أنور الجندي
ما تزال الكلمة الأولى هي الكلمة الأخيرة : هذا وطن الإسلام الذي سرق منه واستولى عليه الاستعمار وحاصر دينه وعقيدته في مؤامرة ضخمة لتدميرهما وتحويل هذه الأمة إلى عبودية الأممية والخضوع للحضارة الغربية والانصهار في المجتمع العالمي المادي العلماني الذي مرق من العبودية لله تبارك وتعالى مفكرًا هذه الرابطة متحللاً منها داعيًا إلى نقضها في محاولة للخروج عن سنن الله تبارك وتعالى.
وبالرغم من مرور أكثر من مائة وخمسين عامًا على الوطن الإسلامي وهو محاصر في دائرة النفوذ الغربي بشكل أو بآخر، وبالرغم من جهاد الأبرار على طول هذا المدى في سبيل الحفاظ على البيضة وحماية الفكرة .. فإنه مهما بدا أنه حر في حركته فهو مقيد محاصر مصادرة ثرواته ومقدراته ، مغرّب شبابه ورجاله حيث تحتويه دعوات الماركسية والليبرالية والقومية والفرعونية في محاولة مستمينة لفصله عن عقيدته ولتحطيم وحدته الكبرى بعد أن أسقطت خلافته ليظل دائمًا ممزقًا مستدلاً .
ولقد عملت اليقظة الإسلامية دائبة على تحريره من قيوده وخطت في سبيل ذلك خطوات واسعة انتقالاً إلى الصحة) في سبيل الوصول إلى (النهضة) غير أن كثافة ردود الأفعال ومضاعفة النفوذ الغربي لعمليات التغريب والغزو الفكري فإنها ماتزال تعمل في محاولة مستميتة لتصهرنا في بوتقة الغرب .
يأتي هذا الخطر عن طريق التعليم والثقافة والصحافة مما يتطلب منا الإلحاح الدائم على تذكر الغاية الأساسية وهي حماية أمتنا من الخطر المسلط على منهجنا الأصيل .
إن تتابع محاولات الاحتواء التي تجري اليوم تحت أسماء مختلفة تحاول أن تصورنا في صورة الأمن الخادع ظنًا منا أننا قد امتلكنا إرادتنا فلا خوف من صهرنا في بوتقة الأممية العالمية أو القضاء على تميزنا وخصوصياتنا ، التي أعطانا إياها الإسلام منذ أربع عشر قرنًا ، والتي ما تزال هي أخطر مايجب الحفاظ عليه وحمايته والتضحية بكل شيء في سبيل الدفاع عن هذه الخصوصية وهذا التميز فهو عنوان إسلامنا الذي ندافع عنه بالأرواح وبالأجساد المتراصة .
إن مهمتنا الحقيقية هو (البناء على الأساس) لسنا نطالب بالعودة إلى الماضي أو إحياء التاريخ ولكنا ندعو إلى التماس أصول منهجنا الذي بني عليه كياننا منذ أربعة عشر قرنًا : هذا المنهج المرن الواسع الأطر القابل لمتغيرات العصور والبيئات دون أن يتهم بالجمود أو التطرف إن النفوذ الأجنبي بهذه الجريمة التي ارتكبها منذ مائة سنة حين حجب منهجنا الإسلامي وشريعتنا وهدم وحدتنا الكبرى قد خالف طريقنا وفتح أمامنا السبل المتفرقة المضطربة وقسم عقيدتنا ومزق وجهتنا بين مذاهب وايدلوجيات بشرية مضطربة وقع الغرب في منزلقها لأنه اختار أن يترك ميراثه السماوي جملة ، أما نحن المسلمون فقد وجدنا أنفسنا على الجادة إزاء رسالة خالدة وكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومنهج أصيل جامع وتاريخ عريق تتمثل فيه تجربة المسلم في سبيل بناء المجتمع الرباني (وإن لم يصل بعد إلى تحقيقها على الوجه الصحيح) .
فإذا نحن طالبنا أن نزيل هذه المرحلة المظلمة من التبعية للغرب حين فرض علينا قانونه الوضعي ونظامه الربوي ومنهجه العلماني ارتفعت الأصوات تصفنا بالجمود والتخلف والرجعية ، وما نحن من ذلك كله في شيء ، ولكنا فور أن نصحح الخطأ ونزيل تبعية فرضت ولم نقبل بها يومًا واحدًا من أيام حياتنا الماضية وكنا نتطلع في كل صباح لأن نعود إلى المنابع ونلتمس أصالتنا ونلتمس طريقنا الأصيل عملاً بالآية الكريمة .
﴿وَأنَّ هَذَا صِرَاطِيْ مُسْتَقِيْمًا فَاتَّبِعُوْهُ وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِه ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ سورة الأنعام آية153.
نحن نختلف عن أصحاب الولاء للتبعية الغربية في أننا نطالب بتصحيح المسيرة ، مستمدين ذلك من واقع حياتنا ، فهي ليست معارضة خلاف أو خصومة ، ولكنها مراجعة تلتمس الوصول إلى الجذور والمنابع والبناء عليها ، مراجعة تحرير من تبعية هدف غربي أو ولاء لهذا المنهج أو ذاك من مناهج البشرية التي أثبتت التجربة فساد تطبيقها وسقطت في بلادها التي أنشأتها، وهي مراجعة يطالبنا بها العالم كله اليوم بعد أن أصبح الإسلام هو الأمل الوحيد للبشرية لإخراجها من الظلمات إلى النور .
فها نحن نرى أعلام الغرب وعلماءه يعلنون موقفهم من الإسلام ويكشفون عن فساد تلك الايدلوجيات واضطرابها وعجزها عن العطاء وها هم رجال القانون الغربيون في عديد من المؤتمرات العالمية يعلنون أن الشريعة الإسلامية هي أمل البشرية ومطمع أهلها ، يقولون هذا بينما أهلها مازالوا غارقين في تبعية بغيضة للقانون الوضعي بكل سوءاته وآثامه وحرمانه للأمة الإسلامية من حماية حدود الله تبارك وتعالى وتطبيقها .
2- إننا في حاجة دائمة إلى وعي رسالتنا وأمتنا ومهمتنا التي سوف نسأل عنها بين يدي الله تبارك وتعالى ، وهي الذود عن أمانة الدعوة إيمانًا بأن هذه الأمة الإسلامية هي الأمة الخاتمة المصطفاة لحمل رسالة التوحيد إلى العالمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
وأن جميع الرسالات التي سبقت كانت بمثابة تمهيد وإعداد لهذه الرسالة الخاتمة وأن (الصحوة) في الأمة تنبعث دائمًا من داخلها من منطلق تصحيح المسيرة وليس بعامل خارجي إلا أن يكون الوعي بالخطر الذي يحيط بها .
وقد صدقت مقولة شيخنا أبي الحسن الندوي حين يقول:
(إن الصحوة الإسلامية هي صفة الإسلام ويجب أن تتصل اتصالاً وثيقًا في حلقاتها لأنها الأمة المختارة والأخيرة والمبعوثة للإنسانية كلها) . وقد امتاز الإسلام بأنه يختلف عن الدعوات السابقة بأن له فترات إصلاحية فورية جذرية تدعو إلى العودة به إلى الأصل الأول.
حيث لم تخل مرحلة من وجود مصلح أو مجدد أو داعية للصحوة الإسلامية في هذا البلد أو ذاك على اختلاف المساحات والأرجاء فالصحف الإسلامية في الحقيقة من طبيعة الإسلام ويجب أن تتصل اتصالاً وثيقًا في حلقاتها فإنها الأمة المختارة أو الأمة المبعوثة للإنسانية جمعاء ومن هنا نفهم معنى (الأمانة) الكبرى التي يحملها المتصدرون للدعوة الإسلامية ومدى خطر المسؤولية الملقاة على عاتقهم وأهمية الدور الذي هم مكلفون به ، والذي يجب أن يصل بهم إلى اليقين الوثيق في صدق هذه الدعوة وانتصارها وضرورة بذل النفس والنفيس في سبيل تبليغها وحمايتها وتصحيح المفاهيم ويبدو ذلك واضحًا في حديث رسول الله.
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف المغالين وتزييف المبطلين وتأويل الجاهلين:
فمهما ادلهمت الأحداث واستعلى الباطل وارتفع صوت الضلال وظن الناس أن الأمور كلها قد اسلمت نفسها إلى هذا الانحراف الذي تنطلق به عجلة الحضارة المعاصرة والدول التي تسوقها نظم السيطرة الربوية العالمية بكل ما تمثله من فساد خلقي وانحراف وإسراف واندفاع نحو الهاوية ، فإن نور الحق لابد وأن يسطع وأن ترتفع كلمة الحق ، ولابد أن تغلب وكل من يسير في غير اتجاه الحق فإنما يسير ضد تيار التاريخ والفطرة.
