خطيئة المقهورين..
عدنان العديني
كما هو واقعنا القائم، تقذف الحياة اليومية في المحيطين الشخصي والعام بأسماء وعناوين كثيرة ومتعددة تستفز المتابع لها وقد تدفع به أو تجره إلى حيث يفقد توازنه النفسي والاجتماعي والسياسي، الأمر الذي يخرجه عن دائرة الفاعلية المتحكمة بالأحداث إلى المفعولية، وهنا يكون الإنسان قد ربط حول عنقه ربقة الضحية.
الحراك الجنوبي.. استخدام السلاح في صعدة، المعيشة المرتفعة.. عناوين كثيرة تندفع أمنامنا تكاد تفقدنا توازننا، إنها عناوين ومظاهر تكاد تتحكم بنا لتبعدنا عن مصدرها الأول الذي ما زال متفجراً ومؤذناً بأخوات للموجود المعلن، فالكراهية والروح التمزيقية والطائفية تكاد تتحول إلى مذهب وخط سياسي بغض النظر عن أصل الأزمة ومسببها الأول، وهو ما يدعونا إلى التساؤل هل المناطقية والمذهبية سبب للأزمة بما تقدمه من وقود نفسي للصراع أم أن الأزمة أوقعت بعض القوى السياسية والاجتماعية في مأزق الاغتراف من مستنقع الكراهية الذي كدنا نبرأ من آثاره المرضية التي خلفتها ثقافة قديمة، يوم أن كانت مصدر الزاد والطاقة للفرد والقوى المجتمعة!؟
أستطيع أن أقول إن اللجوء إلى هذا المستنقع من الصراع السياسي يعبر عن تواضع واتفاق متباعد بين أطراف لا تثبت إلا في التربة التي جفت من ريّ المشروع الوطني الجامع، حالة الجفاف الوطنية تلك أوجدها توجه سلطوي عندما حول السلطة إلى امتياز شخصي وبالتالي منع التطلعات المجتمعية من أن تنبت على الشرعية الوطنية إلى البحث عن تربة مشتركة تجمعها بالقوى المتحكمة بالسلطة ولأنها تربة سبخة وضيقة فقد تفجر الوضع داخلها، وبالمقابل وجد من يستثمر هذه الحالة ليوجد لنفسه تربة خاصة به تمنحه المشروعية السياسية حسب إطار سياسي خاص به.
لا أدري لماذا لا يتوجه ضحية الاستئثار للسلطة والثروة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الذي جاهد اليمنيون من أجله طويلا؟ وكيف يمكن الفصل بين الإقليم والشعور الوطني الجامع الذي كان صورة المستقبل والمستثير لكل طاقة وطنية وحدوية، إن الإقليم أو المنطقة لا تستطيع أن تكون جزء من مكونات الدولة في الذهنية الوطنية إلا بما هما إرث جماعي لكل اليمنيين وبالتالي لا يحق لأحد تحويلها ملكا خاصا وإن كان هناك توجه من قبل السلطة نحو ذلك فإن تمزيق هذا الإرث لا يصح إيراده طريقا لمواجهة التمزيق، إنه فعل منكب استطاع الفعل السلطوي التمهيد له من خلال إحيائه للقوالب البدائية التقليدية القبلية والمذهبية والمناطقية لتسقط الروح النضالية وتمزقه حتى لا يحسن به عملا.
إن للشعب اليمني إرثا إقليميا وجغرافيا مرتبطا وبشدة بالإرث الروحي، والنضال الحقيقي هو الذي يسعى لإيجاد إطار سياسي لهذين الإرثين الذين يفترض أن لا يحتكرهما أو أحدهما قوة من القوى الاجتماعية والسياسية.. ورغم ظروف التمزيق الذي بلي بها اليمنيون في مراحل تاريخية إلا أن أحدا لم يدع تمثيله للإرثين أو أحدهما اللهم إلا حين تم ربط شكل الإطار السياسي والدولة بحقيقة أسرية أو مذهبية غير قابلة للشراكة أو التنافس فيها.
