بين نصرة الدعوة وحراسة الفكرة
تجمع أم جماعة
بين نصرة الدعوة وحراسة الفكرة
تمت الإضافة بتاريخ : 19/03/2009م
الموافق : 23/03/1430 هـ
صدق الإنتماء
’’ إنه لا إسلام بلا جماعة ، ولا جماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة ’’ حقيقة خالدة أعلنها مدوية الفاروق عمر رضي الله عنه قبل ألف وأربعمائة عام ، قرر من خلالها أن قيام الإسلام لا يتحقق إلا من خلال جماعة تحمله وتنادي به وتدافع عنه وتجاهد في سبيله ، وهي مقولة يثبت الفاروق من خلالها بما لا يدع مجالا للشك أن الفارق كبير بين (التجمع ) و ( الجماعة )، فالفرق شاسع بين الاثنين ، التجمع يقوم وينفض ، تحكمه الآراء الشخصية والأهواء والرغبات ، ولا نظام يحكمه ولا قواعد تضبط حركته ، لكل شخص فيه رأيه المستقل وشخصيته المستقلة ، أما الجماعة فلها نظام ومنهج حياة وخطة استراتيجية وأهداف تكتيكية ، ولها نظام إداري وسلم تنظيمي ، واتصالات هرمية ، والجماعة لها لوائح وقوانين وبرامج وآليات عمل ، تذكرت هذه الكلمات بمعانيها ودلالاتها التربوية ، وأنا أتابع ما يقال وما يكتب هنا وهناك ، من هذا وذاك حول برنامج حزب الإخوان المسلمين ، وما تبع ذلك من تصريحات ، وهذه المواقف والأحداث وغيرها من أقوى وسائل التربية عند الإخوان ، فإن التربية بالمواقف هي العاصم من القواصم ، فهي تثبت قلب الواعي ، وتصحح الدرب للمضطرب ، وتقيم الحجة على المشكك .
شهوات أم شبهات
لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من ثنائية العداء الأبدي لمخططات أعداء الإسلام ، فالتاريخ حافل بمؤمراتهم ، إما بمحاولة الإفساد بالشهوات تارة و بإثارة الشبهات تارة أخرى ، ونتيجة لذلك لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من المشككين والمثبطين والمذبذبين للصف المسلم من داخله ، وجاءت الحقيقة القرآنية تؤكد ذلك ’’ وفيكم سماعون لهم ’’ لتحذر الصف من الاستجابة لمخططات الأعداء ، بل وقد يصل الأمر إلى الوقوع في المحظور ’’ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ’’ وقد يتطور الأمر إلى نسيان الغاية ’’ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ’’ ، وقد أدرك الإمام البنا تلك الحقيقة فقال ’’ كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا ’’ ، ويلفت أنظار الإخوان إلى خطورة الأمر وعواقبه الوخيمة ، وينبه إلى أهمية مراقبة الصف وتنقيته من الضعاف فيقول ’’ وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضى فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق ’’ .
عواطف أم عقول
’’ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ’’ كلمات خالدة وجهها الإمام البنا رحمه الله لإخوانه ضابطا للصف المسلم من أن ينحرف في الفهم أو الفكر أو السلوك ، ومحققا لركيزة التوازن والاعتدال في منهجية التفكير الإخواني ، وحاميا للصف من أن تتلاعب به العواطف الجياشة المتحمسة أو العقول الناظرة المتفلسفة ، فلا تغليب للعقول على حساب العواطف ، ولا تلاعب بالمشاعر على حساب الأفكار ، بل إنها النظرة الموضوعية المتوازنة المعتدلة الراشدة من القائد المؤسس رحمه الله .