ومن سار ضد تيار الفطرة لابد أن يتحطم ويدمر ولقد استعلت الحضارة الغربية بالباطل وساقت العالم كله وراءها الآن ، وفرضت مفاهيمها وقيمها وبقي ضوء الإسلام ممتدًا وإن كان خافتًا لم ينطفئ أبدًا ، ولاتزال الضربات تتوالى على المسلمين في كل مكان : ضربات الاقتصاد والتحلل الاجتماعي وكلها تستهدف أن يستسلم المسلمون ويقبلون بالانصهار في هذا النظام المنهار المتعفن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ولكن بقي على المسلمين أن ينظروا إلى غد وأن يؤكدوا موقفهم المسؤول عن الأمانة التي حملهم إياها الحق تبارك وتعالى ولا يتراجعوا أو ينزعجوا أمام التضخم والاستعلاء واتساع منطلقات الباطل وظلمه وفساده وتعدد معسكراته ، وعليهم أن يثبتوا واثقين بالنصر من الله لهم وكل يوم لهم فتح قريب.
ويجب أن يعلم المسلم أن كل هذا الفساد إلى زوال وأن الله تبارك وتعالى يأتي الأرض ينقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحمه ومن هنا فيجب أن يكون المسلم مطمئنًا إلى اليقين في الله وأن يظل المسلم مقاتلاً لا يستسلم أمام أهواء الحضارة أو فساد التيارات الفكرية العصرية غير مستسلم لها ، يقيم شرعة الله في نفسه وبيته وآله والمسلم مهما ادلهمت الأحداث فهو واثق من فرج الله ولا يميل أبدا إلى سوء الظن ولا يتقبل صور التشاؤم أو ظلام الأحقاد مهما كان قائلها بارز الصيت أو مكتوبة في صحف لامعة أو شهيرة فذلك وما يريده العدو الذي يطمع في أن يصل المسلم إلى مرحلة الاستسلام واليأس وكيف ينفض المسلم يده من الأمر وهو يعلم مسؤوليته أمام الله تبارك وتعالى على هذه الأمانة القائمة في عنقه وذلك الوعيد الصادق الأكيد بالنصر مهما ادلهمت الأحداث ؛ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا أتاهم نصرنا . وباب السماء مفتوح ونصر الله قريب إن مسؤوليتنا أن نصمد في موقفنا مؤمنين بأننا على الحق مرابطين حتى ننتصر أو نستشهد.
إن الوعي بحقيقة المخطط المرسوم لاحتواء الإسلام والمسلمين يجعلنا قادرين على التماس الطريق الذي رسمه الحق تبارك وتعالى لنا للخروج من كل مأزق ، وعلى شبابنا المسلم أن يكون على وعي كامل بعدة حقائق أساسية:
أولاً : أن مجتمعنا القائم الآن يمكن أن يكون نقطة انطلاق إلى واقع إسلامي لأن قاعدته الأساسية ماتزال سليمة وصالحة إذا أحسن توجيهها نحو البناء على الأساس وفق مفهوم النظام الإسلامي ، غير أن هذا الواقع القائم الآن ينقصه الكثير ويتطلب تصحيح كثير من مفاهيمه وقيمه وتعديل مساره نحو الطريق الأصيل وأهم ما يتطلبه هو التعامل الاجتماعي من قاعدة (الحفاظ على الحلال وتجاوز الحرام) سواء في المعاملات التجارية أو في العلاقات بين الرجل والمرأة.
ذلك لأننا كمسلمين وقد تشكل مجتمعنا منذ أربعة عشر قرنًا على مفاهيم الإسلام نؤمن بالقاعدة الأخلاقية الثابتة أساسًا متينًا للبناء الاجتماعي والتعامل الاجتماعي محررًا من شبهة الربا في الاقتصاد وشبهة الإباحة في المجتمع .
وهذا التوجه هو الذي تنظمه الشريعة الإسلامية فتحفظ المسلم من الانحراف وتحمله على تجاوز الحرام سواء في تعامله الاقتصادي أو الاجتماعي . وهذا ما ينقص مجتمعنا اليوم الذي يندفع بقوة نحو البحث عن الموارد والكسب والتعامل التجاري دون أن نضبط تعامله إسلاميًا بتحريم الربا أو أخلاقيًا بتجاوز الحدود.
ومن هنا فنحن في أشد الحاجة إلى الدخول في مرحلة تصحيح الوجهة ، وذلك بإقامة معاملاتنا سواء في مجال التجارة أو ااجة إلى الدخول في مرحلة تصحيح الوجهة وذلك بإقامة معاملاتنا سواء فيًا بتجاوز الحدود .
لاقتصادي أو الاجتماعي . لزراعة أو الاقتصاد على أساس تحري الحلال وتجاوز الحرام وكذلك إقامة علاقاتنا الاجتماعية على أساس نفسه.
وفي هذا المنطلق نحن في حاجة إلى تحرير أساليب التسلية والترفيه (سواء منها المسرح أو التلفزيون أو غيرها) .
من القصص الماجن والروايات والأفلام والمسلسلات المنحرفة التي تجعل مآثم المجتمعات وكأنها حقائق مشروعة وذلك لحماية شباب الأمة من الوقوع في الخطأ أو الخطر.
ثانيًا : إن الأصول الإسلامية لمجتمعنا يجب أن تكون واضحة في حركة الفكر فلا نجد المناهج والأبحاث تقدم وجهة نظر الفكر الليبرالي أو الفكر الماركسي على أوسع نطاق دون أن تقدم وجهة النظر الإسلامية سواء في مجال القانون أو الاقتصاد أو التربية في محاولة لإعلاء التصور الغربي وحجب التصور الإسلامي في محاولة لإعلاء منهج مغلوط هو أن الإسلام لا صلة له بالمجتمعات من حيث توجيهها ورسم مناهج تحركها ومعاملاتها لإفساح المجال أمام القانون الوضعي وإعلاء مفاهيم العلمانية .
وهذا التصور في مجموعه لا يمثل حقيقة مجتمعنا القائم أساسًا على الشريعة والذي يطالب بتطبيقها في مختلف المجالات السياسية .
ما تزال الكلمة الأولى هي الكلمة الأخيرة : هذا وطن الإسلام الذي سرق منه واستولى عليه الاستعمار وحاصر دينه وعقيدته في مؤامرة ضخمة لتدميرهما وتحويل هذه الأمة إلى عبودية الأممية والخضوع للحضارة الغربية والانصهار في المجتمع العالمي المادي العلماني الذي مرق من العبودية لله تبارك وتعالى مفكرًا هذه الرابطة متحللاً منها داعيًا إلى نقضها في محاولة للخروج عن سنن الله تبارك وتعالى.
وبالرغم من مرور أكثر من مائة وخمسين عامًا على الوطن الإسلامي وهو محاصر في دائرة النفوذ الغربي بشكل أو بآخر، وبالرغم من جهاد الأبرار على طول هذا المدى في سبيل الحفاظ على البيضة وحماية الفكرة .. فإنه مهما بدا أنه حر في حركته فهو مقيد محاصر مصادرة ثرواته ومقدراته ، مغرّب شبابه ورجاله حيث تحتويه دعوات الماركسية والليبرالية والقومية والفرعونية في محاولة مستمينة لفصله عن عقيدته ولتحطيم وحدته الكبرى بعد أن أسقطت خلافته ليظل دائمًا ممزقًا مستدلاً .
ولقد عملت اليقظة الإسلامية دائبة على تحريره من قيوده وخطت في سبيل ذلك خطوات واسعة انتقالاً إلى الصحة) في سبيل الوصول إلى (النهضة) غير أن كثافة ردود الأفعال ومضاعفة النفوذ الغربي لعمليات التغريب والغزو الفكري فإنها ماتزال تعمل في محاولة مستميتة لتصهرنا في بوتقة الغرب .
يأتي هذا الخطر عن طريق التعليم والثقافة والصحافة مما يتطلب منا الإلحاح الدائم على تذكر الغاية الأساسية وهي حماية أمتنا من الخطر المسلط على منهجنا الأصيل .
إن تتابع محاولات الاحتواء التي تجري اليوم تحت أسماء مختلفة تحاول أن تصورنا في صورة الأمن الخادع ظنًا منا أننا قد امتلكنا إرادتنا فلا خوف من صهرنا في بوتقة الأممية العالمية أو القضاء على تميزنا وخصوصياتنا ، التي أعطانا إياها الإسلام منذ أربع عشر قرنًا ، والتي ما تزال هي أخطر مايجب الحفاظ عليه وحمايته والتضحية بكل شيء في سبيل الدفاع عن هذه الخصوصية وهذا التميز فهو عنوان إسلامنا الذي ندافع عنه بالأرواح وبالأجساد المتراصة .
إن مهمتنا الحقيقية هو (البناء على الأساس) لسنا نطالب بالعودة إلى الماضي أو إحياء التاريخ ولكنا ندعو إلى التماس أصول منهجنا الذي بني عليه كياننا منذ أربعة عشر قرنًا : هذا المنهج المرن الواسع الأطر القابل لمتغيرات العصور والبيئات دون أن يتهم بالجمود أو التطرف إن النفوذ الأجنبي بهذه الجريمة التي ارتكبها منذ مائة سنة حين حجب منهجنا الإسلامي وشريعتنا وهدم وحدتنا الكبرى قد خالف طريقنا وفتح أمامنا السبل المتفرقة المضطربة وقسم عقيدتنا ومزق وجهتنا بين مذاهب وايدلوجيات بشرية مضطربة وقع الغرب في منزلقها لأنه اختار أن يترك ميراثه السماوي جملة ، أما نحن المسلمون فقد وجدنا أنفسنا على الجادة إزاء رسالة خالدة وكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومنهج أصيل جامع وتاريخ عريق تتمثل فيه تجربة المسلم في سبيل بناء المجتمع الرباني (وإن لم يصل بعد إلى تحقيقها على الوجه الصحيح) .
فإذا نحن طالبنا أن نزيل هذه المرحلة المظلمة من التبعية للغرب حين فرض علينا قانونه الوضعي ونظامه الربوي ومنهجه العلماني ارتفعت الأصوات تصفنا بالجمود والتخلف والرجعية ، وما نحن من ذلك كله في شيء ، ولكنا فور أن نصحح الخطأ ونزيل تبعية فرضت ولم نقبل بها يومًا واحدًا من أيام حياتنا الماضية وكنا نتطلع في كل صباح لأن نعود إلى المنابع ونلتمس أصالتنا ونلتمس طريقنا الأصيل عملاً بالآية الكريمة .
﴿وَأنَّ هَذَا صِرَاطِيْ مُسْتَقِيْمًا فَاتَّبِعُوْهُ وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِه ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ سورة الأنعام آية153.
نحن نختلف عن أصحاب الولاء للتبعية الغربية في أننا نطالب بتصحيح المسيرة ، مستمدين ذلك من واقع حياتنا ، فهي ليست معارضة خلاف أو خصومة ، ولكنها مراجعة تلتمس الوصول إلى الجذور والمنابع والبناء عليها ، مراجعة تحرير من تبعية هدف غربي أو ولاء لهذا المنهج أو ذاك من مناهج البشرية التي أثبتت التجربة فساد تطبيقها وسقطت في بلادها التي أنشأتها، وهي مراجعة يطالبنا بها العالم كله اليوم بعد أن أصبح الإسلام هو الأمل الوحيد للبشرية لإخراجها من الظلمات إلى النور .
فها نحن نرى أعلام الغرب وعلماءه يعلنون موقفهم من الإسلام ويكشفون عن فساد تلك الايدلوجيات واضطرابها وعجزها عن العطاء وها هم رجال القانون الغربيون في عديد من المؤتمرات العالمية يعلنون أن الشريعة الإسلامية هي أمل البشرية ومطمع أهلها ، يقولون هذا بينما أهلها مازالوا غارقين في تبعية بغيضة للقانون الوضعي بكل سوءاته وآثامه وحرمانه للأمة الإسلامية من حماية حدود الله تبارك وتعالى وتطبيقها .
2- إننا في حاجة دائمة إلى وعي رسالتنا وأمتنا ومهمتنا التي سوف نسأل عنها بين يدي الله تبارك وتعالى ، وهي الذود عن أمانة الدعوة إيمانًا بأن هذه الأمة الإسلامية هي الأمة الخاتمة المصطفاة لحمل رسالة التوحيد إلى العالمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
وأن جميع الرسالات التي سبقت كانت بمثابة تمهيد وإعداد لهذه الرسالة الخاتمة وأن (الصحوة) في الأمة تنبعث دائمًا من داخلها من منطلق تصحيح المسيرة وليس بعامل خارجي إلا أن يكون الوعي بالخطر الذي يحيط بها .
وقد صدقت مقولة شيخنا أبي الحسن الندوي حين يقول:
(إن الصحوة الإسلامية هي صفة الإسلام ويجب أن تتصل اتصالاً وثيقًا في حلقاتها لأنها الأمة المختارة والأخيرة والمبعوثة للإنسانية كلها) . وقد امتاز الإسلام بأنه يختلف عن الدعوات السابقة بأن له فترات إصلاحية فورية جذرية تدعو إلى العودة به إلى الأصل الأول.
حيث لم تخل مرحلة من وجود مصلح أو مجدد أو داعية للصحوة الإسلامية في هذا البلد أو ذاك على اختلاف المساحات والأرجاء فالصحف الإسلامية في الحقيقة من طبيعة الإسلام ويجب أن تتصل اتصالاً وثيقًا في حلقاتها فإنها الأمة المختارة أو الأمة المبعوثة للإنسانية جمعاء ومن هنا نفهم معنى (الأمانة) الكبرى التي يحملها المتصدرون للدعوة الإسلامية ومدى خطر المسؤولية الملقاة على عاتقهم وأهمية الدور الذي هم مكلفون به ، والذي يجب أن يصل بهم إلى اليقين الوثيق في صدق هذه الدعوة وانتصارها وضرورة بذل النفس والنفيس في سبيل تبليغها وحمايتها وتصحيح المفاهيم ويبدو ذلك واضحًا في حديث رسول الله.
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف المغالين وتزييف المبطلين وتأويل الجاهلين:
فمهما ادلهمت الأحداث واستعلى الباطل وارتفع صوت الضلال وظن الناس أن الأمور كلها قد اسلمت نفسها إلى هذا الانحراف الذي تنطلق به عجلة الحضارة المعاصرة والدول التي تسوقها نظم السيطرة الربوية العالمية بكل ما تمثله من فساد خلقي وانحراف وإسراف واندفاع نحو الهاوية ، فإن نور الحق لابد وأن يسطع وأن ترتفع كلمة الحق ، ولابد أن تغلب وكل من يسير في غير اتجاه الحق فإنما يسير ضد تيار التاريخ والفطرة.
ومن سار ضد تيار الفطرة لابد أن يتحطم ويدمر ولقد استعلت الحضارة الغربية بالباطل وساقت العالم كله وراءها الآن ، وفرضت مفاهيمها وقيمها وبقي ضوء الإسلام ممتدًا وإن كان خافتًا لم ينطفئ أبدًا ، ولاتزال الضربات تتوالى على المسلمين في كل مكان : ضربات الاقتصاد والتحلل الاجتماعي وكلها تستهدف أن يستسلم المسلمون ويقبلون بالانصهار في هذا النظام المنهار المتعفن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ولكن بقي على المسلمين أن ينظروا إلى غد وأن يؤكدوا موقفهم المسؤول عن الأمانة التي حملهم إياها الحق تبارك وتعالى ولا يتراجعوا أو ينزعجوا أمام التضخم والاستعلاء واتساع منطلقات الباطل وظلمه وفساده وتعدد معسكراته ، وعليهم أن يثبتوا واثقين بالنصر من الله لهم وكل يوم لهم فتح قريب.
ويجب أن يعلم المسلم أن كل هذا الفساد إلى زوال وأن الله تبارك وتعالى يأتي الأرض ينقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحمه ومن هنا فيجب أن يكون المسلم مطمئنًا إلى اليقين في الله وأن يظل المسلم مقاتلاً لا يستسلم أمام أهواء الحضارة أو فساد التيارات الفكرية العصرية غير مستسلم لها ، يقيم شرعة الله في نفسه وبيته وآله والمسلم مهما ادلهمت الأحداث فهو واثق من فرج الله ولا يميل أبدا إلى سوء الظن ولا يتقبل صور التشاؤم أو ظلام الأحقاد مهما كان قائلها بارز الصيت أو مكتوبة في صحف لامعة أو شهيرة فذلك وما يريده العدو الذي يطمع في أن يصل المسلم إلى مرحلة الاستسلام واليأس وكيف ينفض المسلم يده من الأمر وهو يعلم مسؤوليته أمام الله تبارك وتعالى على هذه الأمانة القائمة في عنقه وذلك الوعيد الصادق الأكيد بالنصر مهما ادلهمت الأحداث ؛ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا أتاهم نصرنا . وباب السماء مفتوح ونصر الله قريب إن مسؤوليتنا أن نصمد في موقفنا مؤمنين بأننا على الحق مرابطين حتى ننتصر أو نستشهد.
إن الوعي بحقيقة المخطط المرسوم لاحتواء الإسلام والمسلمين يجعلنا قادرين على التماس الطريق الذي رسمه الحق تبارك وتعالى لنا للخروج من كل مأزق ، وعلى شبابنا المسلم أن يكون على وعي كامل بعدة حقائق أساسية:
أولاً : أن مجتمعنا القائم الآن يمكن أن يكون نقطة انطلاق إلى واقع إسلامي لأن قاعدته الأساسية ماتزال سليمة وصالحة إذا أحسن توجيهها نحو البناء على الأساس وفق مفهوم النظام الإسلامي ، غير أن هذا الواقع القائم الآن ينقصه الكثير ويتطلب تصحيح كثير من مفاهيمه وقيمه وتعديل مساره نحو الطريق الأصيل وأهم ما يتطلبه هو التعامل الاجتماعي من قاعدة (الحفاظ على الحلال وتجاوز الحرام) سواء في المعاملات التجارية أو في العلاقات بين الرجل والمرأة.
ذلك لأننا كمسلمين وقد تشكل مجتمعنا منذ أربعة عشر قرنًا على مفاهيم الإسلام نؤمن بالقاعدة الأخلاقية الثابتة أساسًا متينًا للبناء الاجتماعي والتعامل الاجتماعي محررًا من شبهة الربا في الاقتصاد وشبهة الإباحة في المجتمع .
وهذا التوجه هو الذي تنظمه الشريعة الإسلامية فتحفظ المسلم من الانحراف وتحمله على تجاوز الحرام سواء في تعامله الاقتصادي أو الاجتماعي . وهذا ما ينقص مجتمعنا اليوم الذي يندفع بقوة نحو البحث عن الموارد والكسب والتعامل التجاري دون أن نضبط تعامله إسلاميًا بتحريم الربا أو أخلاقيًا بتجاوز الحدود.
ومن هنا فنحن في أشد الحاجة إلى الدخول في مرحلة تصحيح الوجهة ، وذلك بإقامة معاملاتنا سواء في مجال التجارة أو ااجة إلى الدخول في مرحلة تصحيح الوجهة وذلك بإقامة معاملاتنا سواء فيًا بتجاوز الحدود .
لاقتصادي أو الاجتماعي . لزراعة أو الاقتصاد على أساس تحري الحلال وتجاوز الحرام وكذلك إقامة علاقاتنا الاجتماعية على أساس نفسه.
وفي هذا المنطلق نحن في حاجة إلى تحرير أساليب التسلية والترفيه (سواء منها المسرح أو التلفزيون أو غيرها) .
من القصص الماجن والروايات والأفلام والمسلسلات المنحرفة التي تجعل مآثم المجتمعات وكأنها حقائق مشروعة وذلك لحماية شباب الأمة من الوقوع في الخطأ أو الخطر.
ثانيًا : إن الأصول الإسلامية لمجتمعنا يجب أن تكون واضحة في حركة الفكر فلا نجد المناهج والأبحاث تقدم وجهة نظر الفكر الليبرالي أو الفكر الماركسي على أوسع نطاق دون أن تقدم وجهة النظر الإسلامية سواء في مجال القانون أو الاقتصاد أو التربية في محاولة لإعلاء التصور الغربي وحجب التصور الإسلامي في محاولة لإعلاء منهج مغلوط هو أن الإسلام لا صلة له بالمجتمعات من حيث توجيهها ورسم مناهج تحركها ومعاملاتها لإفساح المجال أمام القانون الوضعي وإعلاء مفاهيم العلمانية .
وهذا التصور في مجموعه لا يمثل حقيقة مجتمعنا القائم أساسًا على الشريعة والذي يطالب بتطبيقها في مختلف المجالات السياسية .