الأزمة في حقيقتها أن قيم القبيلة تغلبت على فكرة الدولة وأرادت أن تتحول إلى سياسة عامة على حساب فكرة الدولة التي نشأت في الذهن الوطني المبشر بها كآلية حكم تعفينا من طاعة البشر حين تصرف الطاعة لسلطة متمايزة عن الحكام الذين يمارسون تصريف الأمور باسمها.. من جديد عاد الدمج بين السلطة ومن يمارسها ومستند الدمج هذه المرة ليس المذهب الفقهي وإنما القبيلة أو المنطقة بقيمها التمييزية ومن جديد وجد المناضل اليمني نفسه في مواجهة مباشرة ليس مع الإرث الجغرافي والروحي والسياسي الذي كونته تجربة هو امتداد لها وإنما في مواجهة قيم وثقافة متخلفة تقوم على أرضية ضيقة فهل ينزلق الحس الوطني لمجاراتها؟
يكاد الإجماع ينعقد على أن الأجهزة القائمة باسم الدولة قد انخلعت من الوظائف التي حلم بها الثوار.. الوظائف السياسية الموافقة للإرادة المجتمعية، والسؤال لماذا انخلعت هذه الأجهزة من تلك الوظائف وانقلبت على المجتمع بل وقامت على أرضية أخرى غير أرضيته؟ ألم تكن ثمة ثقافة قديمة جسدت الوظائف والسياسات العامة بأطر ضيقة وغير قادرة على استيعاب أبناء اليمن حتى صار للمعرفة كما للسياسة كما للمهن قبائل يصعب عن الفرد الخروج منها أو عنها؟ إن هذه الثقافة التي تنتمي لما قبل الدولة استطاعت أن تلتف على المشروع الوطني وعلى فكر الدولة بما هي فعل الإرادات المتعددة..
وإذا كان كذلك فإن المهمة الوطنية ليست في مواجهة أجهزة الحكم القهري بثقافة هي تتغذى منها وإنما هي بناء الدولة والسياسة بما هي أخلاق وأسس مدنية تسع اليمنيين جميعا وبما هي آلية حكم تجسد الخيارات الشعبية عبر الآليات التي تضمن عدم المساس بهذه الخيارات، فالمشروع الوطني الذي يتبناه المشترك قادر على المواجهة وبطرق سلمية لأنه يصنع إطاراً سياسياً واسعاً ينتشل اليمنيين من المستنقعات العصبية والمناطقية والمذهبية التي كونتها أجهزة الحكم ليستفرغ اليمني فيها جهده وهو يقاتل نفسه ويناضل ضد أخيه.
إن ثمة خطيئة كبيرة يمكن أن يرتكبها المقهورون عندما يحاولون استبدال الفكرة الوطنية الجامعة والقادرة على خلاصهم الجماعي بالأفكار التي تتحكم بالمقهور وهو يتحول إلى مشروع قاهر.. إنه لا يريد الخلاص وإنما مواصلة مسيرة القهر ولو بطريقة أخرى
.الأهالي
عدنان العديني
كما هو واقعنا القائم، تقذف الحياة اليومية في المحيطين الشخصي والعام بأسماء وعناوين كثيرة ومتعددة تستفز المتابع لها وقد تدفع به أو تجره إلى حيث يفقد توازنه النفسي والاجتماعي والسياسي، الأمر الذي يخرجه عن دائرة الفاعلية المتحكمة بالأحداث إلى المفعولية، وهنا يكون الإنسان قد ربط حول عنقه ربقة الضحية.
الحراك الجنوبي.. استخدام السلاح في صعدة، المعيشة المرتفعة.. عناوين كثيرة تندفع أمنامنا تكاد تفقدنا توازننا، إنها عناوين ومظاهر تكاد تتحكم بنا لتبعدنا عن مصدرها الأول الذي ما زال متفجراً ومؤذناً بأخوات للموجود المعلن، فالكراهية والروح التمزيقية والطائفية تكاد تتحول إلى مذهب وخط سياسي بغض النظر عن أصل الأزمة ومسببها الأول، وهو ما يدعونا إلى التساؤل هل المناطقية والمذهبية سبب للأزمة بما تقدمه من وقود نفسي للصراع أم أن الأزمة أوقعت بعض القوى السياسية والاجتماعية في مأزق الاغتراف من مستنقع الكراهية الذي كدنا نبرأ من آثاره المرضية التي خلفتها ثقافة قديمة، يوم أن كانت مصدر الزاد والطاقة للفرد والقوى المجتمعة!؟
أستطيع أن أقول إن اللجوء إلى هذا المستنقع من الصراع السياسي يعبر عن تواضع واتفاق متباعد بين أطراف لا تثبت إلا في التربة التي جفت من ريّ المشروع الوطني الجامع، حالة الجفاف الوطنية تلك أوجدها توجه سلطوي عندما حول السلطة إلى امتياز شخصي وبالتالي منع التطلعات المجتمعية من أن تنبت على الشرعية الوطنية إلى البحث عن تربة مشتركة تجمعها بالقوى المتحكمة بالسلطة ولأنها تربة سبخة وضيقة فقد تفجر الوضع داخلها، وبالمقابل وجد من يستثمر هذه الحالة ليوجد لنفسه تربة خاصة به تمنحه المشروعية السياسية حسب إطار سياسي خاص به.
لا أدري لماذا لا يتوجه ضحية الاستئثار للسلطة والثروة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الذي جاهد اليمنيون من أجله طويلا؟ وكيف يمكن الفصل بين الإقليم والشعور الوطني الجامع الذي كان صورة المستقبل والمستثير لكل طاقة وطنية وحدوية، إن الإقليم أو المنطقة لا تستطيع أن تكون جزء من مكونات الدولة في الذهنية الوطنية إلا بما هما إرث جماعي لكل اليمنيين وبالتالي لا يحق لأحد تحويلها ملكا خاصا وإن كان هناك توجه من قبل السلطة نحو ذلك فإن تمزيق هذا الإرث لا يصح إيراده طريقا لمواجهة التمزيق، إنه فعل منكب استطاع الفعل السلطوي التمهيد له من خلال إحيائه للقوالب البدائية التقليدية القبلية والمذهبية والمناطقية لتسقط الروح النضالية وتمزقه حتى لا يحسن به عملا.
إن للشعب اليمني إرثا إقليميا وجغرافيا مرتبطا وبشدة بالإرث الروحي، والنضال الحقيقي هو الذي يسعى لإيجاد إطار سياسي لهذين الإرثين الذين يفترض أن لا يحتكرهما أو أحدهما قوة من القوى الاجتماعية والسياسية.. ورغم ظروف التمزيق الذي بلي بها اليمنيون في مراحل تاريخية إلا أن أحدا لم يدع تمثيله للإرثين أو أحدهما اللهم إلا حين تم ربط شكل الإطار السياسي والدولة بحقيقة أسرية أو مذهبية غير قابلة للشراكة أو التنافس فيها.
الأزمة في حقيقتها أن قيم القبيلة تغلبت على فكرة الدولة وأرادت أن تتحول إلى سياسة عامة على حساب فكرة الدولة التي نشأت في الذهن الوطني المبشر بها كآلية حكم تعفينا من طاعة البشر حين تصرف الطاعة لسلطة متمايزة عن الحكام الذين يمارسون تصريف الأمور باسمها.. من جديد عاد الدمج بين السلطة ومن يمارسها ومستند الدمج هذه المرة ليس المذهب الفقهي وإنما القبيلة أو المنطقة بقيمها التمييزية ومن جديد وجد المناضل اليمني نفسه في مواجهة مباشرة ليس مع الإرث الجغرافي والروحي والسياسي الذي كونته تجربة هو امتداد لها وإنما في مواجهة قيم وثقافة متخلفة تقوم على أرضية ضيقة فهل ينزلق الحس الوطني لمجاراتها؟
يكاد الإجماع ينعقد على أن الأجهزة القائمة باسم الدولة قد انخلعت من الوظائف التي حلم بها الثوار.. الوظائف السياسية الموافقة للإرادة المجتمعية، والسؤال لماذا انخلعت هذه الأجهزة من تلك الوظائف وانقلبت على المجتمع بل وقامت على أرضية أخرى غير أرضيته؟ ألم تكن ثمة ثقافة قديمة جسدت الوظائف والسياسات العامة بأطر ضيقة وغير قادرة على استيعاب أبناء اليمن حتى صار للمعرفة كما للسياسة كما للمهن قبائل يصعب عن الفرد الخروج منها أو عنها؟ إن هذه الثقافة التي تنتمي لما قبل الدولة استطاعت أن تلتف على المشروع الوطني وعلى فكر الدولة بما هي فعل الإرادات المتعددة..
وإذا كان كذلك فإن المهمة الوطنية ليست في مواجهة أجهزة الحكم القهري بثقافة هي تتغذى منها وإنما هي بناء الدولة والسياسة بما هي أخلاق وأسس مدنية تسع اليمنيين جميعا وبما هي آلية حكم تجسد الخيارات الشعبية عبر الآليات التي تضمن عدم المساس بهذه الخيارات، فالمشروع الوطني الذي يتبناه المشترك قادر على المواجهة وبطرق سلمية لأنه يصنع إطاراً سياسياً واسعاً ينتشل اليمنيين من المستنقعات العصبية والمناطقية والمذهبية التي كونتها أجهزة الحكم ليستفرغ اليمني فيها جهده وهو يقاتل نفسه ويناضل ضد أخيه.
إن ثمة خطيئة كبيرة يمكن أن يرتكبها المقهورون عندما يحاولون استبدال الفكرة الوطنية الجامعة والقادرة على خلاصهم الجماعي بالأفكار التي تتحكم بالمقهور وهو يتحول إلى مشروع قاهر.. إنه لا يريد الخلاص وإنما مواصلة مسيرة القهر ولو بطريقة أخرى
.الأهالي