبياء آخرين آمن بهم هم ماركس وفرويد يوحي بماسونيته وولائه التلمودى الصريح، كذلك فإن دعوته إلى العالمية هي دعوة الصهيونية العالمية التي تريد هدم الأمم المسلمة في مرحلة ضعفها واحتوائها للسيطرة عليها وتذيبها في أتون الأممية.
ولا ريب أن حملة سلامة موسى على اللغة العربية العظمى، والشعر والأدب العربي هي دعوة مبطنة للحملة على الإسلام والقرآن وهي الدعوة التى حمل لواءها لويس عوض من بعد وتؤكد دعوته في مجموعة موالاة الدعوة الشعوبية التى ترمى من وراء القضاء على العرب وكيانهم إلى القضاء على الإسلام باعتبار أن تلك هي قاعدته الأساسية.
قد كانت أصدق كلمة لباحث معاصر أنه لم يعرف لسلامة موسى مقال وطني واحد دعا فيه إلى تحرير مصر من الاستعمار البريطاني.
إن محاولة إعادة سلامة موسى إلى الوجود محاولة باطلة فقد سقطت آراؤه جميعا وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
ما هو رأي مصطفى صادق الرافعي في سلامة موسى؟
يقول الاستاذ مصطفى صادق الرفعي:
رأيي في سلامة موسى معروف لم أغيره يوماً، فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مراً. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر. ما زال يتعرض لي منذ خمس عشر سنة. كأنه يلقي على وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها. كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية. فأخزاه الله على يدي، ورأيته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب حائط لا قيمة له. وفي اللغة دعي لا موضع له. وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عني هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنئ من ناحية أخرى. فقام يدعو إلى ’’الأدب المكشوف’’ فأخزاه الله مرة أخرى ولم يزد بعمله على أن انكشف هو. فلما خاب فى الناحيتين. اتجه الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن. وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية. وانفتح الباب المغلق الذى حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه ’’كمبيالة’’ تحت إذن وأمر ’’سلامة موسى’’ إذا محيت العربية أو غير المسلمين دينهم أو أبطلوا قرآنهم. فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث. فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية. ليقطع المسلمين عن تاريخهم. وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم، ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، والوطنولوجيا. ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال.
ويقول الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تحت عنوان:
سلامة موسى ليس بشئ إن لم يكن دجالا !!
بضاعته بضاعة الحواة والمشعوذين وله حركاتهم وإرشادتهم وأساليبهم يزعم نفسه أديباً، وتعالى الأدب عن هذا الدجل. ويدعى العلم، وجل العلم أن يكن هذا دعاؤه، ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب، والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب، ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ، والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضه، وأن يقصو عن مجاله هؤلاء الواغلين الذين يتخذون اسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولا لهم، ويتذرعون بالتهجم على الدين –على دين واحد في الحقيقة– وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس، ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم’’.
على عبدالرازق
كتاب الإسلام وأصول الحكم
ليس من تأليفه وإنما هو من تأليف المستشرق اليهودي مرجلبوت كان هدف الكتاب ضرب الإسلام في عقيدة من أكبر عقائده، وفريضة من أعظم فرائضه وهو أنه دين ودولة ونظام مجتمع. ومن ثم فقد عبر الكتاب عن وجه نظر الاستشراق اليهودي التلمودي الهدام.
وكان الكتاب لعنة على علي عبد الرازق فقد أصاب حياته بالظلام والغربة، فمات الكتاب قبل أن يموت وانطوت صفحته وهو حي، ومازالت قوى التغريب تعيد طبع الكتاب ونشره مع مقدمات ضافية يكتبها كتاب شعوبيون أو شيوعيون يضللون الناس ويخدعونهم بأسمائهم وألقابهم لإحياء فكرة مسمومة.
صادر القضاء الكتاب وأصدرت هيئة كبار العلماء قرارات بإدانة المؤلف بعد زعم أن نظام الحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان موضع غموض وإبهام وموجب للحيرة.
