بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن أمتنا الإسلامية هي أمة العزة و الكرامة و الانتصارات، منذ غزوة بدر الكبرى إلى الآن، و جعل الله تعالى للنصر على أعداء الإسلام أسباباً، تحدثت عنها بإيجاز في هذه الرسالة .
أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
إن انتصار أمتنا الإسلامية على أعدائها يتطلب أموراً ، يمكن أن نوجزها في الآتي :
(1) توحيد الله تعالى الخالص :
قال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية -وهو المقوقس -وملوك عُمان والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة، رحمه الله وأكرمه.ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فَلَمّ شَعَث ما وَهَى عند موته صلى الله عليه وسلم ,ومهد جزيرة العرب ، وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد، رضي الله عنه، ففتحوا طرفا منها، وقتلوا خلقا من أهلها. وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة، رضي الله عنه، ومن معه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص، رضي الله عنه، إلى بلاد مصر، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بُصرى ودمشق ومَخَاليفهما من بلاد حَوران وما والاها، وتوفاه الله عز وجل، واختار له ما عنده من الكرامة. ومَنّ على الإسلام وأهله بأن ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق، فقام في الأمر بعده قياما تاما، لم يَدُر الفلك بعد الأنبياء [عليهم السلام] على مثله، في قوة سيرته وكمال عدله. وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَّر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقَصَّر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام فانحاز إلى قسطنطينة، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم لما كانت الدولة العثمانية، امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك: الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سَبْتَةَ مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلية. وفتحت مدائن العراق، وخراسان، والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجُبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَال َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا . فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. (مسلم حديث 2889 )
(تفسير ابن كثير جـ 10صـ264:263)
(2) قتال أعداء الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا :
من أقوى أسباب النصر على أعداء المسلمين هو قتالهم لتكون كلمة الله هي العليا .
قال الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) ( الحج : 40 : 41 )
وقال سبحانه: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد : 7 : 9) ولا يكون القتال من أجل القومية أو العصبية أو من أجل الأرض , ولكن من أجل رفع كلمة التوحيد ,
وهذا يتطلب الإخلاص من المسلمين في قتالهم ضد أعداء الإسلام .
روى الشيخانِ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(البخاري حديث 2810 / مسلم حديث 1904 )
التحذير من الخروج إلى الجهاد طلباً للرياء :
قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:48:47)وهذه الآية تحكي قصة خروج كفار قريش في بدر، وذلك حين خرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض عير لقريش، فقام أبو سفيان باتخاذ طريق الساحل حتى لا يواجه المسلمين، فلما تم له ذلك أرسل إلى أهل مكة ألا يخرجوا؛ لأن العير قد سَلِمت من محمد، إلا أن أبا جهل بن هشام أبى ذلك، وقال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً وننحر الجزور ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان؛ حتى تعلم العرب بمسيرنا فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر.
وقد نهى الله عز وجل المسلمين أن يخرجوا مثل هذا الخروج، فقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (الأنفال:47) أي من أجل أن يرى الناس مكانهم في هذه الأرض ويهابوهم، فعلى المسلمين إذا خرجوا للجهاد في سبيل الله أن يكون خروجهم لهدف سامٍ ، فإن من أسباب النصر حُسْنُ القصد، فيجب أن يكون الخروج من أجل أن يكون الدين كله لله، ومن أجل الدفاع عن بلاد المسلمين ومقدساتهم، ومن أجل ألا يتسلط الكافرون على المؤمنين، وألا تطأ الأقدام الكفار أرض الإسلام ومقدسات المسلمين، ومن أجل أن ترتفع راية التوحيد، وهذا هو الهدف الذي من أجله يجب أن يجاهد المسلم ويقاتل؛ أما من كان خروجه في سبيل الوطن دون أن يكون قصده الدفاع عن بلاد المسلمين، أو كان خروجه من أجل الشهرة أو يُقالُ: إنه شجاع، فهذا رياء، وصاحبه من أهل النار ، إلا أن يتوب إلى الله توبة نصوحا قبل أن يموت .
فلابد من إصلاح القلب؛ ولابد من إصلاح النية، بحيث لا يخرج الإنسان بطراً ولا رياءً، وإنما يكون خروجه من أجل أن ترتفع راية الإسلام، وأن تنخفض راية الشرك والكفر والطغيان في الأرض.
