مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2020/03/12 20:56
الجاهلية المعاصرة
قد يتعجب القارئ حين يُمعنُ النظر إلى عنوان المقال، ويتسأل أين تكمن جاهلية اليوم؟ إن جاهلية اليوم لا تختلف كثيراً عن جاهلية الأمس جاهلية ما قبل ألف وأربع مائة عام. نعيش اليوم عصر التسلط، عصر الانحطاط، عصر الجاهلية الأولى لكن بطريقة حديثة ومعاصرة ليس إلا. فكم كانت البنت نذير شؤم ووصمة عار في جاهلية الأمس، حتى وصل الحال بهم إلى دفنها وهي حية، كانت بمثابة صاعقة تنزل من السماء حين يعلم أن المولود له أنثى " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" فظُلمت المرأة، وغُيبت حقوقها، وأُهدرت كرامتها، بل وفقدت حياتها، وبِيعت في سوق النخاسة، وأشتهر تُجار النساء وأُقيمت أسواق خاصة لذلك، لم يكن للمرأة أي وضعٍ قانونيٌ يُذكر أنذاك وإنما كان العرف هو السائد في الحكم حينها.. فجاء الإسلام وحرر المرأة من براثين الظلم والعبودية الذي أصبحت تحت وطأته، وأخذ بيد الناس يقودهم من المستنقعات الهابطة إلى القمة السامقة خطوةً خطوة، ومرحلةً مرحلة، فأذاب كل المطامع والرغبات والشهوات والخرافات، فأصبحت المرأة في الإسلام هي الملكة التي تحظى بالعناية منذ الولادة إلى الممات، وتحظى بالخدمة ممن حولها من أقاربها الرجال سواءً كانت ابنة أو زوجة. فرفع الإسلام شأنها، بل وجعلها شريكة الرجل في سلمه وحربه، وأصبحت تحتل الصدارة في وضعها القانوني. فأصبح التعدي على حقوق المرأة وحرياتها وفق النطاق المرسوم لها في الشرع يُعاقب عليه شرعاً وقانوناً. استجابة للفطرة البشرية والتعاليم الربانية: راعى الإسلام المرأة وأتاح لها المجال لتظهر أروع ما لديها في إطار الأدب والدين، فأنجبت خير جيل على وجه الأرض، جيل أضحى مضرباً للأمثال، فصار الرقي الحضاري في أعلى مستوياته، وضربت المدنية أروع الأمثلة، فسادت وحكمت، وعدلت بذلك الجيل الذي ربته تلك الأم المسلمة صاحبة القيم والمبادئ، الأم التي غرست في طفلها روح الدين والعقيدة والغيرة على الحرمات. حين كانت الأم هي المدرسة الأولى لطفلها أصلحت المجتمع، وتوائمت فطرتها البشرية وتركيبها الفسيولوجي مع أعمالها المتاحة لها فأبدعت وأصلحت، فصلاح المرأة صلاح للمجتمع. المواجهة: حين يسود الخير في مجتمع ما يظهر الشر وأتباعه، وسنة الله التدافع بين الخير والشر، اغتاظ أعداء الإسلام لما رأوا صنيع الإسلام في أبنائه من تقديس للحقوق، وصون للكرامات، وتماسك وتلاحم أبناء المجتمع المسلم، فأصبح عرض المسلمين واحد، تحرك الجيوش لنصرة امرأة حين وصل صوتها إلى مسامع الخليفة المسلم وهي تنادي وآمعتصماه، فحرك جيشٌ بأكمله لنصرتها، لأنه شعر بإهانة المجتمع بأكمله، فلم يملك أعداء الإسلام إلا أن يتحركوا ليعيدوا الجاهلية الأولى لكن بنكهتها المعاصرة ، التي تناسب ثقافة المجتمع، فبدأوا يُحدثون شرخاً في البنيان المتماسك، حتى يستطيعوا من خلاله تفكيك أواصر المجتمع المسلم، فدقوا على الوتر ، فنادوا بتحرر المرأة ، ومساواتها بالرجل، وهم بذلك لا يريدون لها خيراً بقدر ما يريدون أن تنشغل عن أعمالها، من تربية طفلها وغرس المبادئ فيه، وتمسكه بعقيدته، يريدون بذلك أن يكلفوها مالا تطيق من الأعمال باسم التحرر والمساوة، لا يريدون لتلك المدرسة الربانية التي نشأ في ظلها جيل الصحابة أن تعود، فأعطوها