مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/04/13 03:25
التاريخ المنسي للنساء العالمات..الطبيبات المُسلمات
ارتبط نشاط الصحابيات خلال عهد الرسول (ص) في مجال التمريض والتطبيب بميادين القتال والغزوات، حين كن يخرجن مقاتلات وساقيات وآسيات (كلمة "أسى" في لسان العرب بمعنى طبيب، وهي الكلمة المستخدمة في كثير من المصادر إشارةً إلى هؤلاء المجاهدات الصحابيات) يحاربن ويقاتلن الأعداء، ويناولن السهام على سبيل الإعانة في خضم رحَى المعركة، ويسقين القوم، وينشْدن الشعر الحماسي لتشجيع المحاربين في الصفوف، ثم يداوين الجرحى، ويمرضنهم أو حتى يقمن بدفنهم ونقل الجثث في آخر الأمر.
 
أي أن هؤلاء النساء الصحابيات كُنَّ مجاهدات بحق، وجدن في كافة مراحل ومجالات الجهاد من أوله حتى آخره. يقمن بكل هذا في الوقت نفسه، يشاركن في أي نشاط موجود على الساحة يعين الأمة في كفاحها، ويقمن بما يلزم لنصرة الوطن. في هذه المرحلة المبكرة لم يتم إقصاؤهن أبدًا عمدًا أو الحَدُّ من حركتهن بأية حجة من الحجج، بل استفاد المجتمع من قدراتهن المتنوعة وتكبُّدهن لأنواع المشاق من هجرة وارتحال وغزو وخلافه. ومن هذا المنطق نسمع أول ما نسمع عن طبيبات التاريخ الإسلامي. 
 
إن إلقاء الضوء على التاريخ المنسي للنساء العالمات في المجتمعات الإسلامية قبل العصر الحديث يلفت النظر إلى التغيرات التاريخية والثقافية المعقدة التي تمر بها هذه المجتمعات، وتدحض مقولات غير مقبولة عن عدم مشروعية مشاركة النساء في الحياة الدينية العامة أو استنتاجات تاريخية غير صحيحة حول عدم وجودهن بالمرة على الساحة.
 
الطبيبات المُسلمات:
بعد رصد الطبيبات اللاتي جاء ذكرهن في المصادر التاريخية المختلفة في كتب الطبقات والتراجم والسير والتاريخ العام، أمكن حصر ثلاثة وعشرون أسمًا لنساء أسهمن في مجال الطب والعلاج، وتم إدراجهن في السجلات التاريخية على اعتبار أنهن طبيبات أو لهُنِّ إسهامات تستحق الذكر، وهن:
 
"رفيدة الأسلمية" كانت جراحة حروب، ولدت وتوفيت في عصر الرسول (ص) وعاشت في المدينة، ويعتبر المؤرخون أن خيمتها أول مستشفى في الإسلام، لأنه كان يتم فيها تضميد جروح المسلمين وعلاجهم في الحروب. "الربيع بنت مُعَوذ الأنصارية" من المسلمات الأوليات المبايعات للرسول (ص) عند الشجرة، وكانت جرَّاحة حروب، ولدت وتوفيت في عصر الرسول (ص) وعاشت في المدينة. "أميمَّة بنت قيس الغفارية" وكانت جرَّاحة حروب. و"سلمى أم رافع" مولاة رسول الله (ص). و"معاذة الغفارية" وكانت جرَّاحة حروب. و"كُعَيبْة الأسلمية". و"ليلى الغفارية". و"أم العلاء الأنصارية" من المسلمات الأوليات المبايعات للرسول (ص) وكانت تمرض المرضى. و"أم عطية الأنصارية" وكانت كحَّالة تعالج العيون.
 
 
"فريدة الكبرى" جارية، كانت مولَّدة (أمراض نساء)، ولِدت وتُوفَّيت في العصر الأموي وعاشت في الحجاز ثم الشام. "زينب طبيبة بني أود" كانت طبيبة مشهورة وذائعة الصيت بين العرب، وكانت تعمل كحَّالة وعاشت في الشام. "خرقاء العامرية" إحدى نساء بني عامر بن ربيعة، شاعرة وعارفة بالأدب والغناء، وكانت كحَّالة وعاشت في الجزيرة العربية. "سلاَّمة القس" جارية وشاعرة، وكانت مولَّدة وعاشت في المدينة ثم الشام. "حبابة" (ت. 105هـ) من جواري الخليفة الأموي، كانت مولدة، وعاشت في البصرة. 
 
