بقلم د.عبدالكريم محمد الروضي
الخميس 2 أبريل 2020م ماليزيا – كوالالمبور
إن من أخطر الظواهر والكوارث الاجتماعية والأخلاقية التي برزت في الفتر ة الأخيرة وخاصة مع انتشار الوباء لفيروس كورونا (COVID-19) عل مستوى العالم هي الإشاعات ونقل الكلام والمقاطع التصويرية دون تثبت وتأكد من مصادرها الصحيحة والرسمية لذلك فجهود محاربة كورونا وحدها لا تكفي، بل يجب محاربة الشائعات والأخبار الزائفة التي لا تقل خطورة عن الفيروس في حد ذاته فكم زلزلت من سكينة أفراد وكم نخرت في المجتمعات وخاص مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعية التي ما أن تكتب كلمة فيها حتى تطير في أنحاء العالم شرقاً وغرباً وشملاً وجنوباً عابرةً كل الحدود والحواجز والثقافات واللغات في لمح البصر ومع انتشار الجهل بين الناس وأحياناً التساهل في البحث عن مصدر تلك المعلومات وخاصة عندما يتم تناقل مثل هذه الإشاعات والأخبار الكاذبة عن طريق نخب من الأفراد ممن يُحسبون عل الطبقة المثقفة والمتعلمة سواءً بحسن نية أو بغيرها وسرعان ما تصبح هذه الإشاعة أو الخبر الكاذب حقيقة ومصدر مؤكد لدى بعض الأفراد فقط لأن الناقل لها هو فلان. وفي تعريفات الإشاعة هي النبأ الذي يكون مصدره مَجْهُولاً ، وهي سريعة الانتشار ، ذات طابع استفزازي أو هادئ علمي أو ناصح تحذيري او تخويفي حسب طبيعة ذلك النبأ، وغالباً ما تكون هذه الأخبار مثيرة للفضول والمعرفة وتفتقر إلى المصدر الموثوق ، وتمثل هذه الشائعات جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها . ففي احصائية أن 70% من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلنا من شخص إلى شخص حتى وصلنا الخامس أو السادس من ناقلي المعلومة ! وقد جاء الوعيد الشديد في السنة النبوية في حق الكذب عموما، وفي حق الإشاعات على وجه الخصوص؛ لما تتضمنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى قَالاَ الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فهذه العقوبة الشديدة تدل على عظم الجرم الذي اقترفه، من تقليب الحقائق، وزعزعة الأمن، وإثارة الشكوك، وتأجيج الفتن والصراعات، والإضرار بالآخرين صحياً ونفسياً وأسرياً وغيرها من الجنايات الجسيمة ألتي يهدف إليها أصحاب الإشاعات، والمستنفعين وتجار الكذب ورواد الزور في العالم. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم المتلقف للأخبار الناقل لها أحد الكذبة المفترين؛ لأن من تعود على الحديث بكل خبر يسمعه لن يسلم من نقل أخبار كاذبة، وإشاعات مغرضة، ففي صحيح مسلم عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». ولاشك أن نقلها بأي وسيلة سواء مباشرة أومشافهة أو عن طريق الوسائل الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت على يد كل شخص منا بل لا يكاد يمر يوم دون الاطلاع والمشارك في هذه المجموعات ووسائل التواصل الاجتماعي والاستماع إليها والتأثر بها . وعل هذا يجب علينا معرف أهم الأسباب لانتشار هذه الاشاعات والمعلومات الغير صحيحة والسر وراء هذا الانتشار الذي لا يحصل للملعومات الحقيقية : • عدم قيام أهل الاختصاص بنشر المعلومات الموثقة والسليمة من مصادرها وكتابة المصدر الصحيح. • عدم معرفة كثير من الناس بالمصادر الرسمية التي يستقون منها معلوماتهم سواءً لجهلهم او لثقتهم المفرطة بالأفراد الأخرين . • انتشار الجهل وضعف التعلم فالمجتمعات الجاهلة بيئة خصبة لانتشار الأكاذيب والإشاعات. • استغلال بعض الأفراد لانتشار وسائل التواصل الاجتماعية والقيام بنقل أي معلومة فقط ليحوز على قصب السبق في نشر المعلومة. • الفراغ لدى كثير من الأفراد وعدم شغل أوقاتهم بالنافع والمفيد لهم ولأوطانهم وأمتهم . • ضعف الثقافة القانونية و عدم معرف كثير من لأفراد الناقلين للإشاعات والكلام الغير موثق الذي يضر بالأفراد والمجتمعات ويقلق السكينة العامة خطورة ذلك وأن هناك قوانين وأنظمة وسياسات تعاقب من يقوم بنشر مثل هذه الأشياء وتناقلها في دولهم. وهناك أهداف لنشر وتناقل مثل هذه الأكاذيب أو الإشاعات والكلام الغير مثبت صحته منها ما يكون عن سوء نية ومنها يكون عن حسن نية - وكلاهما - لا يعني مبرراً لنشر مثل هذه الأكاذيب وعدم التوثيق والتأكد منها : • أهداف صادرة عن حسن نية من نشر الخير ومصلحة الناس والمحافظة عل صحتهم وسلوكياتهم وأسرهم وغير ذلك وهو في الحقيقة يضرهم ولا ينفعهم . • أهداف ربحية لتلك الشركات أو الأفراد المستفيدين مادياً من هذه المنشورات أو المعلومات الغير صحيحة بما يعود عليهم بالربح المادي. • أهداف معنوية للأفراد أو الشركات التي تريد الانتشار والحصول عل متابعين أو مشاهدين أكثر . • أهداف سياسية تستخدم لاستثمارها في الجانب السياسي. وفي الختام يجب علينا معرفة كيفية التعامل مع هذه المعلومات ومن يقوم بنشرها وأن لا نكون نحن الفريسة السهلة لكل ما ينقل لنا من أخبار ومنشورات ومقالات تهدم ولا تبني وتضر ولا تنفع ومن الطرق التي يجب ان نتعامل بها مع هذه الإشاعات والمنشورات والمقالات ومقاطع الفيديو الغير مثبته صحتها أو من يقومون بدبلجتها أو تحويرها ليستفيدوا منها بشكل غير سليم التالي: • التبيّن والاستيضاح وسؤال صاحب المنشور أو الإشاعة عن مصدر هذه المعلومة. • الأسلوب المنطقي في التعامل مع الأخبار والكلام المنقول وإعمال العقل . • عدم نقل أو نشر أي معلومة مهما ظننا أنها مفيدة ليس فيها توثيق لمصدرها وأيقافها عندك وعدم تناقلها (أميتوا الباطل بإيقافه). • الرد عل هذه الإشاعة أو الخبر الكاذب ومحاربتها بتوضيح الحقيقة السليمة إذا كانت لديك موثقة وصحيحة. • عدم الحديث فيما لا نعرف وليس من اختصاصنا وترك الأمر لأصحاب الاختصاص للكلام فيه بعلم . • التأكد من المصادر الرسمية إن كان هناك احتياج إلى هذه المعلومة . نسأل الله ان يقينا شر الأشرار والأمراض والأوبئة في كل زمان ومكان .