مزيداً من الحريات، وظلموها بذلك، وأخرجوها إلى الشارع، وتركت بيت الزوجية، وضيعت حقوق طفلها، فخرجت الملكة عن قصرها فأُهينت من قِبَل الرُعاع والحرس، وانسلخت عن المبادئ والقيم، وتعرت فأغرت من حولها فضلت وأضلت، وأصبحت معولُ هدمٍ للمجتمعات بعد أن كانت سر صلاح المجتمع ونهضته، ومع خروجها مُيعت قيم الطفل، وانحطت أخلاقه، ونشئ جيلٌ خالي من القيم، مهزوز العقيدة، ويعود السبب إلى أمه التي تبحث عن حقوقها الوهمية المفتعلة، فلا تستغربوا ممن يعشقون المثلية ويروجون لها، ولمن ينادون بالشذوذ وغيرها من الأخلاقيات القبيحة التي تتعارض مع الفطرة السوية... والمتأمل للواقع يلاحظ المفارقات العجيبة؛ كيف أن جاهلية ما قبل ألف وأربع مائة عام ظلمت المرأة وسلبت حقوقها وحريتها، وكيف أن الجاهلية المعاصرة بالغت في إعطاء المرأة حريتها، واعطتها حقوق لا تتوافق مع فطرتها، كل ذلك يُراد به تعطيل دور المرأة، وإبطال فاعليتها في المجتمع. معالم الجاهلية المعاصرة: استطاع دعاة الغرب والحداثة والعلمنة ودعاة الانفتاح أن يُعيدوا الجاهلية بنكهة عصرية حديثة، لها وضع قانوني تتماشى مع مخططاتهم، من سلبٍ للحقوق، وانتهاكٌ للحريات، وحروب تشعل فتيلها لسنوات طوال، ومجازر وإبادات جماعية، تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة، آلهة تُعبد من دون الله لكن ليست كهبل، إنما أصنام بشرية؛ سنت قوانين خاضعة للأهواء لا تستند ولا تخدم إلا مصالحهم، فتشربها ضعاف النفوس، من حكام وأصحاب نفوذ فأذلوا شُعوبهم، أصنام نقدية من الذهب والفضة تقدس وتعبد من دون الله يباع من أجلها الدين والعرض. إننا في هذه الآونة نرى ملامح الجاهلية المعاصرة وهي تطمس الملامح الوضيئة الجميلة، ونشاهد المعارك التي يخوضها المنهج الرباني في الميدان مع الحاقدين على الإسلام سواءً من أبناء المسلمين أنفسهم أو من غيرهم، لا تتحرك فينا مشاعر الغيرة لهذا الدين، طمس للهوية، وتغريب للقيم والمعتقدات " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". المخرج من جاهلية القرن العشرين: كما أن الإسلام أطاح بالجاهلية الأولى وطمس معالمها، وبنى مجتمعاً سامياً حضارياً مدنياً بكلما تعنيه الكلمة. كذلك لا بد من العودة إليه فهو من سيُخرج الناس من ديجور هذا الظلام الحالك، ويحل هذه الفوضى التي تعصر بالشرق الأوسط اليوم بل وستجتاح العالم بأكمله، نحن بحاجة اليوم إلى قيم وأخلاقيات صحيحة لا مستنسخة أومحرفة، فالدين الإسلامي الذي خاطب الإنسان الأول لم يتغير، صالح لكل عصر، مواكبٌ للتطورات والمتغيرات، والإنسان الذي جاء الإسلام يخاطبه لم يختلف، فالجنس البشري لازآل ودين لله قائم،، وما علينا إلا أن نواجه جاهلية العشرين بعقيدةِ بلال، وصبرِ عمار ، وتضحيةِ سمية، وشجاعة ابن الوليد، ولا بد من عقيدة تعصف بالخرافات وتطيح بها، عقيدة لا يشوبها شك ولا يعتريها زيف، تواجه الدسائس وتُبين الخرفات، "والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" 🖊: ردفان الشيبري
شارك برأيك
1
حازم علي حزام الشيبري
2020/03/18
مبدع
الجاهليه المعاصره
بقلم الدكتور :ردفان الشيبري
https://yemen-direct.com/news13611.html
2
حازم علي حزام الشييري
2020/03/18
المقال رائع
بتوفيق انشاء الله
3
ابو ريان
2020/03/16
مبدع
عنوان المقال رائع والموضوع اروع بالتوفيق
أضافة تعليق