قرر عديد من شركات الشحن العالمية تجنب الملاحة في البحر الأحمر، إثر تصاعد التوترات الجيوسياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ويعني ذلك أن الناقلات وسفن الشحن تضطر إلى الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من استخدام قناة السويس بوصفها طريقاً مختصرة بين مناطق الشرق الأقصى والموانئ الأوروبية، وتضيف رحلة الالتفاف حول قارة أفريقيا بأكملها أكثر من 7 أيام للمدة المعتادة، للإبحار بين شرق آسيا وأوروبا، مقارنةً بالمرور عبر قناة السويس التي يمر منها 12 في المائة من حركة الشحن العالمية.
وقد انضم مزيد من شركات الشحن العالمية إلى خطوة الإقدام على تجنُّب المسار البحري في البحر الأحمر، نتيجة الهجمات التي تعرضت لها السفن التجارية، بينما تعرضت أخرى لرسوم إضافية نتيجة تغيير المسار، إذ إنهما ستتجنبان البحر الأحمر نتيجة الهجمات التي تسببت في إرباك حركة التجارة العالمية، واستدعت تشكيل قوة عمل بحرية، كما تسببت الهجمات في تقييد مرور السفن عبر قناة السويس.
تتمثل الأهمية الكبرى لقناة السويس في نقل البضائع بين آسيا وأوروبا، إذ حذّر خبراء شحن عالميون من أن الارتباك قد يعمّ صداه أنحاء العالم ما لم تتوفر السفن والحاويات والمعدات الأخرى اللازمة لتغيير مسار البضائع في المسارات والموانئ البديلة، ويظل الموقف غير مستقر، ربما تتغير الأمور بسرعة، وذلك هو سبب ضرورة وجود خطط طارئة تشمل خططاً لإبقاء سلاسل الإمداد في حالة حركة.
وقالت بعض شركات النقل البحري إنها ستفرض رسوماً إضافية على نقل الحاويات من آسيا، بعد قرارها تغيير مسار السفن بعيداً عن قناة السويس، والقيام بالرحلة الأطول حول أفريقيا، إذ إن سفنها ستتجنب جنوب البحر الأحمر وخليج عدن بسبب الهجمات المتعددة في المنطقة، وستُبحر، بدلاً من ذلك، حول رأس الرجاء الصالح، وأكدت شركات النقل أيضاً أن الطرق في أجزاء أخرى من شبكتها ستتأثر بتعطيل قناة السويس، مما سيؤدي إلى فرض رسوم إضافية طارئة على مجموعة واسعة من الرحلات، إذ أوصت شركات الشحن البحري بتغيير مسارات سفنها لتتجنَّب المرور في البحر الأحمر، من أجل ضمان سلامة السفن وطواقمها.
إن الملاحة البحرية في البحر الأحمر مقلقة وليست على ما يرام، إذ إن الهجمات على السفن عند مضيق باب المندب، مما دفع شركات شحن عملاقة إلى تعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر، من أجل ذلك يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين اتخاذ قرار وإعطاء أمر، لإيقاف هذه الحوادث والهجمات على السفن في البحر الأحمر، إذ تجهّز أميركا تحالفاً دولياً، وتُجري محادثات مع دول أخرى لتشكيل قوة عمل في أعقاب سلسلة من الهجمات التي نفّذها الحوثيون على سفن تجارية خلال الأسابيع الماضية.
وكانت المناقشات حول الأمن البحري قد رفعت من وتيرة القلق في المنطقة، وتصدرت قائمة الأولويات الأميركية بعد هذه الهجمات لتعطيل الملاحة البحرية التي تمر عبرها ملايين براميل النفط يومياً، وتركزت تلك المناقشات على إمكانية مرافقة السفن العاملة في البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب إلى خليج عدن، القناة الضيقة التي تفصل بين اليمن والقرن الأفريقي. يُظهر عام 2024 أن النمو الاقتصادي لا يولّد السلام دائماً، إذ إن الحرب في أوكرانيا، وخطر حدوث صراع بين القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي، وانفجار العنف في فلسطين وإسرائيل، إضافةً إلى أزمة الملاحة في البحر الأحمر... إن مثل هذه المتغيرات المهمة قد تغيّر شكل العالم.
وأوقفت شركات الشحن العملاقة مؤقتاً، إرسال السفن عبر مضيق باب المندب، بسبب الهجمات على سفنها، وأعلنت أميركا إطلاق عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران الذين يطلقون طائرات مسيَّرة وصواريخ على السفن الدولية، إذ إن المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات المعلن عنها مسبقاً «حارس الازدهار»، قد تأسست ونُشرت للسماح للتجارة البحرية بالمرور عبر البحر الأحمر، والعودة مرة أخرى لاستخدام قناة السويس بوابةً بين آسيا وأوروبا.
إن ازدياد التوترات في منطقة البحر الأحمر وتحويل عبور السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، من شأنه أن يُسهم في زيادة تكاليف الشحن والتأمين، وهو ما يؤدي بشكل قاطع إلى حدوث موجة تضخمية عالمية، خصوصاً أن البحر الأحمر يستحوذ على 30 في المائة من الحاويات، وهناك 4 شركات عالمية أوقفت عملياتها فيه، في ظل ازدياد المخاوف بشأن اتساع رقعة الصراع الجيوسياسي، وهو ما يخلق معطيات بإمكانية حدوث ارتفاع في أسعار النفط الفترة المقبلة، بالتزامن مع خفض روسيا صادراتها منه.
وفي الختام، إن التهديدات الأمنية في البحر الأحمر قد تؤدي إلى تضاعف تكلفة التأمين على السفن خلال الأسابيع القليلة القادمة، وتزداد المخاوف مع عودة أسعار الشحن العالمية إلى الارتفاع مجدداً عقب خفض قناة بنما أعداد السفن المارة في المجرى الملاحي الواصل بين المحيطين الهادئ والأطلسي، علماً بأن 6 في المائة من التجارة العالمية تعبر قناة بنما، بما في ذلك أميركا إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والعكس، وإنّ تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر، سوف تؤثر في أوروبا بدرجة أكبر من أميركا، نظراً لانعزال الأخيرة نسبياً وكونها أكثر اكتفاءً من أوروبا، وتُنتج ما تحتاج إليه من الطاقة، لكنْ إذا استمرت هذه الأزمة لفترة طويلة، فقد تتأثر أميركا، وسوف يكون لها أثر الارتباطات الأمامية والخلفية على عدد من الأمور الأخرى، وستنعكس على الآثار الاقتصادية للملاحة في البحر الأحمر سلبياً.
*نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط