لا تسع كل الألفاظ والعبارات في توصيف حجم ما يقوم به كيان “روح الشر” في أرض المسرى، لكن إن أعدت قراءة كتاب ربك وجدته ينسب لهم من الأفعال ما هو من كل ذلك أفدح، لكن دعاوى السلام أفقدتنا حس التفقه في كتاب ربنا.
– من أفدح ما فعلوه أن وصفهم الله عز وجل بأنهم قتلة الأنبياء: “أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ”، “فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ”
– للأنبياء والرسل خاصية ليست لأحد غيرهم، فهم خلفاء الله في الأرض، اصطفاهم لرسالته، وجعلهم أئمة الهدى والتقى. فهم يد الله وسمعه وبصره، فكيف بمن قتل الأنبياء أن يرعوي نسله عن قتل الأطفال الخُدج في المستشفيات؟
– لكن موضوع تأملي لا يتعلق بهذه المسألة ذات الأهمية، بل بغيرها.
– ضع نفسك في مرحلة يضيق الحال فيها على نبي من الأنبياء، ويجتمع عليه حثالة “روح الشر” من أجل قتله، ويتمكنون من ذلك. نعم يتمكنون من قتل نبي من أنبياء الله عز وجل وليس مجرد قائد سياسي، أو عسكري أو ما شابه.
– واستجمع شظايا ذلك المشهد الرهيب، واسحب عليه ما يقع في لحظتنا، ثم أخبرني: ما يقول عندها المرجفون، والطغاة، والمنافقون، وعامة العموم، بله المعتدون من “روح الشر”؟ !
– لكن في هذا المشهد حيث تجري عظيمة من عظائم الأمور في التاريخ الإنساني بقتل نبي من أنبياء الله، يصف الله عز وجل صبر وثبات الرِّبِّيِّين بالاستمرار على العهد الذي عاهدوا نبيهم عليه. في قوله تعالى: “وَكَأَيِّن مِّن نبيءٍ قُتِل مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”
– هل تستوعب جيدا كيف يقتل نبي من أنبياء الله ثم لا يرتد جمع من صحبه سماهم الله عز وجل بالربيين؟ هل تستوعب أنهم استمروا بقوتهم المعهودة دون وهن أو ضعف رغم مصابهم الذي لا يعوض؟ هل تستوعب حجم صبرهم؟
– لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على تخريج الرِّبِّيين من صحبه، لذلك جاء السؤال الاستنكاري من الله عز وجل على ضرورة عدم الارتداد عن خط الرسالة ولو مات النبي أو قتل: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ”
– وهذا مقام لا يصله إلا صفوة الصفوة من الناس، حيث معيتهم مع الله، وكل ما يقع في ملكوت الله لا يوهن من عزمهم قيد شعرة. وهو ما نجد الإشارة إليه في قوله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
– لذلك كانت الأمة الإسلامية أمة لا تنطفئ شعلتها، ولا تموت همتها، ورغم ما قاسته في تاريخها، فإن الله يحيي ولو بعد حين مواتها، برجال يصنعهم على عينه، فلا يرون غيره، وبهِتَّمِهم يوقد الله الهمم، فإذا بالربي الواحد قد خلفه ربيون.
– وأحسبهم اليوم في أرض الإسرء كثر، لذلك لا يعتدون باجتماع كل معسكرات الاستكبار والتبعية والخذلان ضدهم، فهم يستشعرون معية الله تحققا لا مجازا.
– والربيون لا ينقطع نسلهم في بلاد المسلمين، فهم بالصدق على العهد لا يبدلون. ومنهم الربيون المربون الذين لا غاية لهم إلا أن يخرَّجوا من بين صفهم من هذه غايتهم.
– ومن يرد الله به الخير كله يختاره ليجعله من عباده الربيين.
– فلا حرمنا الله ذاك المقام. هذا دعاء
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات*