سنوات من الحرب وإلى اليوم لم تقنع أعمال الحوثي الوحشية والتي على رأسها الانقلاب على الجمهورية الكثير من النخب أن الحوثي ردة فكرية إلى ما قبل القرون الوسطى !
صفحاتهم على الفيس بوك بريئة من تحية ود وتقدير لأبطال المقاومة . عدا القلة من الشعراء كيحيى الحمادي وعامر السعيدي وإبراهيم باشا . وأخص الشعراء لأني أمنِّي النفس أن كون منهم ولست منهم .
هذا ما استقر في أعماقهم أن الحرب الدائرة إنما هي تصفية حسابات بين الإخوان وبين الحوثي إذن فهي حرب لا تعنينا . نريد السلام !
الكاتب اليساري برهان غليون في كتابه اغتيال العقل بعد مناقشة طويلة وتفكيك للمذاهب الفكرية السياسية والدينية في الوطن العربي بالذات وأثر الإعلام والمخابرات وما إلى ذلك يقرر أن كل تلك الأنظمة المعرفية بما فيها اليسار المناضل قد تفكك وانهار واندثر . ولا نجد غرابة في ذلك عندما نرى يسار اليمن ، والذين كنا نعول عليهم في بناء اليمن المؤسسي الحر الموحد الحداثي المستقل نراه قد انشطر فقدم مع الإنفصال وقدم مع الحوثي ! اليسار المناضل الذي حمل على أكتافه راية الحرية وكان شوكة قاسية في حلوق الاستعمار إذا به يدعو للسلام ! وأنا لا أدري السلام مع من ؟ مع المضطهد المنسحق المحاصر المسجون ؟ أم مع الأشباح ؟
والغريب أني أجد قصيدة للشاعر اليساري الفلسطيني سميح القاسم يقول فيها ساخرا متحديا :
ليُغنِّ غيري للسلامْ
ليُغنِّ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنِّ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّ غيري للسلام
لقد احتل الصهاينة فلسطين الحبيبة لكن القضية لم تقف عند هذا الحد . لقد ظل فتيل المقاومة مشتعلا مستمرا . تذكي جذوة الحرية مواقف النخب النزيهة الحرة تلك التي جعلها الله منارة للأجيال على الدوام تحثهم على الرفض والتمرد .
إنه لمن المخزي جدا أن نسيء الظن بقصيدة أعلنت اليأس للدكتور المقالح وهي تصب في عمق المأساة التي نعيش وبالها على أيدي هذه الكراتين النخبوية . لقد أعلنت اليأس . لسان حالنا للأسف !
بلاد بأكملها تتلاشى في السراب لا إحساس بالمسؤولية . ليس هناك من يود أن يستمع إلى صوت الحكمة تداعى اليسار في خنادق عمياء من الأفكار والمعتقدات فليس مستقبل الجمهورية اليمنية ما يشغلهم بقدر ما تشغلهم بقايا سورة الأحزاب التي أكلتها الغنمة وموضوع رضاع الكبير، وأن القرامطة حركة ثورية قامت المذاهب السنية بتشويهها ولابد أن تبعث من جديد ! انحراف لمسار الثورة يأتي بالنقيض!. يسكنهم سديم داكن عميق السكون ، فراغ بحجم المحيط مخيف .
ظللت سنينا أناقش نفسي : من أين استمدوا كل هذه القوة على العيش في الخراب ؟ كثيرة إذن هي مزاعمهم حول العمل النضالي والوطن وأبجديات الوطن ! .
من سمح لكل هذا أن يحدث ؟ شاهدت مسلسلاً أمريكيا بعنوان : القائمة السوداء هو عبارة عن سلسلة من المواسم والأحداث . متقن حد الدهشة . رأيت من خلاله كيف يدار العالم . الحرب الثقافية الباردة بين روسيا وأمريكا . العالم الذي نعيشه اليوم وما نتداوله من أحاديث وما نعتقده من أفكار وصل حتى على مستوى الأدب والشعر والنقد الأدبي كل ذلك تديره المخابرات العالمية والموساد ! يعمل تحت مراكزهم في كل أنحاء العالم موظفون على قدر عال من الثقافة والكفاءة الأكاديمية والفنون وأطباء وصحفيون … كيف تكشل أفكار العامة ، كيف تترك ثقافة مكانها لثقافة أخرى ، وهلم جرا .
عالم مروع بالفعل . عالم يجند كل شيء من أجل البقاء على الفكرة . المرأة الأطفال المخدرات القتل .. الغاية تبرر الوسيلة .
نفس هذه الأفكار الموجودة في المسلسل هي مبثوثة في الأفلام البوليسية الوثائقية بالتعاون مع قسم الجرائم والقضاء . وهي ذاتها مبثوثة في الكثير من الكتب ككتاب من يدفع للزمار للكاتبة الأمريكية سودنرز ترجمة طلعت الشايب . بعيداً عن الموضوع ! كم أنا ممتن لأستاذي العزيز عبدالعزيز العسالي الذي أشار إلي بهذا الكتاب الرائع .
بالطبع .. نحن في عالم الحرية . لكننا رأينا الحرية هذه ليس لها من مصدر سوى المنفعة والمصلحة الذاتية . إننا نخلط بين كلمة الحرية وبين كلمة أخرى ألا وهي العبث ! ما معنى أن تقوم ميليشا مسلحة بالانقلاب على الديمقراطية ويقابل ذلك صمت مطبق بل ليته وقف على الصمت المطبق لقد تعدى إلى النقيض والضد . أصبح حربا على المقاومة سلماً للحوثي ؟! حربا على الوحدة سلما للانفصال ؟! في ظل كل ذلك وفي ظل ما تقوم به الإمارات من فوضى واضطراب يصبح من السهل جدا أن نتصيد أخطاء المقاومة ونسلط عليها الضوء بصورة أكبر ونتناسى قصف الحوثي اليومي وزحفه الدؤوب وإصراره على سلب إرادة الشعب وقسره على العودة إلى عصر السيادة والسيد والعبد وتقديم قرابين الطاعة !
لن تمنعوا يا أساطينَ الوفاق غداً
من أنْ يثورَ وأن ينصبَّ أنهارا
يا من تحررتمُ مِن نضج تجربةٍ
هل تلك حريةٌ تحتاج أحرارا؟
كم أنا مليء بالخيبة مما يحدث أيها البردوني !
إنهم يغتالون أحلامنا .. إننا أيضا بلا مشروع .. بلا رؤية .
لكني على يقين أن المقاومة هي الحقيقة .