بقلم/ عدنان العديني
هذا نداء لرفقاء الحلم الواحد، لزملاء النضال والكفاح، لأنصار الدولة المنتظرة، لأبناء المشروع الوطني بمختلف توجهاتهم، لشركاء العمل السياسي والحزبي، للناشطين؛ المستقلّين منهم والمتحزّبين، للرموز الاجتماعية الحالمة بدولة، للمثقفين والكُتّاب والروائيين والشعراء، وكل من يتطلع لحياة يسودها النظام والقانون.
أرجوكم، توقفوا عن تمزيق بعضكم، توقفوا عن الشغل ضد أنفسكم، أوقفوا هذا التناحر العبثَي فيما بينكم، لنتوقف جميعًا عن هذه الملهاة، لا يوجد مبرر لكل هذه المعارك المشتعلة بيننا دونما غاية، لسنا بحاجة لمزيد من التيه والشتات. لدينا قضية شعب موزع في الصحاري والجبال والسواحل يخوض معركته ضد الكهنوت وبقايا إرث الماضي الرجعيّ وعلينا أن نعيد ضبط إهتماماتنا للتركيز على هذا الهدف الذي انطلقت منه مسيرة الكفاح أول مرة.
يجب أن نتوقف عن التصرف كأبناء تعرّض منزلهم للهدم، وبدلًا من أن يحتشدوا لإعادة بنائه إذْ بهم يخرجون للقعود على الأرصفة، والتراشق بالحجارة على الطرقات.
منذ فترة، أتابع بوصلة المزاج العام وكيف يتم تناول القضايا الوطنية وأشعر بالأسى، حالة من النزق المُعمم يجتاح الكثيرين، ولا أجدُ تفسيرًا لكل هذا سوى أننا فقدنا البوصلة او كدنا وصرنا فريسة سهلة لكل شاردة وواردة، مزاجنا المُنفلت قابل للإنجرار خلف كل ما يثار هنا وهناك بعيدًا عما إذا كان الموضوع يخدم الصالح العام أم لا، كما لو أننا نذرنا حياتنا للتحرك خارج الإطار المركزي لمعركتنا الأصلية محور اليمن الكبير بشعبه وامكاناته، والدولة التي يستحقها دوله تعكس إرثه وتاريخه ومكانته بين شعوب العالم، وتخضع لإرادته وتنحني لقراره.. وليس بيننا وبين هذا الحلم إلا أن نكون معاً في معركة تثبيت الوطنية اليمنية راياًوشعبا ودولة .
خمس سنوات من الكفاح الوطني في دروب الحرية كافية لندرك حجم الخسارة الفادحة التي تصيب الشعوب لحظة انهيار الدولة، خمس سنوات بكامل تضحياتنا وأوجاعنا ونجاحاتنا وعثراتنا وهي فترة بقدر قسوتها يجب أن تكون دروسنا المستخلصة منها كافية لنبلغ الرشد في خطابنا الوطني، ونستوعب قدسية الوطن، وتتعزز فينا أشواق الخلاص والرغبة الملحة بفجر يولد من رحم الحرية المُصَادرة وآمال الثورات الموؤودة وجناح الجمهورية المَهِيض بفعل الجماعات الخارجة من أغابر التأريخ والمفارقة لحلمنا ومشروعنا بدولة.
ربما لن أقول فكرة جديدة عن الأذهان لو قلت أن من أكثر المفارقات الصادمة للعقل والمحبطة للأحلام هو أن تجد أبناء المشروع الوطني الواحد يخوضون صراعًا عدميًا ضد بعضهم! أولئك الذين يجمعهم الحلم بدولة يتناهشون فيما بينهم لأتفه الأسباب ويجيدون استنزاف ذواتهم في معارك ضد طواحين الهواء، وبالمقابل تجد الكيانات ذات المشروع العنصري والطائفي تتصرف كلحمة واحدة وتجهَد لتوجيه طاقاتها في خدمة أهدافها غير المشروعة بصورة تعزز من صمودها، وتضاعف خطرها، وتطيل عمرها في وجه أصحاب المشروع الوطني المنحشرين في صراعات غوغائية، ومعارك بلا وجهة ولا هدف سوى النقمة والثأر، والنقمة هنا ليست مكسبًا كما أن الثأر ليس مشروعًا، ولا يمكن أن ننتظر وطنًا يخرجُ من بين الركام ونحن مدفونون أسفل أحقادنا وحلمنا المفقود بدولة؛ دولة لا يدرك نخبتُها أنهم بحالهم هذا يشككون الناس بأهلية التيار الوطني العريض، بل وبحلم الدولة الوطنية التي تحتاج الى رجال يستوعبون خطورة المرحلة، ويكفّون عن التسديد ضد بعضهم، ولا يُطلقون النار على أقدامهم كل يوم.
الحرية للإنسان والسيادة للشعب والتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة.. هذه هي المطالب التي دارت لأجلها عجلة الكفاح والنضال بالسلاح والكلمة سلماً وحرباً، تاريخ كفاح وبطولات صارت هتاف الجنود وأغنية وزامل وملالة وَدَان وحكاية تحكيها الجدّات على مسامع جيل هو الآن يبذل دمه في الجبهات بحثًا عن دولة تحرس وجوده المكشوف وتؤثث مستقبل أحفاده كما يجب.
فمن المخيب للآمال أن نخذلهم بصراعاتنا، فأمام مشاهد البطولات التي يقدمونها لا ينقصنا الا أن نرتقي نحن جميعا إلى مستوى نبل القضية وجسامة التضحيات وفجور العدو وخطورته، ألا يمكن لنبل الغاية، وعبثية المليشيا التي قوضت الدولة وأحرقت المجتمع بنار الخوف والمرَض والفقر أن توحدنا وترفع درجة استشعارنا الوطني لندرك حاجتنا الجماعية لموقف وخطاب مسؤول يعزز من ترابطنا المجتمعي ويحشد الجمهور خلف القضايا المركزية ويمنع أي شرود عام عن الهدف الأصلي للمعركة، ما لم يوحدنا هذا فلن يوحدنا شيء بعده ولسوف يطول شتاتنا ولن ينجلي الأفق الوطني على المدى المنظور.
وبالطبع أنا لا أعني بحديثي هذا أن نُساوم على الخطأ تحت ذريعة الحفاظ على اللُحمة، إنما الهدف أن نردم الفجوة، ونصحح الانحراف كي نتجاوزه، دون خسارتنا بعضنا والدوران في حلبة عبثية أشبه بحركة التدمير الذاتي للحلم والقضية ومشروع الدولة بكامله.
أطرح بين أيديكم هذه المناشدة، في أول أيامي للعمل من موقعي الجديد المتمثل برئاسة الهيئة التنفيذية لأحزاب التحالف الوطني وكناطق رسمي باسمها، وهي مهمة تتجاوز المنطق الحزبي لأداء دور يتعلق بالقضية الوطنية الجامعة، ومن قاعدة المشتركات السياسية الرامية لتعزيز العمل الجماعي المُؤسس لحالة وطنية تبدأ من تحويل الفرد الى مواطن والسلطة العمياء الى دولة تبصر بعيون الشعب وتتحرك من أجل خدمته.
أخيرًا: أعلم أن الصورة ليست قاتمة تمامًا فهناك من بواعث الأمل الكثير، وكل يوم ترتفع دعوات التخطي والتآزر ويزداد المؤمنون بضرورة الجبهة الواحدة، وهو ما يقضي بضرورة تكثيف العمل كل من موقعه والتقاط الإشارات والبناء عليها والالتفاف حول راية الجمهورية وإن كرِهت الإمامة ومهما يكن فما من عصابة تمكنت من هزيمة شعب مُتحد إذْ لا تُهزم الشعوب إلا حين تُلهيها نٌخبُها وقياداتها بكل شيء إلا معركتها الحقيقية!.
* رئيس الهيئة التنفيذية للتحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية