نشرت وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة اتفاقية مؤتمر «كوب 28»، التي تضمنت مجموعةً من الخيارات لمستقبل استخدام الوقود الأحفوري والفحم، وهي القضية الأكثر إثارةً للجدل، إذ تراوحت الخيارات من التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع أفضل العلوم المتاحة، وصولاً إلى عدم إدراج أي شيء بشأن استخدام الوقود الأحفوري في المستقبل، إذ إن العالم بحاجة إلى التركيز على التخلص التدريجي من الفحم والوقود الأحفوري، لأن التقنيات قد تتحسن في المستقبل وتزيل جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري وتجعله نظيفاً مثل أي نوع آخر من الوقود.
مع دخول المفاوضات في «كوب 28» مراحل متقدمة، ازداد التباين بين الدول حول الموقف من الوقود الأحفوري، بينما تضغط دول متقدمة من أجل تبني موقف تجاه التخلص من الوقود، تبدو جبهة أخرى تقاوم هذا الاتجاه، وتدفع نحو موقف يعتمد على معالجة الوقود الأحفوري والانبعاثات الناجمة عنه، والاتجاه الأخير تقوده دول أعضاء في منظمة «أوبك»، وتوافق عليه دول ذات اقتصادات نامية أو صغيرة، وتشير هذه الدول إلى أن موقفها لا ينبع من معارضة أجندات حماية البيئة والمناخ، بل من كون التخلص من الوقود الأحفوري ستسفر عنه مشكلة اقتصادية كبرى لا يمكن تحملها، وأن هذا الموقف لا علاقة له بمصالح منتجي النفط وحدهم، بل بمصالح الدول الأخرى أيضاً.
إن قمة «كوب 28» شخّصت أساليب واقعية لخفض الانبعاثات التي تحتاج إلى إشراك جميع الطاقات والتقنيات، ويجب أن يكون هذا النهج الذي يشمل جميع أنواع الطاقة وجميع الأشخاص وجميع التقنيات ملتزماً بمبادئ العدالة والمسؤوليات المتباينة، كما أن هناك حاجة إلى أساليب واقعية لمعالجة الانبعاثات، ونهج يمكن به تحقيق النمو الاقتصادي ويساعد في القضاء على الفقر، ويزيد القدرة على الصمود في الوقت نفسه، إذ لا يوجد حل أو مسار وحيد لتحقيق مستقبل الطاقة المستدامة، بل هناك مسارات مختلفة.
يرغب العالم في التوصل لاتفاق لوضع العالم على المسار الصحيح نحو الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية، وضرورة إحداث نقلة نوعية في العمل المناخي، فالعالم وسكانه بحاجة لتحقيق نتائج فعلية للحفاظ على إمكانية تحقيق هذا الهدف، ولكن إنجاز هذه المهمة التاريخية يتطلب منا أن نعمل كفريق واحد، ومعالجة مسألة خفض الانبعاثات، وفي الوقت نفسه توسيع نطاق التقنيات المنخفضة الانبعاثات.
إن «كوب 28» يظهر أن التعددية تظل أفضل أمل في مواجهة التحديات العالمية، وإن أعلى طموح مناخي يعني مزيداً من الوظائف، واقتصادات أقوى، ونمواً اقتصادياً أقوى، وتلوثاً أقل، وصحة أفضل، وإن مزيداً من المرونة يسهم في حماية الناس في كل دولة من تداعيات تغير المناخ، حيث طاقة آمنة وبأسعار معقولة وآمنة للجميع، من خلال ثورة الطاقة المتجددة، التي لا تترك أي دولة أو مجتمع وراءها.
وضرورة الانتقال إلى منظومة طاقة خالية من مصادر الوقود الأحفوري الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، لتمكين العالم من تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، ورفع سقف التوقّعات بشأن الجولة التالية من المساهمات المحدّدة وطنياً على مستوى العالم، من خلال تشجيع الأطراف على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى مواصلة بناء الزخم لإصلاح هيكل التمويل المناخي، إذ إن معالجة التحديات تتم بالتوافق مع المصالح الوطنية، والاتفاق الحالي أعاد اتفاق باريس للواجهة مجدداً، حيث إن المستهدف هو خفض الانبعاثات، وللدول حق اختيار المنهجية المناسبة، وإعطاء كل دولة الحق باختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، حيث إن تحول الطاقة يمكّن من الموازنة بين خفض الانبعاثات وبين النشاط النفطي، والبرامج يجب أن تعمل على خفض البصمة الكربونية لمنتجات كل دولة، إذ إن بيان «كوب 28» لم ينص على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري، بل عملية تحوّل.
من الجدير بالإشارة، هناك خيارات يمكن أن تستخدمها الدول لخفض الانبعاثات، وتشمل خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 أو قبله، وزيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، والتخلص التدريجي السريع من الفحم الذي يُنتَج ويُستخدَم دون الاستعانة بتقنيات تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتوسيع التقنيات بما يشمل تلك الخاصة بالتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وقد دعا الاتفاق الأطراف إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من كل مصادر الوقود الأحفوري، الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي، والتشجيع على تقديم مساهمات محددة وطنياً، تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، كما يستهدف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030.
في الختام، إن مناقشة إشكالية الوقود الأحفوري بين التنمية والتلوث، بين طرفين، الأول يعتمد على إيرادات الوقود الأحفوري لأغراض تمويل التنمية من خلال العوائد المالية، والطرف الثاني يشكو من التلوث جراء الاستخدام الواسع للوقود الأحفوري في التنمية، ونرى ضرورة الموازنة بين الدول المنتجة والمستهلكة للوقود الأحفوري والدول التي تقع بينهما، للتخلص من أضرار الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه الاستفادة من العوائد النفطية للتنمية الاقتصادية، وضرورة البحث عن بدائل آمنة ونظيفة.
*نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط