ما هُو الوطن الذي يَتحدثون عنه ؟! يُعظّمونه، يتغنون به، يكتبون عنّه الأشعار والمقالات والرويات والكتب! سؤال يتردد في مخيلتي منذ السنوات الأولى من حياتنا، كنا نسمع من أبائنا كثيرا ومعلمينا في المدرسة الابتدائية عن شيء يدعى الوطن، لم نكن حينها نُميّز بين الأشياء فضلاً عن المسميات والألغاز، وفي المدرسة قبل أن نتعلم الحروف والأرقام، من اليوم الأول في إذاعة المدرسة يمرّ الاسم ذاته على مسامعنا، أصبحنا نسمعه كل يوم ونتغنى به، عقولنا الصغيرة لم تكن تستوعب أبعاد هذ الاسم المقدس الكبير، والمكون من ثلاث أحرف فحسب، لكنه صار موسيقى الروح، وسيمفونية الوجدان ، وعليلاً نستنشقه كل صباح كأجمل من نُسيمات الفجر، بل وحصن حصين لكل متلقي، قبل بدء يومه الدراسي .
تعلمنا دروسا وأناشيد تحثنا على حب الوطن والتضحية من أجله بالروح والدم، حتى لكأنني أتذكر اليوم الذي طلب فيه منا معلم اللغة العربية في الصف الخامس تعبيرا كتابيا عن حب الوطن، والذي لم أكمل فيه خمسة أسطر تكررت فيه جملة (أحب وطني الجميل) أكثر من ست مرات، وهكذا كلما أردت السؤال عن الوطن شعرت بمهابة عظيمة وتراجعت، وظل السؤال حبيسا بين جوانحي (الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة) حتى منهاج التربية الوطنية الذي درسناه في أغلب مراحل التعليم في المدرسة لم يفصح ولو جزء يسير من الإجابة.
مرت الأيام وتعلمنا الكثير في مدرستنا، سمعنا عن الوطن الكبير من المذياع ، وشاهدنا وسمعنا من التلفاز، وقرأنا في الصحف والمجلات، والكتب، وكلما مرّ بمسامعنا اسم الوطن تقف قوبنا إجلالا قبل أجسادنا لهذا المعنى المقدس، وهكذا كبرنا وكبر معنا حب الوطن.
الغريب في هذا كله أننا لم نجد إجابة مقنعة عما هو الوطن الذي ننشده ممن علمونا! سوى أنه ذلك التراب، والرمل المتطاير في الصحراء، وهو ما يجب أن نرويه بدمائنا كما فعل الآباء والأجداد الأحرار، الذين استشهدوا في سبيل حرية هذا الوطن، إنه الوطن الذي قرن اسمه بالله في العبارة التي كنا نرددها كل يوم ( الله - الوطن - الثورة) هذا ما فهمناه.
وما لم نفهمه هو أن الوطن مجرد قناع يتخفى خلفه الحاكم الزعيم وسلطته وحاشيته وأفراد أسرته، وأنهم هم الوطن الذي يجب أن نحافظ عليه، ونتعبد الله بحبه وموالاته، ومن عارضهم في ظلمهم وقاوم استبدادهم ولو بمجرد الكلمة، فهو خائن للدين والوطن ويستحق العقاب... إلم يكن القتل الظاهر فهو الاختفاء قسرا.
