– درج الفقهاء، والخطباء، والعقل التقليدي، والوعي الشعبي العودة إلى السيرة النبوية لقراءتها من خلال خصائص: السرد القصصي، والفقه التجزيئي، والقراءة النصية، والنظر إلى السيرة من كتب التراث، وكل ذلك جعل من السيرة النبوية أقرب إلى مرحلة تاريخية يصعب تجديد فقهها.
– لذلك، اتجه التجديد مبكرا في فقه الحركة الإسلامية إلى إعادة إحياء فقه السيرة، على اعتبار أنها الترجمة النبوية العملية الميدانية الواقعية للشريعة، والتي ينبغي إعادة قراءة وقائعها لتحييد النسبي التاريخي منها، والإمساك بمقاصدها وروحها المتجددة في كل زمان، فحركية الرسول صلى الله عليه وسلم في كل لحظات حياته إنما كانت تعليما لكل الأمة في كل زمان ومكان وسياق، وجوابا عن سؤال: ما العمل وكيفه؟
– هذا السؤال المؤرق هو ما ترجمته الكتابات ذوات العدد التي صدرت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن السابق، والتي اجتهد فيها علماء وفقهاء كبار بفقه السيرة في كل جوانبها: العلمي، والعملي، والجهادي، والحركي، والتربوي… وقد اشتهر منها بين صفوف تنظيمات الحركة الإسلامية، مؤلفات كل من مصطفى السباعي، ومحمد الغزالي، ومنير الغضبان… ولكن أكثرهم حضورا كان كتاب محمد سعيد رمضان البوطي “فقه السيرة النبوية” الذي كتب بأسلوب ومنهجية قمة في الإبداع، رحمهم الله جميعا برحمته.
– انفرد المشارقة بالتأصيل لتصوراتهم ومنهاجهم من خلال قراءة السيرة النبوية، وأجابوا عبرها على أسئلة معاصرة عدة، ولا أتذكر أن كاتبا مغربيا صدر له مؤلف يشتغل بالسيرة النبوية بمقصد تبيان فقهها وإجاباتها عن الأسئلة المعاصرة المتعددة، لذلك ظل المغاربة عالة في هذا الباب على المشارقة.
– ومنذ ثلاثة عقود، جف ضرع البحوث في فقه السيرة النبوية بين أبناء الحركة الإسلامية وعلمائها، وحسب علمي لم يصدر منذ أمد مؤلف يتوقف عند السيرة النبوية ليعيد قراءتها قراءة معاصرة، ولعل ما يشكل الاستثناء هو اجتهادات وضاح خنفر الذي لا تخلو محاضرة من محاضراته الأخيرة دون التوقف عند وقائع من السيرة النبوية، وقد جمعها في كتاب مستقل سماه: “الربيع الأول: قراءة سياسية واستراتيجية في السيرة النبوية”، والسؤال المركزي الذي شكل بوصلته في البحث هو البعد الاستراتيجي في فقه السيرة النبوية، ومحاضراته في هذا الباب جديرة متباعتها بالورقة والقلم.
– هذه التدوينة همها أن تدفع الباحث، والفقيه، والعالم، والمفكر -بصيغة المذكر أو المؤنث- أن يعيد قراءة السيرة النبوية، وأن يصحب وقائعها بكل تفاصيلها، وأن يعمد إلى قراءة سياقات كل الأحداث ليستخرج مقاصدها التي ينبغي أن تشكل السند والمعتمد لكل فقه تجديدي… أما غير ذلك فمجرد ادعاء.
نقلا عن موقع منار الاسلام للدراسات والابحاث