مصطفى حساننشر في المشهد اليمني يوم 14 - 02 - 2019
يكثر الحديث هذه الأيام عن 11 فبراير بعد حلول الذكرى الثامنة، فبين طرف يعتبرها ثورة مقدسة حملت رمزية النضال والكفاح ضد نظام صالح، وبين طرف آخر يراها نكبة أدخلت اليمن في نفق من الفوضى، ويحملها كل ما آليت إليه الأمور في اليمن، وتضيق دائرة التشخيص الصحيح لتلك الأحداث، بعيداً عن التأثير العاطفي وكذلك الذهنية الحزبية التي تبعد صاحبها عن الرؤية السليمة للحدث ونتائجه، وبين تعصب الفريقان يضيع النقد البناء وتغيب معه الإستفادة من الدرس، وتجاوز الأخطاء وضمان عدم تكرارها.
وأخطر من نظام استبدادي قيام نصف ثور!
إذا على الجميع أن يدرك الفرق بين الثورة وبين التغيير السياسي أو إصلاح النظام.
وهناك نقطة مهمة قبل الدخول في صلب الموضوع وهي أن نظام صالح كان نظاماً استبدادياً، استأثر بالحكم والثروة وجعلها سلطة عائلية، تركت الفتات للشعب يقتات منه، فيما وضعت لنفسها إمتيازات خاصة، إضافة إلى كونه نظاماً وظيفياً، ومن هذا المنطلق فإن نظام صالح بممارساته كان يستلزم الثورة، يؤيد هذا الدين والعرف والعقل وكل حر في هذا العالم، وإن مآلات الأحداث وما وصلت إليه البلاد لا يعني ذلك أن النظام السابق كان نظاماً عادلاً، ففشل الثورة وتحول مسارها شيء وفساد النظام السابق شيء آخر، وإن كانت مآلات الأوضاع مشارك بها النظام السابق نتيجة تفعيله لأدوات الدولة العميقة التي تحركت لإفشال طموحات الثوار، إضافة إلى أن الثورة سلمت إلى قيادة كانت إلى الأمس القريب جزء من النظام السابق، لا تحمل مشروع، أقصى ما تحلم به هو إسقاط رأس النظام!
معنى الثورة:
إن الثورة تتشكل بالتحرك الشعبي وتهدف لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم والنظام الاجتماعي والاقتصادي، وإسقاط الطبقة الحاكمة ومؤسساتها ومحاسبتهم.
تبدأ بوسائل سلمية ثم تنتقل للعنف، وإذا ما كتب لها النجاح عملت على إحلال نظام جديد محل النظام القديم..وبناء بيئة اجتماعية وثقافية جديدة، وإعداد أدوات ووسائل تضمن الحفاظ على روح الثورة وتأمين مسيرة النظام الجديد.
ولا شك أن الثورة تبدأ بالإحتجاج السلمي والإعتصامات ثم تتطور لتتجه نحو التصعيد، ومع التصعيد لا يستطيع النظام ضبط نفسه ويبدأ محاولة الإخضاع العسكري، ومع كل قطرة دم يسفكها النظام فإنها تغذي الثورة وتتجه بها إلى الثورة المسلحة، وهو قدر أي ثورة في التأريخ، ولا يوجد ثورة سلمية استطاعت تحقيق أهدافها دون أن تتحول إلى العمل المسلح، والعمل المسلح للثورة لم يكن نقطة سوداء بحق الثوار بل كان رد فعل طبيعي على دموية أي نظام قمعي.
من المؤكد أن الأنظمة تحاول تحمي نفسها من أي خطر يهدد بقائها، وقد كرست جهدها لصناعة طوق لحمايتها من الميكرفون في الإعلام إلى المفتي إلى ضابط الجيش، وبالتالي لن تتركك تتحرك لتسقطها دون أن تستعمل هذه الأدوات.
ولذلك من يحدثكم عن ثورة سلمية فهو يحدثكم عن خرافة لا واقع لها.
يقول ماو تسي تونج " لا يمكن أن تكون الثورة حفل عشاء أو كتابة مقال أو رسم لوحة أو تطريز قطعة لا يمكن أن تكون بهذه الرقة واللطف لا يمكن أن تكون رحيمة ولطيفة ودمثة ومهذبة الثورة انتفاضة عمل عنيف تستطيع طبقة عن طريقه ان تطيح بطبقة أخرى.
11 فبراير:
التحرك الشعبي للإطاحة بنظام يسمى ثورة فيما تحرك العسكر من داخل النظام للإطاحة به يسمى انقلاباً، وبفعل العدوى الثورية فقد كان خروج الشعب في 2011 أمر طبيعي بعد كسر حاجز الخوف في تونس ومصر، فالثورات تنتقل من بلد إلى آخر إذا كانت الظروف متشابهة والمناخ الثوري متوفر، إضافة إلى أن الأنظمة العربية متشابهة في استبدادها واحتكارها للسلطة والثروة، وحرمان الشعوب من حقوقها، وطبيعتها الوظيفية للإستعمار الخارجي.
لقد خرج معظم الشعب اليمني في سلاسل بشرية مطالباً بحقوقه ومندداً بفساد واستبداد النظام القائم وتحويل السلطة إلى سلطة عائلية على مدى ثلاثة عقود، لكن النظام بعد أن عجز عن مواجهة المد الثوري بالأدوات الإعلامية، وعلماء السلطة، والحلول الترقيعية التي اقترحها ومع صمود الثوار؛ سارعت القيادات والرموز التي ترتبط مصالحها بالنظام -بإيعاز منه- بتولي مهمة محاولة إجهاض المد الثوري ولو كانت الدماء ثمناً لذلك، ومع سقوط دماء الثوار كانت تلك الدماء تغذيها وتعجل بإنهيار النظام القائم، وفي جمعة الكرامة 18 مارس/ 2011 مثل ذلك اليوم منعطف مهم في حياة النظام وفي حياة الثورة، أما بالنسبة للنظام فقد سارع بعض حلفائه للتخلي عنه، حينما أدركوا أن فرص إسقاط النظام أكثر من فرص بقائه ، فأعلنوا انشقاقهم عن النظام السابق (قلة من هؤلاء كان دافع انشقاقهم دموية النظام)، ومثلت هزة أحدثت شرخاً كبيراً في صف النظام، وأما بالنسبة للثورة فإن المنعطف المهم هو في زيادة التعاطف الشعبي مع الثوار، وتوالي الإنظمامات إلى صفوف الثورة، وكسبت المعركة الأخلاقية مع النظام، حين كشفت الوجه القبيح والدموي للنظام.
وثمة نقطة مهمة كانت مدخلاً لخلخلة الثورة، فقد شهدت يومها الجدال الذي حصل بين قوى مستقلة وقوى حزبية عن إحتواء رموز من النظام بمجرد إعلانهم الإنشاق، وفي الحقيقة فإن رفض استقبال من ينشق عن النظام السابق ليس بأمر منطقي، ولكن الخطأ الذي أرتكبته القيادة الثورية وقتها هي إعطاء هؤلاء الذين انشقوا من النظام السابق دوراً قيادياً في الثورة، وكان يمكن احتواء هؤلاء، دون اعطائهم دور مؤثر، فلا تزال تربطهم مصالح مع النظام السابق وربما مالوا إلى المصالحة والحلول النصفية أكثر من مسألة الحسم مع النظام السابق.
من الثورة إلى الأزمة!
إذا كانت الثورة تعني تغيير النظام ومحاسبة القائمين عليه، فهذا يعني أنها تقوم على أساس التغيير الجذري ولا تقبل أنصاف الحلول أو الترقيع مع النظام السابق.
كما أن من مبادئ الثورات أنها لا تعرف الرحمة لأن الثائرين لم يحظوا بها من قبل النظام السابق، ولكن العدل مطلوب، فإن الثورة جاءت لإزالة الظلم وغرس العدل.
إن من يستقرئ تاريخ الثورات يدرك جيداً أنه يستحيل نجاح ثورة سواء كانت سلمية أو مسلحة، دون القضاء على القوى الرئيسية المثبتة للنظام القديم قضاءً تاماً!
وبعد كل ماسبق يمكن معرفة الفرق بين الثورة وبين التغيير السياسي أو الأزمة السياسية، وهنا يمكن طرح السؤال التالي:
هل كانت 11 فبراير ثورة أم أزمة؟
كما تحدثت في بداية المقال فإن 11 فبراير بدأت ثورة شعبية تجسد فيها العطاء والتضحية، وكانت على مقربة من تحقيق إنجاز تأريخي لولا افتقارها إلى قيادات ثورية حقيقية تضحي بروحها ومالها في سبيل الحفاظ على مسار الثورة، ولا تقبل بأنصاف الحلول وتدخل قوى خارجية موقفها من الثورات هو موقف عدائي، ونتيجة أسباب سوف أتحدث عنها تم حرف مسار الثورة وتحويلها إلى أزمة سياسية.
كيف تحولت إلى أزمة سياسية؟
لقد أثبتت الأحداث أن مشكلة الثورات العربية أنها قامت بعفوية ولم تتوفر القيادة الحقيقية لتقود مسار الثورات، إضافة إلى قلة الثقافة الثورية لدى الثوار ومعرفة مكائد أعداء الثورة وكشف الخيوط التي تلتف على أعناق الثوار بإسم إيجاد الحلول وعدم الإنزلاق إلى الفوضى!
كان على قوى الثورة أن تدرك طبيعة الصراع الذي وجدت فيه وأن الصراع لا يقتصر على النظام المحلي وحده، بل سيكون صراعاً مع قوى دولية ترتبط مصالحها مع النظام القائم، فهذه القوى ستكون جزءاً من الصراع، فإذا لم تضع هذا الأمر في الحسبان فإنها ستجد نفسها مقيدة بسلاسل لا تنفك منها، وقد تظهر هذه القوى بمثابة الصديق للثورة ثم تنطلق لتضع وتقترح مبادرات، تسميها حلاً للأزمة وهي في الواقع تهدف للحفاظ على النظام، أو على جزء منه، تضمن معه تحقيق مصالحها، وإخراج الثورة من مضمونها الثوري.
المبادرة الخليجية:
لقد كانت المبادرة الخليجية بمثابة القشة التي كسرت ظهر الثورة وحرفت مسارها، وحولتها من ثورة شعبية تسعى إلى إقتلاع النظام السابق من جذوره ومحاسبة الفاسدين وبناء نظام جديد بمؤسساته بعيداً عن رموز أو قبول أي دور للنظام السابق، حولتها إلى أزمة سياسية بين المعارضة والنظام الحاكم، أقصى ما تحلم به قوى المعارضة هي إصلاحات سياسية وإبعاد رأس النظام عن رئاسة البلاد، فيما تشارك قوى ورموز النظام السابق في النظام القادم!
ولم تكتفي السذاجة بإبقاء النظام وأدواته، بل ذهبت قوى الثورة إلى إرتكاب خيانة عظمى بحق الثورة والشهداء والذين قدموا التضحيات، حينما منحت قاتلهم صك البراءة والغفران، وأعطت كل من شاركوا بهدم الثورة من أول يوم ومن قبل ذلك شاركوا بالفساد وسرقة ثروات الشعب على مدى ثلاثة عقود أعطت هؤلاء جميعاً حصانة من الملاحقة القضائية!
هذا الأمر الأخير كفيل بأن يضحك الثكلى على خيبات الثورة والثائرين، ولو بحثت عن المبرر الذي يتحدث عنه من ارتكب هذه الجريمة فسيقول لك، قبول أخف الضررين والحفاظ على البلاد من الإنزلاق نحو الحرب الأهلية!! ثم بعدها بعامين انزلقت البلاد إلى الحرب ولكن بعد أن فقدت الثورة حماستها، ووجد النظام السابق المساندة والدعم وحلفاء جدد، وهنا يجب على من ارتكب تلك الجريمة أن يسأل نفسه، ألم يكن من الأفضل لو أن الثورة حسمت أمرها عسكريا منذ البداية؟! ولكنها العقلية النفعية وقصر النظر للقيادة التي صدرت نفسها لقيادة الثورة والتحكم بمساراتها.
إن هذه القيادات التي تصدرت المشهد كانت إلى الأمس القريب جزء من النظام السابق فعقليتها لا تختلف عن عقلية النظام الذي قامت عليه الثورة، لم تدرك المشهد جيداً وكانت مشكلتها مع صالح لا مع نظامه، وعندما وفرت لها المبادرة الخليجية خيار إخراج صالح من الرئاسة لم تصدق أن حلمها تحقق فقبلت بكل التنازلات مكتفية بخروج صالح من كرسي الرئاسة، قبلت بتواجد رموز وكوادر النظام السابق ودولته العميقة في المرحلة القادمة، وقبلت بعدم محاكمة النظام السابق، بل وقبلت أن يكون نائب صالح وعضو من حزبه من يقود المرحلة القادمة، في مشهد لن تشاهدة إلا في مسرحيات عادل الإمام!
لقد سارعت قوى الأحزاب التي احتكرت التحكم بقرارت الثورة في تقديم نفسها كبديل مناسب لنظام صالح لدى دوائر الإستخبارات الخارجية، ولم تتعامل مع الدول بحذر تفرضه الثورة وحساسية المرحلة، ومسارها وخصوصيتها، لقد كان ينقص الثورة القيادة الحقيقية، التي تمتاز بالوعي الثوري ولا تستعجل قطف الثمار ولديها بعد نظر لمآلات الأحداث، ولا تكتفي بنصف ثورة!
إن القيادات التي تصدرت مشهد ثورة 11 فبراير تتحمل كامل المسؤولية أمام الله وأمام الشهداء وأمام الشعب، لقد ساهمت هذه القيادة في تشويه مبدأ الثورة لدى الشعب، وغرست اليأس في قلوب الناس من أي مطالبة بالثورة والإنتفاضة، وجعلت الناس يحملون ثوار فبراير كل مآلات المرحلة، مع أنها هي من تتحمل كامل المسؤولية، فهي من سمحت لبقاء النظام، وقبلت بتحول الثورة إلى أزمة، واختارت رموز النظام الذي قامت عليه الثورة ليقودوا مرحلة مابعد الثورة، وتعاملت مع الدول بالتبعية العمياء وقبول أنصاف الحلول.
ومع كل ما سبق فإن 11 فبراير لا تخلوا من الإيجابيات
لقد ساهمت 11 فبراير بزيادة الوعي الشعبي وإنكشاف الأقنعة وإدراك حقيقة الأنظمة الاستبدادية، كما أنها كشفت حقيقة قيادات الجماعات والأحزاب التي لم يكن لديها الوعي الكافي بالثورة ومبادئها، كشفت أن الأحزاب تبحث عن أدوار تلعبها ظمن منظومة النظام الدولي ولو كان هذا النظام هو في الحقيقة استعمار خفي للدول والشعوب، لم تنطلق لتحرر الشعوب من النظام الفاسد ومن الأدوات التي تعمل على تثبيته.
كما أنها أثبتت أن الشعوب الحية هي من تملك القرار وتستطيع ذلك إذا نزعت الخوف ورفعت شعار الصمود والتضحية، وأنها قادرة مستقبلاً على إحداث التغيير.
وفي الأخير لا يزال الأمل قائم:
ومع كل ما سبق فإن الواقع يقول أننا بحاجة إلى تجديد الثورة والإنطلاق نحو تصحيح المسار وتجاوز الخلافات البينية التي لا تبني بلداً ولا تقيم صرحاً، لا سيما وأن الجميع في مواجهة المشروع الكهنوتي الإمامي، وأن أول الخطوات الناجحة لتجديد الثورة هو الإطاحة بكل الرموز والقيادات التي كانت وراء ضياع تضحيات الشباب وحرف مسار الثورة، والتي أثبتت الأحداث خطأ حساباتهم، وإن الثورة بحاجة إلى قيادات جديدة لم تصنع في سفارت الدول، قيادات يدها نظيفة وعقلها حاد، تضحي بكل ما تملك من أجل المبادئ ولاتقبل المساومة، وإن هذا الإنطلاق يأتي من الإستقلال الذاتي عن المشاريع الخارجية، فإن الرصاصة المستأجرة لا تصنع الحرية، وبدلاً من التيهان في الحديث عن أحقية الثورة من عدمها، فإن الواجب هو الإنطلاق نحو غرس الوعي الثوري وإعادة الروح الثورية من جديد ووضع رؤية حقيقة حول الثورة ومبادئها وإحياء الوعي بإقامة الندوات والبحوث، والمؤتمرات واللقاءات، وترك الخطاب الحزبي والإنتماء للثورة ومبادئها، ما عدى ذلك فهو هدم لما تبقى من أمل ومن لم يستعمله الله اليوم في الخير فسوف يستبدله بآخرين.
الثورة والوقت:
الثورات قد يطول زمانها ولا يعني ذلك فشلها إذا ما حافظت على مسارها، فإن العجلة في قطف ثمار الثورة قبل أن تنضج وتقضي على النظام الذي ثارت عليه فإنها تحمل في طياتها اليأس والخراب.
وعلى ذكر تأريخ الثورات فإن الثورة الأمريكية ضد بريطانيا استمرت مدة 18 عام من 1765 م إلى عام 1783 م منها اخر 8 سنوات حرب عسكرية شاملة ثم حدثت الحرب الأهلية الأمريكية لمدة أكثر من 4 سنوات من عام 1861 م إلى عام 1865 م ثم بنيت بعدها أساس الدولة الأمريكية الحديثة
والثورة الفرنسية ضد النظام الملكي، استمرت 10 سنوات ونصف منذ عام 1789 إلى عام 1799م بأحداثها الكثيرة وما تبعها من تغيرات لصياغة الدولة الفرنسية الحديثة.