كان السؤال في الندوة عن دعوى على عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم’’ التى ما تزال قوى التغريب والغزو الثقافي والماركسيون والشعوبيون تجدد نشرها والحديث عنها بوصفها أسلوباً من أساليب العمل لخداع جماهير المسلمين عن حقيقة دينهم، وإذاعة مفهوم الدين العبادي القائم على الروحيات والمساجد وإنكار حقيقة الإٍسلام بوصفه دينا ومنهج حياة، ونظام ومجتمع.
ويتقول الادعاء الخبيث الذي يثيره الاستشراق والشعوبيون على أن في الإسلام مذهبين أحدهما يقول بأن الإسلام دين ودولة والآخر يقول: بأن الإسلام دين روحى ويضعون على عبدالرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول.
والواقع أن الإسلام ليس فيه غير رأي واحد. وهو الرأي الأول وأن ما ذهب إليه على عبد الرزق عام 1925 لم يكن من الإسلام في شئ ولم يكن على عبد الرازق نفسه إماما مجتهداً وإنما كان قاضيا شرعياً تلقفته قوى التغريب فاصطنعته تحت اسم ’’التجديد’’ ودعى على عبد الرازق إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وعدم مقوماته وأهدى هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجما إلى اللغة العربية وطلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص العربية التى يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فان من تأليف قزم من أقزام الاستشراق وداهية من رجال الصهيونية واليهودية العالمية هو المستشرق ’’مرجليوث’’ الذي تقضى الصدف أن يكون صاحب الأصل الذى نقل عنه طه حسين بحثه عن ’’الشعر الجاهلي’’ والذى أطلق عليه محمود محمد شاكر ’’حاشية طه حسين على بحث مرجليوث’’ ويمكن أن نطلق الآن اسم ’’حاشية على عبد الرازق على بحث مرجليوث’’ وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم ’’الإسلام والخلافة في العصر الحديث’’.
وهكذا نجد أن السموم المثارة في أفق الفكر الإسلامي توضع أساساً من رجال التغريب ثم تختار لها أسماء عربية لتحمل لواءها وتذيعها إيماناً بأن الاسم العربي أكثر تأثيراً وأبعد أثراً في خداع الجماهير.
ولقد طالما تحدث التغريبيون عن كتاب ’’الشعر الجاهلي’’ و’’الإسلام وأصول الحكم’’، على أنهما دعامة النهضة في الفكر الحديث ونحن نرى أنهما دعامة التغريب التى حاولت خداع جماهير المسلمين عن حقائق الإسلام العظيم.
ومع أن حركة اليقظ الإسلامية واجهت كتاب على عبد الرازق المنحول، وفندت فساد وجهته وأخطائه فإن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه. مع مقدمات ضافية يكتيبها كتاب مضللون شعوبيون يخدعون الناس بألقابهم وأسمائهم. وهم يجدون في هذه المرحلة التي يرتفع فيها صوت تطبيق الشريعة الإسلامية. والدعوة إلى الوحدة الإسلامية مناسبة لنفث هذه السموم مرة أخرى ولن يجديهم ذلك نفعا فإن كلمة الحق سوف تعلو وتنتشر وتدحض باطل المضللين مهما تجمعوا له وقموه في صفحات براقة مزخرفة وأساليب خادعة كاذبة.
أول من كشف حقيقة الكتاب
إن أول من كشف حقيقة الكتاب هو الشيخ ’’محمد بخيت’’ الذى رد على الشيخ على عبدالرازق في كتابه ’’حقيقة الإسلام وأصول الحكم’’ وهو واحد من الكتب التى صدرت في الرد عليه حيث قال:
’’لأنه علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس منه إلا وضع اسمه عليه فقط فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار، وألبسوه ثوب الخزى إلى يوم القيامة’’ وقد علق الشيخ علي عبد الرازق على هذا المعنى حين قال الماركسيين الذين اتصلوا به سنة 1964 لإعادة طبع كتابه إن هذا الكتاب كان شؤما عليه، وقد ألصق به كثيراً من المتاعب والشبهات والحقيقة أنه بعد أن طرده الأزهريون من ’’هيئة كبار العلماء’’ ظل منفياً ومهجوراً وعاش بقية حياته منقطعاً عن الحياة العامة. بالرغم من أن محاولات جرت لإعادته إلى زمرة العلماء، وإلى مجمع اللغة ، فقد كان الكتاب أشبه باللعنة على حياته كلها.