أهواء أم أصول
’’ إ ياكم وكل هوى يسمى بغير الإسلام ’’ إشارة تحذير وجهها ميمون بن مهران رضي الله عنه ، لكل من تتجاذبه حلاوة الأهواء وعذوبة الآراء ، ونجد حادي الركب يذكرنا بهذا الخصوص ، لماذا كتب الإمام البنا الأصول العشرين ؟ ولمن كتبها ؟ وهل كانت من الأهمية بمكان حتى يجعلها أول ركن من أركان البيعة ؟
وتأتي إجابة الناصح الأمين ، لقد كانت الأصول العشرون وما زالت هي السياج الواقي للجماعة وأفرادها من الانحراف ، و السد المنيع أمام التأويلات الخاطئة في فهم الإسلام ، والحامي للصف من اتباع الظن وما تهوى الأنفس ، والضابط لكل حركات وأفعال وأقوال الإخوان هنا وهناك ، ولقد كتب الإمام البنا هذه الأصول من أجل وحدة الفكر والحركة والمنهج التربوي للجماعة وسط العواصف ، ولعدم بروز مدارس فكرية أو جماعات دخيلة وسط الجماعة ، ولعدم السماح بفكر دخيل أو فكرة مناهضة بسبب عاطفة جياشة أو تساهل مغرض أن تخترق الصف ، ولتحفظ للجماعة خطها التربوي والدعوي الأصيل وتنفي عنها خبثها ومحاولات الالتفاف عليها ، ولتكون في النهاية مرجعيتنا عند الاختلاف أو بروز صورة للانحراف ، فهي المعينة على سلامة العمل ، وعلى حسن التطبيق ، والتي تقي الجماعة وأفرادها من العثرات
وجهاء أم مغمورون
عبر تاريخ الدعوة كله ، لم يقع شق بالصف أو انحراف عن الغاية والوجهة بفضل الصوت العالي ، ولم يحدث أن كانت الصولة والجولة والريادة في الجماعة لأصحاب الرونق الإعلامي ، بل كانت الريادة لمن سبق وصدق ، وتحقق لهم وبهم وفيهم صدق الولاء والانتماء لهذه الدعوة المباركة ، فرجال هذه الدعوة ورجال هذه المرحلة وكل مرحلة هم الإخوان الصادقون من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أويموتوا في سبيلها ، وإلى هؤلاء الإخوان وجه فضيلة المرشد العام مهدي عاكف كلمة في رسالته الأخيرة ’’ ومن يرَ في السير على درب الدعوة وجاهةَ الساسة وأضواءَ النجوم؛ فقد خسر كلَّ الخَسَارة؛ إذ إن أصحاب الدعوات ليس عندهم من جزاء إلا ثواب الله إن أخلص رفيقهم، والجنة إن علم الله فيه خيرًا، وهم كذلك مغمورون جاهًا، فقراء مالاً، شأنُهم التضحيةُ بما معهم، وبذلُ ما في أيديهم، ورجاؤهم رضوان الله، وهو نعم المولى ونعم النصير.’’ ووضح الأمر جليا قائلا ’’ ولتعلموا أيها الإخوان أن أعظم ما يواجهكم من تحدياتٍ هو محاولةُ إيهان عزائمكم، والتشكيك في صحة نهجكم، ونُبل رسالتكم؛ ليدفع بكم خصومُكم صوبَ اليأس المُقْعِد، أو الشك المفرِّق، أو الاندفاع المتهوِّر’’ .
ثوابت أم متغيرات
ميز الله دعوة الإخوان عن غيرها برؤية واضحة مكنتها من أن تتوحد الجماعة - قيادة وأفرادا - في التصورات والمفاهيم ، وبالحسم في المواقف الصعبة ، واختيار منهج التغيير الأصوب القائم على منهاج النبوة ، وإدراك الفرق ما بين الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ، فالفرق واضح بين الديني الثابت والثقافي المتغير، وبين ثوابت الحركة ومتغيرات السياسة ، إنها ثوابت العمل في دعوتنا والتي من خلالها تتبين لنا بعض قواعدنا التنظيمية :
· مَن يُخَطئ مَن ؟ ومَن يُحاسِب مَن ؟ وهل للفرد أن يخطئ الجماعة أم العكس ؟
· الفرق بين النصيحة ووعدم السكوت عن الخطأ والنقد البناء في مكانه الصحيح وبين فرض الرأي ، وأين تكون النصيحة ومتى وهل هي ملزمة .
· آليات اتخاذ القرار ما بين دوائر الشورى ودوائر اتخاذ القرار ، و الفرق بين الشورى والاستشارة ، وبين الشورى المنظمة الملزمة والاستشارة العفوية ، وبين مرحلة الشورى ومرحلة التنفيذ ، والاتزان بين الشورى الملزمة والقرار الملزم ، وسلوك الأقلية حيال القرارالملزم .