أما لو خرج الجيش مغروراً بعدده الكبير؛ أو بكثرة أسلحته الحديث المتطورة ، ففي مثل هذه الحال يأتي الخطر، خصوصاً إذا صدر هذا الفعل عن أمة مسلمة تخرج مغرورة بقوتها أو بأسلحتها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (الأنفال:47).(والبطر)هو الكِبْرُ (ورئاء الناس) من أجل أن يرى الناس مكانهم في هذه الأرض كما قال أبو جهل بن هشام عليه لعنة الله! فينبغي لمن أراد الخروج للقتال أن يخرج خاضعاً لله عز وجل، يمد أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى، ويستكين لله سبحانه وتعالى، ويطلب النصر من عند الله تعالى وحده، دون أن يغتر بالقوة.
جيش المسلمين في غزوة حنين :
لقد كان عدد المسلمين يوم حنين اثني عشر ألفاً بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الغزوة بعد فتح مكة، ولم يسبق أن اجتمع مثل هذا الجيش في أي غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من كثرة هذا العدد وقلة العدو كانت المعركة في بدايتها لغير صالح المسلمين، وفر الناس ، وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم وحده مع طائفة قليلة.
وسبب ذلك: أن أحد المسلمين أخطأ، إذ نظر إلى الجيش الكبير المكون من اثني عشر ألف مقاتل فقال: لن نُغلب اليوم من قِلةٍ ، فحاقت الهزيمة بالمسلمين، وفر أكثر المسلمين من المعركة ، وما بقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس أن ينادي: يا أهل الشجرة! يا أهل بيعة الرضوان! فاجتمع المسلمون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ودارت المعركة مرة ثانية، ولنا أن نتصور الهزيمة التي كادت أن تنزل بجيش الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب كلمة، فلما عاد المسلمون إلى ربهم وعرفوا أنهم بحاجة إلى نصر الله تعالى، دارت المعركة مرة ثانية، وانتصر المسلمون، وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى هذا الموقف فقال سبحانه: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة26:25)
(3) الرغبة في ثواب الله تعالى يوم القيامة :
إن رغبة المسلم فيما عند الله تعالى من رضاه سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين , فيها ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , تدفعه إلى التضحية , وبذل قصارى جهده ضد أعداء الإسلام , ولذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث جنوده على قتال المشركين بترغيبهم فيما عند الله تعالى من النعيم المقيم .
روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: نَعَمْ .قَالَ: بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا. فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ . ( مسلم حديث 1901 )
(4) التوكل على الله والأخذ بالأسباب المشروعة :
قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) (الفرقان : 58)
وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق : 2)
وقال جل شأنه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران : 160)
وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) (الأحزاب : 3)
روى الترمذيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا (جائعة) وَتَرُوحُ بِطَانًا (شبعت من رزق الله تعالى) ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1911 )
ومن التوكل على الله تعالى الأخذ بالأسباب المشروعة للقاء أعداء المسلمين ومن ذلك إعداد السلاح المتاح وتنظيم الجيش وتدريبه على أحدث النظم العسكرية المتاحة في القتال .
قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) ( الأنفال : 60 )
روى الترمذيُّ عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ أَعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2044 )
انتصار المسلمين في غزوة بدر :
عندما نعقد مقارنة بين قوة جيش المسلمين وقوة المشركين في غزوة بدر، نجد أن عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً ، وكان مع المسلمين سبعون بعيراً يتعقبونها ، كل ثلاثة على بعير ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان من الصحابة يتعقبون بعيراً واحداً ، وكان مع المسلمين فرسان فقط أحدهما للزبير بن العوام والثاني للمقداد بن الأسود، وكان مع المسلمين ستون درعاً ، بينما كان للمشركين أكثر من سبعمائة بعير ، ومعهم مائتا فرس، وستمائة درع.
(البداية والنهاية لابن كثير جـ3 صـ259 : 260)
فإذا نظرنا إلى الأسباب المادية وجدنا تفوق المشركين ولكن يجب علينا أن نؤمن أننا لا نعتمد في حربنا مع أعداء الإسلام على كثرة العَدَد والأسلحة ولكننا نعتمد أولاً وأخيراً على قوة إيماننا بالله تعالى وحده وأنه هو الحافظ وحده لهذا الدين وإن كانت قوتنا المادية قليلة،
(5) حُسْنُ اختيار القيادة العسكرية :
إن من أسباب النصر على أعداء المسلمين حُسْن اختيار ولي أمر المسلمين لقادة الجيوش من ذي التقوى والصلاح والخبرة العسكرية بغض النظر عن السنن , لأن ذلك يؤدي إلى ثقة الجنود في قيادتهم , وطاعتهم , وتنفيذ خططهم العسكرية , ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يحرصون على اختيار قادة الجيوش .
إن التاريخ الإسلامي مملوء بالكثير من النماذج المشرقة من القادة العسكريين وخاصة الشباب منهم , فكان أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة عبد الله بن رواحة،وزَيْدٌ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وخالدٌ بنُ الوليد , وأرسل علي بن أبي طالب أميراً على سرية إلى اليمن , وأرسل أسامة بن زيد أميراً على جيش إلى الشام لملاقاة الروم ,واختار الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص أميراًَ في غزوة ذات السلاسل وكان
من جنوده أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.( سيرة ابن هشام جـ4 صـ9 / 246 / 263 )
(6) مشاورة أهل الخبرة العسكرية :
إن استشارة ولي أمر المسلمين مع أهل الخبرة بالشئون العسكرية والوصول إلى الرأي الصواب , له أثرٌ كبيرق في تحقيق النصر على الأعداء , والشورى مبدأ إسلامي ووصية ربانية للنبي صلى الله عليه وسلم لجميع المسلمين .
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ( آل عمران : 159 )
وقال سبحانه : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى : 38)
قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم. ( تفسير القرطبي جـ16 صـ36 )
(7) الاجتماع على الحق وعدم الاختلاف :
إن اجتماع المسلمين على كلمة الحق , وعدم اختلافهم من أقوى أسباب انتصارهم على أعداء الإسلام .
قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ( آل عمران : 103 )
وقال سبحانه : (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ( الأنفال : 46 )
تحكيم القرآن والسُّنة بفهم سلفنا الصالح عند الاختلاف :
إن الاختلاف في الآراء أمر طبيعي يرجع إلى اختلاف أفهام الناس , ولذا أمرنا الله تعالى بتحكيم القرآن والسُّنة عند الاختلاف في أمر من الأمور: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ( النساء : 59 )
قال ابن كثير: هذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسُّنة، كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى:10) فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسُّنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر.
وقوله: ( ذَلِكَ خَيْرٌ ) أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير( وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) أي: وأحسن عاقبة ومآلا . ( تفسير ابن كثير جـ4صـ137)
(8) الثقة الكاملة بنصرة الله تعالى لعباده المؤمنين :
يجب على المسلمين أن يكونوا على ثقة بنصر الله تعالى وتأييده لهم ضد أعداء الإسلام .
قال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ( غافر : 51 : 52 )
وقال سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم : 47)
وقال جل شأنه : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ *وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) ( الصافات : 171 : 173 )
وقال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126) وقال تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة249)
وتتجلى نصرة الله لأهل الإيمان في غزوة بدر بنزول المطر عليهم وإلقاء النعاس عليهم وتثبيتهم عند القتال وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ونزول الملائكة وقتالهم في صف المسلمين .
والمؤمنون الموعودون بنصرة الله لهم هم الذين وصفهم الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (الأنفال : 2 : 4)
(9) الإكثار من الدعاء وذكر الله تعالى :
الدعاء سلوى المحزونين , ونجوى المتقين , ودأب المتقين , ودأب الصالحين , فإذا صدر عن قلب سليم ونفس صافية , وجوارح خاشعة , وجد إجابة كريمة من رب رحيم . حثنا الله تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم , وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة , على الإكثار من الدعاء .
قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة : 186)
وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل : 62)
وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر : 60)
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الأنفال : 45)
روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا .) ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 1323 )
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ). ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2766 )
أثر الدعاء في غزوة بدر :
قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ *) (الأنفال: 12:9)
الرسول يناشد ربه النصر :
في غزوة بدر عَدَّلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى العريش فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك . وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ . هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْع ُ(الغبار) . ( سيرة ابن هشام جـ2 صـ626 : صـ627 )
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى في غزواته ويطلب منه المدد والنصر .
روى الشيخانِ عن عَبْد اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ (أعداءه) فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ. ( البخاري حديث 3024 / مسلم حديث 1724)
(10) الحرص على طاعة الله تعالى واجتناب المعاصي :
إن طاعة الله تعالى , وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى أسباب انتصار المسلمين على أعدائهم .
إن المعاصي هي سبيل الشيطان لإهلاك الإنسان في الدنيا والآخرة فإذا اجتنب المسمون الذنوب والمعاصي فقد انتصروا على أنفسهم وعلى الشيطان, فكان من السهل عليهم الانتصار على أعدائهم بفضل الله تعالى , ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده يوصون جنودهم بتقوى الله تعالى في السر والعلانية .
وصية عمر بن الخطاب لجنوده :
كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد: أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل،لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. واسألوا اللهَ العونَ على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. أسألُ الله ذلك لنا ولكم.
(العِقد الفريد لابن عبد ربه جـ1 صـ92 )
(11) الصبر والثبات على الحق عند لقاء أعداء المسلمين :
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( الأنفال : 45 : 46 )
قال ابن كثير :
هذا تعليم الله عباده المؤمنين آداب اللقاء، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) .
وقال ابن كثير أيضاً :
أمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينون به ويتكلون عليه، ويسألونه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في حالهم ذلك. فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم. (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال، ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وقد كان للصحابة -رضي الله عنهم -في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه -ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عَدَدهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبُوش وأصناف السودان والقبْط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى عَلَتْ كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب. ( تفسير ابن كثير جـ7 صـ96 / صـ98 )
(12) عدم مخالفة الجنود لأوامر قيادتهم العسكرية :
إن إتباع الجنود وتنفيذهم للخطط العسكرية التي يضعها قادتهم من أسباب انتصارهم على أعداء الإسلام , وأما التهاون وإهمال أوامر قائد الجيش فيترتب عليه الهزيمة وما لا يحمد عقباه .
ويتضح ذلك جلياً في غزوة أحد حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة أن لا يغادروا أماكنهم مهما كانت الظروف حتى يرسل إليهم , وعندما تغلب المسلمون على المشركين في بداية الأمر وأخذوا في جمع الغنائم , ظن الرماة أن المعركة قد انتهت فتركوا أماكنهم مخالفين لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم , وأخذوا يشاركون باقي الجنود في جمع الغنائم , فانتهز المشركون هذه الفرصة , وانقلب ميزان المعركة لصالح المشركين .
( سيرة ابن هشام جـ3 صـ77 : صـ78)
أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
*نقلاً عن موقع مداد*
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن أمتنا الإسلامية هي أمة العزة و الكرامة و الانتصارات، منذ غزوة بدر الكبرى إلى الآن، و جعل الله تعالى للنصر على أعداء الإسلام أسباباً، تحدثت عنها بإيجاز في هذه الرسالة .
أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
إن انتصار أمتنا الإسلامية على أعدائها يتطلب أموراً ، يمكن أن نوجزها في الآتي :
(1) توحيد الله تعالى الخالص :
قال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية -وهو المقوقس -وملوك عُمان والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة، رحمه الله وأكرمه.ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فَلَمّ شَعَث ما وَهَى عند موته صلى الله عليه وسلم ,ومهد جزيرة العرب ، وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد، رضي الله عنه، ففتحوا طرفا منها، وقتلوا خلقا من أهلها. وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة، رضي الله عنه، ومن معه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص، رضي الله عنه، إلى بلاد مصر، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بُصرى ودمشق ومَخَاليفهما من بلاد حَوران وما والاها، وتوفاه الله عز وجل، واختار له ما عنده من الكرامة. ومَنّ على الإسلام وأهله بأن ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق، فقام في الأمر بعده قياما تاما، لم يَدُر الفلك بعد الأنبياء [عليهم السلام] على مثله، في قوة سيرته وكمال عدله. وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَّر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقَصَّر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام فانحاز إلى قسطنطينة، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم لما كانت الدولة العثمانية، امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك: الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سَبْتَةَ مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلية. وفتحت مدائن العراق، وخراسان، والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجُبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَال َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا . فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. (مسلم حديث 2889 )
(تفسير ابن كثير جـ 10صـ264:263)
(2) قتال أعداء الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا :
من أقوى أسباب النصر على أعداء المسلمين هو قتالهم لتكون كلمة الله هي العليا .
قال الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) ( الحج : 40 : 41 )
وقال سبحانه: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد : 7 : 9) ولا يكون القتال من أجل القومية أو العصبية أو من أجل الأرض , ولكن من أجل رفع كلمة التوحيد ,
وهذا يتطلب الإخلاص من المسلمين في قتالهم ضد أعداء الإسلام .