اتضح ما كان خفيا فيما بعد، وبان المستور، وفهمنا أن منهجنا الدراسي كان عنصريا بحتا، وأننا ظللنا لسنوات نتعلم الوطنية بمفهومها الخاطئ، وأن هذا المنهج كان يعزز فينا قيم الولاء للزعيم وأفراد عائلته أكثر من أن يعزز فينا القيم الوطنية÷ والمفهوم الصحيح للوطن، وعلى سبيل المثال في منهج اللغة العربية السابق والحديث، إلا أن الحديث صار أهون! بالأخص في كتاب القراءة ، الكتاب كان عبارة عن حكايات وأساطير تتضمن أربع شخصيات بطولية هي: (الأب صالح – الأم بلقيس – الأخت أروى – الأخ أحمد ) وفي كل درس من تلك الدروس نجد (أبونا صالح) هو اليمني العظيم الحكيم صاحب الرأي والأمر والنهي ، ونجد أمنا بلقيس هي اليمنية الضخمة وحكايتها ذات شجون ، إنسانة مكتملة، ليست مجرد صورة مبتورة الصدر والخصر والساقين، وهكذا هو الحال مع البطل أحمد، والفتاة الساحرة أروى، قصص نسجت ولها أبعادها ومدلولاتها، ولم تكن مجرد خيالات اختطها مؤلفو المنهج، لغرض التعليم فحسب، كان صالح الضخم والغير صالح هو ذلك المتسلط القابع على رأس الفتنة حتى يومنا هذا، وكانت العائلة الصالحة المكونة من (بلقيس – أحمد – أروى) هم بنوه الذين يعيشون برفاهية ونعيم، وبنوا مدنا يمانية خارج اليمن، على حساب شعب مغلوب على أمره، يرزح تحت النار والقصف والقتل والدمار والفقر والجوع والمعاناة منذ 2011م حين خرج الشعب في ثورة الشباب السلمية، هكذا أرادوا أن يرسموا صورة الوطن الهزيل، فاختزلوا الوطن الكبير في أسرة واحدة ، ومستبدة ، لكن الصورة بدأت تتكشف! فما هو الوطن ؟!
حتى يومنا هذا لم يعرفوا معنى الوطن! وأنه ذلك الإنسان الذي يتحدث بلغتك ويدين بدينك ويؤمن بمعتقداتك وأعرافك وقيمك، ويجري فيه نفس الدم الذي فيك، الحي الذي نشأت فيه وترعرعت فيه أحلامك، وألفت ناسه، وعاشرتهم وتبادلت معهم الأفراح والأتراح، وتقاسمت معهم الزاد، المكان الذي استنشقت هواءه وشربت من مائه، هو الذي ينخلع قلبك كلما ابتعد عنه واجتاح الحنين فؤادك ومشاعرك ، الأرض التي تأكل وتنعم من خيراتها، وتحرثها وتبني عليها مسكنك وبيت أحلامك، وتعيش فيها بأمن وسلام واطمئنان وحب وتآلف هذا هو الوطن.
الوطن أنا أنت أنتِ أنتما أنتن أنتم . هو الإنسان، الدين، اللغة، الأرض، الحب والسلام، لا الحاكم والأسرة المستبدة، والكبت والقهر، والفقر والمعاناة، والظلم والظلام، كما يزعم حكام هذا العصر المستبدون! فإذا قُتل الإنسان، وأُزهقت روحه، الوارفة بالحياة، ما قيمة الوطن ؟! إذا هُدم الدينُ والقيم واللغة والعرض ما قيمة؟! إذا حل الظلم والقتل والاستبداد و الخوف والقهر والفقر والمعاناة، وحرم الإنسان حتى من لقمة عيشة والشعور بالأمان والسكينة، فأي وطن تدّعون؟
تعلمنا دروسا وأناشيد تحثنا على حب الوطن والتضحية من أجله بالروح والدم، حتى لكأنني أتذكر اليوم الذي طلب فيه منا معلم اللغة العربية في الصف الخامس تعبيرا كتابيا عن حب الوطن، والذي لم أكمل فيه خمسة أسطر تكررت فيه جملة (أحب وطني الجميل) أكثر من ست مرات، وهكذا كلما أردت السؤال عن الوطن شعرت بمهابة عظيمة وتراجعت، وظل السؤال حبيسا بين جوانحي (الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة) حتى منهاج التربية الوطنية الذي درسناه في أغلب مراحل التعليم في المدرسة لم يفصح ولو جزء يسير من الإجابة.
مرت الأيام وتعلمنا الكثير في مدرستنا، سمعنا عن الوطن الكبير من المذياع ، وشاهدنا وسمعنا من التلفاز، وقرأنا في الصحف والمجلات، والكتب، وكلما مرّ بمسامعنا اسم الوطن تقف قوبنا إجلالا قبل أجسادنا لهذا المعنى المقدس، وهكذا كبرنا وكبر معنا حب الوطن.
الغريب في هذا كله أننا لم نجد إجابة مقنعة عما هو الوطن الذي ننشده ممن علمونا! سوى أنه ذلك التراب، والرمل المتطاير في الصحراء، وهو ما يجب أن نرويه بدمائنا كما فعل الآباء والأجداد الأحرار، الذين استشهدوا في سبيل حرية هذا الوطن، إنه الوطن الذي قرن اسمه بالله في العبارة التي كنا نرددها كل يوم ( الله - الوطن - الثورة) هذا ما فهمناه.
وما لم نفهمه هو أن الوطن مجرد قناع يتخفى خلفه الحاكم الزعيم وسلطته وحاشيته وأفراد أسرته، وأنهم هم الوطن الذي يجب أن نحافظ عليه، ونتعبد الله بحبه وموالاته، ومن عارضهم في ظلمهم وقاوم استبدادهم ولو بمجرد الكلمة، فهو خائن للدين والوطن ويستحق العقاب... إلم يكن القتل الظاهر فهو الاختفاء قسرا.
اتضح ما كان خفيا فيما بعد، وبان المستور، وفهمنا أن منهجنا الدراسي كان عنصريا بحتا، وأننا ظللنا لسنوات نتعلم الوطنية بمفهومها الخاطئ، وأن هذا المنهج كان يعزز فينا قيم الولاء للزعيم وأفراد عائلته أكثر من أن يعزز فينا القيم الوطنية÷ والمفهوم الصحيح للوطن، وعلى سبيل المثال في منهج اللغة العربية السابق والحديث، إلا أن الحديث صار أهون! بالأخص في كتاب القراءة ، الكتاب كان عبارة عن حكايات وأساطير تتضمن أربع شخصيات بطولية هي: (الأب صالح – الأم بلقيس – الأخت أروى – الأخ أحمد ) وفي كل درس من تلك الدروس نجد (أبونا صالح) هو اليمني العظيم الحكيم صاحب الرأي والأمر والنهي ، ونجد أمنا بلقيس هي اليمنية الضخمة وحكايتها ذات شجون ، إنسانة مكتملة، ليست مجرد صورة مبتورة الصدر والخصر والساقين، وهكذا هو الحال مع البطل أحمد، والفتاة الساحرة أروى، قصص نسجت ولها أبعادها ومدلولاتها، ولم تكن مجرد خيالات اختطها مؤلفو المنهج، لغرض التعليم فحسب، كان صالح الضخم والغير صالح هو ذلك المتسلط القابع على رأس الفتنة حتى يومنا هذا، وكانت العائلة الصالحة المكونة من (بلقيس – أحمد – أروى) هم بنوه الذين يعيشون برفاهية ونعيم، وبنوا مدنا يمانية خارج اليمن، على حساب شعب مغلوب على أمره، يرزح تحت النار والقصف والقتل والدمار والفقر والجوع والمعاناة منذ 2011م حين خرج الشعب في ثورة الشباب السلمية، هكذا أرادوا أن يرسموا صورة الوطن الهزيل، فاختزلوا الوطن الكبير في أسرة واحدة ، ومستبدة ، لكن الصورة بدأت تتكشف! فما هو الوطن ؟!
حتى يومنا هذا لم يعرفوا معنى الوطن! وأنه ذلك الإنسان الذي يتحدث بلغتك ويدين بدينك ويؤمن بمعتقداتك وأعرافك وقيمك، ويجري فيه نفس الدم الذي فيك، الحي الذي نشأت فيه وترعرعت فيه أحلامك، وألفت ناسه، وعاشرتهم وتبادلت معهم الأفراح والأتراح، وتقاسمت معهم الزاد، المكان الذي استنشقت هواءه وشربت من مائه، هو الذي ينخلع قلبك كلما ابتعد عنه واجتاح الحنين فؤادك ومشاعرك ، الأرض التي تأكل وتنعم من خيراتها، وتحرثها وتبني عليها مسكنك وبيت أحلامك، وتعيش فيها بأمن وسلام واطمئنان وحب وتآلف هذا هو الوطن.
الوطن أنا أنت أنتِ أنتما أنتن أنتم . هو الإنسان، الدين، اللغة، الأرض، الحب والسلام، لا الحاكم والأسرة المستبدة، والكبت والقهر، والفقر والمعاناة، والظلم والظلام، كما يزعم حكام هذا العصر المستبدون! فإذا قُتل الإنسان، وأُزهقت روحه، الوارفة بالحياة، ما قيمة الوطن ؟! إذا هُدم الدينُ والقيم واللغة والعرض ما قيمة؟! إذا حل الظلم والقتل والاستبداد و الخوف والقهر والفقر والمعاناة، وحرم الإنسان حتى من لقمة عيشة والشعور بالأمان والسكينة، فأي وطن تدّعون؟