ذكر ابن سعد في الطبقات أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ قال: “لَا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ”, فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ, أَوَأَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَيَقُولُ: “إِنِّي أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ “.
لم يكن غريبًا على الغرب الأمريكي والأوروبي أن يدعم الكيان الصهيوني ويؤيده في العدوان الغاشم على غزة، والذي يأتي على أخضرها ويابسها، فهم بالأساس الذين أوجدوا هذا الكيان اللقيط في جسد أمتنا، ولا يزالون يتعهدونه بالرعاية والدعم على حساب دمائنا وأرضنا.
لكن ما يثير الدهشة حقًا، أن يكون من هذه الأمة ذاتها، من يتنكر للقضية الفلسطينية ومأساة غزة، ويدير لها ظهره، والأكثر بشاعة منه، أولئك الذين يعينون على دماء إخواننا في غزة وسائر فلسطين، بذكر مساوئهم، أو التنقص منهم، أو تحميلهم المسؤولية عن دماء الشهداء الأبرياء.
يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يستدعون الفرية الصهيونية التي تقول إن الفلسطينيين هم من باعوا أراضيهم لليهود، دون التدقيق في صفحات التاريخ التي تبرئ ساحة الفلسطينيين من هذا الاتهام، حيث إن حجم الأراضي التي تملكها اليهود إلى وقت انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين لم يتعد 7% من الأراضي، وسبعة أثمان هذه النسبة كان معظمها من العطايا البريطانية للصهاينة وبعضها بيعت لهم من قبل بعض العرب الذين كانوا يتملكون هذه الأراضي، إذن لم يبع الفلسطينيون غير الثُمن من نسبة 7% منها.
يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يقولون إن هذه الأحداث شأن داخلي فلسطيني لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وهؤلاء ضربوا بكل الرايات التي يمكن الانضواء تحتها عرض الحائط، فلا هم رفعوا راية الإسلام الذي يفرض عليهم النصرة برابطة الدين التي هي أقوى الأواصر، ولا هم رفعوا راية العروبة ووحدة اللغة والقومية والأرض والتاريخ، ولا هم حتى رفعوا شعارات القيم الإنسانية.
هؤلاء غردوا خارج السرب، وتكشفت سوءاتهم أمام العالمين، وجهلوا حكمة الثور الأبيض، وأن الجميع منا مستهدفون، وإن هي إلا مسألة وقت وأولويات لدى الأعداء.
يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يبررون تخاذلهم بأن الفلسطينيين أساءوا إلى دولهم أو حكامها، وبناء على ذلك لا يستحقون الدعم ولا التعاطف، وتبا لهذا المنطق البشع، هل الدماء والأشلاء المتناثرة في غزة تستحق أن تُدرج في هذه المعادلة؟ أهذا وقت تصفية الحسابات؟ هل يكون الرد على رأي جارح بترك الأشقاء بين تروس الحرب الضارية؟!
يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يقومون بشيطنة المقاومة، ويصفون دفعها للعدو الصائل الجائر المغتصب بالإرهاب، ويلقون باللائمة عليها، وحجتهم في ذلك أن المقاومة من بدأت القصف في السابع من أكتوبر، غافلين أو متغافلين عن حقيقة أن المقاومة أطلقت عملية طوفان الأقصى بعد وصول محاولات تهويد الأقصى إلى ذروتها، غافلين متغافلين عن حقيقة أن العدوان وقع على الفلسطينيين منذ القرن الماضي عندما اغتصب الصهاينة أرض فلسطين، غافلين أو متغافلين عن حقيقة أن مشروعية الدفاع عن الأرض ضد المحتل في أي وقت هو أمر تكفله كل شرائع السماء ودساتير الأرض.
وهم مدفوعون إلى ذلك بعدائهم لجماعة الإخوان المسلمين، رغم أن ما يربط حماس بتلك الجماعة هي الجذور الفكرية والمنهجية، وليس لها مع الإخوان رابط تنظيمي، وهو ما أعلنته حركة حماس، والتي تتخذ خيارا استراتيجيا بعدم التحرك العسكري خارج نطاق القضية الفلسطينية.
هل هذا وقت تصفية الحسابات؟ ولماذا يغضون أبصارهم عن كون المقاومة تنوب عن كل فلسطين في الدفاع عن أرضهم؟ بل تنوب عن الأمة بأسرها فيما أوجبه الله عليها من دفع العدوان الغاشم على أراضي المسلمين.
وإنهم بذلك المسلك يدعمون الرواية الصهيونية بأن الجيش الإسرائيلي لا يقاتل الفلسطينيين، ولكنه يقاتل جماعة إرهابية، رغم كل ما ألحقه الاحتلال بالمدنيين العزّل من دمار.
خير لهؤلاء أن يقولوا خيرا أو ليصمتوا، إن لم يدعموا القضية فلا أقل من أن يكفوا عنها ألسنتهم، ولا يعينوا على دماء الفلسطينيين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.