روى الشيخانِ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(البخاري حديث 2810 / مسلم حديث 1904 )
التحذير من الخروج إلى الجهاد طلباً للرياء :
قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:48:47)وهذه الآية تحكي قصة خروج كفار قريش في بدر، وذلك حين خرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض عير لقريش، فقام أبو سفيان باتخاذ طريق الساحل حتى لا يواجه المسلمين، فلما تم له ذلك أرسل إلى أهل مكة ألا يخرجوا؛ لأن العير قد سَلِمت من محمد، إلا أن أبا جهل بن هشام أبى ذلك، وقال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً وننحر الجزور ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان؛ حتى تعلم العرب بمسيرنا فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر.
وقد نهى الله عز وجل المسلمين أن يخرجوا مثل هذا الخروج، فقال: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (الأنفال:47) أي من أجل أن يرى الناس مكانهم في هذه الأرض ويهابوهم، فعلى المسلمين إذا خرجوا للجهاد في سبيل الله أن يكون خروجهم لهدف سامٍ ، فإن من أسباب النصر حُسْنُ القصد، فيجب أن يكون الخروج من أجل أن يكون الدين كله لله، ومن أجل الدفاع عن بلاد المسلمين ومقدساتهم، ومن أجل ألا يتسلط الكافرون على المؤمنين، وألا تطأ الأقدام الكفار أرض الإسلام ومقدسات المسلمين، ومن أجل أن ترتفع راية التوحيد، وهذا هو الهدف الذي من أجله يجب أن يجاهد المسلم ويقاتل؛ أما من كان خروجه في سبيل الوطن دون أن يكون قصده الدفاع عن بلاد المسلمين، أو كان خروجه من أجل الشهرة أو يُقالُ: إنه شجاع، فهذا رياء، وصاحبه من أهل النار ، إلا أن يتوب إلى الله توبة نصوحا قبل أن يموت .
فلابد من إصلاح القلب؛ ولابد من إصلاح النية، بحيث لا يخرج الإنسان بطراً ولا رياءً، وإنما يكون خروجه من أجل أن ترتفع راية الإسلام، وأن تنخفض راية الشرك والكفر والطغيان في الأرض.
أما لو خرج الجيش مغروراً بعدده الكبير؛ أو بكثرة أسلحته الحديث المتطورة ، ففي مثل هذه الحال يأتي الخطر، خصوصاً إذا صدر هذا الفعل عن أمة مسلمة تخرج مغرورة بقوتها أو بأسلحتها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (الأنفال:47).(والبطر)هو الكِبْرُ (ورئاء الناس) من أجل أن يرى الناس مكانهم في هذه الأرض كما قال أبو جهل بن هشام عليه لعنة الله! فينبغي لمن أراد الخروج للقتال أن يخرج خاضعاً لله عز وجل، يمد أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى، ويستكين لله سبحانه وتعالى، ويطلب النصر من عند الله تعالى وحده، دون أن يغتر بالقوة.
جيش المسلمين في غزوة حنين :
لقد كان عدد المسلمين يوم حنين اثني عشر ألفاً بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الغزوة بعد فتح مكة، ولم يسبق أن اجتمع مثل هذا الجيش في أي غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من كثرة هذا العدد وقلة العدو كانت المعركة في بدايتها لغير صالح المسلمين، وفر الناس ، وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم وحده مع طائفة قليلة.
وسبب ذلك: أن أحد المسلمين أخطأ، إذ نظر إلى الجيش الكبير المكون من اثني عشر ألف مقاتل فقال: لن نُغلب اليوم من قِلةٍ ، فحاقت الهزيمة بالمسلمين، وفر أكثر المسلمين من المعركة ، وما بقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس أن ينادي: يا أهل الشجرة! يا أهل بيعة الرضوان! فاجتمع المسلمون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ودارت المعركة مرة ثانية، ولنا أن نتصور الهزيمة التي كادت أن تنزل بجيش الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب كلمة، فلما عاد المسلمون إلى ربهم وعرفوا أنهم بحاجة إلى نصر الله تعالى، دارت المعركة مرة ثانية، وانتصر المسلمون، وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى هذا الموقف فقال سبحانه: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة26:25)
(3) الرغبة في ثواب الله تعالى يوم القيامة :
إن رغبة المسلم فيما عند الله تعالى من رضاه سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين , فيها ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , تدفعه إلى التضحية , وبذل قصارى جهده ضد أعداء الإسلام , ولذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث جنوده على قتال المشركين بترغيبهم فيما عند الله تعالى من النعيم المقيم .
روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: نَعَمْ .قَالَ: بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا. فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ . ( مسلم حديث 1901 )
(4) التوكل على الله والأخذ بالأسباب المشروعة :
قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) (الفرقان : 58)
وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق : 2)
وقال جل شأنه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران : 160)
وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) (الأحزاب : 3)
روى الترمذيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا (جائعة) وَتَرُوحُ بِطَانًا (شبعت من رزق الله تعالى) ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1911 )
ومن التوكل على الله تعالى الأخذ بالأسباب المشروعة للقاء أعداء المسلمين ومن ذلك إعداد السلاح المتاح وتنظيم الجيش وتدريبه على أحدث النظم العسكرية المتاحة في القتال .
قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) ( الأنفال : 60 )
روى الترمذيُّ عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ أَعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2044 )
انتصار المسلمين في غزوة بدر :
عندما نعقد مقارنة بين قوة جيش المسلمين وقوة المشركين في غزوة بدر، نجد أن عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً ، وكان مع المسلمين سبعون بعيراً يتعقبونها ، كل ثلاثة على بعير ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان من الصحابة يتعقبون بعيراً واحداً ، وكان مع المسلمين فرسان فقط أحدهما للزبير بن العوام والثاني للمقداد بن الأسود، وكان مع المسلمين ستون درعاً ، بينما كان للمشركين أكثر من سبعمائة بعير ، ومعهم مائتا فرس، وستمائة درع.
(البداية والنهاية لابن كثير جـ3 صـ259 : 260)
فإذا نظرنا إلى الأسباب المادية وجدنا تفوق المشركين ولكن يجب علينا أن نؤمن أننا لا نعتمد في حربنا مع أعداء الإسلام على كثرة العَدَد والأسلحة ولكننا نعتمد أولاً وأخيراً على قوة إيماننا بالله تعالى وحده وأنه هو الحافظ وحده لهذا الدين وإن كانت قوتنا المادية قليلة،
(5) حُسْنُ اختيار القيادة العسكرية :
إن من أسباب النصر على أعداء المسلمين حُسْن اختيار ولي أمر المسلمين لقادة الجيوش من ذي التقوى والصلاح والخبرة العسكرية بغض النظر عن السنن , لأن ذلك يؤدي إلى ثقة الجنود في قيادتهم , وطاعتهم , وتنفيذ خططهم العسكرية , ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يحرصون على اختيار قادة الجيوش .
إن التاريخ الإسلامي مملوء بالكثير من النماذج المشرقة من القادة العسكريين وخاصة الشباب منهم , فكان أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة عبد الله بن رواحة،وزَيْدٌ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وخالدٌ بنُ الوليد , وأرسل علي بن أبي طالب أميراً على سرية إلى اليمن , وأرسل أسامة بن زيد أميراً على جيش إلى الشام لملاقاة الروم ,واختار الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص أميراًَ في غزوة ذات السلاسل وكان
من جنوده أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.( سيرة ابن هشام جـ4 صـ9 / 246 / 263 )
(6) مشاورة أهل الخبرة العسكرية :
إن استشارة ولي أمر المسلمين مع أهل الخبرة بالشئون العسكرية والوصول إلى الرأي الصواب , له أثرٌ كبيرق في تحقيق النصر على الأعداء , والشورى مبدأ إسلامي ووصية ربانية للنبي صلى الله عليه وسلم لجميع المسلمين .
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ( آل عمران : 159 )
وقال سبحانه : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى : 38)
قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم. ( تفسير القرطبي جـ16 صـ36 )
(7) الاجتماع على الحق وعدم الاختلاف :
إن اجتماع المسلمين على كلمة الحق , وعدم اختلافهم من أقوى أسباب انتصارهم على أعداء الإسلام .
قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ( آل عمران : 103 )
وقال سبحانه : (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ( الأنفال : 46 )
تحكيم القرآن والسُّنة بفهم سلفنا الصالح عند الاختلاف :
إن الاختلاف في الآراء أمر طبيعي يرجع إلى اختلاف أفهام الناس , ولذا أمرنا الله تعالى بتحكيم القرآن والسُّنة عند الاختلاف في أمر من الأمور: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ( النساء : 59 )
قال ابن كثير: هذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسُّنة، كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى:10) فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسُّنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر.