"متيم الهاشمية" (ت.224هـ ) جارية وشاعرة وعارفة بالأدب، كانت مولدة، وعاشت في البصرة. "رحاص" (ت. 245هـ) وكانت مولدة، وعاشت في بغداد. "محبوبة" (ت. 247هـ) جارية وشاعرة، وكانت مولدة، وعاشت في العراق. "أم أسية القابلة" قابلة أولاد السلطان خمارويه، كانت قابلة (أمراض نساء)، ولدت وتوفيت في عصر الدولة الطولونية وعاشت في مصر. "أم أحمد القابلة" اشتهرت لأنها كانت تؤدي عملها لوجه الله تعالى، وكانت قابلة (أمراض نساء)، ولدت وتوفيت في العصر المملوكي وعاشت في مصر. "ابنة شهاب الدين الصائغ" تولت مشيخة الطب ولم يُحدد تخصصها، وكانت موجودة سنة 1036هـ وكانت تعمل في دار الشفاء المنصوري، أكبر مستشفى في مصر في العصور الوسطى، وكان لها دور بارز فيه.
 
"أخت أبي بكر بنت زهر، وابنتها"، أخت طبيب مشهور وكانت تعالج نساء الخليفة الموحدي، طبيبة أمراض نساء، ولدت وتوفيت في الدولة الموحدية، وعاشت في الأندلس. "جارية أبي عبد الله الكنان"، جارية وكانت مشغولة بعلم الطبائع والتشريح، ولدت وتوفيت في القرن الخامس الهجري، وعاشت في المغرب العربي. "أم الحسن بنت القاضي" ابنة قاض مشهور، وكان لديها فنون من الطب غير محددة في المصادر، وعاشت في الأندلس. 
 
طب الصفوة:
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من النساء المسلمات الممارسات لطب العامة، فإن هناك أدلة على وجود عدد لا بأس به من الطبيبات التي درسن من خلال القنوات الرسمية وفي سياق مجتمع الصفوة، وتعلمن على أيدي كبار الأطباء، مثل القوابل اللاتي تعلمن الطب من الطبيب الأندلسي المعروف "الزهراوي" وعملن مساعدات له. وإلى جانب عمل المرأة في المستشفيات، عملت المرأة أيضًا في العيادات، وقامت بزيارات منزلية لمداوة مرضاها من النساء. فخلال الحقبة من القرن السابع الميلادي إلى القرن السابع عشر الميلادي كان الطالب إذا ما أتم دراسة الطب يبدأ في ممارسة المهنة مباشرةً في المستشفيات والعيادات وبيوت المرضى، ويزور الطبيب المريض الغني في بيته، حيث إن الأغنياء فقط كانوا قادرين على استدعاء الأطباء لعلاجهم في بيوتهم، بينما يذهب أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة إلى المستشفيات للعلاج بالمجان. 
 
كما أنه من المؤكد أن النساء عملن في مجال تركيب الأدوية، حيث استخدام النساء لقطرات أو مراهم قمن بتركيبها، مثل "زينب بنت بني أود" التي كانت تكحل بمرهم مَنْ به رمد فتعالجه. وكان ابن سينا (ت. 427هـ) يستخدم قطرة لعلاج العيون ركَّبتها امرأة خبيرة بصناعة الطب. أيضًا جاء عن "ست الشام خاتون" (ت.616هـ) وهي شقيقة توران شاه (من ملوك بني أيوب) أنها كانت تتبنى وتُشرف على تصنيع أشربة وسفوفات وعقاقير في دراها بمبلغ عظيم ليُفرَّق على الناس.
 
ونخلص من هذه السطور التي تنظر لجل الأعمال التاريخية التي غاصت في ذاكرة التاريخ بحثًا عن الأدوار والمكانة التي حظيت بها المرأة في العمل الديني العام في العصور الإسلامية قبيل العصر الحديث، والتي أظهرت أنه كان للنساء حضور وتواجد في جميع المجالات، وأنه لا بد من إعادة النظر في المقولات السائدة والتي يُروج لها البعض مثل "تخلف المرأة المسلمة في العصور الإسلامية الوسطى" وإعادة قراءة التاريخ بعيدًا عن التحيز المتجذر في وعينا الحداثي.

المراجع:
  • أميمة أبو بكر، هدى السعدي، "المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب".- القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 2001. 
  • موسوعة المرأة عبر العصور (المجلد السادس)، إشراف: سمير سرحان.- القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2004.
  • Maya Shatzmiller, Labour in the Medieval Islamic World.- New York : E.J. Brill, 1994.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب المقال: أستاذ مساعد تاريخ وتراث العصور الوسطى – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة ابن رشد
أضافة تعليق