نصرة أم حراسة
إنما يقاس صدق الانتماء والولاء لهذه الدعوة المباركة في نفس الأخ الصادق بمدى قيامه بالمهمة المطلوبة منه تجاه دعوته في كافة الأحوال وتحت أي ظروف ، والبقاء على ذلك ثابتا محتسبا ، والمتمثلة في :
1. نصرة الدعوة : من خلال نشرها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها ، فإنما تنجح الفكرة ’’ إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها ’’
2. حراسة الفكرة : في أفكارها وبنودها ، أصولها وثوابتها ، أركانها ودعائمها ، خصائصها ومميزاتها ، من أن تصاب بأي اختراق فكري ، وهذه الحراسة تتطلب مقومات أربع ’’ إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً ’’
لحظة صدق
هي لحظة صفاء نفس ، نتذاكر فيها أهم ما يربطنا بهذه الدعوة المباركة وهذه الجماعة الخالدة ، و هي وقفة صادقة مع النفس نجدد فيها العهد مع الله ومع دعوتنا وجماعتنا :
· أن نبقي على ثقتنا في الجماعة ، فهي حصن الأمان لنا جميعا ، وهي سر بقاء الدعوة رغم ما تعرضت له من شبهات واتهامات والقيل والقال عبر تاريخها .
· أن نحافظ على عوامل القوة داخل الجماعة والتي تتمثل في : وحدتنا الفكرية والعضوية والتنظيمية – ترابط صفنا القائم على الأخوة تؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر ، وتؤثرهم بمعاملتك دائما – قبولنا للرأي الآخر داخلنا – تناصحنا – عدم السكوت على الخطأ – الجهر بالوعظ ولكن في مسكنه الطبيعي
· أن نعمل على نشر دعوتنا في كل مكان وأن نحيط القيادة علما بكل ظروفنا ولا نقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن ، وأن نكون دائمي الاتصال الروحي و العملي بها ، وأن نعتبر أنفسنا دائما جنودا في الثكنة تنتظر الأوامر، أن نتخلى عن صلتنا بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتنا وخاصة إذا أمرما بذلك .
مسك الختام
قالها لنا إمامنا الشهيد ’’ أيها الأخ الصادق : هذه مجمل لدعوتك ، وبيان موجز لفكرتك ، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات:(الله غايتنا و الرسول قدوتنا و القرآن شرعتنا و الجهاد سبيلنا و الشهادة أمنيتنا) ، و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى : (البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق ) فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم ، وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى و العابثين .
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك ، كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة ، وأنت منا ونحن منك ، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك ، وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر ، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب ، فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق ’’ .
ينابيع تربوية
تجمع أم جماعة
بين نصرة الدعوة وحراسة الفكرة
تمت الإضافة بتاريخ : 19/03/2009م
الموافق : 23/03/1430 هـ
صدق الإنتماء
’’ إنه لا إسلام بلا جماعة ، ولا جماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة ’’ حقيقة خالدة أعلنها مدوية الفاروق عمر رضي الله عنه قبل ألف وأربعمائة عام ، قرر من خلالها أن قيام الإسلام لا يتحقق إلا من خلال جماعة تحمله وتنادي به وتدافع عنه وتجاهد في سبيله ، وهي مقولة يثبت الفاروق من خلالها بما لا يدع مجالا للشك أن الفارق كبير بين (التجمع ) و ( الجماعة )، فالفرق شاسع بين الاثنين ، التجمع يقوم وينفض ، تحكمه الآراء الشخصية والأهواء والرغبات ، ولا نظام يحكمه ولا قواعد تضبط حركته ، لكل شخص فيه رأيه المستقل وشخصيته المستقلة ، أما الجماعة فلها نظام ومنهج حياة وخطة استراتيجية وأهداف تكتيكية ، ولها نظام إداري وسلم تنظيمي ، واتصالات هرمية ، والجماعة لها لوائح وقوانين وبرامج وآليات عمل ، تذكرت هذه الكلمات بمعانيها ودلالاتها التربوية ، وأنا أتابع ما يقال وما يكتب هنا وهناك ، من هذا وذاك حول برنامج حزب الإخوان المسلمين ، وما تبع ذلك من تصريحات ، وهذه المواقف والأحداث وغيرها من أقوى وسائل التربية عند الإخوان ، فإن التربية بالمواقف هي العاصم من القواصم ، فهي تثبت قلب الواعي ، وتصحح الدرب للمضطرب ، وتقيم الحجة على المشكك .