وقوله: ( ذَلِكَ خَيْرٌ ) أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير( وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) أي: وأحسن عاقبة ومآلا . ( تفسير ابن كثير جـ4صـ137)
(8) الثقة الكاملة بنصرة الله تعالى لعباده المؤمنين :
يجب على المسلمين أن يكونوا على ثقة بنصر الله تعالى وتأييده لهم ضد أعداء الإسلام .
قال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ( غافر : 51 : 52 )
وقال سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم : 47)
وقال جل شأنه : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ *وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) ( الصافات : 171 : 173 )
وقال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126) وقال تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة249)
وتتجلى نصرة الله لأهل الإيمان في غزوة بدر بنزول المطر عليهم وإلقاء النعاس عليهم وتثبيتهم عند القتال وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ونزول الملائكة وقتالهم في صف المسلمين .
والمؤمنون الموعودون بنصرة الله لهم هم الذين وصفهم الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (الأنفال : 2 : 4)
(9) الإكثار من الدعاء وذكر الله تعالى :
الدعاء سلوى المحزونين , ونجوى المتقين , ودأب المتقين , ودأب الصالحين , فإذا صدر عن قلب سليم ونفس صافية , وجوارح خاشعة , وجد إجابة كريمة من رب رحيم . حثنا الله تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم , وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة , على الإكثار من الدعاء .
قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة : 186)
وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل : 62)
وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر : 60)
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الأنفال : 45)
روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا .) ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 1323 )
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ). ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2766 )
أثر الدعاء في غزوة بدر :
قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ *) (الأنفال: 12:9)
الرسول يناشد ربه النصر :
في غزوة بدر عَدَّلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى العريش فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك . وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ . هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْع ُ(الغبار) . ( سيرة ابن هشام جـ2 صـ626 : صـ627 )
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى في غزواته ويطلب منه المدد والنصر .
روى الشيخانِ عن عَبْد اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ (أعداءه) فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ. ( البخاري حديث 3024 / مسلم حديث 1724)
(10) الحرص على طاعة الله تعالى واجتناب المعاصي :
إن طاعة الله تعالى , وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى أسباب انتصار المسلمين على أعدائهم .
إن المعاصي هي سبيل الشيطان لإهلاك الإنسان في الدنيا والآخرة فإذا اجتنب المسمون الذنوب والمعاصي فقد انتصروا على أنفسهم وعلى الشيطان, فكان من السهل عليهم الانتصار على أعدائهم بفضل الله تعالى , ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده يوصون جنودهم بتقوى الله تعالى في السر والعلانية .
وصية عمر بن الخطاب لجنوده :
كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد: أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل،لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. واسألوا اللهَ العونَ على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. أسألُ الله ذلك لنا ولكم.
(العِقد الفريد لابن عبد ربه جـ1 صـ92 )
(11) الصبر والثبات على الحق عند لقاء أعداء المسلمين :
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( الأنفال : 45 : 46 )
قال ابن كثير :
هذا تعليم الله عباده المؤمنين آداب اللقاء، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) .
وقال ابن كثير أيضاً :
أمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينون به ويتكلون عليه، ويسألونه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في حالهم ذلك. فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم. (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال، ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وقد كان للصحابة -رضي الله عنهم -في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه -ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عَدَدهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبُوش وأصناف السودان والقبْط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى عَلَتْ كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب. ( تفسير ابن كثير جـ7 صـ96 / صـ98 )
(12) عدم مخالفة الجنود لأوامر قيادتهم العسكرية :
إن إتباع الجنود وتنفيذهم للخطط العسكرية التي يضعها قادتهم من أسباب انتصارهم على أعداء الإسلام , وأما التهاون وإهمال أوامر قائد الجيش فيترتب عليه الهزيمة وما لا يحمد عقباه .
ويتضح ذلك جلياً في غزوة أحد حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة أن لا يغادروا أماكنهم مهما كانت الظروف حتى يرسل إليهم , وعندما تغلب المسلمون على المشركين في بداية الأمر وأخذوا في جمع الغنائم , ظن الرماة أن المعركة قد انتهت فتركوا أماكنهم مخالفين لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم , وأخذوا يشاركون باقي الجنود في جمع الغنائم , فانتهز المشركون هذه الفرصة , وانقلب ميزان المعركة لصالح المشركين .
( سيرة ابن هشام جـ3 صـ77 : صـ78)
أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
*نقلاً عن موقع مداد*