مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/04/11 04:22
الجهاز الإداري في الدولة الإسلامية.. الوزارة
تُعَدّ الوزارة من أوضح المؤسسات الراسخة في النظام الإسلامي بعد الخلافة، وذلك لأن الخلفاء مهما كانت مقدرتهم الإدارية، وكفاءتهم السياسية فلابد لهم من معاونين ومساعدين، لأن السلطان – كما يقول ابن خلدون – يحمل أمرًا ثقيلاً فلابد له من الاستعانة بأبناء جنسه، فالوزارة إذن "أم الخطط السلطانية والرتب الملوكية"، والوزارة عند ابن خلدون مأخوذة من المؤازرة، أو من (الوِزْرُ) وهو (الحمل الثقيل)، فالوزير يحمل مع السلطان أوزاره وأثقاله (المعاونة المطلقة).

وهناك شبه اتفاق بين المؤرخين على أن الوزارة بمعناها الاصطلاحي لم توجد إلا في عهد العباسيين، فقد كان الوزير في عهد العباسيين يعتبر رأس الجهاز الإداري، وقمة هرمه، وأصبح يشرف على دواوين المال والرسائل والخاتم، ولذلك صار اسم الوزير جامعًا لخطتي السيف والقلم.  

أما عن البداية الحقيقة لاستخدام مصطلح الوزارة، فعندما نجحت الدعوة العباسية في خراسان، وتوجت معاركهم هناك بالنصر على الأمويين، تقدم القادة العسكريون إلى الكوفة، وأظهروا أبو سلمة الخلاّل واسمه حفص بن سليمان الهمداني (أحد دعاة بني العباس في بداية دولتهم) وسلموا إليه الرئاسة وسموه "وزير آل محمد". ثم عينه أبو العباس السفاح ( 132 - 136هـ / 750 - 754 م) وزيرًا له، فشعر أبو سلمه بقوته وأراد أن تكون له الكلمة الأولى في الدولة ليستبد بالأمور، ولذلك قتله أبو العباس، فشاع هذا الموقف الخوف في نفوس المتطلعين إلى منصب الوزارة، وجعلهم يرضون بممارسة واجباتهم دون اتخاذ لقب وزير، فأصبحت مرتبة الوزارة مرتبة ثانوية لا تتعدى مصاحبة الخليفة في المناسبات العامة، والنظر في بعض الدواوين كديوان البريد والإنشاء.

وكان الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور (136 - 158هـ/ 754 - 775م) يهابه العمال والوزراء ويخافون محاسبته لهم، كما أنه لم يتردد في التخلص من وزيره أبو أيوب المورياني حيث كان يخدعه. وفي عهد المهدي الذي جلس على كرسي الخلافة بعد وفاة المنصور، فوض إلى عبيد الله بن يسار تدبير المملكة، وسَلم إليه الدواوين، وسماه أخًا في الله ووزيرًا. وكان لشخصية هذا الوزير ظهور أبهة الوزارة، كما علت مكانته، فأخذ أعدائه يوغرون صدر الخليفة عليه حتى أزال نعمته وسلطانه ثم سجنه.
 
وقد وصلت الوزارة إلى أوج مجدها وقمة سلطانها في عهد هارون الرشيد (170 – 191هـ/ 786 – 806م)، فقبل خلافته كان الهادي يريد عزله عن ولاية العهد، ولكن يحيى بن خالد البرمكي تمكن من إقناع الهادي بعدم فعل ذلك، فكان الرشيد يشعر بأنه مدين ليحيى بوصوله للخلافة، ففوض إليه تدبير شئون الدولة دون الرجوع إليه قائلاً له: "قد قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب واستعمل مَنْ رأيت واعزل مَنْ رأيت، وأمض الأمور على ما ترى".  

وقد أثبت يحيى كفاءته، كما تغلغل النفوذ البرمكي في شتى إدارات الدولة: السياسية والحربية والإدارية، واعتمد الرشيد على البرامكة اعتمادًا تامًا، فجعل محمد بن خالد – أخا يحيى- حاجبًا له، وقسم والية أقاليم الدولة فجعل الفضل واليًا على القسم الشرقي، وجعفر واليًا على المغرب. إلا أن الرشيد على الرغم من أنه هو الذي مكن لهم وأعطاهم النفوذ، شعر أنهم يعملون على سلب السلطة من يديه، وأنه لم يعد له من الخلافة إلا مجرد الاسم فقط، ففزع لهذه الحال التي وصلت إليها الأمور، فأصدر سنة 176هـ قرارات حاسمة أنهت النفوذ البرمكي، حيث أمر بقتل جعفر، والقبض على يحيى والفضل وإيداعهما السجن، ومصادرة أموالهم، ومنع الناس من الحديث عنهم، ثم أسند الرشيد الوزارة إلى الفضل بن الربيع.

كان من المتوقع بعد تجربة الرشيد والبرامكة (نكبة البرامكة) أن تستقر الأوضاع وتتحدد اختصاصات الوزير فلا ينازع الخليفة في سلطته، ولكن التجربة تكررت ثانيةً في الصراع بين الأمين والمأمون، حيث استغل بعض الفرس من ذوي الطموح الفرصة وانضموا لجانب المأمون، وتزعمت هذا الاتجاه أسرة بني سهل برئاسة الفضل والحسن ابني سهل اللذان جمعا الفرس حول المأمون حتى خلُصت له الخلافة، فما لبث المأمون أن اتخذ الفضل بن سهل وزيرًا له، وكتب له قائلاً: "وقد جعلت لك مرتبة مَنْ يقول في كل شيء فيسمع منه". ومن ثَمَّ أخذ الفضل يستأثر بكل شيء دون المأمون حتى منعه من التعرف على أخبار الدولة، ولكن المأمون عالج الأمور بحكمة، ولم يلجأ إلى القرارات الانفعالية كما فعل الرشيد، فتخلص من الفضل بن سهل وهو في طريقه إلى بغداد، ثم جعل أخاه الحسن بن سهل وزيرًا، ثم عزله فقضى بذلك على نفوذ أسرة بني سهل نهائيًا.

وقد تدهورت أحوال الوزارة بعد المأمون، ولم يعد للوزراء أي سلطان، فانحطت مرتبتهم، وطمع في الوصول إليها غير الأكفاء، فكان أول وزراء المعتصم عاميًا "لا علم عنده ولا معرفة"، فنظرة واحدة لسلسلة وزراء القرن الثالث الهجري تؤكد أن معظم الوزراء في هذا القرن لم تكن لهم كفاءة ومقدرة الوزراء السابقين. وقد حرص الخلفاء العباسيون طوال وجودهم في بغداد على أن يكون لهم وزراء يتولون شئونهم، ولكنها كانت وزارة شكلية لا تتعدى القيام بالنظر في ممتلكات الخليفة، وبعض الأعمال الدينية التي ظلت تابعة لسلطته كتعيين القضاة وأئمة المساجد، وبذلك لم يعد للوزارة العباسية سلطات تنفيذية، وليس معنى هذا أن الوزارة قد انتهت كنظام من الحياة السياسية الإسلامية، بل المقصود أنها انتهت كنظام مركزي. 

وفي الدولة الفاطمية (358 – 567هـ/ 969 – 1171م) تعاظم نفوذ الخلفاء الفاطميين الأوائل على حساب الوزراء الذين كانوا فقط أشبه بوزراء تنفيذ، أي تقتصر مهمة الوزير على تنفيذ أوامر الخليفة، وعدم التصرف في شئون الدولة من تلقاء نفسه. ولعل أهم ما يُمَيز منصب الوزارة في العصر الفاطمي هو أن الكثير من وزراء الفاطميين كانوا من النصارى "أهل الذمة" مثل : (عيسى بن نسطورس، ويعقوب بن كلس، وعسلوج بن الحسن). وحين ضعف خلفاء العصر الفاطمي الثاني برز نفوذ الوزراء حتى أطلق المؤرخون على هذا العصر اسم "عصر الوزراء العظام"، ومن أشهرهم الوزير بدر الجمالي (405-487هـ/ 1014- 1094م). وفي النهاية كان الصراع بين الوزراء مرتبطًا بسقوط الخلافة الفاطمية وظهور الدولة الأيوبية (567 – 648هـ/ 1171 – 1250م).

وفي العصر المملوكي (648 – 923هـ/ 1250 – 1517م)، ذوى نفوذ الوزراء لابتكار منصب جديد هو "نائب السلطان" حجب منصب الوزير، كما ظهر منصب آخر هو "ناظر الخاصة" الذي قضى على الوزارة في النهاية، وفي ذلك يقول ابن خلدون: "جاءت دولة الترك بمصر فرأوا أن الوزارة قد ابتذلت بترفع أولئك عنها فصارت مرؤوسة ناقصة، فاستنكف أهل هذه الرتبة العالية في الدولة عن اسم الوزارة...".

وهكذا؛ كانت الوزارة تأتي بعد الخلافة من حيث الأهمية السياسية والإدارية في الدولة الإسلامية، والوزير وسيط بين الخليفة والرعية، فهو من ناحية يُعين الخليفة في تصريف شئون الدولة ومباشرة مهامها، كما أنه من ناحية أخرى يُطلع الخليفة على أحوال الرعية بوجه عام. وحسبنا أن الوزير كان يتقاضى من الدولة راتبا عاليًا يبلغ مائة ألف دينار، بالإضافة إلى رواتب تُخصص لأولاده وإخوته، فضلاً عن الضياع والعقار، والجاه والنفوذ والسلطان.

المراجع:
  • أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد.- القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1992. (ص 250 – 254). 
  • عبد الحميد العبادي وآخرون، الدولة الإسلامية: تاريخها وحضارتها.- القاهرة: مكتبة نهضة مصر، 1955. (ص 24 – 26).
  • عبد الرحمن زكي، بناة القاهرة في ألف عام.- القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986. (ص 11- 16).    
  • محمد عوني يس، من تاريخ الحضارة الإسلامية.- القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1995. (ص 87 – 95).
  • محمود إسماعيل، تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.- القاهرة: الأهرام للكمبيوتر والطباعة، 2000. (ص 65 – 69). 
أضافة تعليق