شهوات أم شبهات
لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من ثنائية العداء الأبدي لمخططات أعداء الإسلام ، فالتاريخ حافل بمؤمراتهم ، إما بمحاولة الإفساد بالشهوات تارة و بإثارة الشبهات تارة أخرى ، ونتيجة لذلك لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من المشككين والمثبطين والمذبذبين للصف المسلم من داخله ، وجاءت الحقيقة القرآنية تؤكد ذلك ’’ وفيكم سماعون لهم ’’ لتحذر الصف من الاستجابة لمخططات الأعداء ، بل وقد يصل الأمر إلى الوقوع في المحظور ’’ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ’’ وقد يتطور الأمر إلى نسيان الغاية ’’ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ’’ ، وقد أدرك الإمام البنا تلك الحقيقة فقال ’’ كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا ’’ ، ويلفت أنظار الإخوان إلى خطورة الأمر وعواقبه الوخيمة ، وينبه إلى أهمية مراقبة الصف وتنقيته من الضعاف فيقول ’’ وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضى فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق ’’ .
عواطف أم عقول
’’ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ’’ كلمات خالدة وجهها الإمام البنا رحمه الله لإخوانه ضابطا للصف المسلم من أن ينحرف في الفهم أو الفكر أو السلوك ، ومحققا لركيزة التوازن والاعتدال في منهجية التفكير الإخواني ، وحاميا للصف من أن تتلاعب به العواطف الجياشة المتحمسة أو العقول الناظرة المتفلسفة ، فلا تغليب للعقول على حساب العواطف ، ولا تلاعب بالمشاعر على حساب الأفكار ، بل إنها النظرة الموضوعية المتوازنة المعتدلة الراشدة من القائد المؤسس رحمه الله .
أهواء أم أصول
’’ إ ياكم وكل هوى يسمى بغير الإسلام ’’ إشارة تحذير وجهها ميمون بن مهران رضي الله عنه ، لكل من تتجاذبه حلاوة الأهواء وعذوبة الآراء ، ونجد حادي الركب يذكرنا بهذا الخصوص ، لماذا كتب الإمام البنا الأصول العشرين ؟ ولمن كتبها ؟ وهل كانت من الأهمية بمكان حتى يجعلها أول ركن من أركان البيعة ؟
وتأتي إجابة الناصح الأمين ، لقد كانت الأصول العشرون وما زالت هي السياج الواقي للجماعة وأفرادها من الانحراف ، و السد المنيع أمام التأويلات الخاطئة في فهم الإسلام ، والحامي للصف من اتباع الظن وما تهوى الأنفس ، والضابط لكل حركات وأفعال وأقوال الإخوان هنا وهناك ، ولقد كتب الإمام البنا هذه الأصول من أجل وحدة الفكر والحركة والمنهج التربوي للجماعة وسط العواصف ، ولعدم بروز مدارس فكرية أو جماعات دخيلة وسط الجماعة ، ولعدم السماح بفكر دخيل أو فكرة مناهضة بسبب عاطفة جياشة أو تساهل مغرض أن تخترق الصف ، ولتحفظ للجماعة خطها التربوي والدعوي الأصيل وتنفي عنها خبثها ومحاولات الالتفاف عليها ، ولتكون في النهاية مرجعيتنا عند الاختلاف أو بروز صورة للانحراف ، فهي المعينة على سلامة العمل ، وعلى حسن التطبيق ، والتي تقي الجماعة وأفرادها من العثرات
وجهاء أم مغمورون
عبر تاريخ الدعوة كله ، لم يقع شق بالصف أو انحراف عن الغاية والوجهة بفضل الصوت العالي ، ولم يحدث أن كانت الصولة والجولة والريادة في الجماعة لأصحاب الرونق الإعلامي ، بل كانت الريادة لمن سبق وصدق ، وتحقق لهم وبهم وفيهم صدق الولاء والانتماء لهذه الدعوة المباركة ، فرجال هذه الدعوة ورجال هذه المرحلة وكل مرحلة هم الإخوان الصادقون من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أويموتوا في سبيلها ، وإلى هؤلاء الإخوان وجه فضيلة المرشد العام مهدي عاكف كلمة في رسالته الأخيرة ’’ ومن يرَ في السير على درب الدعوة وجاهةَ الساسة وأضواءَ النجوم؛ فقد خسر كلَّ الخَسَارة؛ إذ إن أصحاب الدعوات ليس عندهم من جزاء إلا ثواب الله إن أخلص رفيقهم، والجنة إن علم الله فيه خيرًا، وهم كذلك مغمورون جاهًا، فقراء مالاً، شأنُهم التضحيةُ بما معهم، وبذلُ ما في أيديهم، ورجاؤهم رضوان الله، وهو نعم المولى ونعم النصير.’’ ووضح الأمر جليا قائلا ’’ ولتعلموا أيها الإخوان أن أعظم ما يواجهكم من تحدياتٍ هو محاولةُ إيهان عزائمكم، والتشكيك في صحة نهجكم، ونُبل رسالتكم؛ ليدفع بكم خصومُكم صوبَ اليأس المُقْعِد، أو الشك المفرِّق، أو الاندفاع المتهوِّر’’ .
