ما سوف أرويه لكم اللحظة مأخوذ عن قصة غربية تبين فيه بما لا يدعو للشك مكانة الأب في تأسيس نواة الأسرة و دوره الهام جدا في ترأس الأسرة، عطفه و مساندته للزوجة و محبته و تربيته للأبناء في التوقيت الذي سن فيه برلمان فرنسا محو وجود الأب من الأسرة و شرعنة الحرام للمرأة بالإنجاب من أب مجهول و تربية أبناءها من غير أب....:
زوجة شابة لها إبن و إبنة ترملت باكرا، فوجدت نفسها بحكم الظروف لوحدها لتربية إبنيها و زادت عليهما يتيمين قررت التكفل بهما. في بداية ترملها إصطدمت بالكثير من العقبات في تنشاة أبناءها الأربعة و تربيتهم خير تربية كونها كانت تعمل لتأمن لهم المعيشة و كراء البيت و كانت تشعر أن الوقت الذي تمضيه معهم غير كاف و قد كانت تحرص علي العودة إلي البيت باكرا لتستقبلهم عند رجوعهم من مدارسهم. فإحتارت في أمرها، ماذا تفعل ؟ هذا و الأبناء إفتقدوا حنو و محبة و صرامة أبيهم المتوفي و ليس بإمكانها مهما تعمل تعويض وجوده في حياتهم.
بقيت لأيام تفكر ثم إهتدت إلي نصف حل، إتصلت بإبن عم زوجها الراحل و طرحت عليه معضلتها، فسارع بنصحها هكذا :
"يستحيل أن تأخذي مكان زوجك أبو أبناءك، لهذا أرشدك إلي حل و أنظري إن كان يلاءمك و أبناءك.
-ما هو ؟ سألته.
-تذكرين صديقي ريني كان صديق زوجك الوفي أيضا، أليس كذلك ؟
-نعم، أجابته.
-هو يقيم بنفس مدينتكم و عند حضوره لجنازة زوجك أوصاني بأنه في حالة ما إحتجت إليه بإمكانك الإتصال به و الإستعانة به، أنت تعلمين أنني أقيم في شمال البلاد و ليس بمقدوري الحضور يوميا أو أسبوعيا و إلا كنت مستعد لمد لك يد العون، توجهي إلي ريني و ثقي أنه رجل مستقيم و شخص أمين و صادق و تشاوري معه في أمر متابعة الأبناء و بالتوفيق لك.
شكرت إبن عم زوجها علي نصيحته الثمينة و بقت لأيام الأم تفكر هل تتصل بريني أم لا ؟ ثم رأت من الأنسب أن تختبره، فتواصلت مع الرجل الذي رحب بطلبها "إطمئني، سأعمل جهدي للسهر علي الأبناء الأربعة.
فردت الأم :
-إن صرامتي ليست صرامة أبيهم و ألاحظ ذلك في عدم إهتمام أبنائي كثيرا بتحذيراتي و معاقبتي لهم عندما يخطأون، هم علي كل حال و الشكر للرب مهذبون لكنهم يتجهون لسنوات المراهقة و لهم عيوب أريد معالجتها و لدي إحساس مزعج بأنني كل ما أقوم به معهم ليس في المستوي المطلوب... شرحت له الأم.
-طيب كيف بإمكاني المساعدة ؟
-فكرت مؤخرا في إدخالهم مدارس داخلية غير مختلطة، هكذا بإمكاني أخذ عطل في توقيت عطلهم، ثم انا أحجز لهم للسفر لإمضاء عطلهم و لا أقدر علي مرافقتهم أحيانا، فهل تصطحبهم من فضلك؟
-طبعا سأفعل و بفرح.
و هكذا إتفقت الأم مع صديق زوجها الوفي كي يشرف بدوره عن قرب و عن بعد عليهم.
هذا و الأطفال كانوا يعرفون جيدا صديق أبيهم و يحبونه حبا جما و يأتمرون بأوامره و يشعرون بعظيم الأمان في حضوره. فعمل علي مرافقتهم لمدارسهم الداخلية و الإتيان بهم في نهاية الأسبوع و إخراجهم للنزهة و الإهتمام بمشاكلهم الصغيرة و الكبيرة. فكان خير عون للأرملة الأم. هذا و سجلت الأرملة عدة مرات أن صديق زوجها كان يتساهل في مواضع معينة مع اطفالها، فنبهته لذلك، فرد عليها :
-صرامة زائدة لا تجدي مع ابناءك خاصة انهم مطيعين و مهذبين فترينني أغمض عيناي علي بعض الأخطاء التي يقترفونها أحيانا عن غير قصد. لا يجب أن تطلقي العنان لخوفك الشديد عليهم من جهتك، فمن الظاهر جدا أنك و زوجك المتوفي قد أحسنتم تربيتهم.
فأطمئنت الأم و في يوم ما و في حضور الأبناء الأربعة و صديق الزوج دار حديث بينهم الستة، فقلقت صغري البنتين من اللهجة الصارمة التي خاطبت بها الأم، الصديق، فهبت لتدافع عنه :
-السيد ريني لا يستحق منك خالتي غضبك، إنه يعمل ما في وسعه لإسعادنا. فأرجوك سامحيه.
إبتسمت الأم و سكتت بينما الصديق أخذ الكلمة ليعلن للجميع :
-ما رأيكم أن أبقي معكم للأبد ؟
نظر إليه الأطفال مشدوهين :
-كم نتمني ذلك!!! لكن كيف ؟
فأستدار الصديق للأم الشابة قائلا :
-ما رأيكم إن عرضت الزواج علي امكم، هل تقبلوا بي زوجا لها ؟
فقفز الأطفال الأربعة فرحا و ملأوا البيت بصيحات الإبتهاج و سارعوا بمطالبة أمهم بالموافقة علي طلب الزواج للسيد ريني و قبلت :
-نعم أقبل هكذا اطمئن فعليا بأن ابوكم لم يمت و أن صديقه خير من يعوضه إلي جنبي و جنبكم.