ومن هذا الخيط الرفيع بدأت محاولة الدكتور ضياء الدين الريس فاستطاع أن يصل إلى الحقيقة بأن كاتب الكتاب في الحقيقة هو مستشرق إنجليزي يهودي الأصل شن الهجوم على الخلافة لأن بلاده ’’بريطانيا’’ كانت في حرب مع تركيا وقد أعلن الخليفة العثماني الجهاد الديني ضدها والنصوص في الكتاب قاطعه بأنه كان موجها ضد الخلافة العثمانية. فإنه يذكر الاسم ’’السلطان محمد الخامس’’ الخليفة في ذلك الوقت الذى كان يسكن قصر يلدز’’ وهناك نص على جماعة الاتحاد والترقي’’ وهي التي كانت تحكم تركيا. أي دولة الخلافة طوال أعوام الحرب العالمية الأولى. ويقول أن الاتحاديين تلاميذ الماسونيين، وقد تربوا في محافلهم واعتنقوا شعارهم ومفاهيمهم، وقاموا بدور مسموم وهو فتح باب فلسطين أمام اليهود المهاجرين. وكان السلطان عبدالحميد قد رفض ذلك، وكانوا هم: أي الاتحاديون أداة الصهيونية العالمية في إسقاط هذا السلطان الشهيد ورجح الدكتور الريس أن مرجليوث اليهودي الذى كان أستاذاً للغة العربية في اكسفورد ببريطانيا هو كاتب الكتاب. لأن آراء الكتاب هي آراؤه التى كتبها من قبل عن الدولة الإسلامية، وفندها الدكتور الريس في كتابه ’’النظريات السياسية في الإسلام’’، وأثبت خطأها وبطلانها بالأدلة العلمية. وهو يكتب عن الإسلام بنزعة حقد شديد، ويتسم أسلوبه بالمغالطات والمعلومات المضللة والقدرة على التمويه. كما يتصف بالالتواء. وهذا الصفات كلها تظهر في هذا الكتاب المنسوب إلى الشيخ عبدالرازق. ومعروف أن الشيخ على عبدالرازق ذهب إلى بريطانيا وأقام فيها عامين فلابد أنه كان متصل بالمستر مرجليوث، أو تتلمذ عليه. وكذلك ’’توماس أرنولد’’ الذي يشير إليه الشيخ ويصفه بالعلامة قد ألف كتابا عن الخلافة بوجه عام، والعثمانية بوجه خاص. وقد نقدناه ’’يقول الدكتور الريس’’ في كتابنا ’’النظريات السياسية الإسلامية’’.
والقصة تتلخص في أنه أبان الحرب العالمية الأولى والحرب دائرة بين الخليفة العثماني وبريطانيا أعلن الخليفة الجهاد الدينى ضد بريطاني ودعا المسلمين أن يهبوا ليحاربوها، أو يقاوموها. وكان بريطانيا تخشى غضب المسلمين الهنود بالذات أو ثورتهم عليها. في هذه الفترة كلفت المخابرات البريطانية أحد المستشرقين الإنجليز أن يضع كتابا يهاجهم فيه الخلافة وعلاقتها بالإسلام، ويشوه تاريخها ليهدم وجودها ومقامها ونفوذها بين المسلمين. وقد استخدمت السلطات البريطانية هذا الكتاب في الهند وفي غيرها. وبعد أن انتهت الحرب كان الشيخ عبد الرازق قد اطلع على هذا الكتاب أو عثر عليه. هذا إن لم يفترض أن هذا كان باتفاق بينه وبين هذا المستشرق الذى اتصل به حينما كان في انجلترا أو في بعض الجهات البريطانية التى كانت تعمل في الخفاء للقضاء على فكرة الخلافة، أو التى تحارب الإسلام فأخذ الكتاب فترجم إلى اللغة العربية. أو أصلح لغته إن كان بالعربية، وأضاف بعض الأشعار أو الآيات القرآنية التى تبدو أنها لم تكن في أصل الكتاب وبعض الهوامش والفقرات، وأخرجه للناس على أنه كتاب من تأليفه ظنا منه أنه يكسبه شهرة. ويظهره باحثاً علمياً، ومتفلسفاً ذي نظريات جديدة. غير مدرك ما في آرائه أو في ثناياه من خطورة. ولا يستغرب هذا لأنه لم يدرك أن إنكار القضاء الشرعي هو إنكار لوظيفته نفسها وعمله، وإلغاء لوجوده وكانت هذه هي البدعة السائدة في ذلك الوقت بين كتاب ’’ السياسة’’ جريدة من أسموا أنفسهم، حزب الأحرار الدستوريين’’ وهذا هو الذي فهمه ’’أمين الرافعي’’ فكتب في جريدة الأخبار أنه لم يستغرب أن يقدم الشيخ على عبد الرازق على إصدار هذا الكتاب لما عرفه عنه من الضعف في تحصيل العلوم، والإلحاد في العقيدة. ثم قال: هذا إلى أنه انغمر منذ سنين في بيئة ليس لها من أسباب الظهور سوى الافتئات على الدين، وتقمص أثواب الفلاسفة والملحدين، وصار خليقا باسم ’’ الاستاذ المحقق’’ والعلامة الكبير.
ولم يعرف الأستاذ الرافعي أن المؤلف الحقيقي ربما كان غير الشيخ عبد الرازق. ولكن كلامه يكاد يكون إثباتا لذلك. وهناك قرائن أخرى.
أولا: ذكر اسم كتاب مترجم عن التركية طبعة 1924. بينما هناك فقرة تنص على أن تاريخ التأليف قبل عام 1918. وأنها ذكرت اسم السلطان محمد الخامس وقيل في الهامش أنه كتاب في عهده. وأقرب تفسير لذلك أن الكتاب ليس من تأليف شخص واحد.
ثانيا: يتحدث المؤلف عن المسلمين كأنه أجنبي عنهم وهم منفصلون عنه. فيذكرهم بضير الغائب ولا يقول عندنا أو العرب. أو نحو ذلك كما يقول المسلم عادة.
ثالثا: يكرر الشيخ عبد الرازق ’’عيسى وقيصر مرتين’’ ويكرر هذه الجملة التى يسميها الكلمة البالغة ’’دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ’’ مع أن أي مسلم صحيح الإسلام لا يمكن أن يؤمن بهذا التعبير. وأن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
رابعا: يتعاطف مع المرتدين الذين خرجوا على الإسلام، وشنوا الحرب على المسلمين. فيدافع عنهم. في نفس الوقت الذي يحمل على رأي أبي بكر الصديق المسلم الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينكر خلافته. ويقول إن محاربته لهؤلاء المرتدين لم تكن حربا من أجل الدين. ولكن نزاعا في ملوكية ملك ولأنهم ’’رفضوا أن ينضموا لوحدة أبي بكر ’’ وما هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر والإسلام.. أليست هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر أو ليست هي وحدة المسلمين حكومة الإسلام والمسلمين. ويتكلم عن أبي بكر هكذا بغير احترام أو تبجيل كأنه رجل عادي. أو كما يتكلم عدو.
هل هذا هو أسلوب المسلم. فضلا عن الشيخ. في الكلام عن الصحابة وعن أفضل الناس وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير من دافعوا عن الإسلام، وجاهدوا في سبيل الله عز وجل.