ثوابت أم متغيرات
ميز الله دعوة الإخوان عن غيرها برؤية واضحة مكنتها من أن تتوحد الجماعة - قيادة وأفرادا - في التصورات والمفاهيم ، وبالحسم في المواقف الصعبة ، واختيار منهج التغيير الأصوب القائم على منهاج النبوة ، وإدراك الفرق ما بين الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ، فالفرق واضح بين الديني الثابت والثقافي المتغير، وبين ثوابت الحركة ومتغيرات السياسة ، إنها ثوابت العمل في دعوتنا والتي من خلالها تتبين لنا بعض قواعدنا التنظيمية :
· مَن يُخَطئ مَن ؟ ومَن يُحاسِب مَن ؟ وهل للفرد أن يخطئ الجماعة أم العكس ؟
· الفرق بين النصيحة ووعدم السكوت عن الخطأ والنقد البناء في مكانه الصحيح وبين فرض الرأي ، وأين تكون النصيحة ومتى وهل هي ملزمة .
· آليات اتخاذ القرار ما بين دوائر الشورى ودوائر اتخاذ القرار ، و الفرق بين الشورى والاستشارة ، وبين الشورى المنظمة الملزمة والاستشارة العفوية ، وبين مرحلة الشورى ومرحلة التنفيذ ، والاتزان بين الشورى الملزمة والقرار الملزم ، وسلوك الأقلية حيال القرارالملزم .
نصرة أم حراسة
إنما يقاس صدق الانتماء والولاء لهذه الدعوة المباركة في نفس الأخ الصادق بمدى قيامه بالمهمة المطلوبة منه تجاه دعوته في كافة الأحوال وتحت أي ظروف ، والبقاء على ذلك ثابتا محتسبا ، والمتمثلة في :
1. نصرة الدعوة : من خلال نشرها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها ، فإنما تنجح الفكرة ’’ إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها ’’
2. حراسة الفكرة : في أفكارها وبنودها ، أصولها وثوابتها ، أركانها ودعائمها ، خصائصها ومميزاتها ، من أن تصاب بأي اختراق فكري ، وهذه الحراسة تتطلب مقومات أربع ’’ إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً ’’
لحظة صدق
هي لحظة صفاء نفس ، نتذاكر فيها أهم ما يربطنا بهذه الدعوة المباركة وهذه الجماعة الخالدة ، و هي وقفة صادقة مع النفس نجدد فيها العهد مع الله ومع دعوتنا وجماعتنا :
· أن نبقي على ثقتنا في الجماعة ، فهي حصن الأمان لنا جميعا ، وهي سر بقاء الدعوة رغم ما تعرضت له من شبهات واتهامات والقيل والقال عبر تاريخها .
· أن نحافظ على عوامل القوة داخل الجماعة والتي تتمثل في : وحدتنا الفكرية والعضوية والتنظيمية – ترابط صفنا القائم على الأخوة تؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر ، وتؤثرهم بمعاملتك دائما – قبولنا للرأي الآخر داخلنا – تناصحنا – عدم السكوت على الخطأ – الجهر بالوعظ ولكن في مسكنه الطبيعي
· أن نعمل على نشر دعوتنا في كل مكان وأن نحيط القيادة علما بكل ظروفنا ولا نقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن ، وأن نكون دائمي الاتصال الروحي و العملي بها ، وأن نعتبر أنفسنا دائما جنودا في الثكنة تنتظر الأوامر، أن نتخلى عن صلتنا بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتنا وخاصة إذا أمرما بذلك .
مسك الختام
قالها لنا إمامنا الشهيد ’’ أيها الأخ الصادق : هذه مجمل لدعوتك ، وبيان موجز لفكرتك ، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات:(الله غايتنا و الرسول قدوتنا و القرآن شرعتنا و الجهاد سبيلنا و الشهادة أمنيتنا) ، و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى : (البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق ) فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم ، وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى و العابثين .
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك ، كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة ، وأنت منا ونحن منك ، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك ، وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر ، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب ، فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق ’’ .
ينابيع تربوية