صحبت الشيخ منذ عرفته قبل نصف قرن، وعايشته في كل أحواله في ظعنه وإقامته، وفي عسره ويسره، وفي غضبه وسروره، فما وجدته تلون أو تغير، بل هو ذاته مقبل على ربه مصلح لنفسه ساع لإصلاح غيره، مجتهد في نشر الخير، حامل هم أمة الإسلام ساع بكل ما يستطيع لنصرتها ومناصرتها في كل شؤونها وقضاياها. ولقد جاءني خبر وفاته وأنا في سفر وتعب لم أتمكن من الإسهام في تناول مناقبه وفضائله وقد كتب كثيرون عنه من تلامذته ومحبيه والمنصفين ممن يختلفون معه، ويكاد أن يتفق الكل على جلالة قدر الرجل وعظيم منزلته ومكانته و أثره على المستوى المحلي والعالمي.
فجزى الله خيرا كل المحبين والمنصفين والعقلاء الذين عزوا وواسوا وسطروا محاسن ومآثر الشيخ عبد المجيد الزنداني رحمه الله
وإن من الوفاء لشيخنا واستاذنا عبد المجيد الذي سبقنا إلى جوار ربه أن اذكر بعض مناقبه وسماته التي عرفته بها في نقاط موجزة :
1- الحرقة والغيرة على دين الله تعالى، فإذا راى منكراً أو سمع عنه سيما إذا كان منكرا يتبناه أكابر المجرمين ويقننون له ويشرعون لممارسته، فإنه كان يتألم ويغضب ويكون شغله الشاغل العمل على إزالته وإسقاطه، وسرعان ما كان يجمع الغيورين من كافة الأطياف ويتدارس معهم الأمر ويقلبون وجهات النظر في كيفية إستخدام كافة الوسائل الرسمية والشعبية لإزالته ولقد جعل الله له القبول بين الناس بما زوده الله به من ذكاء وحسن بيان وما آتاه من بسطة في العلم والجسم.
2- الحيوية والنشاط الذي كان يتمتع به فيبذل الجهد والوقت في العمل الدؤوب و المتواصل في خدمة دينه و أمته لايعرف الكلل والملل او الكسل وإنما يواصل الليل بالنهار للوصول إلى تحقيق الهدف متغلبا على الصعوبات، متخطيا للعقبات بروح وثابة متفائلة لا تستلم لليأس والقنوط.
وكأني به يقول :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انتقادت الآمال إلا لصابر.
3-كان رحمه الله معظماً للكتاب والسنة يحتكم إلى نصوصهما مبجلاً ومقدراً لحملة العلم، ويجلهم ويقدمهم ويحتفي بهم، ولأهل القرآن والسنة حظوة ومكانة عنده.
4-رجل أمة يتحلى بالعدل والإنصاف منفتح على كل المسلمين، خاصتهم وعامتهم لا يتعصب لنسب أو قبيلة ولا لحزب أو جماعة وإن كان محسوباً انه من قيادات الإصلاح، غير انه كان يعتبر ذالك وسيلة لا غاية بل كان يبغض التحزب والتعصب الأعمى والمنابزة بالأسماء والألقاب، يسعى جهده للتآلف والتقارب والتعاون مع كل فصائل العمل الإسلامي شعاره فى ذلك {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } فاتح قلبه وداره للجميع.
5- كثير الصلاة والصيام كثير التضرع والدعاء، وحين كان يقيم في مكة كان حريصا على الصلاة في الحرم، يُكثر من العمرة ويحج كل عام، ويتدارس القران وله تأملات ونظرات في الآيات الكونية المبهرة المعجزة التي تدل على أن هذا القرآن هو كلام الخالق وانه الحق لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد توج ذلك بانشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي تبين السبق العلمي لكثير من الأسرار التي لم تكتشفها البشرية إلا في هذا العصر عصر الاكتشافات العلمية في الانفس والآفاق
6-شغفه واهتمامه بقضية الإيمان وهي قضية محورية تتوقف عليها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة فكان حديثه وتدريسه ومحاضراته وكتاباته كلها تدور حول الإيمان وبيان أهميته وضرورته للفرد والمجتمع وللبشرية جمعاء، مؤصلا حديثه بالقرآن والسنة، وقد توج هذا الحرص والإهتمام بانشاء جامعة الإيمان التي اسسها لتعليم القرآن والإيمان .
7-مشاريع عملاقة وافكار عظيمة وخلاقة كان يعيشها ويطرحها ويسعى لتحقيقها رحمه الله تعالى ومن ذالك على سبيل المثال تعليم الواجبات الشرعية والقضاء على الأمية الدينية في اوساط الشعب وكل فئاته فقد حشد لها الشيخ اهل العلم والدعوة وقاموا بعمل كبير وعظيم في هذا الصدد وما تزال اثاره شاهدة .
ومن مشاريعه التي سعى لايجادها هيئة الاعجاز العلمي في القران والسنة التي انشئت بمكة المكرمة وفي رحاب رابطة العالم الاسلامي، ثم عم خيرها وانتشر ضوءها وعبقها في المعمورة شرقا وغربا وتحدث عن انجازاتها الركبان وتناقل ندواتها ومؤتمراتها المسلمون والكفار.
ومن مشاريعه العملاقة -التي شَرِقَ بوجودها كل خصوم الاسلام-
جامعة الايمان والتي امتازت بخصائص ثلاث لا تكاد توجد في اي جامعة وهي:
أ-تحصيل العلم الشرعي واخذه من اصوله من الكتاب والسنه وعلى نهج الصحابة والتابعين لهم باحسان ، وايجاد المدرس العالم الذي يعلم الطلاب ويورثهم العلم النافع في كل التخصصات حتى يتخرج على أيديهم العالم العالم بدينه العارف بعصره وهذا هدف من اهداف الجامعة .
ب-التزكية العملية والعلمية ليتهذب الدارس ويزكي نفسه ويطهرها من الاثام ظاهرها وباطنها، فإن تحصيل العلم بغير تزكية ولا تربية او تهذيب يكون هذا العلم وبالا على صاحبه وعلى مجتمعه، ولقد وضعت الجامعة برنامجا علميا وعمليا لتحقيق هذا الهدف طوال سني الدراسة وهذه وظيفة من وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم التي كلفه الله بها في قوله {ويزكيهم}
كما انها وظيفة اتباعه من بعده.
ج- التطبيق العملي الميداني وهو فصل دراسي شهري وسنوي يخرج الطالب الى الميدان الى ممارسة الأنشطة المتعددة ليجمع بين العلم والعمل والنظرية والتطبيق، في التعليم والخطابة والوعظ، والاندماج في المجتمع ومشاركتهم في افراحه و أتراحه لتوجيههم وارشادهم وإقامة المحاضرات والندوات والإمامة بالناس والفتوى في المدن والقرى والارياف .
*واني ادعو من خلال هذه الكلمة طلاب الشيخ ومحبيه الى تجديد جامعة الايمان ونقل تجربتها واحياء رسالتها والسير على منهجها في تبني هذه المحاور الثلاث: -علم -وتزكية-وتطبيق .
وعلى الله قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل
هذه اشارات موجزة ومختصرة في حق شيخنا لا تفي بجهده وجهاده ولكنها غيض من فيض.
_______________
اللهم اغفر وارحم وعفوا وتكرم على شيخنا عبدك عبد المجيد وتجاوز عن سيئاته وارفع درجته واجعله في الفردوس الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين واجمعنا به هنالك برحمتك ومنك وكرمك فانت اهل التقوى واهل المغفرة