خامسا: أن الأسلوب الذي كتب به الكتاب أسلوب غريب، ليس مألوفا في الكتب العربية. فهو أسلوب مناورات ومراوغة، ويتصف بالالتواء واللف والداو والدوران. فهو يوجه الطعنة أو يلقي بالشهبة ثم يعود فيتظاهر بأنه ينكرها ولا يوافق عليها ويفلت منها ثم ينتقل ليقذف بشبهة أو طعنة أخرى على طريقة ’’اضرب واهرب’’ رجل سياسى متمرن في المحاورة والمخادعة. وهو أشبه بالأسلوب الإفرنجي، وأسلوب الدعايات السياسية، أو الدينية التبشيرية، وليس هو أبدا الأسلوب العربي الصريح. فضلا عن أسلوب أحد الشيوخ المتعلمين فى الأزهر. وهذا مما يغلب الرأي بأنه كتاب مترجم.
سادسا: ولم يعرف عن الشيخ على عبد الرازق – من قبل – أنه كان كاتباً تمرس في الكتابة، ومرن على التأليف .. فيكتب بهذا الأسلوب، ويتعمد الطعن في الإسلام وتاريخه وعظمائه رجاله. ولم يعرف للشيخ كتاب أو مقالات قبل هذا الكتاب ’’أي في السياسة والتاريخ’’ بل كل ما كتب من قبل كان ’’كئيبا’’ في اللغة أو في علم البيان وهذا كل انتاجه في أربعة عشر عاما بعد تخرجه من الأزهر، ثم بعد أن كتب هذا الكتاب ظل أربعين عاما لم يكتب كتابا آخر في نفس موضوعه أو مثله، ولم يحاول أو لم يستطع حتى أن يدافع عن نفسه ويرد على خصومه بكتاب آخر.
سابعا: هناك من القرائن والأدلة العديدة ما يدعو العقل إلى أن يرجح صحة الخبر الذى رواه فضيلة المفتى الشيخ محمد بخيت نقلا عن كثيرين من أصحاب الشيخ على عبد الرازق المترددين عليه من أن مؤلف الكتاب شخص آخر من غير المسلمين. وقد غلبنا نحن أنه أحد المستشرقين .. ولكننا نقيد هذا الخبر بأن الشيخ قد أضاف بعض فقرات وتعليقات، وأنه هو الذي أورد الآيات من القرآن.. والظاهر أنها محشورة حشراً مجموعات في مكان واحد وأبيات الشعر التى استشهد بها. كما كتب المقدمة التى زعم فيها أنه بدأ البحث في تاريخ القضاء منذ سنة 1915، وذلك ليغطى المفارقة الظاهرة بين وضع الكتاب ووقت صدوره. فإنه من غير المعقول أن يستغرق تأليف كتيب لا يزيد عن مائة صفحة عشر سنوات.
ثامنا: كانت هناك أسباب ودوافع مختلف دفعت الشيخ إلى إصدار هذا الكتاب. ولكن كان أقواها في نهاية الأمر حب الظهور والرغبة في الشهرة، وأن يوصف بأنه باحث أو محقق أو مجدد. كما فعل غير من قبل .. ونحن نعرف أن مسألة مألوفة في الشرق .. ولا سيما في النقل من الكتب الأجنبية.
وفي مثل هذه المسائل بالذات. فإن هذه الحالة أسهل. لأن النقل أو الترجمة من كتيب مجهول. أو كانت المسألة بتصريح أو اتفاق لخدمة غرضين فالطرف الأول يريد نشر آرائه لغايات سياسية ودينية والطرف الثاني له مأرب سياسي. ولكن الدافع الذاتي إنه يريد الشهرة أو الظهور أو الغرور.
من تقرير هيئة كبار العلماء في كتاب ’’الإسلام وأصول الحكم’’
والخلاصة أنه إذا رجعنا إلى هدف الكتاب الحقيقى وجدناه يتمثل في الحقائق التالية كما فصلها تقرير هيئة كبار العلماء.
أولا: جعل المؤلف الشريعة الإسلامية روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور ال